المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عسير الجاهلية بين الجغرافيين والشعراء



منـصور العســيري
25/06/2009, 03:26 AM
هذا البحث سبق أن أنزلته في عدة مواقع وقد حذف للأسف من منتديات التاريخ بعد أن تم اختراقها ، وهو جزء من كتاب موسوعي أقوم حالياً بإعداده حول إقليم عسير الواقع في المملكة العربية السعودية وقد رأيت إنزاله في واتا بوضعه الأساسي القديم حفظاً للحقوق ولعله يكون هنالك نقاش حول مضمونه إن وجد من يهتم بتاريخ هذا الجزء أو تاريخ الجزيرة العربية حيث يحوي البحث رؤى جديدة حول مسميات مواقع وأقاليم الجزيرة العربية واحداثها :






بسم الله الرحمن الرحيم

إن من أهم الأمور التي يجب أخذها في الحسبان عند قراءة تاريخ ما قبل الإسلام أن نعي أن تاريخ العرب الجاهلي وأخباره نقلت عن أمة أمية لا تعرف قيمة للتوثيق وتميل إلى الإسطورة والتعصب وتحكمها العاطفة في رواية أخبارها ، ورغم القيمة الأدبية العالية لما حملته تلك الفترة وما يدل عليه من ذكاء خارق لهذه الأمة فإن العرب لم يدونوا هذه الأخبار إلا في زمن متأخر معتمدين على ما يتناقله الرواة هنا وهناك ، كما أن الشعر الذي يكاد يكون المصدر الأهم لقراءة التاريخ الجاهلي انفرد أهل الوبر (البادية) بالجزء الأعظم منه ، فكان لطابع حياتهم غير المستقرة أثر كبير على رواية التاريخ ، بينما كان إنتاج أهل المدر والزراعة من الشعر أقل لظروفٍ اجتماعية وعملية تخص نمط حياتهم ، فبقي تاريخهم في الفترة الجاهلية أقل حضوراً في كتب التاريخ ما عدا اليمن كأرض حضارة اهتمت بالتدوين دون البقية ، فإذا كانت مكة ويثرب قد لقي تاريخها بعض الاهتمام من الرواة لخروج الإسلام منهما ، فإننا لا نجد أخباراً شافية عن بقية حواضر الجزيرة العربية مثل نجران وجرش وتبالة وأبها والجهوة وسوق حباشة وعثر وحلي وحجر اليمامة وهجر ودومة الجندل وتيماء وغيرها مما وجد له أثر في بعض السير او في الكتب السماوية بينما لا يوجد لدينا ما يمكننا أن نضيفه لها إلا القليل جداً من الأخبار معظمها عن قصص قبائل البادية التي سكنتها ، ومن ثم فإن أخبار وتاريخ الجزيرة العربية المنقولة لنا قد تكون قابلة لإعادة الصياغة في المستقبل مع المزيد من الدراسات والتنقيب عن الآثار والبحث عن النقوشات القديمة داخل وخارج الجزيرة العربية والتي قد تقلب الكثير من المفاهيم ، يقول توفيق برو في هذا الخصوص : "ومما يزيد الصعوبة في تأريخ هذه الحقبة أن قدامى المؤرخين المسلمين لم يبذلوا أي جهد في تحقيق وتمحيص ما وصلهم من أخبار عرب الجاهلية ، تلك التي رووها كما سمعوها من أفواه الرواة ، على ما فيها من تناقض ومن قصص خيالية مليئة بالأساطير ، أو أخذوها من أهل الكتاب ، وبخاصةً منهم اليهود ، أو وضعوها في الإسلام ـ بما جاء فيها من تهديم للوثنية ولأخلاق الجاهلية ... قد قضت بعدم الاهتمام بما يمت إلى الجاهلية بصله ، لا بل شغل المؤرخون المسلمون بالتأريخ للإسلام ، فدونوا كل وقائعه وأشبعوها تدقيقاً وتمحيصاً ، وانصرفوا عن التأريخ لما قبل الإسلام ، ولم يفطن أحد منهم إلى ما يمكن أن تنبثق عنه الدراسات الموضوعية من تصحيح لما ذخرت به الروايات من تلفيق ومجانبة للواقع في تأريخ حقبة التاريخ العربي القديم الذي طمست مفاخره عن قصد أو عن غير قصد من قبل الإخباريين" .
ومن هنا ففي هذه الدراسة سنحاول في أقل الأحوال أن نثير السؤال عن جانب من تاريخ الجزيرة العربية في محاولة حث لفك بعض رموز أحد أهم الأقاليم المعروفة بشدة في العصر الحديث ألا وهو إقليم عسير وذلك من خلال محاولة تسليط الضوء على بعض ما ذكرته المراجع العربية من تقسيم وتعريف لأقاليم الجزيرة العربية وبعض ما ورد في الشعر العربي من إشارات وأسماء وأوصاف للمواقع والمناخ والنبات ، وسيكون بحثنا مكون من جزئين :
الجزء الأول :
تحديد إقليم عسير وأقسامه وانتماءها الجغرافي والتاريخي

وسيكون هذا الجزء معني بعدة مباحث معنونة كالتالي :
 إقليم عسير وتقسيمه الجغرافي .
 إقليم عسير والتقسيم الحديث للجزيرة العربية.
 عسير بين المفاهيم المحلية المتوارثة والحديثة .
 الخلط في تأريخ وجغرافية الجزيرة العربية .
 الحجاز ونجد وتهامة و (إقليم عسير) .
 تقسيم الجزيرة العربية عند الجغرافيون وفي الشعر العربي .

الجزء الثاني :
تحديد بعض القبائل التي استوطنت هذا الإقليم والمعارك التي وقعت به
وسيكون هذا الجزء معني بمبحثين وهما :
 أسماء بعض القبائل التي سكنت إقليم عسير
 بعض أيام العرب الراجح حدوثها في إقليم عسير

وكبحث إلكتروني هدفه الأساسي القارئ العادي غير المختص ، فقد تعمدت ربط النقولات بالمراجع داخل البحث مباشرةً بدلاً من الإشارة لها مستقلة ، نظراً لما يحمله الموضوع من تناقض مع المسلمات الحالية لدينا ، ومن ثم ضرورة تقديم المعلومة بشكل أكثر موثوقية بمرجعيتها إلى أصولها في ذهن المتلقي ، كما قمت بالتلوين في النسخة المحملة على ملف pdfلتسهيل وصول الفكره إلى القارئ ، حيث اللون الأحمر يشير إلى الشاهد في النقل ، واللون الأزرق يمثل التعليق الشخصي من الكاتب داخل النقل .





الجزء الأول
تحديد إقليم عسير وأقسامه وانتماءها الجغرافي والتاريخي



إقليم عسير وتقسيمه الجغرافي

عسير محل الدراسة هو إسم حديث لإقليم من أقاليم الجزيرة العربية حددته الموسوعات والأطالس التي تناولت الجزيرة العربية منذ القرن الثالث عشر وحتى الآن بين الحجاز واليمن ونجد والبحر الأحمر ، وهو إقليم يمتد من حدود الطائف ومكة شمالاً وحتى حدود اليمن جنوباً بطول حوالي 750كم ومن تخوم الربع الخالي شرقاً وحتى البحر الأحمر غرباً بطول حوالي 400 كم .
وتنقسم عسير إلى جزئين رئيسيين متباينين في البيئة الجغرافية والمناخية وهما (تهامة) و(السراة) ويمكننا إعطاء نبذة عنهما فيما يلي :

1) تهامة : وتنقسم إلى قسمين هما :
أ‌) السهول الساحلية : وتمتد على طول ساحل البحر الأحمر من حدود الليث شمالاً وحتى شواطئ بيش جنوباً ومن ساحل البحر غرباً وحتى بداية جبال السروات في الشرق وهي مناطق دافئة ذات طابع ساحلي شبه استوائي يعمل السكان المجاورين للسواحل في الزراعة البعلية والصيد أما قبائل البادية التي تعيش إلى الشرق فتعمل في تربية الأغنام والجمال ومن مدنها جازان وصبيا وبيش والدرب والشقيق وخميس البحر والحريضة والقحمه والبرك وعمق والصوالحه وحلي والقوز والقنفذه والمظيلف وماوان .
ب‌) تهامة الجبلية (الصدر) : وهي المناطق الواقعة أسفل جبال السروات وفي الأصدار و الاودية والشعاب المنحدرة منها جهة الغرب ويتدرج أهلها ما بين بادية يعملون في تربية الماشية والإبل وحاضرة يعملون في الزراعه ومن أشهر مدنها الداير والفطيحه والشعبين والبتيله ومحائل وبارق والمجارده وسبت شمران والمخواة وقلوه ونمره .


2) السراة : وهي الهضبة المرتفعه فوق جبال السروات والتي تمتد شرقاً حتى تخوم صحراء الربع الخالي وتنقسم السراة جغرافياً حسب المفهوم المحلي إلى جزئين وهما :
أ‌) الشعوف (الحجاز): وهي عبارة عن شريط ضيق من الجبال المترابطة يمتد طولاً من الشمال للجنوب ويشكل السلسلة الجبلية المرتفعة المطله مباشرة على تهامة وتعتبر هذه المناطق العمود الفقري لإقليم عسير حيث الكثافة السكانية العالية والمراكز الحضارية الأكبر ، وهي مناطق باردة شتاءاً معتدلة مائلة للبرودة وممطرة صيفاً ، ويسكنها قبائل مستقرة يعمل جلهم في الزراعة وطابعها هو طابع المناطق الزراعية عامة إلا أن زراعتها تختلف عن بقية مناطق الجزيرة العربية حيث لا يعتمد السكان هنا على زراعة النخيل كأساس للزراعة بل يزرعون الحبوب والخضار وفواكه المناطق البارده كالخوخ والمشمش والرمان والتفاح والكمثرى والبخارى والتين والبرشومي وهي زراعتهم منذ أقدم العصور كما ذكر ذلك الرحاله الذين مروا بها كالهمداني وابن المجاور وغيرهم ، ومن مدنها أبها ، وخميس مشيط ، وأحد رفيده ، وسراة عبيده ، والحرجه ، وظهران الجنوب ، و صبح ، واثنين بللسمر ، وتنومه ، والنماص ، وسبت العلايا ، وباشوت ، وشرى ، وبلجرشي ، والباحه ، والمندق .
ب‌) السهول الشرقية : وتشكل السواد الأكبر من مساحة بلاد السراة ويسكنها أبناء البادية الذين يعملون في تربية الأغنام والجمال بالإضافة للقبائل المستقرة والتي تعمل في زراعة النخيل والتجارة ، ومن مدنها وادي بن هشبل ، والعرين ، وطريب ، والمضة ، والصبيخة ، وجاش ، وخيبر ، وبيشة ، وتثليث ، وتباله ، والقوباء وتخترقها أودية أهمها بيشه وترج وتباله .

إقليم عسير والتقسيم الحديث للجزيرة العربية
كما نلاحظ فإن عسير تحتل مساحة كبيره من الجزيرة العربيه حيث تبلغ مساحتها حوالي 300 ألف كيلو متراً مربعاً ، وهي تقع في جنوب الوسط للجزء الغربي من الجزيرة العربية ، ورغم تباين تضاريس ومناخ بيئات عسير في الغرب والوسط والشرق عن بعضها إلا أن أراضي هذا الإقليم على العموم تعتبر من أكثر أراضي الجزيرة العربية خصوبة وأوفرها مرعى وأكثرها مطراَ حيث معدل هطول الأمطار يقع ما بين 350 – 550 مل سنويا بينما يتراوح المعدل في بقية المناطق (ما عدا اليمن) بين 30- 90 مل سنوياً كما أن مناخها أكثر مناطق الجزيرة العربية اعتدالاً في الصيف خاصةً في الجزء السروي منها .
وفي مثل هذه الحالة فمن المؤكد أن لهذه المنطقة حضور قوي سياسياً وثقافياً وحضارياً في الجزيرة العربية عبر التاريخ يفوق بكثير ما نسب لهذه المنطقة في الكتب الحديثة التي عنيت بها حتى هذه اللحظة والتي اقتصرت في غالبها على قصص الشعراء الصعاليك أو أخبار شعراء وأعلام قبائلها الحالية مثل الأزد وخثعم وعنز ومذحج وغيرهم ، أو بعض القصص حول الهجرة العربية الأولى من اليمن إلى أو عبر بلاد السراة وما صاحبها ، أو أخبار الوفود التي توجهت للمدينة المنورة للدخول في الإسلام في عهد النبوة ، فلا شك أن ما احتضنته المنطقة من أحداث وأخبار يتجاوز ذلك بكثير ، ومن الملاحظ أننا عند البحث عن هذه المنطقة في المعروف من أقاليم الجزيرة العربية لنتمكن من كشف اللثام عن أحداثها وأخبارها عبر التاريخ فإن المشكلة الأولى التي ستواجهنا هي أن هنالك عدم وضوح في تعريف هذه المنطقة في التقسيم الجغرافي والتاريخي لأقاليم الجزيرة العربية حسب المتعارف عليه في العصر الحديث حيث السائد أن أجزاء الجزيرة العربية والتي تعزى إليها معظم الأخبار والأحداث في جزيرة العرب هي نجد والحجاز والأحساء واليمن والمتعارف عليه أن الحجاز تمثل منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة بجميع مدنها بينما نجد هي منطقتي الرياض والقصيم أما الأحساء فتشمل المنطقة الشرقية بينما اليمن هي دولتي اليمن وعمان حالياً ، فأين هذه المنطقة الإستراتيجية من هذا التقسيم مع أنها المنطقة الأكثر ملائمة للتواجد البشري ومن ثم الإنتاج الحضاري والثقافي المادي والمعنوي للحاضرة والبادية بل إنها المنطقة الأكثر كثافة سكانية بعد اليمن في كل أنحاء الجزيرة العربية ، فهل هي جزء من أحد هذه الأقاليم فاختزل ذكرها من خلال ذكره مثلاً .
إن التاريخ الحديث والذي تناول الجزيرة العربية منذ حوالي ثلاثمائة سنة حيث بدأ التوثيق يأخذ منحى أكثر أهمية وحتى الآن يذكر لنا بوضوح جلي أن منطقة عسير كانت إقليماً مستقلاً سياسياً وله حكماً مستقلاً محلياً وقد تداخل تاريخ هذه المنطقة مع تاريخ نجد في عهد الدولة السعودية الأولى ، ولكنه كان أكثر ميلاً إلى الاستقلال على امتداد فتراته بل وحتى عندما سقطت تحت الحكم العثماني فقد كان هذا الإقليم متصرفية تتبع الحكم العثماني مباشرةً مستقلةً عن اليمن وعن مكة وعن نجد وحكامها يعينون من الدولة العثمانية مباشرة ، وهذا ما تؤكده الوثائق العثمانية ويؤكده المعاصرون لتلك الفترة من مؤرخي المناطق المجاورة كاليمن مثل زباره والشوكاني ونجد مثل ابن بشر وابن غنام والحجاز مثل دحلان ومصر مثل الجبرتي والدولة العثمانية مثل سليمان شفيق باشا أو المستشرقين مثل بوركهارت وكورنواليس وتاميزيه وفيلبي وكذلك مؤرخوا نفس الإقليم مثل محمد وابراهيم الحفظي والبهكلي وعاكش .

ولكن ماذا عن القرون السابقة لهذه الفترة منذ فجر الإسلام ؟ .

يرى البعض أن أراضي إقليم عسير كانت جزء من اليمن ، وبالتالي فإنها لم تأخذ تعريفاً خاصاً بها لكونها جزء من أحد أقاليم الجزيرة العربية الكبرى .
مبدئياً ... فإن اليمن هي منبع العروبة ومقر الملوك العرب الأعظم والأقدم والأهم في التاريخ العربي ما قبل الإسلام ، واليمن هي الموقع الأكثر أثراً في نقش أثراً لأمة العرب في سجل الحضارات البشرية القديمة ما قبل الإسلام ، ولكن هل يمكن أن نقول بأن هذه المنطقة جزء من اليمن فعلاً ، ونسلم بأنه لا وجود لأخبارها إلا في التاريخ اليمني ؟ ..."خاصةً وأنه توجد إشارات في بعض المراجع بيمنية بعض حواضرها" مثل تبالة وجرش وبيشة ونجران والعقيق وتثليث ، ونكون بذلك قد حللنا اللغز ؟ .

قد يكون التسليم بذلك مسترشدين بهذه الإشارات ممكنا لولا أننا وجدنا أن الإشارة لليمن قد تجاوزت التخصيص ببلاد اليمن إلى أن أطلقت مجازاً على كل ما وقع إلى الجنوب عن من يطلقها ، فالمدينة المنورة ومكة المكرمة وكل تهامة والدرعية بل وكل اليمامة وهجر (وغيرها كثير) أطلق عليها اليمن ، ومن ذلك مثلاً ما ذكره الإمام ابن حجر من أن البعض قد حرفوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم (الإيمان يمان والحكمة يمانية ) عن ظاهره فقالوا أن مكة من اليمن لأنها من تهامة وتهامة من اليمن ومن ثم فالمقصود بالحديث هو مكة المكرمة حيث نزل الوحي ، وقال آخرون أن المقصود باليمن المدينة المنورة ومكة المكرمة لأن الرسول (ص) قد ذكر ذلك وهو في تبوك حيث كانت مكة والمدينة إلى جهة اليمن عنه فذكر أن الإيمان يماني في إشارة لهما ، ونحن وإن كنا نعلم أن هذا التفسير قد انحرف عن المقصد الواضح للحديث من الناحية الفقهية كما أشار لذلك الإمام ابن حجر رحمه الله ، إلا أن هذا التفسير الخاطئ على درجة من الأهمية من الناحية التاريخية لبحثنا هذا ، فهو إشارة واضحة على أن كلمة اليمن لم تكن في المفهوم العام تدل على بلاد اليمن خاصة ، بل كانت تحمل الدلالة على كل ما كان إلى الجنوب ، ومن ذلك ما نجده في تاريخ ابن خلدون عندما أطلق على هجر التي تقع في الأحساء (باب اليمن) ، ومن ذلك أيضاً ما نجده لدى الكاتب الإنجليزي لويس دوكورانسي الذي كان يكتب عن الدعوة الوهابية أثناء وجوده في العراق حيث اعتبر الدرعية في اليمن وكان يتحدث عن بلاد اليمامة على أنها من اليمن على امتداد صفحات كتابه ، ولا شك أن المقصود في هذا وفي كل ما سلف ليس بلاد اليمن على وجه التحديد بل هو الجهة اليمانية ، وهنالك الكثير جداً من الأمثلة على مثل هذه الإشارات إلى مواقع عده في وسط وشمال وجنوب الجزيرة العربية ليس المجال لسردها هنا ، ونكتفي بما ذكرناه من أمثله لكفايتها في الدلالة على المقصد .
ومما تقدم فإننا نجد صعوبة في التأكيد على إنتماء أي المناطق التي وصفت في بعض المراجع بيمنيتها إلى بلاد اليمن مستندين على هذه الإشارات فقط وذلك بسبب وجود الخلط بين الإشارة إلى اليمن كبلاد وبين الإشارة لها كجهة الجنوب ، ومن ثم فنحن بحاجةٍ للرجوع إلى المراجع التاريخية اليمنية ذاتها لمعرفة مدى وجود ذكر لهذه المنطقة أو أي حواضرها كجزء من الأراضي اليمنية عبر التاريخ ، ففي ذلك قطع للشك باليقين ، فإذا كانت هذه المنطقة الكبيرة جزء من اليمن فلا بد أن نجدها مذكورة بقوة في التاريخ اليمني وأحداثه وتفاعلاته على امتداده .
الجميل في هذا الخصوص أن اليمنيون قد أسهبوا في كتابة تاريخهم وتدوين أحداثه وأخباره بما لم يتسنى لسواهم في الجزيرة العربية وهو ما يثير الإعجاب فعلاً بهذه الأمة المتحضرة التي عرفت قيمة التدوين وأهميته في توثيق مسار التاريخ بما يحفظ للأجيال المتعاقبة حقهم في معرفة تاريخ وطنهم وحوادثه ومواطن القوة والضعف فيه وفهم حدوده وعلاقته بالجوار على مدى التاريخ ، ولأخذ العبر من أحداثه ، لذا فإننا لا نجد صعوبة في الوصول إلى تفاصيل تاريخ اليمن وحدوده وامتداداته وعلاقته بمناطق الجوار عبر العصور المتعاقبة ، وعند تصفحنا للكتب التاريخية اليمنية الشاملة التي تناولت التاريخ اليمني ومجرياته وأخباره منذ البعثة النبوية وحتى الآن مثل كتاب : المفيد في أخبار صنعاء وزبيد لعمارة اليمني ، أو كتاب قرة العيون في تاريح اليمن الميمون للدبيع ، أو كتاب البرق اليماني في تاريخ الفتح العثماني لقطب الدين النهزوالي ، أو حتى المتن الأساسي لكتاب فرجة الهموم والحزن في حوادث وتاريخ اليمن لعبد الواسع اليماني الذي كتب بعد المشاكل الحدودية السعودية اليمنية ، أو غيرها من الكتب اليمنية القديمة فإننا لا نجد من خلال السرد التاريخي أي ذكر لمنطقة عسير ولا حواضرها ولا لمدنها ولا لأوديتها كجزء من اليمن منذ البعثة النبوية وحتى الآن ، ولم يحدد أي هذه المصادر اسم أي والي على أي حواضرها كما فعل مع كل مدن وحواضر اليمن في كل المراحل ، ما عدا ما ورد عن مشاركة قبائل سنحان في أحداث الدولة الصليحية حيث تمكن الكامل الصليحي من إقناع هذه القبائل بالوقوف إلى جانبه بعد اجتماعه معهم أثناء توجهه للحج في مكة وعقده اتفاقية معهم على نصرته كما يقول عمارة ، وقد درج المؤرخون اليمنيون أن يطلقوا على هذه القبائل إسم القبائل الحجازية كما يقول القاضي محمد الأكوع رحمه الله .
ومن ثم فإن هذا الإهمال اليمني لهذه المنطقة الكبيرة الخصبة ذات الكثافة السكانية العالية والتي تقارب مساحتها 70% من مساحة اليمن وعدم ذكرها مطلقاً منذ فجر التاريخ ضمن تاريخهم ، بالإضافة لإشارتهم إلى قبائلها المصالية باسم القبائل الحجازية يجعلنا نستبعد أن تكون هذه المنطقة محسوبة كجزء من اليمن تاريخياً ، وإن كنا نجزم بوجود اتصال حضاري وثقافي لهذه المنطقة باليمن عبر التاريخ ، ولكنه لم يكن اتصال تبعيةٍ يجعلنا نعتبرها جزء من اليمن في تقسيم أقاليم الجزيرة العربية .
فماذا عن العصر الجاهلي وما قبله ؟ .
في الحقيقة لا يمكننا الجزم بأن أي جزء من الجزيرة العربية لم يدخل تحت نفوذ التبابعة اليمنيين منذ فجر التاريخ ، فقد نقل الرواة أن التبابعة قد امتد نفوذهم في بعض المراحل إلى كل أنحاء الجزيرة العربية بل وتجاوزوا ذلك كما تروي بعض المصادر إلى منطقة الهلال الخصيب ، بل لقد ذكر أن بعض السبئيين قد أقاموا دولاً في شمال الجزيرة العربية ، ومن ثم فلا شك أن تبعية إقليم عسير في مراحل التمدد اليمني إلى الشمال كان أمراً مفروغاً منه ، ولكن هذه التبعية غير المحددة لا شك أنها كانت جزء من تبعية الجزيرة العربية كاملة لحكام اليمن خلال تمدد نفوذهم شمالاً في أوج مجد اليمن ، وربما كان هنالك نوع من التبعية غير المباشرة من كل سكان الجزيرة العربية لحكام اليمن في بعض مراحل التاريخ دون وجود النفوذ المباشر ، وهذا ما نجده في ما نقلته السير من توجه الوفود ومنهم جد النبي (ص) عبد المطلب من مكة إلى اليمن لمبايعة سيف بن ذي يزن بعد تمكنه من استعادة الحكم .
ولكن هذه التبعية ليست المقصودة في هذه الجزئية من بحثنا هذا فنحن نبحث في انتماء عسير السياسي والجغرافي والسكاني لليمن كجزء أساسي متفاعل مع بقية اجزاءه على مد العصور كسائر أجزاء اليمن الأخرى بما يمكننا من معرفة أخبار وحوادث هذا الإقليم في التاريخ اليمني بوضوح ، وهذا ما لم نجده مطلقاً ، وأبعد من ذلك فإننا نجد أن الروايات اليمنية القديمة تشير إلى جرش والتي كانت حاضرة الإقليم كأرض كانت تسكن بها قبائل معدّ مستقلةً بها حتى عهد التبع اليمني أسعد كليكرب والذي كان حكمه قبل البعثة النبوية بعدة قرون ، حيث روى ياقوت وغيره أن تبع أسعد كليكرب أثناء رحلته التي خرج فيها إلى شمال الجزيرة العربية مر بجرش (حاضرة الإقليم في ذلك الزمان) وكانت معد حلول حواليها فنزل بعض من معه بها ، وقد نجد رابطا بين هذا وما ذكره الهمداني في بداية القرن الرابع الهجري من وجود مجموعة أطلق عليها الجزارين نسبها إلى نزار دون أن يحدد لها نسب دون نزار مما يمكن أن يستدل به على أنهم بقية القبيلة الأم قبل تفرقها إلى بطون ثم قبائل ، ولعل ما أورد مفرح الربعي من إشارة تدل على وجود قبيلة عنز بن وائل وامتلاكها لحمى يخصها وخوضها معارك مع قبائل نهد وحمير في عهد الملك سيف بن ذي يزن يحمل نفس الدلالة ، ومن ذلك يتضح لنا قدم استيطان قبائل معدّ في هذه الأرض على خلاف ما هو متعارف عليه ، ونكون بذلك قد عدنا إلى نقطة البداية ولم نصل إلى أي نتيجة في تعريف إقليم عسير بين أقسام الجزيرة العربية .


فإذا كانت هذه المنطقة مجهولة في التاريخ اليمني وليست من أقسام الجزيرة العربية المعروفة ، فأين إذن نجدها وكيف نحل لغز عدم وجود هذه المنطقة الشاسعة في تعريف أقاليم الجزيرة العربية التاريخية المعروفة وكيف نكشف المخبأ من تاريخ هذه المنطقة وأين نجد بقية أخبارها وأساطيرها القديمة وأين نصيبها من القصص والأحداث العربية الشهيرة ؟.



عسير بين المفاهيم المحلية المتوارثة والحديثة

إن من عاش في عسير منذ ما قبل بداية القرن الحالي أي قبل حوالي ثلاثون عاماً ثم شهد هذا الزمان فإنه لا شك سيرى كيف أن المفاهيم لدى الناس قد تغيرت مع الزمن وفقدت المنطقة الكثير من أعرافها ومسمياتها وأساطيرها التي كانت سائدة بها ، واستبدلوها بمفاهيم جديدة قدمت إليهم من الآخرين اعتبروها هي الحقيقة وتنازلوا عن مفاهيمهم المحلية ، فمثلاً لو أتيت الى شرقي منطقة عسير قبل ثلاثون عاماً وقلت لهم أنك قدمت من الحجاز فإنهم فوراً سيفهمون أنك أتيت من الشعوف الموالية لهم ، ولو قلت أنك أتيت من نجد لفهم أهل النماص مثلاً انك قادم من شرقي بلاد بني شهر جهة ترج ووادي بيشة ولفهم اهل تهامة قحطان أنك قادم من سراة عبيده ، أي أن الحجاز ونجد هي جزء من بلادهم ، ومنه ما نجده في هذه الدمة العسيرية التي قيلت عام 1337هـ .. كتاب (العادات والتقاليد ..) وكان ذلك فور خروج الدولة العثمانية وقبل بدأ احتكاك عسير بنجد سياسياً في تلك المرحلة :
هو نقا ذا هو يقل في الحرب ميدي وعندي لابة طلقان الايدي
تفتح الباب العسير
خبروا النجدي واللي في تهامه
وأيضاً ما نجده في هذه القصيدة التي قيلت عام 1257هـ وهي لحاكم باجل باليمن علي حميده يمدح فيها الإمام عائض بن مرعي :
صَبُوتُ لِثَغر ِ البَرق ِ لمَّـا تَبسّمَـا *** فلاحَ علـى نَجـدٍ وأبكـى مُتَيَّمَـا
إلى أن يقول :
وحَيَّـا عَسيـرا ً بالتَّحِيـاتِ كلهَـا *** مَصَابيحَ نَجدٍ مـن مُغيـدٍ وعَلكمَـا
وبالمثل فقد فقدت المنطقة الكثير من أساطيرها المرتبطة بالتاريخ القديم كالسيرة الهلالية التي كانوا يتداولونها شرقي المنطقة ويربطون أسماء جبالهم وقبائلهم بها وغيرها ، أما في المرحلة اللاحقة وحتى الآن فقد بدأ الناس يؤمنون أكثر بحقيقة أن الحجاز ونجد عنهم شمال كما هو مفهوم كل العامة في وقتنا هذا ، وتراجعوا كثيراً عن روايات أبو وزيد وسيرته بعد أن ظهر لهم أن هلال بن عامر قبيلة بذاتها وليست إحدى قبائل سراة إقليم عسير المعروفة حالياً حيث تتداول القصص ، وتخلى الكثير منا عن مفاهيمهم القديمة ، فلماذا كان ذلك وهل كانت هذه المفاهيم صحيحة أم أنها مفاهيم خاطئة بالفعل .

الخلط في تأريخ وجغرافية الجزيرة العربية

في الواقع أنه عند التمعن فيما ورد في الكتب العربية القديمة سواءً التاريخية أو كتب السيرة أو الشعر العربي القديم ورصد مدلولات المواقع في الشعر الجاهلي أو شعر صدر الإسلام فإنها ستتكون لدينا قناعة بأن هنالك تناقض واختلاف في الكثير من الإشارات إلى المواقع ومسمياتها ، وأن هنالك تغير في مدلولها بشكل عام في العصرين الأموي والعباسي وما تلاهما عن مفهومها في العصر الجاهلي ، ويرجع ذلك فيما نرى لثلاثة أسباب رئيسية :


أ‌- انتقال مركز الخلافة من الجزيرة العربية إلى الشام ثم العراق ثم تشتتها خارج الجزيرة العربية ، حيث بدأ تدوين التاريخ الجاهلي وما قبله وما بعده فيها بأثر رجعي في القرن الهجري الثاني بعد انتقال المركز إلى هناك ، ومن ثم فقد كان لانكفاء أقطار الجزيرة العربية الداخلية عن التأثير أو التفاعل أو التواصل مع الحضارة لابتعادها عن مراكزها أثر كبير في التشويش على تاريخها القديم خاصةً فيما يتعلق بالجغرافيا التاريخية للشعر العربي الجاهلي وتحديد المواقع المعنية في شعر العرب ، فقد انحصر الإتصال بالجزيرة العربية في حدود الإتصال بالمناطق المتاخمة للشام والعراق أو الاتصال بمكة والمدينة والمستطرق من البلاد فيما بينها وبين مراكز الخلافة في العراق والشام ، ومن ثم فقد أسقطت كل المواقع القديمة والأحداث التي جرت بها على تلك المناطق بالخطأ ، فكان كل المؤرخين يتجهون إلى تعريف مناطق تاريخيه ذكرت في الحجاز أو نجد أو تهامة على أساس المقاربة مع ما يعرفونه وما يصلونه من مناطق الجزيرة التي ذكرنا أو ربما رمى بعضهم جزافاً بوجودها هنالك فقلده غيره ، حتى تكونت فكرة عامه بأن مناطق أحداث الجزيرة العربية كلها تقع هنالك في أقصى شمال الجزيرة العربية .
ب‌- هجرات القبائل العربية البادية سواءاً الهجرة الأولى في الجاهلية حيث هاجرت أجزاء كبيرة من قبائل العرب خلال العصر الجاهلي وخاصةً القرن الأول قبل البعثة من منطقة تهامة والحجاز وشرقي جبال السراة إلى الشمال والشرق مثل ربيعة والأزد وتميم وإياد وغطفان وغيرهم ، ثم جاءت الهجرة الثانية والتي بدأت خلال القرن الهجري الأول "والحديث هنا ليس عن هجرة الفتوحات الإسلامية ولكن عن هجرات قبائل البادية في الجزيرة العربية داخلها" حيث كانت هجرة قبائل هوازن وبني عامر بن صعصعة إلى بلاد اليمامة ، وكان لهذه الهجرات أثر كبير في التلبيس على المؤرخين حول المواضع التي عناها الشعراء في شعرهم بعد انتقالهم إلى تلك المناطق حيث كان الكثير من الشعراء قد انتقلوا من شرقي بلاد السراة إلى ديارهم الجديدة فعرفوا لدى الجمهور بسكناهم تلك الديار التي ماتوا بها أو التي انتقلت قبائلهم لها ، ومن ثم فقد أسقطت كل المسميات التي وردت في أشعارهم على مواقع سكناهم الأخيرة ، بل زاد الأمر تشويشاً أن هذه القبائل المهاجرة حملت أسماء مواقعها القديمة إلى مواقعها الجديدة وهي عادة سائدة في بلاد العرب بل وفي كل البشر ، لذا رأينا الكثير من المؤرخين يعزي بعض الأسماء المعروفة في جبال السروات وشرقها أو في تهامة إلى جبال أو مواقع في بلاد اليمامة أو البحرين أو العراق أو غيرها ولم يشر إلى وجود نفس الأسماء في هذا الإقليم ، وربما كانت هذه الأسماء التي ذكروا غير موجودة فعلياً في البلاد التي نسبوها إليها أو ربما كانت اتخذت أسماءها من المواقع الأصلية التي قصدها الشاعر في قصيدته فنجد الإشارات إلى أسماء مواقع في إقليم عسير بعضها لا زالت تحمل أسماءها كما هي حتى الآن مثل الراكس ، والقضه ، والهرير ، والبتيله ، وعتود ، وقنا ، والرهوة ، والقرعاء ، وتهلل ، والعقيق ، والدخول ، والسلان ، والردهه ، ومعبج ورياض الرباب والماوين وذي الرمث والبردان ويبمبم وشواحط والبرك والشقيق وغيرها كثير لم يشر لها الرواة في هذا الإقليم بل اكتفوا بذكر مواقع تحمل نفس الأسماء في اليمامة أو البحرين أو في شمال الجزيرة أو في العراق أو ربما أشاروا لها في نجد أو في الحجاز دون تحديد ، بينما هي أسماء مواقع في إقليم عسير لا زالت معظمها تحمل أسماءها حتى الآن ، ناهيك عن الأسماء التي تبدلت واختفت ، فأسقطت بذلك حتى أسماء الأقاليم التي ينتمي إليها الشعراء والتي وردت في شعرهم على المواقع الجديدة ، فرحلت نجد والحجاز وتهامة بكاملها مع من رحل من أهلها من البادية إلى الشمال تماماً وأصبحت كلها تقع حيث رحل سكانها فأصبح كلٌ يقارب ويزن ويقيس لتحديد المواقع فيما بين تلك المناطق فقط متجاهلاً مناطق العمق ثم يقلده غيره ... وهكذا
ت‌- التقسيم الإداري في مراحل تاريخيه معينة بناءً على ما تقتضيه المصلحة كان له أثر كبير أيضاً في ترسيخ اللبس الذي وقع في أسماء أقاليم الجزيرة العربية ، حيث أن التقسيم الإداري عادة ما يؤدي إلى اعتماده من قبل العامة فيرسخ في الذاكرة الجمعية للمجتمع ومن قبل الجغرافيين الذين يوثقون هذا التقسيم مما يؤدي إلى تغير في المفاهيم على المدى الطويل ومن أمثلة ذلك ما ذكره البكري من أن نجد من أعمال اليمامة أي أنها كانت تتبع اليمامة إدارياً في عصره ، ومن الأمثلة أيضاَ التقسيم الإداري في عهد الدولة العثمانية حيث كان مسمى منطقة مكة المكرمة في ذلك الحين هو "إقليم الحجاز" ، وكان يبدأ حده جنوباً من مكة المكرمة وجدة والطائف ثم يتجه شمالاً حتى حدود الأردن الحالية مما عزل الأجزاء الجنوبية من جبال السروات عن مسمى الحجاز في العقلية الجمعية لسكان الجزيرة العربية .







الحجاز ونجد وتهامة و (إقليم عسير)

كنتيجة لما تقدم فقد انفرد شمال الجزيرة العربية خاصةً ما وقع بين الشام والعراق من جهة وبين مكة والمدينة من الجهة الأخرى بوجود أقاليم العرب الثلاثة الحجاز ونجد وتهامة فأحال بعضهم المواقع التي ذكرت في الحجاز إلى المنطقة التي تبدأ جنوباً من الليث وتمتد شمالاً حتى حدود الشام وزعم بعضهم أن هذه المنطقة فقط هي الحجاز وأنه سمي حجازاً لأنه يحجز بين الشام واليمن وقيل بين الشام والغور واعتبرت مكة وجده وما شمالهما حجاز ، وهذا وهم لا شك ، لأن جدة ومكة والليث في تهامة ، ومناطق تهامة ليست من الحجاز لأنها منطقة سهل وساحل ولا تكون حاجزاً دون أرضين فهي لا تحجز بين الشام واليمن ، بالإضافة إلى أن الحجاز في تكوينها حقيقةً (أو حتى حسب تعريفهم) هي عبارة عن منطقة مستطيلة تشبه الشريط الممتد من الشمال إلى الجنوب في غرب الجزيرة العربية وهذا يتنافى لغوياً ومنطقياً مع مفهوم الحجز بين الشام واليمن اللتان تقعان شمالها وجنوبها فالحاجز يفترض فيه أن يكون ممتداً بالعرض بين المنطقتين التين يحجز بينهما فتكونان على جانبيه لا على طرفيه لذا فلا منطقية لكون الحجاز يفصل بين الشام واليمن كما أن الحجاز جزء من الجزيرة العربية ولا يكون حاجزاً بين الغور والشام لأنه بذلك يكون خارج الجزيرة العربية فغور الشام في فلسطين والأردن ولبنان وسوريا وليس في الجزيرة العربية ، ولكن تعريف الحجاز اللغوي والمنطقي متوافق تماماً مع كون الحجاز يحجز بين نجد وتهامة كما هو العرف عند ساكنوه أهل عسير والباحة والطائف ، وكما ذكر المتقدمين من الجغرافيين والمؤرخين العرب وكما تشير القصائد العربية القديمة ، فهي ممتدة على طول المنطقتين وتعترض كحاجز جبلي طبيعي بين المنطقتين وعلى امتدادهما من الشمال إلى الجنوب ، ولا زال أهل منطقة عسير يطلقون على المرتفعات الغربية من جبال السروات المتاخمة لتهامة اسم الحجاز فيقال (أهل الحجاز) و(طريق الحجاز) ويطلقون على سكانها الحجازيون (الحِجَزَة باللهجة المحليه) ويطلقون على السهول الشرقية المحاذية لقمم السراة إسم (نجد) وهذا لا ينفي أنه قد اطلق على المنطقة الواقعة شمال مكة والمدينة حتى تخوم الشام إسم الحجاز خلال العصور الإسلامية كتقسيم إداري .
وأيضاً فقد وهم من قالوا بأن إقليم نجد هو بلاد اليمامة ، فهذا مجانب لحقيقة المسمى في العصر الجاهلي وفي بداية صدر الإسلام حسب ما يتبين مما ذكره الجغرافيون القدامى ومن جغرافية الشعر العربي القديم ومناطق سكنى القبائل التي ذكرت في نجد ، ومن المعنى الحرفي للكلمة ، فنجد في التعريف اللغوي هي الهضبة المرتفعة عن سطح الأرض المشرفة على ما حولها ، ولا تسمي العرب الحز (الجبل أو سلسلة الجبال شديدة التحدب) بالنجد بل تسميها حجاز ، وحيث أن الناس لم يكن لديهم أجهزة لقياس الإرتفاعات فإن المفترض أن تكون هذه الهضبة واضحة البروز عما حولها لتكون مشرفه وهذا لا يكون واضحاً في أي موقع كما هو في هضبة السراة المحاذية لشعوف الحجاز من الشرق حيث تكون هضبة نجد مرتفعة عن تهامة بوضوح يفهمه ويراه الناس ، ونجد تاريخياً هي بالفعل المنطقة الواقعة إلى شرق قمم جبال السروات ، أي أنها تحوي الجزء الشرقي والأكبر من إقليم عسير ومن محافظة الطائف ، ولا زال اسم نجد يستخدم في بعض أجزاء إقليم عسير للدلالة على المناطق الشرقية المحاذية لقمم جبال السروات خاصةً في بلاد رجال الحجر وفي بلاد قحطان .
أما تهامه فهي المنطقة الواقعة ما بين هضبة نجد وجبال الحجاز من جانب والبحر الأحمر من الجانب الآخر ، وتمتد من عسفان وذات عرق وقيل الجحفة شمال مكة شمالاً إلى بلاد عك وزبيد جنوباً ، حيث اعتبر المؤرخين ذات عرق هي نهاية تهامه ونجد والحجاز وقد حدد بعض الجغرافيون تهامة من الشمال بعسفان وذات عرق وآخرون عدوا الجحفة وذات عرق منتهى تهامة من الشمال (وكلها متقاربه) ، وهذا هو الصواب حيث أن الوصف الجغرافي واللغوي لتهامة المتعارف عليه في العربية ينقطع بعد أن نتجاوز عسفان والجحفة إلى الشمال حيث تكون المنطقة بعدها عبارة عن مجموعة من الحرار والجبال المتقطعه ذات الأودية العميقه التي بها عدة مستويات ولكنه لا يلاحظ وجود إنحدار من الشرق للغرب بشكل واضح كما هو في عقبة الهدا وجنوبها على امتداد جبال السروات ، وبشكل أوضح يمكن أن نقول بأنه لا توجد سراة تقابلها تهامة منذ أن تتجاوز ذات عرق (شمال السيل الكبير) شمالاً ، أما حد تهامة من الجنوب فهي تمتد حتى تصل إلى ديار عك وزبيد ببطن اليمن .
وهذه الحدود التي ذكرنا ليست حدوداً سياسية محددة لذا فهي ليست قطعية ولا واضحة المعالم فهي تقديريه يختلف دائماً حولها المؤرخون ما عدا حد تهامة من جهة الشرق فهو خط جغرافي واضح وحد اليمن مع الحجاز فهو محدد بنقطة معينة ، لذا فإننا نجد هنالك خلط وتناقض لدى بعض المؤرخين بين مرة وأخرى عندما يشيرون إلى بعض القرى والجبال والأودية ، فتجدهم يحددونها مرة في الحجاز ومرة في نجد ، وحتى الأقاليم نفسها تجد من يقول أن الحجاز من نجد ومن يقول أن نجد من الحجاز .
ولكن ما يعنينا هو تحديد الجهة المركزية للموقع المقصود بكل قسم من أقسام الجزيرة العربية وليس تعيين الحدود بدقه .




تقسيم الجزيرة العربية عند الجغرافيين وفي الشعر العربي

لقد قسم المؤرخون والجغرافيون القدامى الجزيرة العربية إلى خمسة أقسام رئيسية وهي :
أ‌- تهامة : وهي السهول الواقعة بين جبال الحجاز (السروات) والبحر الأحمر
ب‌- الحجاز : وهي مرتفعات جبال السراة الغربية التي تحجز بين تهامة ونجد .
ت‌- اليمن : وهي المنطقة الواقعة في الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية .
ث‌- العروض : وتشمل اليمامة والبحرين .
ج‌- نجد : وهي الهضبة الواقعة شرقي قمم سلسلة جبال الحجاز .


وجمهور المؤرخين على اتفاق على هذا التقسيم المتقدمين منهم والمتأخرين ما عدى ياقوت في أحد أقواله ، وممن روي عنه هذا التقسيم الصحابي الجليل / عبدالله بن عباس رضي الله عنه .
ونورد هنا بعض أقوال المؤرخين في تقسيم مناطق الجزيرة العربية :

1) جاء في صفة جزيرة العرب للهمداني ما يلي : "فصارت بلاد العرب من هذه الجزيرة التي نزلوا بها وتوالدوا فيها على خمسة أقسام عند العرب وفي أشعارها‏:‏ تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن"
2) جاء في كتاب ( أدب الخواص ) للوزير المغربي (توفي 418هـ) مايلي : "ونبدأ بقول أبي جعفر محمد بن حبيب مولى بني هاشم والذي بلغنا عنه أن جزيرة العرب خمسة أقسام، وهي الحجاز وتهامة ونجد والعروض واليمن ، قال: وذلك أن جبل السراة "و هو أعظم جبال العرب" أقبل من قعر اليمن حتى بلغ أطراف بوادي الشام ، فسمت العرب سراته حجازا لأنه حجز بين الغور ونجد. وكذلك تسمي العرب كل جبل يحتجز بين أرضين حجازاً".

3) جاء في معجم ما استعجم للبكري ما يلي : فصارت بلاد العرب من هذه الجزيرة التي نزلوها على خمسة أقسام: تهامة والحجاز ، ونجد والعروض ، واليمن .

4) جاء في كتاب (الروض المعطار في خبر الأقطار) لابن عبد المنعم الحميري ما يلي :"وقالوا: بلاد العرب من الجزيرة التي نزلوها على خمسة أقسام: تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن ، وجبل السراة هو الحد بين تهامة ونجد، لأنه أقبل من اليمن، وهو أعظم جبال العرب حتى بلغ أطراف بوادي الشام فسمته العرب حجازاً".
5) نقل ياقوت الحموي في معجم البلدان ما يلي : "جزيرة العرب قد اختلف في تحديدها وأحسن ما قيل فيها ما ذكره أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب مسندا إلى ابن عباس قال اقتسمت العرب جزيرتها على خمسة أقسام قال وإنما سميت بلاد العرب جزيرة لإحاطة الأنهار والبحار بها من جميع أقطارها وأطرافها فصاروا منها في مثل الجزيرة من جزائر البحر ...... إلى أن قال : فصارت بلاد العرب من هذه الجزيرة التي نزلوها وتوالدوا فيها على خمسة أقسام عند العرب في أشعارها وأخبارها تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن"
6) نقل الصحاري في كتاب الأنساب ما يلي : "حدثنا أبو عبيدة معمر بن المثنى، قال: جزيرة العرب خمسة أقسام ، تهامة ، والحجاز، ونجد ، والعروض ، واليمن".
7) نقل القلقشندي في كتاب قلائد الجمان في التعريف بعرب الزمان عن المدائني قوله : "وجزيرة العرب هذه تشتمل على خمسة أقسام: تهامة، ونجد، وحجاز، وعروض ، ويمن" .
8) ذكر محمد مهران في كتاب تاريخ العرب القديم ما يلي : "وأما الكتاب العرب فقد قسموا شبه الجزيرة العربية إلى خمسة أقسام هي : اليمن وتهامة والحجاز ونجد واليمامه (وتسمى أيضاً العروض)" .
9) جاء في كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي ما يلي : "وقد قسموا جزيرة العرب إلى خمسة أقسام: الحجاز، وتهامة، واليمن، والعروض، ونجد. ويرجع الرواة أقدم رواياتهم في هذا التقسيم إلى عبد الله بن عباس ".
10) يقول توفيق برو في كتاب تاريخ العرب القديم : "لقد قسم جغرافيوا العرب القدماء شبه جزيرة العرب إلى خمسة أقسام هي : تهامة ، الحجاز ، اليمن ، نجد ، اليمامة والعروض . غير أنني (والكلام هنا لتوفيق) أفضل أن أسير في دراسة جغرافيتها حسب تقسيم حديث يكون أسهل للفهم".


إذن فنحن أمام ما يشبه الإجماع على هذا التقسيم .

وهنا فإننا أمام تقسيم مختلف عن ما هو متعارف عليه في العصر الحديث ، فقد عزل هذا التقسيم تهامة عن الحجاز وعزل بلاد اليمامة عن نجد وذكر اسماً غير معروف في هذا الزمان وهو العروض تضم اليمامة والبحرين !.

لنبدأ إذن بمعرفة ما عرفه المؤرخون والجغرافيون العرب لكل من هذه الأقسام أولاً بأول :



أ ـ تهــــــامـة :

تهامة موضع معروف على العموم من بلاد العرب إلا أن هنالك في عصرنا خلط بينها وبين الحجاز حيث درجت الناس على أن تهامة هي ما وقع في منطقة عسير فقط وعدّوا الجزء الشمالي من تهامة والذي به جدة ومكة وما حولها جزء من أرض الحجاز بينما الحقيقة أن جدة ومكة محسوبة تاريخيأً كجزء من تهامة ولم تعرف في العصر الجاهلي ولا في زمن الرسول (ص) ولا في زمن الخلافة الراشدة كجزء من الحجاز ولم يشر لها بذلك مطلقاً بل لقد كان يشار للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبي التهامي في كل كتب السيرة ولم يشر له بالحجازي ولا لمكة بالحجازية ، وربما بدأ الخلط بعد أن أصبحت مكة والمدينة إسمان مرتبطان ببعضهما سياسياً بعد انتقال الخلافة إلى الشام وحروب الأمويين مع ابن الزبير والأنصار في مكة والمدينة .
ونجد ذلك فيما روته كتب السيرة والشعر القديم ومنها :
• جاء في تاريخ أبي الفداء للملك المؤيد إسماعيل بن أبي الفداء :"التهامي منسوب إلى تهامة وهي تطلق على مكة ولذلك قيل للنبي صلى الله عليه وسلم تهامي لأنه منها ".
• جاء في نثر الدر للآبي (ورواها أبو حيان التوحيدي في البصائر والذخائر بسند آخر) :
"حدثنا الصاحب كافي الكفاة رحمة الله عليه عن الأبجر عن ابن دريد عن عمه عن ابن الكلبي عن أبيه قال: ورد بعض بني أسد من المعمرين على معاوية فقال له: ما تذكر؟ ... فروى له قصته مع معشوقته إلى أن قال : قال: فجهرني ما رأيت فدلفت أريد عميد الحي، فرأيته على سرير ساسم على رأسه عمامة خز سوداء كأن الشعرى العبور تطلع من تحتها، وقد كان بلغني عن حبر من أحبار الشام أن النبي التهامي هذا أوان مبعثه" .
• قال المتنبي في بائيته التي مدح بها أبا القاسم طاهر بن الحسين العلوي :
"وأبهر آيات التهامي أنه = أبوك وأجدى ما لكم من مناقب"
• قال جمال الدين محمود بن الأمير الحلبي (المصدر : العقود الدرية لمحمد بن قدامة) في مرثيته لابن تيمية رحمهما الله :
"هو في رتبة النبيين فاعلم = هكذا أخبر النبي التهامي
قدته الدنى مع الدين والعلـ = ـم كل الزهاد والأيتام"

والأمثلة على ذلك أكثر من أن يحتويها بحثنا هذا ، لذا نكتفي بما اوردنا ونتجه لمعرفة ما قاله الجغرافيون عن تحديد تهامة :
1) يقول الهمداني في صفة جزيرة العرب : "وذلك أن جبل السراة ........ إلى أن قال : فصار ما خلف ذلك الجبل في غربيه إلى أسياف البحر من بلاد الأشعريين وعكٍّ وحكم وكنانة وغيرها ودونها إلى ذات عرق والجحفة وما صاقبها وغار من أرضها - الغور غور تهامة وتهامة تجمع ذلك كله‏".‏
2) ذكر البكري في معجمه ما يلي : "وطول السراة ما بين ذات عرق إلى حد نجران اليمن .... إلى أن يقول : (فصار ما خلف هذا الجبل في غربيه إلى أسياف البحر، من بلاد الأشعريين وعك وكنانة، إلى ذات عرق والجخفة وما والاها وصاقبها وغار من أرضها: الغور غور تهامة، وتهامة تجمع ذلك كله، وغور الشام لا يدخل في ذلك) .... إلى أن قال : (وذات عرق فصل ما بين تهامة ونجد والحجاز. وقيل لاهل ذات عرق: أمتهمون انتم أم منجدون؟ قالوا: لا متهمون ولا منجدون) ... إلى أن قال : (ومن المدينة إلى طريق مكة، إلى أن تبلغ الاثاية مهبط العرج: حجاز. وما وراء ذلك فهو تهامة، إلى مكة، إلى جدة، إلى ثور وبلاد عك وإلى الجند، وإلى عدن أ بين، هذا غور كله من ارض تهامة) ... ثم يقول : (وأما تهامة، فانك إذا هبطت من الأثاية إلى الفرع وغيقة، إلى طريق مكة، إلى أن تدخل مكة: تهامة، إلى ما وراء ذلك من بلاد عك، كلها تهامة ، والمجازة وعليب وقنوني ويزن، كلها تهامة، وأنت إذا انحدرت في ثنايا ذات عرق متهم إلى أن تبلغ البحر، وكذلك إذا تصوبت في ثنايا العرج إلى أقصى بلاد بني فزازة أنت متهم)
3) جاء في معجم البلدان لياقوت ما يلي :
ثم تخرج من مكة فلا تزال في تهامة حتى تبلغ عسفان بين مكة والمدينة وهي على ليلتين من مكة .

ب ـ الحجاز :
الحجاز حسب تعريف قدامى الجغرافيون العرب هي تلك المنطقة التي تحجز بين هضبة نجد وسهول تهامة وقد اتخذت اسمها من ذلك ، وهي عبارة عن سلسلة من الجبال المترابطة التي تشرف على تهامة مباشرة والممتدة من الشمال إلى الجنوب وتتسع وتضيق هذه المنطقة بين موقع وآخر ، والحجاز كان يسكنها في الغالب أهل القرى والزراعة لذا نجدها أقل ذكراً في الشعر العربي الجاهلي ، والمؤرخين حول حدود الحجاز من الشمال على رأيين فهي عند بعضهم تنتهي في الشمال في قرية ذات عرق الواقعة على طريق وادي السيل الواصل من الحوية إلى مكة والمار من شمال الطائف وهي ميقات أهل العراق وذكر بعضهم أن ذات عرق تقع شمال طريق وادي السيل ولكنها ليست قرية السيل الكبير بذاتها وهما على نفس المسافة من مكة (على مرحلتين من مكة) مما يدل على تقاربهما ومنهم من قال أن الحجاز تمتد حتى المدينة المنورة وبعضهم ذكر امتدادها إلى تخوم الشام دون تحديد لنقطة تنتهي بها هذه التخوم ، ولكن الراجح أن ما وقع شمال المدينة المنورة كان يسمى جلس ، وبعضهم قسم الحجاز إلى قسمين الحجاز الأسود وهو ما وقع بين الطائف وجرش (حاضرة عسير قديماً وتقع على بعد 40كم جنوب شرق أبها) وحجاز المدينة وهو ما وقع إلى الشمال من الطائف وقد ربط الجغرافيون مسمى السراة بمسمى الحجاز فأطلقوا عليها السراة أو الحجاز وقد تسمى أيضاً بالطود أما من جهة الجنوب فقد انقسم الجغرافيون بين من اعتبر الحجاز ينتهي بجرش ومن اعتبره ينتهي بنجران وبعضهم قال أنه يبدأ من قعرة أو بطن اليمن دون تحديد النقطة المقصودة ، والثابت أن الحجاز بالتحديد يبدأ من طلحة الملك التي كانت حداً بين مكة واليمن ، حيث ذكر أن النبي قد وضعها كحد بين الإقليمين كما سيأتي معنا ، وهي على الحدود السعودية اليمنية حالياً ، ونعرض الآن بعض ما قيل في تعريف الحجاز لدى قدماء الجغرافيون :
1) ذكر ياقوت في معجم البلدان : "وقال الأصمعي في موضع آخر من كتابه الحجاز من تخوم صنعاء من العبلاء وتبالة إلى تخوم الشام وإنما سمي حجازا لأنه حجز بين تهامة ونجد فمكة تهامية والمدينة حجازية والطائف حجازية" .
2) يقول الهمداني : "وذلك أن جبل السراة وهو أعظم جبال العرب وأذكرها أقبل من قعرة اليمن حتى بلغ أطراف بوادي الشام فسمته العرب حجازاً لأنه حجز بين الغور وهو هابط وبين نجد وهو ظاهر".
3) جاء في كتاب (الروض المعطار في خبر الأقطار) لابن عبد المنعم الحميري ما يلي : "الحجاز: وجبل السراة هو الحد بين تهامة ونجد ، لأنه أقبل من اليمن، وهو أعظم جبال العرب حتى بلغ أطراف بوادي الشام فسمته العرب حجازاً."
4) جاء في معجم ما استعجم للبكري ما يلي : "وأما نجد، فما بين جرش إلى سواد الكوفة ، وآخر حدوده مما يلي المغرب الحجازان: حجاز الأسود وحجاز المدينة، والحجاز الأسود سراة شنوءة ".
5) نقل عبدالقادر البغدادي في كتاب (خزانة الأدب ولب لباب النسب) عن أبو عبيد قوله : "وطول السراة: ما بين ذات عرق إلى حد نجران اليمن... إلى أن قال : وصار الجبل نفسه سراته وهو الحجاز . وما احتجز به في شرقيه من الجبال وانحاز إلى ناحية فيد والجبلين إلى المدينة ومن بلاد مذحج تثليث. وما دونها إلى ناحية فيد فذلك كله حجاز" .
6) يقول دعبل الخزاعي(148ـ246هـ) في كتابه (وصايا الملوك) : "الطود ، وهي البلاد التي يقال لها السراة، وهي فيما بين الطائف وجرش".
7) نقل النويري في فنون الأدب عن محمد بن السائب الكلبي قوله : "أن الله عز وجل لما خلق الأرض، مادت بأهلها. فضربها بجبل السراة فاطمأنت. وهو أعظم جبال العرب وأكثرها خيرا، ويسمى الحجاز. وهو الذي حجز بين تهامة ونجد. فتهامة من جهته الغربية مما يلي البحر، ونجد من جهته الشرقية".
8) جاء في كتاب آثار البلاد وأخبار العباد لزكريا بن محمد بن محمود القزويني ما يلي : "وبها جبل السراة قال الحازمي‏:‏ انها حاجزة بين تهامة واليمن وهي عظيمة الطول والعرض والامتداد ولهذا قال الشاعر‏:‏ قال ابو عمرو بن العلاء‏:‏ افصح الناس اهل السروات اولها هذيل ثم بجيلة ثم الازد ازد شنوءة‏" .‏
9) يقول البكري في معجمه : "وجبل السراة هو الحد بين تهامة ونجد. وذلك أنه اقبل من قعره اليمن، وهو أعظم جبال العرب، حتى بلغ أطراف بوادي الشام، فسمته العرب حجازا" .
10) وقال أيضاً : "وذات عرق فصل ما بين تهامة ونجد والحجاز. وقيل لاهل ذات عرق: أمتهمون انتم أم منجدون؟ قالوا: لا متهمون ولا منجدون. وقال شاعر:
ونحن بسهب مشرف غير منجد ** ولا متهم فالعين بالدمع تذرف".
11) وجاء فيه أيضاً : "وقال محمد بن سهل عن هشام أبيه: حدود الحجاز: ما بين جبلي طيء إلى طريق العراق، لمن يريد مكة، إلى سعف تهامة، ثم مستطيلا إلى اليمن. قال: والجلس: ما بين الجحفة إلى جبلي طيء. والمدينة جليسة. ويشهد لك ان المدينة جليسة قول مروان بن الحكم للفرزدق، وتقدم إليه إلا يهجو أحدا، ومروان يومئذ وإلى المدينة لمعاوية:
قل للفرزدق والسفاهة كاسمها *** إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس

يقال: جلس إذا أتى الجلس، أي أئت المدينة لأن تركت الهجو" .
12) ونقل البكري عن الزبير بن بكار قوله : "سألت سليمان بن عياش السعدي: لم سمي الحجاز حجازا؟ فقال: لأنه حجز بين تهامة ونجد . قلت: فما حد الحجاز؟ قال: الحجاز ما بين بئر أبي بكر بن عبد الله بالشقرة، وبين اثاية العرج. فما وراء الاثاية من تهامة".
13) ورد عند ياقوت في معجم البلدان : "وقال طرفه، وهو يومئذ بناحية تبالة وبيشة وما يليها :
ولكن دعا من قيس عيلان عصبة ** يسوقون في أعلى الحجاز البرابرا"
وقوله في أعلى الحجاز تدل على أنه يتحدث عن الحجاز كما يعرفه الناس في إقليم عسير وهو قمم جبال السروات المطلة على تهامة حيث يتجه الإرتفاع تدريجياً من الشرق إلى الغرب حتى يصل لأعلى إرتفاع فوق قمم جبال السراة التي تنحدر بحدة على تهامة .
ومما تقدم نجد أن الجغرافيين العرب قد حددوا بلاد الحجاز بالمنطقة التي تحجز بين تهامة ونجد والواقعة ما بين الطائف إلى جرش وقيل من ذات عرق إلى نجران وقال بعضهم حتى بوادي الشام ، وإذا نظرنا إلى المساحة الواقعة في إقليم عسير والتي تمتد من نهاية منطقة الطائف حتى حدود اليمن ، نجد أنها تمثل جزءً رئيسياً من منطقة الحجاز .

ت ــ اليمــن

اليمن هي الإقليم الأكثر تنظيماً إدارياً والأكثر استقراراً وحضارة في تاريخ الجزيرة العربية لذا فإن هذا الإقليم ظل يملك حدوداً سياسية واضحة حيث بقي هذا الإقليم له ولاية إدارية على امتداد تاريخه ، لذا نجد أن هنالك دائماً وضوح في حدود اليمن مع الأقاليم المجاورة خاصةً في فترة ما بعد الإسلام وحتى الآن ، وإن كان هنالك تشويش من ناحية مفهوم كلمة اليمن والخلط بين اليمن كإقليم وبينها كجهة يمانية ، ولا شك أن اليمن يعتبر جزء فعال ومتفاعل جداً في تاريخ الجزيرة حيث يعتبر اليمن الأرض الأساسية التي خرج منها العرب وقد ظلت الهجرات اليمنية إلى بقية الأقاليم الأخرى متواصلة عبر التاريخ وحتى القرن الماضي لذا نجد أن جميع أقاليم الجزيرة العربية ذات ارتباط عرقي مع اليمن من حيث الإمتداد القبلي لجميع لقبائل العربية القادمة أساساً من اليمن ، واليمن من الناحية الجغرافية تبدأ عند بداية انعطاف امتداد جبال السروات إلى الشرق لتمتد جبال اليمن من الشرق إلى الغرب، ونجد في التاريخ أن الحدود اليمنية الإدارية التي عرفت بين مكة واليمن قد حددت بطلحة الملك وهي بالقرب من ظهران الجنوب كما حددت بينها وبين اليمامة يبرين (الربع الخالي) ومن جهة تهامة بالحمضة أو بلاد كنانه ، أما من الجنوب فيحدها بحر العرب ومن الغرب البحر الأحمر ومن الشرق خليج عمان ، وبلاد اليمن تعتبر الأرض الأكثر خصوبة وكثافة سكانية في الجزيرة العربية لذا فقد أطلق عليها الرومان والإغريق إسم العربية السعيدة أثناء رحلات التجارة الأوربية المتجهة لليمن حيث كانت اليمن تصدر اللبان العربي والبخور وفي مراحل متأخرة تصدر البن إلى أوروبا ، ويمكن معرفة حدود اليمن من جهة الشمال من خلال ما ذكرناه سابقاً من الحدود الجنوبية للحجاز .
وهنا ننقل بعض ما قيل عن حدود اليمن :
1) قال الهمداني في صفة جزيرة العرب ومثله ذكر القلقشندي في صبح الأعشى : "وفيمـا بيـن سـروم راح والمهجـرة طلحـة الملـك‏ :‏ وهـي شجـرةٌ عظيمـة‏ ، وهنـاك حـد ما بين عمل مكة المشرفة وعمل اليمن".
2) يقول جواد علي في المفصل : "وفيما بين "سروم راح" والمهجرة طلحة الملك، شجرة عظيمة تشبه الغرب، غير انها أعظم منه، وهي الحد ما بين عمل مكة وعمل اليمن. وكان النبي حجز بها بين اليمن ومكة ".
3) جاء في كتاب معجم ما استعجم للبكري قوله : "وحد اليمن مما يلي المشرق: رمل بني سعد، الذي يقال له يبرين، وهو منقاد من اليمامة حتى يشرع في البحر بحضرموت، ومما يلي المغرب: بحر جدة إلى عدن أبين ، وحدها الثالث: طلحة الملك إلى شرون: من عمل مكة، وحدها الرابع : الجوف ومأرب، وهما مدينتان".
4) يقول ابن خرداذبه في كتاب المسالك والممالك : "ثم إلى سروم راح قرية عظيمة فيها عيون وكروم وجرش منها على ثمانية أميال، ثم إلى المهجرة قرية عظيمة فيها عيون، وفيما بين سروم راح والمهجرة طلحة الملك شجرة عظيمة تشبه الغرب غير أنها أعظم منه وهي الحد ما بين عمل مكة وعمل اليمن" .
5) ) قال الهمداني في صفة جزيرة العرب : "والطلاح موضع طلحة الملك ، وكل هذه المواضع في بلد وادعة من همدان" .

ولا زالت حدود اليمن هي نفسها منذ ذلك التاريخ حيث يقع حدها الشمالي في بلاد وادعة (حيث تقع طلحة الملك) وفي بطن الربع الخالي (يبرين)

ث ــ العروض

نصل الآن إلى القسم المجهول لدينا في هذا الزمان في هذا التقسيم وهو العروض :
فأين تقع العروض يا ترى !؟ .
الجغرافيون القدامى حددوا العروض بأنها منطقتي اليمامة والبحرين ، واليمامة هي المنطقة الواقعة ما بين الأفلاج حتى منطقة القصيم ثم منها بإتجاه الشرق حتى الصمان والدهناء حيث تتصل بمنطقة البحرين التي تمثل وسط وشمالي المنطقة الشرقية وقطر والبحرين .

وسننقل بعض ما أورده المؤرخون والجغرافيون في تعريف إقليم العروض :
1) يقول الهمداني : "وصارت بلاد اليمامة والبحرين وما والاها العروض وفيها نجد وغور لقربها من البحار وانخفاض مواضع منها ومسايل أودية فيها والعروض يجمع ذلك كله‏" .
2) نقل البكري عن الخيل قوله : "وصارت بلاد اليمامة والبحرين وما والاهما العروض، وفيها نجد وغور، لقربها من البحر، وانخفاض مواضع منها، ومسايل اودية فيها، والعروض يجمع ذلك كله" .
3) نقل ياقوت عن ابو المنذر هشام الكلبي نقلاً عن ابن عباس قوله : "وصارت بلاد اليمامة والبحرين وما والاهما العروض" .
4) ذكر الصحاري في كتاب الأنساب نقلاً عن معمر بن المثنى قوله : "والعرب تسمى اليمامة والبحرين العروض" .
5) ذكر القلقشندي في صبح الأعشى نقلاً عن البيهقي قوله في تعريف إقليم اليمامة التي اعتبرها أحد الأقطار الخمسة الرئيسية في الجزيرة العربية ما يلي : "اليمامه ... وأرضها تسمى العروض لاعتراضها بين الحجاز والبحرين وطولها عشرون مرحلة ، وهي في جهة الغرب عن القطيف وبينهما نحو أربع مراحل وبينها وبين مكة أربعة أيام" .
6) نقل القلقشندي في قلائد الجمان عن المدائني قوله : "والعروض هي اليمامة إلى البحرين" .
7) يقول جواد علي في المفصل : "و أما العروض، فيشمل اليمامة والبحرين وما والاها".
8) ذكر محمد مهران في كتاب تاريخ العرب القديم ما يلي :"العروض : وتشمل اليمامة والبحرين وما والاهما ، وسميت العروض لأنها تعترض بين اليمن ونجد والعراق" .


ومن خلال تعريف إقليم العروض لدى جمهور المؤرخين بأنه يشمل اليمامة والبحرين (وهي حالياً منطقتي الرياض والأحساء) فإننا نلاحظ أن المؤرخين قد وضعوا بلاد اليمامة في تقسيمهم لأقاليم الجزيرة العربية ضمن إقليم العروض مستقلةً عن إقليم نجد الذي أفردوه كقسم مستقل عن بقية الأقسام ، بينما المعروف لدينا في هذا العصر أن اليمامة (منطقة الرياض) تختص بإسم نجد حسب المفهوم السائد وحسب تعريف المؤرخين لها في التاريخ الحديث .
إذن فهنا إشارة واضحة إلى أن إقليم نجد المشهور في الشعر العربي وفي الأساطير العربية القديمة كان المقصود به منطقة أخرى غير ما نعرفه في الوقت الحالي .

ولكن أين تقع منطقة نجد الواردة في الشعر الجاهلي من الجزيرة العربيه !!!؟ .


ج ـ نجـــــــــــد

من خلال ما ذكره المؤرخون والجغرافيون ومن خلال كثير مما ورد في الشعر العربي القديم فإن الإشارة إلى بلاد نجد في العصر الجاهلي كانت تعني المنطقة الواقعة شرق جبال السروات والأرجح أنها الممتدة ما بين عكاظ وجرش وتنتهي هضبة نجد غرباً بمشارف جبال السراة حيث تقف جبال الحجاز حاجزاً بينها وبين تهامه إلا أن العرب دأبت على اعتبار الحجاز جزء من هضبة نجد مجازاً على اعتبار أن الحجاز تقع فوق هذه الهضبة ، لذا يقابلون نجد بتهامة في شعرهم ، وتنتهي هضبة نجد شمالاً بذات عرق (شمال وادي السيل) بين الطائف ومكة والمدينة ، وسنسلط الضوء الآن على ما ورد من أقوال حول تحديد منطقة نجد القديمة :

1) ذكر ابن خلدون في وصف جزيرة العرب ما يلي : "و في الجزء السادس من غربيه بلاد نجد أعلاها في الجنوب جرش وتبالة إلى عكاظ من الشمال و تحت بلاد نجد بقية أرض الحجاز و على سمتها في الشرق بلاد نجران و جند وتحتها أرض اليمامة وعلى سمت نجران في الشرق أرض سبأ و مأرب ثم أرض الشحر و ينتهي إلى بحر فارس و هو البحر الثاني الهابط من البحر الهندي" .
2) جاء في معجم ما استعجم للبكري ما يلي :"واعراض نجد هي بيشة، وترج، وتبالة، والمراغة، ورنيه" .
3) يقول البكري في معجمه :"وأما نجد، فما بين جرش إلى سواد الكوفة ، وآخر حدوده مما يلي المغرب الحجازان: حجاز الأسود وحجاز المدينة، والحجاز الأسود سراة شنوءة" .
4) جاء في نفس المصدر ما يلي : "وقال عمارة بن عقيل: ما سال من الحرة: حرة بن سليم وحرة ليلى، فهو الغور، وما سال من ذات عرق مقبلا فهو نجد، وحذاء نجد أسافل الحجاز، وهي وجرة والغمرة. وما سال من ذات عرق موليا إلى المغرب فهو الحجاز.
5) وقال البكري أيضاَ : وذات عرق فصل ما بين تهامة ونجد والحجاز. وقيل لاهل ذات عرق : أمتهمون انتم أم منجدون؟ قالوا : لا متهمون ولامنجدون" .

6) ذكر ابن سعيد المغربي في كتاب الجغرافيا ما يلي : "وبين اليمامة وتهامة، بلاد نجد يسكنها في الخيم رجالة العرب، وبين نجد وتهامة السروات وهي جبال ممتدة من جنوب اليمن إلى شمال الحجاز كثيرات الغرس ينزلها فصحاء العرب" .
7) جاء في كتاب تاج العروس من جواهر القاموس للمؤلف : محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني ، أبو الفيض ، الملقب بمرتضى الزبيدي مايلي: "قال أبو ذؤيب (شاعر مخضرم) :
في عانة بجنوب السي مشربها *** غور، ومصدرها عن مائها نجد
قال: وما ارتفع عن تهامة فهو نجد ، فهي ترعى بنجد، وتشرب بتهامة.
وأخبرني المنذري عن الصيداوي عن الرياشي عن الأصمعي (توفي عام216هـ) قال: سمعت الأعراب يقولون: إذا خلفت عجلزا مصعدا - وعجلز فوق القريتين - فقد أنجدت.
قال: وأخبرني الحراني عن ابن السكيت عن الأصمعي قال: ما ارتفع عن بطن الرمة - والرمة: واد معلوم - فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق" .
8) ذكر البكري في معجمه ما يلي : "تربه ... وهو موضع في بني عامر ; قاله ابن الأعرابي . وهو معرفة ; لا تدخله الألف واللام وقاله بن سهل الأحول : تربة : من مخاليف النجدية وهي الطائف وقرن المنازل ونجران وعكاظ وتربة وتبالة والهجيرة وكتنة وجرش والشراء".
9) جاء في معجم البلدان لياقوت ما يلي : "غزائل : بضم أوله وبعد الألف همزة ولام. قال الأصمعي: ماء بنجد لعبادة خاصة يقال له ذو غزائل" .غزائل: موقع معروف حتى الآن في بلاد بالحارث إلى الجنوب من الطائف بحوالي 100 كم على طريق الحجاز (الطائف ـ أبها)
10) قال ابن خرداذبه في المسالك والممالك : "مخاليف مكة بنجد
الطائف ونجران ، قال الشاعر :
وكعبة نجران حتم عليك *** حتى تناخي بأبوابها
وقرن المنازل، قال الشاعر:
ألم تسل الربع أن ينطقا *** بقرن المنازل قد أخلقا
وألفتق وعكاظ والزيمة وتربة وبيشة وتبالة والهجيرة وثجة وجرش والسراة" .
11) قال الهمداني : "تثليث: واد بنجد، وهو على يومين من جرش، في شرقيها إلى الجنوب، وعلى ثلاث مراحل ونصف من نجران، إلى ناحية الشمال" .
12) يقول الهمداني في صفة جزيرة العرب : "جرش هي كورة نجد العليا وهي من ديار عنز" .
13) قال أبو ذؤيب (شاعر مخضرم "جاهلي أسلم") :
"في عانة بجنوب السي مشربها *** غور، ومصدرها عن مائها نجد
قال: وما ارتفع عن تهامة فهو نجد، فهي ترعى بنجد، وتشرب بتهامة" .
14) جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي ما يلي : "وعن أبي زياد خير ديار بني سلول بيشة وهو واد يصب سيله من الحجاز حجاز الطائف ثم ينصب في نجد حتى ينتهي في بلاد عقيل وفي بيشة بطون من الناس كثيرة من خثعم وهلال وسواءة بن عامر بن صعصعة وسلول وعقيل والضباب وقريش وهم بنو هاشم لهم المعمل" .


ورغم وضوح الأمر من حيث تحديد المؤرخين لنجد بالمنطقة المجاورة لجبال السروات (الحجاز) من الشرق مباشرةً ووضوحه من الناحية الجغرافية والتاريخية لدى المؤرخين"على اختلاف بينهم حول نهايتها شمالاً" ، إلا أنه لا يمكن تجاهل أن كلمة نجد أطلقت في العهد العباسي وما بعده أيضاً على المناطق الشمالية لغرب الجزيرة المتاخمة للمدينة المنورة من الشرق وما وقع شمالها وشمال شرقها حتى سواد العراق ، وأيضاً فإن نجد ككلمة لغويه تعني الهضبة المرتفعة المشرفة من الأرض ، ومن ثم فلا شك أن هنالك أنجداً أخرى مصغرة في كل الأقاليم ، فنحن مثلاً نجد أن في الكثير من قرانا مواقع يطلق على الواحد منها نجد أو النجود ، وقد ذكر الهمداني في هذا الخصوص أن في العروض نجد وغور وفي اليمن نجد وغور ، لذا يجب أخذ ذلك في الحسبان .
ولكن نجد التي نتحدث عنها هنا ونريد تحديدها هي نجد إحدى الأقاليم الخمسة الرئيسية ، ذلك الإقليم الذي عرف بإسم نجد في الجزيرة العربية والتي ذكرها الشعراء العرب وتغنوا بصباها وهواءها العليل ، نجد التي سكنها كل أهل الوبر من قبائل العرب بعد خروجهم من اليمن أو من تهامه قبل نزوحهم إلى الشمال والشرق متجهين إلى العراق والبحرين واليمامة ، نجد التي سكنتها إياد وربيعة وطي وخثعم ومذحج وبني عامر بن صعصعة وهوازن وبني هلال ونهد وتميم وكنده وغطفان وغيرها من قبائل العرب ، إنها نجد التي في طرفها الغربي قمم جبال الحجاز المشرفة على تهامه التي تحجزها عن تهامة كما ذكر المؤرخين ، نجد الممتدة طولاً من الشمال إلى الجنوب والتي تقطعها بالعرض أعراض نجد الخمسة التي تتجه من الغرب إلى الشرق وهي أودية 1ـ بيشة الذي يبدأ من بلاد قحطان وشهران وعسير وبللحمر وبللسمر ويتجه للشرق والشمال 2ـ وترج الذي يبدأ من بلاد بني شهر وبني عمر ويصب في بيشة 3ـ تبالة الذي يبدأ من بلاد خثعم وبلقرن ويصب في بيشة (4ـ رنية 5ـ المراغة) الذان يبدآن من جهة بلاد غامد وزهران وجهة الطائف ويتجهان للشرق ، وهي ذاتها نجد التي عناها الشعراء على مر التاريخ في مقابلتهم لها بتهامة كضدين متباينين ومتجاورين مثلما نقابل تهامة بالسراة في وقتنا الحالي ، وهي أوصاف لا تستوي لنجد أخرى غيرها .
وسنورد في التالي بعض الإشارات إلى نجد في الشعر العربي الجاهلي أو صدر الإسلام حيث كان لا زال مفهوم نجد يدل على سواد بلاد السراة مما وقع شرق قمم جبال السروات فور تفرق الجبال واستواء الأرض مباشرة مما سال ماءه باتجاه الشرق :

• يقول طرفة بن العبد (جاهلي) :
بتثليث أو نجران أو حيث نلتقي *** من النجد في قيعان جاش مسائله
والإشارة هنا واضحة الدلالة على مواقع في شرقي وجنوب شرق إقليم عسير حددها طرفة في النجد في الجاهلية وهي تثليث ونجران وجاش .


* الشاعر / عبدالله ابن الدمينة الخثعمي (مخضرم) : شاعر من أهل تباله في سراة إقليم عسير ، وشعره كله كان يدور حول تبالة وبيشة وتثليث والقرعاء وحجلاء ونجران وهي حواضر معروفة في سراة إقليم عسير ، قال أثناء وجوده في المدينة المنورة :
أَيا أَخَوَي بالَمدينَة أَشرفا *** بِيَ الصمدَ أَنظُر نَظَرةً هَل أَرى نَجدَا
فَإِن بِنَجدٍ مَن بَراني حُبُهُ *** فَلَم يتَّرِِكْ مِني عِظَاماً ولا جِلدَا
فَما زادَنِي الإشرافُ إلا صبَابةً *** وَلا ازددتُ إِلا عَن مَعارِفها بُعدَا
فَقالَ الَمدينيان أَنتَ مُكلفٌ *** بِداعِي الهَوى لا تَستَطِيعُ لهَُ رَدا


* ومما قال وهو في (عدان) بتهامة :
بِكُل تَدَاوَينَا فَلَم يُشفَ مَا بنَا ** عَلَى أَن قُربَ الدارِ خَيرٌ مِنَ البُعدِ
هواي بهذَا الغَور غَور تهَامَة ** وَلَيسَ بهَذا الحَي مِن مُستوَى نَجدِ
إلى أن قال :
أَلا يا صَبا نَجدٍ مَتَى هِجتِ مِن نَجدِ ** لَقَد زَادَني مَسرَاكِ وَجداً عَلَى وَجدِ
أأن هَتَفَت وَرقاءُ في رَونَقِ الضُحى** عَلَى فَنَنِ غَض النباتِ مِنَ الرندِ
بَكيتَ كَما يَبكي الوَليدُ وَلَم تكُن ** جَلِيداً وأبديت الذي لَم تَكُن تُبدِي
وَحَنت قَلُوصي مِن عَدَانَ إِلى نَجدِ ** وَلَم يُنسِها أَوطَانَهَا قِدَمُ العَهِدِ

وهنا إشارة واضحة من الشاعر إلى حنينه إلى وطنه نجد حين يقول (ولم ينسها أوطانها قدم العهد) والشاعر من أهل تبالة من خثعم .

*
ومما قاله عبدالله بن الصمة القشيري :
أقول لصاحبي والعيس تهوى *** بنا بين المنيفة فالضمـار
تمتع من شميم عرار نجــد *** فما بعد العشية من عرار

فأين نجد التي عناها عبدالله بن الصمة ؟ ، يقول الهمداني : "وقتل عبد الله ابن الصمة أخو دريد بخليف دكم من أعلى حبونن قتله بنو الحارث بن كعب وفيه يقول القائل: أشجع من الماشي بترج .

وهذا يدل على انه كان يسكن وقبيلته "قشير" ما بين (حبونه) حبونن وترج وما حواليهما وكلها تقع في وسط سراة إقليم عسير محل الدراسة ، وهناك كانت نجد التي عناها في قصيدته ؟ .


* أورد البكري في معجم ما استعجم ما يلي :
"المريع بفتح أوله وكسر ثانيه بعده الياء أخت الواو والعين المهملة موضع مذكور في رسم نجد ورسم جاش
وقال أبو حاتم هو واد باليمن وأنشد لابن مقبل :
أم ما تذكر من أسماء سالكة *** نجدي مريع وقد شاب المقاديم"
ومريع أحد بلاد نهد جوار جاش وتباله والبردان ذكرها الهمداني في صفة جزيرة العرب .
* أورد ابن الجوزي في المدهش قول الشاعر :
"وإني لأغرى بالنسيم إذا سرى ** وتعجبني بالابرقين ربوع
ويحني على الشوق نجدي مزنة *** وبرق بأطراف الحجاز لموع
ولا أعرف الأشجان حتى تشوقني *** حمائم ورق في الديار وقوع"

وحيث أن الشاعر كان يتحدث عن حنينه إلى وطنه فإن قوله نجدي مزنة وبرق بأطراف الحجاز يحمل الدلالة على تجاور الحجاز ونجد التي يعنيها .

* كما جاء في نفس المصدر قول الغزي :
يا حبذا العرعر النجدي والبان *** ودار قوم بأكناف الحمى بانوا
* وجاء فيه أيضاً :
محت بعدكم تلك العيون دموعها *** فهل من عيون بعدها نستعيرها
رحلنا وفي سر الفؤاد ضمائر *** إذا هب نجدي الصبا يستثيرها
أتنسى رياض الغور بعد فراقها *** وقد أخذ الميثاق منك غديرها
جعده مر الشمال وتارة *** يغازله كر الصبا ومرورها
الا هل إلى شم الخزامى وعرعر *** وشيح بوادي الأثل أرض نسيرها
العرعر من النباتات الخاصة ببلاد السراة من الطائف وجنوب ولا وجود له في غيرها من الجزيرة العربية ، مما يدل على أن نجد المعنية هنا تقع فوق هضبة السراة حيث يوجد العرعر .
* قال أبو المطهر إسماعيل بن رافع الأنصاري ، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس :
"فلما هبطنا بطن مكة أحمدت ***خزاعة دار الآكل المتحامل
فحلت أكاريسا وشتت قنابلا **** على كل حي بين نجد وساحل
نفوا جرهما عن بطن مكة واحتبوا ***بعز خزاعي شديد الكواهل"
وهنا يفتخر الشاعر بأبناء عمومته قبيلة خزاعة الأزدية التي كانت تسكن مكة وماحولها من أرض تهامة ممتدةً من أسفل جبال السراة حتى البحر ، والشاهد هنا إشارته إلى هضبة السراة باسم نجد عندما يقول (بين نجد وساحل) .

* جاء في كتاب غريب الحديث لابن قتيبه ما يلي :
"قال عروة بن الورد العبسي :
فيوما على نجد وغارات أهله ** ويوما بأرض ذات شث وعرعر
يناقلن بالشمط الكرام أولي القوى ** نِقَابَ الحِجَازِ في السَّرِيح المُسَيَّرِ"


وعروة في قصيدته يروي رحلاته وغاراته بين جبال الحجاز حيث العرعر والشث وبين نجد فيوم هنا ويوم هناك ، ولا شك أن مثل هذا الوصف لا يستوي لمن يريد بنجد بلاد اليمامة أو سواد العراق أو ما بينهما حيث ذكر بعض الرواة مواطن عبس" فالمسافة بينها وبين بلاد الشث والعرعر يتجاوز سبعمائة كيلومتراً .
* ويقول عروة في موضع آخر :
قلتُ لقوْمٍ، في الكنيفِ، ترَوّحوا ** عشِيّة َ بتنا عند ماوان، رُزَّحِ
إلى أن يقول :
لعلَّكمُ أن تصلُحوا بعدَما أرى ** نبات العضاة الثائب المتروح
وماوان (الماوين) هو موقع في منطقة عسير ببلاد بللحمر ونبات العضاة هي من النباتات التي اختصت بها منطقة عسير ، وقد عرفت تاريخياً في منطقة جرش دون غيرها وقد ذكر ذلك أبو علي الهجري . وقد رأينا عروة يشير إلى بعض قبائل المنطقة التهامية والسروية في شعره عندما يقول :

أخذت معاقلها اللقاح لمجلس ** حول ابن أكثم من بني أنمار
ولقد أتيتكم بليل دامس *** ولقد أتيت سراتكم بنهار

واللقاح بطن من عنز بن وائل تسكن السراة أما أنمار فمن قبائل تهامة التي تسكن غور عنز بن وائل مباشرةً وكلها من القبائل التي ذكرت في جرش ، وكذلك فإن قبيلة نهد الذين منم أخوال عروة من القبائل التي كانت تسكن أحواز جرش في الجاهليه كما ذكر الهمداني ومفرح الربعي ، وقد أكثر عروة من هجائهم في شعره مما يدل على مجاورته لهم ، لذا فالراجح أن عبس كانت تسكن إما شرقي سراة إقليم عسير(نجد) أو في تهامة منطقة عسير حيث لا زالت قبائل عبس موجودة بها وتحمل نفس اسمها بجوار قبائل أنمار في تهامة حتى الآن ، ولا يمنع ذلك أن تكون عبس قد انتقلت من منازلها القديمة في تهامة والسراة إلى ما بين العراق والمدينة المنورة إما في زمن عروة أو بعده .

ومن الدلائل على صحة ما ذهبنا إليه قول عروة :
تحل بواد من كراء مضلة *** تحاول سلمى ان اهاب و احصرا
وكيف ترجيها وقد حيل دونها *** وقد جاورت حيا بتيمن منكرا

قال البكري : "تيمن: ارض قبل جرش، في شق اليمين؛ وثم كراء؛ ومن انشده: " وقد جاورت حيا بتيماء " فقد صحف" .
وذكره لتيمن المجاورة لجرش يعد تفصيلاً دقيقاً يدل على قربه منها إذ لو كان بعيداً عن موطنها بمسافة كبيرة لذكرها في جرش أو وادي بيشة من باب الأولى .
ولم أجد بين من روى عن قبيلة عبس من ذكر أن هذه القبيلة قد استوطنت بقرب جرش أو حتى أي موقع من شرقي منطقة عسير حيث يذكر الرواة أن هذه القبيلة كانت تسكن قرب عنيزة وعيون الجواء في القصيم وما بينها وبين الصمان لورودها في شعر عنترة وهذا يدلنا على وجود النقص الكبير في استقراء تسلسل أحداث التاريخ وربطها بالمواقع بشكل أدق فنجد التي كان يتحدث عنها عروة ليست بالضرورة نجد التي نعرفها في الوقت الحالي وأزيد بل ربما عنيزة والجواء التي ذكرها عنترة العبسي قد لا تكون هي نفسها التي نعرفها حالياً .
فقد ورد في شعر الكميت قوله :
بنو أسد أحموا على الناس وقعة ** ضواحي ما بين الجواء فعثرا
ومن المعروف أن بنو أسد كانوا يحلون في وادي ترج وتباله .
وقد ذكر الرواة عثر جبل في تبالة ومن ثم فإن الجواء غير بعيد عنه بينما عيون الجوى في القصيم تبعد عنه أكثر من 700كم . ونلاحظ هنا قول عنترة العبسي :
وخثعم قد صبحناها صباحاً *** بكوراً قبل ما نادى المنادي
وهنا نجد عنترة يشير إلى حروب قبيلته مع قبيلة خثعم التي تسكن على وادي تبالة وبيشة بشرقي منطقة عسير وقد ردد عنترة كثيراً اسم قبيلة عك التهامية أيضاً ولم أجد لهاتين القبيلتين ذكر في بلاد اليمامة .



ومن الملاحظ دائماً عند العرب أن مفهوم كلمة نجد يقابله تهامة مباشرة متجاهلين الحجاز لكون الحجاز تعتبر مجازاً جزء من هضبة نجد حيث تمثل الشريط الأخير الواقع على طرف هضبة نجد من جهة تهامة لذا كانت العرب تتحدث عن نجد وتهامة كما نتحدث اليوم عن السراة وتهامة إذ السراة هضبة مرتفعة باردة وتهامة منخفضة حارة وبالتالي فهي مقابلة لها جغرافيا ومناخياُ ومجاورة لها موقعاً فتكون هذه ضدا لتلك ، ولا شك أن مفهوم نجد الحالي لا يستوي مع المقارنة بتهامة كضدين متباينين مطلقاً إذ كيف يتجاهل القائل بذلك البلاد الواقعة بين اليمامة وتهامة ، وهي منطقة شاسعة ومتباينة جغرافياً ومناخياً مع منطقة تهامة ومن ذلك :
قول المهيار :
بالغور دار وبنجد هوى *** يا لهف من غار بمن انجدا
قال أبو علي الفرج بن محمد بن الأخوة ما يلي :
نعم هذه الدار والأنعم *** أتنجد يا قلب أم تتهم
وقال الشاعر :
وأصبحت نجدي الهوى متهم النوى *** أزيد اشتياقا أن يحن بعير
قال ابن أحمر:
وأكبادهم كابني سبات تفرقوا *** سبا ثم كانوا منجدا وتهاميا
وقال زهير:
تهامون نجديون كيدا ونجعة ** لكل أناس من وقائعهم سجل
وقال بعضهم:
فإن تتهموا أنجد خلافا عليكم ** وإن تعمنوا مستحقبي الحرب أعرق
وقال الراجز:
ألا إتهماها إنها متاهيم ** وإننا مناجد متاهيم
وقال حميد بن ثور الهلالي:
خليلي هبا عللاني وانظرا *** إلى البرق ما يفري سنا وتبسما
عروض تدلت من تهامة أهديت ** لنجد فتاح البرق نجدا وأتهما
قال المعلوط:
قلبي بنجد وأجلادي تهامية ** ما بعد هذا من التعذيب تعذيب



ومما سبق فإنه جلي لنا أن نجد التي عناها الشعراء الجاهليون ومعظم شعراء صدر الإسلام والجغرافيون هي مناطق شرقي إقليم عسير والطائف .







الجزء الثاني

بعض قبائل إقليم عسير القديمة واحداثها المهمة

في هذا الجزء سوف نلقي بعض الضوء على القبائل العربية التي استوطنت هذا الإقليم والمواقع التي ذكرت في الشعر العربي القديم الجاهلي وما بعده وسنحاول أن نحدد بعض المعارك والأيام التي نرجح أنها حدثت فيه أيضاً .

أسماء بعض القبائل التي سكنت إقليم عسير

تحدث الكثير من المؤرخين في العصر الحديث عن نقاء العرق في منطقة عسير على القبائل الحالية منذ القدم وعلى الأسماء الحالية فقط ، وهذا فيما أراه مجانب للكثير من الحقائق التي تفرضها القراءة المتفحصة للتاريخ ، فقبائل العرب كلها أو جلها استوطنت هذه الأرض من قحطان وعدنان ، وهنا نعرض بعض مما قيل عن القبائل التي استوطنت هذه المنطقة منذ القدم ، والمقصود هنا ليس بالضرورة القبائل التي تسكن حالياً لأنها معروفة وسيكون لها مبحث آخر ، ولكن المقصود بهذه الدراسة تاريخ الأرض ذاتها ومن سكنها في العصور القديمة ممن لم نحط بهم ، وليس معنياً بتاريخ قبائلها الحالية .

العماليق
ذكر البكري في معجم ما استعجم :
"تبالة من أعمال مكة ، سميت بتبالة بن جناب بن مكنف من بني عمليق" .

مـــــعـد
ومعد تشمل العديد من القبائل التي سنوردها ولكن هنا نشير لمعد بصفته ورد ذكرها بنفس الإسم كأقدم ذكر ورد لاستيطان القبائل العربية في هذا الإقليم حيث جاء في معجم البلدان لياقوت :
"وذكر بعض أهل السير أن تبعا أسعد بن كليكرب خرج من اليمن غازيا حتى إذا كان بجرش وهي إذ ذاك خربة ومعد حالة حواليها فخلف بها جمعا ممن كان صحبه" .


الأزد

من المعلوم ان الأغلبية في منطقة عسير حالياً هم من قبائل الأزد ولكن هنا نريد لفت الإنتباه إلى بعض الإشارات التي تدل أن منطقة عسير هي منبع كل الأزد الذين توجهوا إلى البلاد الأخرى ولا شك أن الأزد قدمت أساساً من مأرب ولكن الأزد استوطنت جبال السراة دهراً قبل أن تتفرق مرة أخرى :

1) خزاعة
جاء في معجم البلدان ما يلي :
"قال بديل بن عبد مناة (الخزاعي) :
ونحن منعنا بين بيض وعتود *** إلى خيف رضوى من مجر القبائل"
ويدل هذا أن خزاعة كانت تسكن تهامة عسير بين وادي عتود ووادي بيض

2) الأوس والخزرج
يقول سعد بن الحصين جد النعمان بن بشير:
يا بنت آل معاذ إننـي رجـل ** من معشر لهم في المجد بنيـان
شمُّ الأنوق لهم عـز ومكرمـة ** كانت لهم من جبال الطود أركان
أما سألت فإنـا معشـر نجـب ** الأزد نسبتنـا والمـاء غسـان
ولا أجد أن الطود التي ذكرها الشاعر تنطبق على ما ذكر من هجرتهم من مأرب إلى يثرب مباشرةً فمأرب لا ينطبق عليها مسمى الطود جغرافياً ولا تاريخياً ، فالطود هو جبل السراة ما بين الطائف وسروم على إجماع المؤرخين حيث موقع سكن قبائل الأزد الرئيسي التي كان المؤرخون يطلقون عليها بلاد الأزد ، مما يدل أن قبائل الأزد كلها استقرت بها دهراً بعد خروجها من مأرب ومن ثم خرج بعضهم وهذا ما تؤيده النقوش الحديثه والتي تؤكد قدم هجرة الأزد عن ما ذكر في بعض المراجع وقد أشار لذلك الشيخ حمد الجاسر رحمه الله ، كما أن ذكره لغسان كأصل تفخر به الأوس والخزرج يحمل دلالة على ان الغساسنة الذين بالشام خرجوا أيضاً من نفس الطود .
ومن الملاحظ أن يثرب هو إسم مشابه لأسماء عدة مواقع في منطقة عسير مثل جبل أثرب في تهامة بني شهر أو في تهامة الباحة ، كما أن الكثير من أسماء المواقع في المدينة المنوره موجودة في إقليم عسير مثل خيبر وبدر وعسير والعيص مما يدل على وجود هجرات قديمة اتجهت إلى هنالك .




طيء

1) جاء في معجم ما استعجم للبكري (ومثله جاء بالتفصيل في كتاب الأغاني) :
"" طريب " بفتح أوله،وكسر ثانيه: واد باليمن، كان منازل طيئ قبل أن تخرج إلى الجبلين، وهو اليوم لهمدان. وقد تقدم ذكره في رسم جوف الخنقة.
وقال بعض طيئ في مخرجه من طريب:

اجعل طريبا كحبيب ينسى = لكل يوم مصبح و ممسى"
2) يقول الهمداني في صفة جزيرة العرب : "والخنقة وطريب موضع طيئ الذي انتجعوا منه إلى الجبلين"



ربيـــــعـــــــــــــــــــــة
تعتبر ربيعة من أكثر القبائل تواجداً وأقدمها ذكراً في إقليم عسير حيث ذكرت هذه القبيلة في هذه المنطقة منذ وقت مبكر في بلاد تهامة ، وقد نلاحظ في التاريخ أن هذه القبيلة أكثر القبائل المعدية تواجداً وقرباً من قبائل المنطقة الحالية عبر التاريخ حيث تحالفت مع الأزد لفترة طويلة في حروبهم مع القيسيين وكانت القيادة موحدة ومتداولة بين الطرفين على مدى عدة قرون ، ومن الراجح أن هذا الحلف هو امتداد لحلف جاهلي قديم حيث ظهر على أرض الواقع منذ أول الحروب في الإسلام أيام الخلافة الراشدة ثم على امتداد العصر الأموي ثم استمر الحلف في العصر العباسي حتى عهد المنصور ، ونجد أن الكثير من القبائل الربعية لا زالت تسكن المنطقة حتى الآن من بطون تغلب وبكر ولا زالت تعرف بربعيتها كما هو حال قبائل بني شعبة في الدرب أو قبائل ربيعة المنتشرة في تهامة عسير أو بكر بن وائل أو بني زيد وقيس بن مسعود أو قبائل عنز بن وائل التي ذكرها الرواة منذ زمن متقدم في بلاد السراة وتهامة ، ولا زالت بها حتى هذه اللحظة ، كما أن الكثير من المؤرخين أشاروا إلى وجود قبائل تغلب في فرسان منذ عهود مبكرة ، كما أننا نجد انتشاراً لقبائل ربيعة في بلاد السراة وشرقيها من خلال تتبع الشعر العربي القديم .
1) جاء في معجم ما استعجم للبكري :
"" عروى " بفتح أوله، وإسكان ثانيه، بعده واو مفتوحة، مقصور، على وزن فعلى. وهى قارة في بلاد ذهل. هكذا قال أبو عبيدة. وقال لأصمعى: هي هضبة: قال المسيب بن علس الضبعى:
عدية ليس لها ناصر *** وعروى التى هدم الثعلب
في الناس من يصل الأبعدين **** ويشقى به الأقراب الأقرب
وكانت ضبيعة قد حالفت بنى ذهل على هذه القارة، أنهم متحالفون ما بقيت، فنقضوا حلفهم، فضرب هدم الثعلب لها مثلا لضعفه. وعدية: هي أم بنى عمر بن ذهل، وهى من بنى ضبيعة بن ربيعة"
وعروى وردت في شعر مزاحم عندما قال :
أليست جبال القهر مكانها *** وأكناف عروى و الوحاف كما هيا
وجبال القهر والوحاف تقع في شرق إقليم عسير وبينهما عروى حسب سياق بيت مزاحم .
2) يقول الهمداني في صفة جزيرة العرب (ومثله جاء في كتاب الكامل لابن الأثير) : مما ذكرت العرب مواضع من نجد قال طرفة في تبالة:
رأى منظرا منها بوادي تبالة *** فكان عليه الزاد كالمقر أو أمر
وقال طرفة يذكر الشريف:
لهند بحزان الشريف طلول
وقال بعض العرب:من قاظ الشريف وتربع وشتا الصمان فقد أصاب المرعى
مما يعني أن الشريف التي بكى طرفة على أطلال محبوبته بها ، تنعم أرضها في القيض ، أي أن مطرها صيفي وهذا لا يكون إلا في إقليم سراة عسير فلا مطر ولا مرعى في صيف غيرها من بلاد الجزيرة العربية عدا غرب اليمن .

3) وقال طرفة:
بتثليث أو نجران أو حيث نلتقي ** من النجد في قيعان جاش مسائله

4) وقال المُهلهل يرثي كُليباً:

بِت ليلي بالأنْعَـمـين طـويلاً ***أرقب النجم سهـراً أن يزولا
كيف أهَـدَأ ولا يزال قَـتـيل ** من بني وائل ينسـي قـتـيلا
غَنِيت دارنا تهـامة فـي الـدهر ** وفيها بنو مـعـد حـلـولا
فتساقَوْا كأساً أمرت عـلـيهـم ** بينهم بقتل العـزيز الـذلـيلا

ومن خلال القصيدة فإن المهلهل يروي قصة حرب قبيلته بني وائل بينها (تغلب وبني شيبان) في تهامة من خلال البيت الذي يقول مطلعه : غنيت دارنا تهامة .... والبيت الذي يليه .
6) روى ياقوت خبر يوم الهرير لبكر على تميم (وقد أوردنا النص في الجزء الخاص بأيام العرب الذي سيأتي معنا) .

والهرير إسم خميس مشيط القديم ويشكل جزء من مدينة الخميس حالياً .
7) قال ابن خلدون :
وكانت اليمن قديما للتبابعة، وهي أخصب من الحجاز، وأكثر أهلها القحطانية ، وفيها من عرب وائل .

8) قال الهمداني : وفرسان قبيلة من تغلب وكانوا قديماً نصارى ولهم كنائس في جزائر الفرسان قد خربت وفيهم بأس، قد يحاربهم بنو مجيد ويعملون التجارة إلى بلاد الحبش .
9) أورد ياقوت الحموي في معجم البلدان :
فَرَسَانُ: بالفتح والتحريك وآخره نون. من نواحي فَرَسَانَ ويقال سواحل فرَسانَ. قال ابن الكلبي: مال عُنُق من البحر إلى حضرموت وناحية أبيَنَ وعدَن ودهلَكَ فاستطار ذلك العنق وطعن في تهائم اليمن في بلاد فرسان والحكَم بن سعد العشيرة وكل ذلك يقال له سواحل فرسان. قال ابن الكلبي فرسان منهم من ينتسب إلى كنانة ومنهم من ينتسب إلى تغلب .

ومما سبق فإن ربيعة كانت تسكن تهامة إقليم عسير ما بين وادي خيطان إلى العارضة إلى جزر فرسان وسراتها مابين بلاد عسير والخميس وسراة عبيدة حتى تثليث ومنه شمالاً حتى تبالة وجنوباً حتى نجران .

عامر بن صعصعة
عامر بن صعصعة هي بطن من هوازن إلا أننا أفردناها عن هوازن نظراً لكثرة ذكرها في الإقليم وامتدادها من أقصى شماله حتى حبونا بين ظهران الجنوب ونجران .
1) جاء في معجم ما استعجم للبكري : "قال الجعدي :
جلبنا الخيل من تثليث حتى **** أتين على أوارة فالعدان
وبتن على المنقى ممسكات ** خفاف الوطء من جدب الزمان"
2) جاء في معجم ما استعجم ما يلي : "" تثليث " بفتح أوله، وإسكان ثانيه، وكسر اللام، بعدها ياء، وثاء مثلثة: موضع ببلاد بني عقيل؛ قال مزاحم يذكر رجلين من قومه:
فسارا من الملحين: ملحى صعائد *** وتثليث سيرا يمتطي فقر البزل
فما قصرا في السير حتى تناولا *** بني أسد في دارهم وبني عجل"
3) يقول لبيد :
فصوائق إن أيمنت فمظنة ** منها وحاف القهر أو طلخامها
ويقول لبيد أيضاً :
فالضيف والجار الجنيب كأنما *** هبطا تبالة مخضب آكامها
ويقول لبيد أيضاً :
حفزت وزايلها السراب كأنها *** أجزاع بيشة أثلها ورضامها
ويقول لبيد أيضاًُ :
منها حوي والذهاب وقبله *** يوم ببرقة رحرحان كريم
وحاف القهر قرب تثليث ، والذهاب على طريق حاج صعدة اليمني بالقرب من يعرى ، وبيشة وتبالة واديين معروفين .
4) قال الجعدى:
"كطاو بعروى ألجنه عشيية *** لها سبل فيه قطار وحاصب
وفي شعر بن مقبل عروى: هضبة بالعالية، متاخمة بلاد اليمن. قال ابن مقبل:
فجنوب عروى فالقهاد غشيتها *** وهنا فهيج لى الدموع تذكرى"
وقال مزاحم العقيلي :
أليست جبال القهر مكانها *** وأكناف عروى و الوحاف كما هيا

5) جاء في معجم البلدان :
"والعبلاء وقيل العبلات بلدة كانت لخثعم بها كان ذو الخلصة بيت صنم وهي من أرض تبالة
و عبلاء زهو ذكرت في زهو وهي في ديار بني عامر"
6) جاء في معجم البلدان : "" كويمح " بضم أوله، وفتح ثانيه، وكسر الميم، بعدها حاء مهملة، مصغر: موضع قبل بيشة، قال حرام بن الحارث الضبابي يذكر غزوهم لخشعم، واصابتهم من اصابوا منهم:
نحن جلبنا الخيل من ارض دي حسا *** تغيب احيانا وحينا ظواهر
رفعن لهم شد الضحى بكويمح ** فظل لهم يوم ببيشة فاجر"
7) جاء في كتاب الأغاني للأصفهاني ما يلي :
"ألا ليت شعري عن عوارضتي قناً ** لطول الليالي هل تغيرتا بعدي
وهل جارتانا بالبتيل إلى الحمى ** على عهدنا أم لم تدوما على العهد
وهي من أبيات نسبت لمجنون ليلى قيس بن الملوح وقنا والبتيلة مدينتان قريبتان من بعضهما في تهامة عسير وكلاهما تتصلان بالسهل" .
8) جاء في معجم ما استعجم ما يلي :
"فرياض الرباب رياض معروفة لبني عقيل لأنها ترب الندى فلا يزال بها ثرى وإذا سمعت رياض بني عقيل فهي رياض الرباب قال الشاعر
أقول لصاحبي ببراق شعر *** تبصر هل ترى برقا أراه
حرى منه رياض بني عقيل *** وأورال وناصحة حراه
وهي قبل تثليث"
9) أورد الهجري في كتاب التعليقات والنوادر ما يلي :
"هيج: وهما هيجان، جبلان بالحرة، حرة بني هلال، اسودان بسواء الحرة، ومعنى سوا: أوسط شيء منه" .
وبني هلال في عسير يسكنون في حرة مشهورة حول البرك وتسمى حالياً حرة البرك ، وتنتشر بني هلال حولها ويتوسطها جبلين حيث تقع مدينة البرك .
10) جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي ما يلي :
"وعن أبي زياد خير ديار بني سلول بيشة وهو واد يصب سيله من الحجاز حجاز الطائف ثم ينصب في نجد حتى ينتهي في بلاد عقيل وفي بيشة بطون من الناس كثيرة من خثعم وهلال وسواءة بن عامر بن صعصعة وسلول وعقيل والضباب وقريش وهم بنو هاشم لهم المعمل نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى" .

11) أورد أبو عبيدة في كتاب الديباج :
"" برام " بفتح أوله، على وزن فعال: موضع في ديار بني عامر، وقد حددته بأكثر من هذا في رسم البقيع إلى أن قال :
وقال حميد بن ثور:
و بالاجراع من كنفي برام **** دماء لا تكلفك اليمينا"

وهذه المواقع تقع جنوب شرقي الإقليم يدل على ذلك قول عمرو بن معدى كرب :
لقد أحميت ذات الروض حتى *** تربعها أداحى النمام
يسير بين خطم اللوذ عمرو *** فلوذ القارتين إلى برام
فصفح حبونن فخليف صبح *** فنخل إلى رنين إلى بشام
اللوذ: ماء هاهنا، وحبوبن: جبل، والخليف: الطريق خلف رمل أو غلظ وصبح ورنين وبشام: مواضع هناك متقاربة. وقال عبيد:
حلت كبيشة رؤام *** وعفت منازلها برام
12) جاء في خزانة الأدب للنويري :
"وأنشدني بعض بني عقيل:
ونحن قتلنا الأسد أســد شنوءة **** فما شربوا بعد على لذة خمرا"
ودل ذلك على مجاورة بني عقيل لجبال الحجاز حيث تسكن الأزد .
13) أورد ياقوت في معجم البلدان :
"قال حميد بن ثور(الهلالي) :
إذا شئت غنتني بأجزاع بيشة *** أو النخل من تثليث أو من يبمبما"
14) وجاء في نفس المصدر أيضاً : "وقال بعض بني عامر :
يا جارتي وقد أرى شبهيكما *** بالجزع من تثليث أو بيبمبما"

والذهاب ذكرها الهمداني على طريق حاج اليمن بالقرب من يبمبم

15) يقول الهمداني : "وقتل عبد الله ابن الصمة (القشيري) أخو دريد بخليف دكم من أعلى حبونن قتله بنو الحارث بن كعب وفيه يقول القائل: أشجع من الماشي بترج .

وهنا إشارة لسكنى قشير في حبونن وهي (حبونة) المعروفة ببلاد يام ، وسكناها بترج أسفل بلاد بني شهر .
16) وجاء في نفس المصدر قول / قتال الكلابي (العامري) في هجاء أخواله بني العجلان :
لعمري لحي من عقيل لقيتهم ** بخطمة أو لاقيتهم بالمناسك
عليهم من الحوك اليماني بزة *** على أرحبيات طوال الحوارك
أحب إلى نفسي وأملح عندها *** من السروات آل قيس بن مالك
17) أورد البكري في معجم ما استعجم :
"" حبونن " بفتح أوله وثانيه وإسكان الواو، بعدها نونان: موضع قد تقدم تحديده في رسم برام، قال ابن مقبل:
أ قرأت به نجران ثم حبونن *** فتثليث فالارسان فالقرطان"
18) أورد البكري في معجم ما استعجم ما يلي : "المريع بفتح أوله وكسر ثانيه بعده الياء أخت الواو والعين المهملة موضع مذكور في رسم نجد ورسم جاش وقال أبو حاتم هو واد باليمن وأنشد لابن مقبل
أم ما تذكر من أسماء سالكة *** نجدي مريع وقد شاب المقاديم"
ومريع أحد بلاد نهد جوار جاش وتباله والبردان ذكرها الهمداني في صفة جزيرة العرب .
19) قال ياقوت :
تثليث : ... إلى أن قال : ويدلك أنها أرض شجيرة قول ابن مقبل:
كأنهن الظباء الأدم أسكنها *** ضال بتثليث أو ضال بدارينا



ومما تقدم فإن قبائل عامر ابن صعصعة كانت من أكثر القبائل انتشاراً في شرقي اقليم عسير والطائف ما بين نجران إلى ترج إلى تبالة إلى تربه .



تمـيـم
1) يقول أوس بن حجر التميمي :
بَكيْتم على الصُّلحِ الدُّماجِ ومنكمُ *** بِذي الرِّمْثِ من وادي تَبالة َ مِقْنَبُ
2) قال سلامة بن جندل التميمي:
سأهدي وإن كنا بتثليث مدحة ** إليك وإن حلت بيوتك لعلعا
قال ياقوت : فدل قوله أن تثليث من ديار بني تميم
3) روى البكري عن مالك بن الريب (التميمي) :
إذا ما حال روض رباب دونى *** وتثليث فشأنك بالبكار
4) روى ياقوت وغيره خبر يوم الهرير لبكر على تميم ، "كما أوردنا في جزء أيام العرب الذي سيأتي"
والهرير خميس مشيط .
5) قال ياقوت : ويوم ترج يوم مشهور من أيام العرب أسر فيه لقيط بن زرارة (من تميم) أسره الكميت بن حنظلة ، فقال عند ذلك :
وأمكنني لساني من لقيط **** فراح القوم في حلق الحديد
6) أورد النويري خبر يوم نجران بين تميم وبني الحارث بن كعب .
ومما سبق فإن تميم كانت تستوطن في تهامة وما بين تبالة إلى ترج إلى تثليث إلى نجران مروراً بالخميس والقرعاء .



إيـــــاد
1) قال الهمداني في صفة جزيرة العرب : "قال أبو المنذر الايادي:
تحن إلى أرض المغمس ناقتي = ومن دونها ظهر الجريب وراكس
بها قطعت عنا الوذيم نساؤها = وعرقت الأبناء فينا الخوارس
تجوب بنا البوباة كل شملة = إذا أعرضت منها القفار البسابس
فيا حبذا أعلام بيشة واللوى = ويا حبذا أخشافها والجوارس"
وراكس هي إحدى قرى جرش التي ذكرها الهمداني وبيشة معروفة واللوى مواقع كثيرة في عسير منها طبب (القرية) كان اسمها عرق اللوى .
2) جاء في كتاب الأعلام للزركلي :
"إياد بن نزار بن معد بن عدنان: من أجداد العرب في الجاهلية. ينسب إليه (بنو إياد) وهم قبائل كثيرة، قال الاشرف الرسولي: دخلوا على الفرس،. وجهلت أنسابهم، غير أن منهم بطونا معروفة وهم: يقدم، وبنو حذاقة، وبنو دعمي، وبنو الطماح. وكانت ديار الاياديين في الجاهلية جهات الحرم وما بين تهامة وحدود نجران، وخرجوا إلى العراق بعد أن تكاثر المضريون"

ومما تقدم نجد أن إياد قد سكنت فيما بين تهامة ونجران وبيشة أي معظم الإقليم

كنانـــة
كنانة تعتبر إحدى القبائل الكبرى في الوقت الحالي في إقليم عسير فهي تسكن على امتداد الساحل غرب المنطقة ، وهي في نفس موقعها هذا منذ القدم ذكرها الهمداني وابن بطوطة في نفس المواقع ، ولكننا سنتطرق هنا لوجودها القديم في السراة .
1) جاء في كتاب أنساب الأشراف ما يلي :
"ومن بني الملوح بن يعمر (من كنانة) :عامر بن يزيد بن عامر بن الملوح الذي يقول:
لعمرك ما ليث وإن كنت منهم = بتاركة ليث خلافي وعصياني
هم أسلموني يوم ذي الرمث والغضا = وهم تركوني بين هرشى وودان
وهم أخرجوا من كل بيتين سيدا = كما أخرجت ساداتها قبل عدوان"
ومن المعلوم ان ذي الرمث هو أحد المواقع في وادي تباله الذي يقع في منطقة عسير ويصب في وادي بيشه حيث يقول أوس بن حجر التميمي :
بَكيْتم على الصُّلحِ الدُّماجِ ومنكمُ *** بِذي الرِّمْثِ من وادي تَبالة َ مِقْنَبُ

2) جاء في معجم ما استعجم :
"وقال الكميت :
بنو أسد أحموا على الناس وقعة *** ضواحي ما بين الجواء فعثرا"

وهنا نجد أن الجواء وعثرا متجاورتين من خلال قول الكميت ضواحي ما بين الجواء وعثرا وعثر جبل في تبالة .

3) قال ياقوت :
"ترج واد إلى جنب تبالة على طريق اليمن وهناك أصيب بشر بن أبي خازم (من بني أسد من كنانة) الشاعر في بعض غزواته فرماه. نعيم بن عبد مناف بن رياح الباهلي الذي قيل فيه : أجرأ من الماضي بترج فمات بالردة من بلاد قيس فدفن هناك ويحتمل أن يكون المراد بقولهم أجرأ من الماشي بترج الأسد لكثرتها فيه، قال:
وما من مخدر من أسد ترج *** ينازلهم لنابيه قبيب
يقال: قب الأسد قبيبا إذا صوت بأنيابه" .
4) جاء في معجم البلدان ما يلي :
"قال ابن مقبل:
جلوسا به الشعب الطوال كأنهم **** اسود بترج أو أسود بعتودا

وهو ماء لكنانة لهم ولخزاعة فيه وقعة" .
ومماتقدم فإن كحنانة سكنت شرقي إقليم عسير في ترج وتبالة وبيشة والمعمل وفي بلاد بني شهر بالإضافة لوجودها في تهامه حتى الآن .



قضاعـــة
1) أورد ابن منظور في لسان العرب : "والأصل حبونن وهو المعروف وإنما أبدل النون ألفا لضرورة الشعر فأعله قال وعلة الجرمي :
ولقد صبحتكم ببطن حبونن = وعلي إن شاء الإله ثناء
وقال أبو الأخزر الحماني بالثني من بئشة أو حبونن وأنشد ابن خالويه
سقى أثلة بالفرق فرق حبونن = من الصيف زمزام العشي صدوق" .
2) يقول الهمداني في صفة جزيرة العرب :
"بلد بني نهد: طريب ومصابة من ذوات القصص وكتنة ، وأراك ، واد فيه أراك ، وتثليث ، والقرارة والريان وجاش وذو بيضاء ومريع وعبالم وغرب والحضارة والعشتان والبرادان" إلى أن يقول : "والذي يسكن هذه البلاد من قبائل نهد معرف وحرام وهي أكثر نهد وبنو زهير وبنو دويد وبنو حزيمة وبنو مرمض وبنو صخر وبنو ضنة، وضنة من عذرة وبنو يربوع وبنو قيس وبنو ظبيان" .
ومنه فقد كانت قضاعة تسكن إقليم عسير فيما بين طريب وتثليث وحبونه .

غطفان

1) جاء في معجم البلدان:
"والصادر من قرى اليمن من مخلاف سنحان قال النابغة
وقد قلت للنعمان لما رأيته ** يريد بني حن ببرقة صادر
تجنب بني حن فإن لقاءهم *** شديد وإن لم تلق إلا بصابر
2) جاء في الأغاني للأصفهاني :
"غزوة بني عامر وما قاله الحادرة فيها من الشعر :
ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني يذكر عن أبيه: أن جيشاً لبني عامر بن صعصعة أقبل وعليهم ثلاثة رؤساء: ذؤاب بن غالب من عقيل ثم من بني كعب بن ربيعة، وعبد الله بن عمرو من بني الصموت، وعقيل بن مالك من بني نمير، وهم يريدون غزو بني ثعلبة بن سعد (من غطفان) رهط الحادرة ومن معهم من محارب ، وكانوا يومئذ معهم ، ......... ، إلى أن قال : فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزمت بنو نمير وسائر بني عامر ......، إلى أن قال : قال وهذا اليوم يعرف بيوم شواحط ".
وقد ذكر هذا اليوم الزمخشري في كتاب الجبال والامكنة حيث قال :
"شُواحط: موضع، و يوم شواحط وقعة كانت لهم شديدة، قال ساعدة بن جؤية:
غدات شواحط فنجوت شداً *** و ثوبك في عباقيةٍ هريدُ"
وشواحط إسم لأحد المواقع في منطقة عسير شرقي بلاد بللحمر لا زالت تسكن حوله قبيلة بني ثعلبة وهي من البادية .
3) جاء في معجم البلدان :
"روضة بيشة قد ذكرت بيشة في موضعها قال الحارث بن ظالم (المري الذبياني) :
وحل النعف من قنوين أهلي *** وحلت روض بيشة فالربابا"
فروض الرباب إذا يقع بالقرب من وادي بيشة كما هو واضح من البيت .

4) وقال ياقوت : "وقال كعب بن زهير يخاطب قومه بني عبد الله بن غطفان، فدل أن لهم بتثليث أيضا منازل:
ولا ألفينكم تعكفون تقية ** بتثليث، انتم جندها وقطينها"

5) ذكر القزويني في كتاب آثار البلاد وأخبار العباد :
"قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح الناس أهل السروات، أولها هذيل ثم بجيلة ثم الأزد أزد شنوءة. وإنها كثيرة الأهل والعيون والأنهار والأشجار، وبأسفلها أودية تنصب إلى البحر، وكل هذه الجبال تنبت القرظ، وفيها الأعناب وقصب السكر والاسحل، وفيه معدن البرام يحمل منه إلى سائر البلاد.
وبها جبل قنا، وهو جبل عظيم شامخ، سكانه بنو مرة من فزارة وحظ صاحبة قنا مشهور؛ قال الشاعر:
أصبت ببرة خيرا كثيرا **** كأخت قنا به من شعر شاعر
وهو ما ذكر أن نصيبا الشاعر اجتاز بقنا، ووقف على باب يستسقي، فخرجت إليه جارية بلبن أو ماء وسقته، وقالت له: شبب بي ! فقال لها: ما اسمك ؟ قالت: هند. فأنشأ يقول:
أحب قنا من حب هند ولم أكن *** أبالي أقربا زاده الله أم بعدا ؟
أروني قنا أنظر إليه فإنني *** أحب قنا إني رأيت به هندا !
فشاع هذا الشعر وخطبت الجارية وأصابت خيرا بسبب شعر نصيب" .
قلت ولا زالت بنو مرة تسكن قنا التي تقع في مصب جبال السروات على ما روى القزويني حتى هذه اللحظة وتعرف ببني مرة حتى الآن .
6) قال زهير :
"ليث بعثر يصطاد الرجال إذا *** ما الليث كذب عن أقرانه صدقا
وقال أبو سعيد: عثر: جبل بتبالة ، وهذا أصح. قد تقدم ذكره في رسم ترج" .




هـــــوازن
1) جاء في معجم البلدان :
"صارات جمع صارة وصارة الجبل رأسه في كتاب العين اسم جبل قال الصمة بن الحارث الجشمي (من جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن) وهو أبو دريد المشهور الجاهلي المعمر أربعمائة وخمسين سنة :
ألا أبلغ بني ومن يليهم *** بأن بيان ما يبغون عندي
جلبنا الخيل من تثليث إنا *** أتينا آل صارات فرقد"
2) ) جاء في كتاب الأصنام ما يلي :
"فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة
وأسلمت العرب، ووفدت عليه وفودها، قدم عليه جرير بن عبد الله مسلما. فقال له: يا جرير! ألا تكفيني ذا الخلصة؟ فقال: بلى! فوجهه إليه. فخرج حتى أتى بني أحمس من بجيلة، فسار بهم إليه فقاتلته خثعم وباهلة دونه . فقتل من سدنته من باهلة يومئذ مائة رجل ، وأكثر القتل في خثعم" .


غنـــي
1) جاء في صفة جزيرة العرب للهمداني (ورواه ياقوت أيضاً ) :
"قال طفيل (الغنوي)- وذكر يبمبم من نجد العليا - :
أشاقتك أظعان بحفر يبمبم *** غدوا بكرا مل النخيل المكمم"
ويبمبم في أسفل القاعة كما ذكر الهمداني .

كنـــــــده
• ذكر القزويني في كتاب آثار البلاد وأخبار العباد :
"وبها عين ضارج، عين في برية مهلكة بين اليمن والحجاز في موضع لا مطمع للماء فيه. حدث إبراهيم بن إسحاق الموصلي أن قوما من اليمن أقبلوا إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فضلوا الطريق ومكثوا ثلاثا لم يجدوا ماء وأيسوا من الحياة، إذ أقبل راكب على بعير له، وكان بعضهم ينشد:
ولما رأت أن الشريعة همها ** وأن البياض من فرائصها دامي
تيممت العين التي عند ضارج ** يفيء عليها الظل عرمضها طامي
فقال الراكب: من قائل هذا الشعر ؟ قالوا: امرؤ القيس. قال: والله ما كذب ! هذا ضارج، وأشار إليه فحثوا على ركبهم فإذا ماء عذب وعليه العرمض والظل يفيء عليه، فشربوا ريهم وحملوا ما اكتفوا، فلما أتوا رسول الله قالوا: يا رسول الله أحيانا الله ببيتين من شعر امريء القيس، وأنشدوا فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها، منسي في الآخرة خامل فيها، يجيء يوم القيامة ومعه لواء الشعراء إلى النار" .
ونجد أن في الرواية إشارة لموقع ضارج التي ذكرها امرؤ القيس في أرض فلاة منقطعة فيما بين اليمن ومكة حيث يقع إقليم عسير مما يدل على سكنى كندة لهذه المنطقة .
• ويدعم ما ذكرناه في الفقرة السابقة قول امرؤ القيس في مطلع معلقته :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *** بسقط اللوى بين الدخول فحومل
يوجد جبل الدخول في وادي شصعة شمالي رجال ألمع ، وهو جبل كبير معروف باسمه حتى الآن .
ومنه يحتمل أن كندة كانت تسكن هذا الإقليم .




بعض أيام العرب الراجح حدوثها في إقليم عسير

1) خزاز
وكان بين ربيعة واليمن وقد وقع في بلاد تهامة حيث كانت تسكن ربيعة وتنتجع ما بين وادي خيطان إلى العارضة :
* قال ابن عبدربه في العقد الفريد ما يلي :
"أبو المُنذر هشام بن محمد بن السائب قال: لم تَجتمع مَعد كلها إلاّ على ثلاثة رَهط من رؤساء العرب، وهم: عامر وربيعة وكُليب. .... إلى أن قال : والثالث: كليب بن ربيعة، وهو الذي يقال فيه: أعز من كليب وائل. وقاد معدا كلها يوم خزار ، .... إلى أن قال : حتى قالت العرب: أعزُّ من كليب وائل وكانت بنو جشم وبنو شيبان في دار واحدة بتهامة ... إلى أن قال : فلما قتل كليب ارتحلت بنو شيبان حتى نزلوا بماء يقال له النهى ..."
* جاء في معجم البلدان لياقوت ما يلي :
وقال في الجامع السلان واد فيه ماء وحلفاء وكان فيه يوم بين حمير ومذحج وهمدان وبين ربيعة ومُضر وكانت هذه القبائل من اليمن بالسلأن وكانت نزار على خزاز وهو جبل بإزاء السلأن وهو ما بين الحجاز واليمن .

* جاء في كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري قوله في وصف يوم خزاز :
"وكانت بنو جشم وبنو شيبان في دار واحدة بتهامة"
* أورد الهمداني في صفة جزيرة العرب ما يلي :
"قالوا: حمى ضرية هو حمى كليب وبين الحمى وضرية جبل النير وقد يرى قوم من الجهال أن ديار ربيعة بن نزار كانت من تهامة بسردد وبلد لعسان من عك، وأن تبعا اقطعهم هذه البلاد لما حالفوه، وهذا من الأخبار المصنوعة لأن الملوك أجل من أن يحالفوا الرعايا وإنما بنوا هذا الخبر على وهم وهوى فقالوا في المهجم ، وهي خزة: خزازى وفي الأنعوم: الأنعمين وفي الذيبات الذنائب وفي العارضة: عويرض ، وإنما عنى مهلهل بقوله :
عمرت دارنا تهامة في الدهـ *** ر وفيها بنو معد حلولا
مكة وما صاقبها"
ولا شك أن الهمداني كان مناراً لمن خلفه من المؤرخين فنجد أن ابن كثير وابن الأثير قد نقلوا منه ما قاله بالحرف حول يوم خزاز .
ولكن الهمداني من حيث لا يرغب قد وثق لما كان متعارفاً عليه في حينه بين الناس من ان ربيعة كانت تسكن جنوب تهامة وأن خزاز كانت في تهامة وأن أحداث تلك المرحلة كانت بتلك الديار ، وذكره لبعض الأسماء المعروفة في تلك الجهة في زمنه مما ذكر في أحداث يوم خزاز وحرب البسوس يعد شهادة على وجود الأسماء ، ثم نجد أنه صرح بتعليل رفضه لان تكون خزاز في تهامة بأنه تنزيه لملوك اليمن من أن يكونوا طرفاً في حلف مع قبائل من عامة العرب فاتجه إلى نفي أن تكون الحرب قد وقعت مع معد بجوارهم مع ما يحمل ذلك من إشارة تقلل من قيمة ملوك اليمن (على رأيه) فحملها بعيداً عن ديارهم ، مع أن التاريخ يحمل الكثير من الامثلة على سقوط الكثير من عظماء الملوك على يد بعض القبائل البدوية غير المتحضرة ، فقد سقطت روما على أيدي قبائل الرعاة السكسونية الهمجية القادمة من الشمال ، وسقطت الخلافة الإسلامية ومعظم أوروبا على يد قبائل التتار الهمجية القادمة من وسط آسيا ، وحتى كسرى فارس شرب وهو في أوج قوته يوم ذي قار من نفس الكأس على يد بعض من شاركوا من ربيعة في خزاز ، فلا أجد أي معنى للتنزه عن محالفة بعض أبناء العرب لملوكهم الذين كانوا يستفيدون منهم بتجييشهم لتوسيع النفوذ ، ولا أرى أن هزيمة بعض قبائل اليمن على يد مجموعة من أبناء عمومتهم من القبائل العربية الأخرى سيعيب التاريخ والحضارة اليمنية أو يقلل من قيمتها ، فالأحداث اللاحقة تدل على أن اليمن كان أساساً في مرحلة من التراجع في تلك الحقبه ، ولكننا نجد الهمداني في موقع آخر من نفس الكتاب يشير إلى دخول أهل تهامة إلى جانب ربيعة مع أنه لا مجال لقبول مثل هذه الإشارة إذا كانت الحرب قد حدثت هنالك في شمال بلاد اليمامة كما يزعم حيث لا منطق لدخول اهل تهامة كطرف في الحرب دون غيرهم على بعد المسافة ووقوعها إلى الشمال منهم بينما الخصم قادم من الجنوب ، فكان الأجدر أن تسير ربيعة ومن معها إلى حيث حلفائها في موقع متقدم لا أن تنتظر خصمها ليأتي إليها ولتأتي أحلافها من جواره ، فدخول اهل تهامه هي إشارة لكون الحرب حدثت بينهم هنالك في تهامه .
أيضاً فإن سياق قصيدة المهلهل التي أشار الهمداني لأحد أبياتها توضح أن مقتل اخيه كليب كان في تهامه :
غنيت دارنا تهامة في الدهـ ** ـر وفيها بنو معد حلولا
فتساقوا كأسا أمرت عليهم *** بينهم بقتل العزيز الذليلا
فصبحنا بني لجيم بضرب *** يترك الهم وقعه مفلولا
* روى البكري في المعجم ما يلي : "" ملحان " بكسر أوله ، ولإسكان ثانيه : جبل مذكور في رسم عدنية ، [ قال الهمداني: جبل ملحان: هو المطل على المهجم من أرض نهامة، والمهجم: هو خزار ، نسب إلى ملحان بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة أبن سبا الأصغر]" .

2) الســـــلان
جاء في معجم البلدان لياقوت ما يلي :
"ويوم السلان أيضاً قبل هذا بين مَعد ومذحج وكلب يومئذ معديون وشهدها زهير بن جناب الكلبي. فقال
شهدت الموقدين على خزاز** وفي السلآن جمعاً ذا زُهاءٍ

وقال غير أبي أحمد قيل السلان هي أرض تهامة مما يلي اليمن ... وقال في الجامع السلان واد فيه ماء وحلفاء وكان فيه يوم بين حمير ومذحج وهمدان وبين ربيعة ومُضر وكانت هذه القبائل من اليمن بالسلأن وكانت نزار على خزاز وهو جبل بإزاء السلأن وهو ما بين الحجاز واليمن والله أعلم" .


3) الهرير
قال ياقوت في معجمه ما يلي :
"الهرير بالفتح ثم الكسر من هرير الفرسان بعضهم على بعض كما تهر السباع وهو صوت دون النباح ويوم الهرير من أيامهم ما أظنه سمي إلا بذلك إلا أنه كان الأغلب على أيامهم أن يسمى بالمكان الذي يكون فيه ذلك وهو من أيامهم القديمة قبل يوم الهرير بصفين كانت به وقعة بين بكر بن وائل وبين بني تميم قتل فيه الحارث بن بيبة المجاشعي وكان الحارث من سادات بني تميم فقتله قيس بن سباع من فرسان بكر بن وائل فقال شاعرهم
وعمرا وابن بيبة كان منهم *** وحاجب فاستكان على الصغار"
وتعليل ياقوت هنا لغوي ظني كما يفصح هو بذلك لعدم وجود البديل لديه ، وقوله أن العرب كانت تسمي معاركها باسم المكان هو الأصح حتى هنا ، فالهرير اسم مكان وليس وصف ، وهو بخميس مشيط ولا زال جزء كبير من الخميس معروف بهذا الإسم حتى الآن .


4) عتود
"ذكر ياقوت أنه من أودية كنانة وحدثت به معركة بين كنانة وخزاعة قال بديل بن عبد مناة (الخزاعي) :
ونحن منعنا بين بيض وعتود *** إلى خيف رضوى من مجر القبائل"

5) يوم الشقيق
لبكر على تميم

قال أبو عبيدة: "أغار أبجر بن جابر العجلي على بني مالك بن حنظلة، فسبى سليمى بنت محصن، فولدت له أبجر. ففي ذلك يقول أبو النجم:
ولقد كررت على طهية كرة *** حتى طرقت نساءها بمساء"
ولا زالت الشقيق موجودة بإسمها في تهامة عسير وحيث ذكر المؤرخون أن ربيعة كانت تسكن .


6) يوم القرين
-ذكره القلقشندي في نهاية الأرب ـ وهو بين خثعم وكنانة‏
وقرين اسم موقع في بلاد عسير .


7) يوم فيف الريح ـ ذكره القلقشندي في نهاية الأرب - كان بين خثعم وبني عامر‏
وهو يوم مشهور شرقي منطقة عسير




8) يوم الستار
ذكره القلقشندي في نهاية الأرب - كان بين بكر وتغلب حلق فيه أحد الفريقين رؤوسهم لتكون علامة لهم
والستار هو اسم مجموعة من الجبال شمال بلاد عسير في المسوح !.

‏9) يوم القرعاء ـ ذكره القلقشندي في نهاية الأرب - كان بين بني مالك وبني يربوع‏
والقرعاء معروفة ولا زال يجاورها قبيلة بني مالك في تمنية !.

10) يوم نجران : ذكره القلقشندي في نهاية الأرب - كان بين بني تميم و بني الحارث بن كعب‏
وهو دليل على أن تميم كانت تسكن هذه المنطقة .

11) يوم الذنائب : ذكره القلقشندي في نهاية الأرب - كان لغسان على لخم ونجران
ويدل هذا اليوم أن الذنائب التي عنيت في حرب البسوس كانت هنا في هذه المنطقة حيث توجد نجران .
12) يوم شواحط : قال ساعدة بن جؤية:
غدات شواحط فنجوت شداً *** و ثوبك في عباقيةٍ هريدُ

وفيه هاجمت عامر بن صعصعة بني ثعلبة في ديارها ولكنها لم تنتصر ، ولازالت شواحط بنفس اسمها وبني ثعلبة لا زالت تقيم حولها شرقي بلاد بللحمر على بعد حوالي خمسة وأربعون كم عن مدينة أبها .

13) يوم ترج :
قال ياقوت : "ويوم ترج يوم مشهور من أيام العرب أسر فيه لقيط بن زرارة (من تميم) أسره الكميت بن حنظلة ، فقال عند ذلك :
وأمكنني لساني من لقيط *** فراح القوم في حلق الحديد"
14) يوم البيداء :
ذكر النويري في فنون الأدب :
"وعامر هو قائد معد يوم البيداء حين تمذحجت مذحج وسارت إلى تهامة، وهي أول واقعة كانت بين تهامة واليمن" .


15) يوم القضة: ذكره القلقشندي في نهاية الأرب
من أيام حرب البسوس بين شيبان وتغلب والقضة موقع في بلاد عسير


ومما تقدم نجد أن منطقة عسير منطقة استوطنتها معظم او كل القبائل العربية عبر تاريخها على خلاف ما هو متعارف عليه ، كما أنها حسب رأي الجغرافيين وحسب أقدم الروايات التاريخية والتي نقلت عن ابن عباس ومن خلال شعر العرب القديم أيضاً تحتوي الجزء الرئيسي والأكبر من مناطق تهامة والحجاز ونجد ، ومن ثم فإننا أمام معطيات تدل على وجود اختلاف في الكثير من المفاهيم في عصرنا الحالي عما كانت عليه في العصر الجاهلي وصدر الإسلام ، وتجعلنا أكثر قناعةً بأن تاريخ الجزيرة العربية لفترة ما قبل الإسلام بحاجة إلى إعادة قراءة بشكل أكثر تمحيصاً وتدقيقاً مما حصل .




تحياتي
منصور العسيري
sadatahlul