المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في مجموعة عملاق الطوابق العليا- شاهر خضرة



هيمى المفتي
13/07/2009, 02:51 PM
نوفرة دمشقيّة
قراءة في مجموعة قصصيّة
«عملاق الطوابق العليا» للقاصة هيمى المفتي
شاهر الخضرة ـ دمشق ـ


منقول عن جريدة الصحافة التونسية
http://www.essahafa.info.tn/dhad/index.html

في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل والغث بالسمين وتمازجت الألوان لا لتشكل قوس قُزحٍ بل لتكون عالما من خليط عبثي ، تعجز العين عن تحديد هويته ، وتساهم المطابع سواء كانت رسمية أو خاصة بهذا الكم من الكتب والكتّاب ، يكاد المتابع أن يكتفي بقراءة العنوان ، ويمضي دون أن يذكر بعد ذلك لا العنوان ولا الاسم المطبوع على الغلاف ، وبالرغم من هذا الخضمّ السرابي في أكثريته ، لا يضعنا اليأس على حافة اللامبالاة فنصادف أحيانا كتبا في شتى مجالات الأدب ، من قصة أو رواية أو شعر ، تجعل القلب يعود إلى طمأنينته لأن هذه الحياة لا نعدم فيها مواهب حقيقية ، تجعل الإبداع بخير والكتابة ليست في عالمنا ذي الهموم والشوائب الماديّة الطاحنة دون جدوى ، وإن كنت أحاول دائما أن أتخلّص من تأثير الأسماء التي يتداولها الإعلام لأقرأ أدبا بعيدا عن تلك الضوئية ، التي قد يستأهلها صاحبها وقد لا يستأهلها ، فأرى أن جوهر العالم رغم كل ما يتراكم فوقه من تراب هو جوهر خالص قد تكون الظروف تزيد من تغطيته ، وقد تسنح الفرص باكتشاف هذا الجوهر الذي نعوّل عليه في إنسان هذا الكون ، الذي يصفه كبار الجوهريين بأنّه سائر إلى الخراب وأن إنسانه يعيش بنفس يملؤها اليباب ، قصدت من هذا التقديم أن أصل إلى أنني في الآونة الأخيرة قرأت كتبا كتبت بلغتنا العربية لشباب يحملون في ذواتهم جوهرا إنسانيا حقيقيا من خلال ما يكتبون ويبدعون ، ولن أعدد هذه الكتب وتلك الأسماء لمفهوم التعداد أي بأن أضع قائمة تحمل أسماء الكتّاب وعناوين كتبهم ، بل بدأت بالكتابة عن كتب هؤلاء الكتاب الذين قرأتهم ، وكما أسلفت ليسوا في دائرة الأضواء الإعلامية ، أي لست واقعا تحت تأثير عمل غير ما تحتويه تلك الكتب من إبداع حقيقي ، وأنا لا أقوم بعمل نقدي بمفهوم النقد المعروف إنما أكتب ما تركت من تأثير عليّ تلك الكتب كقارئ فأنا هنـا أقرأ هــذا التأثير قراءة مكــتوبة ليس إلا .
من تلك الكتب مجموعة قصصية تحمل عنوانا ( عملاق الطوابق العليا ) للكاتبة الشابّة القاصّة السورية «هيمى المفتي» الصادرة عن دار الحصاد للطباعة والنشر ، تضم هذه المجموعة عددا من القصص القصيرة ، هذا الفن الذي بات معروفا في أوساط القصة الأدبية وله روّاده وله مريدوه ، عمدتُ إلى قراءة المجموعة القصصية ، قبل أن أقرأ المقدمة التي كتبها الشاعر السوري الكبير عبد القادر الحصني كي لا أقع تحت تأثير كلماته في رأيه الذي ما أردت معرفته قبل أن أصل إلى رأي ذاتيّ بعد قراءتي للقصص ، وبعد أن أنهيت قراءة المجموعة ، عدت إلى المقدمة ، قرأتها ، فوجدت أن عبد القادر الحصني رغم أنه قال قد ترك الباب مفتوحا لقراءات أخرى، ودراسات أخرى، ومفاهيم نقدية أخرى إلا أنه كقارئ فذّ جعل آرائي يُرتَجُ عليها فيما قاله في قصص هذه المجموعة المتميزة بحق لهذه الكاتبة التي نحن بين يدي مجموعتها القصصية، أي «هيمى المفتي» ولا أزيد ولا أزاود عليه، حين يقول : «أنا على ثقة بأن اسم «هيمى المفتي» سيكون في حال وجدت قصصها نقدا ودراسة ومقارنة وموازنة وتقويما ،، في حال وجدت هذا النقد، ستكون «هيمى المفتي» اسما مؤسسا في إطار المغامرة لترسيخ هذا اللون من القص» فما يراه الشاعر عبد القادر الحصني وأوافقه عليه بل وأتعلّم من قراءته حيث هو يقول : في قصص «هيمى المفتي» سرديّة جديدة موائمة لهذا اللون من القص «القصة القصيرة تقوم على تسلسل المتواتر السريع الخاطف المتعزّز بالطاقة التلويحيّة والناقل لإحساس المتلقّي من قصر المسموع إلى إسهاب المتمثّل والمقنع للفكر والنفس معاً للوصول إلى الامتلاء الغامر، مع الضربة الأخيرة التي يوقعها النص في آخر كلماته» .
إذن أكثر القصص في هذه المجموعة تقوم على توصيل فكرة ولكن ليس بالطرح الفكري المجرّد، وإنما بهذا الأسلوب الفنّي، الذي يقول شيئا ويضمر شيئا آخر أو حتى أشياء أخرى من حيث المعنى الذي قد يتفق عليه قارئان أو لا يتفقان فيما وصلهما من معنى، إن «هيمى» بالمجمل في هذه القصص تحسن الخاتمة بدقّة عالية، دون أن تكون ضعيفة وهي تسير بالقارئ نحو تلك النهاية أو الخاتمة، فهي تجيد فن السرد بلغة شفيفة رائقة، وبمستوى فنّي يخصّها حيث تؤدّي بالسرد من خلال القراءة إلى الخاتمة التي تعتبر توقيعا محكما خاصا لها ، فيما تريد من معنى تضعه للقارئ بهذه القصص كالقصة التي تحمل عنوانا (وجهة نظر):
[ شعر الحائط بالغضب . . لقد شفي توّا من آثار الجروح والكلمات بعد أن جاء من رمّمه وطلاهُ بلون أبيض جميل .. ثم تأتي بعض المسامير اللعينة لـ . .
سامحني يا صديقي قال أحد المسامير بأسف . . لم أقصد أن أشوّه وجهك . .
لكن لكثرة الطرق على رأسي ، اخترقتك مرغماً . .
قاطعهُ مسمارٌ ثان بصوت واثق :
بل لضعفك وهشاشة عظامك . .
دون أيّ شعور بالذنب ، تابع المسمار طريقه في جسد الحائط . ]
أضعها كمثال لا لكي أمسح بها كل القصص في المجموعة فالمجموعة لا تكرّر نفسها في قصّة وأخرى ، فلكل قصة عالمها وطريقتها ، هذا مع تأكيدي أن الكاتبة لها أسلوبها المتفرّد المتميّز بأنْ هذا صوتها الخاص ، رغم ما قامت به من كتابة كنصٍّ على نصّ في قصص معروفة للجميع سابقا إلا أنها أرادت قلب المفاهيم المعروفة عن تلك القصص في الذاكرة الشعبية بأن تختم فكرتها برؤية «هيمى» الخاصة كقصة (ساندريلاّ النهاية الحزينة) و(حمض العنب) و(خسارة الأرنب في سباقه مع السلحفاة) و(عصافير الشجرة)... فقد أرادت «هيمى» أن تقول إن هذه القصص تبقى قصصا عاديّة لو كرّرنا حكايتها، فعلينا النفخ في أكمامها برؤى غير عاديّة لنحصل على ولادة جديدة لتلك القصص فالإبداع هو {كتابة غير عاديّة عن أشياء مألوفة عاديّة}
بالطبع ليست كل القصص في المجموعة بمستوى واحد فهنالك قصص قوية جدا، وقصص رائعة جدا، وقصص معقولة، وقصص وسطية في المستوى ، إلا أنها الأقل، فأكثر قصص المجموعة منتقاة بعناية واختيار رفيع لهذا النمط من القصة القصيرة.
ثمّة ملاحظة التقطتها خفيّة ومواراة ، في أكثر قصص هذه المجموعة وهي قاعدة تمسح معظم القصص وأراها النقطة المركزية الخفيّة وأقصد فيها «الفشل» فما وصلني مما تعنيه الكاتبة وراء الظاهر هو حالة الفشل التي تعم أكثر حالات الشخوص التي حكتها القصص ، وهناك من يقول في النقد أن القاص لا يجوز إسقاط شخصيات قصصه على ذاته كما نسقطها على الشعر والشاعر ، إلا أنني لا أدع مثل حالات الفشل هذه تمر دون أن ألاحق جذورها في نفسية الكاتبة ، لأن الكتابة مهما اختلفت هي أولا وأخيرا نابعة من ذات الكاتب وعاكسة نفسه أحيانا مع الوعي وأكثر الأحيان سوى ذلك .
وإذا أردت تبرئة الكاتبة على هذا المأخذ النفسي من تلك الملاحظة ، التهمة ، أقول ربما أنني قرأت وعكست ذاتي في هذا الفشل الواضح والمتواري معاً .
وسأضع جملة أخيرة من كل قصة مراهنا أنها لوعكف عليها شاعر من الحداثيين لجعل من هذه الجمل،، خواتم القصص،، قصيدة نثر :
(لماذا لا يقطن الطوابق العليا سوى الأقزام ؟)
(وجدت جثة أخي)
(فوجئ بطبقة الغبار الكثيفة فوق مرآته)
(ذلك المتفرّد المختلف المتميز بدا مجرّد عصفور عادي)
(لم يكن قد أخبرها بأنه مصاب بعمى الألوان)
( فقد فقَدَ لونه )
( من جديد شعرت بالاختناق )
( جلستُ وحدي أنتظر غيابك )
( اكتشف أنه لا زال واقفا في مكانه )
(حيث تركلها الأقدام)
(عاد إلى منزله وتناول ما تيسّر. . . . عنقودا من الحصرم)
(واحدا بعد الآخر انسحبنا من مخابئنا معلنين الاستسلام)
إلى آخره .....
وقبل أن أنهي هذه الكلمات السريعة أقول إن بعض القصص شفّت وارتقت إلى أبعد من القصيدة في شعريتها فقصة بعنوان (... كرة)
تحكي عن حبّة مسبحة وقد سئمت من تكرار الدوران في خيطها ، قيدها ، ومن ديدن اللحاق بأخواتها ، في هذا القيد ، وما أن انقطع الخيط وانفرطت حبّات المسبحة وتدحرجت على الأرض شاعرة بحرّيتها «تتدحرج باتساع المكان دون قيد حيث تميد بها الأرض ، أو حيث تركلها الأقدام».
وثمة آراء شتّى تتفق على أن الشعر والقصة القصيرة تهدّمت الفواصل بينهما واستفاد كل جنس أدبي من الآخر دون تحديد وتأكيد من أخذ من الآخر أكثر ، وإذا كانت «هيمى المفتي» تكتب وتسمّي ما تكتب قصة قصيرة، فالعديد من قصص مجموعتها (عملاق الطوابق العليا) تتأجّج شعريّةً ما بين خيال وسريالية وبواقعية أيضا، مثل هذه القصص قريبة جدا من النصوص الشعرية ، لكنّها أخذت الأسلوب السردي بقصدية لتحقق له هذا البعد فيما ذهبت إليه . .
لتكون جملة الشاعر عبد القادر الحصني ليست مقولة جزافيّة :
ستكون «هيمى المفتي» اسما مؤسسا في إطار المغامرة لترسيخ هذا اللون من القص.

خميس لطفي
14/07/2009, 08:13 PM
قراءة جميلة لقصص تستحق القراءة والإشادة ، فالأستاذة هيمى المفتي قاصة غير عادية حقاً

هيمى المفتي
15/07/2009, 03:20 PM
أستاذي العزيز خميس

كل الشكر والتقدير لك.. أسعدني رأيك..

مودتي

شوقي بن حاج
15/07/2009, 07:55 PM
أختي / هيمى المفتي

المقال النقدي فتح شهيتي على الغوص في مجموعة نصوصك مرة أخرى
لأستكشف رؤى أخرى غير مطروقة وأشياء مختفية 5 اعدك بقراءة نقدية في مقال خاص )
- استمتعنا هنا, كان من الممكن أن يكون الموضوع بمنتدى الق.ق.ج أين بيته ومنزله
وكل الجيران والأحباب !

تقبلي القرنفل كله

هيمى المفتي
15/07/2009, 09:18 PM
الأستاذ شوقي بن حاج المحترم

كل الشكر لك.. دائماً تقدم الكثير من وقتك وجهدك المثمرين لمنتدى القصة القصيرة جداً..

في الحقيقة فكرت في وضعه في منتدى ال ق ق ج لكن وجدت أن هنالك منتدى متخصص في النقض ففضلت أن أضعه فيه.. على كل حال إن رأيت نقله لا مانع لدي

مودتي وتقديري

شوقي بن حاج
15/07/2009, 11:42 PM
اختي / هيمى

شكرا لإطراءك...

في مواضيع مثل هذه أفضل أن توضع في منتدها الإبداعي
أولا ليطلع الكتاب والمبدعون ثم تنقل للمنتدى المتخصص في النقد

تقبلي الإبداع كله