المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : و في القلب ...حنين !



صلاح الدين مرزوقي
14/07/2009, 10:13 AM
وفي القلب ... حنين !!.

كانت حقيبته تحمل طفولته التي لم يهديها القدر سوى براءة وابتسامة ودموع , كان بلا حلم , بلا عمر, لا يملك أكثر من ذكريات, نصفها ميّت, ونصفها الآخر أبكم !, ذكريات لا تذكّره إلا بالوجع والحيرة والبكاء والانتظار... انتظار كل شيء ولا شيء !

انتظار يسرقه العمر من إطاره الأسود, يهديه الوقت بعضا منه ثم يسترده بنفس اللون والرائحة , كان يكره كل شيء, الشوارع الصفراء التي تحمل أمواتا يتحركون ,,,, وجوه كالرمل تنتظر المطر !!
يكره الجدران التي تخاطبه بطباشير الأطفال والحيارى...

كان يكره الرجال المبتلة بالعرق والتراب وتجاعيد الزمن , يكره النساء اللاتي تخفين وجوههن بأقمشة سوداء كقطع ليلية لا يزورها نجم واحد,,, يكره ضجيج السيّارات التي تحجب عنه لغة الطير والفصول وصوت الآذان الذي لا تسمعه القلوب, ويكره النشيد الوطني الذي يسمعه مرّة في كل عام ويقتله في العام آلاف المرّات !!

كان يكره الفصول والزمن والأعياد , ولا يحبّ النظر طويلا إلى وجه جدّته وتاريخه على جبينها بخيوط حمراء تذّكره بالضياع والتراجع والانحناء .
كان يكره الصمت والصلاة والعرّافين ,,, كل هذا كان في حقيبته السوداء !!

نظر إليها بعين يسكنها الأسى وخاطبها بصمت... تذكر فيها لونه , وتكلّمت دموعه , أسرع راكضا إلى جدّته واستنشق عبيرها العنبري فتغير كل شيء ....
لون الشوارع الصفراء صار في عينيه أجمل من خيوط الشمس الذهبية, والجدران القديمة الهشّة أغلى من أفخم بنايات العالم , أحبّ الأقمشة السوداء التي تغطي أجساد النساء , وأدرك أنها كانت تحمي أنوثتهن , أحبّ وجوه الرجال المتعبة, وأدرك أن تجاعيدها الممزوجة بالعرق والغبار, فيها رائحة الخبز الذي يغذيه, أحب الآذان وأدرك أنه يذكّره بالسماء , ويغسله من الذنوب , و أن ترنيمة الوطن كانت تذكّره بانتصاره العظيم ,,,

حمل حقيبته... تنفّس ألم الوداع ...وقال أحبّكم جميعا ...!!

http://www.wata.cc/forums/imgcache/9111.imgcache.jpg (http://www.wata.cc/forums/imgcache/9111.imgcache.jpg)
.
أحبّكم جميعا ..

زياد عمار
14/07/2009, 03:28 PM
أخي المكرم صلاح الدين مرزوقي
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
"وفي القلب حنين"
وأنا أقول أنّ في قلبك نقاء، وفي روحك أصالة، وفي النّهى منك فكرٌ ناضج، وبين جنبيك يسكن وطن وحبٌ كبير.
لا تُدرك السعادة الحقّ إلا بعد ألم وأنين.
جميل النبّض والروح أنت أخي صلاح.
محبَّتي وتقديري

رانه محمد
14/07/2009, 03:34 PM
أخي مرزوقي
جمال وبساطة تعبير تدخل الوجدان بلا مقدمات
جميل ما طرحت اخي .رد الله كل المغتربين الى اوطانهم سالمين معافين
دمت بخير

طارق موقدي
14/07/2009, 07:07 PM
جميلة ايها الجميل
رائعة حد الألم

حنين وشوق وعودة إلى الجمال، والتصالح مع الذات
اشكرك على هذا النص

ميرفت ادريس
14/07/2009, 07:17 PM
الأخ العزيز صلاح الدين مرزوقي:

رغم كمّ الحزن والوجد الغافي في حروفك

تبقى لنصوصك فلسفتها الخاصة ونكهتها المميزة

دمت مبدعا

ناصر عبد المجيد الحريري
14/07/2009, 07:34 PM
أيها المتسلل إلى قلبي كما الطفل ، في تصرفه البريء الذي لا يحمل بين حناياه غير الصدق والمحبة
والذي يكره التلون والكره و يعشق النحبة والصفاء .
إنك هكذا أيها المرزوقي تتسلل وتتمكن في دواخلي
وتنشر عالمك الجميل وبراءة الطفولة تلك في أعماقي

عائشة خرموش
14/07/2009, 08:59 PM
في قلب صلاح الدين .. غلب الحنين ...الأنين !!
رائعة هي همستك الرقيقة التي انسابت رقراقة كدمع صافي يرفرف على أجنحة الوفاء .
تغلغلت كلماتك في الروح قبل يفهم معناها ... و حين فهم المعنى أصبحت مستقرة في العمق .

مهما نظرنا لعالمنا بنظارات مختلفة .. تظل الأصالة و حب الآخر و الرجوع لجوهر الذات العاقلة الطيبة ,هو الأساس الذي تقوم عليه حياتنا .

شكرا أخي صلاح الدين على هذه الرائعة .. و أتحفنا بمثلها مستقبلا .:rolleyes:

محمد معمري
15/07/2009, 02:38 PM
بسم الله الرحمن ارحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم صلاح الدين بوح نبع من معين قلبك وطاف بعقلك وخطته يمينك فكان صدقا لما فاض بعد الشعور بالآلام.. وفي قلبك أشياء كثيرة تكاد تثور لولا الحنين...
دمت مبدعا ومتألقا...
مودتي وتقديري.

مجذوب العيد المشراوي
15/07/2009, 07:23 PM
هذا نص يحمل تنقضاته فيه وينتصر بقوة على الرتابة .. جميل