المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في هلمند طالبان تبدد أوهام حلف الناتو



د. محمد اسحق الريفي
12/07/2009, 12:35 PM
في هلمند طالبان تبدد أوهام حلف الناتو

أ.د. محمد اسحق الريفي

عندما تحجب آلة الكذب الإعلامية الغربية الحقائق عن الغربيين وتحقن عقولهم بأكاذيب مفتراة، لتبرير سياسات الحكومات المتورطة في الحرب على أفغانستان، فإن إلحاق خسائر فادحة بالجنود الغربيين في المعارك كفيل بإبطال مفعول آلة الكذب الإعلامية وتحريك الرأي العام الغربي ووخز ضمير الغربيين.

حجب الحقائق المتعلقة بأهداف الحرب على أفغانستان ومبرراتها عن الشعوب الغربية يشوه وعي المواطن الغربي، ويصيب الرأي العام الغربي بالشلل، ويفسح المجال واسعاً أمام الحكومات المشاركة في الحرب على أفغانستان لتبرير سياساتها العدوانية وممارساتها الوحشية ضد الشعب الأفغاني. فمثلاً، تقوم آلة الكذب الإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية بخدع الرأي العام الأمريكي وتخديره فيما يتعلق بأهداف الحرب على أفغانستان، حيث يزعم البيت الأبيض الأمريكي بأن هذه الحرب الجائرة تهدف إلى حماية المصالح القومية الأمريكية والأمن القومي الأمريكي، وأنها تندرج تحت ما يسميه الأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون والعرب "الحرب على الإرهاب". وتسير آلة الكذب الإعلامية البريطانية في التعاطي مع الحرب على أفغانستان على نهج مثيلتها الأمريكية، في الكذب والخداع، لتضليل الرأي العام البريطاني.

تزعم الولايات المتحدة وبريطانيا، فيما تزعمه لتبرير عدوانها على أفغانستان، أن الحرب على أفغانستان تهدف إلى التصدي للأشرار والإرهابيين وحماية الأمن القومي والمصالح القومية للبلاد الغربية، ولكن عندما يُنزل مجاهدو طالبان بقوات الناتو المعتدية خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، يدرك المواطن الغربي بأن تلك الحرب، ومن ورائها سياسات الحكومات الغربية، هي الشر والإرهاب الذي يجب أن يتخلص منه الغربيون، ولا سيما عندما تتحول أفغانستان إلى مستنقع خطير ومقبرة للمعتدين، حيث يبدو لجندي الناتو أنه يقاتل بلا هدف، وأن الموت ينتظره في كل مكان، في الوديان الوعرة، وعلى قمم الجبال، وفي الطرقات الممهدة، حيث الألغام والعبوات الجانبية الأفغانية محلية الصنع، المدمرة والقاتلة.

الضمير الغربي لا يهزه قتل عشرات آلاف المدنيين الأبرياء من الأفغان بقدر ما يهزه موت الجنود البريطانيين والأمريكيين، والجنود الغربيين عامة، فعندما قتل مجاهدو طالبان العقيد البريطاني "روبرت ثورنيلو"، وهو أرفع ضابط بريطاني يقتل منذ حرب فوكلاند، تعالى الصراخ في بريطانيا في أوساط العسكريين والسياسيين، وبدأ الجميع يتساءل عن جدوى الحرب والهجوم الذي شنته القوات الأمريكية والبريطانية وعملاؤهم التابعين لحكومة كرزاي العميلة على إقليم هلمند، ولا سيما بعد أن حصدت الحرب أرواح العديد من الجنود المعتدين، وتبين للبريطانيين والأمريكيين أنهم يخوضون حرباً لا نهاية لها، وأنهم يلهثون وراء سراب في أرض مزروعة بالألغام والموت الزؤام.

ولقد استطاع المجاهدون الأفغان بمهارة عسكرية فائقة توجيه "طعنة الخنجر" الأمريكي إلى "طعنة خنجر" في خاصرة الجنود الأمريكيين، وتحويل "قبضة النمر" البريطانية إلى "حفرة قبر" للجنود البريطانيين. أما الجنود الأفغان الذين أرسلتهم حكومة كرزاي العميلة لمساعدة البريطانيين والأمريكيين، في عملية أطلقت عليها اسم "البطل"، والذين يبلغ عديدهم نحو 400 مقاتل عميل، فقد ثبت أنهم كرؤوس البصل، يسهل على المجاهدين خرطهم خرطاً، ولا يستطيعون حماية الجنود الأمريكيين والبريطانيين من ضربات مجاهدي طالبان.

ولا يتوقف الخداع والتضليل على المدنيين الغربيين، فالجندي الغربي مضلل أيضاً، وكما أفادت بعض الصحف الغربية، فإن آلاف الجنود الأميركيين والبريطانيين ذهبوا إلى أفغانستان مكبلين بفكرتين مزيفتين: أولاهما أنه يمكن إلحاق الهزيمة بطالبان، وثانيهما أنه بالحد من عمليات طالبان الجهادية في الفترة التي تسبق الانتخابات، يمكن توفير فضاء سياسي لشرعنة حكومة كرزاي العميلة.

غوردون براون وباراك أوباما أنفسهما مضللان، ومخططو الإستراتيجية العسكرية البريطانية والأمريكية مضللون أيضاً، ليس فيما يتعلق بالحرب على أفغانستان فحسب، بل أيضاً فيما يتعلق بالحرب على الإسلام والمسلمين، إذ يتبع هؤلاء الأوغاد إستراتيجية خرقاء، تقوم على تضليل الشعوب وتخديرها. ففي أفغانستان مثلاً، يظهر هؤلاء الأشرار حرصهم الزائف على مصلحة المواطن الأفغاني، رغم أنهم اعتادوا على دك البيوت على رؤوس المدنيين الأفغان دون مبرر، وهذا ما فعلوه أيضاً في العراق، وما فعله العدو الصهيوني في لبنان وفلسطين. وهم يفعلون ذلك ضمن خططهم الخرقاء التي تهدف إلى تمكين حكومة كرزاي العميلة، للاعتماد عليها في تحقيق النصر الموهوم على طالبان. ولذلك فقد تعالت الأصوات المنادية بتجنيد مزيد من العملاء الأفغان لمواجهة طالبان، بالطريقة ذاتها التي تعمل فيها الولايات المتحدة والعدو الصهيوني للتخلص من حركة حماس والمقاومة الفلسطينية.

بدد مجاهدو طالبان هذه الأوهام التي تسيطر على أدمغة البريطانيين والأمريكيين، والغربيين عامة، فلا أنجع من المقاومة في كشف أكاذيب الإعلام الغربي ووخز الضمير الغربي. وبذلك يكون المجاهدون قد نجحوا في فرض معادلة مؤلمة على الغزاة المعتدين، وهي أن عليهم خوض معارك لا هدف لها، ولا نهاية لها، ولا مفر منها. إنه المأزق الاستراتيجي العميق الذي سيقضي على إمبراطورية الشر والطغيان الغربية.

12/7/2009