المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة: شامة



عبد الحميد الغرباوي
18/01/2007, 03:32 PM
شامـــة

بكت ليلى كثيرا..
ثم ضحكت ضحكا هستيريا..

***

... و رأت ليلى ... ،
رأت نفسها مطوقة برجال يؤمنون أن الأنثى ، تولد و تكبر ، و حين تنضج كتفاحة ، في بيت أبيها ، تظل تنتظر..
تنتظر اللحظة التي يأتي فيها ذكر يحملها إلى بيته..
تجلو أوانيه ، و تصبن ثيابه ، و تطهو طعامه ، وتحتضن نطفته داخل رحمها كلما أراد، لتنجب له أولادا و بنات ، إلى أن تذبل و تصفر و تسقط كورقة خريف...
و عرفت ، بحدس المرأة ، أنهم ، و هم يطوقونها ، لا يفكرون سوى في شيء واحد، شيء واحد يحرك دواخلهم ،
سواكنهم ،
و يخرجهم عن طواعيتهم ،
فجمعـت من ريقها و من صدإ قلبها ، بصقة كبيرة ، قذفت بها في وجوههم...
بحثت ، في زحمة الرجال ، عن وجه أبيها فلم تجده ، و عن وجه أخيها فرأته يقف خلف عمودين بشريين ، يختبئ محاولا عدم الوقوف أمامها ، وجها لوجه ..
صاح واحد منهم:
ـ هذه الفاسدة ، لا مبرر لوجودها بيننا بعد اليوم..
و دفعوا به إلى وسط الدائرة...
صرخت الحناجر، و ارتفعت الأيدي إلى السماء ملوحة، مهددة..
الصراخ و ارتفاع و نزول الأيدي، أصاب الأخ بهيجان ، فأخذ يشد على ثيابه ، يحاول تمزيقها، يصرخ ، مثلهم، يرفس بقدميه الأرض المتربة ، و كأنه ثور هائج ، و كل ذلك، و هو عاجز أن يصفعها أو يشدها من شعرها الأسود الغزير الطويل ، و يلقيها على الأرض، يجرجرها ، و يمرغ وجهها في التراب..
و كلما التقت عيناه بعينيها ، ترميه بنظرات تنطق بالكثير من الكلام ، فيرتد بصره وتتجمد الكلمات في حلقه ...
أ ليست، هي أخته، التي احتفظت بالسر، سره مع بنت الجيران ؟ ...

***

كانت ، ذلك اليوم، قد عادت ، من الثانوية ، في وقت لم يكن مقررا لها فيه أن تعود ، لو لم تتغيب أستاذة العلوم،..
سمعت صرخة مكتومة ، فأسرعت إلى بهو الضيوف، نظرت خلسة من خلف الباب الموارب، فرأته يربت على كتفيها ، شبه عارية، دامعة ، يطمئنها ، متوسلا إليها أن تستر الفضيحة ، و تصبر إلى حين تخرجه من مركز التكوين المهني ، و يدفع بطلب العمل إلى أكبر فندق في المدينة ،..
و يصبر ،..
يصبران ،..
ينتظر ،..
ينتظران ،..
ليحظى طلبه بالقبول و يعمل فيه طاهيا ، و بعد ذلك يعقد قرانه عليها...
و حين نجح أخوها في إبعاد الفضيحة من قلب الدار، وجدها ، هي أخته ، تقف أمامهما ، معلنة عن نفسها كشاهد شافَ ، لكنْ ، و لأنه أخوها ، طمأنته ،طمأنتها ، طمأنتهما،أنها شاهد "ما شافشي حاجة... "

***

... و امتدت يد مشعرة،..
مكنت أخاها الحائر، الدائخ، من خنجر معقوف، كلما ضربت فيه خيوطُ الشمس الحارقة، انبعث من حوافه القاطعة ، بريق يعمي..
كانت الشمس ، شمس صيف خانق ...
و ارتفعت الأصوات تحثه :
" كفاك صراخا كالنساء، و أسرعْ إلى غسل العار..
ألا ترى ، أن مكانها أصبح بيننا مستحيلا.."

***

بكت ليلى كما لم تبك من قبلُ..
ماذا لو حدث كل هذا؟...
و من الطابق الخامس لعمارة في طور الاكتمال، لم تعلق بعد على بوابتها الكبيرة الألواح بأسماء المالكين، و من داخل غرفة ، من غرف شققها الفارغة، أطلت من نافذة عريضة لا تزال تنتظر إطارا و زجاجا يزينها ...
كان الشارع صاخبا، يعج حركة...
انتاب ليلى، شعور بضآلة الأشياء...
بدت لها دمى صغيرةً ..
مدت ليلى يدها من النافذة ، و شرعت تلعب بالدمى كما تحب و تشاء ، تنقلها من مكان إلى آخر ، تسد عليها الطريق بأصابعها ، فتراها تحاول البحث عن ممر آخر، و ترغمها على الإسراع مرة و مرة على الإبطاء فلا تقوى على مجاراتها فتسقط متعثرة..
و رأت ليلى امرأة هيفاء ، لا يني رجل ، عن ملاحقتها و معاكستها ،..
أخذت ليلى يد المرأة و نزلت بها صفعا على خديه فولى هاربا خائبا مطعونا في كبريائه...
ابتسمت ليلى..
و استهواها أن ترى البشر و الشجر والآلة، أصغر وأضأل ، فخفت صاعدة إلى أعلى العمارة ...
اقتربت من حافة السطح ، و أطلت دون رجفة أو خوف، ثم جلست، و تركت ساقيها تتدليان متأرجحتين في الفراغ..
و لأول مرة تكتشف أن أدخنة عوادم السيارات، و الموتوسيكلات ، لا تسود جدران و أشجار المدينة فحسب ، و لكن قسما كبيرا منها يصعد إلى السماء ليزرع في حناجر العصافير أوراما تخنقها و تجعلها عاجزة عن التغريد ، و أكيد أن النجوم ما عادت تنير السماء ليلا ، بسبب هذه الأدخنة، فهي التي تحجبها عن ملاقاة عشاق الليل و النجوم و القمر...
و تذكرت أغنية تتغنى بالليل و النجوم و القمر، وشرعت تدندن بلحنها ، غير مبالية بفستانها و قد رمى الهواء به إلى ما فوق الركبتين العاجيتين ، فبدا بياض الفخذين متألقا...
التقطت أذنٌ، شديدة الحساسية كردار، دندنات ليلى..
كانت الأذن ، لمخبر أحيل على المعاش، غير أن تجربته الفذة في مجال التصنت ، جعلت الدوائر المختصة تحتفظ به إلى حين إصابته بالصمم التام و البكم الشامل و العجز الذي لا ينفع معه إصلاح أو ترميم..
رفع المخبر رأسه، فشاهد ليلى تجلس على الحافة...
أثاره عريُها ،
و رغم العلو الشاهق، لحست عيناه ما تحت الفستان..
" إلهي.."
صاح متلمظا و كأنه يلحس قشدة...
و أصابه دوار ، فكاد يصدم عمود ضوء..
وقف..
" أ لم تجد هذه البلهاء مكانا أصلح للجلوس من ذاك المكان الخطر ؟.."
قال في داخله..،
و فكر لحظة في ما يمكن أن يحدث لها إذا ما هي فقدت توازنها ...
و مر شابان من أمام المخبر الحائر، الذي لا يزال رافعا رأسه..
نظرا حيث ينظر..
ابتسم الأول:
ـ أكيد لونه أسود
ـ و كيف عرفت ذلك؟
ـ غالبيتهن يفضلنه أسود
ـ هذا هراء .. أنت ما زلت غرا، و لا تجربة لك مع النساء..
ـ أعرف ما لا تعرفه أيها الأحمق..
ـ و كم من النساء عرفت؟ لتخرج باستنتاجك الغريب والمدهش هذا؟..
و كاد الشاب الأول أن يخرج عن طوعه ، و يفقد السيطرة على لسانه ، و يقول له" إنهن كثيرات و أحلاهن أختك .."
لكنه أحجم عن القول في آخر لحظة ، إذ تذكر، و هو يلثم شامة كبيرة خضراء على فخذها الأيسر،نصيحتها له بأن يكتم السر و إلا حدث لهما ما لا تحمد عقباه...
لكن المخبر سمع ما راج في صدر الشاب فصرخ في وجهه ..
" أ لم تستحي ؟..
أ هذه هي الصداقة؟...
كيف يسمح لك ضميرك خيانة صديق والكشف عن عري أخته؟..
سمع الشاب الثاني كلام المخبر ، فوقف شعر رأسه ،..
كاد يجن ..
جن..
و في اللحظة التي امتدت يده لتطبق على عنق صديقه الذي لم يبد أدنى مقاومة، هز الفضاءَ صراخ جارح، و صوت ثقيل مكتوم لجسد يرتطم بسطح سيارة رابضة على الرصيف..
هب الشابان و المخبر إلى الجسد المسجى على سقف السيارة..
كانت ليلى تلفظ أنفاسها الأخيرة و الدم ينزف من أذنيها و فمها و أنفها ، ...
حاول العجوز ستر العري الذي كشفت عنه السقطة، فبدت له شامة خضراء تتوسط فخذها الأ....
عبد الحميد الغرباوي
من المجموعة القصصية" شـامـة" الصادرة عام 2005 عن دار الحوار اللاذقية ـ سوريا.

زكي العيلة
18/01/2007, 05:12 PM
أشد في البدء على يد أخي القاص الناقد والفنان التشكيلي (عبد الحميد الغرباوي) راجياً له المزيد من الإشراق والحضور اللافت.
وفي انتظار المزيد من إبداعاته المميزة .

نص (شامـــة) للقاص الجميل عبد الحميد الغرباوي يرصد جملة من القضايا التي تُشكّل هاجس المجتمع العربي، فالمرأة -مهما بلغت درجة ثقافتها- تظل في منظور البعض كائناً تابعاً مستلباً، يكبر وينضج في انتظار الطارق الذي يحملها (جارية) لبيته، دون أن يكون لها دور أو كيان، بحيث تبدو أي إيماءة أو موقف منها دليلاً على أنها عابثة، خارجة عن الضوابط الاجتماعية، في الوقت الذي يتباهى فيه الذكر في النص (أخوها) بصولاته وجولاته النسوية، فكان لا بد من إزاحتها لأنها الشاهد الحي على سقوطه وفضيحته أولاً، ولأنها هي شهر زاد المحاصَرة بالخطاب الذكوري السائد، مما يجعل رواية الأخ أكثر تسويقاً ومصداقية.

(شامة) إدانة لكثير من الرؤى الذكورية الشوهاء المخاتلة.

دمت رائعاً
زكي

محمد المهدي السقال
18/01/2007, 10:36 PM
المبدع السارد

عبد الحميد الغرباوي

قرأت النص السردي , فوجدته باذخا كهدي بصاحبه ,
رفيق مرحلة البحث عن الذات ,
في زحمة التناقضات و المفارقات التي ظلت تكبس على الأنفاس ,
وحتى لا أكتب شيئا عن النص متأثرا باللحظة التاريخية المعلقة في الذاكرة ,
أكتفي بإثبات مروري على حافته ,
لأن دلالاته و إيحاءاته , أبعد من أن تختزل في التيمة الظاهرة فيه ,
معبرا عن إعجابي بإصرار المبدع السارد عبد الحميد الغرباوي ,
على رفض الصمت ,
في زمن لا يحسن لغة الكلام , ناهيك عن الاستماع .

أخوك
محمد المهدي السقال

عبد الحميد الغرباوي
19/01/2007, 03:15 PM
العزيز المبدع، الناقد و الباحث زكي العيلة،
فيض من السعادة يغمرني اللحظة و أنا ، هنا، أعانق كلماتك المفعمة بالإحساس المرهف، و النافذة إلى عمق النص.
محبتي.

عبد الحميد الغرباوي
19/01/2007, 03:22 PM
أخي المبدع محمد المهدي السقال،
في أكثر من لقاء قصصي، و في أكثر من ندوة، أو مناسبة ثقافية أدعى لها، يكون هدفي الالتقاء بأسماء إبداعية من طينتك، لكني أفاجأ بغيابها، و أتساءل: ما السبب؟.. و لا يأتي الرد.
في الآونة الأخيرة، وجدت الجواب، حين قررت ألا اشارك إلا في الحلقات أو اللقاءات التي تتسم بالهدوء و الاتزان، و تحضرها أسماء "شربت عقلها"..
أتابع نشاطك الرقمي باهتمام و باستمرار. حضورك لافت و مميز.
أرجو أن تتاح لنا فرصة التلاقي على أرض الواقع.
مودتي

محمد المهدي السقال
19/01/2007, 04:58 PM
**
أخي عبد الحميد

لك أن تتصور بهجتي باللقاء مع عزيز تقدره رغم انقطاع الوصل ,
قلت في إحدى التعليقات على قصة للأخ محمد صوف في دروب :

إلى مشا الزين كيبقاو حروفو

وهو مثل عندي على الأصالة في بناء الشخصية ,
دون أن يكون للأمر ارتباط بالأصالة المتداولة .
تحياتي
في انتظار اللقاء

محمد المهدي السقال

عبد الحميد الغرباوي
25/01/2007, 08:32 PM
" إلى مشا الزين كيبقاو حروفو"
" إذا ما ذهب الزين( الجمال) فحروفه تبقى شاهدة عليه"
اطمئن أخي ، الزين لا يزال، لم يذهب بعد، و لن يذهب...
يجب تجاوز مثل تلك الحواجز التي أعتبرها مجرد وهم عندنا و (عندهم)..
لا أحد منعني من الكتابة أمس و لا اليوم..
و لا أحد استطاع أن يحول دون انتتشار اسمي و تحقيق الكثير من الإنجازات الإبداعية..
و أما الكتابة و الإبداع إجمالا فنحن لا نسعى من خلاله ارتقاء كرسي شهرة، أو منصب عال.
العمل الجاد، المتقن، و الإخلاص لنار (لا علاقة لها بالمجوسية) أو لحرقة الكلمة اللذيذة (ضرب من الماجوسية، إن شاء القارئ)هي التي تميز و تبرز الصالح من الطالح و المستمر ، المتواصل من الذي استمراره رهين مناصب و عكاكيز قد يغزوها " السوس " في كل وقت و حين.
ليكن الحوار بيننا (مستقبلا) منصبا في ما هو مفيد لنا، نناقش فيه الأدوات الفنية و نتبادل الرأي في فنون و ضروب الكتابة، و في القصة القصيرة بالتحديد.
مودتي

محمد المهدي السقال
26/01/2007, 10:55 AM
" إلى مشا الزين كيبقاو حروفو"
" إذا ما ذهب الزين( الجمال) فحروفه تبقى شاهدة عليه"
اطمئن أخي ، الزين لا يزال، لم يذهب بعد، و لن يذهب...
يجب تجاوز مثل تلك الحواجز التي أعتبرها مجرد وهم عندنا و (عندهم)..
لا أحد منعني من الكتابة أمس و لا اليوم..
و لا أحد استطاع أن يحول دون انتتشار اسمي و تحقيق الكثير من الإنجازات الإبداعية..
و أما الكتابة و الإبداع إجمالا فنحن لا نسعى من خلاله ارتقاء كرسي شهرة، أو منصب عال.
العمل الجاد، المتقن، و الإخلاص لنار (لا علاقة لها بالمجوسية) أو لحرقة الكلمة اللذيذة (ضرب من الماجوسية، إن شاء القارئ)هي التي تميز و تبرز الصالح من الطالح و المستمر ، المتواصل من الذي استمراره رهين مناصب و عكاكيز قد يغزوها " السوس " في كل وقت و حين.
ليكن الحوار بيننا (مستقبلا) منصبا في ما هو مفيد لنا، نناقش فيه الأدوات الفنية و نتبادل الرأي في فنون و ضروب الكتابة، و في القصة القصيرة بالتحديد.
مودتي





الأستاذ
عبد الحميد الغرباوي

تحية طيبة

أحببت أن تقرأ معي تعقيبا بعثت به إلى الأخ ابرهيم درغوثي ,
حول حضور الفكرة في النص السردي ,
آملا بسط ما تراه من نقد أو تعليق .
*******

أخي ابراهيم

تدري و أنت العارف بخبايا دينامية النص السردي ,
أن الفكرة فيه محرك محوري لتمفصلاته ,
وعلى عكس الشعر الذي يحِل فيه التماهي الفني مع الحالة الشعورية أو اللاشعورية ,
فإن السرد مطالب بأقصى الحذر في صوغ تلك الفكرة ,
لتأليف البناء المتناسب مع طبيعتها و و أبعادها ,
وهنا يحضر عامل اللغة ,
ليس كمعجم يميزه الثراء والاقتدار على الصياغة التعبيرية ,
ولكن كأداة تواصلية يحتاج لأقصى درجات التطويع ,
في اتجاه الموازنة بين المبنى والمعنى ,
بحيث تخلق الجملة التصويرية ,
تلك الرجة في وجدان المتلقي , على خلفية الفكرة الأولية ,
وهنا أقول دائما ,
الفكرة قضية ,
الفكرة مبدأ ,
الفكرة رؤية ,
ومهما ظهر به النص السردي من قوة في تركيبته اللغوية و التعبيرية ,
فإن غياب تلك الفكرة ,
والتي تتمظهر عبر وسائط متعددة قابلة للتطوير ,
لا يمكن أن يؤدي إلا إلى موت النص السردي , قبل موت صاحبه ,

أخوك
محمد المهدي السقال

بديعة بنمراح
26/01/2007, 07:24 PM
الأخ الفاضل عبد الحميد
أحييك وأشد على يدك بحرارة على هذه القصة القضية ، قضية لا يؤمن بها إلا القليل من الناس ، وأمل نحيا من أجله : ان يأتي يوم يؤمن فيه الرجال والنساء على حد سواء بالمرأة الإنسان. المرأة الفكر والإحساس و العطاء وليس المرأة الجسد .التي وجدت فقط من أجل إشباع رعبات الرجل وإنجاب الأطفال .آنذاك ، يمكن للمرأة أن تضع يدها في يد أخيها الرجل من أجل البناء وسعادة كليهما.
رائع هو الفكر الذي تحمله. دمت متألقا

صبيحة شبر
26/01/2007, 09:00 PM
المبدع القاص عبد الحميد
قصة تضع فيها يدك على موضع الداء
الذي تعيشه اوطاننا
حين يسلب من المراة صفات الانسان
وتصبح مجرد وعاء
ولكنك في القصة لاتبريء احدا
الكل مدان

عبد الحميد الغرباوي
28/01/2007, 11:59 PM
المبدعة بديعة بنمراح،
أستعير منك قولتك:
المرأة كيان وكرامة وفكر
أسعدني تفاعلك مع نص " شامة".

عبد الحميد الغرباوي
29/01/2007, 12:01 AM
المبدع القاص عبد الحميد
قصة تضع فيها يدك على موضع الداء
الذي تعيشه اوطاننا
حين يسلب من المراة صفات الانسان
وتصبح مجرد وعاء
ولكنك في القصة لاتبريء احدا
الكل مدان
أجل، فنصف المجتمع إمرأة و نصفه الآخر رجل.
و إصلاح المجتمع لا يقع على عاتق طرف دون الآخر.
الكل يتقاسم المسؤولية.
أسعدتني قراءتك المتأنية للنص.
مودتي

حسام الدين نوالي
06/06/2007, 04:28 PM
إن كون المرأة مهيأة بيولوجيا للإنجاب شكّل منها –تاريخيا- ثروة سامية في المجتمعات الأولى بحيث يتم تداولها تبعا للقوة العشائرية أوالقبلية أوالقرابات، وفيما ظل الرجل لا يغادر قبيلته وعائلته فإن المرأة يتم تداولها وانتقالها إما بمنطق القوة أو بمنطق العقود الاجتماعية، وبالتالي فقد ظلت تستجيب لاستراتيجيات الرجال في التداول والحماية معا، وأيضا في التصنيف ضمن سلّم القيم الأخلاقية والاجتماعية تبعا للقواعد والسنن المتعارف عليها.
والحماية إذ تستضمر شكلا من أشكال الوصاية فإنها كذلك تحمل "سلطة الرقابة" والمصادرة..
في الغرب كانت الثورة النسائية التي أحرقت "مشدات الصدور" رفضا لتمييز الآنسة Miss عن السيدة Mrs ثورة ضدّ التصنيف، ضدّ ميْز تمارسه لغةٌ أعْفَت الرجال منه؛ وفي الشرق كانت وما تزال الحركات النسائية تناضل رفضا للتراتب الهرمي، ورفضا للعنف المادي.
وكلا الرفضين خروح عن الدائرة التي تُرسم باسم الحماية ذاتها في أشكال متباينة منها الطوق الذي يرسمه الرجال حول ليلى، ليس فقط ليلى التي تبكي وتضحك في هستيريا داخل النص، لكن ليلى التي تسكن كل أنثى، والتي تشكّل الأنثى في المخيال العربي لحد القول "كل يغني على ليلاه"..
و تاريخيا، ليس "مجنون بني عامر" وحده الذي عانى من اختلال التوازنات بين الذكورة والأنوثة في مجتمع الصحراء، بل "ليلى" نفسها عانت أيضا، فيما أكد رجال الخيمياء ضرورة هذه التوازنات من أجل حجر الفلاسفة، ومن أجل الإكسير، ومن أجل تحويل المعدن الرخيص إلى ذهب .. وغير ذلك؛ وأيضا علماء الطاوية الصينية من أجل توازن في الحياة كلها عن طريق توازن مبدأي الين "المؤنث" واليانغ "المذكر".
وسواء أكانت حكاية المجنون حقيقة أم خيالا فإنها في الحالتين تصور انزياح المنطق الإنساني إلى اللامنطق أو إلى الجنون بسبب اختلال العلاقة بين الذكورة والأنوثة، وعدم وجود رابطة منضبطة و متوازنة بينهما.
ولعل الأخ الذي " يرفس بقدميه الأرض المتربة ، و كأنه ثور هائج" يقدم إحدى صور هذا اللاتوازن من خلال ثلاث تقابلات أساسية:
الأخ : مذكر – يرفس – واقف "عمودي"
الأرض: مؤنث – غير متحركة - أفقية
وإذا أضفنا أن الأرض ذات حمولة الخصوبة والإنبات و الطهارة "التيمم"، وكونها قد يلحقها الجفاف والتصحر فإننا نجد ان كل هذه المواصفات قد رأتها ليلى في الأنثى التي يحملها ذكر إلى بيته : " تجلو أوانيه ، و تصبن ثيابه (الطهارة)، و تطهو طعامه(الإنبات) ، وتحتضن نطفته داخل رحمها كلما أراد، لتنجب له أولادا و بنات (الخصوبة) ، إلى أن تذبل و تصفر و تسقط كورقة خريف (الجفاف والتصحر)"
فيما أن هيجان الثور هيجانٌ ضد أنثى متربة ومغبرّة بسبب تراكمات فكر رجالي مسيطر(قارن عدد الرجال بعدد الإناث في النص)، على أن الهيجان كان بالرفس فيما يشبه طقس إخفاء شيء تحت التراب..
وللأنثى في النص صورتان:
أنثى يُتحرّش بها، رأتها ليلى من فوق.
وأنثى تعاقب رأيناها جميعا وأسماها السارد "ليلى" ليس في انتظار شاعر يعشقها ويهيم بها، ولكن لأنها تسكن مناطق مظلمة فينا، مناطق ليلية ما أحوجها لإضاءات.. ولأن الرجال يرمونها للعتمة قسرا
قال رجل: "ألا ترى أن مكانها بيننا أصبح مستحيلا؟"
ليس لأنها "زنَت"، فرجال النص يزنون –ربما جميعهم- ، ولكن لأنها اكتُشفَت.. إنه عقاب لعدم احترافيتها في "الحربائية"، عقاب لأنها لم تتقنّع مثلما تقنّع أخوها ورفيقته من قبل... في مجتمع ساقط، ستكشف ليلى عريه بسقطتها، وسيحاول " العجوز ستر العري الذي كشفت عنه السقطة" فهل يستطيع؟
بالتأكيد لا.. لماذا؟
لأن مجتمعا لا يوازن في الثواب والعقاب بين أبنائه من غير نظر إلى اللون أو الجنس أو الدين أو غير ذلك هو مجتمع سيظل عاريا، وهو مجتمع لا بد سينزاح باتجاه اللامنطق الإنساني، وباتجاه الجنون والخَرف..
قانون مجتمع النص هو قانون شكّله الرجال، لذا فهو "خطّي" و "أحادي"، مثل عين السارد، لكن هذا لا يعني أنه مفرد، بل متعدد و مقنّع، أو متعدد لأنه مقنّع؛ إنه ازدواجي، يشتغل في الظل بمنطق يرفضه ويعيبه ويعاقب عليه في الضوء.
وبين التعدد والتقنع ليس أبلغ من "الأصوات" داخل النص، فإذ يبدو أن الشخصيات تتعدد، ولكل منها صوت، أو تعليق، أو حتى موقف.. ربما لن نلمس اختلافا كبيرا أو اختلالا لو أن شخصية واحدة استأثرت بهذا كله. ما يعني أن الأصوات في النهاية هي صوت واحد وأن المواقف موقف واحد مهيمن يُسقط العتمة الشخصية على الآخر في ما يشبه حكاية "كبش الفداء".
هل ماتت ليلى في الختام؟
لعل اختيار العمارة غير المكتملة وفي قمتها أنثى هو اختيار ل"عُمران" ما يزال صاعدا في سلّم المنحنى الذي رسمه ابن خلدون للمدنية، هو عمران نامٍ يشبه أوطاننا، ليس فقط لأنها تماثل الخراب، ولكن أيضا لأن الأنثى ما تزال تمثل فيه موضوع الغريزة، وموضوع الجنس (المخبر، والشاب)، غير أن هذا الموضوع ما يزال متعاليا لأنها يمثل "الطابو".
الموضوع الطابو الذي حتى في حال انتحاره لم يصل إلى الأرض، لأنه سيظل طابوها متعاليا ولو بمقدار ما يعلو سقف السيارة على الأرض حينا، وبمقدار ما يعلو الرصيف على الأرض ثانية.
لكن ليلى ما تزال "تلفظ أنفاسها الأخيرة" حين اقترب الرجال وحين حاول العجوز -الذي يسكنه التاريخ- أن يستر العري، والحق أن ليلى لن تموت، لأن التوازن الكوني يفرض حضور الاختلاف، ويفرض حضور الين واليانغ وتوازنهما. لذا فمن أجل عمران حقيقي ومكتمل وأرفع وأعلى من المدنية الجوفاء (السيارة والرصيف)، كان لابد من انتحار ثقافي يحوّل أساسيات التفكير والمجتمع ليبدأ بناء العمارة يدا في يد بين الذكر والأنثى ليصعدا معا إلى قمتها، عوض انفصال حضاري بينهما تمثله "عمارة خربة" كالذي حدث حين أقامت ليلى وحدها هناك تتأمل العالم من قمة البناية.
فهل كان لزاما على السارد أن يقذف بليلى من فوق ليغيّر شيئا فينا؟
ليلى الآن تحتضر، يسيل الدم من فمها وأذنيها وأنفها، من أجلنا جميعا، من أجل تحول ثقافي ومجتمعي وحضاري، والمثل الفرنسي يقول:

« لن نصنع عجّة من دون كسر البيض » .

عبد الحميد الغرباوي
08/06/2007, 11:47 PM
فهل كان لزاما على السارد أن يقذف بليلى من فوق ليغيّر شيئا فينا؟
ليلى الآن تحتضر، يسيل الدم من فمها وأذنيها وأنفها، من أجلنا جميعا، من أجل تحول ثقافي ومجتمعي وحضاري، والمثل الفرنسي يقول:

« لن نصنع عجّة من دون كسر البيض » .
حسام الدين نوالي
أخي حسام الدين نوالي، صار عندي شبه اقتناع أنك لما تغيب عن المنتدى زمنا طويلا، فأنت حتما تهيء دراسة مستفيظة، بل دراسات، تعزز بها محتويات العديد من منتديات جمعيتنا.
شكرا على الدراسة العميقة و الدقيقة.. قد أعود إليها مناقشا ما ورد فيها من أفكار..
مودتي

حسام الدين نوالي
13/12/2008, 11:59 PM
شامة..
نص يستهويني كثيرا، قرأته رقميا وورقيا بإهداء من كاتبه
وشامة.. حكاية مكتنزة، ومدونة ثخينة تثيرني..
شامة.. نص متألق أبدعه "الغرباوي" نكاية بتاريخ "الشرقاوي" المتجذر في مركزية الذكورة.

مودتي

سعيد أبو نعسة
14/12/2008, 12:29 AM
أخي الكريم عبد الحميد
لن تقوم للشرق قائمة إلا حين يثأر الرجل لشرفه حين يزني ابنه تماما كما تنتفخ أوداجه حين يسمع أن ابنته زنت .
لم يفرق الاسلام بين الرجل و المرأة في انزال عقوبة الزنى بهما ولكن مجتمعاتنا الذكورية نسيت تعاليم الاسلام فنسيها رب العالمين و ها هي تتخبط في دياجير الظلام و الجهل و الضعف و الهوان .
نص راق ككاتبه .

عبد الحميد الغرباوي
14/12/2008, 01:07 PM
شامة..
نص يستهويني كثيرا، قرأته رقميا وورقيا بإهداء من كاتبه
وشامة.. حكاية مكتنزة، ومدونة ثخينة تثيرني..
شامة.. نص متألق أبدعه "الغرباوي" نكاية بتاريخ "الشرقاوي" المتجذر في مركزية الذكورة.
مودتي
مرة أخرى تأتيني بجديد لم أكن أتوقعه...
أقول " جديد"..بل مفاجئ...
و هذه المرة، يحمل نكهة و مذاق خاصين...أنت طبعا ، و أنت الصديق العزيز أعرف أنك بقدر ما أنت مبدع فأنت مواكب للحراك الإبداعي سواء هنا أو "هناكات"...
عودتك أخي إلى هذا لنص، و هذا النص بالذات، دفعني إلى قراءة القصة مرة ثانية، و من كان أول معلق و مرحب بالقصة و صاحبها؟...
إنه العزيز، العزيز زكي العيلة تغمده الله برحمته...ذكريات حلوة و رسائل محبة مع أخي الدكتور العيلة لن أنساها أبدا..
عودتك للنص أيضا، زرعت في نفسي بذرة شك من ألا أكون قد نجحت في التجربة الجديدة ـ من وجهة نظرك طبعا ـ و بذكائك و فطنتك، أردت أن تقول لي عد إلى كتابة قصص تشبه في أسلوبها شامة...مالك و صداع التجريب و تخريب خلايا الدماغ...هل يستحق منك الأدب العربي كل هذا العناء؟...
ــــــــ
) روحان على سلم موسيقي:
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=35071
2) درس القلب على إيقاع جديد:
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=35355
3) عصفور:
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=35898
4) كونشيرتو الحلم الرمادي:
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=36200
5) يانيس
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=36485

د.أحمد الخضير
14/12/2008, 02:33 PM
قصه جميله معبره

تعبر عن وقع مؤلم

رغم أنها فكره مكرره في الأدب العربي ولكن صياغه تختلف من كاتب الي آخر .

لك التقدير والإحترام

أشرف نبوي
14/12/2008, 05:53 PM
عبد الحميد الغرباوي

ونص ثري يحمل الكثير في طياته ، كتب بأسلوبك الفني الفذ وكاني بك تنحت تمثال جميل في حكاية قاسيه قسوتنا نحن البشر التي هي اشد قسوه من الحجارة ( وان من الحجارة لما يتفجر منه الإنهار)

نص مكتمل لدرجة تبخسه حقه اذا تكلمنا فيه بغير كلمة واحده ........... الأعجاب الشديد

دم بخير

اشرف نبوي

عبد الحميد الغرباوي
15/12/2008, 01:03 AM
أخي الكريم عبد الحميد
لن تقوم للشرق قائمة إلا حين يثأر الرجل لشرفه حين يزني ابنه تماما كما تنتفخ أوداجه حين يسمع أن ابنته زنت .
لم يفرق الاسلام بين الرجل و المرأة في انزال عقوبة الزنى بهما ولكن مجتمعاتنا الذكورية نسيت تعاليم الاسلام فنسيها رب العالمين و ها هي تتخبط في دياجير الظلام و الجهل و الضعف و الهوان .
نص راق ككاتبه .
أهو الشرق وحده أخي المبدع الوديع سعيد؟...
حضورك يذكرني بتلك الأيام الماضية...هنا في منتدى القصة القصيرة، و هناك في منتدى القصة القصيرة جدا...
أظن أن عوامل كثيرة قلصت ربما أو أثرت في عطاءاتي و نشاطي في المنتديين...
و العزاء كل العزاء في الأسماء الفاعلة الحالية...
كلماتك في حقي أو في حق ما يخطه قلمي، شهادة أعتز بها...
دمت عزيزا
ـــــــــ
1) روحان على سلم موسيقي:
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=35071
2) درس القلب على إيقاع جديد:
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=35355
3) عصفور:
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=35898
4) كونشيرتو الحلم الرمادي:
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=36200
5) يانيس
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=36485