المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : استلهام الثقافات العالمية في الشعر العربي السوري المعاصر



سمر محمود حرب
14/06/2009, 04:51 PM
بمشاركة د.حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية
((استلهام الثقافات العالمية في الشعر العربي السوري المعاصر))
أقامت جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب في سوريا ندوة بعنوان"استلهام الثقافات العالمية في الشعر العربي السوري المعاصر".
جاءت الندوة على جلستين متتاليتين، شارك في الجلسة الأولى أ.د حسين جمعة ، رئيس اتحاد الكتاب العرب وأ.د نذير العظمة وأ.د وفيق سليطين ، و تناول الدكتور حسين جمعة موضوع"الاستلهام الثقافي وحوار الحضارات" بقوله:
" ما زال حوار الحضارات يتردد بين ظهرانينا ، ويتفاعل في حياتنا ردَّاً على مفهوم إلغاء الآخر وثقافته وحضارته وفق ما ذهبت إليه نظرية(نهاية التاريخ)التي أطلقها فرنسيس فوكوياما في محاضرة له في شيكاغو (1989م) مواكبة مع النظام العالمي الجديد ، أو رداً على فكرة (صدام الحضارات وصراعها) وهي الفترة التي تضمنها مقال منشور لصموئيل هنتغون صيف عام(1993م) في مجلة (فورن أفيرز) وفيها رأيي أن التصادم حتمي بين الغرب والحضارة الإسلامية ولعل آخر اللقاءات التي عقدت لأجل حوار الحضارات ما جرى في افتتاح القيروان في2/6/2009م عاصمة الثقافة الإسلامية لعام (2009) بمؤتمر حمل عنوان"حوار الحضارات والتنوع الثقافي".
وتابع قائلاً :"..إن الحضارة العباسية كانت مرجل صهر للثقافات المتعددة هندية وفارسية ويونانية وأوربية ؛ وسلجوقية وتركية ؛ وأوربية وغربية....ولا شيء أدل عليه من آثار ابن المقفع وفي طليعتها (كليلة ودمنة) ؛ فقد كانت جسر التواصل بين الثقافة الهندية والفارسية والثقافة العربية ؛ ثم بين الثقافة العربية والأوروبية...وكذلك كانت حكاية (ألف ليلة وليلة)بسردياتها الرائعة ؛ حتى صارت (شهرزاد) من أكثر النساء شهرة في التاريخ الإنساني"
وأضاف:"إن استلهام الثقافات الأخرى يؤكد إصرار الثقافة العربية على تحديث ذاتها وتطوير بنيتها ووظائفها وأدواتها لكي تكتسب القدرة على مواجهة الصعوبات المستجدة ؛ أي أن مبدأ الاستلهام يضع الأمم على طريق حراسة التنوير ثم النهوض...وفي الوقت نفسه فإن مبدأ الاستلهام أكد الناتج التاريخي للثقافة العربية،وأثبت أنها ثقافة ديمقراطية تأخذ وتعطي ، ما جعلها تتسع للإعارة والاقتراض من أجل المصلحة العامة ".
-و تحدث الدكتور الشاعر وفيق سليطين تحت عنوان"ناي الرومي في لهاة الشعر العربي الحديث" ودرس تجربتين في استلهام الثقافة الفارسية في الشعر العربي وهما تجربتا خليل حاوي وعبد الوهاب البياتي ومما جاء في مداخلته:
"يكتب خليل حاوي في قصيدته"الناي والريح"من صومعته في كيمبرج متوسلاً برمزية الناي في التعبير عن الشوق والحنين إلى الأهل والحبيبة ، وفي مقابل حضور الناي في سياقه المتشكل الذي يقطّر ماء الحزن ومشاعر الاغتراب ، نتيجة الانفصال عن موطن الألفة ومبارحة رحم الوجود الذي تمثله أجمة العائلة ، يستدعي الشاعر فاعلية الريح في توظيف رمزي مضاد،يشدُّ في الاتجاه المعاكس ، فإذا كان صوت الناي في القصيدة يمتصّ سلفه ويصدح بنغمة الحنين متشهياً العودة إلى الأصل والإنغراس فيه،فإن الريح لا تلبث أن تواجه فاعلية الناي،فتنفتح فيه بنفسها المختلف الذي يمارس عليه تحويلاً أساسياً يدفع إلى الإنقطاع عن الأصل ، وإلى العدول عن اللواذ بالرحم والاحتماء بالماضي أو الاستقرار فيه فالريح - كما يقول حاوي-تمسح السياجات العتيقة في العقول وفي الدروب ، ومن هنا تحتدم المواجهة بين صوت الناي القديم وعصف ريح الجديد فيه.
وأضاف:"إن انقسام الناي هنا بين المطابقة والمغايرة ، وبين حضور الأصل وإنتاج قوة التحول عنه ، يمثل نقلة مختلفة تعيد تعريف أصالة الانتماء إلى الجذر الانعطاف عن مستقره لتحقيق الإضافة النوعية عليه ، وللوفاء بحق الموقف الجديد الذي يفرض ضرورة النهوض بعبء التحوّل الواجب ، لضخّ مسافة الاختلاف التي تضع الناي في الأفق الجديد للصيرورة التي تشكل نابضاً لحركة التاريخ في مسارها الصاعد".
-وختم الجلسة الأولى من الندوة د.نذير العظمة بالحديث عن أسطورتي الفينيق والعنقاء وأدونيس في الشعر السوري المعاصر فقال:
"إن الانفتاح يعني الحياة والانغلاق يعني الموت لاسيما في الفنون وبخاصة الشعر ، لذلك الشعر العربي وصل الى الهرم عندما انغلق عن ثقافة القوميات الأخرى وازدهر عندما انفتح عليها ، لذا أحسّ المبدعون مشكلة الانغلاق وأخذوا ينفتحون على الآخر بصور شتى".
بعد ذلك تحدث د.العظمة عن سليمان البستاني وشفيق المعلوف وكتابه "عبقر" الذي حوّل الأساطير المرويّة إلى ديوان شعري في"عبقر" وتناول أسطورة العنقاء وطائر الفينيق وهو طائر عربي جاء من الجزيرة إلى مصر عاكساً أهمية هذا الطائر في الشعر، كما تحدث عن خليل حاوي وهو أول من طرح رمز العنقاء ، وقال إن العودة إلى التراث هو العودة إلى الرحم والخروج منه ولادة جديدة ، لذا نحن مدعوُن إلى الانفتاح على الآخر دائماً".
-وأدار الجلسة الأولى الدكتور الشاعر ثائر زين الدين الذي تحدث أيضاً عن تجربة مرّ بها حينما جعلته قراءة النص الروسي ينجز واحدةً من أجمل قصائده مقدماً مثالاً واقعياً على أهمية الاستلهام في حالات الإبداع جميعاً.
-وفي الجلسة الثانية تحدث د.نزار بني المرجة،وأ.د راتب سكر ود.نزار بريك هنيدي.
حيث قال د.نزار بني المرجة في سياق مداخلته التي تحمل عنوان"صورة المحتل الفرنسي في الشعر السوري"ومما جاء في كلامه:".......أن جبل العرب قد تفرد بتجربة تكاد تكون خاصة ، ألا وهي وفرة الشعر الشعبي أو المحكي الذي تناول مسألة التصدي للاحتلال الفرنسي والتغني ببطولات وأمجاد رجالات الثورة السورية الكبرى وعلى رأسهم قائد تلك الثورة عطوفة الراحل الكبير سلطان باشا الأطرش ورفاقه الذين سطروا أروع ملامح البطولة في معارك المزرعة والكفر وغيرها".
وقد استعرض د.بني المرجة استعراضاً سريعاً صدى تواجد المحتل الفرنسي في الشعر السوري،وذكّر بشعراء كُثر وصفوا معاناة أبناء الشعب السوري على مدى ربع قرن ومنهم الشاعر الكبير الراحل محمد الفراتي: " لقد كتب الشاعر ابن دير الزور العديد من القصائد تتحدث عن المحتل الفرنسي وبطولات الثائرين لكرامة الوطن،ولكن اللافت عنده أنه كان يمثل الوعي والدراية بخصوصيات وحقيقة قوى الاحتلال،فمن المعروف أن الاحتلال بدأ فرنسياً ، ثم أصبح فرنسياً مدعوماً من بريطانيا أو ما سمي جيش الشرق بقيادة الجنرال ديغول،والذي وعد أكثر من مرة بمنح سورية حريتها واستقلالها عبر وعود كاذبة تمثلت في عدة معاهدات استقلال كانت تنكث بعدها الحكومة الفرنسية بالعهود وتتنكر للمواثيق رغم موافقة بريطانيا في المحافل الدولية على نيل سورية لحريتها واستقلالها..."
-أما الدكتور راتب سكر فقد قدم مداخلة بعنوان"استلهام صورة لوركا في شعر حسان عطوان"وقدم إضاءات على اهتمام الشعر العربي الحديث في الستينيات من القرن العشرين اهتماماً عميقاً وواسعاً باستلهام صورة لوركا أدبياً وانسانياً ومما جاء في كلمته:"يعبر حسان عطوان عن تداخل صورة لوركا في زمنه بروابط وإشارات متنوعة،مثل بناء عناصر ربط الموضوع بذات الشاعر عطوان،أو بجغرافية انتمائه،ويقدم تداخل صورة لوركا في روح الشاعر وجروحه تجاوزاً بموضوع قصيدته،من حالة الرثاء والتعاطف مع شخصية أدبية ونضالية قتل صاحبها في زمن مضى،إلى حالة التوظيف الفني لهذه الشخصية الثرية بإشاراتها ودلالاتها الرمزية في الكتابة عن زمن الشاعر عطوان نفسه،ويأتي التداخل بين صورة"لوركا"وجغرافية الشاعر عطوان،وقد رمز لها بنهر الفرات الذي تقوم عليه مدينته الجميلة"دير الزور"ليؤكد رغبته في توظيف صورة لوركا فنياً للتعبير عن قضاياه.."وقد أورد الباحث نماذج شعرية تدعّم ما توصل إليه من رؤى وفكر.
وختم كلمته بقوله:تنسجم صورة لوركا كما تقدمها قصيدة حسان عطوان،مع استلهامها في الشعر العربي السابق منذ مطلع الستينيات في القرن العشرين،وتعمق دلالاتها مستفيدة من اهتمام الشاعر الخاص بإسبانيا،وانكشافه على التيارات الثقافية الإنسانية،ذلك الاهتمام الذي لم يعبر عن ذاته في الموضوع الشعري لحسان عطوان فقط،وإنما تجلى بصورة متنوعة،وأبرزها حصوله في منتصف الثمانينيات على جائزة"ابن خفاجة"الشعرية الاسبانية،وقد نوَّه السفير الاسباني مانويل غوميز في دمشق حينذاك بذلك فتحدث عن تقدير"الجهود المبذولة من لدن الشاعر حسان عطوان في سبيل تدعيم وتوثيق الوشائج الثقافية بين العرب والإسبان".
- واختتم الندوة الثانية د.نزار بريك هنيدي حيث قدم مداخلته بعنوان"شاكر مطلق وزرادشت" ومما جاء في كلمته"..إن علاقة الشاعر بالانجازات الفكرية والفنية للشعوب الأخرى ليست علاقة استعارة أو تأثر وتأثير كما اعتدنا أن نقول،وإنما هي علاقة تملك حقيقي،لأن الشاعر الأصيل هو الوارث الشرعي لجميع ما أبدعته الإنسانية في مشوارها الطويل،وبذلك يكون الشاعر صوت الجوهر الإنساني،أو على الأقل واحداً من تجليات هذا الصوت،ويمكن لنا أن نتأمل ذلك في الكتاب الجديد الذي أصدره الشاعر الدكتور شاكر مطلق،وحمل عنوان(هكذا نتكلم يا زرادشت)بل أن تأمل العنوان وحده،وهو العتبة النصية الأولى،كفيل بأن ندرك كيف ألغى الشاعر الحدود الواهية التي تكسر الزمن إلى قطع منفصلة،وأعاد صهر الشظايا في برهة واحدة،يمكن أن نرى فيها اتحاد ثلاثة عصور على الأقل،كانت تبدو للمؤرخ شديدة التباعد والانفصال...."
وأضاف:..وفي المتن بدا لنا الشاعر وكأنه ساحر أو عرّاف،وضع أمامه بلّورة سحرية ملأها بسائل،ما هو إلا ماء الزمان بعد أن قطرّه في إنبيق رؤيته الشاملة،وجمع فيها أشتات المكان،فتجاورت المدن الأسطورية مع المدن القديمة والحديثة من جميع أرجاء المعمورة.."
،أن هذه الندوة قدمت موقفاً ثقافياً وتصدّت لحالةٍ مهمة في الثقافة الإبداعية ألا وهي تكامل ثقافات الأمم وأهمية عملية الاستلهام فيما بين المبدعين جميعاً.

ناصر عبد المجيد الحريري
16/06/2009, 02:08 AM
الأستاذة سمر محمود حرب ....
أشكرك على نقل المشهد الثقافي العربي في سوريا إلى هنا ، وخاصة إن كان هذا المشهد يتحدث عن الشعر العربي السوري ، واستلهامه للثقافة الغربية ، كما أتمنى مواصلة التطرق لمثل هكذا مواضيع لأنها تسهم في تعزيز الثقافة ، والتأثير الحاصل بين مختلف ثقافات العالم .
لعل شيوع مصطلح الثقافة ، يجعل من الصعب تعريفه ، والثقافة من المصطلحات الشائعة فكل من يطلقها يقصد بها معنى ، ومصطلح الثقافة من أكثر المصطلحات استخداماً في الحياة العربية المعاصرة ، وبالتالي فهو من أكثر المصطلحات صعوبة على التعريف ففي حين يشير المصدر اللغوي والمفهوم المتبادر للذهن والمنتشر بين الناس إلى حالة الفرد العلمية الرفيعة المستوى، فإن استخدام هذا المصطلح كمقابل لمصطلح (Culture) في اللغات الأوروبية تجعله يقابل حالة اجتماعية شعبية أكثر منها حالة فردية ، فوفق المعنى الغربي للثقافة : تكون الثقافة مجموعة العادات والقيم والتقاليد التي تعيش وفقها جماعة أو مجتمع بشري، بغض النظر عن مدى تطور العلوم لديه أو مستوى حضارته و عمرانه. وبذلك فإن الاشكال يطرح نفسه ، ذلك أن تعريف الثقافة اختلط عند العرب باعتبار أن هناك فرق بين المثقف والمتحضر. فالمثقف هوالذي يتعدى إحساسه الذاتي للإحساس بالآخر والمتحضر هوالذي يسلك سلوكا يلائم البيئة الذي يعيش فيها ولكي يكون الإنسان متحضرا لابد أن يكون مثقفاً.
فالثقافات العالمية على تنوعها وغناها الفكري ، تشكل لوحة فسيفساء تضم مختلف جوانب الأدب والثقافة لجميع شعوب الأرض ، و ما يميز هذه الندوة التي تتحدث عن استلهام الثاقفات العالمية في الشعر العربي السوري المعاصر كونها تأتي ضمن الإطار العام للحضارة العالمية المنفتحة على الآخر من خلال تقبل الآخر والتأثر والتأثير به .
لقد استطاع المحاضرون في الندوة من خلال طروحاتهم إغناء المشهد الثقافي العربي عموماً والسوري خاصة ، حيث أنه تناول التداخل الحاصل بين الثقافات المختلفة والتأثير الذي يتضح من خلال استخدام رموز عالمية ذات مدولات معينة في الاطار الثقافي العربي ، وأستطيع أن أعزي ذلك إلى ان المثقف العربي قادر على استيعاب وتقبل المشهد الثقافي العالمي .
ولا أدل على ذلك مما ذكره د/ حسين جمعة " :"..إن الحضارة العباسية كانت مرجل صهر للثقافات المتعددة هندية وفارسية ويونانية وأوربية ؛ وسلجوقية وتركية ؛ وأوربية وغربية....ولا شيء أدل عليه من آثار ابن المقفع وفي طليعتها (كليلة ودمنة) ؛ فقد كانت جسر التواصل بين الثقافة الهندية والفارسية والثقافة العربية ؛ ثم بين الثقافة العربية والأوروبية...وكذلك كانت حكاية (ألف ليلة وليلة)بسردياتها الرائعة ؛ حتى صارت (شهرزاد) من أكثر النساء شهرة في التاريخ الإنساني".
كما لا ننسى أن الثقافة العربية أثرت أيضاً وبشكل واضح وصريح في الحضارة الغربية و ثقافتها ، وهذا موضوع آخر ...
أشكرك من جديد ، فالموضوع ممتع ....

سمر محمود حرب
16/06/2009, 12:34 PM
ألف شكر لك أستاذ ناصر على مداخلتك القيمة...وكما تفضلت فإن المحاضرون في الندوة من خلال طروحاتهم أغنو المشهد الثقافي العربي عموماً والسوري خاصة فالثقافة ظاهرة إنسانية، وهي فاصلٌ نوعيُّ بين الإنسان وسائر المخلوقات، لأنها تعبيرٌ عن إنسانيته، كما أنها وسيلتُه المثلى للالتقاء مع الآخرين...و تحديدٌ لذات الإنسان وعلاقاته مع نظرائه، ومع الطبيعة،من خلال تفاعله معها، وعلاقاته بها، وفي مختلف مجالات الحياة.فليس من عمل اجتماعي أو فنّي جمالي أو فكري يتم إنسانياً خارج دائرتها. وهي التي تيسّر للإنسان سبل التفاعل مع محيطه مادةً وبشراً ومؤسسات.
و بقدر ما تضيف الثقافة من الجديد، تبقى محافظة على التراث السابق، وتجدّد قيمه الروحية والفكرية والمعنوية، وتوحّد معه هويةَ الجديد روحاً ومساراً ومثلاً، وهذا هو أحد محركات الثقافة الأساسي.