المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كفَّرْنا بعضنا بعضا فعُدنا غساسنة ومناذرة!



جواد البشيتي
17/01/2007, 02:35 PM
كفَّرْنا بعضنا بعضا فعُدنا غساسنة ومناذرة!

جواد البشيتي

"التكفير"، في حدِّ ذاته، ليس بالجريمة التي يرتكبها المُكَفِّر في حق المُكَفَّر، فأنتَ لو كنتَ في مجتمع تسرى في أفراده وجماعاته قيم ومبادئ الحياة الديمقراطية سريان الدم في العروق، أي في مجتمع غير مجتمعنا، وأظْهَرتَ من اختلاف الفكر والرأي والمعتقَد (والسلوك) ما يَحْمِل غيرك على تكفيرك، أي على اتِّهامكَ بالمروق من الدين، الذي لا يرى دينا حقيقيا سواه، أو بالإلحاد، لنزلَ عليكَ هذا الاتهام بردا وسلاما، فكُفركَ، إذا ما كان أكيدا، وإذا ما كنتَ غير مُنْكِر له، وتكفيره لكَ، لا ينتهيان إلا إلى ما ينتهي إليه كل اختلاف وخلاف (ديمقراطيين) في الرأي، فلا أنتَ ولا هو تغدوان في هيئة العدو الذي تُسْتباح (أي تصبح مباحة) الوحشية والجريمة في محاربته.

عندنا فحسب يغدو، ويجب أن يغدو، "التكفير" جريمة، يُعاقَب مرتكبها أشدَّ عقاب، ولو ارتكبها في حق شخص لا يُنْكِر كفره؛ ذلك لأنَّ "التكفير"، الذي طالما لوَّن تاريخنا السياسي والفكري، يؤسِّس شريعةً للقتل، والاقتتال، ولإهدار الدم، ونشر الظلم، فلا أسوأ من إنسان يعتقِد أنَّه بتكفيره لمخالِفه في الدين والعقيدة والفكر، وبعقابه له، أو بالدعوة إلى عقابه، أشدَّ عقاب، يُرضي الله، فيرضى عنه، ويُكفِّر عنه سيئاته!

هذا النمط من "التكفير"، الذي فيه يتحوَّل، أو يُحوَّل، "المُكَفَّر" إلى عدو من النمط الذي تُسْتباح فيه كل الوسائل لمحاربته، حان له أن يُنْزَع من عقل المؤمِن وقلبه، وأن يُعامَل في كل ثقافة دينية (شعبية) على أنَّه كُفْرٌ، ومروق من الدين، وخروج عن الإيمان الديني القويم الذي لا يُحِلُّ أبدا جعل الاختلاف والخلاف في الدين والعقيدة والفكر سببا للعداء.. وللعداء المفضي إلى القتل والاقتتال، وإلى التخلي عن كل صراع مفيد ونافع بالمعيار القومي والديمقراطي والاجتماعي والإنساني والحضاري، فالمجتمع الذي يَقَع، أو يُوْقِع نفسه، في هوة الصراع الديني، الذي تتلفع به، على وجه العموم، مصالح فئوية ضيقة، إنَّما هو المجتمع الذي نجح في أن يكون العدو الأول لنفسه، لمصالحه العامة والحقيقية، ولحقوقه الديمقراطية والقومية والحضارية.

وليس من عصبية مُعْمية للأبصار والبصائر، ومُنْتِجة للوحشية في الصراع، أكثر من العصبية الدينية، التي من عواقب تسعيرها، أيضا، أن يغدو العدو (الحقيقي والأعظم) وليَّا حميما، والشقيق (والصديق) شيطانا رجيما.

لم أقُلْ هذا الذي قُلت إلا بعد سماعي أحدهم يسألني السؤال الآتي: ضحايا الجامعة المستنصرية في بغداد هل هُم من الشيعة أم من السنة؟ ولقد أجَبْتُ السائل قائلا: "إنَّهم جميعا من العرب"؛ ولكنَّ وقع جوابي في نفسه جعلني أشعر أنَّ سؤاله لم يُجَبْ عنه بعد!
غَيَّرتُ إجابتي قائلا: "إنَّهم جميعا من المسلمين"، فكانت النتيجة أن شرع يأتي بالأدلة (الدينية والفقهية) على أنَّ الشيعة ليسوا بمسلمين. لقد أظهر ميلا إلى أن يراهم غير مسلمين ولو نُظِر إليهم بالعين السنية "الرسمية" على أنهم مسلمون. أظهر هذا الميل مع أنَّ تديُّنه تنقصه "الصلاة" وما يشبهها من أركان الإيمان. إنَّها العصبية الدينية المُلْغية للعقل، والتي حملته، أيضا، على التسبيح بحمد معاوية، وكأننا عُدنا حتى سياسيا إلى زمانه!

وكيف لي أن أقنعه بأننا في زمن غير زمن معاوية، وفي عالم غير العالم الذي عاش فيه معاوية، وهو يراهم يقطعون رأس صدام حسين وكأنهم يقطعون رأس يزيد بن معاوية، ويتعجَّلون، في وحشية، مَقْدَم المهدي الذي ينتظرون كمن ينتظر سقوط السماء على الأرض.
كيف لي أن أقنعه وهو يراهم يتركون حُكم العراق لبوش ليتلهوا بجدل "من ذا الذي كان أحق بالخلافة"!

إنَّها المأساة وقد تحولت إلى مهزلة أن ينسى الشيعي العربي في العراق أنه عربي، فينحاز (بقوة العصبية الطائفية) إلى إيران الفارسية، وأن ينسى السني العربي أنه عربي فيشرع ينحاز إلى الولايات المتحدة، على عدائها لنا، وعلى تحالفها الإستراتيجي مع عدونا القومي الأول وهو إسرائيل!

أليست مأساة متحوِّلة إلى مهزلة أن يتحدَّانا الواقع أن نبتني وجودا قوميا عزيز الجانب، فإذا بنا نعود غساسنة ومناذرة!

عبلة محمد زقزوق
17/01/2007, 03:16 PM
أليست مأساة متحوِّلة إلى مهزلة أن يتحدَّانا الواقع أن نبتني وجودا قوميا عزيز الجانب، فإذا بنا نعود غساسنة ومناذرة!
أنها مأساة حقيقة تعيشها أمتنا أستاذي الفاضل / جواد البشيتي
والأمر لله من قبل ومن بعد ... فهو خير الراحمين .

عامر العظم
17/01/2007, 08:32 PM
إنها جريمة أن تستباح دماء العراقيين في الشوارع!
إنها جريمة أن يقتل عربي لأنه سني أو شيعي!
إنها جريمة أن يحكم الطائفيون عراق الحضارات!