المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعث الحضارة الإسلاميّة من جديد... دور النُّخبة



بدران بن لحسن
07/06/2009, 01:48 AM
بعث الحضارة الإسلاميّة من جديد... دور النُّخبة
د. بدران بن الحسن
لقد قضى العالم الإسلامي وقتاً طويلاً من عمره الحضاري باحثاً عن نقطة بداية لإعادة بناء حضارته من جديد، وإعطاء نفسه الحضاري دفعة تخرجه من حالة التراوح والتبطل التي استنفدت قدراته في جهود مضنية.
وكان لمالك بن نبي –عليه رحمة الله- رأي في مسألة التخلف الحضاري الشامل التي يعانيها العالم الإسلامي، ورأى منذ الأربعينيات من القرن الماضي أن العالم الإسلامي يهدر طاقته في حل مشكلات جزئية متغاضياً عن المشكلة الكلية التي تحتوي كل تلك المشكلات، ألا وهي مشكلة الحضارة.
ورأى أيضاً أنه طالما أن العالم الإسلامي يفتقد إلى الرؤية الواضحة لما يريد أن يقوم به فإنه لن يتمكن من صياغة مشروع للنهضة أو الخروج من التخلف، ولن يتمكن من تحديد وجهته ولا بناء منهج لبناء الحضارة، وذلك في تصوره راجع إلى أن "الرؤية تحدّد المنهج والوجهة".
وبعبارة أخرى، فإن تصورنا لمشكلة العالم الإسلامي تصوّر جزئي ومفكّك، ولذلك فإن فهمنا للمشكلة فهم جزئي وعقيم؛ لأنه لا يحيط بكل أبعاد المشكلة، ولذلك فإن الحلول التي طُرحت كلها حلول جزئية؛ إن اهتمت بجانب أغفلت –عن قصد أو غير قصد- جوانب أخرى لا تقل أهمية عن الجانب الذي أولته اهتمامها. فأنتجت هذه التصورات الجزئية رؤى متناقضة ومشوهة وقاصرة في أغلب الأحوال، وغير قادرة على صياغة منهج لحل المشكلة الأم، ولا لحل المشكلات الجزئية المتراكمة.
ولذلك فإن أسئلة كثيرة تطرح نفسها بقوة على كل متأمل في ما نحن فيه من تردٍّ وتهلهل وتخلف شامل في العالم الإسلامي؛ فلماذا لم نستطع امتلاك هذه الرؤية المتكاملة لمشكلتنا في العالم الإسلامي؟ ولماذا لم نستطع بناء منهج قادر على الخروج بنا من المحنة التي نحن فيها؟
لعل هذا النوع من الأسئلة تراود كل من اهتم بأمر المسلمين، وسعى إلى المساهمة في فك خيوط الأزمة التي أُحكمت. ولا شك أن كثيراً من الإجابات راودت كل من طرح هذه الأسئلة على نفسه.
وفي تصوري، فإن الإجابة عن الأسئلة السابقة يمر حتماً بالإجابة عن سؤال أو أسئلة أخرى تتعلق بمن يتولى صياغة الرؤى الحضارية، ومن يقوم على بناء مناهج التغيير؟ هل هم عامّة الناس؟ أم هم النخبة من المجتمع؟
وإذا استقرينا التاريخ؛ تاريخ التغيرات الكبرى في تاريخ المجتمعات رأينا أن هناك دائماً "فرقة" تقوم بالمبادرة بحمل لواء التغيير، وتتبنى الأفكار والمشاريع والبرامج الجديدة التي تسوّغ على وفقها نمطاً جديداً للتفكير وصورة جديدة عن العالم، وبالتالي منهجاً جديداً لمعالجة الأمور.
ولنا في الأنبياء وأتباعهم أسوة حسنة، ولنا في تاريخ النبوات، وتاريخ الأفكار الكبرى، والأمم التي تعاقبت الريادة الحضارية في العالم، والمجتمعات التي سادت ثم بادت. لنا في كل هؤلاء خير دليل على أن هناك "نفراً" من كل "فرقة" يقومون بتغيير "القوم" وبصياغة منهج جديد للحياة.
ولذلك فإن مسألة القيادة التي هي النخبة أو النفر أو الفرقة التي تتولى شؤون القوم، وإنذارهم وإبلاغهم، وقيادتهم بالتعبير القرآني- هي المسألة المركزية في صياغة الرؤية والتصور الكلي الشامل من أجل أن تتبنى منهجاً يخرج قومها من ظلمات الفوضى إلى نور المنهج الواضح الأسس، البيّن الخطوات من أجل تحقيق مبادئ النخبة والمجتمع في أرض الواقع.
وفي هذا السياق فإن المشكلة في تصوري تتعلق بنمط القيادة التي تقود عملية التغيير الحضاري، ومدى وعيها واستيعابها للمعطيات المختلفة للواقع المعاصر، ولما يتطلبه القيام بمشروع بناء الحضارة من جديد من وضوح للرؤية وتوفر منهج شمولي متكامل للتغيير.
والحديث هنا يتجه أساساً إلى العلماء والمجتهدين والمثقفين، إلى النخبة التي تقود المجتمعات الإسلامية، ومدى قدرة هذه القيادات على قيادة مشروع بناء الحضارة الإسلامية من جديد، إن نظرياً أو عملياً.
ذلك أن مستقبل العالم الإسلامي يُناط بالقيادة التي تمتلك القدرة على شق الطريق اليبس في بحر الأزمة الخانق، وأن تكون قادرة –في رأي الجماهير من الناس- على فعل المعجزات التي تحوّل مسار التاريخ في لحظاته المدلهمة، وتنير الدرب بفعل تجاوزها ليوميات الأحداث، من خلال قدرتها على استشراف المستقبل، ورسم مسارات العمل المستقبلي، والحد من الخسائر، وتحفظ المحتوى العقائدي لما تحمله من أفكار، حتى لا يفرغ من محتواه أو يحوّر أو يبدّل.
غير أن مؤسساتنا بكل تنوعها؛ الدعوية والسياسية والثقافية والعلمية والاجتماعية وغيرها، غير قادرة اليوم على أن تواكب نمط التحولات السريعة والهائلة التي تحدث بفعل عصر العولمة الذي نعيشه، ولذلك فهي غير قادرة على صياغة المجتمع وفق التطلعات التي تؤمن بها.
كما أن النخبة بمختلف طبقاتها اليوم في عالمنا الإسلامي غير قادرة على أن تحمل في وعيها آمال الجماهير وغير قادرة على توجيه هذه الجماهير أيضاً. بل إن هذه النخبة التي من المفترض فيها أن تكون هي المعبر عن آمال وتطلعات الناس من جهة، وأن تكون هي مجسّات الوعي من جهة أخرى قد انغلقت على نفسها، ولم تعد قادرة على متابعة التغيرات والأحداث الكبرى التي تجري في عالم اليوم.
ولذلك فإن النخبة في العالم الإسلامي اليوم مدعوة إلى مراجعات جوهرية لكل الأطروحات التي تتداولها منذ أمد، وعلى مختلف الأصعدة، ومن كل الأطراف. وعلى النخبة أيضاً أن تعيد ترتيب أولوياتها، ووضع خط فاصل وواضح بين القيم المبدئية التي لا يمكن أن تتغير وبين المواقف والخطوات الإجرائية التي يمكن التراجع عنها أو تغييرها أو تطويرها أو تجاوزها إلى ما هو أكثر نضجاً ونجاحاً وقابلية لتحقيق مقاصد القيم الأصلية المبدئية وتحقيق مصالح الأمة.
وعليه فإن النخبة مطلوب منها اليوم أن تعيد تشكيل مواقفها وفق المبادئ الكبرى للأمة بشكل واضح وصريح ومؤسس ومنهجي، وألاّ تلجأ إلى التلفيق بين المفاهيم، ولا التركيب المشوه بين مختلف المقولات والتصورات. كما أن على النخبة أن تعيد النظر في مفاهيمها التقليدية الموروثة سواء من تراثنا الإسلامي أو من التراث الحضاري للأمم الأخرى، ويكون ذلك وفق رؤية علمية مبنية على الحجة البينة والبرهان العلمي والحوار المنفتح على الآخر، القابل للحقيقة مهما كان مصدرها، خاصة إذا علمنا أن الإسلام لا يُخشى عليه من أي فكرة أخرى، بل إن الإسلام ذاته ما هو إلا رسالة لإتمام المكارم التي بين الناس.
ومن هذا المنطلق، فإن النخبة يكون أمامها مجال فسيح للاجتهاد المحتكم إلى القيم الثابتة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، تسترشد بعد ذلك بما استقر من صالح الكسب البشري من فكر وثقافة وحضارة شحذتها وهذبتها الخبرة الإنسانية الطويلة الأمد.
وعليه، لا نكون في اجتهادنا أمام خطر الانحراف عن القيم الكلية الثابتة؛ لأن القرآن مصدِّق ومهيمن على كل تجربة أو فكرة، ولا نكون أيضاً أمام خطر التخلف عن مواكبة الأحداث؛ لأن الانفتاح على مختلف التجارب يذكي الخبرة وحس الخطأ والصواب لدى الأمة، ويقوّي مجسّات التحقق من صلاح التجارب على اختلاف مصادرها ومدى مواءمتها لمختلف المشكلات التي تهدف النخبة لحلها.
ونختم حديثنا هذا بالتأكيد على أن سلوك نهج الحضارة، والعمل على بعث الحضارة الإسلامية من جديد، والتمكين للإسلام والمسلمين لن يتحقق طالما بقيت النخبة في العالم الإسلامي غير قادرة على بناء رؤية واضحة، من خلالها تستطيع تحديد القيم والمبادئ الكلية، وتحديد المنهج ذي الإجراءات العملية لتحقيق مقاصد هذه القيم في دنيا الناس.

نجوى النابلسي
07/06/2009, 02:40 PM
الاستاذ الأخ بدران

دعوة عقلانية جيدة نود فعلا لو لبتها العقول الواعية فلا تجرنا إلى نقاشات فرعية هامشية لا ينتج عنها إلا المزيد من التشرذم والتخلف، وليتك تنضم لي لنطلب من القائمين على الموقع والمشرفين توجيه أعضاءه للابتعاد عن توجيه الاسئلة التي تكرس الفرقة لأنها أساس التخلف وأن يكون المنبر دعوة للم الشمل والوحدة وليس لتعميق الخلافات. وضع أهداف محددة واضحة ومناهج علمية لبحث كيف نواجه تخلفنا وكيف نحبو نحو التقدم يجب أن يكون الباعث الأول لأي موضوع وليس تكريس أفكارنا ومبادئنا وإملائها والتعنت فيها.وليتنا وليتنا..

بدران بن لحسن
07/06/2009, 09:11 PM
شكرا لك على تعليقك على كتبت
وأنا أتفق معك على أننا ينبغي أن نرتفع برؤانا وأفكارنا إلى الأفق الأوسع الذي يتجاوز الخلافات الجزئية والمشاحنات، ونتجه إلى توجيه الأفكار والطاقات إلى توحيد الرؤية الكلية من أجل أمتنا الاسلامية التي بها نخدم الانسانية ككل.
فالناس إما أخ لك في الدين أو صنو لك في الانسانية، والانسانية في عمقها إسلام لله، والإسلام في جوهره سعي إلى تحقيق إنسانية الانسان.
وأمتنا ما لم ترتفع إلى الأفق الأرحب للإسلام وتنظر إليه على أنه مشروع استراتيجي لتحقيق انسانية الانسان فإننا نبقى نهتلك وندو كحمار الرحى.
ولكن حسب رأيي المتواضع فإن أمتنا يمكن أن تكون من خلال نخبتها المثقفة. فلا يمكن أن نطلب من العامة ممن استغرقتهم مشاق الحياة وحدت من أبصارهم قلة العلم وغياب المنهج أن يتولوا بعث حضارة أمتنا. وإنما المعول عليه هو النخبة بما تمتلك من وعي بصير، ومن رؤية منفتحة مستمرة التجدد بفضل ما تمتلكه من علم.
وأعيد وأقول إني أشاركك الدعوة يا أستاذة نابلسي
بورك فيك
أخوك في العروبة والاسلام والانسانية
بدران الحسن

منير الرقي
14/08/2009, 07:07 PM
أخي بدران تحية طيبة
أشكر لك جهدك في فهم بعض أطياف التخلف في العلم العربي
و لقد لمست منك تشريحا لإشكالية الوعي ركزت فيه على أزمة المثقف العربي و تخلف رؤاه
وقد بدا لي ما ذهبت إليه صحيحا غير أنه يحتاج إلى التصنيف ومزيد من الدراسة : فالمثقف العربي المسلم الذي تحدثتم عنه بصيغة التعميم هو أطياف مختلفة يمكن تصنيفها إلى شرائح مختلفة بحسب كيفية تناولكم للقضية
وحتى لا تصبح التسميات عرضة للجدل اسمح لي أن أوظف مصطلحات إيديولوجية معهودة لتصنيف المثقف العربي
* المثقف اليساري (دعوة إلى الثورة )
* المثقف الإسلامي (مشروع تاصيلي / أو أصولي في عيون غيرهم)
* المثقف الليبرالي ( مواكبة وحداثة / تغريب لدى غيرهم و أعدائهم)
هؤلاء لا يجمعون على خطة واضحة لمستقبل الأمة
و تزداد القضية تعتيما و صعوبة إذا أضفنا إليهم شريحة رابعة هي الأقوى لأنها تمتلك زمام المبادرة الثقافية و أقصد طبعا (مثقفي السلطة الذين تغيب عنهم النوايا الحسنة لتحسين الأوضاع فهم أبواق لتمرير خطط السلطة)
أردت أستاذي الكريم من خلال هذه المداخلة ان أنبه إلى عدم التجانس في الرؤى بين شرائح المثقفين العرب بل تكاد لا تجد لديهم إجماعا على البديهيات الضرورية للتغيير و الإصلاح أو الثورة او الحداثة و كل مصطلح من هذه المصطلحات السابقة شعارات مرفوعة لا تجد بينها أرضية التفاهم الضرورية لما دعوت إليه
حتى المصطلحات لدينا غير متفق على أبعادها و أولوياتها
أخي بدران أشكرك على إتاحة الفرصة
واعذر هذياني
لك تحيتي و تقديري

عاصم الحميدي
17/08/2009, 08:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أود أن أقول شيئاً واحداً فقط ألا وهوقول الشاعر: بالله يا أبتي ما بال أمتنا قد ضيّعت مجدنا حتى نسيناه