المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غجرية



مصطفى لغتيري
06/10/2006, 04:14 PM
حائرة نظرت إلي..في حضن عينيها تمدد خجل طفولي .السيجارة ترتجف بين أصابعها ،وابتسامة خفرة تداعب شفتيها القرمزيتين.. لمحت التردد يختلج على سحنتها ،فتركت مقعدي ،وبخطوات واثقة دلفت نحوها.. حين انتصبت بجانبها ،لم تنبس ببنت شفة..فقط علقت على مبسمها تلك الإبتسامة الخجلى.مددت يدي بالقداحة نحو سيجارتها ،قدحتها فتأججت شعلة باهتة..اشتعلت سيجارتها ، فهمهمت شاكرة صنيعي..عدت إلى مقعدي،وقد تمدد بعض شرودها إلى نفسي.من مكاني ،تتبعت خيط الدخان المنبعث من سيجارتها.. بدا لي واهنا..متعبا،وبلا أمل..متهالكا كان يشق طريقه نحو النافذة..كان بالكاد يصل نحو وجهته..حين تمج الدخان من فمها ،تنغمض عيناها للحظة،ثم تنفتحان على مصراعيهما، فتكتسبان دعجة محببة للنفس..بين الفينة والأخرى،يظهر النادل حاملا بعض المشروبات ..ما إن يقع بصرها عليه، حتى تطلب منه شيئا ..هذه المرة أمرته بإحضار كأس ماء.. أحسست أنها متوترة ،قلقة ،تريد التمسك بأي قشة ،مهما كانت واهية، و كأن أشباحا تطاردها.. تعمدت النظر إليها بنوع من التمعن و الإصرار..لم تبد أي اعتراض تجاه وقاحتي، بل رشقتني بنظرة متحدية..فكرت أن في دواخلها عنادا و صلابة..شعرت و كأنها تخاطبني قائلة ..أي لعبة تفكر فيها مستعدة لألعبها ،فلن أخسر سوى شرودي..
قبلت التحدي..أخذت مقعدي و دنوت منها..ظلت على حيادها ، وكأن اقتحامي لوحدتها لا يعني لها شيئا..صامتة كانت،لاتقول شيئا..فقط شفتاها افترتا على ابتسامة أكثر رحابة ، وعيناها تراقصتا ببريق ناعم..تأملتها عن كثب، فإذا بها أجمل و أرق..حين أمعنت النظر أكثر،لمحت حزنا ما يستوطن قسماتها..لحظتئذ كان المذياع يبث أغنية حزينة الإيقاع لإحدى المغنيات العربيات..المقهى شبه فارغ..مددت بصري عبر النافذة..بعض السيارات تنثال مارقة..بدت لي مذعورة، و كأنها تهرب من خطر موشك على الوقوع..التفت إليها..سيجارتها لازالت ترتعش بين أصابعها..بلطف تضعها بين شفتيها..تسحب قليلا من الدخان ، ثم تمجه ببطء ، فينتظم ذلك الخيط الواهن من الدخان، ليقوم برحلته الفاقدة للمعنى نحو النافذة.
دون تردد سألتها:
ـ هل تنتظرين أحدا؟
صمتت برهة من الزمن ،ثم أجابت:
ـ لا،لاشيء مهم.
سحبت سيجارة من علبتي..أشعلتها..الفضول يضرب بجذوره في تربة نفسي ..أي نوع من النساء هي ؟ لامبالية تبدو ،وكأنها غجرية شاردة خرجت لتوها من لوحة فنان بوهيمي..
لم أدع الوهم يتملكني ..لا يمكن أن تكون بهذا الشكل الذي انطبع في ذهني ..أ ليست تمثل دورا ربماحفظته عن ظهر قلب ؟
اعتدلت في جلستي، محاولا ترتيب أفكاري ..ارتشفت قطرات من المشروب الذي أمامي..فجأة وكأنني ألقي حجرا في بركة آسنة سألتها:
ـ لم أنت حزينة؟
لاذت بصمتها ،و كأنها لم تسمع شيئا ..كان فضولي أقوى من تمنعها ..فكرت لحظة ثم خاطبتها قائلا:
ـ لا بد للإنسان أن يتحدث، فالكلام بلسم شاف ،تكلمي..
أعدت عليها السؤال:
قولي ،لم أنت حزينةصمتت قليلا،ثم أجابت:
ـ لا لست حزينة إنما أشعر بالقرف.
لم أترك الفرصة للصمت ليفصل بيننا، فأسرعت بسؤالها:
ـ وما سبب ذلك ؟
لم تفكر لحظة ..على الفور أجابت:
ـ أبي يريد تزويجي.
تصنعت الدهشة..وبلهجة منفعلة أردفت مستفسرا:
ـ وما العيب في ذلك؟
بعض الحماس التمع في عينيها ،جعلني أحس بدرجة صدقها..قالت:
ـالعيب أن لي طموحات أهفو إلى تحقيقها.
أردت امتصاص حماسها ،فأجبتهابنوع من البرود:
ـ يمكن أن تحققي طموحاتك وأنت متزوجة.
استولى الإنفعال على حركاتها..سحبت كتلة من الدخان،و بعصبية مجتها، وكأنها تلفظ غضبها،ثم قالت:
ـ لا ،لايمكن أن تفهمني.
بنفس البرود تابعت:
ـ بل أنت تعقدين الأمور..المرأة مصيرها الزواج..إذن فلم تؤخره؟
رشقتني بنظرة حانقة ، ثم أشاحت بوجهها عني،ثم قالت:
ـ أنت تفكر مثل أبي.
واصلت مشاكستها بنفس اللهجة:
ـ وما العيب في ذلك؟
وكأنها استنفدت كل صبرها،ردت علي بغضب:
ـ لا عيب فيه سوى أنه يصيبني بالقرف.
قالت ذلك ،ثم انتفضت واقفة..جلدتني بنظرة شرسة ..حملت حقيبتها ،وتوجهت نحو النادل ،ثم غادرت المقهى.
في أعماق نفسي رددت {حقا إنها غجرية شاردة } قلت ذلك و ابتسامة بلهاء ارتسمت على
شفتي..هممت أن أغادر المقهى ..توجهت نحو النادل لأؤدي له ثمن المشروب،ففاجأني قائلا
لقد دفعت الفتاة عنك.
بخطى متكاسلة تابعت طريقي، أنوس بين الحلم واليقظة ..شبح الفتاة يطاردني، وقد استقر في وجداني إحساس بأنها فعلا غجرية شاردة.

محمد فؤاد منصور
13/07/2007, 11:02 PM
الأخ الأستاذ مصطفى لغتيرى
نص جميل شدنى بسلاسته وإنسيابيته وقدرته على إمتلاك وعى القارئ حتى آخر لحظة ، لحظة التنوير هنا من النوع الحرّيف الذى يحمل فكرة العمل ككل .لذلك قررت ضمه للنصوص المنسية التى يتم الدفع بها من جديد لتصبح تحت نظر القراء والنقاد. لك قدرة هائلة على إمتلاك وعى القارئ ودفعه ليتابع أبطالك وهم يتحركون أمام عينيه .أهنئك على هذا النص الجميل ولك تحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :fl:

عبد العزيز غوردو
14/07/2007, 01:20 AM
أخي المبدع المنير مصطفى: اسمح لي أن أعانق "غجريتك" بالذي خطر على البال:

تتفجر دائرة الحزن، مساءا...

في ومضة الفراق...

جاءت تتمطى...

جسدا ممشوقا...

قطا غجريا... لا أكاد أعرفه...

يشدني... سرا...

بلهفة العناق...

تنتحر كل مفردات اللغة، عند خطاه، ذليله...

"تتعمّد" كل المشاعر، كل الأحاسيس الكليله...

من ماء دجلة المقدس... بالعراق،

تتردى: مطعونة... قتيله

عند حدود الاختراق...

تتوارى خطوط حزني... وصمتي...

تتهاوى الكلمات خلف جدار الاشتياق.

" "

" "
.....

مودتي أيها القلم الذي يشع نورا...