المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الغيبة وأثرها المدمر على المجتمع



أحمد أبورتيمة
24/06/2009, 02:27 AM
الغيبة وأثرها المدمر على المجتمع
الغيبة هي أن تذكر أخاك في بما يكره،كما عرفها بذلك نبينا محمد عليه السلام،وقد حرمها الإسلام ، وصورها القرآن في أبشع صورة لينفر الناس منها فقال ربنا عز وجل:"ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه"ووجه الشبه بين من يغتاب أخاه ومن يأكل لحمه ميتاً هو أن المغتاب(اسم مفعول)لا يملك أن يدافع عن نفسه ويرد الاتهامات عنها لأنه غائب مثله في ذلك كمثل الميت الذي لا يملك الدفاع عن نفسه لو اعتدى عليه أحد.

والغيبة هي محرقة للحسنات ومحبطة للأعمال الصالحة ففي حديث للنبي صلى الله عليه وسلم عن تعريف المفلس أنه من يأتي يوم القيامة ومعه حسنات كالجبال،ولكنه يكون قد سب هذا واغتاب هذا وأكل مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته حتى إذا نفدت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه فطرح في النار.وفي هذا المعنى يذكر أن رجلاً اغتاب الحسن البصري،فلما علم بذلك أرسل إليه طبقاً من رطب وقال له:"سمعت أنك أهديت إلى بعض حسناتك فأحببت أن أكافئك"

وما أتعس إنساناً يجهد نفسه في الصلاة والصيام والإنفاق طوال عمره ثم تكون أعماله هباءً منثوراً لأنه لم يضبط لسانه وينتصر على رغبات نفسه المريضة في النيل من أعراض الناس.

ولا تقتصر الغيبة على التصريح بعيوب الآخرين ولكن يدخل في معناها التلميح الضمني،بل وحتى الإشارة فقد جاءت امرأة إلى بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم وبعدما مشت أشارت عائشة بيدها أنها قصيرة،دون أن تتكلم فقال الرسول لقد اغتبتيها يا عائشة..

ورغم هذا التشديد في حرمة الغيبة فإن كثيراً من الناس يتساهلون الوقوع فيها فلا يكاد يخلو مجلس من مجالسهم في البيوت والحارات أو الأندية والمؤسسات من اللعن والطعن والسخرية من الآخرين وتصيد زلاتهم "وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم"،

وإذا ذكرت أحدهم بحرمة الغيبة رد عليك:ولكنني أقول الحقيقة،وهو بذلك يقع في شبهة أزالها النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله الصحابة رضي الله عنهم:"أفرأيت إن كان فيه " فأجاب رسول الله:"إن كان فيه فقد اغتبته،وإن لم يكن فيه فقد بهته"،

ولما كان كف اللسان مرتبة عظيمة لا يبلغها إلا من رحم ربك وقليل ما هم،ولما كان الأمر بحاجة إلى مجاهدة شاقة للنفس ضمن النبي صلى الله عليه وسلم لمن يفعله الجنة فقال:"من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة"،وحين تساءل الصحابي معاذ بن جبل ببراءة التلميذ:"أو مؤاخذون نحن بما نقول يا رسول الله، كانت الإجابة النبوية:"ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم".

كما أن القرآن الكريم جعل ثاني صفات المؤمنين المفلحين بعد صفة الخشوع في الصلاة مباشرة هي صفة الإعراض عن اللغو:" والذين هم عن اللغو معرضون"،وجعل جزاء ذلك وراثة الفردوس:"أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون"،واللغو هو كل كلام لا يحصل منه فائدة أو نفع.

ولا يعني الإعراض عن اللغو أن يظل الإنسان ساكتاً في المجلس وربما يكون مستمتعاً بالحديث،فهو بذلك شريك في الإثم،والصواب هو أن يذب عن عرض أخيه الغائب لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من ذب عن عرض أخيه ذب الله عنه النار يوم القيامة"،وأي شيء يرجوه المؤمن سوى أن يبعده الله عن النار يوم القيامة ويدخله في رحمته،فإن عجز بعد البيان عن نهيهم عن الغيبة قام من المجلس أو على الأقل ظل منكراً
بالقلب وبالصمت وذلك أضعف الإيمان:"وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه".

والإسلام لم يدعنا إلا لخير ولم ينهنا إلا عن شر،والغيبة مفسدتها عظيمة على الفرد والمجتمع،فهي تورث البغضاء وتشحن النفوس بالأحقاد،وتملاً الصدور بالشكوك وإساءة الظنون ،فلا يأمن الواحد أن يدير ظهره عن جلسائه ،كما أنها مظهر للنفاق لأن صاحبها يظهر للناس غير ما يبطن لهم،وهي علامة جبن ووضاعة،لأن الشجاعة هي أن تواجه أخاك لا أن تطعنه في ظهره،وبعد كل ذلك فهي فعل سلبي ،ولن تجلب أي أثر إيجابي،والإسلام يشجع الإيجابية وينبذ السلبية،فمن رأى من أخيه عيباً وأحب أن يغيره فلن يمكنه ذلك ما دام يصمت في حضوره أو يجامله لأنه ربما كان غافلاً عنها،وهذه القضية عالجها أحد التابعين فقال في كيفية تقديم النصيحة: إن لم تقلها له فقد خنته، وإن قلتها في وجهه فربما لم يتحملها فاستوحش، وإن تحدثت بها في ظهره فقد اغتبته وطعنت في ظهره!!
فسأله تلميذه:فماذا يفعل إذاً أحدنا؟ فقال: تذكره في معرض الكلام وتعرض بها تعريضا..

والغيبة في جانب كبير منها هي نتيجة للفراغ الذي يحياه الناس،فمن لم يشغل نفسه بالطاعة شغلته بالمعصية،والتخلص منها يكون بملء الأوقات بالطاعات والأعمال الصالحة وملء المجالس بالأحاديث النافعة ومناقشة الأفكار بدلاً من مناقشة الأشخاص.

إن انتشار الغيبة يصنع مجتمعاً مضطرباً يمتلئ بالكراهية والأحقاد والنفاق ويفتقد للطمأنينة النفسية وتنعدم الثقة بين أفراده ،أما الطريق إلى بناء مجتمع آمن فيكون بالمصارحة والمواجهة والتواصي بالحق والرفق في النصيحة،والابتعاد عن المجاملات الكاذبة،فإذا غاب إنسان كان له إخوانه سياجاً حامياً يذبون عنه في ظهره.