المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اسحاق موسى الحسيني :نصف قرن من الكتابة في الادب والثقافة العربية



ابراهيم خليل العلاف
06/06/2009, 06:19 PM
إسحاق موسى الحسيني : نصف قرن من الكتابة في الأدب والثقافة العربية
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل

إسحاق موسى الحسيني ، كاتب وباحث ومفكر وأديب عربي فلسطيني كان له دوره في الساحة الثقافية العربية المعاصرة وذلك من خلال مؤلفاته ودراساته ونشاطاته التربوية والتعليمية . فضلا عن إسهاماته في عضوية مؤسسات علمية وبحثية عديدة منتشرة في طول الوطن العربي الكبير وعرضه ونستطيع القول ، وبكل ثقة ، أن الرجل كان موسوعة ثقافية قائمة بذاتها ، وطوال 50 عاما ، قدم الأستاذ الدكتور إسحاق موسى الحسيني صورة ناصعة للمثقف العربي المتسلح بثقافة التراث والمنفتح على الثقافة الغربية المعاصرة ، لذلك اعتمدت آراءه بخصوص تجديد اللغة العربية وتطوير قواعد نحوها وابتكار السبل الكفيلة بتسيير تدريس مادة الأدب العربي بروح عصرية . وفوق هذا وذاك كان الحسيني كاتب قصة معروف فضلا عن كونه كاتب مقالة متنور وباختصار فان الحسيني في حقبة من الزمن ، ملأ الدنيا وشغل الناس ولم يقتصر إنتاجه على الجانب الأدبي ، بل اتسع ليشمل الجانبين الديني الإسلامي والأدبي ـ اللغوي حتى انه لم يترك قضية أدبية أو فكرية أو ثقافية برزت في عصره إلا وتناولها . ولم يبخل أبدا بتقديم الجهد والتشجيع والتوجيه لتلاميذه وزملائه .. وبهدف إلقاء الضوء على دوره في تنمية حركة الفكر العربي المعاصر لابد من الوقوف قليلا عند سيرته الذاتية والعلمية .
ولد الأستاذ الدكتور اسحق موسى الحسيني في مدينة القدس سنة 1904 وثمة من يقول انه ولد سنة 1908 وانتقل رحمه الله يوم الاثنين السابع عشر من شهر كانون الأول / ديسمبر سنة 1990 وبذلك يكون قد عاش قرابة (86) سنة . وكان والده موسى بن صالح بن عمر الحسيني الكبير نقيبا لأشراف القدس ، وقد بدأ حياته الدراسية في الكتاتيب ، ثم انتقل إلى المدارس الرسـمية
(الحكومية) ، وأنهى دراسته الثانوية في ما كانت تسمى آنذاك المدرسة الرشيدية ، وفيها تتلمذ في علوم اللغة العربية وآدابها على يد الأستاذ محمد إسعاف النشا شيبي رحمه الله . وفي سنة 1923 التحق بالجامعة الأمريكية في القاهرة وحصل فيها على شهادة الدبلوم في الصحافة سنة 1926 وبدأ العمل ، على اثر تخرجه ، معلما في المدرسة الرشيدية نفسها .. لكنه لم يمكث في وظيفة التعليم طويلا إذ سرعان ما التحق بالجامعة المصرية (جامعة القاهرة فيما بعد ) وحصل على ليسانس الآداب منها سنة 1930 .
يقول الدكتور تيسير الناشف في كتابه الموسوم : (( مفكرون فلسطينيون في القرن العشرين )) الذي نشره مركز الدراسات الفلسطينية بجامعة بغداد سنة 1981 : أن الدكتور طه حسين كان من ابرز أساتذة الحسيني في هذه المرحلة . ولم يقنع الحسيني بما حصله من علوم وآداب ، اذ قرر السفر إلى إنكلترا والالتحاق بمعهد الدراسات الشرقية التابع لجامعة لندن ليدرس الآداب واللغات السامية على يد أستاذه المستشرق الإنكليزي المشهور هاملتون كب Gibb وقد تخـرج في هذا المعهد سنة 1932 كما حصل على دبـلوم فـي الفلسـفة سنة 1934 .
وبعد عودته إلى موطنه فلسطين ، عين مدرسا للغة العربية والأدب العربي في الكلية العربية . وفي مطلع سنة 1946 تألفت في فلسطين ((لجنة الثقافة العربية للتأليف والترجمة والنشر ..)) واختير الحسيني سكرتيرا (أمينا عاما) لها وكان يشغل آنذاك منصب المفتش الأول للغة العربية في ما كان يسمى آنذاك ((إدارة المعارف العامة في فلسطين)) ، واستمر في هذا العمل حتى سنة 1948 . وقد انتدبته الإدارة هذه ليمثلها في المؤتمر الثقافي العربي الذي عقد في مصيف بيت مري بلبنان أوائل أيلول / سبتمبر سنة 1947 . وقبيل حرب فلسطين في سنة 1948 ، غادر الحسيني بلاده فلسطين إلى لبنان وأقام في بيروت ، حيث عين في هذه السنة أستاذا للغة العربية والأدب العربي في جامعتها الأمريكية .. وفي سنة 1952 سافر الى كندا بناء على دعوة تلقاها من جامعة من جامعة ما كجيل في مونتريال وذلك لتدريس مادة الأدب العربي وفي أواخر سنة 1955 عاد الى القاهرة بناء على دعوة تلقاها من الأستاذ والمربي الكبير ساطع ألحصري عميد معهد الدراسات العربية العالمية التابع لجامعة الدول العربية للتدريس في المعهد . وقد كلف آنذاك من مجلس العلوم والفنون والآداب المصري لتأليف كتاب عن الأدب العربي المعاصر . وفي المعهد اشرف على الكثير من رسائل الماجستير واطروحات الدكتوراه فضلا عن عمله الآخر رئيسا لقسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة الأمريكية وبقى كذلك الى أن أحال نفسه على التقاعد في سنة 1967 .
كان الحسيني عضوا في العديد من المجامع والمؤسسات العلمية العربية ، فمنذ سنة 1960 اختاره المجمع العلمي العراقي عضوا فيه وبعد سنة من ذلك أصبح عضوا في مجمع اللغة العربية في القاهرة ثم عين عضوا في مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف سنة 1962 وفوق ذلك اختاره المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن عضوا فيه . كما عين سنة 1982 عضوا في مجلس أمناء كلية العلوم والتكنلوجيا التابعة لجامعة القدس وفي الوقت ذاته كان عميدا لكلية الآداب للبنات في الجامعة ذاتها .. وقد حصل على أوسمة وتكريمات كثيرة لعل من أبرزها حصوله على وسام العلوم والفنون من مصر سنة 1963 ولقب عميد الأدب الفلسطيني سنة 1986 .
وفي 20 آب / أغسطس سنة 1978 أرسل إليه الدكتور تيسير الناشف رسالة يخبره فيها عزمه تأليف كتاب عن عدد من المفكرين الفلسطينيين . وقد أجاب الحسيني على الرسالة بكتاب مؤرخ في 12 ايلول / سبتمبر 1978 جاء فيه انه فقد مكتبته إبان العدوان الإسرائيلي على فلسطين سنة 1948 وليس من السهولة عليه تقديم كشف بنشاطاته العلمية لكنه استدرك وقال انه اعتمادا على الذاكرة يستطيع القول أن جوانب نشاطه قد تبلورت في أربعة اتجاهات أولاها الجانب الديني وابرز ما قدمه في هذا الجانب كتابيه ((الأخوان المسلمون)) و ((المسلمون بين الماضي والحاضر)) . أما الجانب الثاني فهو الجانب العلمي وينحصر في تأليفه وإصداره عددا من الكتب أبرزها كتابيه ((ابن قتيبة حياته وآثاره بالإنكليزية )) و ((أزمة الفكر العربي )) فضلا عن أبحاثه ودراساته المقدمة الى مجمع اللغة العربية في القاهرة .. أما الجانب الأدبي فقدم فيه الدكتور الحسيني عددا من الكتب أبرزها كتبه ((المدخل إلى تاريخ الأدب المعاصر )) و((النقد الأدبي المعاصر)) و((وهل الأدباء بشر)) و((مذكرات دجاجة)) .
ويبقى الجانب الأخير وهو الجانب السياسي وفيه ألف الدكتور الحسيني عددا من الكتب التي تناولت التأكيد على عروبة بيت المقدس ، فضلا عن مجاميع من الدراسات التي تركزت حول القضية الفلسطينية .
من مؤلفات الأستاذ الدكتور الحسيني المنشورة أطروحته للدكتوراه التي قدمها سنة 1934 إلى معهد الدراسات الشرقية التابع لجامعة لندن وكانت بعنوان ((ابن قتيبة :حياته وآثاره)) وقد اشرف عليها كما سبق ان قدمنا المستشرق الإنكليزي هاملتون كب صاحب كتابي (المحمدية) و((المجتمع الإسلامي والغرب)) ويعد من ابرز المستشرقين وأكثرهم رصانة علمية وحيادية وموضوعية . وللحسيني كتاب بعنوان ((رأي في تدريس اللغة العربية ))نشره في القدس سنة 1937 ، وكذلك كتاب ((علماء المشرقيات في إنكلترا)) ونشره في القدس سنة 1940 وكتاب (مذكرات دجاجة) وهو يحمل فكرة فلسفية في قالب قصصي وطبع في القاهرة سنة 1943 وكتاب ((فن انشاء الشعر العربي)) بالفرنسية ونشره سنة 1945 وكتاب ((عودة السفينة )) وهو معالجة لقضايا اجتماعية وفكرية ونشر في القدس سنة 1945 وسلسلة تربوية بعنوان سلسلة الطرائف للأطفال بأربعة أجزاء ونشرت في القدس سنة 1947 وكتاب مترجم عن الإنكليزية بعنوان ((الإسلام في نظر الغرب )) ونشر في بيروت سنة 1953 وكتاب ((أزمة الفكر العربي)) ونشره في بيروت سنة 1954 وكتاب ((أبحاث في ماضي المسلمين وحاضرهم )) ونشر سنة 1966 .
ليس من السهولة في مثل هذا الحيز المقتضب حصر مؤلفات الدكتور الحسيني ، فثمة دراسات أخرى له منها أن دائرة المعارف البريطانية نشرت في عدد كانون الثاني / يناير سنة 1948 نتاجا للحسيني عن ((التأليف في البلاد العربية )) ، خلال سنة 1947 كما ظهر له مقال بعنوان ((أظهر في فلسطين أدب وأدباء )) في مجلة الثقافة ..كما أن له كتابا ألفه بالاشتراك مع فايز الغول بعنوان ((العروض السهل)) وطبع في القدس سنة 1945 .. كما اشترك مع الأب اسطيفان سالم في ترجمة كتاب عن اللغة الفرنسية بعنوان ((فن إنشاء الشعر الغربي )) طبع في القدس سنة 1945 واشترك مع عيسى عطا الله في تأليف كتاب مدرسي بعنوان ((الأساس في قواعد اللغة العربية)) وطبعته دار المعارف بمصر سنة 1948 وفيه ، كما يقول الدكتور الناشف ، ينحو المؤلفان منحى جديدا في تقويم القواعد وربط أبوابها وتيسير صعابها ويقولان بأنه ليست كل القواعد ضرورية ومن المفيد تجريد اللغة العربية من القواعد الزائدة . وقد توسع في هذا وألف كتاب بعنوان ((أساليب تدريس اللغة العربية )) طبعته دار الكتب في بيروت سنة 1955 . ويقينا أن للحسيني مؤلفات مخطوطة تضمها مكتبته ومخلفاته في القدس المحتلة لعل من أبرزها مخطوطـة عن أدباء فلسـطين .
يعتقد الدكتور الحسيني أن الفكر العربي المعاصر يعاني من أزمة خانقة ، والذين يجولون بأبصارهم في المجتمع العربي ، ويتحسسون ما يجري فيه يرون مظاهر هذه ألازمة بوضوح ، لكنه يعود فيقول أن ذلك ليس مدعاة لليأس والتشاؤم ، فالأزمات الفكرية ظواهر طبيعية في حياة الأمم والمجتمع العربي ، شأنه كشأن سائر المجتمعات ، يمر الآن في دور انتقال من حياة قديمة إلى حياة حديثة تحاول أن تنسجم مع حيوات سائر الأمم القريبة والبعيدة )) ويعد الحسيني الأحداث التي واجهتها الأمة العربية بعد الحرب الأولى وكانت لها آثارها في جميع مرافق الحياة وأبرزها تحرر البلاد العربية وازدياد الإقبال على العلم ، وانتشار الصحف ووسائل الإعلام المختلفة ، وظهور مذاهب وآراء جديدة بعد الحربين العالميتين ، واصطدام هذه المذاهب والآراء بالمذاهب والآراء القديمة وما نجم عن ذلك من متغيرات فكرية وثقافية أثرت في حياة الناس ودفعتهم لان يكون لهم دور حقيقي في بناء مجتمعاتهم المتحضرة .
وفي رأيه أن كل تلك التحولات أثارت مشكلات جمة أمام المجتمع العربي مما استدعى إيجاد حلول لذلك ، واستدعاء الحلول ، كما يعتقد ، يولد أزمة وإذا ما عالج المفكرون هذه الأزمة بأناة وتجرد وجرأة انفرج الحل عن خير عميم لهم ولمجتمعاتهم . ويضيف الحسيني إلى ذلك قوله انه ليس في الحياة حل ابدي لان الحل ينصب على نوع من المشكلات والحياة النامية المتطورة تولد المشكلات الواحدة تلو الأخرى والعقول المدبرة المفكرة لابد أن تعتمل لتبدع حلا بعد حل ، وهكذا يرافق الحل المشكلة ويسير الاثنان في خطين متوازين .
إن هذا هو تاريخ الحضارة البشرية منذ بدايتها وحتى عصرنا الراهن .. وقد يكون من المناسب الإشارة هنا إلى أن الحسيني وضع يده منذ زمن مبكر على حقيقة المستشرق برنا رد لويس وكتاباته التي يطعن فيها أصالة الفكر العربي ويقلل من دور العرب في التاريخ ، ففي أوائل الخمسينات من القرن الماضي ألف برنا رد لويس كتابه ((العرب في التاريخ)) وادعى فيه بأنه لا وجود لأمة عربية ويرد الحسيني على ذلك ويثبت خطأ حجج لويس هذه ويقرر أن لأزمة الفكر خمسة مظاهر ، فالمظهر الأول هو الحيرة ، فالعرب حائرون لايدرون أين يتجهون والمظهر الثاني هو الارتجال والحائر لايمكن إلا أن يكون مرتجلا .. والمشاكل عند العرب تدنو دنوا كبيرا يحول دون رؤيتها رؤية واضحة ، وحين يفاجأ العرب بها يرتجلون حلولا فيصيبون مرة ويخطئون مرات ، والمظـهر الثالـث للازمة الفكـرية هو السـير وراء ما اسـماه بـ (الشعورية وفقدان العقلانية) أي التفكير الصحيح القائم على المنطق والدرس والتأمل . ويشير الحسيني الى أن المفكرين العرب لم يشتركوا في بناء الحاضر العربي اشتراكا فعليا ، لأبل لم يفسح لهم مجال العمل .
والمظهر الرابع فقدان الجرأة وغياب الحرية الفكرية وعدم نقد ألذات ، ويرى الحسيني انه لم يتكامل عند العرب الإحساس بالمسؤولية الجماعية حتى ينشأ عنه قول الحق ، وصاحب الفكر عند العرب موضع شبهة وإذا خرج عن المألوف اتهم بالمروق وهكذا يظل الفكر الحر حبيسا في الصدور . ويقف الحسيني عند المظهر الخامس للازمة الفكرية وهو تركيز البصر في القديم بدلا من النظر إلى المستقبل واحترام سنن القدامى إلى حد التقديس فالعرب يرددون باستمرار عبارة مفادها انه لا يصلح هذا الزمن إلا بما صلح به أوله ، ومعنى هذه العبارة لايعني الركون عند الماضي ورفض نزعة التقدم وترك خيرات الأرض في باطنها وعدم الأقدام على عمرانها ن بل لابد من تحقيق مقاصد وجود الإنسان على هذه الأرض والتي تتلخص بالعبادة والخلافة والعمران .
وينتقل الحسيني بعد ذلك إلى ذكر الذريعة التي لا يفتأ يرددها العرب من أنهم مروا في تاريخهم بمراحل من القوة والسيادة وتألق الفكر والسيادة والعناية بالعلم والتجريب وخدمة الحضارة الإنسانية وأنهم تركوا تراثا علميا وإنسانيا يحق لهم أن يباهوا به الأمم ، غير انه لا يلبث أن يستدرك على ذلك بقوله : ولكن تلك المراحل قد مضت ولغرض استعادتها لابد من توفر شرطين الأول البحث عن عوامل النهوض . والثاني العزم والتصميم علة وصل القديم بالحديث .. ولا ينسى الحسيني الإشارة إلى أنظمة الحكم العربية وتخلفها عن مواكبة عصر التقدم ويدعو إلى وضع أسس علمية قويمة للتقدم المادي من خلال التصنيع وإصلاح الريف واستثمار الثروات الطبيعية والإقبال على العلوم الحديثة فلا تردد ولا إحجام مع ضرورة التركيز على نشر أساليب التفكير العلمي والتفاعل مع الحياة ونبذ النزعات العشائرية والطائفية والأخذ بالنظم الدستورية التي تساوي بين جميع المواطنين مساواة كافة في الحقوق والواجبات مع مراعاة حقوق المرأة وضمان مشاركتها في صنع المجتمع الجديد خاصة وان الإسلام ، كدين وكعقيدة وشريعة ، قد أكرمها واعزها وأخيرا فان الحسيني يدعو العرب لان يكونوا بمستوى التحدي الذي يواجهونه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ..
رحم الله الحسيني ، فقد كان مخلصا لوطنه وأمته وجزاه خيرا على ما قدم وقمين بنا جميعا أن نذكره ونراجع سيرته ونقف عند منجزاته المفيدة لحاضرنا ومستقبلنا ..