المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرياضة والعولمة



نعمان عبد الغني
11/07/2009, 11:47 AM
الرياضة والعولمة
الاستاذ/نعمان عبد الغني
منذ بدء الخليقة مارس الإنسان الرياضة، وشيئاً فشيئاً بدأت الشعوب المتحضرة بتقنين وتنظيم ممارسة الرياضة، حتى انطلقت الألعاب الأولمبية القديمة من بلاد الإغريق عام 776 قبل الميلاد، واستمرت أكثر من ألف عام تنعقد مرة كل أربع سنوات، ثم توقفت هذه الألعاب بقرار القيصر الروماني (ثيودوسيوس) واستمرت الممارسة المنظمة للرياضة بين مدٍ وجزر، حتى جاء القرن التاسع عشر ليحمل إعادة تنظيم الرياضة على أسس واضحة، فكانت ولادة كرة القدم المعاصرة، ثم كان انبعاث الألعاب الأولمبية الحديثة بجهد واضح من الفرنسي (بيير دي كوبرتان).
ورغم أن القرن العشرين كان قرن الأيديولوجيات والحروب والصراعات الكبرى، إلا أنه كان أيضاً قرن الثورة التقنية، وقرن الرياضة التي وصلت ممارستها والاهتمام بها، وبأحداثها الكبيرة من ألعاب أولمبية وكؤوس عالمية إلى الذروة.
بدت الرياضة ميداناً للتسابق والتفاخر بين الأمم، وبدت قدرة العطاء البشري في هذا المضمار وكأنها بلا حدود، سواء في ميدان الممارسة والإنجازات القياسية أو في خدمة التكنولوجيا للرياضة خصوصاً في الجانب الإعلامي والمعلومات.
أما العرب والذين عرفوا أنماطاً شتى من الرياضة عبر تاريخهم من المسايفة، والمصارعة، والجري للرماية، والسباحة، وركوب الخيل، فإنهم لم ينقلوا شيئاً من ذلك إلى واقعهم المعاصر، بل أخذوا الرياضة عن الغرب مثلما فعلوا في معظم المجالات، وحاولوا - فرادى وجماعات- أن يلمعوا عالمياً في ميادينها فكانت لهم طفرات معدودة ونجاحات محدودة، وظلت الرياضة في بلدانهم للمشاهدة أكثر منها للممارسة، ولتحقيق بعض السمعة والإنجازات دون وضوح رؤية أو تحديد للأهداف وللاستراتيجيات.
العالم المتحضر جعل من الرياضة واحدة من قضاياه الملحة، فهل كذلك هي بالنسبة إلينا كعرب؟ وهل نجحنا أو حاولنا توظيفها الصحيح؟ ذلك هو السؤال!
في أحضان الكادحين أشرق صبح كرة القدم، ثم احتضنته فكرة العالم الجديد بعد أن اختارت القوى الاستعمارية الأوروبية أن تضم لاعبين من المستعمرات بألوان القوى الاستعمارية نفسها، لخوض مباريات دولية تحت أغطية مختلفة منها السياسي ومنها الاقتصادي، وغدت الفكرة دافعاً إنسانياً بالفعل أفاد منه اللاعبون أنفسهم وسط نظام اجتماعي واقتصادي ليبرالي لاستغلال مهاراتهم، وأصبحوا محترفين قادرين على المطالبة بالعمل، وأعجبت اللعبة الجديدة هؤلاء، ولكنها أعجبت أكثر المسؤولين الذين وجدوا زخماً من المحترفين الذين تربطهم بهم عقود صارمة تمتص مهاراتهم الساحرة.
في كل سنة كانت اللعبة تكبر وعدد النجوم يتعاظم ليصبح الملعب بمثابة سيرك كبير، كله إغراء تتهافت الجماهير على أن تحظى بشرف المشاهدة داخل السيرك نفسه أو من وراء الشاشات، هذه التجمعات الكثيفة شكلت من دون شك الهدف المثالي لنظام ليبرالي يقوم فيه كل شيء على التسويق والمبادرة الفردية، ولأن التسويق يضفي الديمقراطية على الرياضة كان لابد للتليفزيون أن يدخل على الخط، لتصبح كرة القدم دجاجة تبيض الذهب للجميع ومصدر إثراء حقيقي، بقدر رنين المال فيه بقدر سيولة النتائج، تطورت العقول لدرجة أن المال لم يعد من الممنوعات في الحركة الأولمبية ودشنت دورة (لوس أنجلوس) وبعدها برشلونة عهداً جديداً في احتراف كرة القدم.
المال عصب الحياة وبالتالي فهو عصب الرياضة المعاصرة، هذا أمر مفروغ منه، فمن دونٍ مال كافٍ يصعب توفير المنشآت والتجهيزات الرياضية والملابس والأدوات وحتى المدربين والمعسكرات، علاوة على نفقات اللاعبين خصوصاً في ظل دعوة متزايدة عربياً لتطبيق الاحتراف بشكل أو بآخر.
ولكن من أين يتأتى هذا المال؟ هل فقط من المساعدات الحكومية وتذاكر حضور المبارايات؟ وكيف تؤمن الدول المتقدمة وأنديتها الغنية ونفقاتها بعشرات بل ومئات ملايين الدولارات؟ وكيف يمكن أن نحذو حذوها عربياً لتوفير ما يعيننا على تطوير رياضتنا؟
رقم الأعمال في مجمل حركة كرة القدم العالمية وحدها يربو عن 250مليار دولار فمن أين تمتلأ الخزائن؟ القاعدة بسيطة جداً تنويع مصادر المال لأنه قوام الأعمال.
في أوروبا مثلاً رفعت الحكومات أياديها تماماً عن الموازنات المالية للأندية التي وجدت الفضاء رحباً أمامها، فنهلت من منابع شتى، في البداية كانت الأيادي بيضاء من قبل أعضاء المكاتب المسيرة، شيئاً فشيئاً بدأت القاعدة تتسع ومع مساهمة الأعضاء جاءت اشتراكات المشجعين وبارتفاع محصول الخزينة تحسنت النتائج.
تحسن النتائج أدى آلياً إلى توسيع قاعدة المشجعين، مع مايدرونه من مال إضافي، كبر قاعدة المشجعين أدى آلياً بدوره إلى تهافت الشركات الاقتصادية على توقيع العقود مستفيدة ومفيدة.
مع منتصف التسعينات كانت بعض النوادي بمثابة قوى مالية كبرى بعد أن شكلت حقوق النقل التليفزيوني دعماً كبيراً لموازناتها فضلاً عن حركة بيع وانتقال اللاعبين، وتسارع المنحنى إلى الارتفاع بدخول النوادي إلى البورصات العالمية، إنها حركة نشيطة يومية يطلق عليها ببساطة تصنيع الرياضة.
فأين العرب من هذا؟ مازال معظم الأندية والاتحادات يشكل عبئاً على الحكومات برأي البعض أو مغلولاً إليها في رأي البعض الآخر، ومع نهاية القرن باتت هذه المساعدات الحكومية لا تغني ولا تسمن من جوع، مازالت الهياكل الرياضية تعول على مساهمات أعضاء متطوعين، وبالتالي كانت مساهمات غير دورية لا تستند إلى أساس منظم لها، تفسر لدى البعض على أنها آليته نحو مآرب أخرى، ومثال في التطوع لدى البعض الآخر.
المباريات الرياضية مازالت تنقل دون أن تأخذ عديد الأندية في كثير من الدول العربية حقوقها، تنقطع أنفاس الرياضيين في الملعب، وتذهب مداخل هذه الأنفاس إلى الاتحادات والفتات منها يعرف طريقه الصحيح إلى النوادي.
عقود الاشهار والرعاية تحملها قمصان اللاعبين وجزء بسيط من ريعها يعود إلى نواديهم، على أنه ينبغي القول إنه في وقت بات فيه التكيف هو السيد المطلق بدأ تجارب عقلانية - إن صح القول- تظهر من هنا وهناك.
والتليفزيون المحلي يدفع للنوادي بواسطة اتحادها فضلاً عن شركة وطنية لتنمية الرياضة تقوم على أساس دفع مبالغ بسيطة من الرياضيين وغير الرياضيين. تغيرت الأحوال في بعض الدول لكن السؤال الجوهري مازال قائماً: هل المال غائب عن رياضة العرب، أم انه ابن ضل طريقه إليها بفعل فاعل؟