المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السلطة البحرية العراقية



كاظم فنجان الحمامي
08/07/2009, 06:58 PM
السلطة البحرية العراقية

خطوة وطنية وسيادية وتشريعية لا تحتمل التأجيل
دراسة نشرتها جريدة الزمان في عددها 3341 في 8/7/2009
كاظم فنجان الحمامي
تعد السلطة البحرية مطلباً أساسيا, وهدفاً منشوداً تسعى لتحقيقه جميع البلدان المينائية, في طريقها نحو الارتقاء بمستوى نشاطاتها البحرية, وإرساء السياقات الصحيحة, ومواكبة التطورات المتفجرة في مضمار التنافس البحري المفتوح. وسأتناول هنا مقترح مشروع السلطة البحرية العراقية, والخطوات, والاستعدادات, التي ينبغي تبنيها. تمهيدا لتفعيل هذا المشروع وإخراجه إلى حيز التنفيذ. فقد كنت أطالب منذ عام 2004 بتفعيل هذه الخطوة الوطنية, التي لا تحتمل التأجيل.وقمت بكتابة سلسة من المقالات والدراسات, التي أخذت طريقها إلى النشر في الصحف المحلية, ومازالت منشورة على الشبكة الدولية. ووفقني الله بصياغة مسودة قانون السلطة البحرية المقترحة.
وقد بادرت الشركة العامة لموانئ العراق منذ أعوام إلى إحياء هذه الفكرة, ومازالت تناضل لتحقيق هذا الهدف الوطني المنشود, وأرى إن إنشاء السلطة البحرية العراقية ما هو إلا طموح مشروع, وفسيلة طيبة ينبغي أن تغرس بعناية في التربة الصالحة, وينبغي أن نهيئ لها الظروف الملائمة لنموها في بيئتها الطبيعية على ضفاف شط العرب . فالسلطة البحرية العراقية. هي الخطوة الصحيحة, التي ينبغي تبنيها, وتحقيقها الآن. ويتعين على الدولة العراقية تفعيل هذه الخطوة, وتسخير طاقاتها وإمكانياتها المتاحة, وتوظيفها في خدمة أهدافنا الوطنية, وبدعم ومشاركة مؤسساتنا البحرية الثمانية. وهي:
الشركة العامة لموانئ العراق. (وزارة النقل)
الشركة العامة للنقل المائي. (وزارة النقل )
الشركة العامة لناقلات النفط العراقية. (وزارة النفط)
قيادة القوة البحرية. (وزارة الدفاع)
أكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية. (وزارة الدفاع)
مركز علوم البحار. (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي)
آمرية خفر السواحل والمياه الداخلية. (وزارة الداخلية).
مديرية البيئة في البصرة – شعبة البيئة البحرية. (وزارة البيئة)




خطوات تستدعي التطبيق
مما لا شك فيه أن طريق الألف خطوة يبدأ بخطوة، وهذه الخطوة ينبغي أن تكون مدروسة بعناية, وتستدعي التسلح بالعلم والمعرفة، إضافة إلى عوامل أخرى تقف في مقدمتها المبادرة باتخاذ القرار الجريء، والمساندة القوية التي يفترض أن تقدمها الوزارات والمؤسسات العراقية ذات العلاقة. وأكاد اجزم بأن هذه الخطوة, التي تعد في غاية الأهمية, تتجسد في تبني فكرة استحداث كيان بحري جديد. وهو (الســـلطة البــحرية العراقية), وإصدار القانون التأسيسي لها. لكي تباشر بعملها, الذي ينصب على تنفيذ جميع السياقات والتشريعات والإجراءات والأفكار, التي لابد من قيام العراق بتبنيها وتطبيقها, والتي ينبغي على المؤسسات البحرية الالتزام بها. سواء أكانت هذه المؤسسات تابعة لوزارة النقل, أو لأية وزارة أخرى لها علاقة بالشأن البحري والملاحي. ومن اجل تهيئة البيئة المناسبة لتنفيذ مشروع السلطة البحرية العراقية. ومن اجل توفير مستلزمات الاستعداد الكامل, الذي يسمح بالتأهيل لهذا المستوى المطلوب. ولكي نكون أكثر دقة في توضيح سمات وملامح تلك الخطوة. ندرج في أدناه الخطوط العامة, التي يفترض بنا المطالبة بها, من اجل توفير القاعدة الصلبة اللازمة لإقرار فكرة المشروع الرامية إلى تأسيس كيان السلطة البحرية العراقية وفق الأسس العلمية الصحيحة.
المصادقة على الاتفاقيات البحرية
إن أول اتفاقية صادق عليها العراق. هي اتفاقية الأصول الدولية للموانئ البحرية, الموقعة في جنيف في 9 / 12 / 1923. وقد صادق عليها العراق بالقانون, رقم 44 لسنة 1928. ولم يصادق العراق بعد هذا التاريخ على أي معاهدة, أو اتفاقية بحرية. و استمرت فترة السبات قرابة 37 عاما. حتى عام 1965 عندما أصدر العراق القانون رقم 177, والذي صادق بموجبه على الاتفاقية الخاصة بالفحص الطبي للأحداث المتواجدين على السفن لسنة 1921، وهنا ينبغي الانتباه إلى ملاحظة في غاية الأهمية. لأنها تعكس مدى الإهمال في تطبيق الاتفاقيات البحرية الدولية. فقد تمت المصادقة على تلك الاتفاقية بعد مضي 44 عاما على صدورها, وباشر العراق بعد عام 1965 بالمصادقة على بضعة اتفاقيات بحرية. وانحصرت تلك المصادقات بيـن عامـي (1965) و ( 1990) . ثم اقفل باب التعامل مع المنظمة البحرية العالمية. لأسباب كثيرة تعزى إلى الحصار, الذي فرض على العراق آنذاك, والى عوامل أخرى يقف في مقدمتها الجهل المطبق. واستمر الحال على ما هو عليه, باستثناء بعض المحاولات, والمساعي غير المكتملة. ولكي نكون أكثر صدقاً في سرد التفاصيل, التي نتناولها, والتي أشرنا فيها إلى الإهمال والتخلف, الذي كانت تعاني منه مؤسساتنا البحرية على وجه العموم. نذكر إن الاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار, والتي تم إقرارها في لندن في 1/11/1974. وبرغم أهميتها, وبرغم كونها الأساس لمجموعة كبيرة من الاتفاقيات, التي صدرت فيما بعد. لم يصادق عليها العراق إلا في عام 1990 بالقانون رقم 44 , أي بعد مرور 16 عاما على صدورها.

الانضمام إلى الهيئات البحرية الدولية
لم يرتبط العراق بالمنظمات, والاتحادات البحرية العالمية التالية. باستثناء المنظمة البحرية (الآيمو). وإن كانت صفة الغياب الدائم, هي الصفة الغالبة على تعاملاتنا معها. ومما لاشك فيه إن لكل منظمة, أو هيئة, أو اتحاد دولي بحري أهداف محددة, ونشاطات واسعة يطول شرحها. أما فوائدها فلا تحصى. وهكذا فقدنا فرص كثيرة لا يمكن تعويضها بسبب تخلفنا عن الانضمام إلى تلك المنظمات والاتحادات والهيئات البحرية العالمية. وفيما يلي ابرز واهم المنظمات والاتحادات البحرية الدولية:-
المنظمة البحرية الدولية imo
المنظمة الدولية لربابنة السفن والضباط والمرشدين iomm
الاتحاد الدولي للموانئ البحرية iaph
هيئة السفن العالمية wss
المنظمة الدولية للمسح الهيدروغرافي iho
المنظمة البحرية للفنارات والعوامات iala
المنظمة الاقتصادية لغربي آسيا escwa
الاتحاد الدولي للمرشدين البحرين impa
الاتحاد الدولي للصحة البحرية impa
الاتحاد الدولي للراديو البحري cirm
الاتحاد الدولي للتدريب والسلامة البحرية iasst
الاتحاد الدولي للاقتصاد البحري iame
الاتحاد الدولي لربابنة أعالي البحار ifsma
الاتحاد الدولي لدراسة المهمات البحرية الصعبة iasmm
الجامعة البحرية العالمية wmu
المفوضية البحرية للخدمات الراديوية ricm
الاتحاد الدولي لمجهزي السفن issa
المنظمة الدولية لربابنة السفن والضباط والمرشدين iommp
معهد القضاء البحري العالي imli
الاتحاد الدولي للمتعهدين البحريين imca
الاتحاد الدولي للناقلين على الحاويات iicl
الاتحاد الدولي لربابنة المرفأ ihma
المجلس الدولي للاكتشافات البحرية ices
الاتحاد الدولي للمعاهد البحرية iain
هيئة المحركات البحرية mma

عقد اتفاقيات التعاون والتنسيق البحري
في الوقت الذي تسعى فيه السلطات البحرية العالمية, والإقليمية, والعربية إلى كسب قصب السبق, من خلال إبرام الاتفاقيات الثنائية للتعاون والتنسيق البحري مع دول بحرية أخرى, ولتحقيق المكاسب والمزايا والتسهيلات, في كافة مجالات صناعة النقل البحري والخدمات المينائية والتجارة البحرية. نجد إن العراق يكاد يكون البلد العربي الوحيد, الذي لم ينجح في إبرام أي اتفاقية ثنائية للتعاون في المجال البحري مع الموانئ العربية المجاورة. وإذا كانت مثل هذهِ الاتفاقيات موجودة فإنها لم تخرج عن نطاق التوقيع على الأوراق الدبلوماسية, ثم تحفظ في أدراج المكاتب, ولن تخرج إلى ميادين التطبيق الفعلي. أما على الصعيد العملي فلا شيء يذكر على الإطلاق. وهذا هو واقع الحال. وهو إن دل على شيء, فإنما يدل على عدم وجود علاقات بحرية مع الموانئ العربية . وكذلك الحال مع الموانئ الأجنبية, وبرغم هذا القصور الواضح, فقد سجلت الشركة العامة لموانئ العراق جملة من الخطوات الايجابية في هذا الاتجاه, تجسدت في مطالباتها المستمرة, التي لم تلق الأذن الصاغية من قبل الجهات العليا.

المشاركة في المؤتمرات والندوات البحرية العالمية
ومثل هذهِ المؤتمرات والندوات تقام سنوياً, بإدارة, وإشراف, وتمويل الهيئات والاتحادات والمنظمات البحرية العالمية . فإذا كنا لم ننضم إلى الهيئات البحرية الدولية. وليس لدينا أدنى فكرة عن مواعيد وأماكن انعقادها. ولا نمتلك المؤهل العلمي واللغوي الذي يؤهلنا للمشاركة . فكيف سنشارك ؟. بل كيف ستتاح لنا فرصة متابعة ما يتمخض عن تلك المؤتمرات والندوات ؟؟. وهكذا كان الغياب الدائم هو حصتنا منذ ثمانينات القرن الماضي. أما إذا تلقينا دعوة لحضور مؤتمر ما. ولاحت لنا فرصة للمشاركة. فإننا تعودنا على ترشيح الذين لا علاقة لهم بالشأن البحري, وهنالك حالات قليلة شارك فيها بعض الذين يحملون مؤهل بحري عال, وكانت محصلتها إن قام هؤلاء بتحقيق بعض المنافع الشخصية والفردية الضيقة لأنفسهم على حساب المصلحة العامة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه الممارسات السلبية تعود إلى نشاطات المؤسسات البحرية العراقية, التي مورست هنا منذ بداية القرن الماضي. ولا علاقة لها بما يجري الآن. فهي ليست وليدة الساعة, وإنما تعكس حجم التراكمات المتنامية في رحم الماضي البعيد.

تطوير المؤسسات البحرية العراقية
وهذا هو مربط الفرس, والهدف المنشود, والحلم الأزلي. فقد كان للسياسات الارتجالية, والمعالجات الخاطئة, والظروف القاهرة, التي واجهتها مؤسساتنا البحرية. الأثر الكبير في تردي مستواها, وتخلفها عن مثيلاتها في سائر البلدان العربية والعالمية . فالشركة العامة لموانئ العراق, وهي المؤسسة البحرية الأقدم والأكبر, ما زالت تتطلع إلى المزيد من الرعاية, والدعم, والإسناد, لكي ترتقي بأدائها إلى المستوى, الذي يؤهلها إلى استقبال سفن الجيل السابع, والسفن الحديثة. أما الشركة العامة للنقل المائي فلا تمتلك أية سفينة حديثة, وليس لديها الآن سوى بعض السفن القديمة والبالية. أما كوادرها المؤهلة فإنها مازالت تجلس على مقاعد الانتظار منذ زمن بعيد. وما زالت الشركة العامة لناقلات النفط العراقية, التابعة لوزارة النفط بحاجة إلى الناقلات الحديثة. بل إنها بحاجة إلى ناقلات تعمل عليها. لأنها لا تمتلك سوى ناقلتين حديثتين. هما دجلة والفرات. وخسرت الكثير من كوادرها المتقدمة, من ناحية أخرى نجد إننا فقدنا أسطول, وطواقم كل من: الشركة العامة لناقلات المنتجات النفطية التابعة لوزارة النفط, والشركة العامة لصيد الأسماك التابعة لوزارة الزراعة, حيث انقرضت هذه الشركات ولم يعد لها وجود في الوقت الحاضر . أما على صعيد التعليم والتأهيل البحري. فقد واجهت أكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية مصاعب جمة, يطول شرحها. لكنها مازالت تحاول التقاط أنفاسها, على الرغم من تأرجح موقفها بين التبعية إلى وزارة النقل, أو العودة إلى تشكيلات وزارة الدفاع. وهذا هو المستوى الحقيقي لمؤسساتنا البحرية. لذا ينبغي حث الخطى باتجاه بناء كيان السلطة البحرية العراقية. لكي تنهض بمسئولياتها, وتقوم بواجباتها الأساسية الرامية إلى تطوير الأسطول البحري العراقي, وتأهيل الكوادر البحرية التخصصية. وليكن هدفنا الآن منصبا على إنشاء السلطة البحرية, وبناء كيانها, الذي سيساعدنا كثيرا في إنعاش وإحياء ما تبقى لدينا من مؤسسات. وان نسعى لمواكبة الركب البحري العالمي بخطوات ثابتة ومدروسة.

بحارة القطاع الخاص ومشكلة الجواز البحري
هويـة البحـار: هي مستنـد أو وثيقــة رسميـة تمنحهـا الدولـة لمن يعمل في السفن لغـرض تسهيل اشتغاله في عرض البحر, وتبسيط إجراءات سفره بحرا من دولة إلى أخرى. تحتـوي هـذه الوثيقـة على أهم البيانـات الأساسيـة, كالمـؤهل العـلمي, أو الشهـادة البحريـة, وفتـرة الخدمـة الفعليـة, وأســم السفينـة المتعاقـد للعمل عليهـا, والمهنـة, والمـرتبة الوظيفية, وملخـص لتـدرج البحـار في السلك البحـري. وتتضمـن هذه الوثيقـة الالتمـاس إلى سلطـات الموانئ الأجنبية بإبداء المساعدات لتسهيل مرور حامل الهوية (الجواز), وشمولـه بالرعايـة والحمايـة عنـــد دخولـه أو مـروره لأغـراض الالتحاق أو الانفكاك من والى السفينـــة, وهـذا ما أقرته اتفاقية منظمـة العمـل الدوليـة للعام 1958 , التي صــادق عليهـا العــراق رسميـاً بالقانـون رقم ( 86 ) لسنة 1986 ، أي بعـد مـرور 26 عامـــاً علـى صدورهـا. وبنـاءاً على ذلك صدر القانـون رقـم 90 لسنــة 1986، الذي منـح لوزارة الداخليـة, ولمديـر الجوازات في العراق صلاحية إصدار هويـة البحـار وتجديدهـا وتمديدهـا. بيد ان هذا القانون حصر صرف الهويات البحرية (الجوازات البحرية) الى العاملين في المؤسسات الحكومية فقط. وهذا يعني عدم جواز منحها للعاملين في القطاع البحري الخاص. فهم غير مشمولين بهذا القانون بتاتا, ولا يسمح لهم بالعمل على السفن البحرية خارج العراق. وهكذا حرم العاملون في القطاع البحري الخاص من مزاولة أي نشاط بحري, فخسر العراق عمقه السوقي في حوض الخليج العربي, وساهم في تفشي البطالة وخسارة موارد مالية كبيرة بالعملة الأجنبية, ولمعالجة هذا الإجحاف والظلم, الذي حرم شريحة القطاع الخاص, ينبغي تحديث تشريعاتنا البحرية, وتعديل أحكامها بالاتجاه الذي يضمن حقوق العاملين في القطاع الخاص, بل يفترض أن نعطيهم الأفضلية للعمل في بحار الله الواسعة, ونكرس اهتماماتنا في توفير فرص عمل مناسبة للعاملين في القطاع البحري الخاص.

تعددت المسميات والوثيقة واحدة
التسمية العالمية القديمة لهذه الوثيقة هي. (سيمنز بوك). أما التسمية العربية فقد اختلفت من دولة إلى أخرى. ففي تونس يطلق على هذه الوثيقـة تسمية (دفتر بحار). وفي الأردن (سجل بحار). وفي مصر (الجواز البحري). وفي قطر والإمارات (جواز السفر البحري). أما في العراق فيطلق عليها تسمية (هوية البحار). وعلى الرغم من تبـاين التسميات واختلافهـا، فقد توحدت جميـع الأقطار العربيـــة (باستثناء العراق) في اعتماد مديرية التسجيل والتفتيش البحري كجهة رسمية لإصدار هذه الوثيقة. ومن الملاحظ هنا, أن العراق هو البلـد العربي الـوحيد الذي يطلـق على هـذه الوثيقة تسمية ( هوية بحار ), وهو البلد العربي الوحيد الذي ظل يعمل على تطبيق أحكام القانون القديم, الذي أقرته منظمة العمل الدولية عام 1958. بينما هرعت جميع الدول العربية إلى تطبيق أحكام قانون منظمة العمل الدولية الجديدة رقم 185 لسنة 2003, والذي تغير بموجبه اصطلاح (هوية البحار), وصارت تعرف باسم (sid).

القيود القديمة. . لماذا؟
كانت الحكومات العراقيـة السابقـة تعاني من عقدة السمـــاح للمـواطنين بالسفـر خارج العراق. وتسعى على الـدوام إلى إصدار القوانيـن الصارمة, التي تشتمـل على مجموعـة من القيـود والإجراءات الاحترازية المفروضة على سفـر المواطنين خارج العراق, وتمعن في صياغـة التعليمات المشددة للحد من تدفـق المواطنين نحو الخارج. فتارة تفـرض مبالغ ماليــة كبيرة على كل مواطن يرغب بالسفر، وتارة تمنع الاختصاصيين وحملـة الشهادات العليـا من السفر بذرائع وحجج غريبة, ودأبت على فرض قيود مشددة جداً على سفر العسكريين, سواء كانوا في الخدمة أو خارجها. أما الذين يسمح لهم بالسفر فيخضعون إلى استجوابات, وتحقيقات أدارية, واستفسارات في غاية التعقيد قبل البت بأمر سفرهم إلى الخارج. وتحت وطأة هذه الظروف والإجراءات المشددة, ولدت فكرة إناطة صلاحية إصدار هوية البحار بمديرية الجوازات التابعة لوزارة الداخلية, ومازالت تمنح الجواز البحري للعاملين في القطاع الحكومي فقط. اما الراغبون في العمل البحري, من القطاع الخاص, فلا يحق لهم الحصول على الجواز البحري. وبالتالي حرموا جميعا من حق السفر والعمل بحرا.

السفر بحرا بطرق غير مشروعة
في ظل تلك الظروف التعسفية. كانت الطواقم البحرية العراقية, التي سنحت لها الفرصة للعمل على السفن المحلية العاملة خارج العراق محرومة من الحصول على هذه الهوية (الجواز). الأمر الذي اضطرهم إلى التحايل على القوانين العراقية. فوجدوا ضالتهم في سفارات, وقنصليات بعض الأقطار المعروفة بدول العلم الرخيص, والتي كانت مستعدة لمنح الهويات والجوازات البحرية بالجملة للبحارة بصرف النظر عن جنسياتهم مقابل حفنة من الدولارات. وهكذا حصل العراقيون على هويات وجوازات من جورجيا, ومنروفيا, وليبيريا, واريتريا, وجزر المالديف, والصومال, وغيرها. وكانت هذه الوسائل غير الشرعية, بالنسبة لبحارتنا, بمثابة الجسر الذي عبروا من خلاله إلى ضفاف وأرصفة الموانئ العالمية. وتزايدت أعدادهم خلال سنوات الحصار, لكنهم أثبتوا جدارة وكفاءة منقطعة النظير في الميدان البحري الواسع.
التشريعات البحرية المحلية
على الرغم من عدم وجود قانون بحري عراقي شامل ونافذ, وعدم وجود سلطة بحرية عراقية معتمدة، نجحت إدارة الموانئ العراقية منذ تأسيسها في العام 1919 في تنفيذ بعض الواجبات المنوطة بالسلطة البحرية, وتقوم شعبة التفتيش البحري حاليا بمزاولة أهم النشاطات, والأعمال المتعلقة بإصدار الشهادات والتراخيص الملاحية للسفن المحلية المسجلة في العراق, وإصدار شهادات مزاولة المهنة للعاملين على متن السفن العراقية, بموجب قانون تسجيل السفن رقم 19 لسنة 1942 , وبموجب قانون الموانئ رقم (21) لسنة 1995 , وتعليمات الموانئ رقم (1) لسنة 1998 . وسمح البند الرابع عشر من المادة (5) من قانون الموانئ رقم (21) لسنة 1995 لمدير عام الموانئ صلاحية إصدار التعليمات المتعلقة بشروط مزاولة المهنة لطواقم المراكب والصيادين والغواصين, وغيرهم من الراغبين في العمل بالبحر. ولما كانت متطلبات العمل البحري الصحيح تفرض علينا, وتلزمنا بضرورة تبني الخطوات الصائبة, المتمثلة بتطبيق أحكام الاتفاقيات والقوانين البحرية والملاحية العالمية، فان الواجب يحتم علينا التخلص من العقد الإدارية الموروثة, والخروج من دهاليز التقوقع والانزواء نحو الآفاق الدولية الواسعة, أسوة بالموانئ الخليجية والعربية. وأصبح لزاماً علينا أن نبادر إلى مواكبة التطورات البحرية العربية والعالمية. وأن نتحرر من الإجراءات الروتينية البالية, التي أسهمت في تخلفنا البحري, وأدت إلى هبوط مستوى نشاطاتنا الملاحية . وأن نتبع السياقات الصحيحة في التعامل مع التخصصات البحرية, ونشجعهم على العمل في السفن المبحرة في المسطحات البحرية البعيدة, ونستعيد مجدنا الملاحي القديم, ونقفز إلى موقع الصدارة بكل جدارة واحتراف. ولتكن الخطوة الأولى. هي إصدار قانون جديد يتيح لجميع الملاحين العراقيين العاملين في القطاعين الخاص والعام بالعمل خارج المياه الإقليمية العراقية, وفق الشروط والمعايير الدولية الصحيحة. ونتخلص من عقدة الخوف, و نسمح لأبنائنا في العمل خارج العراق على متن سفننا ومراكبنا. ولماذا هذا الخوف ؟ . ولماذا نحرم أبنائنا من فرص العمل المتاحة لهم في البحار والمحيطات ؟. وما الذي يجبرنا على الاستعانة بالعمالة البحرية الأجنبية في تشغيل وإدارة سفننا التابعة للقطاع الخاص ؟. لقد لاحظنا من خلال هذه الدراسة بأن جميع الأقطار العالمية أناطت هذه المهمة بسلطاتها البحرية باستثناء العراق. فلنبادر معاً إلى نبذ عقد الماضي, وننفض غبار التخلف, ونغادر حالة التكهف, وننطلق نحو محطات الضوء في بحار الله الواسعة.

أفكار ومقترحات
من خلال ما ورد في الدراسة نجد أنفسنا بحاجة إلى بذل الجهود, وحث الخطى باتجاه الارتقاء بمستوى قطاعنا البحري العام والخاص إلى مصاف الأقطار الخليجية, وفيما يلي بعض الأفكار والمقترحات, التي ربما تساعدنا في تحقيق هذه الأمنية, التي صارت بعيدة المنال:
• الإسراع بتأسيس السلطة البحرية العراقية, التي تعتبر الحجر الأساس لتطوير مؤسساتنا البحرية وسفنها وطواقمها, والسعي إلى التخطيط العلمي الصحيح.
• الانتساب إلى الهيئات والاتحادات والمنظمات والمجالس البحرية العالمية، والمشاركة الفاعلة والجدية في المحافل البحرية الدولية.
• المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات البحرية.
• العمل على إقامة علاقات ودية مبنية على التعاون والتنسيق المشترك مع الأقطار البحرية الشقيقة والصديقة لتحقيق المزيد من المكاسب والتسهيلات.
• تعزيز قدرات سفننا البحرية الحربية لحماية سواحلنا ومسطحاتنا المائية, ومنع المتسللين والمهربين .
• شمول معاهد التدريب البحري في العراق بالرعاية التامة. وفي مقدمتها أكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية .
• المشاركة في المؤتمرات والندوات البحرية العالمية, وترشيح العناصر المؤهلة علميا وبحريا للاستفادة القصوى منها.
إن هذهِ الأفكار مجرد خطوط عامة توضح الخطوات الأساسية, التي ينبغي تنفيذها على ارض الواقع. وبعدها سيكون بمقدورنا الانطلاق نحو تفعيل السلطة البحرية العراقية . وتعتبر هذه الخطوات مقدمات لا يمكن التغافل عنها أو إهمالها. أما في المرحلة الراهنة فنجد إن شعبة التفتيش البحري ومن خلال ما مر ذكره هي الجهة المنفذة لمعظم إجراءات وواجبات السلطة البحرية. ولما كانت هذهِ الشعبة تمثل النواة المثالية للسلطة البحرية العراقية, وتمثل أيضا اللبنة الأساسية لبناء كيان السلطة البحرية، عليه ينبغي ضم هذه الشعبة إلى السلطة البحرية, وتوسيع صلاحياتها على غرار صلاحيات مديريات التفتيش البحري في الأقطار الخليجية.
وإذا ما عدنا إلى موضوع إجراءات منح هوية البحار. نجد إن جميع مديريات التفتيش البحري في الوطن العربي هي الجهات المسئولة عن هذا الموضوع. لأنها تمثل نواة السلطة البحرية. ولا علاقة لوزارة الداخلية في تلك الأقطار بهذا الشأن. وبناءً عليه يفترض بنا إصدار قانون جديد يسمح للسلطة البحرية العراقية إصدار هوية البحار أسوة بالأقطار البحرية. وان لا تناط هذه المسؤولية بمديرية الجوازات، وهذا هو التغيير الصحيح. وهكذا بالنسبة لبقية الواجبات المعطلة, وفي مقدمتها موضوع التواصل والانضمام لعضوية الهيئات البحرية, وتنفيذ بنود الاتفاقيات الدولية. كما ينبغي إن نبحث في موضوع إحياء الشركات البحرية العراقية الملغاة, ونعيدها إلى الوجود, بعد أن فقدت سفنها وأسطولها. ونذكر منها الشركة العامة لناقلات المنتجات النفطية (وزارة النفط), والشركة العامة لصيد الأسماك. (وزارة الزراعة).
خلاصة القول إن فكرة السلطة البحرية العراقية تعد مطلبا سياديا وتشريعيا لابد منه, وخطوة صحيحة لا تقبل التراجع. وهي بحاجة إلى من يساندها. ويعزز من قدرات مؤسساتنا البحرية. وينبغي دراسة العقبات الإجرائية, التي تعيق انطلاق النشاط البحرية, ونحررها من القيود الروتينية البالية. وقد وفقنا الله في تحقيق بعض الانجازات المثمرة, على الرغم من الظروف الصعبة, والتعقيدات القاهرة, ونجحت تشكيلاتنا البحرية في استعادة مكانتها الدولية. فإذا كنا نطالب بتسريع الخطوات, والمباشرة بتأسيس كيان السلطة البحرية العراقية. فأن ذلك يعد دليلا على إننا نسير في الاتجاه الصحيح, ونتطلع إلى النهوض والازدهار والتطوير والتجديد. ومن الله العون والتوفيق. .