المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رياضة الرماية.....إعداد نواة المقاتل



نعمان عبد الغني
07/07/2009, 12:25 PM
رياضة الرماية.....إعداد نواة المقاتل
بقلم الاستاذ نعمان عبد الغني
namanea@yahoo.fr
لم يكن صاحب الدعوة لتعليم أولادنا الرماية والسباحة وركوب الخيل يعني الرياضة .. ولم يكن حتماً قد سَمِع عن الألعاب الأولمبية في اليونان القديمة .
لكنه كان يقصد بلا ريب إعداد نواة المقاتل الذي يجيد استخدام أسلحة ذلك العصر . هى الأسلحة التي لم نعد نراها إلا في المسلسلات المرئية وبعض أجنحة المتاحف ودكاكين الألعاب في نماذج البلاستيكية الملونة .
مَنْ أطلق الدعوة كان يعي بلا ريب أن الرجل الذي لايُحسن الرماية والسباحة وركوب الخيل سيكون عاجزاً عن الاشتراك في القتال وحيازة الغنائم إضافة للفضائل الأخرى التي يحرزها على الصعيد الديني. لقد أهتم الإسلام بالرياضة والتربية البدنية .. لكي يخلق جيلاً قوي البدن قادراً على مشقة الحرب والجهاد وعلى مقاومة الأمراض فأمر المسلمين أن يعلموا أولادهم الرماية والسباحة وركوب الخيل، وفي ذلك يقول علموا أولا الكم الرماية ومروهم فليثبوا على الخيل وثباً " ويقول الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي ) وإذا كانت هذه أنواع الرياضة المعروفة على عهد الرسول فمعنى ذلك تشجيع جميع أنواع الرياضة المعروفة في عصرنا.
استخدم الإنسان الرماية منذ فجر التاريخ، في البداية للصيد والقتال، وفي الوقت الحاضر للرياضة. تم العثور في إفريقيا على رؤوس سهام حجرية يزيد عمرها على 50000 عام، وكانت الرماية تستخدم تقريباً من قبل كل المجتمعات على الأرض. هناك العديد من الأوقات التي غيرت فيها الرماية مسار التاريخ. لا توجد الكثير من الرياضات الأولمبية التي تستطيع ادعاء هذا التراث العظيم!
كانت الأقواس الأولى على الأغلب أقواساً قصيرة، مستخدمة للصيد في الغابات. استخدمت الأقواس بهذه الطريقة من قبل الهنود الحمر، عبر أوروبا وفي الشرق. كان المصريون أول من طور الأقواس المركبة (أقواس مصنوعة من عدة مواد مختلفة)، ذلك بشد أمعاء الخراف لصنع خيط القوس. ركب الرماة المصريون على ظهور العربات، ولا بد أنه كان من المدهش رؤيتهم أثناء اندفاعهم عبر الصحراء حول جوانب جيوش العدو.
استخدم هانيبال الرماة المحمولين على ظهور الأحصنة منذ سنة 260 قبل الميلاد على الأقل، حين كان يتوسع في نشر إمبراطوريته. طور الصينيون الأقواس المتقاطعة (أقواس محمولة أفقياً تعمل بشكل أقرب إلى المسدس)، وتعلم المحاربون والإمبراطورات الصينيون على السواء الرماية. (يمكنك أن ترى جنود الأقواس المتقاطعة في الجيش الصيني في زي آن). كان يمكن للبارثيين في إيران وأفغانستان رمي السهام من ظهور الأحصنة أثناء الهرب من الجيوش المتقدمة نحوهم. (الرمية البارثية، التي أصبحت رمية الوداع في اللغة الإنجليزية الحديثة).
لكن هناك جيوشاً أخرى تميزت في التاريخ باستخدامها للرماية. من هنغاريا قاد أتيلا الهوني جيشه الضخم في كل الاتجاهات، مؤسساً إمبراطورية واسعة من نهر الراين إلى بحر قزوين. وكان لاستخدامهم الأقواس المركبة دور مهم في العديد من انتصاراته. ربما كان أشهر الرماة في التاريخ المغول. عام 1208 بعد الميلاد قاد جنكيز خان جيشه من سهول منغوليا فاتحاً إمبراطورية كبيرة دامية. كان المغول فرساناً مهرة يمكنهم الوقوف عالياً في ركاب أحصنتهم وهكذا يقومون برمي الأسهم في كل اتجاه. في قمة مجدها انتشرت إمبراطورية المغول من النمسا إلى سوريا وروسيا وفيتنام والصين.
طور اليابانيون الرماية في شكلين، كيودوويابوساما. وكون هذه الأشكال الفنية طريقة حياة إلى جانب كونها أحد أشكال الرماية، فهي ما تزال إلى اليوم تحظى بشعبية كبيرة. من أشهر الكتب حول البوذية الزينية "زين وفن الرماية" الذي كتبه في الثلاثينات "يوجين هيريجل" ويصف فيه تجربته مع الكيودو.
عام 1066 ميلادية غزا النورمانديون بريطانيا وزعموا أن الملك هارولد قد قتل بسهم نورماندي في عينه. لم يستخدم الإنجليز الساكسونيون العديد من الرماة وبدأوا متأخرين باستخدام القوس الطويل لتأثيرها المدمر. وربما أشهر استخدام لها كان في المعارك ضد الفرنسيين في حرب المائة عام
كانت معركة أجينكورت، التي رواها شكسبير في مسرحيته "هنري الخامس"، معركة ملحمية. كان الإنجليز يتراجعون بعد أن نهبوا الريف الفرنسي وبعد إصابة الجنود (ومعظمهم من الرماة) بالدزنطاريا (ولذلك قاتل الكثير منهم بعد ذلك بدون سراويلهم) . حاصر الفرنسيون جيش هنري قبل أن يتمكنوا من الفرار إلى دييب، وعندما فشلت محاولاته للمفاوضة اضطر للقتال، على الرغم من التفوق العددي الضخم للفرنسيين. كان الجو مريعا حيث هبت الرياح في الليلة السابقة وكان التراب المحروث حديثاً مثقلاً بالماء. وفي الصباح تواجه الجيشان، وبعد أن نقل هنري رماة القوس الطويل إلى المدى أمطروا الجيش الفرنسي، الذي كان بعضه يهاجم وهو غارق في الوحل إلى وسطه، بوابل من السهام. ورغم أن سهام الأقواس الطويلة لم تكن كبيرة التأثير في الدروع المصفحة للفرسان، إلا أنها كانت مؤثرة لأقصى حد في خيولهم. وبسقوطهم عن ظهور خيولهم وكونهم مثقلين بدروعهم، فقد غرق العديد من الفرنسيين في الوحل.
وسقط جنود المشاة الفرنسيون تحت سيل السهام ولكنهم ناضلوا وضربوا الخط الإنجليزي، الذي بالكاد تماسك أمام ضربتهم. وسط الوحل والارتباك اندفع الإنجليز للاستفادة من الموقف. في نهاية المعركة كان الفرنسيون قد خسروا آلاف الرجال بينما خسر الإنجليز بضع مئات فقط (يقول شكسبير بوطنية إن الفرنسيين خسروا عشرة آلاف رجل مقابل تسعة وعشرين إنجليزيا، ولكن هذه مبالغة على الأغلب). يجب الإشارة إلى شيء آخر، لم يكن رماة القوس الطويل إنجليزيين بل كانوا من مقاطعة ويلز.
ويقال إن إشارة النصر على شكل V التي يشار إليها هذه الأيام بإصبعين هي من عمل رماة ويلز بعد تلك المعركةنظراًُ لنجاح القوس الطويل بقي الإنجليز يستخدمونه حتى منتصف القرن السابع عشر، عندما تحولت الجيوش الأخرى إلى الأسلحة النارية. ولكن حتمياً تلاشى استخدام القوس سلاحاً حربياً كون المسدس والبندقية أكثر دقة وفاعلية. وبدلاً من أن يختفي تماماً أصبحت الرماية رياضة شعبية. ظهرت أولاًُ في الألعاب الأولمبية عام 1900 في باريس، ولكنها أهملت لعدة سنوات، حيث لم تكن هناك مجموعة محددة من القواعد الدولية للعبة. أخيراً عادت عام 1972 في ميونيخ، وهي الآن تقدم في الألعاب الصيفية (فردي الرجال، فردي النساء، فرق الرجال وفرق النساء) وفي الألعاب الشتوية (البياثلون).
هناك ثلاثة أساليب مختلفة للرماية، ولكل منها معداته الخاصة. الأسلوب التقليدي يطلق عليه القوس الطويل ويتألف من قوس خشبي بسيط بشكل حرف D. وكما يبدو من الاسم فإن القوس أطول من الأقواس المستخدمة في الأشكال الأخرى. قوسي بطولي تقريباً أي 5 أقدام وأربعة إنشات (163 سم)، ولكن أقواس الرجال غالباً ما تكون أطول من ذلك. للسهام رؤوس خشبية وطرف من الريش للتوجيه. كل التأكيد في هذا الأسلوب من الرماية منصب على المحافظة على تقاليد الماضي. معظم التسديد يكون باتجاهين، أي أن صفاً من الأهداف توضع في كل من طرفي مجال الرمي، ويقوم جميع الرماة بالتسديد في اتجاه واحد، ثم يجمعون سهامهم من الأهداف وفي المرة التالية يقومون بالتسديد في الاتجاه المعاكس باتجاه مجموعة السهام الأخرى. المادة المستخدمة في صنع خيوط الأقواس هي إما خيوط القنب أو الكتان، وهي غير مرنة نسبياً مما يؤدي إلى تحويل نسبة أكبر من طاقة القوس إلى سرعة السهم.