المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جراحة الأفكار بين المدارسة و الممارسة (مقدمة في التغيير السلمي)



حسين ليشوري
17/06/2009, 06:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

جراحة الأفكار
بين المُدراسة و المُمارسة
(مقدمة في أساليب التغيير السلمي)

{ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم ْ}
(الرعد 11)
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيم ٌ}
(الأنفال 53)
{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
(التوبة 115)

***
الإهداء
إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الأول، رحمه الله تعالى و غفر له، والذي آمن بالتغير السلمي فلسفة حياة، فهو وحده الجدير بإهداء هذه المحاولة المتواضعة إليه.
حسين
***


كتبت هذه المقدمة أوّل ما كتبت في جمادى الأولى عام 1417هـ الموافق لشهر أكتوبر 1996 م،
و نشرت أولا على صفات جريدة "العالم السياسي" (الجزائرية)، في العددين 419 و 421 لشهر شعبان 1418هـ /ديسمبر 1997م، ثم نشرت ثانية على صفحات جريدة "الفجر"( الجزائرية) في ذي الحجة 1421هـ /فيفري 2001م في العددين 120 و 121، و كان القصد من إعادة نشرها الأمل في إثارة النقاش لعلي أستمر في الدراسة و توسيع البحث في هذا المجال الخطير و الحيوي في آن واحد، لأنه يدخل ضمن مشروع ضخم يحتاج لدعم و تشجيع و تمويل، غير أن الذين افترضت فيهم أن يعتنوا به و يقفوا معه لا يهمهم من التغير الحقيقي إلا الشعارات و الادعاءات فقط.
ولا بد لفهم مقاصد هذه المقدمة من استحضار ظروف سنوات الجمر التي عشناها - نحن الجزائريين - في التسعينيات و التي لا نزال نعاني مخلفاتها حتى اليوم ولا تزال عقابيلها بادية للعيان، و من ثم ندرك أهمية البحث في مثل هذا الموضوع و نفهم ملابساته في تلك الفترة العصيبة من حاضر الجزائر !
و هأنا ذا أعيد نشرها هذه المرة في شكل كتيب يسهل حمله و يتيسر نقله بعدما أدخلت عليها تعديلات ضرورية تناسب شكل الكتيب خلافا لهيئتها الأولى الموافقة لشكل المقالة الصحفية، لعلي أستثير همم المهتمين بالتغيير السلمي فيتبنوا المشروع ماديا و معنويا لنؤسس معا لنظرية تغييرية سلمية لا غاية لنا من ورائها إلا خدمة هذه الأمة الجزائرية الأبية و التي لها علينا جميعا حق النصح، و الدين النصيحة !
و الله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.




البليدة في 29 من ذي الحجة 1425هـ
الموافق 8 فيفري 2005م

***

بين يدي الموضوع


إن الحمد لله، نحمده تعالى و نشكر له، و نستعينه و نستغفره و نستهديه، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا
و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد و من يضلل فلا هادي له من بعده.
و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، بعث الرسل مبشرين و منذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وأشهد أن محمدا عبده الله ورسوله  بعثه لله بالهدى و دين الحق بين يدي الساعة ليخرج الناس من الظلمات إلى النّور بإذن ربهم و يهديهم صراطا مستقيما و يأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره و يظهره على الدّين كله، و لو كره المشركون.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } (آل عمران102)،
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} ( النساء (1)،
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما} (الأحزاب (71)،
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، و أحسن الهدي هدي محمد، صلى الله عليه و سلم، و شر الأمور محدثاتها و كل بدعة ضلالة.
لعل من أصعب ما يواجهه صاحب الفكر بعد مشاق الدراسة و متاعب التنقيب و المثابرة في البحث و الصبر على التحصيل هو كيفية عرض بضاعته - مزجاة كانت أم وافرة – على الناس. ولا يتوجه حديثنا هنا إلى المعلمين و المدرسين و الأساتذة في مؤسسات التربية المختلفة ما علا منها و ما سفل فإنه – فيما يخص هؤلاء جميعا – يظن أنهم تلقوا دروسا في البيداغوجيا أو علم التدريس و طرائق أدائه و وسائل إيصاله و فنون تبليغه، و يفترض أنهم موجهون أصلا لتلقين الناشئة ما تلقوا، إنما حديثنا يتوجه إلى الذين يحملون فكرا و يودون نقله إلى غيرهم باستعمال وسائل الاتصال المختلفة و قنوات الإعلام المتنوعة ليشاركهم الناس قناعاتهم و يقاسمونهم همومهم، و يتوجه حديثنا عامة كذلك إلى الذين يحبون نقل ما يسمعون إلى الناس فتزدان أحاديثهم بالنقاشات الفكرية و تزين جلساتهم بالمواضيع العلمية، لكنهم يواجهون صعوبات مختلفة و يقفون أمام عقبات كأداء في إدارة الحديث و تسيير النقاش، و عادة ما تنتهي أحاديثهم بالاصطدام فالاحتدام فالاختصام ...
و من أجل تذليل العقبات و تسهيل الصعوبات ارتأينا التعرض إلى هذا الموضوع الحساس في شكل مقالة مطولة تعرضه بطريقة متميزة و أسلوب ظريف و هي "جراحة الأفكار" و كأن الأفكار جسوم يمكن إخضاعها للرؤية و اللمس و الجس و من ثم إجراء العمليات الجراحية التصحيحية عليها.
ولابد قبل الحديث عن التغيير و ضرورته في تكوين المواطن الصالح و بناء المجتمع المنظم(1) من الإشارة ولو بإيجاز شديد إلى موضوع التغيير و مادته و كيفياته و وسائله و من يقوم به و متى و أين ؟
إن موضوع التغيير هو الإنسان، و مادته هي الأفكار و كيفياته و وسائله هي الإقناع بقوة الحجة و ليس بحجة القوة، و السلوك الحسن و النصيحة بالحسنى و غيرها من وسائل التأثير الهادئ الهادف الهادي (2)، أما من يقوم بالتغيير فهم الأشخاص الذين يستشعرون في أنفسهم واجب النصح لإخوانهم، أما متى و أين فيقدران حسب ملابساتهما و يحددان وفق الوسائل المتوفرة، فالفتوى في هذا الشأن تقدر زمانا و مكانا و إنسانا عملا بفقه الأولويات و بفقه الموازنات كما يحددهما العلماء وليس كما يمارسها الغوغاء، إن كان للغوغاء فقه ما اللهم إلا فقه الفوضى وما أضله من "فقه"، و هذه المواضيع كلها تحتاج إلى بسطة في الحديث و سعة في الحيز حتى نستوعب جوانبها و نلم بجزئيتها و ليست هذه التقدمة بمحل لذلك كله ولا يكفي هذا الكتيب نفسه لمناقشتها.
صحيح أن الكتيب صغير الحجم لكنه كبير الحلم، يحمل في صفحاته القليلة نواة مشروع إنساني لو تجد من يرعاها لصارت شجرة طيبة تأتي أكلها كل حين بإذن ربها فينتفع بها النّزاع إلى الخير.

_______________________

(1) للمؤلف مجموعة مقالات في هذا الشأن نشرت على صفحات جريدة "الشعب" عامي 1989 و 1990 و ستنشر في كتاب مستقل بعنوان " فصول في تكوين المواطن الصالح و بناء المجتمع المنظم " إنشاء الله تعالى.
(2) الهاءات الثلاث والتي تحدثت عنها مرارا في ركن " قيم اجتماعية" الذي كنت أكتبه في الصحافة المعربة الجزائرية لسينين عديدة.

حسين ليشوري
17/06/2009, 06:52 PM
-1- في قاعة الفحص

جرت العادة في عالم الأفكار على استعارة الأمثلة من عالم المادة لتقريب المعاني المجردة، أو بتعبير آخر أكثر فلسفة أو ميتا فيزيقية نقول: إننا – ولست بدعا في هذا – نستعير الأمثلة من عالم الشهادة للتعبير عما نقصده من عالم الغيب، و الأفكار من عالم الغيب بلا ريب ‍‌‌‍‌‍!‍‌ و لذا فسيكون حديثنا عن عالم الأفكار صحيحها وسقيمها بالحديث عن عالم المادة جميلها و قبيحها بالقدر الذي يمكننا من توضيح ما نقصده من حديث عن الدعوة إلى القيم و المبادئ الصحيحة التي يحملها بعض الناس ويريدون إبلاغها إلى الآخرين ليشاركوهم فيها ويقاسموهم إياها حتى يعم الخير و ينتشر الصلاح، و هذه رغبة كل صاحب فضيلة حقيقية أو مزعومة، و إدعاء كل صاحب فكرة صحيحة أو فاسدة ! غير أن الدعوة إلى الفضيلة تحتاج إلى قواعد و أسس و طرائق حتى تصل إلى المتلقي سالمة صحيحة ينتفع بها و يعمل بموجبها و يبلغها بدوره إلى الآخرين ليحقق لهم جميعا ما يطمحون إليه من مجتمع فاضل،
و هكذا في كل الأمور دقيقها و عظيمها، سهلها و صعبها، بسيطها و جليلها، و لذا يوصي أصحاب الدعوة الإسلامية بأن يكون الأمر للمعروف بالمعروف و ألا يكون النهي عن المنكر بالمنكر.
يمثل الإسلام بمصدريه (الكتاب و السنة الصحيحة) و بفُهوم (جمع فهْم) الناس(1) لكلا المصدرين مجمع القيم الفاضلة و المبادئ السامية و الأخلاق الحسنة عند المسلمين قاطبة عالمهم و جاهلهم عارفهم و غافلهم شاهدهم و غائبهم، و هذا أمر حسن بلا شك لكن شريطة أن يدرك الناس أن بين النصوص كنصوص صامتة و بين فهوم الأشخاص لتلكم النصوص فروقا بينة ما لم يأت نص قطعي الدلالة و الثبوت عن الله أو عن المعصوم، صلى الله عليه و سلم، يبين المقصد أو المقاصد من نص آخر و إلا لكان للاختلاف في الفهم مندوحة ولوجهات النظر المتعددة فسحة، و ليس في هذا عيب ولا منقصة للنصوص ولا للناظرين فيها بل العكس هو الأسلم
و الأعلم حتى تكون للناس فُسْحٌ في حيواتهم المختلفة و إثراء للأفكار و وجهات النظر المتنوعة.
و من هنا كان تصنيف علماء الأصول للنصوص حسب قطيعتها و ظنيتها ثبوتا و دلالة،(2) و إن أخطر الخطأ أن تُلبَسَ فُهُومُ الأشخاص قُدسيَّةّ الوحي، بل أحيانا تفوق الفهوم الوحي قدسية عند المتعصبين الجهال ! وقد تفطن لهذا الأمر فطاحل علماء الإسلام و كتبوا في الإختلاف كثيرا حتى يتنبه طلبة العلم لهذا الموضوع الخطير (المهم) فلا يقعوا في المحظور و هو تكفير المخالفين لهم في فهم النصوص الظنية الدلالة، فكتب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى في هذا المجال كتابه القيم "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" و غيره كثير و جرت على ألسنة العلماء مقولة هذا العالم نفسه "أن من عادة أهل البدع أنهم يُكفِّرون ومن عادة أهل العلم أنه يخطئون" (برفع حرف المضارعة في الفعلين و كسر الحرف الثالث فيهما مع تشديده) و ألا يلجأ صاحب الفكرة إلى وسائل شتى "لإقناع" (؟!) الناس بأفكاره حتى ولو كانت تلك الوسائل الأسحلة، القاطع منها و الصاعق، لما تعوزه الوسائل السليمة و السلمية لتحقيق مراده و هو جعل الغير يشاركونه قناعاته التي يراها صحيحة و صائبة "يجب" (؟!) الأخذ بها و العمل بمقتضاها و إلا فالويل لمن خالف أو شك أو تردد أو ناقض أو حاول معارضتها باللسان فضلا عن السنان (القلم) بدلا من إبطال الحجة بالحجة و نقض الدليل بالدليل كما يفعل العلماء الحقيقيون !
لجأت للتمهيد لحديثي عن جراحة الأفكار إلى هاتين المقدمتين حتى أجعل القارئ يتهيأ فكريا لما سيعرض عليه من حديث ولا يصدم لما سأتحدث عن التخدير والشق و البتر (وهي خطوات التدخل الجراحي) و قبلها التشخيص و المداواة ولوازم العلاج الأولية قبل اللجوء إلى الحلول الكبرى و هي هنا الجراحة!
كما أنا حديثي هنا لا يتعرض لا من قريب ولا من بعيد لمداواة النفوس كما يفعل أهل السلوك والصوفيون فذلك حديث آخر لست أهلا لمعالجته (الحديث فيه) فهناك أرباب الرياضة الروحية وهم جديرون بتناوله و مناقشته، و إنما أقصر حديثي عن الدعوة بصفة عامة كما يحلو للبعض الحديث فيها.
كنت في حديث حميم خاص مع المفكر و الباحث السوري الأستاذ جودت سعيد لما زار الجزائر عام 1991 (يوليو) و نحن في منزل المفكر الجزائري مالك بن نبي -رحمه الله- و كأن الجو المفعم بالروحانية أوحى لنا بحديث فكري متميز، فقلت له ضمن كلام طويل عن الدعوة و الدعاة ما معناه و فحواه : "إننا نحتاج في ممارسة الدعوة إلى الإسلام لدعاة تتوفر فيهم صفات ثلاث: حكمة الطبيب العالم، و دقة الصيدلاني الحاذق، و ثبات الجراح الماهر ولو نقصت صفة من هذه الصفات في الداعية لكان ناقصا بقدر ما نقص منها فيه " و هذا ما لا أزال أعتقده دائما.
يعرف عامة الناس فضلا عن خاصتهم فضلا عن المختصين منهم أننا لا نلجأ إلى العمليات الجراحية لتصحيح خلل أو عطب في البدن إلا عند الضرورة القصوى و هذا حفاظا على حياة المصاب، و قبل الجراحة تكون هناك العمليات الطبية العلاجية من تشخيص و وصف للدواء و أخذ بالكيفيات الموصوفة من الطبيب العام و تحضيره من الصيدلاني الحاذق و العلاج الإكلينيكي (السريري أو العيادي)، فإذا استعصى الداء ولم يكن هناك بد من استئصال سببه المادي نلجأ إلى الجراح الماهر بعد اتخاذ كل الإجراءات الوقائية اللازمة (المحل الملائم و الأدوات اللازمة المعقمة و التخدير الكافي) حتى تنجح العملية و ينجو المريض من الهلاك بإذن الله تعالى و منّه و كرمه.
و بدون الدخول في التفاصيل الدقيقة لكل مراحل التشخيص و العلاج الكمياوي و العلاج الإكلينيكي و العلاج الجراحي و بدون استعمال لغة المختصين (jargon des spécialistes) و التي أجهل منها الكثير، و حتى نقرب ما نريد إفهامه إلى القارئ، نقول: لم لا نقوم في عمليات معالجة الأفكار السقيمة(3) بالخطوات التي تقتضيها الحالات المرضية كلها مستفيدين في ذلك بالتقنيات و الممارسات و حتى لغة الاختصاص التي يستعملها الأطباء والصيادلة و الجراحون في معالجة الأسقام و الأورام و الخلال (جمع خلل) و المعاطب (و المهالك) و التي تتعرض لها جسوم الناس ولا يسلم منها كلها أو جلها أو قلها أحد من البشر مهما كان ؟ غير أن اللجوء إلى عمليات التصحيح على بساطتها و اختلافها أو خطورتها أو تعقدها تختلف من حالة إلى أخرى و تقدر حسب أهميتها و ضرورتها لإعادة التوازن المفقود و إزالة الضرر الموجود، و إننا لا نلجأ في علاج خدش بسيط في أنملة إلى بتر الذراع كلها أو في صداع عابر إلى قطع العنق من أصلها أو في مداواة مغص في البطن إلى بقرها و استئصال أحشائها أو أعضائها (؟!) و هكذا إلى مالا نهاية حسب الحالات كلها، فلماذا لا نعمل بنفس هذا التعقل مع الأفكار و هي إن مرضت فستعدي في صمت رهيب و ثبات عجيب أكثر مما تعدي الأوبئة و الأسقام ؟ و هي (أي الأفكار السقيمة) قاضية لا محالة على حاملها و ناقلها ما لم نتداركه بالعلاج ! أليس من الحكمة أن نبادر بمعالجة الأفكار الهدامة و هي أخطر من الأوبئة الفتاكة بأضعاف الأضعاف.
ألم تكن الحروب الدولية و الأهلية و النزاعات الطائفية و الخلافات المذهبية من أصل فكرة أو أفكار مريضة سقيمة عليلة يحملها شخص أو مجموعة أشخاص ثم يفرضونها على الباقين من قومهم أو على العالمين بالقوة؟ بلى، و ألف بلى ! وقد يهلك في الحروب أضعاف أضعاف منهم في الأوبئة الفتاكة ! و لسنا في حاجة إلى سوق الأدلة وضرب الأمثلة من الواقع المحلي و الإقليمي و الدولي حاضرا و ماضيا فهي من الكثرة بحيث يعلمها الأمي فضلا عن المتعلم.
__________________________

(1) نقصد بالناس العلماء النحارير و ليس الغوغاء.
(2) ظنية الثبوت ألا يقطع في نسبة النص للمصدر (و هو هنا النبي، و هناك آيات ظنية الثبوت كما في آية الرجم) و أما ظنية الدلالة فهي أن يحتمل النص – آية كان أو حديثا- أكثر من معنى ولذا تختلف الفهوم في معناه و في تفسيره كما في الحديث: " لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريضة" فاختلفوا في صلاتها حيث أمرهم الرسول، أم كان يقصد الاستحثاث فقط مع معرفتهم لفحوى كلامه، و كان أجدر ألا يفهموا إلا فهما واحدا و مع ذلك فقد أقرالفريقين. فتأمل !
(3) قد يتعجب القارئ و يندهش –و حق له أن يعجب و يندهش- من وصفنا الأفكار بالسقيمة و هي من عالم التجريد (؟!) إلا أننا نقول: إن الأفكار ما دامت في عالم التجريد لا تشكل خطرا و لكنها لما تخرج إلى عالم التجسيد فالحذر كل الحذر ! أليس التعصب و التزمت و التنطع و التطرف و التشدد و الغلو
و المماراة بالعلم و المباهاة بالإيمان (؟!) كلها أمراض ناتجة من أفكار سقيمة ؟ و ليرجع للآيات 14/17 من سورة الحجرات.

حسين ليشوري
17/06/2009, 06:55 PM
-2- التشخيص

يصاب الفكر بالأمراض و العلل و الأسقام و التشوهات تماما كما يصاب الجسم و لذا لا غرابة إذا لجأنا في مداواة الأفكار العليلة إلى المناهج و الأساليب الملائمة لها كما نلجأ في معالجة الأبدان السقيمة إلى الوسائل و الأدوات التي تلائمها.
فالجهل بنوعيه البسيط و المركب(1) و الغلو و التأويل الفاسد و الانتحال الباطل كلها أسقام تصيب الفكر فترديه إن لم يُتدارك (بضم حرف المضارعة للبناء للمجهول) بالعلاج الملائم حسب خطورتها قبل فوات الأوان فتقضي على حاملها و ناقلها كما تقضي الأمراض الجسمية الخطيرة على صاحبها. و حتى لا تستشري العدوى في المجتمع، و ما أسرعها من عدوى لأنها خفيفة المحمل خفية الهيكل.
و يحضرني الآن الحديث النبوي الشريف الذي جاء فيه: " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطنين و تأويل الجاهلين"(2) و هذا الحديث الجليل يحتاج إلى وقفة مطولة متأنية لا نستطيعها الآن ! كما أذكر حادثة ذلكم الصحابي الذي خرج في سفر مع جماعة من رفاقه فاحتلم (أصابته جنابة) وكان قد أصابه حجر في رأسه فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ قالوا: ما نجد لك رخصة و أنت تقدر على الماء! فاغتسل و مات، و لما قدموا على النبي و أخبروه بذلك قال: قتلوه قتلهم الله ! ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ إنما شفاء العي (الجهل) السؤال.(3)تأمل يا أخي كيف جعل النبي الجهل داء و جعل له السؤال (طلب العلم) دواء و شفاء! فلو يدرك الجاهل أنه عليل، مريض فيبادر إلى مداواة نفسه بالحرص الذي يبادر به لمداواة أسقامه البدنية، لما بقى في العالم الإسلامي جاهل بيّن الجهل !
ولو رحنا نشبه الغلو و التطرف و التعصب و الجهل و التزمت و التنطع و التشدد – و كلها من أصل أمراض فكرية- بالأمراض الجسمية لوجدناها تشبه الأورام و السرطانات و التصلب و الشلل و الضمور وفقر الدم التي تصيب الأعضاء الباطنة و الأطراف و السوائل بسبب الخلال و المعاطب وفقدان التوازن في الغدد و جنون الخلايا، فلماذا نلجأ في الإصابات الجسيمة إلى الأخصائيين لمعالجتها ولا نلجأ في الإصابات الفكرية إلى العلماء لتصحيحها (معالجتها) ؟
السبب في ذلك واحد لكنه ذو ثلاثة أبعاد:
1- إننا لا نستشعر في أنفسنا الآلام الفكرية كما نشعر بآلامنا الجسمية.
2- إننا نستحي (؟!) من إظهار جهلنا أمام الملأ، و هذا مرض ثان إذا أضيف إلى غيره صار مهلكا لا محالة.
3- إننا نجهل طرائق العلاج الفعالة وهذه داهية أخرى تحتاج إلى وقفة طويلة.
إن عدم معرفة المختص في علاج مرض ما خطيرا كان أم لا مهلكة و هي غباوة و حمق كذلك، كمن يذهب لمداواة سن مسوسة إلى حداد، و علاج صداع نصفي إلى ميكانيكي و في تصحيح الرؤية (النظر) إلى نجار، فما أبعد هذه عن تلك ! كذلك عدم معرفة المختصين من أهل العلم و المعرفة في القضايا الفكرية الدقيقة خطير و مهلك كخطورة ذهاب أصحابنا في مداواة السن المسوسة والصداع النصفي و النظر الضعيف (؟!)
____________________________

(1) فأما البسيط منهما بأن يكون الرجل لا يدري و يدري أنه لا يدري، و أما المركب أن يكون لا يدري ولا يدري أنه لا يدري.
(2)نقلا عن الدكتور يوسف القرضاوي "كيف نتعامل مع السنة النبوية" منشورات دار الكتب – الجزائر 1991- ص 30 و قد ورد الحديث عن ابن القيم و أحمد بن حنبل و ابن عبد البر و غيرهم.
(3) أنظر شرح السنة للبغوي – ج 2 ص 120 – ط . المكتب الإسلامي دمشق 1400/1980

حسين ليشوري
17/06/2009, 06:58 PM
-3- العلاج
قد يكون علاج الأمراض الفكرية بسيطا سهلا في متناول "طبيب عام" (إمام مسجد) لكن الجهل بطرائق العلاج يحول دون شفائها فتستفحل و تستعصي حتى على النطاسي الحكيم و الأخصائي العليم. و قد تكفي قراءة كتاب قيم موثوق أو سؤال إمام عارف صدوق أو الجلوس إلى عالم نحرير ثقة ساعة أو بضع ساعة لتصحيح فكرة خاطئة، وقد يكون السفر إلى العلماء و البحث عن المختصين عند فقدهم في المحيط المباشر ضروري لمداواة الأمراض الفكرية الخطيرة تماما كما يفعل مع الأمراض الجسمية الخطيرة المهلكة سواء بسواء، لكن – وما أبغض هذه اللكنة المقرفة إلى نفسي – يجب الاستشعار بآلام الجهل أولا و إلا لما أجدى العلاج مهما كان صحيحا أو دقيقا و فعالا أو ناجعا ! وقد يكون الجلوس إلى العلماء في المساجد – لما تسترجع دورها و مهامها و مكانتها في المجتمع كما كانت قبلا في العصور الذهبية : عصر النبوة و عصر الخلافة الراشدة... فتكون بمثابة المصحات
و المستشفيات الفكرية الحقيقة – ضروريا لمداواة الأمراض الفكرية كلها بسيطها و خطيرها تماما كما يفعل العلاج الإكلينيكي مع الأمراض الجسمية فتكون الجلسات الخاصة بمثابة الدخول إلى قاعة العناية المركزة والجلسات العامة بمثابة الاعتكاف في القاعات الجماعية!
إن استعارة مناهج عمل المختصين في معالجة الأبدان تفيد لا محالة في معالجة الأفكار، و كيف لا تكون مفيدة و هي لم تصل إلى مستوياتها الراقية من الدقة و الفعالية إلا بمرورها على أحقاب طويلة من السنين و العديد من التجارب و الاختبارات على أيدي العلماء النحارير حتى صارت العمليات تجري الآن عن بعد و بدون تدخل الجراح مباشرة (Telesurgery أو الجراحة بالفاكس)(1) ولا ربما أجرى الجراح العملية في مدينة و هو يرتشف فنجانا من الشاي أو القهوة في مدينة أخرى نائية بآلاف الكيلومترات (؟!!) أليس من الغباء بمكان ألا نستفيد من خبرات إخواننا الأطباء و الصيادلة و الجراحين في معالجة أمراضنا الفكرية مهما كانت خطيرة بدلا من اللجوء إلى الأساليب الوحشية و الوسائل الهمجية و الشعوذة و الدجل في مداواتها ؟
إن الحكم بالإعدام الفعلي أو المعنوي على مخالف لنا في الرأي أو مناقض لنا في الاتجاه يشبه عمل "طبيب" يخطئ في تشخيص الداء و وصف الدواء، و يشبه فعل "صيدلاني" يغلط في تحضير الدواء، و يشبه حركة جراح التبس عليه مكان العطب ! تصوروا معي "طبيبا" اختلطت عليه الأمور فراح يجس النبض في أخمص القدم و يستمع لدقات القلب في الآلية و يحسب ضغط الدم في الجمجمة (؟!)، تخيلوا "صيدلانيا" تداخلت عليه المواد و العقاقير و المحلولات فراح يخلط الصالح منها بالفاسد و المفيد بالسام و المنعش بالقاتل، و انظروا إلى "جراح" ترتعش أصابعه و ترتعد يداه و تنتابه نوبات من التشنج و هو يستعمل الشاقور و الصاقور و المطرقة و الفأس و المنشار و الساطور بدلا من المشرط و المبضع و المقص و المنقاط و باقي الأدوات الدقيقة و الرقيقة و المعقمة ! تصوروا مريضا ابتلاه الله بصداع نصفي فوقع وسط هؤلاء النفر من "الأخصائيين" (؟!) كيف يكون حاله بعدما يتناولونه بالعناية المركزة بالتداول أو دفعة واحدة ؟ إنني لا أستطيع تصور حاله مع أنني صاحب هذا الوصف فكيف بغيري و هو يقرأه فقط ؟
كثيرا من "الدعاة" عندنا (في العالم الإسلامي) ليسوا بأحسن حالا من النفر من "الأخصائيين" الذين ذكرناهم أعلاه فلا عجب إذا وجدنا كثيرا من المسلمين – فضلا عن غيرهم – ينفرون من الإسلام نفسه ولا غرابة إذا ما وجدنا كثيرا منهم يقولون عن أنفسهم أنهم "مسلمون لكنهم غير مطبقين" " Musulmans non-pratiquants " (؟!) و هذا أخطر ما يصل إليه المسلم من حالات المرض و الانفصام ولا يجد من يداويه لأن المداوي في حد ذاته مريض و كيف يعالج من هو نفسه في حاجة إلى علاج؟ و يصدق فيه قول أبي الأسود الدؤلي :
تصف الدواء لذي السقام و ذي الضنى ***كيما يصح به و أنت سقيم ؟
تصوروا أحدهم يجلس ليعلم الناس أمور دينهم أو يقف على المنبر و هو يرغي و يزبد و يبرق و يرعد و يتطاير الشرر من لسانه و عينيه يشير بيده و يرفس الأرض بقدميه كأنه في نوبة صرع ليقول أن "القرء" هو الطهر و ليس الحيض (؟!) و قس على هذا أمثلة كثيرة !
__________________________________

(1) أنظر مقالة د. خالص جلبي "بين الجراحة... و الكي" جريدة الرياض السعودية العدد 9593 / الخميس 29/12/1994، ففيها التعريف بهذه الطريقة.

حسين ليشوري
17/06/2009, 07:03 PM
-4- حالات مستعصية

إن أعجب ما يتعجب منه المرء هو ما يراه من عنف و قسوة في تعامل المسلمين مع بعضهم البعض في شتى المجالات و خاصة في مجال الفكر مع ما فيه من سعة التباين و الإخلاف و التمايز ولا ربما راح الواحد منهم يذبح أخاه المسلم " تقربا" (؟!) إلى الله تعالى لخلاف في الرأي ثم يذهب يصلي و يقرأ بترتيل أخاذ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (الأحزاب/125) يقرأها في ركعة إلى آخر السورة و يقرأ في الركعة التالية قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا ينزغنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(36) (فصلت)، أو يقرأ عن مصير من يقتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض، فما أبعد ما يفعل عما يرتل !
أليس من العجب ألا يكون على وجه الأرض قوم هم أعنف الخلق مع بعضهم البعض من المسلمين و هم يتلون في صلواتهم و في خطبهم و في أحاديثهم الآيات الداعية إلى اللطف و الرأفة و المعاملة بالحسنى و ترك الغلظة و الفظاظة (؟!) و لذا صار ضروريا إعادة النظر في طرائق الاتصال ولا سيما في مجال الدعوة لأنها الوسيلة الوحيدة في تواصل المسلمين فيما بينهم مباشرة ولا أحصر الدعوة في مفهومها التقليدي المعروف بل أعني مفهومها العام في تواصل الناس فيما بينهم في كل مكان و هذا يحتاج إلى جهود كبيرة حتى تعم الأفكار النافعة ولو بدا هذا الزعم نظريا و حالما !
و ليس بعيدا عن مجال حديثنا هذا التنبيه إلى من يقفز على المراحل و يتعدى الأشواط دون التدرج اللازم في عمليات العلاج: من تشخيص الداء و وصف الدواء و الصبر على المداواة ثم اللجوء إلى التدخل الجراحي إذا اقتضى الأمر ذلك. أما القفز إلى الجراحة مباشرة قبل محاولات العلاج الكمياوية ثم العلاج الإكلينيكي و غيره مما يعرفه المختصون (ولست منهم) فهو تهور و تغرير بالمريض مع أن التدرج سنة من سنن الكون و سنة من سنن الإسلام (كتابا و سيرة).
إن العمليات الجراحية ليست ألعابا ترفيهية أو رياضية مسلية ولا هي أعمال مترفة يمارسها الجراح ليباهي بمهاراته المختلفة و يظهر رشاقة أصابعه الخفيفة النظيفة و يبين مدى دقة ملاحظته و خفة حركاته. لا ! ليست العمليات الجراحية في هذا من شيء إنما هي ضرورة نلجأ إليها عندما تعوزنا غيرها من الإجراءات أو عندما تفشل، و هي بعد ذلك مسؤولية عظيمة و عمل مرهق !
لعل الجراحة التجميلية (Chirurgie Esthétique ) هي من أرقى أنواع الجراحة ولا يلجأ أليها إلا في الحالات القصوى لإزالة التشوهات التي يعاني منها المصابون في الحوادث الخطيرة (الحروق مثلا) و قد يلجأ إليها للتأنق في بعض الحالات النادرة لتصليح بعض العيوب في الوجه عند بعض الشخصيات ولا سيما في عالم الفن و حتى هذه لا يلجأ إليها إلا بعد دراسة علمية تفصيلية دقيقة (!)، وليتنا نستعير تقنياتها (الجراحة التجميلية) لتجميل الأفكار الشوهاء و تحسين الآراء البلهاء و تصحيح التصورات الحمقاء.
إن من العوامل المساعدة على إتمام العلاج على وجهه الصحيح معرفة الظروف و الملابسات التي أحاطت بالمريض – وهو هنا صاحب الفكر السقيم – حتى صار في حالته تلك ولابد من معرفة ما مدى الإصابة من علاماتها (Symptômes) حتى نصف العلاج الملائم لا أقل ولا أكثر، لا أقل حتى لا نسهم في إطالة الحالة المرضية فتتدهور، ولا أكثر حتى لا نهلك المريض بالدواء (؟!) فنزيده سقما على سقم و مصيبة على مصيبة و نجعله كمن يفر من النار إلى الرمضاء و يكون الطبيب المداوي كمن يريد قتل ذبابة بقذيفة مدفع (؟!) فقد تكفي إجراءات بسيطة لإزالة إصابات خفيفة فلماذا المبالغة ؟ إن حبة الأسبرين تكفي لإزالة صداع وقد تكفي كلمة طيبة لإزالة غضب يمكن أن يحدث طلاقا أو جريمة قتل. فتأمل !
يقال إن معرفة السبب تزيل العجب و أضيف : و عُلم الطب ‍‍‍‍‍! و كثيرا ما ضل (أخطأ) الحكيم فأهلك مستشيره بدلا من أن يعالجه و كذلك بعض الدعاة يضلون في تشخيص الداء فيهلكون المدعوين من حيث لا يشعرون وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا وكم ضيع "حسن النية ‍‍‌‍‍‍" من الناس و كم علق عليه من أخطاء كأنه مشجب (علاقة ملابس) بحق و بباطل و إن أغرب ما سمعت من تبريرات القتل الجماعي بمختلف الوسائل و الأساليب: من الرصاصة إلى السيارة المفخخة و من الطعنة بالسكين إلى حز رؤوس الرجال و الولدان
و النساء بالمنشار بحجة أنهم أقارب أو أهل مخالف لنا في الرأي ‍ثم نعتذر عن ذلك بقولنا إنهم سيبعثون حسب نياتهم (؟!) فما ذنب صبي نائم في حضن أمه الرؤوم فيذهب أشلاء ممزعة هو و أمه و من في الدار كلهم بلا ذنب سوى أنهم كانوا ساعة انفجار السيارة الملغمة قريبا من مكان الانفجار ؟
هل يبرر حسن النية القتل العمدي ؟ لقد سرح بي خيالي بعيدا وراح يصف ما شاهده أو سمع عنه من مآس تجري في بلادي فخرج بي عن صلب الحديث الذي نحن بصدده فمعذرة !
يلجأ الطبيب العالم قبل تشخيص الداء و وصف الدواء إلى الحديث المستفيض الهادئ و الهادي و الهادف مع القادم لاستشارته في مسألة ما تخص حالته الصحية منفردا (النصيحة أمام الناس فضيحة) و لهذا الحديث فوائد جمة تساعد الطبيب على تفهم الحالة و تشخيص الداء بدقة و وصف الدواء الملائم، و يعمد الصيدلاني الحاذق في تركيب الأدوية في مخبره إلى الصبر، و الأناة
و وزن العقاقير بالقسطاس المستقيم الحساس الدقيق حتى لا يُركِّب سُمًّا و هو يظن أنه يمزج ترياقا، و يستعمل الجراح الماهر أدواته الرقيقة الدقيقة المعقمة بأنامله الرشيقة الأنيقة الحيوية فتراه يشق بحزم و يبتر بلا تردد و يرتق بثبات بعد التخدير المحلي أو الكلي طبعا، أليس في تقنيات هؤلاء النفر جميعا ما يغرينا بالاستفادة منه في عمليات التشخيص و المداواة و الجراحة في عالم الأفكار ؟ أليس في صبر الطبيب و ثبات الصيدلاني و شجاعة الجراح ما يدعونا للتخلق بأخلاقهم الحميدة و الاتصاف بصفاتهم الجميلة في أحاديثنا مع بعضنا أو مع غيرنا من الأجانب و في تبادلنا وجهات النظر ؟
قد يبدو حديثي هذا نظريا و خياليا و طوباويا و حالما و صعب التصديق و شاق التطبيق و مستحيل التحقيق لأنه يتصل بعالم الأفكار و هو عالم غيبي باطني تجريدي و أنا أدرك هذا تماما لكن أليس لنا في نصوص شرعنا الحنيف بمصدريه (الكتاب و السيرة النبوية الصحيحة) و أقوال الأئمة الأعلام ما يجعلنا نحاول السير في هذا الطريق الطويل الشاق ؟ و مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة كما في المثل الصيني، ثم لا ضير علينا في الاختلاف و التباين و التمايز ما دمنا نصبوا إلى بناء المجتمع المنظم و تكوين المواطن الصالح و الذين تحلم بهما كل الأنظمة العاقلة المتحضرة و أول خطوات البناء و التكوين تكون بقبول الاختلاف، ثم إن الاختلاف لا يفسد في الود قضية كما يقال وما يضيرنا لو جعلنا من حديثنا حديثا هادئا هادفا هاديا (الهاءات الثلاث) ؟
إن عالم الأفكار عالم حساس و يحتاج لولوجه مهارات و خبرات و تقنيات كثيرة و متنوعة ولا ضرر إن استمددناها من عالم المادة و هو هنا عالم الطب و الصيدلة و الجراحة.
نعم، إننا نحتاج في ممارسة الدعوة إلى الإسلام لدعاة تتوفر فيهم صفات ثلاث: حكمة الطبيب العالم و دقة الصيدلاني الحاذق و ثبات الجراح الماهر ولو نقصت صفة من هذه الصفات في الداعية لكان ناقصا بقدر ما نقص منها فيه!

حسين ليشوري
17/06/2009, 07:05 PM
-5- الأمل !

أما بعد هذه الفذلكة الطريفة السريعة و التي ما هي إلا افتتاحية فقط لموضوع واسع و متشعب و هو التنظير لكيفيات التغيير السلمي للأفكار و التي سيترتب عنها حتما تغيير سلوكات الأشخاص و من ثم تغيير المجتمع كله، فما المجتمع إلا حصيلة الأفراد الذين يكونونه، فإن هم غيروا أفكارهم تغير مجتمعهم !
لكن مواصلة البحث و متابعة الدراسة لبلوغ الغاية المنشودة و هي هنا تأسيس النظرية، تتطلب مجهودات جبارة متواصلة و إمكانيات معتبرة ترصد ليس بمقدور فرد أعزل القيام بها وحده مهما أوتي من علم و مهما بذل من جهد لتوفير شروط الدراسة الجادة المتزنة و البحث الموضوعي الرزين.
فالموضوع يتطلب تظافر الجهود و تآزر الأشخاص كل حسب إمكانياته و كل حسب وسعه و طاقته لإكمال العمل و هذا ما أسعى إليه دائما من خلال كتاباتي قصد تحسيس من يهمه الأمر ممن يرغب في خدمة المجتمع حقيقة و ليس ادعاءً مهما كان موقعه في الأمة، و لذا فأنا على أتم الاستعداد لاستقبال أي نقد أو اقتراح أو مساعدة لاستكمال البحث و إتمام الدراسة، فالرغبة موجودة غير أن الإمكانيات مفقودة، شعارنا في هذا كله قول الله ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب)(ِالمائدة/2 ).
نسأل الله الوهاب الرزاق أن يمدنا بما نحتاجه من وسائل حتى نحقق الغاية و هي القيام بواجب النصح لهذه الأمة العزيزة، إنه سبحانه على كل شيء قدير و بالإجابة جدير و هو نعم المولى و نعم النصير و الحمد لله في الأول و الأخير‍‍!

ياسر طويش
18/06/2009, 10:46 PM
أخي وحبيبي وأستاذي حسين ليشوري

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يشرفني أن أسجل حضوري ولي عودة الليلة إن شاء الله


أخوكم
ياسر طويش

حسين ليشوري
19/06/2009, 05:26 PM
أخي وحبيبي وأستاذي حسين ليشوري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يشرفني أن أسجل حضوري ولي عودة الليلة إن شاء الله
أخوكم
ياسر طويش

أخي الحبيب الأستاذ الشاعر المجيد ياسر طويش
و عليكم السلام و رحمة الله تعالى و بركاته
أهلا بك في دارك و بين أهلك
أنا و الله سعيد إذ كنت أول المسجلين لحضورهم الكريم هنا بعدما كدت أيأس من زيارة الإخوة الزملاء فيعلقوا أو يفندوا أو ينقدوا ما أطرحه هنا.
أنا أنتظر تعليقك الكريم فلا تتأخر أرجوك.
تحيتي و مودتي.