المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وصية جدتي



محمد خلف الرشدان
06/06/2009, 05:08 AM
جدتي لأبي المغفور لها باذن الله الحاجة عيشة العلي القاسم الرشدان ستدخل التاريخ من اوسع ابوابه وذلك لأن اسمها سينشر الكترونيا وعلى الملأ
ولدت جدتي عام 1900و توفيت عام 1974جدتي المرأة المكافحة امرأة لا تكل ولا تمل من العمل وهي أمية لا تقرأ ولا تكتب ولكننا الصغار كنا نستغرب لماذا لاتعلمنا القراءة والكتابة فهي بالنسبة لنا الآمرة و الناهية وبعد أن كبرنا عرفنا ( أن من طبيعة العرب أن يكون بعضهم من الآمرين الناهيين رغم انهم أميون كجدتي)

وهي امرأة شغيلة مخلصة في جميع أعمالها أمينة على مصلحة بيتها وأولادها تغار على بيتها تنظفه من الداخل والخارج واذا وجدت فأرا"فانها تلاحقه حتى تقتله لأنه غريبا" عن بيتها وتقتل الحيات والعقارب وهي بهذه الشجاعة والجرأة تخلص أهل البيت من سمومها وشرورها ولهذا حازت على رضى العائلة كلها فقد كان الجميع ينظر اليها باحترام شديد ، وذلك لقناعتنا بأنها مخلصة لبيتها لا تسمح للغرباءبدخوله حتى أن رعاة البقر وما أدراك ما رعاة البقر لم تكن تسمح لهم بالدخول وذلك لقناعتها بأنهم همجيون رعاع لصوص وقطاع طرق وقتلة مجرمون لا يسلم منهم أحد ولعلمها السابق عنهم وكما قالت لنا يومها بأنهم ذبحوا الخيول الحمر ولم نكن نفهم يومها مجزرة الخيول الحمر وعندما كبرنا فهمنا الحكاية وعرفنا أن قتلة وسفاكي الهنود الحمر ،يجب أن يطردوا من بيوتنا شر طردة وعلينا أن نضع السيف في رقابهم قبل أن يتكاثروا هؤلأة الرعاة الأشرار ويضعوا هم السيف في رقابنا هكذا قالت جدتي رحمها الله و رحم الله جداتكم أيها السادة لم تكن تضيع الحجة جدتي أم خلف دقيقة واحدة في ادارة منزلها المثقل بالعمل المضني من قبل طلوع الفجر بساعتين وحتى مغيب الشمس( وليت المسئولين في أمتي كل في موقعه يقتدي بجدتي ) الأمية

وكان المنبه في تلك الأيام هو الديك فهي تعرف بأنه يصيح في الليل 3 مرات مرة بعد منتصف الليل بقليل والمرة الثانية قبل الفجر بساعتين والمرة الثالثة مع الفجر ولنشاطها كانت تستيقظ على صيحة الديك الثانية وعندها يركب القرد أكتاف جميع أفراد العائلة ويستيقظون سريعا"" خوفا من بطشها , ثم توزع العمل اليومي على أفراد العائلة العشرين الذي كان أشبه ما يكون بألأعمال الشاقة ( وليتنا نتوزع الأدوار في بلادنا كل في عمله بأمانة واخلاص وتكون جدتي الأمية صاحبة الريادة في هذا المضمار )فوالدي يرحمه الله عليه دور الحراثة فينطلق قبل الفجرعلى فرسه وعليه أن يحرث دونمين كاملين والدونم 1000متر مربع ثم يعود قبل الغروب وعلى هذا فأنا حراث ابن حراث أما أمي المرحومة جميلة فضل الداوود الزعبي فكانت توقد الفرن الفخاري الدائري والمصنوع محليا والذي يتسع لعشرة أرغفة ثم تبدأ بعمل الخبز كان خبزا" من طحين القمح الخالص وليس كخبز ايامنا هذه وكان عليها أن تحضر حسب أوامر جدتي الصارمة 100 رغيف يوميا ثم عليها أن تركب قدر مرقة العدس والذي يتسع ل40لترا" وبالمناسبة اللي أمه خبازة ما بجوع فقد كنت بجانبها دوما وأنا صغيروكانت تشوي لي البيض في الفرن وتناولني اياه بعيدا" عن عيون جدتي ومراقبتها البصرية والنقلية ، أما أعمامي الاثنين فكانوا يذهبون مع الرعيان مع شلية الغنم والتي كان عددها ينوف على 500 رأس أما عماتي والبالغ عددهن 7 فقد كان واجبهن حلب الأغنام والأبقارثم خض الحليب لاخراج جميع مشتقاته وكذلك جرش العدس وسلق القمح وطحنه في المطحنة الملاصقة لنا وتجهيزالمعالف للحلال وسقيها ثم القيام بالاعمال المنزلية المختلفة أما جدي يرحمه الله فكان تاجرا في الحلال (الغنم والبقر والجمال ) يخرج مع الفجر ولا يعود قبل العشاء.

وفي الشتاء القارس بعد أن تنهي العائلة أعمالها اليومية الروتينية تتحلق حول الموقد مساء" وتكون أمي قد أحضرت قدر الطبيخ ( البرغل ) وصبته في اللقن (وهو وعاءكبير يستطيع الرجل أن يجلس به متربعا" ) ثم يوزع على كل فرد من العائلة رأسا" من البصل وتبدأ المعركة حامية الوطيس وكنا نحب يوم الجمعة حبا جما اذ كان جدي يذبح لنا به رأسا من الغنم لتتزفر به العائلة وبعد العشاء نتقرب نحن الصغا ر من جدتي لتبدأ حديثها المشوق عن الأرض والزرع والحصاد وتقول ان الذي يفرط في أرضه يفرط في شرفه عليكم المحافظة على الأرض عضوا عليها بالنواجذ ولا تسمحوا للغرباء بأن يطئوها وتقول لنا ان فلانا من الحارة لقبه الأرنب لأنه جبان رعديد يخاف من الصفير يزرع الغرباء أرضه دون اذنه ولا يستطيع منعهم رغم أن لديه اولاد كثيرون ثم يعطونه من الغلة الفتات وهو منبوذ من أهل القرية وفي المقابل أنظروا الى فلان يلقبونه بالأسد حاول الغرباء ان يزرعوا أرضه دون علمه فقام قومة الأسد واحضر اولاده واخوانه وقال لهم المنية ولا الدنية وباع كل ما يملك واشترى سلاحا لكل واحد منهم واستعان بأقرباءه ثم هجم عليهم بمن معه وقتلوا الكثير من هؤلأ الغرباء المعتدين وفر الباقيين مذعورين من هول المفجأة الى أعالي البحار وأخذوا معهم الذين يسكنون في بيوتنا على الشاطىء الغربي التي شلحونا اياها ولما سألت جدتي ما معنى أعالي البحارقالت هم رعيان البقر واصحاب البقرة الحمراء فكلهم بقر في بقر يسكنون في أرض الخيول الحمر بعد أن أبادوهم وسلخوا جلودهم .

رحم الله جدتي أم خلف رحمة واسعة فقد كانت بحق معلمة مناضلة مكافحة استطاعت أن تعلمنا كيف نكون رجالا" أشداء لا نخشى في الله لومة لائم وأن نحافظ على أرضنا بأرواحنا وعندما عرفت أن الآخرة أقرب اليها من الدنيا قالت موصية اياكم ان تناموا على ضيم طهروا قريتكم من رعاة البقر والبقرة الحمراء المجرمين ولا يغرنكم شدة أسلحتهم وبطشهم فهم الأرانب والخنازير وعليكم بشذاذ الآفاق قتلة الأنبياء نفذوا وعد الله تعالى بهم ان ينصركم الله فلا غالب لكم ثم أسلمت الروح لبارئها . بكيت على جدتي فقد كانت فيلسوفة نساء زمانها وما زلت أترحم عليها وأذكرها وأقف على قبرها واقرأ لها الفاتحة وأتصدق على روحها الطاهرة فهل من معتبر يا أولي الأبصار