عادل ابراهيم عامر
02/07/2009, 11:13 PM
الدولة القانونية
الدكتور عادل عامر
من المسلمات في العصر الحديث أن الدولة لابد أن تخضع للقانون.. ويعد هذا الخضوع للقانون، بما يؤدي إليه من حماية لحقوق الأفراد وحرياتهم مظهرًا من مظاهر المدنية الحديثة. والدولة لا تكون قانونية إلا حيث تخضع فيها جميع الهيئات الحاكمة لقواعد تقيدها وتسمو عليها، أي أن مبدأ خضوع الدولة للقانون «أو مبدأ المشروعية يهدف إلى جعل السلطات الحاكمة في الدولة تخضع لقواعد ملزمة لها كما هي ملزمة بالنسبة للمحكومين». والدولة المعاصرة لم تعد «هذه الدولة الاستبدادية التي يختلط فيها القانون بإرادة الحاكم ومشيئته دون أن تخضع هذه الإرادة أو المشيئة لقيود محددة معلومة. إن الدولة المعاصرة دولة قانونية تحكمها قاعدة خضوع الحكام للقانون، والتزام حكمه في كل ما يقوم بين الدولة والمحكومين من علاقات من جانب، أو بينها وبين الوحدات الدولية الأخرى من جانب آخر»([2]). فإن من المسلمات الآن لدى كل الفقهاء أنه في الدولة المعاصرة لم يعد يكفي لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم العامة أن يسود القانون علاقتهم مع الدولة وما يتفرع عنها من هيئات عامة، لأنه بغير خضوع الدولة للقانون فلن يكون الحكم لغير القوة المادية ولغير سياسة الاستبداد والطغيان.
مقومات الدولة القانونية:
والدولة القانونية، بمفهومها الذي قدمناه، لها مقومات تقوم عليها هي أساس في وجودها؛ بوجودها توجد، وبانتفائها لا يُتصور وجود الدولة القانونية.. وهذه المقومات هي:
1- وجود الدستور.
2- تدرج القواعد القانونية.
3- خضوع الإدارة للقانون.
4- الاعتراف بالحقوق والحريات الفردية.
فأما وجود الدستور كأساس للدولة القانونية، فلأن الدستور يقيم نظامًا في الدولة، ويؤسس الوجود القانوني للهيئات الحاكمة في الجماعة، محدداً من يكون له حق التصرف باسم الدولة، ومحدداً أيضًا وسائل ممارسة السلطة، كما يبين طريقة اختيار الحاكم وحدود سلطاته واختصاصاته، ويمنحه الصفة الشرعية، إذ هو اسمى من الحاكم، وعلى ذلك تكون السلطة التي مصدرها الدستور مقيدة بالضرورة، وبذلك يحيط الدستور الهيئات الحاكمة بسياج قانونـي لا يمكنها الخروج عليه، وإلا فقدت صفتها القانونية، وفقدت تصرفاتها الصفة الشرعية، واستحالت إلى إجراءات قهر مادية. ووجود الدستور يعني تقييد جميع السلطات المنشأة في الدولة، أي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، لأن الدستور هو الذي أنشأها ونظمها وبيّن اختصاصاتها، ولأنها سلطات تابعة للسلطة التأسيسية. ومع هذا المفهوم الذي قدمناه، يتعذر وجود الدولة القانونية بدون وجود الدستور، ومن هنا كان الدستور أول مقومات الدولة القانونية. وأما تدرج القواعد القانونية، فإنه الركن الآخر في بناء الدولة القانونية. ذلك أنه لا يمكن تصور النظام القانوني للدولة القانونية بدون هذا التدرج الذي يظهر في سمو بعض القواعد القانونية على بعض، وتبعية بعضها للبعض الآخر.. فالقواعد القوانية ليست في مرتبة متساوية من حيث القوة والقيمة، ففي قمتها القواعد الدستورية، ثم تتلوها التشريعات العادية، ثم اللوائح الصادرة من السلطات الإدارية.. وهكذا يستمر هذا التدرج حتى يصل إلى القاعدة الفردية، أي القرار الفردي الصادر من سلطة إدارية دنيا. وهذا التدرج يستلزم بالضرورة خضوع القاعدة الأدنى للقاعدة الأسمى، شكلاً وموضوعًا، فأما خضوعها شكلاً فبصدورها من السلطة التي حددتها القاعدة الأسمى وباتباع الإجراءات التي بينتها، وأما خضوعها موضوعًا فذلك بأن تكون متفقة في مضمونها مع مضمون القاعدة الأعلى. وهذا التدرج بين القواعد القانونية يؤدي إلى وجوب تقيد القاعدة القانونية الدنيا بالقاعدة العليا، إذ لا يصح أن تتعارض قاعدة قانونية دنيا مع أخرى تعلوها في مرتبة التدرج، حتى لا يحدث خلل في انسجام البناء القانوني للدولة. ومع هذا المفهوم لتدرج القواعد القانونية، أو تدرج النظام القانوني في الدولة، يتعذر أيضًا تصور وجود الدولة القانونية بدونه، ومن هنا كان تدرج القواعد القانونية أحد مقومات الدولة القانونية، لا قيام لها إلا به. وأما خضوع الإدارة للقانون، فهو ركن لا قيام للدولة القانونية إلا به، ومقتضاه أن الإدارة لا يجوز لها «أن تتخذ إجراءً، قراراً إدارياً أو عملاً مادياً، إلا بمقتضى القانون وتنفيذاً للقانون».. فالإدارة لكونها إحدى سلطات الدولة «يتعين عليها، كغيرها من السلطات، أن تحترم مجموعة القواعد القانونية المقررة في الدولة، وأن تمارس نشاطها في نطاقها.. والتزام الإدارة بالعمل في دائرة وحدة النظام القانوني المقرر في الدولة، هو ما يطلق عليه مبدأ الشرعية أو «مبدأ سيادة حكم القانون»، أي خضوع الإدارة للقوانين المعمول بها.. ويعتبر خضوع الإدارة في نشاطها للقانون تطبيقاً لمبدأ الشرعية، وعنصراً من عناصر الدولة القانونية، ويترتب على مبدأ الشرعية سيادة حكم القانون، وسيطرته، وخضوع الحكام والمحكومين له على السواء، فلا يصح أن يتحلل الحكام في الدولة القانونية، التي تقوم على أساس وجود المبدأ المذكور، من حكم القانون» ([3]). ومتى صارت الإدارة في وضع لا تتقيد فيه بقانون، وتتخذ إجراءاتها، قراراتها الإدارية، وأعمالها المادية، استناداً إلى أهوائها، كنا أمام دولة بوليسية «حيث تكون السلطة الإدارية مطلقة الحرية في أن تتخذ قبل الأفراد ما تراه من الإجراءات محققاً للغاية التي تسعى إليها وفقاً للظروف والملابسات، وهذا هو النظام الذي عرفته الملكيات المطلقة في القرنين السابع عشر والثامن عشر.. » ([4]) أو أمام دولة استبدادية «تعسـف فيها الإدارة بالأفراد حسب هـوى الحـاكم أو الأمير، وتستبد بأمورهم». ومع هذا المفهوم عن خضوع الإدارة للقانون، باعتباره أحد مقومات الدولة القانونية، يتعذر أيضاً قيام الدولة القانون
الدكتور عادل عامر
من المسلمات في العصر الحديث أن الدولة لابد أن تخضع للقانون.. ويعد هذا الخضوع للقانون، بما يؤدي إليه من حماية لحقوق الأفراد وحرياتهم مظهرًا من مظاهر المدنية الحديثة. والدولة لا تكون قانونية إلا حيث تخضع فيها جميع الهيئات الحاكمة لقواعد تقيدها وتسمو عليها، أي أن مبدأ خضوع الدولة للقانون «أو مبدأ المشروعية يهدف إلى جعل السلطات الحاكمة في الدولة تخضع لقواعد ملزمة لها كما هي ملزمة بالنسبة للمحكومين». والدولة المعاصرة لم تعد «هذه الدولة الاستبدادية التي يختلط فيها القانون بإرادة الحاكم ومشيئته دون أن تخضع هذه الإرادة أو المشيئة لقيود محددة معلومة. إن الدولة المعاصرة دولة قانونية تحكمها قاعدة خضوع الحكام للقانون، والتزام حكمه في كل ما يقوم بين الدولة والمحكومين من علاقات من جانب، أو بينها وبين الوحدات الدولية الأخرى من جانب آخر»([2]). فإن من المسلمات الآن لدى كل الفقهاء أنه في الدولة المعاصرة لم يعد يكفي لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم العامة أن يسود القانون علاقتهم مع الدولة وما يتفرع عنها من هيئات عامة، لأنه بغير خضوع الدولة للقانون فلن يكون الحكم لغير القوة المادية ولغير سياسة الاستبداد والطغيان.
مقومات الدولة القانونية:
والدولة القانونية، بمفهومها الذي قدمناه، لها مقومات تقوم عليها هي أساس في وجودها؛ بوجودها توجد، وبانتفائها لا يُتصور وجود الدولة القانونية.. وهذه المقومات هي:
1- وجود الدستور.
2- تدرج القواعد القانونية.
3- خضوع الإدارة للقانون.
4- الاعتراف بالحقوق والحريات الفردية.
فأما وجود الدستور كأساس للدولة القانونية، فلأن الدستور يقيم نظامًا في الدولة، ويؤسس الوجود القانوني للهيئات الحاكمة في الجماعة، محدداً من يكون له حق التصرف باسم الدولة، ومحدداً أيضًا وسائل ممارسة السلطة، كما يبين طريقة اختيار الحاكم وحدود سلطاته واختصاصاته، ويمنحه الصفة الشرعية، إذ هو اسمى من الحاكم، وعلى ذلك تكون السلطة التي مصدرها الدستور مقيدة بالضرورة، وبذلك يحيط الدستور الهيئات الحاكمة بسياج قانونـي لا يمكنها الخروج عليه، وإلا فقدت صفتها القانونية، وفقدت تصرفاتها الصفة الشرعية، واستحالت إلى إجراءات قهر مادية. ووجود الدستور يعني تقييد جميع السلطات المنشأة في الدولة، أي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، لأن الدستور هو الذي أنشأها ونظمها وبيّن اختصاصاتها، ولأنها سلطات تابعة للسلطة التأسيسية. ومع هذا المفهوم الذي قدمناه، يتعذر وجود الدولة القانونية بدون وجود الدستور، ومن هنا كان الدستور أول مقومات الدولة القانونية. وأما تدرج القواعد القانونية، فإنه الركن الآخر في بناء الدولة القانونية. ذلك أنه لا يمكن تصور النظام القانوني للدولة القانونية بدون هذا التدرج الذي يظهر في سمو بعض القواعد القانونية على بعض، وتبعية بعضها للبعض الآخر.. فالقواعد القوانية ليست في مرتبة متساوية من حيث القوة والقيمة، ففي قمتها القواعد الدستورية، ثم تتلوها التشريعات العادية، ثم اللوائح الصادرة من السلطات الإدارية.. وهكذا يستمر هذا التدرج حتى يصل إلى القاعدة الفردية، أي القرار الفردي الصادر من سلطة إدارية دنيا. وهذا التدرج يستلزم بالضرورة خضوع القاعدة الأدنى للقاعدة الأسمى، شكلاً وموضوعًا، فأما خضوعها شكلاً فبصدورها من السلطة التي حددتها القاعدة الأسمى وباتباع الإجراءات التي بينتها، وأما خضوعها موضوعًا فذلك بأن تكون متفقة في مضمونها مع مضمون القاعدة الأعلى. وهذا التدرج بين القواعد القانونية يؤدي إلى وجوب تقيد القاعدة القانونية الدنيا بالقاعدة العليا، إذ لا يصح أن تتعارض قاعدة قانونية دنيا مع أخرى تعلوها في مرتبة التدرج، حتى لا يحدث خلل في انسجام البناء القانوني للدولة. ومع هذا المفهوم لتدرج القواعد القانونية، أو تدرج النظام القانوني في الدولة، يتعذر أيضًا تصور وجود الدولة القانونية بدونه، ومن هنا كان تدرج القواعد القانونية أحد مقومات الدولة القانونية، لا قيام لها إلا به. وأما خضوع الإدارة للقانون، فهو ركن لا قيام للدولة القانونية إلا به، ومقتضاه أن الإدارة لا يجوز لها «أن تتخذ إجراءً، قراراً إدارياً أو عملاً مادياً، إلا بمقتضى القانون وتنفيذاً للقانون».. فالإدارة لكونها إحدى سلطات الدولة «يتعين عليها، كغيرها من السلطات، أن تحترم مجموعة القواعد القانونية المقررة في الدولة، وأن تمارس نشاطها في نطاقها.. والتزام الإدارة بالعمل في دائرة وحدة النظام القانوني المقرر في الدولة، هو ما يطلق عليه مبدأ الشرعية أو «مبدأ سيادة حكم القانون»، أي خضوع الإدارة للقوانين المعمول بها.. ويعتبر خضوع الإدارة في نشاطها للقانون تطبيقاً لمبدأ الشرعية، وعنصراً من عناصر الدولة القانونية، ويترتب على مبدأ الشرعية سيادة حكم القانون، وسيطرته، وخضوع الحكام والمحكومين له على السواء، فلا يصح أن يتحلل الحكام في الدولة القانونية، التي تقوم على أساس وجود المبدأ المذكور، من حكم القانون» ([3]). ومتى صارت الإدارة في وضع لا تتقيد فيه بقانون، وتتخذ إجراءاتها، قراراتها الإدارية، وأعمالها المادية، استناداً إلى أهوائها، كنا أمام دولة بوليسية «حيث تكون السلطة الإدارية مطلقة الحرية في أن تتخذ قبل الأفراد ما تراه من الإجراءات محققاً للغاية التي تسعى إليها وفقاً للظروف والملابسات، وهذا هو النظام الذي عرفته الملكيات المطلقة في القرنين السابع عشر والثامن عشر.. » ([4]) أو أمام دولة استبدادية «تعسـف فيها الإدارة بالأفراد حسب هـوى الحـاكم أو الأمير، وتستبد بأمورهم». ومع هذا المفهوم عن خضوع الإدارة للقانون، باعتباره أحد مقومات الدولة القانونية، يتعذر أيضاً قيام الدولة القانون