المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماذا لو التقيت أوباما ؟؟؟



محمد ملوك
04/06/2009, 11:39 AM
باراك أوباما يزور مصر العظيمة ، والمناسبة تحقيق وعد قطعه على نفسه في بداية حملته الإنتخابية حين قال أنه سيلقى خطاباً رئيسياً إلى العالم الإسلامي داخل دولة إسلامية ، وبعيدا عن التحليلات السياسية التي حاولت وتحاول في هذه الأيام استباق هذه الزيارة وسبر أغوار الخطاب المرتقب للرئيس الذي شغل الدنيا من المحيط إلى الخليج ، وقسم المسلمين والعرب إلى فئتين تحمل أولاهما رايات التشاؤم من هذا الرئيس وتتبع زلات أقواله وأفعاله وتدعو لعدم التطبيع معه وعدم تصديق خطواته وتحركاته ودعواته وتحذر من مغبة الإستبشار المفرط بنهجه السياسي ، والثانية ترفع أعلام التفاؤل وتحصي عدد الوعود التي حققها منذ توليه الرئاسة وتدعو الجميع للصبر ولإفساح المجال له ولولايته وتحذر من سوء إغلاق الأبواب أمام اليد الممدودة من طرف أمريكا ورئيسها في الوقت الحالي .
بعيدا عن هذه الفئات ، وبعيدا عن كل هذه الآراء والتحليلات ، وقبل أن أستبق الأحداث ، سألت نفسي عما يمكن أن أقوله لباراك أوباما لو ساقتني الأقدار للإلتقاء به في أحد الشوارع العربية ، وطبعا ما كنت لأطلق العنان لنفسي لو تعلق الأمر برئيس عربي أو زعيم من زعماء الدول الإسلامية لعلمي المسبق أن حدوث مثل هكذا أمر يعد من أكبر المستحيلات ، فولاة الأمر عندنا لا يخرجون إلى الشوارع إلا برفقة جيش عرمرم يحرسهم بأحدث الأسلحة المتطورة ، وما كنت لأفكر في مثل هذه الأشياء إلا بعد تيقني أن رئيس أعظم دولة في العالم اعتاد الإلتقاء مع محبيه وخصومه وأفراد شعبه بالمباشر وبدون أية وساطة تذكر أو حراسة كالتي عندنا .

لذلك لو التقيت أوباما فسأطلب منه أن يقتطع من وقته الثمين جزءا يخصصه لحكامنا الميامين ليمحو عنهم أميتهم في فن التعامل مع الشعوب ، وليلقنهم بعضا من أبجديات اليموقراطية الواضحة ، وليعلمهم كيفية التخلص من عقدة التخوف من المواطنين .

لو التقيت باراك أوباما لقلت له أن ظالم للإسلام والمسلمين ، لأنه شارك بطريقة أو بأخرى في منع بعض المساجد المصرية من ذكر الله والصلاة فيها ، ولأنه سعى في خرابها بمجرد إعلانه زيارة أم الدنيا .

لو التقيت أوباما لنصحته ـ والدين النصيحة ـ بألا يغتر بالجماهير التي ستستقبله ، ولا بالأرض التي ستكسى وتنظف تحت قدمية ، ولا بالجدران المصبوغة من حواليه ، ولا بحفاوة الضيافة التي سيتلقاها يمينا ويسارا ، لأن كل ما سيراه وسيسمعه ما هو إلا واقع أريد له بقانون القوة والجبر أن يكون كذلك ، أما ما وراء ذلك فإنه أعظم من كل عرض ووضف .

لو التقيت أوباما لقلت له إن حسن النية لا يكفي للمبيت مع الحية ، وإن أمريكا في نظر العديد من أبناء العروبة والإسلام حية تسعى للدغ كل من يعارض أفكارها ومشاريعها ومخططاتها ، وحسن النية الذي تلى شعار " نعم ... نستطيع "لا يكفي لإزالة هذه النظرة ، كما لا تكفي الأقوال إذا لم تترجم إلى أفعال ، ولا تفلح الشعارات إذا لم تتحول إلى حقائق ، ولا تؤتي المبادرات الرمزية البعيدة عن الشمولية إلا ثمارا موسمية سرعان ما تنتهي حلاوتها .

لو التقيت باراك أوباما لسألته عن وقت الإنسحاب الكامل من العراق ، وعن اليوم الذي ستغلق فيه الغوانتناموات الأمريكية ، وعن الصومال متى ترفع الأيدي عنها ، وعن أفغانسان متى تحقن دماؤها ، وعن باكستان متى تنتهي حالات التحرش بها ، وعن السودان متى يرفع الحصار عنها ، وعن فلسطين متى تنصف وتستقل ، وعن الشيشات متى تحرر ، وعن البلقان متى يترك سبيلها ، وعن كشمير متى يرد الحق إليها ، وعن لبنان متى يتم إخماد نيرانها .

لو التقيت أوباما لقلت له إن إرهاب أمريكا ولد عندنا إرهابا مضادا ، وإن الحرب على المتطرفين وتسليح المعتدلين ومعاداة المحايدين صنع لنا عالما لا لغة فيه إلا لأصوات القصف والنسف والتفجير والتدمير ، وأن مسلسل حماية الأمن القومي الأمريكي قد انقلب فيه التشويق إلى تحريق ، و المشاهد والمتتبع لحلقات هذا المسلسل الطويل يدرك أن ميزان البطولة فيه قد اختل واعوج ، وأن الكاتب لم يحسن صياغة السيناريو ، وأن المخرج قد أخطأ حين ظن أن الجلاد يمكن أن يؤثر على الجمهور بمجرد لباسه لثوب الضحية .

لو التقيت باراك أوباما لقلت له إننا نصغي لأمريكا أكثر مما تستمع إلينا ، وقد حان الوقت لأن تسمع الولايات المتحدة الأمريكية للولايات العربية والإسلامية بآذان تعي ما يقال وعقول تفهم وتدرك كنه ما يطرح ويناقش ، فالعالم اليوم على شفا حروب دامية لا سبيل إلى تجنب كوارثها إلا بحوار صريح ومباشر بين جميع الأطراف دون قيد أو شروط أو موازين .

لو التقيت أوباما لقلت له إن سلفكم ما ترك فينا إلا حقدا متصاعدا لأمريكا ، وما أنتج لنا إلا غضبا عليها ، وما صنع بيننا إلا كرها لها ، وانت جئت من كل فج عميق بأمل وأطلقت لكل فئة وعدا ، والعرب والمسلمون قوم تتحول عندهم بين لحظة وأخرى الآمال إلى آلام ، وينقلب عندهم الوعد إلى وعيد ،ولكي يصدقوك فلا بد من تقديم ضمانات وضمانات لهم حتى يثقوا من خلالها بك وبأمريكا الجديدة .

لو التقيت باراك أوباما لقلت له أشياء وأشياء ، بيد أنني قررت حين ألتقيه أن أتجنب طريقه دون رفع عيني نحوه ، وأن أبلع لساني فلا أنبس ببنت شفة وأن أتجاهله حتى أقي نفسي من جرم أو تهمة قد تفصلها على عكس مقاسي سلطات بلادي ، وبلادي دولة عربية كما تعلمون .
والعرب وللأسف الشديد ... لا يستطيعون .