نجوى النابلسي
11/07/2009, 04:24 PM
حياة بهية
تتصبب عرقـاً .. تنحني فوق عصـا ممسحتـهـا ممتـلئـة بحمـل سـادس .. تنهـي تنظيـف غرفـة المكتـب .. ترفـع وجههـا الأسمـر .. فتشـع عينـان سوداوان.. شديدتا البريـق كعينـي شحرور فـي غابـة عبقـة برائـحة الأرض . أ نهـت عملهـا.. لملمت أدوات التنـظيف و جلست تستريـح .. تمسح حبـات الجهد عن جبينهـا وتنتظـر زمـن العودة إلـى الـدار . عـدنان لابدَ عائد الآن بعـد يـوم عمـل شـاق آخـر.. تَـراه ، يسقـي أشجـار الشوارع الفسيحـة وحدائـق الطرقـات يحمـل بيـديه القـويتين خرطـوم المـاء ويسـير بخطـوات محاذيـة لسيارتـه بلبـاسه الأصفـر البرتقـالي، سيصل قبلهـا إلـى الـدار، تعرف تمـامـاً لحظـة وصولـه، وتتابـع بفكرها .. خطواتـه السريعـة .. سيحتضن أصغـر أطفـاله مقبلاً . وسيداعـب رأس فتـاتـه الكبـرى ُمكْبـراً فيهـا عنايتهـا بأخـواتهـا وجـدتها المقعـدة ..سيقبـل يـد أمـه ويتلقـى دعـاءها .. وربمـا يستمـع إلـى شكواهـا. بعـدهـا سيضـع عنـه ثيـاب العمـل ليرتـدي جلبابـاً ، قـدم و اهتــرأ لكنـه .. كـما تـراه .. يبـدو عليـه جميـلا ... شحـروراً أسمر آخـر . وتتمـنى لمس تلك الشعـيرات الكثـة المتدافعـة مـن فتحـة جلبابـه، فتحمـر خجـلا .. سيسارع بعـدها لإعـداد وجبـة للصغـار .. ربمـا تـكون اليـوم عدساً أو بطاطـس .. وربمــا بعـض الخضـار ،إن استـطاع شراءهـا.. تتسـاءل: ُترى هـل مـازال بحوزتـه بعض النقود وتتذكر أنها صباحاً تقـاسمت معـه ما تبـقى مـن أجـرهــا .. وتهمس لنفسها .. ما ألـذ الرجوع إلـى الـدار .
استقـلت حافلـة العـودة ، متثاقلـة.. تحلم بماءٍ يزيل عنها رائحة العمل، وتعب السير تحت الشمس المحرقة، وتتمنى أنه استـطاع ملء أوعيـة المـاء لتستحم مـن عنـاء يـومها .. ربمـا بعد شهـور قريبـة .. عندما تتسلم ما ادخـرته في " الجمعية" مع زميـلا تها ، بالإضافة إلـى ما تمـكن مـن توفـيره ..ربمـا حقـق أمنية إيصـال الميـاه إلـى الـدار وتمـديد أنابيبها لتصل ركـن الاستحمـام والطهـي .. متعـب شـراء المـاء ومتعـب تعبئة أوعيته كـل يـوم والحـاجة متـزايـدة إليـه فـي الصيـف للصـغار .. للعجـوز .. للـدار ولأشـياء كثيرة . . لكـن ذلك سيتحقـق .. تعرف أنـه سيتحقـق فعدنان وعـدها وما اعـتاد أن يخــلف وعـوده.
يـوم تقـدم لخطبتها.. وكان جاراً لها .. قال أنه سيشيـد غرفـة ثانيـة في الحـوش الصغـير ، قـرب الغرفـة التي بناها لزواجـه قبـل الخطوبـة .. في هـذا الحـوش .. زرعـت بعـد الـزواج زهوراً وياسميـن .. أينـعت الآن ، وبقـربها .. كـانـا يتناولان أكـواب الشـاي بالنـعناع .. قبلت خطـوبته ، لأن عينيه كـانتا تشعان بريقـاً أسوداً نقيـاً كعينيهـا .. بريـق واعـد صدوق ألفتـه منـذ الصغـر قريبـاً مـن روحهـا ، دون أن تتمنـاه .. وعنـدما طلبهـا للـزواج .. رأتـه مماثـلا لهــا .. فقيـراً وغنيـاً معـاً .. فقيـر المحفظـة.. غنـي القلب .. قبلتـه وارتضـت مشاركتـه كفـاحـاً وعتـه سيكـون طويلاً.
ابتسمت لنفسها متكـئـة برأسها المتـعب علـى زجـاج النافـذة .. الزفـاف كان أكثـر من بسيط .. اصطحبها إلـى منزلـه إثـر عقـد القـران ، بين زغـاريـد الأهـل والأخـوة .. بعـد الزفـاف .. تمنت الاحتـفاظ بثـوب الزفـاف الأبيـض الذي استعارتـه من صديقـة لهـا .. لكـن الأكثـر أهميـة لها أنهـا - واتسعت ابتسامتها - احتفظت بفرحتهـا .
خطـوات قليلـة وتـصل د ارهـا .. تتسارع قـدمـاهـا متعجلتين رغمـاً عنهـا تعبـر الحـوش الصغـير .. وتتنشق ملء صـدرها عبق الياسميـن .. يسرع الصغـار إليها .. تسأل بلهفـة إن تناولـوا طـعامـهم رغـم يقينـهـا أن الجـواب موجـب فعـدنـان يحـرص على إطـعامـهم قبـل وصـولها .. وحـده ينتظرهـا .. ابتسمت لـه .. احتضنهـا بعينيـه .. بسطت المـفرش ، وتنـاوبت معـه ترتـيب الطـعام فـوق حصـيرة ملـونة كأيـام عمـرهما .. العـدس كان لـذيذاً .. حامضـاً كما تحبـه .. وكما اعتــاد دوماً أعـاد عليـها مفارقـات جـديدة صادفتـه خـلال تجـواله اليومـي .. فأضحكهـا .. وكما اعتـادت دومـاً .. أعـادت عليه أحــــداث يـومها الشـاق الطـويل .. خـفض عينـين يشـوبهما تـفهم وألـم .. وبحـنان عفـوي أجـاب : لا بـأس عليك ، أعلـم أنك مجهـدة .. الحمـل يتـعبك والعمل لا يـرحم .. ولا أعتـقد أن أربـاب عمـلك يشعرون بجـهودك وتعبـك .. أتمنى لو أريحك .. أبذل ما أستطيع . شعرت بالأسف .. لم تكن تـود إيـلامه .. مـدت إليه يـداً متشققة .. لمست يـده .. وبصوت يقارب الهمس ردت : ما قصدت إزعـاجـك قـد اعتـدت علـى العمـل كـما إننـي أجـد بعض التسليـة فيـه .
يأتيـهما صـوت الأم المقعـدة .. فـترفع بـهيـة نفسها عـن الأرض بصعوبـة .. تتـحامل على نفسها .. وتسرع إليـها .. فمـنذ تشاركت العـجوز السكن مـعهم بـعد عجـزها , وبـهيـة تـقوم على خـدمتها .. تنظـفها وتبـدل لها ثيابها وتطعمـها .. تتحمل رغم ضـيق الـدار وأعـبائها مشاركـة العـجوز لحـياتهم .. لغرفـة أولادهما الخمسـة. أحـياناً تصبح العـجوز عصبيـة المـزاج ، فتمـضي فـي مكايـدة بـهيـة فتبـكي .. وعـدنان يشكرها دومـاً بعينـين مليئـتين بالمـودة والحنان .. يحتـضنها بيـديه ويمسح دموعها مواسيـاً ، تتـفهم وتسكن بين ذراعيـه فتنسى.
مضت ساعـات النهـار .. تـمددت بـهيـة على الفـراش الأسفنجي .. تـعب النـهار أرهقـها .. جـالت عيناها فوق جدران الغرفـة العاريـة .. سألتـه ألا تحـتاج الجـدران إلـى طـلاء جـديد .. رسوم الصغار فوقـها .. ورسوم الغبـار .. وآثـار دخـان المدفـأة .. مـد يـده إليها .. اقـتربـت منـه .. دست رأسها في صـدره .. جـالت شفتاه فـوق وجـهها .. غمرها بشوقه إليها .. مرر أنـامله فـي خـصلات شعـرها .. تراقصت رسوم الصـغار فـوق الجـدران وتلونت صـوراً فرحـة .. والغـبار كان رذاذ عشـق ملون .. تشكل عيوناً صادقـة .. وابتسامات رضا.. وفرحةً غلبت شقاء الـدار .. الفراش كان غمامـة. . نبـض الحـياة المتـوحد في قلبيهـما متوافـق ، متناغـم ، في خـفقات تسارعت .. نبض منسجم الصـدى والـدار فسحـة من جنــة.
توسدت ذراعــه .. متـوردة السمرة .. وقبـل أن تغفــو .. همست .. أتـدري ؟ سألتـني إحدى الفتيات اليـوم إن كنت سعيدة.. ؟
قبـــل جبينـها وغمـغم .. ماذا أجبـت ……… ؟
ردت :أجبـت أنـي أتمنــى لكـل فتـاة حـالمـة بالـزواج حظاً يمـاثـل حظــي
وعلــى ابتسامـته غـفت .. بانتــظار صباح جــديد ……
تتصبب عرقـاً .. تنحني فوق عصـا ممسحتـهـا ممتـلئـة بحمـل سـادس .. تنهـي تنظيـف غرفـة المكتـب .. ترفـع وجههـا الأسمـر .. فتشـع عينـان سوداوان.. شديدتا البريـق كعينـي شحرور فـي غابـة عبقـة برائـحة الأرض . أ نهـت عملهـا.. لملمت أدوات التنـظيف و جلست تستريـح .. تمسح حبـات الجهد عن جبينهـا وتنتظـر زمـن العودة إلـى الـدار . عـدنان لابدَ عائد الآن بعـد يـوم عمـل شـاق آخـر.. تَـراه ، يسقـي أشجـار الشوارع الفسيحـة وحدائـق الطرقـات يحمـل بيـديه القـويتين خرطـوم المـاء ويسـير بخطـوات محاذيـة لسيارتـه بلبـاسه الأصفـر البرتقـالي، سيصل قبلهـا إلـى الـدار، تعرف تمـامـاً لحظـة وصولـه، وتتابـع بفكرها .. خطواتـه السريعـة .. سيحتضن أصغـر أطفـاله مقبلاً . وسيداعـب رأس فتـاتـه الكبـرى ُمكْبـراً فيهـا عنايتهـا بأخـواتهـا وجـدتها المقعـدة ..سيقبـل يـد أمـه ويتلقـى دعـاءها .. وربمـا يستمـع إلـى شكواهـا. بعـدهـا سيضـع عنـه ثيـاب العمـل ليرتـدي جلبابـاً ، قـدم و اهتــرأ لكنـه .. كـما تـراه .. يبـدو عليـه جميـلا ... شحـروراً أسمر آخـر . وتتمـنى لمس تلك الشعـيرات الكثـة المتدافعـة مـن فتحـة جلبابـه، فتحمـر خجـلا .. سيسارع بعـدها لإعـداد وجبـة للصغـار .. ربمـا تـكون اليـوم عدساً أو بطاطـس .. وربمــا بعـض الخضـار ،إن استـطاع شراءهـا.. تتسـاءل: ُترى هـل مـازال بحوزتـه بعض النقود وتتذكر أنها صباحاً تقـاسمت معـه ما تبـقى مـن أجـرهــا .. وتهمس لنفسها .. ما ألـذ الرجوع إلـى الـدار .
استقـلت حافلـة العـودة ، متثاقلـة.. تحلم بماءٍ يزيل عنها رائحة العمل، وتعب السير تحت الشمس المحرقة، وتتمنى أنه استـطاع ملء أوعيـة المـاء لتستحم مـن عنـاء يـومها .. ربمـا بعد شهـور قريبـة .. عندما تتسلم ما ادخـرته في " الجمعية" مع زميـلا تها ، بالإضافة إلـى ما تمـكن مـن توفـيره ..ربمـا حقـق أمنية إيصـال الميـاه إلـى الـدار وتمـديد أنابيبها لتصل ركـن الاستحمـام والطهـي .. متعـب شـراء المـاء ومتعـب تعبئة أوعيته كـل يـوم والحـاجة متـزايـدة إليـه فـي الصيـف للصـغار .. للعجـوز .. للـدار ولأشـياء كثيرة . . لكـن ذلك سيتحقـق .. تعرف أنـه سيتحقـق فعدنان وعـدها وما اعـتاد أن يخــلف وعـوده.
يـوم تقـدم لخطبتها.. وكان جاراً لها .. قال أنه سيشيـد غرفـة ثانيـة في الحـوش الصغـير ، قـرب الغرفـة التي بناها لزواجـه قبـل الخطوبـة .. في هـذا الحـوش .. زرعـت بعـد الـزواج زهوراً وياسميـن .. أينـعت الآن ، وبقـربها .. كـانـا يتناولان أكـواب الشـاي بالنـعناع .. قبلت خطـوبته ، لأن عينيه كـانتا تشعان بريقـاً أسوداً نقيـاً كعينيهـا .. بريـق واعـد صدوق ألفتـه منـذ الصغـر قريبـاً مـن روحهـا ، دون أن تتمنـاه .. وعنـدما طلبهـا للـزواج .. رأتـه مماثـلا لهــا .. فقيـراً وغنيـاً معـاً .. فقيـر المحفظـة.. غنـي القلب .. قبلتـه وارتضـت مشاركتـه كفـاحـاً وعتـه سيكـون طويلاً.
ابتسمت لنفسها متكـئـة برأسها المتـعب علـى زجـاج النافـذة .. الزفـاف كان أكثـر من بسيط .. اصطحبها إلـى منزلـه إثـر عقـد القـران ، بين زغـاريـد الأهـل والأخـوة .. بعـد الزفـاف .. تمنت الاحتـفاظ بثـوب الزفـاف الأبيـض الذي استعارتـه من صديقـة لهـا .. لكـن الأكثـر أهميـة لها أنهـا - واتسعت ابتسامتها - احتفظت بفرحتهـا .
خطـوات قليلـة وتـصل د ارهـا .. تتسارع قـدمـاهـا متعجلتين رغمـاً عنهـا تعبـر الحـوش الصغـير .. وتتنشق ملء صـدرها عبق الياسميـن .. يسرع الصغـار إليها .. تسأل بلهفـة إن تناولـوا طـعامـهم رغـم يقينـهـا أن الجـواب موجـب فعـدنـان يحـرص على إطـعامـهم قبـل وصـولها .. وحـده ينتظرهـا .. ابتسمت لـه .. احتضنهـا بعينيـه .. بسطت المـفرش ، وتنـاوبت معـه ترتـيب الطـعام فـوق حصـيرة ملـونة كأيـام عمـرهما .. العـدس كان لـذيذاً .. حامضـاً كما تحبـه .. وكما اعتــاد دوماً أعـاد عليـها مفارقـات جـديدة صادفتـه خـلال تجـواله اليومـي .. فأضحكهـا .. وكما اعتـادت دومـاً .. أعـادت عليه أحــــداث يـومها الشـاق الطـويل .. خـفض عينـين يشـوبهما تـفهم وألـم .. وبحـنان عفـوي أجـاب : لا بـأس عليك ، أعلـم أنك مجهـدة .. الحمـل يتـعبك والعمل لا يـرحم .. ولا أعتـقد أن أربـاب عمـلك يشعرون بجـهودك وتعبـك .. أتمنى لو أريحك .. أبذل ما أستطيع . شعرت بالأسف .. لم تكن تـود إيـلامه .. مـدت إليه يـداً متشققة .. لمست يـده .. وبصوت يقارب الهمس ردت : ما قصدت إزعـاجـك قـد اعتـدت علـى العمـل كـما إننـي أجـد بعض التسليـة فيـه .
يأتيـهما صـوت الأم المقعـدة .. فـترفع بـهيـة نفسها عـن الأرض بصعوبـة .. تتـحامل على نفسها .. وتسرع إليـها .. فمـنذ تشاركت العـجوز السكن مـعهم بـعد عجـزها , وبـهيـة تـقوم على خـدمتها .. تنظـفها وتبـدل لها ثيابها وتطعمـها .. تتحمل رغم ضـيق الـدار وأعـبائها مشاركـة العـجوز لحـياتهم .. لغرفـة أولادهما الخمسـة. أحـياناً تصبح العـجوز عصبيـة المـزاج ، فتمـضي فـي مكايـدة بـهيـة فتبـكي .. وعـدنان يشكرها دومـاً بعينـين مليئـتين بالمـودة والحنان .. يحتـضنها بيـديه ويمسح دموعها مواسيـاً ، تتـفهم وتسكن بين ذراعيـه فتنسى.
مضت ساعـات النهـار .. تـمددت بـهيـة على الفـراش الأسفنجي .. تـعب النـهار أرهقـها .. جـالت عيناها فوق جدران الغرفـة العاريـة .. سألتـه ألا تحـتاج الجـدران إلـى طـلاء جـديد .. رسوم الصغار فوقـها .. ورسوم الغبـار .. وآثـار دخـان المدفـأة .. مـد يـده إليها .. اقـتربـت منـه .. دست رأسها في صـدره .. جـالت شفتاه فـوق وجـهها .. غمرها بشوقه إليها .. مرر أنـامله فـي خـصلات شعـرها .. تراقصت رسوم الصـغار فـوق الجـدران وتلونت صـوراً فرحـة .. والغـبار كان رذاذ عشـق ملون .. تشكل عيوناً صادقـة .. وابتسامات رضا.. وفرحةً غلبت شقاء الـدار .. الفراش كان غمامـة. . نبـض الحـياة المتـوحد في قلبيهـما متوافـق ، متناغـم ، في خـفقات تسارعت .. نبض منسجم الصـدى والـدار فسحـة من جنــة.
توسدت ذراعــه .. متـوردة السمرة .. وقبـل أن تغفــو .. همست .. أتـدري ؟ سألتـني إحدى الفتيات اليـوم إن كنت سعيدة.. ؟
قبـــل جبينـها وغمـغم .. ماذا أجبـت ……… ؟
ردت :أجبـت أنـي أتمنــى لكـل فتـاة حـالمـة بالـزواج حظاً يمـاثـل حظــي
وعلــى ابتسامـته غـفت .. بانتــظار صباح جــديد ……