المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عمالة الأطفال في الميدان الزراعي في الوطن العربي إلى أين



نعمان عبد الغني
19/07/2009, 12:04 PM
عمالة الأطفال في الميدان الزراعي في الوطن العربي إلى أين
الاستاذ/نعمان عبد الغني
هم أطفال ومراهقون الذين لم يعتادوا، خصوصا خلال العطلة الصيفية، على اللعب أو ممارسة مختلف أشكال “اللهو” الطفولية التي يتطلبها نموهم الطبيعي عقليا وجسديا.. هم “العمال الأطفال” والذين يبلغ عددهم مرة ونصف العدد الإجمالي للعمال .
الرجوع الى الأحوال الاقتصادية والاجتماعية لعائلاتهم التي تنعكس على الحياة التي يعيشها هؤلاء الأطفال والمراهقون بين الحقول و لا يسلمون من جروح لا تطبب، ولا من صفعات الأهل وسبابهم في ما لو غضبوا من عدم اتقان أولادهم للمهارات
يشعر اكثر من ستين في المئة من الأطفال العاملين في الزراعة ان عملهم قد حرمهم من الحصول على وقت للراحة، اذ لا يعود لديهم متسع من الوقت للعب مع الأصدقاء أو القيام بنشاطات ترفيهية.
إحدى أهم مواصفات العمل بالزراعة هي انه عمل عائلي، بحيث يضطلع كل أفراد العائلة، بطريقة أو بأخرى، بمهمة أو أكثر. ويختلف عمل الأطفال في الزراعة عن عمل الأطفال في قطاعات اقتصادية اخرى حيث يعمل الأطفال مقابل ما يمكن تسميته بالأجور. فالأطفال العاملون في الزراعة ، جميعهم تقريبا، لا يتقاضون أي أجر باعتبارهم يقدمون المساعدة للأهل.
تتزامن معظم مهمات وأعمال الأطفال في الزراعة (خمسون في المئة) مع فصل الصيف، و 33 في المئة في فصل الربيع . وتتركز هذه المهمات على جمع المحصول. والحصاد، ونقل الغرسات. و ينقسم عمل الأطفال الى مراحل أربع بحسب الفئات العمرية: أقل من خمس سنوات، 5- 10 سنوات، 11- 15 سنة، و16 -20 سنة، فيقلد الأطفال دون الخمس سنوات أعمال أشقائهم وشقيقاتهم.. ولم يسجل أي تمييز جنسي في عمل هؤلاء الأطفال، اذ يقوم الذكور منهم والإناث بالأعمال ذاتها.
كلما تقدم الأطفال في السن (5 -10 سنوات) اوكلت اليهم مهام أكثر خصوصية. فيعمل الأطفال من هذه الفئة العمرية في نقل الغرسات وفي تجفيف أوراق التبغ نقل الغرسات في شهري نيسان وأيار من كل عام، فيواظب أفراد العائلة جميعهم على اتمام هذه المهمة في القرى المعروفة بكثافة مزراعي التبغ،.

وفي العمر المتراوح ما بين 5- 10 سنوات يبدأ الأهل بتعليم أطفالهم التقنيات المتعلقة بالزراعة. وقد درج الأهل على تحفيز أطفالهم من أجل تشجيعهم على تعلم المهارات المطلوبة. فبالنسبة الى نقل الغرسات توكل الى الأطفال، في هذه السن، مهمة تغطية الجذور بالتراب. الا ان دورهم في التجفيف يزداد أهمية، مما يؤدي الى تقليص الوقت المخصص أصلا للراحة والترفيه من بعد انتهاء العام الدراسي.

بالنسبة الى الأطفال المتراوح عمرهم بين 10- 15 سنة، فنادرا ما يمارس هؤلاء الأعمال المتصلة بالزراعة. كما يتوقع من الأطفال في هذا العمر ان ينشطوا في أعمال الحصاد، وخصوصا الفتيات. فيجب عليهن الاستيقاظ باكرا (في الخامسة صباحا) من أجل العمل لمدة ساعتين ونصف قبل الذهاب الى المدرسة. ومن الواضح أن لذلك تأثيرا كبيرا في التحصيل المدرسي، اذ يشير المعلمون الى ان التلاميذ يعانون من صعوبة في التركيز نتيجة لقلة النوم. وبالاضافة الى مهام الحصاد، يتوقع من الأطفال في هذه المرحلة العمرية ان يساعدوا في الغرس والزراعة (والري، ونزع النباتات الضارة، الخ). كما يلحظ ان الفتيات مسؤولات تحديداً عن تحضير الغرسات ونزع النباتات الضارة الى جانب المساعدة في التجفيف.
في خلال سن المراهقة، أي عندما يتراوح عمر الأطفال ما بين 15 -20 عاما، تزداد دائرة الأعمال المطلوبة منهم اتساعا لتشمل كل مهام الزراعة: من زراعة، ونقل غرسات، وري، الى انتزاع النباتات الضارة، والحصاد، والتجفيف، والتوضيب. ومن الملاحظ أن المراهقين الذكور يعملون في الزراعة بدرجة أقل من الإناث، إذ يترك كثيرون منهم المدرسة بغية البحث عن فرص لكسب المال. وما يعزز الاطار العائلي للعمل في الزراعة هي شهادة 85 في المئة من الاطفال الذين يقولون بأن الدافع لديهم للعمل هو مساعدة الأهل، فيما يشير 12 في المئة فقط الى انهم يعملون من اجل جني المال.
تتسم ساعات العمل النهارية بالنسبة إلى المزارعين أنها طويلة، بحيث تعمل غالبية الاطفال (47 في المئة) بمعدل ست ساعات يوميا، فيما يعمل آخرون (30,5 في المئة) بمعدل اربع ساعات يوميا في خلال موسم الحصاد بالإضافة إلى أن ثلث عدد الاطفال يفيدون بأنهم يعملون بين 88- 152 يوما (او لمدة 3- 5 اشهر في السنة) في الزراعة ، بينما يعمل ثلاثون في المئة من الاطفال ما بين 152- 226 يوما في السنة.
إن الأماكن التي يعمل فيها الاطفال هي دائما صغيرة، وسخة، ويملأها الغبار. ففي خلال اشهر الحصاد يجلس الأطفال على الأرض أمام بيوتهم في مساحات ضيقة مع سائر افراد العائلة، والمزروعات تتوسطهم . أما حين يعمل الاطفال في الحقول، فيجب عليهم تحمل اشعة الشمس الحارقة والحرارة المرتفعة للجو، وهما العاملان اللذان غالبا ما يتسببان لمعظم الاطفال بالصداع. وبالنسبة الى الأدوات المستخدمة في تنفيذ مختلف المهام المتعلقة بالزراعة فهي غير مناسبة، وغالبا يدوية، وتتضمن معدات خطرة بلا احتياطات للسلامة.
والجدير بالذكر ان علب الطوارئ و علب الإسعافات الأولية مفقودة تماما من بيئة العمل.
يواجه الأطفال العاملون في الزراعة مخاطر عديدة. فتظهر الدراسة الميدانية ان نحو 25 في المئة من الاطفال قد حصلت لهم اصابات، على الأقل مرة واحدة، اثناء العمل. وأكثر هذه الاصابات شيوعا هي، بكل بساطة، الجروح. لا يرتدي الاطفال قفازات، ولا يملكون ثيابا خاصة بالعمل. وتتفاوت طبيعة المخاطر باختلاف الاعمار على النحو التالي:
1- يواجه الأطفال دون الخمس سنوات مخاطر الاصابة بالجروح العادية او الطفيفة .
2 -يتعرض الأطفال الذين تتراوح اعمارهم ما بين 5- 10 سنوات للاصابة بالحمى أثناء القيام بنقل المحصول ، بالإضافة إلى مخاطر أخرى مرتبطة بالمعدات غير الآمنة.
3- وبما أن الأطفال الذين تتراوح اعمارهم ما بين 10 -15 سنة معنيون بشكل مباشر بأعمال الزراعة ، فهم يواجهون مخاطر مشابهة لتلك التي تتعرض لها الفئة العمرية ما بين 5- 10 سنوات. إلا انه وبالاضافة الى هذه المخاطر، فهم معرضون للإصابة بالإعياء من جراء الاستيقاظ باكرا جدا للقيام بالحصاد، الى جانب التعرض للحشرات السامة أثناء العمل في الحقول.
يتناول معظم الاطفال الطعام خلال ساعات العمل (17 في المئة فقط ذكروا انهم لا يملكون ان يتناولوا الطعام في اثناء العمل). وتحضر احدى الإناث من افراد العائلة الطعام للعائلة كلها قبل البدء بالعمل.
لم تلحظ اية ممارسات متعلقة بسوء المعاملة مثل العزلة، او التجارة غير المشروعة، او التحرش الجنسي بالأطفال. لكن بعض الأطفال يقولون ان الأهل يمارسون عليهم، في بعض الأحيان، العنف الجسدي والكلامي، فيضربونهم اذا لم يتعلموا المهارات المطلوبة. وهناك قيود كثيرة تزعج الاطفال في عملهم بالزراعة. وأبرز هذه القيود هي ضرورة الاستيقاظ في الصباح الباكر في خلال موسم الحصاد، والعمل لساعات طويلة، والضجر اثناء فترة الصيف بالإضافة إلى افتقاد الوقت الحر للقيام بنشاطات ترفيهية. كما يشعر الاطفال بالتعب الشديد بعد العمل لساعات طويلة.
إن 45 في المئة منهم لا يحبون العمل في الزراعة لأن “العمل متعب، ومضجر، وصعب”. فيما لا يحب آخرون (22 في المئة) العمل في الزراعة لمجرد أنهم “يكرهون هذا العمل”، ويقول البعض الآخر (16 في المئة) انه “عمل متعب لكنه المصدر الوحيد للدخل”، في حين اشار 11 في المئة الى انهم يحبون هذا العمل.
مما يساعد في تحديد الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الاطفال في هذه العائلات. تبين أن هذه العائلات هي عائلات كبيرة عموما (بمعدل سبعة افراد في العائلة الواحدة)، وهيكليتها العمرية شابة (39 في المئة تتراوح اعمارهم ما بين 11 -19 سنة و14 في المئة ما بين 5 -10 سنوات)، في حين ان المستوى التعليمي متدن (23 في المئة من الآباء و40 في المئة من الأمهات إما اميون او يكاد يقرأ ون ويكتبون، فيما حصل 12 في المئة من الأهل تعليما ثانويا)
إن وضع برنامج تدريب مهني معجل لاطفال العاملين في الزراعة ، تحسين ظروف عمل الاطفال، تجهيز اماكن العمل بعلب اسعافات اولية واقامة دورات صحية سريعة للأهل، احاطة الاطفال الأصغر سنا بتدابير وقائية خاصة، عقد جلسات توعية للأهل العاملين في الزراعة حول الحاجات والمخاطر المحدقة بعمل اولادهم، اقامة مراكز للأنشطة الترفيهية للاطفال، اقامة برامج توعية حول عمالة الاطفال وحقوق الطفل،
عمل الأطفال يمـثل مشكلة ملحة من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية ومن ناحية حقوق الإنسان . وتـقدر منظمة العمل الدولية بأن هناك حوالي 250مليون طــفل بين ســن الخامـسة والرابعة عشرة يعـملون في الدول النامية وحدها ، محرومون من التعليم المناسب والصحة الجيدة والحريات الأساسية ويدفع كل طفل من هؤلاء ثمناً فادحاً لهذه المعاناة حـيث أن حوالي 50% منهم أو ما يقدر بـ120 مليون يعملون لكل الوقت في حين يدمج العدد الباقي ما بين العمل والدراسة . ويعمل في بعض الحالات 70% تقريباً من الأطفال في أعمال خطرة . وهناك من بين العدد الكلي هذا ، حــوالي 50-60 مليون طفل بين سن الخامسة والحادية عشرة ممن يعملون في ظروف يمكن اعتبارها خطيرة نظراً لصغر سن هؤلاء الأطفال وهشاشة قدراتهم .
وتمثل اتفاقية الحد الأدنى للسن رقم (138) لعام 1973م المعيار الدولي الأساسي لعمل الأطفال . ولقد اخذ حجم المصادقات على هذه الاتفاقية بالتزايد خلال السنوات الأخيرة ليبلغ عدد الدول المصادقة على هذه الاتفاقية 73دوله وتهدف هذه الاتفاقية في نهاية الأمر إلى القضاء على عمل . ويقوم مبداء القضاء الفعلي على عمل الأطفال الذي تضمنه الإعلان الدولي على أساس الأخذ بتوصيات منظمة العمل الدولية بشأن التدابير والاجرأءت المطلوب إتباعها . من جهة أخرى فقد تم اعتماد اتفاقية جديدة تتعــلق بالقــضاء على اســــواء أشكال عــمل الأطفال في يونيو 1999م ( هي الاتفاقية رقم (182) وتوصيتها رقم (190) والتي أدت إلى تعزيز المعايير القائمة .
ويعكس هذا النهج التدريجي الاعتراف بأن عمل الأطفال يمثل مشكلة معقدة تتأصل جذورها في الفقر وانعدام فرص التعليم .
وتمشياً مع الاهتمام الدولي بعمالة الأطفال والذي يؤكده تبني منظمة العمل الدولية لهذا الموضوع في الدورة 86 المنعقدة في جنيف عام 1998م .

ثم انه لابد من التوضيح أن العمل المستهدف مكافحته في هذه الاستراتيجية ليس هو العمل الذي يقوم به الأطفال بعد ساعات الدراسة ، بل هو العمل الذي يحرم الطفل من التعليم ، أي العمل الذي يلحق الأذى بصحة الطفل البدنية والعقلية وذلك تمشياً مع اتفاقيتي العمل الدولية رقم 138، 182.
والحقيقة التي لا ينبغي إغفالها هي أن الوصول إلى الأهداف والغايات المرجوة للحد من المشكلة محكوم باعتبارات عديدة منها ، الحاجة لتشكيل تحالفات عريضة تضم الحكومة ومنظمات أصحاب العمل والعمال والمنظمات غير الحكومية، كما أن تحقيقها لا يمكن أن يكون مقتصراً على نطاق محلي دون مشاركة المنظمات الإقليمية والدولية ، باعتبار أن مشكلة عمل الأطفال اصبحت تشكل هدفاً مشتركاً وعاجلاً للعالم بأسره مما يتطلب من تلك المنظمات جهوداً مركزّه ومتضافرة مع الجهد الوطني .

namanea@yahoo.fr