المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العبودية العصرية في رياضة كرة القدم



نعمان عبد الغني
01/07/2009, 01:55 PM
العبودية العصرية في رياضة كرة القدم
بقلم الأستاذ: نعمان عبد الغني
أثار التصريح الشهير الذي أدلى به رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف بلاتر حول “العبودية العصرية” الأوساط الرياضية في العالم عامة، وغضب الإنجليز خاصة؛ كون التصريح تعلّق بالنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو لاعب مانشستر يونايتد، ورغبته في الانتقال “للريال” !
وكعادة الإعلام البريطاني، وبما عُرف عنه من قوة وتأثير كبير، فقد وضع بلاتر في خانة صعبة. إن تصريح بلاتر يحتمل أكثر من معنى ومغزى وهدف، ومنها ما هو إيجابي، وآخر سلبي. فنتقبل حرية انتقال اللاعبين، وعدم تقييدهم وخضوعهم للأندية، ولكن الأهم من هذا احترام العقود . فانتقال كريستيانو لريال مدريد في ظل عقد سارٍ مع مانشستر، دون تراضٍ، أمر لا يقبله القانون .. ويبقى السؤال: كيف يستمر اللاعب في تقديم مستوياته وتميّزه إذا فقد رغبته في ارتداء الشعار؟ وهنا يرى بلاتر بأن مهمة “الفيفا” هي المحافظة على النجوم. ويقول من أهم مهمات “الفيفا” الوقوف إلى صف اللاعبين، وأرى أن الوقوف معهم بتطبيق النظام عليهم. أما الإعلام الإنجليزي فنجح في توحيد المتنافسين من الأندية برؤية مشتركة وصف واحد ضد بلاتر، للإطاحة به من رئاسة “الفيفا”، فقرأنا للمدربين المنافسين “للألمان” في الأندية الأخرى تأييدًا مطلقًا للنادي “الأكثر شهرة” في إنجلترا وفي ذلك درس مهم في كيفية تأثير الإعلام، وخلق رأي واحد وضغط إعلامي. ليس غريبًا أن يقف الإنجليز مع تطبيق النظام، فإن كانت فرنسا هي مهد القوانين، فإن إنجلترا هي مَن يطبّقها بحذافيرها، وعرفت بالنظام الجامد الذي لا يُخترق مهما كانت المبررات، وهي في ذلك تبلغ القمة دون منافس أو منازع. غزل آخر مارسه بلاتر بخط تصاعدي، وربما لتهدئة ردة الفعل الإنجليزية بترشيح إنجلترا لاستضافة مونديال 2010م بدلاً من جنوب إفريقيا، فوضعها خيارًا مع ألمانيا، والأخيرة خلافاته مع قيصر كرتها فرانز بيكنباور معروفة، وبلا حدود، كما لاقى بلاتر انتقادات “الجوهرة” بيليه على تصريحه، ويبقى بلاتر رجلاً جدليًّا من الطراز الأول ابتداء عندما كان سكرتيرًا للفيفا، ومرورًا بمشروع الهدف وبلوغ الرئاسة، وانتهاءً بالتصريح الخطير الذي قد يكتب نهايته من خلال إعلام إنجليزي قوي ومؤثر، ليس في الرياضة فحسب. إن المتاجرة بالأشخاص نوع من العبودية العصرية والحديثة، وهي تتمثل في استغلال البشر من خلال إجبارهم على العمل بدون رغبتهم أو استغلالهم، وقد يجبر ضحايا المتاجرة بالأشخاص بالعمل في أنشطة متعددة وخدمات متنوعة منها الرياضة. أ- فالعبودية العامة: هي عبودية القهر والتسخير والملك والتسيير، وهذه تعمّ جميع الخلق مكلّفهم وغير مكلفهم، برهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم. ب- والعبودية الخاصة: هي عبودية التأله والطاعة والمحبة وهذه خاصة بعباد الله المؤمنين، الذين استجابوا لداعي الله. إن البحث في تاريخ العبودية لا يمكن الحسم فيه بشكل تام وأكيد ،لما هذه الظاهرة تشعبات وجذور تاريخية. فلا يمكن فصل تاريخ العبودية عن تاريخ البشرية إذ منذ الإرهاصات الأولى للظهور البشري على وجه الأرض ظهرت معه هذه الآفة..والحفريات والكتب المقدسة تحكي عن حروب نشبت داخل القبائل أولى المجتمعات. أن ازدواجية المعايير التي تتصف بها السياسات في المواقف من قضايا حقوق الإنسان العالمية ليست وحدها التي تفضح وتدين هذه السياسات وتعري حقيقة مبدئيتها باعتبارها مواقف انتهازية نفاقية صارخة، بل ثمة مسألة سياسية تاريخية على درجة من الأهمية تتصل بتاريخ تطور الفكر الحقوقي لحقوق الإنسان في العالم، حتى يومنا هذا لم يعلن بشكل علني جلي اعتذارا للقارة الإفريقية وتحديداً للبلدان التي جرى فيها اقتناص أبنائها من الغابات، كما تقتنص الحيوانات والطيور، بغرض تملكهم وفرض العبودية عليهم قسراً بعد شحنهم في سفن إلى أراضي الولايات المتحدة - ومعها بريطانيا الدولة المستعمرة (بكسر الميم الثانية) السابقة لأراضي الولايات المتحدة لم تبد أي استعداد لتعويض شعوب هذه البلدان الإفريقية عما لحق بها من أضرار سياسية واقتصادية واجتماعية، بل من أذى نفسي رهيب لا يرمم نفسياً ومادياً على تعاقب العصور من تلك الممارسة الشنيعة التي ترقى إلى الاغتصاب في إهدار وإدماء كرامة الإنسان وأي إهدار لكرامة الإنسان أشنع من استعباده؟ ثم هل حقاً انتهت جميع مظاهر وأشكال العبودية التي تمارس في العالم؟ أو ليست تتجلى في صور جديدة من محاولات فرض أشكال الاستعباد والهيمنة في مناطق عديدة من العالم ومنها منطقتنا العربية؟ لا بل نتساءل هل انتهت حقاً مظاهر العبودية من عصرنا في بقاع عديدة من العالم أم هي تتجلى في أشكال جديدة ومتنوعة لا تختلف عن العبودية الأصلية من حيث الجوهر، وإن اختلفت في الشكل والمستوى؟ يُعد الاتجار بالبشر بكل أشكاله عملاً إجرامياً، كما ويعتبر التحدي العالمي في القرن الحادي والعشرين. وقد أخذت هذه التجارة أبعاداً عالمية أخرى، فأسباب توسعها متعددة ابتداء من اختلال ميزان توزع الثروات في العالم لصالح دول العالم المتقدم، مما يؤدي إلى الفقر والبطالة، في دول الجنوب ودول أوروبا الشرقية وبعض الدول الآسيوية، وانتهاء بترابط منظمات الجريمة العالمية التي تعمل على التنسيق فيما بينها، والتي انتقلت من التجارة المحلية إلى التجارة العالمية، مع استخدام كل الأساليب الجديدة الممكنة في العمل، من التكنولوجيات المختلفة والعلوم وتطبيقاتها، إلى الوسائل الإعلامية بأشكالها التي تعمد إلى تصوير الحياة في الدول المتقدمة على أنها الجنة محققة على الأرض، وإلى غياب التحديات المدنية بما فيها الديمقراطية وحقوق الإنسان في العوالم الفقيرة. الأخلاق لا تتجزأ ولا يمكن أن تكون نسبية خاضعة للمكان والزمان، والتغاضي عما هو حاصل والادعاء بعدم وجود مشكلة هو قمة عدم وجود الأخلاق. وهناك حاجة ملحة لتغيير الإجراءات والقوانين لتوفير الرعاية اللازمة للاعبين ، وتوفير الحماية القانونية لهم باعتبارهم من ضحايا اختراقات حقوق الإنسان. إذ أن هؤلاء يعاملون كعبيد، ولذلك على الدول المعنية العمل على إعادة تأهيل القانونيين وموظفي الهجرة لمعالجة هذه المشكلة. وإذا لم يتم هذا الأمر، فإن الضحية تعود للوقوع في أيدي شبكة الجريمة المنظمة. ولكن أي كان ولاء إرهابيي الرياضة, فمن الضروري وعلى الفوران تبادر إلى كل إجراءات الحماية الممكنة للرياضيين, لأن لهم إضافة إلى قيمتهم العليا كبشر, قيمة إضافية عليا كرباط لجروح الوطن وكمنعش لروح الشجاعة والتفاؤل بين أبنائه. إنه الرمز, فهل سيدرك بلاتير عاجلاً ما سبقه الإرهابيين إلى إدراكه من قيمة الرمز؟