المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شيخان جليلان تركمانيان



نظام الدين إبراهيم أوغلو
17/06/2009, 03:40 PM
شيخان جليلان تركمانيان

بقلم نظام الدين إبراهيم أوغلو
محاضر في جامعة هيتيت بجوروم
e.mail.nizamettin955@hotmail.com

مقدمة

عند إنتشار الطرق الطّوفية في مناطق تركمان إيلي قد أخذت مدينة كركوك نصيبها من هذهِ الحضارة الإسلامية الجديدة وعلت بفضلهم شأن الشّعب التركماني بتطور علوم وثقافة ومعنويات وأخلاق هذا الشّعب العريق وبسبب إرتباطم الشّديد بالدّين الإسلامي الحنيف، فإنتشرت الطّرق الصّوفية بكثرة ومن بينها الطّريقة القادرية والنّقشبنديّة والمولوية والبكتاشية والرّفاعية، وبعد سقوط الدّولة العثمانية وبمحاربة الإستعمار والضغوط السياسية من قبل الحكومات الطّاغية زالت أكثر هذهِ الطرق، على كل حال فحاربوا هؤلاء وكذلك كل من له صلة بالدّين فأضطهدوا العلماء والفقهاء ومشايخ الطّرق الصّوفية من سجن ونفي وقتل وتعذيب وإبتعادهم عن الوظائف.
فكان المشايخ وبتعريف أخر أولياء الله على ثقة وإحترام الشّعب التركماني وعلى مستوى عالٍ من العلم والعرفان والتّقوى والأخلاق الفاضلة فكانوا رموز وأمثلة حسنة في تعريف وتمثيل الشّعب التركماني.
وعلى الرّغم من عدم تدخلهم لسّياسة الدّولة وعدم تقربهم إلى الحكومات الطّاغية ومن الإستعمار الإنجليزي أو الرّوسي في العراق، فكانوا على مراقبة شديدة فلاقوا كثيراً من المشاكل والضّغوط والتّهديدات السّياسية ولاحقتهم جواسيس وإستخبارات وبدأوا بتخويف مريديهم بعدم ذهابهم إلى التّكايا أو الزّوايا لأخذ علومهم الدّينية والمعنوية. ومع الأسف الشّديد هذه الحوادث تتكرر في كل عصر.
مع كل هذا فلن تنخدع شيوخ وعلماء الطّرق الصّوفية العريقة لمغريات وتهديدات هؤلاء الفساق إلاّ القليل منهم وهذا شيء عادي لأنّه يُمكن أن يتواجد منافقون وإنتهازيون في كل مجموعة أو جماعة.
ونسأل الله أن يحفظنا ويحفظ أحفاد علماءنا ومشيخنا من كل سوء ومكروه.
وسوف أتكلم هنا عن حياة هذين النموذجين من شيوخ التّركمان ولطريقتين مختلفتين وهما الصديقان الجليلان:

05ـ01ـ2007




1 ـ الشّيخ محمد حسام الدين القادري الكركوكي

الشيخ محمد حسام الدين بن عمر بن الحاج الكوثر القادري، هو العالم الفاضل والمرشد الكامل وخليفة الطّريقة القادرية. ولد عام 1902 في محلة صاري كهية بكركوك وتوفي عام 1966م، عاصر الحكم العثماني والملكي والجمهوري فذاق طعم الرّخاء والرّاحة في العصر العثماني وطعم الشّقاء والحزن والإضطهاد بعد سقوطها.
كانت والدته على علم واسع في القرآن الكريم. وكان للشيخ أولاده الشّيخ بُرهان والشّيخ عبدالكريم، فقد تولوا خليفة الطريقة في نفس تكيّة وجامع حسام الدين وعند وفاة الإبنان أيضاً فبدأ إبنه الصّغير الشيخ صفاء الدين بتولى خلافة الطّريقة القادرية.
لقد إشتهرت التكية والجامع الحاج كوثر بإسم الشيخ حسام الدين ووصلت إلى ذروتها في زمنه بسبب علمهِ ودرايتهِ ونشاطهِ وكان على زيادة بينة بين صفوف مريديه من المثقفين ورجال الأعمال، وكان له الفضل الكبير في تربية وتعليم الأجيال على الأخلاق العالية ومثالاً جيداً في توحيد كلمة صفوف المسلمين وبالأخص بين القوميات التركمانية والكرديّة والعربية. وكان الشّيخ على إرتباط وثيق مع تكايا الدّول الإسلامية من تركيا وسوريا ومصر وغيرها من الدّول. حارب الفساق والمنافقين والمشاغبين في مدينة كركوك بشكل متواصل في خطاباته ووعظه وإرشاداته للناس ولم يخضع يوماً لأمر الطّاغين والإنتهازيين فحاربهم بكل مالديهِ من قوّة.
لقد أُنشأ الجامع لأوّل مرّة عام 1888م في زمن جدّهِ الشيخ كوثر القادري، وإنتشرت الطريقة القادريّة في كركوك وفي زمن إبنهِ الشّيخ عمر القادري وهو الد الشّيخ حسام الدّين في النّصف الثّاني من القرن الثّامن عشر.
والتكية منذ والد الشّيخ حسام الدين وإلى يومنا هذا على ذكر دائم وخاصة في ليالي الجمع من كل أسبوع وكذلك إلقاء دروس الفقه أيام الثلاثاء بعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب. ولكن بسبب الظروف السّياسية التي مرّت بها العراق بعد حرب الخليج قد تغيّرت أوقات الذّكر وحتى إعطاء دروس الفقه قد تجمدت.
"توفي والده الملا عمر إمام وخطيب جامع الحاج كوثر وعمر الشّيخ حسام الدين تسع سنوات وقام بكفالته وتربيته جده الحاج كوثر مشيد جامع كوثر. قرأ القرآن الكريم على يد والدتهِ. ودرس أصول النحو والصّرف والفقه على علماء كركوك الأفاضل منهم العالم ملا محمود المزناوي وأجازه، كوّن الشّيخ محمد حسام الدين نفسه بنفسه فيما كان به من فصاحة وإطلاع وعلم غزير في الفقه والتفسير والحديث والأدب والتّاريخ والتّصوف وكان خطّاطاً ماهراً وكذلك كان عالماً جليلاً وأديباً شاعراً وقد تولى الإمامة والخطابة في جامعهم ولما يزال شاباً يافعاً لا يتجاوز عمره السّابعة عشرة. فقد أفنى حياته في هذا السّبيل في البيعة والطّريقة والأرشاد وإطعام الطّعام. كان يجيد اللّغة التركية والعربية والفارسية."
ومن كتبه
1ـ الأنفاس الرحمانية في سلسلة القادرية الطّالبانية بالتركية طبع في مطبعة شمال كركوك 1973م. 2ـ رسالة (سيرة الأئمة الأربعة) مخطوط.


2ـ حاج عزت ولي النّقشبندي الكركوكي

بقلم نظام الدين إبراهيم أوغلو

هو العالم الجليل حاج عزت ولي من العُلماء الصّالحين وخليفة للطريقة النّقشبنديّة، لقد أشتهر بإسم حاج عزّت تيلجي. قيل أنه كان من عائلة الجلالي نسبة إلى الشاه جلال الدين الخوارزمي. ولد في محلّة صاري كهية، الواقعة في منطقة قورية بمدينة كركوك عام 1885م وتوفي عام 1956م. إسم والدهِ حاج ولي إبن رجب الذي جاء من مدينة أدنا التركية وسكنت مدينة كركوك، وإسم زوجتهِ جميلة عبدالرحمن والتي كانت معروفة بوقارها وذكائها وحبها للخير، وأولادهم الملازم الأول أنور والمحامي المشهور محمد (أبو أيدن) وفضيلة ومديحة.
عاصر الحكم العثماني والملكي وكان الصّديق الوفي للشيخ محمد حسام الدين فكانا على لقاء دائم في كل أوقات الصّلاة ماعدا المناسبات الدّينية وغير ذلك من المناسبات.
وحاج عزّت من المعاصرين للشّيخ عبدالرّحمن خالص الكركوكي القادري أيضاً. وقيل أنّه قد أخذ طريقته من أحد خلفاء مولانا خالد البغدادي قدّس الله سرّه. لقد جعل قصره أو مضيفته (ديوانيته) مركزاً للذكر والإرشاد وكذلك مكاناً لإسكان وإطعام الغرباء والمساكين والعلماء. وكان من الوجهاء وأهل العلم والثقافة في كركوك. بالإضافة إلى ذلك كان يمتاز بسخاءه وحب للضيافة.
وبدأ يرشد النّاس ويزاول طريقته الصوفية في بيتهِ الكبير في منطقة قورية، وأحياناً كان يُزاول عمله الإرشادي في جامع الشّيخ حسام الدين. درس حاج عزّت ولي النّقشبندي القرأن الكريم والعلوم الإسلامية من فقه وتفسير وحديث وتصوف والتّاريخ الإسلامي وعلوم أخرى على يد علماء أجلاء في عصره.
لقد نشأ رحمه الله في بيت علمٍ وجهادٍ وثراءٍ فلا ينقصهم إلاّ الحريّة وعدم الذّل أمام الإستعمار. فكان رجلاً فاضلاً ومن أعيان مدينة كركوك ومن المجاهدين البارزين الذين وقفوا ضد الإنجليز منذ نهاية سقوط الدّولة العُثمانيّة إلى أن وافاه الأجل عام 1956م، فلاحقه الإستعمار الإنجليزي ومن بعده لاحق أولاده وأتهموهم بتأييدهم للحكم العثماني.
لقد عاش أحداث الحرب العالمية الأولى، فمضت عليهِ السنين مليئة بالأحداث الجسام، وقدّم أبناء العراق كثيراً من التضحيات في معارك غير متكافئة ضد قوى عالمية عام 1914م، ثمّ حلّت ثورة العشرين المباركة عام 1920م، فذاق هو وأبناء وطنه طعم التشرد واللجوء، لقد سلك حاج عزت وظيفة الوالد حاج ولي الذي كان مديراً في مديرية البريد والبرق والهاتف في قضاء راوندوز، وكان حاج عزت معروفاً بكفاحهِ ضدّ الإستعمار ووقوفه ضدّ الإستعمار الإنجليزي. وبعد أن تولّى نفس منصب الوالد خطى نفس خطى والده في إستمرار النّضال والكافح ضدّ الإستعمار الغربي سواء كان ضدّ جواسيس الروس وفرنسا أوالإنكليز.
وأخيراً إستقال حاج عزت من وظيفتهِ كمدير للبريد والبرق والهاتف في قضاء راوندوز لكي لايخدم الإستعمار والطغاة والمنافقين، واضطر للرجوع والعيش في بلده كركوك عيشاً صوفياً فأخذ إجازة خليفة النّقشبدية من مشايخ عصرهِ كما ذكرنا أعلاه. وطول حياته كان يدعوا الله وينتظر اليوم الذي تبدأ فيه جولة الحق وينتصر فيه جنود الإيمان وتعلو كلمة الله.
بالإضافة إلى ذلك كان رحمه الله من كبار تّجار مدينة كركوك، وفي زمنه إمتلك أكثر من نصف منطقة قورية في الخمسينات ثمّ إستولت الدّولة على أكثرها بسبب حجة فتح الطّرق أو إنشاء مدارس ودوائر رسمية ونحو ذلك.
لقد مرَّ حاج عزّت بحادث سياسي عندما كان يُناضل ويكافح من أجل الإسلام وحماية الخلافة الإسلامية العثمانيّة، وكان مديراً للبريد والبرق والهاتف في راوندوز كما ذكرنا وهذه الوظيفة كما نعرف أنّها من الوظائف الحسّاسة في حالة الحروب لإيصال البرقيّات السّرية إلى الجهات المعنية، ومنها إلى مقر سلطان المسلمين، فلو لم تكن المديرية بيد المخلصين لأصبح منبع الخيانة وكشف الأسرار العسكريّة، فقاوم حاج عزّت بكلّ ما في وسعه جواسيس الإستعمار الإنجليزي والرّوسي بكافة الأساليب وخاصّةً في منع إعطاء أو كشف الرّسائل والبرقيّات لهؤلاء الجواسيس، وكانت الرسائل تَصل أو تُرسل من وإلى الحكومة العثمانيّة، بالرّغم من الضّغوط الشّديدة عليهم وخاصّة من قبل قائمقام القضاء في راوندوز، وحتى أنّه هاجم مقرّ القائماقامية مع موظفيهِ وتشاجروا معهم وأخيراً إستقال من وظيفته بعد سنوات من إحتلال الإستعمار الإنجليزي العراق عام 1918 وإستمر نضاله إلى أن وافاه الأجل في الخمسينات. كان رحمه الله يتقن اللّغة التركمانية والعربية والكردية. أمّا عن مؤلّفاته فلم نعرف شيئاً عن ذلك، ولكننا نعرف الشيء الوحيد وهو أنّ زوجته في مجزرة كركوك عام 1959م حرقت كافة كتب مكتبته خوفاً من الطّغاة الموجودين. أما عن ماذا كانت تحتوي هذه المكتبة من الكتب؟ وهل كان فيه مؤلفات مخطوطة للحاج عزت؟ بقيت هذه الأسئلة بدون جواب وإلى الأن.
05ـ01ـ2007

د.محمد فتحي الحريري
03/09/2009, 11:52 PM
شكرا لهذا العرض الوافي
في ميزانكم ان شاء الله
الترجمة للعلماء المغمرين لمسة وفاء من الاوفياء الافاضل
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

نظام الدين إبراهيم أوغلو
04/09/2009, 12:02 PM
أستاذي الجليل الدكتور محمد فتحي الحريري

أشكركم الشكر الجزيل على تقيمكم من القلب الجميل. يا أستاذي الكريم لقد كتبت أيضاً عن حياة علماء أجلاء فمثلاً ترجمت من العربية إلى اللغة التركية حياة العلامة الإمام الكوثري والإمام اللكنوي، وعلماء أخرين باللغة العربية مثل الشيخ محمد أمين النقشبندي والأستاذ الدكتور خير الدين قرمان (فقيه تركي مشهور) ومحمد الفاتح والإمام الأعظم والشيخ الإمام محمد بن الحسن الشّيباني و غير ذلك.
أنا أكون سعيداً جداً عندما أقرأ حياة علماء الشخصيات العظيمة،وأنا أؤمن بأن طلاّب العلم لو سلكوا نفس مناهج المتصوفين في السلوك التربوي ومناهج العلماء في تعلم العلوم الإسلامية، لأنحلت مشاكل المسلمين ولم يكونوا رقاق وألعوبة الإستعمار، لأنّ المسلمين بدونهما لا شيء أمام كلّ شيء، والإسلام في كل آياته يؤكد على العلم والتفقه والأخلاق الصالحة والعمل الصالح.

ودمتم أخاً واستاذاً كريماً لنا وللمسلمين جميعاً

وفقكم الله في الدنيا والأخرة