المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحقوق الضائعة في مصر



عادل ابراهيم عامر
02/07/2009, 10:45 PM
الحقوق الضائعة في مصر
الدكتور عادل عامر
قمح فاسد.. أدوية فاسدة.. أغذية فاسدة.. والبقية تأتي، مصائب متكررة ومؤامرة تشابكت خيوطها وشكَّلت ماردًا يلتهم ما تبقَّى من فتات "صحة" كان يتمتع ويتفاخر بها المصريون في أزمان فائتة، ويزداد هذا المارد توحشًا يومًا بعد يوم في مشهد بات مألوفًا وتحالف فيه الجميع، من حكومة سيطر عليها أصحاب المصالح وتجار غاب عنهم الضمير، ضد هذا "الفتات".ولإظهار حجم الكارثة التي تطبَّق على المصريين كشفت دراسة أعدها الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام جاءت تحت عنوان "كم ينفق المصريون على صحتهم؟!" أن أكثر من 23 مليون مصري مصابون بأمراض مزمنة؛ 9 ملايين منهم حاملون لفيروسات كبدية "abc"، و7 ملايين مصابون بأمراض الكلى، ومن 4 إلى 5 ملايين مصابون بأمراض القلب، بالإضافة إلى 4 ملايين بأورام سرطانية، و3.5 ملايين بمرض السكر، و36 ألفًا منهم مصابون بالفشل الكلوي. وأظهرت الدراسة "بُخل" الحكومة في إنفاقها على صحة المصريين؛ حيث تنفق سنويًّا نحو 10 مليارات جنيه، في حين ينفق المصريون على أنفسهم أكثر من 21 مليار جنيه، مشيرةً إلى القصور الشديد في عدد الأطباء المصريين؛ إذ يوجد طبيب لكل ٧٠٠ مواطن. وفي نفس السياق كشف مركز الأرض لحقوق الإنسان في تقريره هذا العام إصابة أكثر من 30 مليون مصري بأمراض السرطان والفشل الكلوي والكبد والعقم؛ نتيجة الإفراط في استخدام المبيدات والملوثات، محمِّلاً الحكومة مسئولية ما يلحق بالبيئة والتربة والمياه، إضافةً إلى الحرمان من أساسيات الحياة الكريمة من مياه شرب نظيفة وصرف صحي. وأشار التقرير إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في مصر، وفقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية؛ حيث تمثل نسبة الإصابة بالمرض في مصر حوالي ١٥٠ حالةً لكل ١٠٠ ألف نسمة سنويًّا، وتتراوح بين ١٠٠ و١١٠ آلاف حالة سنويًّا، وهو ما يهدِّد مصر بوضع صحي كارثي بحلول عام ٢٠٢٠م، وفقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، إذا استمر الحال كما هو عليه الآن في مجال مكافحة السرطان. فما هو تفسير الحد الذي وصلت إليه استهانة حكومتنا بصحة مواطنيها؟ وما هو الحل للقضاء على الفساد الذي استشرى في بلادنا؟ وهل يشارك المصريون ولو بالقليل في الحال الذي وصلت إليه صحتهم؟! طرح هذه التساؤلات وغيرها على مجموعة من الخبراء والمتخصصين في التحقيق التالي: بدايةً يعتبر عبد العزيز خلف عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين وعضو لجنة الصحة بمجلس الشعب حالة الغش والفساد في مصر؛ أمرًا طبيعيًّا لاستبداد النظام الحاكم وظهور طائفة جديدة من رجال الأعمال المشاركين أو القريبين من السلطة لا يعنيها سوى الثراء المتوحّش على حساب فئات الشعب الضعيفة والفقيرة. وأشار إلى أن التزاوج بين رأس المال والسلطة نتج منه مولود مشئوم من الفساد والإهمال الذي يطيح بالبشرية إلى دائرة مغلقة لا يوجد بها سوى الاستسهال بأرواح البشر نتيجة انعدام الضمير. واستنكر خلف ضياع المسئولية عن الرقابة على الأغذية بين وزارات الصحة والصناعة والتموين والزراعة، مشيرًا إلى أنه في الوقت الذي أعلن فيه وزير الصحة مسئوليته عن صحة الشعب المصري؛ حمَّل وزير التموين مسئولية أكل الشعب قمحًا فاسدًا!. وأكد خلف أن هناك 37 جهةً رقابيةً معطّلة فقدت أدوارها نتيجة سيطرة مجموعة من المنتفعين عليها وعدم وجود رقيب يحاسبهم على فسادهم، مطالبًا بضرورة تحقيق الإصلاح السياسي أولاً ثم يأتي بعده الإصلاح الاقتصادي فالفكري، وهو ما تنصلح به الضمائر وفي السياق ذاته يقول الدكتور أيمن أنس أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق إن ما يحدث ما هو إلا انعدام مستوردي الأغذية الفاسدة لضميرهم ويجدون الحكومة التي تتستر عليهم وتحميهم من المساءلة لمصالح مشتركة بينهم. واستنكر انحدار العلاقات الاجتماعية بين الأفراد يومًا بعد الآخر؛ "حيث تحوَّلت العلاقة بين الناس إلى علاقة مادية بحتة، وتم بيع العلاقات الإنسانية"، فضلاً عن أن الأسرة تخلَّت عن دورها الأساسي في التربية بحثًا عن تدبير المال اللازم والمأكل والمشرب، وغيرها من الضغوط والمهام التي ألقت بها الدولة على كاهل المواطنين؛ وأغرقتهم في دوامة لا تنقطع. وأشار د. أنس إلى أن المجتمع القوي هو الذي ينتشر فيه الأفراد الأصحَّاء، وتوجد به القيم الأخلاقية السليمة مثل الأمانة والرحمة والعدل بين جميع الأفراد، أما المجتمع الضعيف أخلاقيًّا فتنتشر فيه السرقة والنهب والتفنن في الغش وارتكاب الجرائم. وشدَّد على ضرورة اتخاذ الحكومة لإجراءات رادعة ضد من يتهاونون في حياة الأفراد ليكونوا عبرة لمن تسوِّل له نفسه تكرار جرائمهم. وعلى الجانب الطبي يقول الدكتور محمود محمد عمر أستاذ السموم الإكلينيكية بجامعة القاهرة إن المواد السامة التي تدخل جسم الإنسان تتحول إلى مواد كيميائية فاسدة، تتسرب مباشرة إلى الكلى فتعمل على فشلها، فضلاً عن تسببها في خلل لإنزيمات الكبد ومضاعفات أخرى بالمخ؛ "أي أنها تدمر الجسم تدميرًا بطيئًا". أزمات طاحنة تعصف بالشعب المصري والحكومة نسيت الفقراء وانتقد غياب وعي الأفراد في المجتمع المصري؛ بحيث يرفضون "الجري" وراء حقوقهم عندما يموت ذووهم بإحدى حالات التسمم نتيجة تناول مواد فاسدة، مطالبًا المواطنين بفضح تلك الممارسات إذا تم اكتشافها. وأضاف أن الحكومة دائمًا تبحث عن الأولويات والأسبقيات، بغض النظر عن صحة المواطنين؛ حيث تسعى إلى إشباع جوعهم وتخليصهم من ألم المعدة، ولكنها تورطهم فيما هو أشدُّ خطرًا وأعظم فتكًا ويقول الخبير الاقتصادي حسن عبد الفضيل إن الحكومة تضع المواطن في خيارين: إما أن يتناول الأشياء الضارة بحياته، وإما أن يفقدها ولا يستطيع الحصول عليها؛ مما ينتج منه خسائر عظيمة تتحول إلى إيرادات تصبُّ في جيوب رجال الأعمال وحكومة تتساهل في أرواح الناس. وأشار إلى أن الفساد يُكبّد مصر خسائر قدرها 100 مليار جنيه سنويًّا، محمّلاً الحكومة المسئولية الأولى والكبرى، مطالبًا رجال الأعمال بالمساهمة في تكاليف ملاحقة الأمراض التي تصيب المصريين باعتبارهم المتسبِّبين فيها.