المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفروسية.....رياضة الماضي والحاضر والمستقبل



نعمان عبد الغني
03/07/2009, 07:16 PM
الفروسية...............رياضة الماضي والحاضر والمستقبل
بقلم الاستاذ نعمان عبد الغني
احتلت الفروسية مكانة عالية عند العرب منذ أقدم الأزمان، وجاء الإسلام ليعزز هذه المكانة ويكملها في إطار منظومة قيمية متكاملة كان قدوتها ونموذجها الأعلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، بشمائله السامية وخلقه العظيم الذي يعبر عنه الحديث الشريف إنما «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، والذي أكده القرآن الكريم بقوله تعالى: «وإنك لعلى خلق عظيم». وقد أولى الرسول عليه الصلاة والسلام عناية خاصة للفروسية واهتماما بالخيل وترويضها، حيث ورد عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يضمر الخيل يسابق بها» وانه كان ينعم على الفائزين بالجوائز. وفي الحديث الشريف «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة». ويرتبط معنى الفروسية في مختلف لغات العالم بالشجاعة والشهامة والثقة بالنفس. وتعد الجزيرة العربية منشأ الفروسية ومهدها الأول، وللفارس شخصية متميزة عند العرب، اقترنت بالبطولة والشيم الأصيلة والأخلاق الرفيعة، واتسمت بالخصال الحميدة والمزايا الكريمة وعزة النفس والإباء والشموخ والترفع والحمية والنخوة. والفارس العربي سمح السجايا سهل المعشر، لا يبغي على غيره لكنه لا يحتمل الظلم والبغي ولا يستكين. ومن فرسان العرب المشهورين الفارس الشهم عنترة بن شداد الذي يصف الفروسية بأنها «الصبر على الشدائد وتحمل المشاق والآلام». ومن سمات الفرسان حب الشعر ونظمه، حيث نجد معظم فرسان العرب شعراء مجيدين ومتميزين.ولم تكن الفروسية في التاريخ العربي وفي الثقافة العربية الإسلامية مجرد إطار زخرفي أو شعارات تتعثر بها الشفاه وتقف عند حدودها، وإنما كانت ركيزة أساسية من مكونات الشخصية المجتمعية وقيمة محورية تنتظم بها وتدور حولها كل أوجه الحياة والعمل، ثقافيا واجتماعيا وسياسيا.
للخيل تاريخ أصيل ضارب في عبق التاريخ والعراقة، أقسم بها رب العزة فقال [( والعاديات ضبحا "1 " فالموريات قدحا)]؛ وحث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على تعلم ركوبها، وكلف الآباء تعليمه لأبنائهم، فقد جاء في الأثر : (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل). كانت رمزاً للعزة والإباء، والفخر و الكبرياء، لا بد من أن يخدمها سائس، ولا يثبت على ظهرها إلا فارس، وقد قال المتنبي: أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب وهذا الكتاب من جلسائك الصالحين فى العصور الوسطى، كان الارستقراطيون فى روما ويونان القديمتين ينظرون باعجاب واجلال الى الفرسان ونبلهم، وكانت الفروسية وقيمها هدفا يسعى اليه الجميع. اما بريطانيا فهى اقدم الدول التى بدأت فيها سباقات الخيول بشكلها الحالى..
وفي مسلم أن رسول الله قال يوم حنين: يا خيل الله اركبي وقال: "اركبوا الخَيل فإنّها ميراث أبيكم إسماعيلَ" وقد سابَق النبي أيضًا على الجمال فسابَق على ناقته العَضباء وكانت لا تسبَق، فجاء أعرابي على قَعود فسبقَها، فشقّ ذلك على المسلمين فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ حقًّا على الله ألّا يرفَعَ من الدنيا شَيئًا إلا وَضَعَه" رواه البخاري، وذكر الجاحظ في البيان والتبيين أن عمر أرسل كِتابَه إلى الأمصار يقول فيه: علِّموا أولادَكم السّباحة، والفروسيّة. وفي رواية ومُروهم يَثِبُوا على الخيل وَثبًا، ورَوُّوهم ما سارَ من المثل وحَسَن من الشعر. يرتبط معنى الفروسية في كل لغات العالم بالشجاعة والشهامة والثقة بالنفس، وتعرف الفروسية بأنها القدرة على ركوب وترويض الجواد والتحكم في حركاته والقدرة على التجانس معه في وحدة متناسقة من الحركات.
وقد شجع الإسلام هذه الرياضة وثمَّنها غالياً ورفع من شأنها لارتباطها بالجهاد في سبيل الله وفي إعداد القوة والمنعة للدفاع عن الأمة والوطن. قال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم).
ولعظيم شأن الخيل في شريعتنا الغراء فقد أقسم الله سبحانه بها في كتابه العزيز فقال: (والعاديات ضبحاً فالموريات قدحاً فالمغيرات صبحاً)
وعن جابر بن عبد الله وجابر بن عمير رضي الله عنهما أن النبي قال: "كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ولعب إلا أن يكون أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الغرضين، وتعليم الرجل السباحة". والمشي بين الغرضين أي الهدفين، هدف السهم المرمي.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنها "أن النبي كان يضمر الخيل يسابق بها".
وعنه أيضاً قال: "سابق النبي بين الخيل التي ضمرت فأرسلها من الحيفاء وكان أمدها ثنية الوداع، فقلت لموسى: وكم بين ذلك؟ قال: ستة أميال أو سبعة، وسابق بين الخيل التي لم تضمر فأرسلها من ثنية الوداع وكان أمدها مسجد بني زريق، فقلت: فكم بين ذلك؟ قال: ميل أو نحوه. وكان ابن عمر ممن سابق فيه " رواه البخاري.
وعن عبد الله بن عمر وعروة بن الجعد رضي الله عنهم أن النبي قال: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة أن النبي قال: " من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً وتصديقاً بوعده فإن شبعه وريّه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة" رواه البخاري والنسائي.
إن ركوب الخيل وسباقاتها من الرياضات الهامة جداً في بناء الأمة وقوة أفرادها، ونظراً لحصولها في الهواء الطلق وحصول البدن على كمية وافرة من الأكسجين فهي تنشط التنفس والدورة الدموية وتؤدي إلى زيادة معتدلة في ضربات القلب، كما تعمل هذه الرياضة على زيادة الانتباه وتحسن القدرة على ضبط حركات البدن والحفاظ على توازنه، وهي تنشط الجهاز العصبي وقد أظهرت دراسة ألمانية فوائد الفروسية في علاج أمراض الظهر والمفاصل وعيوب القوام.
وقد كان أبقراط أول من عالج العديد من الأمراض المزمنة بمزاولة ركوب الخيل والتي تنشط معظم أجهزة البدن الداخلية بانتقال حركة الجواد إلى راكبه، وبشكل خاص فإن حركات الاهتزاز الدائمة تضغط الكبد بين الأحشاء وعضلات البطن ضغطاً ليناً متتابعاً كمساج لطيف يؤدي إلى تنشيط الإفراز الصفراوي ووظائف الكبد ويحسن الدورة الدموية في هذا الجزء من البدن.
والإسلام شجع على مزاولة هذه الرياضة فامتدح النبي الخيل وجعل الخير معقوداً في نواصيها، وجعل تربيتها والاهتمام بها مما يثاب عليه المسلم ويزيد في حسناته يوم القيامة.
كما أن النبي نظم سباقات الخيل وأشرف عليها بنفسه صلوات الله عليه، وكان ينعم على الفائزين بالجوائز التي تليق بهذه الرياضة.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن النبي سابق بين الخيل وجعل بينها سبقاً وجعل فيها محللاً وقال لا سبق إلا في حافر أو نصل".
فالنبي سابق بين الخيل وراهن، لكن ضمن قواعد الشريعة الغراء. فالرهان لا يصح أبداً بين المتسابقين أنفسهم بأن يدفع الخاسر، ولا بين المتفرجين بالرهان على من يربح، وإنما يكون الرهان من طرف ثالث، كأن يكون الإمام أو من يقوم مقامه، يدفع للفائز كجائزة تشجيعية. فالخيل من المخلوقات التي سخرها الله للإنسان وذلّلها، من عجيب خصائص هذا الحيوان الذي سخره الله للإنسان تكريماً له أنه قوي السمع، فالخيل تسمع وقْع الخُطى قبل أن ترى الذي يمشي، وتسمع وقع حوافر خيل أخرى قبل أن تتبدى لها في الأفق، وتنبِّه صاحبها، هذه خاصة تفوق ما عند الإنسان من خصائص، والخيل لا تفقد قدرتها على التناسل إن تقدمت في السن، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، الخيل سريعة الشفاء من جروحها.
الشاعر الجاهلي عنترة وصف فرسه فقال:
فازورّ مــن وقع القنا بلبـانه وشكا إلي بعبرة وتحمحمِ
لو كان يدري ما المحاورة اشكتا ولكان لو علم الكلام مكلمِ
يبدو أن هناك مشاركة وجدانية بين صاحب الخيل والخيل، كائن له شعور أحيانا.
إذاً هي سريعة الشفاء من جروحها وأمراضها سرعة غير معقولة، فشفاؤها أسرع من شفاء الإنسان، وتلتئم كسور عظامها بسرعة عجيبة جداً، ويكفي الحصان علف قليل ليقوم بجري كثير، يضاف إلى هذه الخصائص أن جهاز الحصان التنفسي قوي جداً، فهو ذو قصبة هوائية واسعة جداًَ، وقفص صدري واسع جداً يعينه على استنشاق أكبر كمية من الأوكسجين، لتعينه هذه الكمية على الجري الطويل، لأنه مهيؤٌ ليكون أداة.
إن ركوب الخيل متعة وهواية رائعة، وهي من أشرف وأروع الرياضات التي مارسها الإنسان، فهي تكسبه جمالاً ورشاقة إضافة إلى أنها تقوي الرئتين وتنقي الدم.
نعمان عبد الغني