المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البتراء / للشاعر سعود الاسدي



عبدالوهاب محمد الجبوري
10/07/2009, 06:38 PM
ألبتـــــراء
للشاعر : سعود الأسدي

البتراء مدينة أثريّة في جنوب الأردن بين البحر الميت وخليج العقبة ، وهي سلع القديمة الوردية عاصمة الأنباط . وذو شراة أكبر آلهتها ، ومن ملوكها عبيدة والحارث ، وهي منحوتة في الصخر ومن عجائب الدنيا الخالدة ، وشاهدة على مقدرة الإبداع العربي ، مدخلها شقّ جبلي ضيّق يعرف بالسيق من آثارها الخزنة ، والمدرّج ، والقصر ، والقبور .
ولما كانت من أشهر الآثار الساحرة والباهرة في العالم فلا عجب أن ينقش الشاعر الفلسطيني سعود الأسدي عندما زارها بتاريخ 17 / 4 / 1997 قصيدته " البتراء " لتكون صدى لمدينة البتراء المدينة الورديّة المعجزة .

زرقاء اليمامة

بمثلِكِ الفخرُ يا بَتْراءُ يفتخرُ
فَلْتَشْمَخي ! أنتِ أنتِ العزمُ والقَدَرُ
وأنتِ سيفُ الرّدَى في كلِّ نازلةٍ
فلتضربي وتردِّي كيدَ من غَدَرُوا
بتراءُ كمْ في كتابِ المجـدِ من سُوَرٍ
قرأتُ عَنْكِ رَوَاها البدوُ والحَضَرُ
من " أمِّ قيسٍ " أتاكِ القيسُ ممتَشَقاً
وهي " الجدارةُ " تحمي ساحَها الجُدُرُ
ومن روابٍ بها اليرموكُ قد عَشِقَتْ
أمواجَه البِيْضَ سُمْرُ الحيِّ والسَّمَرُ
و" قلعةُ الرّبَضِ " القعساءُ رابضةٌ
للوَثْبِ تحفِزُ إنّ الوَثْبَ يُبْتَدَرُ
قد جِئْتُ والشِّعْرُ يا بتراءُ وقفتُهُ
فيها التّوَجُّسُ إن لم تُجْتَلَ الدُّرَرُ
وأنتِ فيكِ بيانٌ من شواردِهِ
على العِطَاشِ كماءِ المُزْنِ ينهمرُ
ماذا أغنِّيكِ من شعري وذي "جَرِشٌ "
ملاحمٌ مَدُّها يعلو وينحدرُ
دخلْتُها فسمعتُ الصّخرَ أنَّتَهُ
يشكو من الضّيمِ هل ينضامُ مُقْتَدِرُ
كلاّ ، ولكنْ صروفُ الدّهرِ قاهـرةٌ
لا كانَ دهـرٌ به الأحرارُ قد قُهِرُوا
وأنتَ أردنُّ فيكَ الجَمْـرُ متّقِـدٌ
فَضَعْ عليـه يُواتِ المَلُّ والسِّدَرُ
واقدحْ شرارةَ حُبٍّ يأتِ مشتعلاً
قلبٌ كواهُ اللظى ممـا رَمَى الشّرَرُ
لديكَ ما أبدعَ الأنبـاطُ من مَثَلٍ
مُنَىً كِبـارٌ كما تُبْنَى الرُّؤَى الكُبَرُ
فجدّدِ العهدَ للبتراءِ إنّ لها
روحاً تجدّدُها الأيامُ والعُصُرُ
سمعتُ فيها حفيفَ الصّخْرِ مُلْتَهِفاً
كما يَحُفُّ هوىً بالرّيشـةِ الوَتَرُ
عَجِبْتُ والصّخرُ في بتراءَ معجزةٌ
عنهـا تَكَلَّمَ في أرْباضِها الحَجَرُ
وقالَ لي : إنّ للبتراءِ قِصّتَهـا
فقلتُ : حَدِّثْ فإنّي السّمْعُ والبَصَرُ
فقالَ : ما أنتَ والأسرارُ قلتُ له :
بئرٌ بغورٍ عميقٍ ليس يُسْتَبَرُ
تَلفّتَ الصّخْرُ حتى لا يَرَى أحَداً
غيري ووشوشني فالسِّرُّ مُسْتَتِرُ
وقد حَلَفْتُ بأني لا أبوحُ به
فلستُ أُفْشِيهِ مهما طالَ بي العُمُرُ
و" ذو شراةٍ " دَرَى من قبلُ قصّتَها
إذْ كانَ فوقَ الأساطيرِ الأُلَى ذُكِرُوا
ويومَ ولّى تولّى السّرُّ أجمعَه
لم يَبْقَ في الدّهرِ عينٌ منهُ أو أثرُ
إلاّ مدينةُ بتراءٍ وأعمدةٌ
شابَ الزّمانُ وما شابُوا وما كَبِرُوا
مُدَلَّهونَ بِحُبٍّ ليسَ يبرحُهُمْ
مُوَلَّهونَ بخُلْـدٍ ليسَ يندثرُ
وتلكَ بتراءْ قد دانَ الوجودُ لها
أمامَها كلُّ أهْلِ الكِبْرِ قد صَغُروا
مدينةُ الوردِ والألوانِ ما فتئتْ
يُضفي عليها سنىً تاريخُها النَّضِرُ
شقائقٌ من نسيجِ الشّمسِ لُحْمَتُها
أمّـا سَدَاها فمَمّا ينسِجُ القمرُ
قد طرّزتهـا يَدَا " عِشتارَ " أرديةً
غلائلاً لعذارى زانها الخفرُ
بناتُ نَبْطٍ وشعري بعضُه غَزَلُ
يليقُ تسمعُهُ غِزلانُها العُفُرُ
هُنَّ الحِسانُ كَسَوْنَ العيدَ بهجتَهُ
غَنّتْ لهنَّ قِيانٌ أنجمٌ زُهُرُ
يُبْدينَ من روعةِ الإنشادِ ما قَبَسَتْ
عنهُ فصاحتَهُ لمّا نَمَتْ مُضَرُ
مثقّفاتٌ حفظنَ الشّعْرَ من كُتُبٍ
شُبّانُ بتراءَ من إلهامِها سَطَروا
يَضْرِبْنَ بالدُّفِّ موسيقى مُؤلّهةً
بينَ المعابدِ لم يحلُمْ بها بَشَرُ
حتى غدا كل خَصْرٍ في رشاقتِهِ
يهتزُّ والخَصْرُ يحلو حينَ يُخْتَصَرُ
كمْ ساعدٍ لفَّ من خَصْرٍ وطوَّقَهُ
لطفاً وليناً وخَصْرٍ باتَ ينتظرُ
وكمْ شِفاهٍ محا التقبيلُ حُمْرَتَها
على شفاهٍ رحيقَ التّوتِ تعتصِرُ
هي الحياةُ يُلبّي الصّبْحُ دعوتَها
إذا دعتْهُ كذاكَ الليلُ والسّهَرُ
وجَنّةُ الصخرِِ في بتراءَ وارفةٌ
يا بؤْسَ قومٍ بها مرّوا وما شَعَرُوا
كأنّهم ما رأوا أشجارَ رونقِها
مُنَمْنَماً وعليها أينَعَ الثّمَرُ
والحارساتُ على أبوابها وَقَفَتْ
والرّمحُ والصّبحُ والهيجاءُ والظّفَرُ
والخيلُ والليلُ أنداءٌ معطَّرةٌ
والرّيحُ والشّيحُ غنَّى بوحُه العَطِرُ
فإنْ بكيْتُ على أعتابِها طَرَبـاً
فإنّما بالنّدَى يبكي الضّحَى الزَّهَرُ
وإنْ شَكَوْتُ على آمالِها ألماً
فغيرُ وِزْرِيَ للبتراءِ لا أزِرُ
قُمْرِيّةُ الشّدوِ فيها رُحْتُ أسألُها
هل من عبيدةَ أو من حارثٍ خبرُ
قالتْ نِعِمّا وغنّتْ فوق " خزنتِها "
لحناً شجيّاً له الجُلْمودُ ينفطرُ
كأنّما نَفْحَةُ القَيْصُومِ نغمتُها
أو العَرَارِ سَقَى أنساغَهُ المَطَرُ
وجدْتُ في حزنِها حزني وحرقتَها
في حرقتي ولدينا الوَجْدُ يَسْتَعِرُ
نبكي على الأهلِ مذْ بانُوا فوا أسفا
فهلْ يكونُ لِقاءٌ بعدَما هجروا
ونحنُ صِنْوانِ حُبُّ الأرضِ يجمعُنا
بها ارتبطْنا وساوَى بيننا القَدَرُ
إنّي لألثمُ أرضاً داسَها قَدَمٌ
من ربّةِ الخِصْبِ حيثُ الطّيبُ ينتشرُ
والأرضُ مذْ أنشأتني طينـةٌ جُبِلَتْ
بالحُبّ كالأمِّ نِعْمَ الصّـدْرُ والدِّرَرُ
والأرضُ لي فإذا ما القَسْرُ جرّدَني
منها أقولُ : بإنّ القَسْرَ يُقْتَسَرُ
من يأخذِ الناسَ بالسّيفِ الغريرِعلى
حينٍ من الغَرِّ يأخذْ شخصَـهُ الغَرَرُ
ولي من الأرضِ ما للطّفلِ من حُلُمٍ
لي الشقيقانِ منها البَحْرُ والنّهَرُ
ولي الأنيقانِ منها الطّلُّ والسَّحَرُ
ولي الصديقانِ منها الشِّعْرُ والصُّوَرُ
ولي الطريقانِ منها السّهْلُ والوَعَرُ
ولي الطليقانِ منها الظّبي والسَفَرُ
ولي الرّشيقانِ منها البازُ والنّمِرُ
ولي البريقانِ منها الفِكْرُ والعِبَرُ
ولي العميقانِ منها الصّمْتُ والحذَرُ
ولي الرفيقانِ منها السّهْمُ والوَتَرُ
ولي الرقيقانِ منها الخَمْرُ والأشَرُ
ولي العشيقانِ وجهُ الحسْنِ والنّظَرُ
ولي الليالي وليلَى ثمّ لِيْلِي وليْ وليْ
والناسُ أجمعُ إنْ غابوا وإن حضروا
أهلي ورائيَ في بتراءَ هل سمعوا
أهلي أماميَ في كنعانَ هل خَبَرُوا
فإن شربْتُ حُمَيّا كأسِهِمْ ظَمَأً
فقد عَرَانيَ من بترائِهِمْ سَكَرُ
فَصِحْتُ والوَجْدُ لا يألو يحاصرني
حتى حَسِرْتُ وأعيا منطقي الحَصَرُ
ردّوا صِبايَ جديداً كي أحاسبَهُ
فإنّ عُمْراً بلا لُقيـاكُمو هَدَرُ
فإنْ شَقَقْتْ عليكم ثوبَ عاطفتي
فقد عَصَفْتُ فلا أُبقي ولا أذَرُ
أنا حنينٌ أنا شوقٌ أنا أمَلٌ
أنا جُذورٌ أنا تُرْبٌ أنا شَجَرُ
أنا مَثَارٌ ولي ثارٌ سآخذُه
أنا انفجارٌ أنا نارٌ أنا سَقَرُ
يَلْ تقبـروني ! أناديكُـمْ أنا شَغَفٌ
ألاّ أموتَ وأنتمْ نَسْلُ من غَبَرُوا
أريدُ خُلْداً وما أشتاقُ أعلنُهُ
في غيِر بتراءَ لا أشتاقُ أنقبرُ
أمُّ الصّخورِ وقد رَقَّتْ ملامسُها
كما الحريرِ فلا وَخْزٌ ولا إبَرُ
وهيَ السّكينةُ أغفو في رفارفِها
لا ضَجَّةٌ في حَناياها ولا ضَجَرُ
هناكَ تحتَ ظلالٍ من شواهقِها
ترتاحُ روحي ولا مَنٌّ ولا كَدَرُ
عَمّانُ والحُبّ سِرُّ المرءِ يحفظُهُ
وربّما شَفَّ عنه الشّطْحُ والهذَرُ
عمّانُ قومي إلي بتراءَ وأعتذري
عنّي وعنكِ وخيرُ القوم من عذروا
فلا يليقُ عُقوقُ الأمِّّ إنّ لها
فَضْلاً عظيماً وللفجّار ما فَجَرُوا
فَلْنُنْجِزِ الوعدَ في بَعْثٍ تجدّدُهُ
روحُ الحضارةِ في إيصال ما بَتَرُوا
وَلْنَبْنِ من صَخْرةِ البتراءِ نهضةَ من
شدّوا العزيمةَ في الجُلَّى وقد صبروا
فإَنّ من يبتني بالصّخرِ نهضتَهُ
مُؤاخياً عزمَهُ والصّدقَ ينتصرُ

*******
حيا الله اخي الشاعر الكبير سعود الاسدي ومني الف تحية وسلام وانتا بانتظارك ياغالي على موقعي

تغريد النبطيه
19/07/2009, 01:44 PM
القصيدة رائعة
وتزيد روعتها بلمسات استاذنا عبد الوهاب الجبوري
الذي اتى الينا بهذه المعزوفة الجميلة

لا اجد ردا بالكلمات
لذلك اكتفي بهذه الصور عن البتراء لمن لا يعرفها
ولمن لم يزرها لعل الله ييسر له زيارتها قريبا
وحياكم الله في البتراء ... مدينتي الوردية

http://i119.photobucket.com/albums/o127/vb-sh3bwah/9.gif

http://img118.imageshack.us/img118/2508/0312pv.jpg

http://i119.photobucket.com/albums/o127/vb-sh3bwah/14.gif

http://i119.photobucket.com/albums/o127/vb-sh3bwah/5.gif

http://i119.photobucket.com/albums/o127/vb-sh3bwah/11.gif

http://www.smh.com.au/ffximage/2006/10/18/petra300,0.jpg

http://img521.imageshack.us/img521/5071/ngm11hv.jpg

http://img127.imageshack.us/img127/3139/0140da.jpg

http://img125.imageshack.us/img125/1928/0139wy.jpg

http://img521.imageshack.us/img521/8690/ngm8jh.jpg

http://img127.imageshack.us/img127/4238/0129ju.jpg

http://photography.nationalgeographic.com/staticfiles/NGS/Shared/StaticFiles/Photography/Images/Content/sandstone-colors-517288-ga.jpg