المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أثمة حاجة بعد للخط العروضي؟



سليمان أبو ستة
16/01/2007, 09:05 AM
تأملات في الخطوط المتبعة في الكتابة العربية

من الَمعروف أنّ الرَسم الكِتابيّ المُتَّبَع لَدَينا منذ ما قَبل الإسلام كان مأخوذا عن الخَطّ النَبَطيّ المُشتَق بِدَوره من الخَطّ الآراميّ . وقد طَوّر العَرَب الخَطّ النَبَطيّ حين رأوا أنّ نِظامه الأبجدي كان مُفتَقِرا إلى رُموز لحُروف المَدّ والحَرَكات القَصيرة ، فاستَعاروا لحُروف المَدّ رُموز الألِف والواو والياء الصِحاح ولم يَعبأوا بوَضع رُموز للحَرَكات القَصيرة إلى أن وَصَل الأمر إلى أبي الأسوَد الدُؤَلي ( ت 69 هـ ) وقد رأى ما آلت إليه حال العَرَبيّة من تَفَشّي اللَحن نَتيجة لاختِلاط العَرَب بالأعاجِم فقام عام 67 للهِجرة ، بتَكليف من زِياد أمير العِراق ، بنَقط أواخِركلمات المُصحَف بمِداد مُختَلِف نَقط إعراب . ثمّ استَمَرّ الأمر على ذلك بين كُتّاب المَصاحِف حتى جاء الخَليل بن أحمَد ( ت 175هـ ) فأحدَث أول عَمَليّة إصلاح جَوهَري للكِتابة عبر ابتِكاره لثَماني عَلامات للتَشكيل هي الفَتحة والكَسرة والضَمة والسُكون والشَدّة والمَدّة وعَلامة الصِلة والهَمزة ، فاستَغنى كُتّاب المَصاحِف بهذه العَلامات عن نَقط أبي الأسود . ولم يَقِف الأمر عند هذا الحَدّ فقد زاد العُلَماء بعد ذلك عَلامات لضَبط المُصحَف على ما يُوافِق قِراءة حَفص ، فتمّ بذلك وقاية كِتاب الله من اللَحن وعُصِم من الزَلَل في القِراءة.
لكنّ هذا التَطَوُّر في الكِتابة لم يَمَسّ رَسم المُصحَف الذي لم يكن يُقاس عليه ، فكان أن عَكَف عُلماء الرَسم على تَطوير خَطّ آخَر اصطَلحوا فيه على قَواعد لرَسم الكَلِمات كما تُلفَظ ، آخِذين في الاعتِبار حالَتَي الابتِداء والوَقف عليها . وقد صار هذا الخَطّ يُعرَف بالخَطّ القِياسي أو النَحوي أو الإملائي تَمييزا له عن خَطّ المُصحَف الذي ظَلّ وَقفا عليه وبات يُعرَف بالخَطّ العُثمانيّ أو التَوقيفيّ أو الاصطِلاحيّ .
ومع أنّ الخَطّ القِياسيّ لم يَتَخَلّص تَماما من كَثير من مَظاهِر القُصور في الخَطّ النَبَطيّ المَوروث إلا أنّه أفاد كَثيرا من عَلامات التَشكيل الثَمانية التي وَضَعها الخَليل وإن كانت هذه العَلامات قد شَكَّلَت عبئا إضافيّا على النُسّاخ نَتيجة تَكَبُّدهم عَناء وَضع عَلامة أو أكثر فَوق كلّ حَرف . ولقد كان من المَزايا التي تَرافَقَت مع ظُهور الطِباعة وتَطَوِّرها في العَصر الحَديث أن أصبح من المُمكن تَزويد لَوحة المَفاتيح برُموز الهَمزة في جَميع أشكالها بالإضافة إلى رَمز المَدّة ، وبذلك تَمّ اختِزال عَلامات الخَليل لتُصبِح ستّة بَدلا من ثَمانية .


الخط العروضي :

وثَمة رَسم أخَر لا يُقاس عليه أيضا ؛ لأنه مَقصور على كِتابة الشِعر بما يُساعِد على بَيان عَروضه ، وهذا الرَسم هو الذي يُسمي الخَطّ العَروضيّ . ورُبّما يَتساءل المَرء عن السَبب الذي من أجله ابتَكَر الخَليل هذا الخَطّ في وَقت كانت فيه جُهوده مُنصَبّة على تَطوير الخَطّ النَبَطيّ إلى أن أصبح أكثَر قُدرة ومَنطِقيّة في وَصف جَميع وَحَدات اللُغة الصَوتيّة للعَرَبيّة .
وللإجابة على هذا التَساؤل يُمكن القَول إنّ الخَليل كان في فِكرة الخَطّ العَروضيّ يَهدِف إلى تَوخّي سَبيل مُباشِر وبَسيط لإثبات كِتابة كل ما هو مَنطوق بدون أن يَتَكلّف كِتابة ما لا يُنطَق ، الأمر الذي يُؤكّد على أنّ نَظرته للخَطّ الإملائي كانت لا تَزال مُحاطة بالشَكّ في قُدرته على وَصف عَروض الشِعر وذلك لما رآه من عَجزه عن التَخُلّص تَماما من رِبقة التَرِكة التي خَلّفها الخَطّ النَبَطيّ .
وخِلافا للخَطّ القِياسي نُلاحِظ أنه يُراعى في الخَطّ العَروضيّ الاهتِمام بكِتابة الكَلِمة وَفقا لوَزنها العَروضيّ بغَضّ النَظَر عن كَون هذا البِناء يَتَضَمّن جُزءا من هذه الكَلِمة أو يَمتَدّ لأكثَر من كَلِمة واحِدة تُشَكّل حُروفها مُجتَمِعة كَلِمة جَديدة فتَبدو مُغايِرة للكِتابة المألوفة . فإذا أضَفنا إلى ذلك ما ذَكَره العَروضيّون من شُروط لهذه الكِتابة نَحو سُقوط كلّ ما لا يَظهَر على اللِسان في مِثل ألِف
" قال ابنُك " أو ألِف ولام " قال الرَجُل " وإثبات ما لايَظهَر في الخَطّ القِياسيّ كفَكّ التَضعيف في الحَرف المُشَدّد وكِتابة التَنوين نونا ساكِنة زاد الأمر إذن غَرابة وبُعدا عن الأُلفة في هذا الخَطّ . بل إنّ الأمر ليَشتَطّ في بُعده عن المألوف في الكِتابة حين يَلجأ بَعض العَروضيّين إلى كِتابة بَعض أحرُف الكَلِمة مُراعاة لقَواعد الإدغام وهو ما لَفت نَظري في بَعض كُتُب العَروض كإقناع الصاحِب وعَروض الرَبَعيّ .
وسأورِد فيما يَلي بَيتا لطَرَفة بن العَبد أثبِته أوّلا بالخَطّ القِياسيّ ، على نَحو يُظهِر تَقطيعه وَفقا لوَزنه العَروضيّ ، ثم أُتبِعه بخَطّه العَروضيّ ، يَليه تَفعيله ، قال طَرَفة:
سَتُبدي/ لَكَ الأيّا/مُ ما كُنـ/ـتَ جاهِلاً ========= وَيأتيـ/ـكَ بِالأخبا/رِ مَن لَم/ تُزَوِّدِ
سَتُبدي لَكَلأيْيا مُماكُنْ تَجاهِلَنْ==========وَيأتي كَبِلْلأخْبا رِمَلْلَمْ تُزَوْوِدي
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ==========فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن
فمن هذا المِثال إذن يَتَبَيّن لنا سُهولة الخَطّ القياسيّ ومُرونته في إظهار الوَزن العَروضيّ للشِعر ، إذ نَراه يَقسِم شَطرَي البَيت إلى الأجزاء التي يَتَألّف منها وَزنه ، ولا نُضطَر مع ذلك إلى تَغيير مألوف الكِتابة لتَتَطابَق الأحرُف في الكَلِمات مع وَزن التَفعيلة العَروضيّة . ومن المُمكن أن يَرمز فيه إلى الحُروف المُتَحَرّكة والساكِنة على النَحو الذي تَتَبَيّن منه المَقاطع اللُغوية للبَيت كما يلي :
55|5| / 55|5|5|/55|5|/55|55|| 55|5|/55|5|5|/55|5|/55|55|
حيث يُرمز للمُتَحَرّك بالرمز ( 5 ) وللساكِن بالرَمز ( | ) كما قال ابن عَبد رَبّه في أُرجوزته العَروضيّة:
فما لَها من الخُطوط البائنةْ دَلائلٌ على الحُروفِ الساكِنةْ
والحَلَقاتِ المُتَجَوِّفـــاتِ عَلامةٌ للمُتحَرِّكـــــــاتِ
ونحن نَرى مثل ذلك عند الأوروبيين في وَزنهم لأشعارهم ، حيث نُلاحظ أنّهم يَفصِلون بين التفاعيل feet بخُطوط مُفرَدة single lines وبين الشَطرين بخَطّ مُزدَوج double line , وفي الوَقت ذاته يُحافِظون على نَسَق الكِتابة العادية بلا تَغيير يُذكَر في الخَطّ .
وفيما يَلي مِثال على ذلك من قول شكسبير:
U ` U ` U ` ` U U ` U
To be, | or not | to be || that is | the ques tion …
الخَط القياسي إذن قادِر على التعبير عن الوَزن بنَفس دِقة الخَطّ العَروضي وخاصّة حين نُعنى بتَشكيله تَشكيلا كاملا . ومَسألة التَشكيل الكامل باتت نِسبيّة في ظِل تَوَفّر قَواعِد مُعيّنة تُقَلّل من عَدَد الحُروف التي يَلزَمها التَشكيل ، كما أن من المُمكِن تَعريف الحاسِب الإلكتروني بهذه القَواعِد في أيّ بَرنامَج لوَزن الشِعر بحيث يُمكن بأَقلّ قَدر من التَشكيل تَحديد الشَكل المَقطَعيّ للبَيت الشِعريّ ومن ثم التَعرّف على وَزنه وبَيان زِحافاته . كلّ هذا من غَيرأن نُضطَر إلى إعادة كِتابة كلّ بَيت من الشِعر كِتابة عَروضيّة ، لأنّ النِظام قادر على التَعَرّف على الوَزن ومُتَغَيّراته من خِلال استيعابه لهذه القَواعِد .
سليمان أبو ستة

محمد بن أحمد باسيدي
16/01/2007, 07:14 PM
أخي العروضي البارع سليمان أبو ستة
أحييك وأشكرك على فوائدك العروضية وتطبيقاتها السهلة المفيدة. إن هذا العلم يجهله الكثير منا ويحتاج إلى أمثالك من المتخصصين والمهتمين بهذا الموضوع لتيسيره وشرحه للمثقفين الراغبين في التعرف عليه وفهم آلياته من خلال أمثلة توضيحية كالتي أوردت والتي تجعل هذا الفنّ سهل المنال على عموم القراء والشغوفين بالاطلاع على كنوز التراث العربي وشتى فنونه.
لك الشكر مرة أخرى على هذا الجهد القيم.
___
تحية شاكرة
محمد بن أحمد باسيدي

سعيد حسن
17/01/2007, 12:12 AM
الأستاذ الفاضل سليمان أبو ستة
شكرا جزيلا على هذه المعلومات القيمة وفى انتظار المزيد مما يخفى علينا ونحتاجه
لا حرمنا الله من فيض علمك وقبس نورك.
سعيد حسن

د. رود
17/01/2007, 07:42 PM
أستاذنا الفاضل،،،

لكم الشكر والتقدير للبحث القيم والمفيد،
من البحث نستنتج أن الخط القياسي بإمكانه أن يؤدي الغرض عند تقطيع البيت الشعري ، وماعاد هناك من حاجة للكتابة العروضية.
وسؤالي هنا أنه أحيانا عند تقطيع البيت عروضياً نضطر لفك التضعيف لأن أحد الحرفين المضعفين في تفعيلة والثاني في أخرى، وعندها إذاً أضطر لأن أخرج عن الخط القياسي وأكتب لما تضطرني إليه الضرورة أليس كذلك؟

بانتظار إفادتكم لكم جزيل الشكر والتقدير.


رود حجار

سليمان أبو ستة
18/01/2007, 01:47 AM
أشكر لأخوي الفاضلين الدكتور محمد أحمد باسيدي والأستاذ الشاعر سعيد حسن مرورهما الكريم وكلماتهما المشجعة. ولأختي الفاضلة الدكتورة رود حجار أقول إن الخط القياسي إذا ما اكتمل تشكيله على الوجه الذي لا زيادة فيه ولا فضول، فإن علامة التضعيف ( الشدة ) تقوم مقام الحرف الذي نضطر إلى تكرارة في الخط العروضي عند فك التضعيف. وفيما يلي أمثلة من شعر طرفة بن العبد قطعت بها الأبيات مع المحافظة على الكتابة بالخط القياسي.
وركوبٍ/ تَعزِفُ الجِن/ّ بهِ ** قبلَ هذا الـ/ـجيلِ مِن عَهـ/ـدِ أبَد
فعلاتن فاعلاتن فعلن ** فاعلاتن فاعلاتن فعلن ( الرمل )
قِفي وَد/ِّعينا الـيَو/مَ يابنـ/ـةَ مالِكِ ** وعوجي/ عَلَينا مِن / صُدورِ / جِمالِكِ
فعولن مفاعيلن فعول مفاعلن ** فعولن مفاعيلن فعول مفاعلن ( الطويل )
كلُّ امرِئٍ/ فيما ألَم/َّ بِهِ ** يَوماً يَبيـ/ـنُ مِنَ الغِنى / فُقُره
مُتْفاعلن مُتْفاعلن فَعِلُن ** مُتْفاعلن مُتَفاعلن فَعِلُن ( الكامل )
ولمزيد من الحديث حول التشكيل في الخط القياسي يمكن الرجوع إلى مشاركتي على هذا الرابط:
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=1117

Sami Ulhaqs
27/02/2007, 04:01 PM
أشكر الأستاذ الفاضل على هذه الإضافة العروضية المفيدة ، هل اطلع أحدكم على كتاب في العروض استشهد فيه للبحور بآيات قرآنية؟ أنا سمعت من أستاذ عربي منذ سنين طوال أنّ هناك كتاب اسمه ميزان الذهب في صناعة شعر الأدب لمحمد الإنطاكي (فيما أظن) هو استشهد للبحور بآيات قرآنية . أنا بحثت عن هذا الكتاب كثيرا ولكن لم أجده. هل يعرف أحد منكم عن هذا الكتاب؟ ربما أنا مخطئ في اسم الكتاب أو المؤلف. وشكرا
أخوكم
سميع الحق من باكستان

سليمان أبو ستة
27/02/2007, 11:28 PM
أخي الأستاذ سميع الحق
الكتاب المطلوب تجده على الرابط التالي:
http://www.alukah.net/majles//showthread.php?t=203
ومؤلفه السيد أحمد الهاشمي ، وقد أورد فيه من نظم الشهابي أبياتا على بحور الشعر ضمنت آيات قرآنية نحو قوله :
إذا بسطت يدي أدعو على فئةٍ ** لاموا عليّ عسى تخلو أماكنهم
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن ** فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم
وبهذه المناسبة أود أن أسألك تزويدنا ببعض المعلومات عن العروض في الأوردية وصلته بالعروض العربي .
مع أطيب التحيات،،،،،