المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عشيقات في زمن الإمبراطورية النابليونية



أشرف صالح المؤرخ الصغير
24/06/2009, 07:54 PM
عشيقات في زمن الإمبراطورية النابليونية
أثار نابليون بونابرت اهتمام كل من عايشه أو كتب و قرأ عنه، فحياته اتسمت بمواقف وظروف متناقضة ‏جداً، بدءاً من اعتلاءه عرش الإمبراطورية الفرنسية، مروراً‎ ‎بمعاركه العسكرية و مغامراته النسائية، ‏وصولاً إلى نفيه إلى جزيرة "سانت هيلين" وموته فيها. كان جوته على حق عندما تلفظ عام 1808 ، ‏بجملته الشهيرة: "ستكبر عظمة نابليون، كلما زادت معرفتنا به".‏
مَن كان يعتقد، أنه على الرغم من انهماك هذا الإمبراطور في كسب المعارك ووضع القوانين و التحايل ‏على مكايد الأعداء، كان يجد وقتاً للاهتمام بأدق تفاصيل حياته اليومية، من الأزياء والديكور وشراء الهدايا ‏الثمينة لحبيبته الأولى وربما الوحيدة "جوزفين"، من دون أن ننسى بالطبع‎ ‎الرسائل التي كان يكتبها بوفرة ‏وغزارة‎ .‎
لقد تمتع نابليون بحس مرهف و بذوق راق، فعرف كيف يستميل قلوب النساء من حوله، لاسيما "جوزفين" ‏حبيبة قلبه الأبدية، التي أسرته وهو لا يزال ضابطا صغيراً. "وماري لويز" الأميرة النمساوية التي تزوجها ‏لاحقا وأنجبت له وريثا تولى العرش من بعده، ناهيك عن النساء الأخريات اللواتي‎ ‎ملكن قلبه فترات و ‏جيزة، نذكر منهن "ماري فاليسكا" الكونتيسة البولندية ، التي أثبتت لنابليون أنه قادر على الإنجاب، إذ أنجبت ‏منه ولدا غير شرعي!! وهذا ما‎ ‎دفعه إلى تطليق "جوزفين" والاقتران "بماري لويز". ولا ننسى "ديزيره ‏كلارية" ملكة‎ ‎السويد لاحقا، التي ارتبطت رسميا بشقيق نابليون قبل أن تغرم بهذا الأخير. وبالطبع هناك ‏‏"بولين فوريس"، التي وصفت بكليوباترا نظراً إلى وجودها مع نابليون طيلة مدة مكوثه في مصر. وهناك ‏أيضاً الممثلة رائعة الجمال "جورجينا" الملقبة "بمادموازيل جورج" التي أغرم بها نابليون فترة قصيرة أهداها ‏خلالها دبوس (بروش) على شكل سهم من‎ ‎الألماس الملون باللون الوردي المرصع بالأحجار الكريمة التي ‏شكلت اسمها.‏
لقد تزوجت جوزفين من نابليون عام 1798 عقب لقاء سريع في منزل باريسي تولدت معه حرارة الحب، ‏عشق نابليون النبيلة وريثة النبلاء، ذات الجسد الرشيق والثقافة العالية، لم يكن إمبراطور فرنسا وقائدها ‏العظيم جسداً يأخذ لب النساء، كان قصير القامة نحيل القد، انطلق نابليون في فتوحاته في قارات العالم، ‏وانطلقت معها أقاويل‎ ‎خيانة زوجته له، وصلت أسماعه فازداد ألمه، اهتزت سمعته وسمعة العرش، طلقها ‏بعد عدة‎ ‎سنوات من الألم بحجة عدم الإنجاب، ثم تزوج النمساوية ماري لويس، التي أنجبت له ابنا ثم‎ ‎ماتت ‏أثناء نفيه‎.‎
يقول مؤلف كتاب "عشيقات الرؤساء والملوك:"نابليون‎ ‎بونابرت؛ إنه غزا العالم إرضاء لعشيقاته وزوجته ‏الخائنة!". ورغم آراء نابليون السلبية ضد النساء وإخضاعهن لتبعية الرجل، إلا أنه كان له رأي آخر في ‏النساء فيُنسب له القول الشهير "إن المرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها"، وهناك من يعتقد أنه ‏غزا العالم للتعويض عن حبيبته الضائعة جوزفين. ‏
كانت جوزفين المولودة عام 1765 في عائلة نبيلة رائعة الجمال. سُجنت بعد انتصار الثورة، وبعد خروجها ‏من السجن تخلت عن وقارها، وعاشرت الكثير من الرجال. وكانت نهاية مطافها عشيقة‎ ‎للقائد العام للثورة ‏الفرنسية. وكان نابليون يعمل تحت إمرة هذا القائد واسمه "بارا". واستطاع نابليون- عن طريق رتبته ‏العسكرية- الوصول إلى صالونات القيادات‎ ‎العسكرية، وشاهد جوزفين وهو في الثامنة والعشرين من ‏عمره، وأعجب كلاهما بالآخر وتعاشقا حتى تزوجا، ولم يدم شهر العسل أكثر من يومين، حيث تم استدعاء ‏نابليون لقيادة الجيش في إيطاليا. لقد سحقت جوزفين عظمة نابليون، إذ رغم إنها كانت تخدع زوجها إلا أنه ‏يحبها ويشاطرها‎ ‎العلاقة الزوجية، وبعد زواجهما يرسل لها رسالة يقول فيها: "إن خطاباتك يا جوزفين،‎ ‎باردة جداً، كأن زواجنا مر عليه 15 عاماً، أنا لم أعد أحبك مطلقاً. أنا أمقتك، أنت إنسانة خسيسة، وقحة، ‏فماذا تفعلين طوال اليوم بما أنك لا تكتبين إلا تلك الرسائل‎ ‎الباردة".‏
ولكي يتخلص نابليون من زوجته وذكراها اتخذ لنفسه عشيقة أخرى في‎ ‎مصر هي"بولين مورنس" زوجة ‏أحد الضباط؛ وقد أطلق عليها الجنود اسم كيلوباترا الشرق، وكانت تسكن في بيت مجاور لمقر القيادة ‏العسكرية بالقاهرة‏. وكانت ترتدي قبعة من الريش الذهبي وبنطلونات سوداء،‏ وكانت إذا غضبت منه ارتدت ‏فستانا، وإذا رضيت عنه ارتدت زيا عسكريا في الفراش. ‏وقد أرسل نابليون زوج "بولين" إلى الإسكندرية ‏ليخلو له الجو، ولما عاد زوجها من رحلته علم بالأمر، ونشب صراع بينه وبين نابليون، حيث طلق الزوج ‏زوجته الخائنة، إلا أن نابليون لم يتزوجها لأنه لم يكن يريد تطليق جوزفين، كما أنه كان خائفاً من أن تنجب ‏له طفلاً.‏
عاد نابليون إلى فرنسا عام 1799 تاركاً الحملة بقيادة الجنرال كليبر، وقد صور لنا الوضع وقتها المؤرخ ‏عبد الرحمن الرافعي في كتابه "مصر المجاهدة في العصر الحديث": ".. إن فرنسا قد تحرج مركزها، ‏وتضعضعت هيبتها في البلاد التي فتحتها من قبل، فشبت الثورة في البيمونت، وفقدت أملاكها في ألمانيا ‏وايطاليا، واشتد السخط في فرنسا علي الحكومة الفرنسية وألقي الشعب علي عاتقها تبعة هذه الهزائم ‏المتوالية، وأخذت انجلترا تشن الغارة في البحار علي أملاك فرنسا، وتمد حلفاءها بالعون المساعدة، فكانت ‏فرنسا مهددة من الخارج والداخل، كان الحلفاء يتوعدونها من الخارج، والاضطراب الداخلي يهدد كيانها من ‏الداخل".‏
في الحقيقة؛ لم يجد نابليون عند عودته إلى فرنسا محبوبته جوزفين، فأصرت عليه أسرته توقيع العقاب على ‏زوجته الخائنة، فقرر أن‎ ‎يطلقها رغم اعتذارها، وتدخل ابناهما وأذعن نابليون وعاد لزوجته، إلا أنه طلقها ‏في أكتوبر 1809 وتزوج من "ماري لويز" ابنة إمبراطور النمسا. ‏
أما عشيقته "فوداي" فكانت إحدى‎ ‎وصيفات جوزفين، ولقد ارتبط بها نابليون غرامياً ولما كثرت طلباتها ‏المالية نتيجة‎ ‎إدمانها على القمار تركها نابليون وابتعد عنها‎.‎‏ أما "جورجينا" وكانت‎ ‎ممثلة دعاها نابليون إلى ‏مقره الرسمي وأصبحت بينهما علاقة، لم يتزوجها قبل تتويجه بل عرض عليها أن تتزوج أحد جنرالاته ‏حفاظاً على سمعته، لكنها ردت عليه بعبارة شهيرة تقول:" لا.. صحيح أنني ممثلة وفنانة، لكني أرفض تمثيل ‏هذا الدور، فمن الذي يرضى لنفسه القيام بهذا الدور الخال من الشرف والرجولة والكرامة".‏
وتمضي الأيام، وكما عرف نابليون الانتصارات عرف الهزائم، فقد سقطت باريس في مارس 1814 وبعدها ‏نفي نابليون إلي جزيرة "ألبا"، وعادت "ماري لويز" إلي النمسا. يقول الباحث أحمد الشنواني في كتابه ‏‏"فاتنات وأفاعي": "ومن ضربات القدر، ألا تعيش جوزفين لتري بعينيها عودة نابليون من جزيرة ألبا، ‏ومحاولته استرجاع عرشه، وهزيمته في ووترلو واستسلامه للانجليز، وإرساله سجينا إلي جزيرة 'سانت ‏هيلين".‏
فقد ماتت قبل أن يغادر الإمبراطور جزيرة ألبا، وعندما بلغه الخبر حزن وبكي، وبعد عودته إلي فرنسا، في ‏خلال حكم المائة يوم التي انتهت بهزيمة ووترلو كان يسأل جميع الذين أحاطوا به يوم وفاتها، عن المرض ‏الذي شكت منه، وعن ساعتها الأخيرة. وقبل أن يسلم نفسه للإنجليز، قال لرفاقه: "لو كانت جوزفين باقية ‏علي قيد الحياة لتألمت كثيرا.. لم نتشاجر في حياتنا إلا علي مسألة واحدة.. ديونها الكثيرة، إن قلب جوزفين ‏أطيب قلب عرفته".‏
وأخيراً؛ يُنسب إلى نابليون عدة مقولات منها: "وراء كل رجل عظيم امرأة"، ‏‎
‏"في الحرب أعرف بالضبط ما الذي سوف أعمله‏...‏ في الحب لا أعرف شيئا"‏، "‏ لو تفرغت للحب كما ‏تفرغت للحرب‏..‏ ما أبقيت امرأة في حضن زوجها‏"،‎ ‎وجاء في موسوعة أقوال الفلاسفة‎ ‎والحكماء في عالم ‏النساء أن سيدة حسناء ابتسمت لنابليون وكانت تدس له مسدساً بين ثديها، فأطفأت في صدره نار الانتقام ‏واكتفى بقوله: "لقد أردت الفتك بالإمبراطور.. فأخفيت سلاحك في مكان أحسده عليه.. فمغفرة لكِ أيتها ‏الفتاة الجميلة".‏

المقال بقلم أشرف صالح
منشور بمجلة وسط البلد ، بتاريخ 23 يونيو 2009
(http://www.wostelbalad.com‎)