المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جمهرة أشعار العرب ( 1 ) أبو زيد القرشي



ناصر محمود الحريري
19/07/2009, 04:08 PM
جمهرة أشعار العرب ( 1 )
الأحد, 21 يونيو 2009 01:38

أبو زيد القرشي



من غرائب التراث العربي، وهي مجموعة سباعية، تضم سبعة أقسام، في كل قسم سبع قصائد، وهي: (المعلقات، والمجمهرات، والمنتقيات، والمذهبات، والمراثي، والمشوبات، والملحمات) وقد اقتصرت المذهبات منها على شعر الأوس والخزرج، كما اختصت الملحمات بشعر العصر الأموي، وسميت (المشوبات) بهذا الاسم لما شابهن من الإسلام والكفر.



بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، الذين نزل القرآن بألسنتهم، واشتقت العربية من ألفاظهم، واتخذت الشواهد في معاني القرآن وغريب الحديث من أشعارهم، وأسندت الحكمة والآداب إليهم، تأليف أبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي. وذلك أنه لما لم يوجد أحدٌ من الشعراء بعدهم إلا مضطراً إلى الاختلاس من محاسن ألفاظهم، وهم إذ ذاك مكتفون عن سواهم بمعرفتهم، وبعد فهم فحول الشعر الذين خاضوا بحره، وبعد فيه شأوهم، واتخذوا له ديواناً كثرت فيه الفوائد عنهم، ولولا أن الكلام مشتركٌ، لكانوا قد حازوه دون غيرهم، فأخذنا من أشعارهم إذ كانوا هم الأصل، غرراً هي العيون من أشعارهم، وزمام ديوانهم. ونحن ذاكرون في كتابنا هذا ما جاءت به الأخبار المنقولة، والأشعار المحفوظة عنهم، وما وافق القرآن من ألفاظهم، وما روي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الشعر والشعراء، وما جاء عن أصحابه والتابعين من بعدهم، وما وصف به كل واحد منهم، وأول من قال الشعر، وما حفظ عن الجن، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.



اللفظ المختلف ومجاز المعاني

فمن ذلك ما حدثنا به المفضل بن محمد الضبي يرفعه إلى عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، قال: قدم نافع بن الأزرق الحروري إلى ابن عباس يسأله عن القرآن، فقال ابن عباس: يا نافع! القرآن كلام الله عز وجل؛ خاطب به العرب بلفظها، على لسان أفصحها؛ فمن زعم أن القرآن غير العربية فقد افترى، قال الله تعالى: "قرآناً عربياً غير ذي عوج" وقال تعالى: "بلسانٍ عربيٍ مبين" وقد علمنا أن اللسان لسان محمد، صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: "وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه ليبين لهم" وقد علمنا أن العجم ليسوا قومه، وأن قومه هذا الحي من العرب، وكذلك أنزل التوراة على موسى، عليه السلام، بلسان قومه بني إسرائيل؛ إذ كانت لسانهم الأعجمية، وكذلك أنزل الإنجيل على عيسى، عليه السلام، لا يشاكل لفظه لفظ التوراة، لاختلاف لسان قوم موسى وقوم عيسى.

وقد يقارب اللفظ اللفظ أو يوافقه، وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية أو غيرها، فمن ذلك الإستبرق بالعربية، وهو بالفارسية الإستبره، وهو الغليظ من الديباج. والفرند، وهو بالفارسية الفكرند. وكور وهو بالعربية حور. وسجين وهو موافق اللغتين جميعاً، وهو الشديد. وقد يداني الشيء الشيء وليس من جنسه، ولا ينسب إليه، ليعلم العامة قرب ما بينهما. وفي القرآن مثل ما في كلام العرب من اللفظ المختلف، ومجاز المعاني، فمن ذلك قول امرىء القيس بن حجر الكندي: الطويل

قِفا فاسألا الأطلالَ عن أُمّ مالـكِ وهل تُخبِرُ الأطلالُ غيرَ التّهالُكِ

فقد علم أن الأطلال لا تجيب، إذا سئلت، وإنما معناه قفا فاسألا أهل الأطلال، وقال الله تعالى: "واسأل القرية التي كنا فيها" يعني أهل القرية، وقال الأنصاري: المنسرح

نَحنُ بما عندَنا وأنـتَ بـمـا عندَك راضٍ، والرّأيُ مُختلفُ

أراد نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راضٍ، فكف عن خبر الأول إذ كان في الآخر دليلٌ على معناه، وقال الله تعالى: "واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين" فكف عن خبر الأول لعلم المخاطب بأن الأول داخلٌ فيما دخل فيه الآخر من المعنى. وقال شداد بن معاوية العبسي أبو عنترة الوافر:

وَمَنْ يَكُ سَائِلاً عَنّي، فإنّي وَجِروَةَ لا تَرودُ ولا تُعار

ترك خبر نفسه وجعل الخبر لجروة، وقال الله عز وجل: "ومن يشاق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب" فكف عن خبر الرسول. وقال الربيع بن زياد العبسي: الطويل

فإن طِبْتُمُ نَفساً بمَقتَلِ مـالـكٍ، فنَفسي، لَعمري، لا تَطيبُ بذلكا

فأوقع لفظ الجمع على الواحد. وقال الله تعالى: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه" وقال النابغة: البسيط

قالت: ألا لَيتما هذا الحمامُ لَنا إلى حَمامَتِنا أو نِصفُهُ، فَقَدِ

فأدخل ما عاريةً لاتصال الكلام، وهي زائدةٌ، والمعنى: ألا ليت هذا الحمام لنا، وقال الله تعالى: "فبما رحمةٍ من الله لنت لهم" وقال الله تعالى: "إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضةً فما فوقها" فما في ذلك كله صلةٌ غير واقعةٍ لا أصل لها. وقال الشماخ بن ضرار التغلبي: الوافر

أَعايِشَ ما لِقَومِكِ لا أراهـمْ يُضيعُونَ الهِجانَ مَعَ المُضيعِ

لا ههنا زائدة، والمعنى: ما لقومك أراهم. وقال تعالى: "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" لا ههنا زائدة، والمعنى: غير المغضوب عليهم والضالين.

وقال عمرو بن معد يكرب الزبيدي: الوافر

وكلُّ أَخٍ مُفارِقُهُ أخُـوهُ، لَعمرُ أبيكَ، إلاّ الفَرقدانِ

فجعل إلا بدلاً من الواو؛ والمعنى: والفرقدان كذلك، وقال الله تعالى: "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم" إلا ههنا لا أصل لها، والمعنى: واللمم، وقال تعالى: "فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس" والمعنى: وقوم يونس، وقال خفاف بن ندبة السلمي: الطويل

فإنْ تَكُ خَيلي قد أُصِيبَ صَميمُها فعَمداً على عَيني تَيمّمْتُ مالِكَا

أقُولُ لَهُ، والرّمحُ يأطِرُ مَتنَـهُ: تأمّل خِفافاً! إنّني أنـا ذلِـكَـا

معناه: تأملني فأنا هو. وقال الله تعالى: "ألم. ذلك الكتاب" يعني هو هذا الكتاب، والعرب تخاطب الشاهد مخاطبة الغائب. قال امرؤ القيس بن حجر في موافقة اللفظ: مجزوء الكامل

وَتَبَرّجَتْ لتَرُوعَـنـا، فَوَجدتُ نَفسي لم تُرَعْ

وقال تعالى: "غير متبرجاتٍ بزينةٍ" والتبرج: هو أن تبدي المرأة زينتها، وقال امرؤ القيس بن حجر: الوافر

وماءٍ آسِنٍ برَكَتْ علَيهِ، كأنّ مُناخَها مُلقى لجامِ

الآسن: المتغير، قال تعالى: "فيها أنهارٌ من ماءٍ غي آسن" أي غير متغير، وقال امرؤ القيس بن حجب: الطويل

ألا زَعمتْ بَسباسةُ الـيومَ أنّـنـي كَبِرتُ، وأنْ لا يُحسن السِّرّ أمثالي

السر: النكاح، قال الله تعالى: "ولكن لا تواعدوهن سراً" وقال امرؤ القيس: الوافر

أرانا مُوضِعينَ لأمرِ غَيبٍ، ونُسحَرُ بالطّعامِ وبالشّرابِ

وقال تعالى: "ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة" والإيضاع ضرب من السير. وقال امرؤ القيس: الطويل

خَفَاهُنّ من أَنْفَاقِهِنّ، كَأنّـمَـا خَفَاهُنّ ودقٌ من عَشيٍ مُجَلِّبِ

خفاهن: أظهرهن، قال الله تعالى: "إن الساعة آتيةٌ أكاد أخفيها" أي أظهرها، وقال زهير بن أبي سلمى: البسيط

لئن حَلَلْتَ بجَوٍ في بَنـي أسَـدٍ، في دينِ عمرٍو، وحالتْ بيننا فَدَكُ

في دين عمرو: يعني في طاعة عمرو، وقال الله تعالى: "ولا يدينون دين الحق" أي لا يطيعون. وقال زهير: البسيط

مُكَلَّلٍ بأُصولِ النّبتِ، تَنـسِـجُـهُ ريحُ الجَنوبِ، لِضَاحي مائِهِ حُبُكُ

الحبك: الطرائق في الماء، قال الله تعالى: "والسماء ذات الحبك" أي الطرائق. وقال زهير أيضاً: الطويل

بأرضِ فَلاةٍ لا يُسَدّ وَصِيدُهَـا، عليّ، ومَعروفي بها غيرُ مُنكَرِ

والوصيد: الباب، قال الله جل وعلا: "وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد" أي بالباب، وقال: "إنها عليهم مؤصدةٌ" أي مغلقة. وقال زهير أيضاً: الطويل

ويُنغِضُ لي يوم الفِجارِ، وقد رأى خيولاً عَليها، كالأسودِ، ضَوارِي

ينغض: يرفع رأسه، قال الله تعالى: "فسينغضون إليك رؤوسهم" أي يرفعونها ويحركونها بالاستهزاء. وقال النابغة للنعمان بن المنذر: البسيط

إلاّ سلَيْمَانَ، إذ قالَ المَليكُ لَـهُ: قُم في البرِيّةِ، فاحدُدْها عن الفَنَدِ

الفند الكذب، قال الله تعالى" لولا أن تفندون" أي تكذبون. وقال النابغة أيضاً: البسيط

تَلُوثُ، بعد افتضالِ البُرْدِ، مِئزَرَهـا لوثاً على مثلِ دِعصِ الرّملةِ الهاري

الهاري: المتهدم من الرمل، قال الله تعالى: "على شفا جرفٍ هارٍ" أي متهدم. وقال أعشى قيس، واسمه ميمون بن قيس: المتقارب

نحرتُ لهم مَوهِناً ناقَتي، وعامِرُنا مُدلهِمٌّ غَطِشْ

يعني: وقد هدأت العيون، وغطش مظلم، كقوله تعالى: "وأغطش ليلها"، وقال الأعشى: الخفيف:

فَرعُ نَبعٍ يَهتَزّ في غُصُنِ المَجْ دِ، غزيرُ النّدى، شَديِدُ المِحَالِ

المحال: القوة، كقوله تعالى: "وهو شديد المحال" وقال الأعشى أيضاً: البسيط

تَقولُ بنيّ، وقد قَرّبتُ مُـرتَـحِـلاً: يا رَبّ جَنّبْ أبي الأوصابَ والوَجَعا

علَيكِ مثلُ الذي صَلّيتِ، فاغتَمضـي نَوماً، فإنّ لجَنبِ الحَيّ مُضطجعَـا

الصلاة ههنا الدعاء، قال تعالى: "وصل عليهم إن صلاتك سكنٌ لهم". وقال الأعشى أيضاً الوافر

أَتَذكُرُ، بَعدَ أُمّتِكَ، النَّوارَا، وقد قُنّعتَ من شَيبٍ عِذارَا

الأمة: الحين، قال الله جل ذكره: "وادكر بعد أمةٍ"، أي بعد حين. وقال الأعشى أيضاً: الرمل

وأتاني صاحبٌ ذو حَـاجَةٍ، واجبُ الحَقّ، قريبٌ رَحِمُهْ

الرحم: القرابة، وهو قوله تعالى: " وأقرب رحماً". وقال الأعشى: المتقارب

وبَيضاءَ كالنهِّيِ مَوضونَة، لها قَوْنَسٌ مثلُ جيبِ البَدنْ

وقال تعالى: "على سررٍ موضونةٍ"، أي مشتبكة. وقال الأعشى: البسيط

كأَنّ مِشْيَتَها مِنْ بَيْتِ جارَتِـهـا مَوْرُ السَّحَابةِ لا رَيثٌ ولا عَجَلُ

وقال الله تعالى: "يوم تمور السماء موراً"، والمور الاستدارة والتحرك. وقال الأعشى: الطويل:

يَقولُ بِهَا ذُو مِرّةِ القومِ منهُـمُ لِصَاحبِهِ إذْ خافَ منها المَهالِكَا

المرة: الحيلة، ويقال القوة، قال تعالى: "ذو مرةٍ فاستوى". وقال الأعشى: الرمل

ساقَ شِعري لهمُ قـافـيَةً، وعلَيهِم صارَ شِعري دَمدَمه

دمدمة أي تدميراً، كقوله تعالى: "فدمدم عليهم ربهم بذنبهم"، أي دمر. وقال الأعشى: الكامل

أم غابَ رَبُّكَ فاعترَتْكَ خَصَاصَةٌ فلَعَلّ رَبّـكَ أنْ يؤوبَ مُـؤيَّدا

الرب: السيد، قال الله تعالى: "ارجع إلى ربك" أي سيدك. وقال الأعشى أيضاً: السريع

أَقْنِ حَياءً أنتَ ضَيّعْـتَـهُ، مالكَ بَعدَ الجَهلِ من عاذِرِ

أقن: أي أرض، قال الله تعالى: "وأنه هو أغنى وأقنى" أي أرضى. وقال الأعشى: السريع

لَيَأتِيَنْهُ مَنْـطِـقٌ قـاذِعٌ مُستَوسقٌ للمَسمَعِ الآثِرِ

الآثر: الراوية، قال الله تعالى: "سحرٌ يؤثر"، أي يروى. وقال الأعشى: الطويل

بكأسٍ كعينِ الدّيكِ باكَرْتُ خِدرَها بفتيانِ صِدقٍ، والنّواقيسُ تُضرَبُ

الكأس: الخمر، وهو قوله تعالى: "بكأسٍ من معين". وقال الأعشى: الكامل.

سُبُطاً تَبَارَى في الأعنّةِ بَينَها حتى تَفيءَ عَشيّةً أنفالُهـا

الأنفال: الغنائم، وهو قوله تعالى: "يسألونك عن الأنفال" وقال الأعشى: الكامل

وأراكَ تُحبَرُ إن دَنَتْ لَكَ دارُها، ويَعُودُ نَفسَك، إن نأتْكَ، سِقَامُها

تحبر: تسر وتكرم، وقال الله تعالى: "في روضةٍ يحبرون". وقال الأعشى يذكر النعمان: المتقارب

وخَرّتْ تَـمـيمٌ لأذقـانِـهـا، سجوداً لذي التاجِ في المَعمَعة

الأذقان: الوجوه، كقوله تعالى: "ويخرون للأذقان يبكون". وقال لبيد ابن ربيعة العامري: المنسرح

يا عينُ هَلاّ بكَيتِ أربـدَ إذْ قُمنا وقامَ الخُصومُ في كَبَدِ

يعني: في شدة، قال الله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في كبدٍ" وقال لبيد: الرمل

إنّ تَقوَى رَبّنا خَيرُ نَفَلْ، وبإذنِ اللَّهِ رَيثي والعَجَلْ

النفل: الغنيمة، وهو ههنا ما يعطى المتقي من ثواب الله في الآخرة. وقال لبيد أيضاً: الطويل

وما النّاسُ لاّ عاملانِ، فعاملٌ يُتَبِّرُ ما يَبني، وآخَرُ رافِـعُ

يتبر أي ينقص، قال الله تعالى: "متبرٌ ما هم فيه". وقال لبيد: الطويل

نَحُلّ بلاداً، كلّها حُلَّ قَبلَـهـا، ونَرجو الفَلاحَ بعدَ عادٍ وحِمْيَراٍ

الفلاح: البقاء، كقوله تعالى: "أولئك هم المفلحون"، أي الباقون، وقال عمرو بن كلثوم: الوافر

ترَكنا الخَيلَ عاكفَةً عَلَيهِ، مُقَلَّدَةً أعنّتَها صُفُـونَـا

العاكف: المقيم، قال الله تعالى: "سواء العاكف فيه والباد"، والصافن من الخيل هو الذي يرفع إحدى رجليه، ويضع طرف سنبكه على الأرض، قال الله تعالى: "إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد" وقال طرفة بن العبد البكري: الرمل

لا يُقالُ الفُحشُ في ناديهِمُ، لا وَلا يَبخَلُ منهُم مَن يُسَلْ

النادي: المجلس، وهو قوله تعالى: "وتأتون في ناديكم المنكر"، وقال طرفة أيضاً: الطويل

جَماليّةٌ وجناءُ حَرْفٌ، تَخالُـهـا بأنساعِها والرّحلِ صرحاً مُمَرَّدَا

الصرح؛ القصر، والممرد: ما عملته مردة الجن، وهو قوله تعالى: "صرحٌ ممردٌ من قوارير"، وقال طرفة أيضاً: الرمل

وهمُ الحُكّامُ أربـابُ الـنّـدى، وسَراةُ النّاسِ في الأمرِ الشّجرِ

الشجر: الأمر الذي يختلف فيه، كقوله تعالى: "حتى يحكموك فيما شجر بينهم". وقال طرفة يخاطب النعمان: الطويل

أبا مُنذرٍ أفنَيتَ، فاستَبقِ بَعـضَـنـا، حَنانَيك! بعضُ الشرّ أهوَنُ من بعضِ

حنانيك: يعني رحمتك وهو قوله تعالى: "وحناناً من لدنا"، أي رحمة. وقال عبيد بن الأبرص: البسيط

وقهوةٍ كنَجيعِ الجوفِ صافـيَةٍ في بَيتِ مُنهَمِرِ الكَفّينِ مِفضالِ

المنهمر: السائل، وهو قوله تعالى:"بماءٍ منهمر" أي سائل. وقال عبيد أيضاً: البسيط

هذا، وحربٍ عَوانٍ قد نَهَضتُ لها حتى شَبَبتُ نَواحيها بـإشـعـالِ

العوان: المتكاملة التامة السن، قال الله تعالى: "عوانٌ بين ذلك"، وقال عبيد أيضاً: البسيط

تحتي مُسَوَّمَةٌ قَوداءُ عِجْلِـزَةٌ كالسّهمِ أرسَلَه من كَفّهِ الغالي

مسومة: يعني معلمة، قال الله تعالى: "والخيل المسومة"، يعني المعلمة. وقال عنترة بن عمرو: الكامل

وحَليلِ غانيةٍ ترَكتُ مُجَـدَّلاً تَمكُو فَريصَتُهُ كشدْقِ الأعلَمِ

تمكو: تصفر، وهو كقوله تعالى:"إلا مكاءً وتصديةً"، فالمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق. وقال عدي بن زيد: السريع

مُتّكِئاً تُقـرَعُ أبـوابُـهُ، يَسعَى علَيهِ العبدُ بالكُوبِ

الكوب: هو الكوز الواسع الفم الذي لا علاقة له، قال الله تعالى: "بأكوابٍ وأباريق". وقال عدي بن زيد: البسيط

عَفُّ المكاسبِ لا تُكدَآ حُشاشَتُه كالبَحرِ يُلحِقُ بالتّيّارِ أنهـارَا

الإكداء: القلة والانقطاع، وهو قوله عز وجل: "وأعطى قليلاً وأكدى". وقال أمية بن أبي الصلت: الوافر

وفيها لحمُ ساهرَةٍ وبحرٍ، وما فاهُوا به أبداً مُقيمُ

الساهرة: الفلاة، قال الله عز وجل: "فإذا هم بالساهرة". وقال أمية بن أبي الصلت: الكامل

كيفَ الجحودُ، وإنّما خُلِق الفتى مِنْ طِينِ صَلصالٍ لَه فَخّـارِ

الصلصال: ما تفرق من الحمأة فتكون له صلصة إذا وطيء وحرك، وهو قوله عز وجل: "خلق الإنسان من صلصالٍ كالفخار". وقال أمية بن أبي الصلت: الخفيف

رَبِّ كُلاً حتَمتَهُ وارِدُ النّا ر كِتاباً حتَمتَهُ مَقضِـيّا

الحتم: الواجب، قال الله تعالى: "حتماً مقضياً". وقال أمية أيضاً: الخفيف

رَبِّ لا تحرِمَنّني جَنّةَ الخُـل دِ، وكن رَبِّ بي رؤوفاً حفيّا

الحفي: اللطيف، وهو قوله تعالى:"إنه كان بي حفياً"، أي لطيفاً. وقال أمية بن أبي الصت: الوافر

من اللاّماتِ لَستُ لها بأهلٍ، ولكنّ المُسيءَ هوَ المَلـيمُ

المليم: المذنب، وهو قوله تعالى:"فالتقمه الحوت وهو مليمٌ"، أي مذنب. وقال أمية بن أبي الصلت: المتقارب

لَقيتَ المَهالِكَ في حَربِنا، وبَعدَ المَوالكِ لاقَيْتَ غيّا

غي: وادٍ في النار، قال الله تعالى: "فسوف يلقون غياً". وقال أمية ابن أبي الصلت: الرمل

نَفَشَتْ فيهِ عِشاءً غنمٌ لرعاءٍ، ثمّ بَعدَ العَتَمَه

النفش: الرعي بالليل، قال الله تعالى: "إذ نفشت فيه غنم القوم"، وقال أمية بن أبي الصلت: الطويل

مليكٌ على عرشِ السّماءِ مُهَيِمِنٌ لِعزّتهِ تَعنُو الوُجوهُ وتَسـجُـدُ

العاني:" الذليل الخاضع المهطع المقنع، قال الله تعالى: "وعنت الوجوه للحي القيوم". والمهيمن: الشهيد، قال الله تعالى: "ومهيمناً عليه"، أي شهيداً. وقال بشر بن أبي خازم: المتقارب

ويومُ النِّسارِ ويومُ الفِجـا رِ كانَا عَذاباً وكانَا غَراما

الغرام: الانتقام، قال الله تعالى: "إن عذابها كان غراماً"، وقيل ملازماً، ومنه الغريم، أي الملازم. وقال النمر بن تولب: المتقارب

إذا شاء طالعَ مَسـجُـورَةً ترى تحتَها النّبعَ والسّماسَما

المسجور: المتراكب من الماء، قال الله تعالى: "والبحر المسجور"، أي المتراكب. وقال المرقش: الرمل

وقضَى ثَمّ أبونـا آلـهُ بقتالِ القَومِ والجُودِ مَعَا

قضى: أي أمر أهل بيته، قال الله تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه"، أي أمر ألا تعبدوا سواه. وقال المتلمس الطويل

وكنّا إذا الجَبّارُ صَعّرَ خَدّهُ، أقَمنا له من مَيْلهِ فَتَقَوّمَـا

قوله: صعر خده، أي أعرض واختال، قال الله تعالى: "ولا تصعر خدك للناس"، أي لا تمل بوجهك كبراً وزهواً. وقال أبو ذؤيب الهذلي: الكامل

وعَلَيهِما مَسرودَتانِ قَضَاهُما داودُ أو صَنْعُ السّوابغِ تُبّعُ

قضاهما: أي أحكمهما، قال الله تعالى: "إذا قضى أمراً"، أي أحكمه، وقال أبو ذؤيب أيضاً: الطويل

إذا لَسَعَتْهُ النّحْلُ لم يَرجُ لَسعَها وخالفَها في بيتِ نُوبٍ عَوَاسِلِ

لم يرج: لم يخف، قال الله تعالى: "ما لكم لا ترجون لله وقاراً"، أي لا تخافون. وقال أبو ذؤيب: الوافر

فراغَت، فالتَمَستُ به حَشاها، فَخَرَّ كأنّـهُ خُـوطٌ مَـريجُ

المريج: المختلط، قال الله تعالى: "فهم في أمرٍ مريجٍ"، أي مختلط. وقال المتمس: الرمل

أنتَ مَثْبُورٌ غويٌّ متـرَفٌ، ذو غواياتٍ؛ ومَسرُورٌ بَطِر

المثبور: المفتون، قال الله تعالى: "وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً"، يعني مفتوناً. وقال أبو قيس بن الأسلت. الرمل

رجمُوا بالغَيبِ، كيما يَعلموا من عَديدِ القومِن ما لا يُعلَمُ

الرجم: القذف، قال الله تعالى: "رجماً بالغيب". وقال أحيحة بن الجلاح: الوافر

وما يَدري الفَقيرُ متى غِناهُ، وما يَدري الغنيُّ متى يُعِيلُ

يعيل: أي يفتقر، قال الله تعالى: "وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم الله من فضله". وقال حسان بن ثابت الأنصاري: الرمل

إنشُزُوا عَنّا، فأنتم مَعشَرٌ آلُ رِجسٍ وفجورٍ وأشَر

انشزوا: أي انهضوا، قال الله تعالى: "وإذا قيل انشزوا فانشزوا". وقال ابن أحمر: الكامل

وتَغَيّرَ القمرُ المُنيرُ لمَوتِـهِ، والشّمسُ قد كادتْ عليهِ تأفُلُ

تأفل: تغيب، قال الله تعالى: "فلما أفلت". وقال الشماخ بن ضرار: الوافر

ذعرتُ بهِ القطا، ونفيتُ عنهُ مَقامَ الذّئبِ كالرّجلِ اللّعينِ

اللعين: المطرود، قال الله تعالى: "ملعونين أينما ثقفوا أخذوا"، أي مطرودين. وقال المنخل: الطويل

ودَيمومَةٍ قَفرٍ يَحارُ بها القَطـا، سريتُ بها، والنّومُ لي غيرُ رائنِ

رائن: مغطٍّ، قال الله تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"، وقال نابغة بن جعدة: المتقارب

يُضيءُ كضَوءِ سِراجِ السّلي طِ لم يَجعَلِ اللَّهُ فيه نُحاسا

النحاس: الدخان، قال الله عز وجل: "يرسل عليكما شواظٌ من نارٍ ونحاسٍ فلا تنتصران". وقال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: المتقارب

فبارَ أبو حَكَمٍ في الوَغَى، هناكَ، وأُسرَته الأرذلُونْ

البوار: الهلاك، قال الله عز وجل: "وأحلوا قومهم دار البوار". وقال أبو بكر، رضي الله عنه: الرمل

عَزّرُوا الأمْلاَكَ في دَهرِهُمُ، وأطاعوا كلَّ كَـذّابٍ أثِـمْ

عزروا: أي عظموا قال الله تعالى: "وعزروه"، أي عظموه. وقال عمر، رضي الله عنه: الرمل

يَكلأُ الخلقَ جَمـيعـاً، إنّـهُ كاليءُ الخلقِ، ورَزّاقُ الأُمَم

الكاليء: الحافظ، قال الله تعالى: "قل من يكلؤكم". وقال عثمان ابن عفان، رضي الله عنه: الطويل

وأعلَمُ أنّ اللَّهَ لَيسَ كصـنـعِـهِ صَنيعٌ ولا يخفَى على اللَّهِ مُلْحِدُ

الملحد: المائل، قال الله عز وجل: "إن الذين يلحدون في آياتنا"، أي يميلون. وقال حمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنه: الطويل

وزُفّوا إلَينا في الحَديدِ، كأنّهم أُسُودُ عَرِينٍ ثَمّ عندَ المَبَارِكِ

الزف: المشي قدماً، قال الله تعالى: "فأقبلوا إليه يزفون". وقال العباس، رضي الله عنه: الرمل

أنتَ نورٌ من عَزيزٍ راحِمٍ، تَقمَعُ الشِّركَ وعُبّادَ الوَثَنْ

نورٌ: أي هدى، قال الله عز وجل: "الله نور السموات والأرض"، أي هداها. وقال الزبير بن العوام، رضي الله عنه: الرمل

يَخرُجُ الشَّطْءُ على وَجهِ الثّرَى، ومِنَ الأشجار أفنانُ الثّـمَـر

الشطء: النبت، قال الله تعالى: "كزرعٍ أخرج شطأه". وقال عثمان بن مظعون، رضي الله عنه: الرمل

أهل حوبٍ وعيوبٍ جـمةٍ ومعراتٍ بكسب المكتسب

المعرة: الإثم، قال الله تعالى: "فتصيبكم منهم معرةٌ".

والأخبار في هذا لعمري تطول، والشواهد تكثر، غير أنا اقتصرنا من ذلك على معنى ما حكيناه في كتابنا هذا.

أول من قال الشعر

قال محمد: أخبرنا أبو عبد الله المفضل بن عبد الله المحبري قال: سألت أبي عن أول من قال الشعر، فأنشدني هذه الأبيات: الوافر

تَغَيّرَتِ البلادُ، ومَن علَيها، فَوَجهُ الأرضِ مُغبَرٌّ قَبِيْحُ

تغيّر كلُّ ذي لونٍ وطَعـمٍ، وقلّ بَشاشَةَ الوَجهُ الصّبيحُ

بشاشة: منصوب على التمييز، والتقدير: وقل الوجه الصبيح بشاشةً؛ وحذف التنوين لالتقاء الساكنين: التنوين والألف واللام.

وَجَاوَرَنا عَدوٌّ لَيْسَ يَفنى، لَعِينٌ لا يَمُوتُ فَنَسْتَـريحُ

أَهابِلُ! إن قُتِلْتَ، فإنّ قلبي عَليكَ اليَومَ مُكْتَئبٌ قَريحُ

ثم سمعت جماعةً من أهل العلم يؤثرون أن قائلها أبونا آدم، عليه السلام، حين قتل إبنه قابيل هابيل؛ فالله أعلم أكان ذلك أم لا.

وذكر أن إبليس عدو الله أجاب آدم، عليه السلام، بهذه الأبيات، فقال: الوافر

تَنَحَّ عنِ الجِنانِ وساكـينـهـا، ففي الفِردَوْسِ ضَاقَ بِكَ الفسيحُ

وَكُنْتَ بها وزَوْجَكَ في رَخـاءٍ، وقلبُكَ من أذَى الدّنـيا مَـريحُ

فَما بَرِحَتْ مُكايَدتي ومَـكـري إلى أَنْ فاتَكَ الثّمَـنُ الّـربـيحُ

ولَولا رَحَمةُ الرُّحَمنِ أَمْـسَـى بِكَفِّكَ مِنْ جِنانِ الـخُـلـدِ ريحُ

وروي أن بعض الملائكة، عليهم السلام، قال هذا البيت: الوافر

لِدُوا للمَوتِ، وابنُوا للخَرابِ فَكُلُّكُمُ يَصيرُ إلى الذهابِ

قال المفضل: وقد قالت الأشعار العمالقة، وعاد، وثمود. قال معاوية ابن بكر بن الحبتر بن عتيك بن قرمة بن جلهمة بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح، عليه السلام، وكان يومئذٍ سيد العمالقة، وقد قدم إليه قيل بن عير، وكانت عاد بعثوه ولقمان بن عاد وفداً معهما ليستسقوا لهم حين منعوا الغيث، فقال معاوية بن بكر: الوافر

أَلا يا قَيْلُ! وَيْحَكَ! قُمْ فَهَينـمْ، لعَلَّ اللَّهَ يَصْبَحُنا غَـمـامَـا

فَيَسْقي أَرْضَ عادٍ، إنَّ عـاداً قَدَ اضْحَوا ما يُبينُونَ الكَلاَمَا

مِنَ العَطَشِ الشَّديدِ بأَرْضِ عادٍ فَقَدْ أَمْسَتْ نِساؤُهُـمُ أَيامَـى

وإنّ الوَحشَ تأْتيهِمْ جَـهـاراً، فَما تَخْشَى لِعَادِيٍّ سِهـامَـا

فَقُبِّحَ وَفْدُكُمْ مِنْ وَفـدِ قَـوْمٍ، ولا لُقُّوا التَّحِيَّةَ والسّـلامَـا

وقال مرثد بن سعد بن عفير، وكان من الوفد، وكان مسلماً من أصحاب هود، عليه السلام: الوافر

عَصَتْ عادٌ رَسولَهُمُ، فأَمْسَوا عطاشاً ما تَبُلُّهُمُ السَّـمـاءُ

وَسُيِّرَ وَفْدُهم مِن بَعدِ شَهرٍ، فأَردَفَهُمْ مَعَ العَطَشِ العَماءُ

بِكُفرِهِمُ بِرَبِّهِـمُ جَـهـاراً على آثارِ عادِهِمُ العَـفـاءُ

أخبرنا المفضل قال: أخبرني أبي عن جدي عن محمد بن إسحق عن محمد ابن عبد الله عن أبي سعيد الخزاعي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: سمعت علياً، رضي الله عنه، يقول لرجلٍ من حضرموت. أرأيت كثيباً أحمر، تخالطه مدرة حمراء، ذات أراكٍ وسدرٍ كثير، بموضع كذا وكذا من ناحية حضرموت? قال: نعم، إنك لتنعته لي نعت من عاينه، هل رأيته? قال: لا، ولكني حدثت عنه. قال الحضرمي: ما شأنه يا أمير المؤمنين? قال: فيه قبر هود، عليه السلام، عند رأسه شجرةٌ تقطر دماً إما سلم وإما سدر، ثم أنشد: الوافر

عصَتْ عادٌ رَسولَهُمُ، فأمْسَوْا عِطاشاً ما تَبُلّهمُ السّـمـاءُ

وفي مصداق ذلك يقول عباس بن مرداس السلمي: البسيط

في كُلِّ عامٍ لَنا وَفْدٌ نُسَيِّرُهُـمْ، نَخْتارُهمْ حَسَباً مِنّا وأحـلامَـا

كانُوا كَوَفدِ بني عادٍ أضَلَّـهُـمُ قَيْلٌ، فأَتبَعَ عامٌ مِنْهُمُ عـامَـا

عادوا فلمْ يجدوا في دارِ قَوْمِهِمُ، إلاّ مغانيَهُمْ قَـفْـراً وآرامَـا

ومن ذلك قول مبدع بن هرم من ولد عوص بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، وكان من مسلمي ثمود، فقال يذكر الناقة وفصيلها: الوافر

وَلاذَ بِصَخْرَة مِنْ رأسِ رَضْوَىَ، بأعلى الشِّعْبِ مِنْ شَعَفٍ مُنيفِ

فَلاذَ بهـا لِـكَـيْلا يَعْـقِـرُوهُ، وَفي تَلْواذِهِ مَـرُّ الـحُـتُـوفِ

بِأَسْهُمِ مُصْـدِعٍ، شُـلَّـتْ يَداهُ، تَشُقُّ شِعَأفَهُ شَقَّ الـخَـنـيفِ

ثَكَلْتُمْ أُمَّـهُ؛ وَعَـقَـرْتُـمُـوهُ، ولم يُنْظَرْ لَهْـفُ الـلّـهـيفِ

الخنيف: جنس من ثياب الكتان، وهي الخنف، واحدها خنيف. ومصدع: الذي رمى الناقة قبل أن يعقرها قدار.

وقال مبدع، حين أخذته الصيحة: نعوذ بالله من ذلك.

فكانَتْ صَيحَةً لم تُبْـقِ شَـيئاً بوادي الحِجرِ وانْتَسَفَتْ رِياحَا

فَخَرَّ لِصَوتِها أَجْيالُ رَضوَى، وَخَرَّبَتِ الأشاقِرَ والصِّفاحَـا

وأدْرَكَتِ الوُحُوشَ فكَتَّفَتْهـا، ولم تَتْرُكْ لطائرِها جَنَـاحَـا

ونُجِّي صالحٌ في مُؤْمـنـيهِ، وطُحْطِحَ كُلُّ عاديٍّ فَطاحَـا

قال: وأخبرني أبو العباس الوراق الكاتب عن أبي طلحة موسى بن عبد الله الخزاعي قال: حدثنا بكر بن سليمان عن محمد بن إسحاق قال: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب أنه سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يخطب الناس على المنبر، ويذكر الناقة والذي عقرها. قال: فقام إليها رجلٌ أحمر، أزرق، عزيزٌ، منيعٌ في قومه مثل زمعة بن الأسود فعقرها.

النبي والشعر

ولم يزل النبي، صلى الله عليه وسلم، يعجبه الشعر، ويمدح به، فيثيب عليه، ويقول: هو ديوان العرب، وفي مصداق ذلك ما حدثنا به سنيد بن محمد الأزدي عن ابن الأعرابي عن مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحراً.

وأخبرنا محمد بن عثمان قال: أخبرنا الحسن بن داود الجعفري عن ابن عائشة التيمي يرفع الحديث قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اللهم من هجاني فالعنه مكان كل هجاءٍ هجانية لعنةً. وعنه عن ابن عائشة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: الشعر كلامٌ من كلام العرب جزلٌ تتكلم به في نواديها وتسل به الضغائن بينها، قال ثم أنشد: المنسرح

قَلّدتُك الشِّعْرَ يا سلامةَ ذا ال إفضالِ، والشيءُ حَيثُما جُعِلا

والشِّعْرُ يَستَنزِلُ الكَريمَ، كما يُنْزِلُ رَعدُ السَّحابةِ السِّـيَلا

قال: وأخبرنا محمد بن عثمان الجعفري عن عبد الرحمن بن محمد عن الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي قال: أتى حسان بن ثابت إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن أبا سفيان بن الحارث هجاك، وأسعده على ذلك نوفل بن الحارث وكفار قريش، أفتأذن لي أهجوهم يا رسول الله? فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: فكيف تصنع بي? فقال: أسلك منهم كما تسل الشعرة من العجين! قال له: اهجهم وروح القدس معك، واستعن بأبي بكر، فإنه علامة قريش بأنساب العرب، فقال حسان يهجو نوفل بن الحارث: الطويل

وإنّ وُلاةَ المَجدِ مِـنْ آلِ هـاشـمٍ بَنُو بِنْتِ مَخْزُومٍ، ووالدك العَـبْـدُ

وما وَلَدَتْ أَبْناءُ زُهـرَةَ مِـنْـهُـمُ صَممْيماً، ولم يلحقْ عَجائزَكَ المَجدُ

فأنتَ لئيمٌ نِـيْطَ فـي آلِ هـاشِـمٍ، كما نِيْطَ خلفَ الرَّاكِبِ القَدَحُ الفَرْدُ

قال: فلما أسلم أبو سفيان بن الحارث قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: أنت مني وأنا منك، ولا سبيل إلى حسان.

وأخبرنا أبو العباس عن أبي طلحة عن بكر بن سليمان يرفع الحديث إلى عبد الله بن مسعود قال: بلغ النبي، صلى الله عليه وسلم، أن قوماً نالوا أبا بكر بألسنتهم، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس! ليس أحدٌ منكم أمن علي في ذات يده ونفسه من أبي بكر، كلكم قال لي: كذبت، وقال لي أبو بكر: صدقت، فلو كنت متخذاً خليلاً لأتخذت أبا بكرٍ خليلاً. ثم التفت إلى حسان فقال: هات ما قلت في وفي أبي بكر، فقال حسان: قلت يا رسول الله: البسيط

إذا تَذَكّرتَ شَجْواً مِـنْ أَخٍ ثِـقَةٍ، فَاذْكُرْ أَخَاكَ أبا بَكرٍ بما فَـعَـلا

التَّاليَ الثّانيَ المَحْمُود شِـيْمَـتُـهُ، وأَوَّلُ النّاسِ طُرَّاً صَدَّقَ الرُّسُـلا

والثّاني اثنَينِ في الغارِ المُنيفِ، وَقَدْ طافَ العدوُّ به إذْ صَعَّدَ الجَـبَـلا

وكانَ حِبَّ رَسولِ اللَّهِ، قد عَلِموا، مِنَ البَرِيَّةِ، لم يَعْدِلْ بـه رَجُـلا

خَيرُ البَرِيَّةِ أتقـاهـا وَأَرْأَفُـهـا، بَعْدَ النّبيّ، وأوْفاها بمـا حَـمَـلا

فقال، صلى الله عليه وسلم: صدقت يا حسان، دعوا لي صاحبي! قالها ثلاثاً.

وعن الشعبي قال: لما بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن كعب بن زهير بن أبي سلمى هجاه ونال منه، أهدر دمه، فكتب إليه أخوه بجير بن زهير، وكان قد أسلم وحسن إسلامه، يعلمه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قد قتل بالمدينة كعب بن الأشرف، وكان قد شبب بأم الفضل بن العباس وأم حكيم بنت عبد المطلب، فملا بلغه كتاب أخيه ضاقت به الأرض ولم يدر فيما النجاة، فأتى أبا بكر، رضي الله عنه، فاستجاره، فقال: أكره أن أجير على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد أهدر دمك، فأتى عمر، رضي الله عنه، فقال له مثل ذلك، فأتى علياً، رضي الله عنه، فقال: أدلك على أمرٍ تنجو به. قال: وما هو? قال: تصلي مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإذا انصرف فقم خلفه، وقل: يدك يا رسول الله أبايعك! فإنه سيناولك يده من خلفه، فخذ يده فاستجره، فإني أرجو أن يرحمك، ففعل، فلما ناوله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يده استجاره، وأنشد قصيدته التي يقول فيها: البسيط

وقالَ كلُّ خَليلٍ كنتُ آمُـلُـهُ: لا أُلهينّك إنّي عنكَ مَشغُـولُ

فقُلتُ: خلّوا سَبيلي، لا أبا لكُمُ، فكلّ ما قَدّرَ الرّحمَنُ مَفعُولُ

أُنبِئتُ أنّ رسولَ اللَّه أوعَدَني، والعَفوُ عندَ رَسولِ اللَّهِ مأمولُ

فلما فرغ منها قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: أذكر الأنصار! فقال: الكامل

مَنْ سَرّهُ كَرمُ الحَياةِ فـلا يزَلْ في مِقنَبٍ مِنْ صالحي الأنصارِ

النّاظرينَ بِأَعْـيُنٍ مُـحْـمَـرَّةٍ كالجَمْرِ غيرِ كَليلَةِ الأبـصـارِ

فالغُرُّ مِنْ غَسَّانَ في جُرْثُـومَةٍ أَعْيَتْ مَحافِرها على المنْقـارِ

صالوا علَينا يومَ بَـدْرٍ صَـولَةً دَانَتْ لِوَقْعَتِها جـمـيعُ نِـزارِ

وهي طويلة.

وذكر محمد بن عثمان عن مطرف الكناني عن ابن دأب عن أبي لهذم العنبري عن الشعبي بإسناده قال: أنشد نابغة بني جعدة النبي، صلى الله عليه وسلم، هذا البيت: الطويل

بَلغنا السّما مَجداً وجُوداً وسُؤدداً، وإنّا لَنرجو فَوقَ ذلكَ مَظهَـرَا

فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: إلى أين، يا أبا ليلى? فقال: إلى الجنّة بك يا رسول الله! قال: نعم، إن شاء الله، فلما أنشده:

ولا خَيرَ في حِلْمٍِ إذا لم تكن لـهُ بَوادِرُ تَحميْ صَفوَهُ أن يُكَـدَّرَا

ولا خَيرَ في جَهْلٍ، إذا لم يكن لهُ حَليمٌ، إذا ما أَورَدَ الأمرَ أَصْدَرَا

قال له النبي: صلى الله عليه وسلم: لا فض الله فاك! فبنو جعدة يزعمون أنه كان إذا سقطت له سنٌ نبتت مكانها أخرى. وغيرهم يزعم أنه عاش ثلاثمائة عامٍ ولم تسقط له سنٌّ حتى مات: وبإسناده عن سعيد بن المسيب أنه قيل له: إن قبيصة بن ذؤيب يزعم أن الخليفة لا يناشد الأشعار. قال سعيد: ولم لا يناشد الخليفة، وقد نوشد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم قدم عليه عمرو بن سليم الخزاعي، وكانت خزاعة حلفاء له، فلما كانت الهدنة بينه وبين قريش أغاروا على حي من خزاعة يقال لهم بنو كعب، فقتلوا فيهم، وأخذوا أموالهم، فقدم عمرو على النبي، صلى الله عليه وسلم، مستنصراً فقال: الرجز

يا ربِّ! إنّي ناشِدٌ مُـحَـمَّـدا حِلْفَ أَبينـا وأَبـيهِ الأتْـلَـدَا

نحنُ وَلَدناهم، فَكَـانُـوا وَلَـدَا ثُمَّتَ أَسْلَمْنا، فلَم نَـنْـزِع يَدَا

إنَّ قُريشاً أَخْلَفوكَ المَـوعِـدَا، ونَقَضُوا ميثاقَكَ الـمُـؤكَّـدَا

ونصبوا لي فـيكَ داءً رَصَـدَا وَبَيَّتونا بـالـوتـير هُـجَّـدَا

وقتلونـا رُكَّـعـاً وَسُـجَّـدَا وَزَعَموا أنْ لَسْتَ تدعو أَحَـدَا

وهـم أَذَلُّ وأَقَـلُّ عَـــدَدَا، فانصرْ، هداك اللَّهُ، نَصْراً أَيِّدَا

وادعُ عِبادَ اللَّـهِ يأْتُـوا مَـدَدا فيهم رَسُولُ اللَّهِ قد تـجَـرَّدَا

إنْ سِيمَ خَسفاً وَجهُـهُ تَـرَبَّـدَا في فَيْلَقٍ كالبحرِ يجري مُزبِدَا

قال: فدمعت عينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونظر إلى سحابةٍ قد بعثها الله فقال: والذي بعثني بالحق نبياً إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب. وخرج بمن معه لنصرهم.

وعن ابن إسحق عن عبد الله بن الطفيل عن أبيه عن جده، أن قرة بن هبيرة ابن عامر بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن هوازن وفد على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبايعه وأسلم، فحباه وكساه بردين، وحمله على فرس، واستعمله على قومه، فقال قرة يذكر ذلك، ويذكر ناقته في قصيدة له طويلة: الطويل

حَبَاها رَسولُ اللَّهِ، إذ نزَلَتْ بهِ، وأمكَنَها من نائلٍ غيرِ مُفَـنـدِ

فَما حَملَتْ من ناقَةٍ فوق رَحلِها أبرَّ وأوفَى ذِمّةً مِن مُحَـمّـدِ

وأكسىَ لبُردِ الحال قبل ابتذالِه، وأعطَى لرأسِ السّابِحِ المتجرّدِ

وأخبرنا المفضل عن أبيه عن جده عن محمد بن إسحق قال: قدم قيس ابن عاصم التميمي على النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال يوماً، وهو عنده: أتدري يا رسول الله من أول من رجز? قال: لا! قال: أبوك مضر كان يسوق بأهله ليلة، فضرب يد عبدٍ له، فصاح: وايداه! فاستوثقت الإبل ونزلت، فرجز على ذلك. ثم قال: يا رسول الله! أتدري من أول صائحة صاحت? قال: لا! قال: أمك خندف كانت معها ضرة، فنحت عنها إبناً لها ليلاً، فجاءت فلم تجده، فكرهت أن تؤذيهم، فاعتزلت، فصاحت عليه. ثم قال: يا رسول الله! أتدري من أول من علم بك من العرب? قال: لا! قال: سفيان بن مجاشع الدارمي، وذلك أنه جنى جنايةً في قومه، فلحق بالشام، فكان يأتي حبراً بها وكان يحدثه فقال له: إن لك لغةً ما هي بلغة أهل البلد، فقال: أجل! أنا رجل من العرب، قال: من أيها? قال: من مضر! قال له الراهب: أفر أبشرك? قال: بلى! قال: فوالله إن هذا الذي ينتظر خروجه لمن مضر. قال: وما اسمه? قال: أنظر في كتبي! فنظر ورجع إليه فقال: إسمه محمد! فرجع سفيان وولد له غلامٌ فسماه محمداً. قال: فقالت عائشة: من هذا يا رسول الله? قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لبعض من حضر: أنشدني كلمتك التي تقول فيها: الطويل

حَيِّ جَميعَ النّاسِ تَسْبِ عُقُولَهُـمْ تَحِيَّتَكَ الأدنَى، فقد تَرفَعُ النَّغَـل

فإن أظهَرُوا بِشراً فأَظْهِرْ جزاءَهُ، وإنْ سَتَروا عَنكَ القَبيحَ فلا تَسَلْ

فإنَّ الذي يُؤذيكَ منهم سَمـاعُـهُ، وإنَّ الذي قد قيلَ خلفَكَ لم يُقَـلْ

وأخبرنا المفضّل عن أبيه عن جده قال: قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لابنه عبد الرحمن: يا بني! انسب نفسك تصل رحمك، واحفظ محاسن الشعر يحسن أدبك، فإن من لم يعرف نسبه لم يصل رحمه، ومن لم يحفظ محاسن الشعر لم يؤد حقاً ولم يقترف أدباً.

وعنه عن أشياخه قالوا: قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إرووا من الشعر أعفه، ومن الحديث أحسنه، ومن النسب ما تواصلون عليه، وتعرفون به. فرب رحمٍ مجهولةٍ قد عرفت فوصلت، ومحاسن الشعر تدل على مكارم الأخلاق وتنهى عن مساويها.

قال المفضل وقد روي عن الشعبي أنه قال: لو أن رجلاً من أقصى حجرٍ بالشام صار إلى أقصى حجرٍ باليمن، فاستفاد حرفاً من العلم ما رأيت عمره ذهب باطلاً، إذا كان لذلك واعياً فهماً.

وروي عن المقنع أنه قال لابنه: يا بني! حبب إلى نفسك العلم حتى ترأمه، ويكون لهوك وسكوتك. والعلم علمان: علمٌ يدعوك إلى آخرتك فآثره على ما سواه، وعلمٌ لتزكية القلوب وجلائها وهو علم الأدب، فخذ بحظك منه.

وعن المقنع عن أبيه عن الأصمعي قال: دخلت البادية من ديار فهم، فقال لي رجلٌ منهم: ما أدخل القروي باديتنا? فقلت: طلب العلم، قال: عليك بالعلم، فإنه أنسٌ في السفر، وزينٌ في الحضر، وزيادةٌ في المروءة، وشرفٌ في النسب، وفي مثل هذا يقول الشاعر: الكامل

عِيُّ الشَّريفِ يَشِيْنُ مَنصِبَهُ، وابنُ اللَّئيمِ يَزْيْنُـهُ الأدَبُ

وعنه عن أبيه عن الأصمعي قال: قدم رجلٌ من فزارة على الخليل بن أحمد وكان الفزاري عيياً، فسأل الخليل مسألةً فأبطأ في جوابها، فتضاحك الفزاري، فالتفت الخليل إلى بعض جلسائه فقال: الرجال أربعة: فرجل يدري ويدري أنه يدري، فذلك عالم فاعرفوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري، فذلك غافلٌ فأيقظوه؛ ورجل يدري ولا يدري أنه يدري، فذلك غافلٌ فأيقظوه؛ ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذلك مائق فاجتنبوه. ثم أنشأ الخليل يقول: الكامل

لو كنتَ تَعلَمُ ما أقولُ عذَرتَني أَوْ كنتُ أَجْهَلُ ما تقولُ عذَلتُكا

لَكِنْ جَهِلتَ مَقَالَتي فَعذَلْتَـنـي وعلِمتُ أَنَّكَ مائقٌ فَعَذَرْتُكـا

وأخبرنا أبو العباس عن موسى بن عبد الله قال: مر أبو عبيدة معمر بن المثنى برجلٍ ينشد شعراً، فطول فيه، فقال أبو عبيدة: أما أنت، فقد أتعبت نفسك بما لا يجدي عليك، وما كان أحسن أن تقصر من حفظك في هذا الشعر ما طال! ألم تعلم أن الشعر جوهرٌ لا ينفد معدنه فمنه الموجود المبذول، ومنه المعوز المصون، فعليك بالبحث عن مصونه يكثر أدبك، ودع الإسراع إلى مبذوله كيلا يشغل قلبك، ثم أنشد أبو عبيدة: الوافر

مصونُ الشّعرِ تحفَظُهُ فيكفي، وحَشوُ الشّعرِ يُورِثُك المَلالا

قال المفضل: ولم يبق أحدٌ من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلا وقد قال الشعر وتمثل به. فمن ذلك قول أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، يرثي النبي، صلى الله عليه وسلم: الوافر

أَجِدَّكَ ما لعَينِكَ لا تَنامُ كأنَّ جُفُونَها فيها كِلامُ

وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: الكامل

ما زِلْتُ مذْ وضَعوا فِراشَ مُحمَّدٍ كَيْما يُمرَّضَ خائفـاً أتَـوَجَّـعُ

وقال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: الطويل

أَلا طَرَقَ النَّاعي بِلَيلٍ، فَراعَني وَأَرَّقَني لَمَّا استَقَـرَّ مُـنـادِيَا

وقال عثمان بن عفان، رضي الله عنه: المتقارب

فيا عينِ أَبْكي ولا تَسْأَمي، وحُقَّ البُكاءُ على السَّـيِّدِ

أي الشعراء أشعر?

قال: ثم اختلف الناس في الشعراء: أيهم أشعر وأذكى? فقال قوم: إمرؤ القيس. ورووا في ذلك أنه خرج وفدٌ من جهينة يريدون النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما قدموا عليه سألهم عن مسيرهم، فقالوا: يا رسول الله! لولا بيتان قالهما امرؤ القيس. لهلكنا! قال: وما ذلك? قالوا: خرجنا نريدك، حتى إذا كنا ببعض الطريق، إذا برجل على ناقة له مقبلٍ إلينا، فنظر إليه بعض القوم، فأعجبه سير الناقة، فتمثل ببيتين لامريء القيس وهما قوله: الطويل

ولمّا رَأَتْ أنّ الـشّـريعَةَ وِرْدُهـا وأَنَّ البَيَاضَ من فَرائصِهـا دامـي

تَيَمَّمتِ العَينَ التي جَنـبَ ضـارِجٍ يُفيءُ عليها الظِلُّ عرْمَضُها الطامي

وقد كان ماؤنا نفد، فاستدللنا على العين بهذين البيتين فوردناها. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: أما إني لو أدركته لنفعته، وكأني أنظر إلى صفرته وبياض إبطيه وحموشة ساقيه، في يده لواء الشعراء يتدهدى بهم في النار.

قال: وذكر المفضل أن لبيد بن ربيعة مر بجلس بني نهد بالكوفة، وبيده عصا له يتوكأ عليها بعد ما كبر. فبعثوا خلفه غلاماً يسأله: من أشعر الناس? فقال: ذو القروح بن حجر الذي يقول:

وبُدّلْتُ قَرْحاً دامياً بَعْدَ صِحَّة فيا لَكِ نُعْمَى قد تَبَدّلْتِ أَبْؤُسَا

يعني امرأ القيس، فرجع إليهم الغلام وأخبرهم، قالوا: إرجع فاسأله: ثم من? فرجع فسأله: ثم من? قال: ثم ابن العنيزتين، يعني طرفة. قال: ثم من? قال: صاحب المحجن، يعني نفسه.

شياطين الشعراء

قال ابن المروزي: حدثني أبي قال: خرجت على بعير لي صعبٍ، يمر بي لا يملكني من أمر نفسي شيئاً، حتى مر على جماعة ظباءٍ في سفح جبل على قلته رجلٌ عليه أطمارٌ له، فلما رأتني الظباء هربت، فقال: ما أردت إلى ما صنعت? إنكم لتعرضون بمن لو شاء قدعكم عن ذلك، قال: فدخلني عليه من الغيظ ما لم أقدر أن أحمله، فقلت: إن تفعل بي ذلك لا أرضى لك، فضحك، ثم قال: إمض عافاك الله لبالك، قال: فجعلت أردد البعير في مراعي الظباء لأغضبه، فنهض وهو يقول: إنك لجليد القلب! ثم أتاني فصاح ببعيري صيحةً ضرب بجرانه الأرض، ووثبت عنه إلى الأرض، وعلمت أنه جان، فقلت: أيها الشيخ! إنك لأسوأ مني صنيعاً. فقال: بل أنت أظلم وألأم، بدأت بالظلم ثم لؤمت في تركك المضي، فقلت: أجل! عرفت خطئي. قال: فاذكر الله فقد رعناك، وبذكر الله تطمئن القلوب، فذكرت الله تعالى، ثم قلت دهشاً: أتروي من أشعار العرب شيئاً? فقال: نعم! أروي وأقول قولاً فائقاً مبرزاً. فقلت: فأرني من قولك ما أحببت، فأنشأ يقول: البسيط

طافَ الخيالُ علَينا لَيلةَ الوادي، من آلِ سَلمى ولم يُلمِمْ بميْعـادِ

أنّى اهتَديتَ إلى مَن طالَ لَيلُهُمُ في سَبسبٍ ذاتِ دَكْدَاكٍ وأعقادِ

يُكَلِّفُونَ فَلاهـا كـلَّ يَعْـمَـلَةٍ مثلَ المَهاةِ، إذا ما حَثَّها الحادي

أَبلِغْ أبا كَرَبٍ عنّي وأُسْـرَتَـهُ قولاً سَيَذهَبُ غَوراً بعدَ إنجـادِ

لا أعرِفَنَّكَ بَعْدَ اليَومِ تَندُبُـنـي وفي حَياتيَ ما زَوَّدْتَنـي زادي

أمَّا حِمامُكَ يوماً أنتَ مُدرِكُـهُ لا حاضرٌ مُفلِتٌ منهُ، ولا بـادِ

فلما فرغ من إنشاده قلت: لهذا الشعر أشهر في معد بن عدنان من ولد الفرس الأبلق في الدهم العراب هذا لعبيد بن الأبرص الأسدي، فقال: ومن عبيد لولا هبيد! فقلت: ومن هبيد? فأنشأ يقول: المتقارب

أنا ابنُ الصّلادِمِ أُدعى الهبيدَ، حبَوتُ القَوافيَ قَرْمَيْ أسَدْ

عَبيداً حَبَوتُ بـمـأْثُـورَةٍ، وأَنْطَقْتُ بِشراً على غَيرِ كَدّ

ولاقَى بمُدرِكَ رَهطُ الكُمَيتِ مَلاذاً عَزيزاً ومَجداً وَجَـدّ

مَنحاناهُمُ الشِّعرَ عن قُـدرَةٍ فهَل تَشْكُرُ اليَومَ هذا مَعَـدّ

فقلت: أما عن نفسك فقد أخبرتني، فأخبرني عن مدرك، فقال: هو مدرك بن واغم، صاحب الكميت، وهو ابن عمي، وكان الصلادم وواغم من أشعر الجن، ثم قال: لو أنك أصبت من لبنٍ عندنا? فقلت: هات، أريد آلأنس به، فذهب فأتاني بعسٍّ فيه لبن ظبي، فكرهته لزهومته فقلت: إليك، ومججت ما كان في فمي منه، فأخذه ثم قال: إمض راشداً مصاحباً! فوليت منصرفاً فصاح بي من خلفي: أما إنك لو كرعت في بطنك العس لأصبحت أشعر قومك. قال أبي: فندمت أن لا أكون كرعت عسه في جوفي على ما كان من زهومته، وأنشأت أقول في طريقي، الطويل

أسِفتُ على عُسِّ الهَبيدِ وشُـربِـهِ، لَقَدْ حَرَمَتْنيهِ صُرُوفُ الـمَـقـادِرِ

ولو أنَّني إذْ ذاك كنـتُ شَـرِبـتُـهُ لأصْبَحتُ في قَوميْ لَهم خيرَ شاعرِ

وعنه قال: قال مظعون بن مظعون بن مظعون الأعرابي: لما حدثني أبي بهذا الحديث عن نفسه لهجت به، وتعرضت لما كان أبي يتعرض له من ذلك، وأحببت، إذ علمت أن لشعراء العرب شياطين تنطق به على ألسنتها، أن أعرف ذلك، ورجوت أن ألقى هاذراً أو مدركاً اللذين ذكر الهبيد لأبي، وكنت أخرج في الفيافي ليلاً ونهاراً، تعرضاً لذلك، ولم أكن ألقى راكباً إلا ذاكرته شيئاً مما أنا فيه، فلا يزال الرجل يخبرني بما استدل على ما سمعت حتى جمعت من ذلك علماً حسناً، ثم كبرت سني وضعفت ولزمت زرود، فكنت إذا ورد علي الرجل سألته عن ذلك، فوالله إني ليلةً من ذلك لبقناء خيمةٍ لي إذ ورد علي رجلٌ من أهل الشام، فسلم ثم قال: هل من مبيتٍ? فقلت: أنزل بالرحب والسعة! قال: فنزل، فعقل بعيره ثم أتيته بعشاءٍ فتعشينا جميعاً، ثم صف قدميه يصلي حتى ذهبت هدأةٌ من الليل، وأنا وابناي أرويهما شعر النابغة، إذ أنفتل من صلاته، ثم أقبل بوجهه إلي فقال: ذكرتني بهذا الشعر أمراً أحدثك به، أصابني في طريقي هذا منذ ثلاث ليال. فأمرت ابني فأنصتا ثم قلت له: قل، فقال: بيننا أنا أسير في طريقي ببلقعةٍ من الأرض لا أنيس بها إذ رفعت لي نارٌ فدفعت إليها، فإذا بخيمةٍ، وإذ بفنائها شيخٌ كبير، ومعه صبيةٌ صغارٌ، فسلمت ثم أنخت راحلتي آنساً به تلك الساعة، فقلت: هل من مبيتٍ? قال: نعم في الرحب والسعة! ثم ألقى إلي طنفسة رحلٍ، فقعدت عليها، ثم قال: ممن الرجل? فقلت: حميريٌّ شامي، قال: نعم أهل الشرف القديم. ثم تحدثنا طويلاً إلى أن قلت: أتروي من أشعار العرب شيئاً? قال: نعم، سل عن أيها شئت! قلت: فأنشدني للنابغة! قال: أتحب أن أنشدك من شعري أنا? قلت: نعم! فاندفع ينشد لمرىء القيس والنابغة وعبيد ثم اندفع ينشد للأعشى، فقلت: لقد سمعت بهذا الشعر منذ زمانٍ طويلٍ. قال: للأعشى? قلت: نعم! قال: فأنا صاحبه. قلت: فما اسمك? قال: مسحلٌ السكران بن جندل، فعرفت أنه من الجن فبت ليلةً ألله بها عليمٌ ثم قلت له: من أشعر العرب? قال: إرو قول لافظ بن لاحظ وهيابٍ وهبيدٍ وهاذر بن ماهر، قلت: هذه أسماء لا أعرفها. قال: أجل! أما لافظٌ فصاحب امرىء القيس، وأما هبيد فصاحب عبيد بن الأبرص وبشر، وأما هاذرٌ فصاحب زياد الذبياني، وهو الذي استنبغه. ثم أسفر لي الصبح، فمضيت وتركته. قال الزرودي: فحسن لي حديث الشامي حديث أبي.

وذكر مطرف الكناني عن ابن دأبٍ قال: حدثني رجلٌ من أهل زرود ثقةٌ عن أبيه عن جده قال: خرجت في طلب لقاحٍ لي على فحلٍ كأنه فدن يمر بي يسبق الريح حتى دفعت إلى خيمةٍ، وإذا بفنائها شيخٌ كبيرٌ، فسلمت فلم يرد علي، فقال: من أين وإلى أين? فاستحمقته إذ بخل برد السلام، وأسرع إلى أمامي، فقال: أما من ههنا فنعم؛ وأما إلى ههنا، فوالله ما أراك تبهج بذلك، إلا أن يسهل عليك مداراة من ترد عليه! قلت: وكيف ذلك أيها الشيخ? قال: لأن الشكل غير شكلك، والزي غير زيك، فضرب قلبي أنه من الجن، وقلت: أتروي من أشعار العرب شيئاً? قال: نعم! وأقول، قلت: فأنشدني، كالمستهزىء به، فأنشدني قول امرىء القيس: الطويل

قفا نَبكِ من ذِكرَى حَبيبٍ ومَنزِلِ بسِقطِ اللّوَى بينَ الدَّخولِ فحَومَلِ

فلما فرغ قلت: لو ان امرأ القيس ينشر لردعك عن هذا الكلام! فقال: ماذا تقول? قلت: لامرىء القيس، قال: لست أول من كفر نعمةً أسداها! قلت: ألا تستحي أيها الشيخ، ألمثل امرىء القيس يقال هذا? قال: أنا والله منحته ما أعجبك منه! قلت: فما اسمك? قال: لافظ بن لاحظ. فقلت: إسمان منكران. قال: أجل! فاستحمقت نفسي له بعدما استحمقته لها، وأنست به لطول محاورتي إياه؛ وقد عرفت أنه من الجن، فقلت له: من أشعر العرب? فأنشأ يقول: الكامل

ذهَبَ ابنُ حُجرٍ بالقَريضِ وَقَوْلِه وَلَقَدْ أَجادَ فَـمـا يُعـابُ زيادُ

للَّهِ هاذِرٌ إذْ يَجُودُ بـقَـولِـهِ، إنَّ ابنَ ماهرَ بَعْدَها لَـجَـوادُ

قلت: من هاذر? قال: صاحب زياد الذبياني، وهو أشعر الجن وأضنهم بشعره، فالعجب منه كيف سلسل لأخي ذبيان به، ولقد علم بنيةً لي قصيدةً له من فيه إلى أذنها ثم صرخ بها: أخرجي فدىً لك من ولدت حواء! فقلت له: ما أنصفت أيها الشيخ، فقال: ما قلت بأساً؛ ثم رجعت إلى نفسي، فعرفت ما أراد، فسكت ثم أنشدتني الجارية: الوافر

نأَتْ بسُعادَ عَنك نوىً شَطونُ فَبانَتْ والفُؤادُ بها حَـزينُ

حتى أتت على قوله منها:

كذلكَ كانَ نُوحٌ لا يَخُونُ

قال: لو كان رأي قوم نوحٍ فيه كرأي هاذر ما أصابهم الغرق! فحفظت البيتين ثم نهض بي الفحل، فعدت إلى لقاحي.

وحدثنا سنيد عن حزام بن أرطاة عن أبي عبيد قال: حدثني أبو بكر المزني عن شيخٍ من أهل البصرة قال: خرجت على جملٍ لي حتى إذا كنت ببعض الطريق في ليلةٍ مقمرةٍ إذا شخصٌ مقبلٌ كهيئة الإنسان على ظهر ظليمٍ قد خطمه، فاستوحشت منه وحشةً شديدةً، فأقبل نحوي، وهو يقول في شدةٍ من صوته: السريع

هَلْ يُبْلِغَنِّيهم إلى الصّباحْ هِقْلٌ كأنَّ رأسَهُ جُمَّاحْ

فما زال يدنو حتى سكن روعي وأنست فقلت: من أشعر الناس? قال: الذي يقول: الطويل

وما ذَرَفَتْ عَيناكِ إلاَّ لِتَضْربي بسَهميكِ في أَعْشارِ قلبٍ مُقَتَّلِ

فعرفت أنه يريد امرأ القيس. قال: ثم ذهب وأقبل، قلت: ثم من? قال: الذي يقول: المتقارب

وَتَـبْـرُدُ بَـرَدَ رِداءِ الـعَـــرو سِ في الصّيفِ رَقْرَقْتَ فيهِ العَبيرَا

وتَسـخُـنُ لَـيلَةَ لا يَسـتَـطـيعُ نُباحاً بها الـكَـلـبُ إلاّ هَـريرَا

يريد الأعشى، ثم ذهب وأقبل، قلت: ثم من? قال: الذي يقول: الرمل

تَطرُدُ القُرَّ بحَـرٍ صـادِقٍ، وعَكِيكَ الصّيفِ إن جاءَ بِقُرّ

يريد طرفة. العكيك: الحر.

ويشيد هذه الأحاديث عندنا، في الجن وأخبارها وقولها الشعر على ألسن العرب، ما حدثنا به المفضل عن أبيه عن جده عن ابن إسحق عن مجاهد عن ابن عباس قال: وفد سواد بن قارب على عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فسلم عليه، فرد عليه السلام، فقال عمر: يا سواد! قال: لبيك يا أمير المؤمنين! قال: ما بقي من كهانتك? فغضب وامتلأ سحره ثم قال: يا أمير المؤمنين! ما أظنك استقبلت بهذا الكلام غيري؛ فلما رأى عمر الكراهية في وجهه قال: يا سواد! إن الذي كنا عليه من عبادة الأوثان أعظم من الكهانة، فحدثني بحديثٍ كنت أشتهي أن أسمعه منك! قال: نعم يا أمير المؤمنين! بينما أنا في إبلي بالسراة، وكان لي نجي من الجن، إذ أتاني في ليلة، وأنا كالنائم، فركضني برجله، ثم قال: قم يا سواد، فقد ظهر بتهامة نبيٌّ يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم. قلت: تنح عني، فإني ناعسٌ! فولى عني، وهو يقول: السريع

عَجِبْتُ للجِنِّ وتَبْـكـارِهـا، وشدِّها العِيسَ بأَكْـوارِهـا

تَهوي إلى مكّةَ تَبغي الهُدَى، ما مُؤْمِنُو الجِنِّ كَكُفّـارِهـا

فارحَلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ بَينَ روابيها وأحْـجـارِهـا

ثم لما كان في الليلة الثانية أتاني فقال مثل ذلك القول، فقلت: تنح عني، فإني ناعسٌ! فولى عني، وهو يقول:

عَجِبتُ للجِنّ وتَطْـرابـهـا ورَحْلِها العيسَ بأقتـابِـهـا

تَهوي إلى مكَّةَ تَبغي الهُدَى، ما مُؤمنو الجنِّ كَكُذّابِـهـا

فارحلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ لَيسَ قُدَاماها كـأَذنـابِـهـا

ثم أتاني في الليلة الثالثة، فقال مثل ذلك، فقلت: إني ناعسٌ، فولى عني، وهو يقول:

عَجِبتُ للجنّ وإيجـاسِـهـا وشَدِّها العيس بأحْلاسِـهـا

تَهوي إلى مَكَّةَ تَبغي الهُـدى ما مُؤْمنو الجنِّ كأَرْجاسِهـا

فارْحَلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ واسْمُ بعَينَيكَ إلى رأْسِـهـا

قال سواد: فلما أصبحت يا أمير المؤمنين، أرسلت لناقة من إبلي، فشددت عليها، وأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فأسلمت، وبايعت، وأنشأت أقول: الطويل

أَتاني نَجِيِّي بَعْـدَ هَـدْء وَرَقْـدَةٍ، ولم يَكُ فيما قَدْ عَهِدْتُ بِـكـاذِبِ

ثلاثَ لَـيالٍ قـوْلُـه كـلَّ لَـيلَةٍ: أَتاكَ رسولٌ من لؤيِّ بنِ غـالـبِ

فَشَمَّرْتُ عَنْ ذيلي الإزارَ، وَأَرْقَلَتْ بيَ الدِّعلبُ الوجناءُ عَبْرَ السّباسبِ

فأشهَدُ أنَّ الـلَّـهَ لا رَبَّ غَـيرَه، وأنَّكَ مَأْمونٌ علـى كـلِّ غـائِبِ

وأنِّكَ أدنَى المُـرسَـلـيِنَ وَسـيلَةً إلى اللَّهِ، يا ابنَ الأكرَمِينَ الأطايبِ

فَمُرْني بما أَحْبَبْتَ، يا خيرَ مُرْسَـلٍ وإنْ كان فيما قلتُ شِيْبُ الـذّوائبِ

وكنْ لي شفيعاً يومَ لا ذُو شَفـاعَةٍ سِوَاكَ، بِمُغْنٍ عن سَوادِ بنِ قارِبِ

وأخبرني المفضل عن أبيه عن جده قال: أخبرني العلاء بن ميمون الآمدي عن أبيه قال: ركبت بحر الخزر أريد ناجورا حتى إذا ما كنت منها غير بعيد لجج مركبنا، فاستاقته ريح الشمال شهراً في اللجة، ثم انكسر بنا، فوقعت أنا ورجلٌ من قريشٍ إلى جزيرة في البحر ليس بها أنيس، فجعلنا نطوف، ونطمع في النجاة إذ أشرفنا على هوةٍ، وإذا بشيخٍ مستندٍ إلى شجرة عظيمة، فلما رآنا تحشحش، وأناف إلينا، ففزعنا منه، ثم دنونا منه، وقلنا: السلام عليك أيها الشيخ! قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فأنسنا به، فقال: ما خطبكما? فأخبرناه، فضحك وقال: ما وطىء هذا الموضع أحدٌ من ولد آدم قط، فمن أنتما? قلنا: من العرب! قال: بأبي وأمي العرب؛ فمن أيها? قلت: أما أنا فرجل من خزاعة، وأما صاحبي فمن قريش. قال: بأبي قريش وأحمدها! ثم قال: يا أخا خزاعة هل تدري من القائل: الطويل

كأنْ لم يَكُنْ بينَ الحَجُون إلى الصَّفَا أَنِيْسٌ، وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سـامـرُ

بلى! نَحْنُ كنَّا أَهلَهـا، فـأبـادَنـا صُرُوفُ اللّيالي والجُدُودُ العَواثِرُ

قلت: نعم! ذلك الحرث بن مضاض الجرهمي. قال: ذلك مؤديها، وأنا قائلها في الحرب التي كانت بينكم، معشر خزاعة، وبين جرهم. يا أخا قريش! أولد عبد المطلب بن هاشم? قلت: أين يذهب بك، رحمك الله! فربا وعظم وقال: أرى زماناً قد تقارب إبانه، أفولد إبنه عبد الله? قلنا: وأين يذهب بك? إنك لتسألنا مسألة من كان في الموتى. قال: فتزايد ثم قال: فابنه محمد الهادي? قلت: هيهات! مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منذ أربعين سنة! قال: فشهق حتى ظننا أن نفسه قد خرجت، وانخفض حتى صار كالفرخ، وأنشأ يقول: الكامل

ولَرُبَّ راجٍ حِيْلَ دونَ رَجائهِ وَمُؤمِّلٍ ذَهَبَتْ بِهِ الآمـالُ

ثم جعل ينوح ويبكي حتى بل دمعه لحيته، فبكينا لبكائه، ثم قال: ويحكما! فمن ولي الأمر بعده? قلنا: أبو بكر الصديق، وهو رجل من خير أصحابه، قال: ثم من? قلنا: عمر بن الخطاب، قال: أفمن قومه? قلنا: نعم. قال: أما إن العرب لا تزال بخيرٍ ما فعلت ذلك. قلنا: أيها الشيخ قد سألتنا فأخبرناك، فأخبرنا من أنت وما شأنك? فقال: أنا السفاح بن الرقراق الجني لم أزل مؤمناً بالله وبرسله ومصدقاً، وكنت أعرف التوراة والإنجيل، وكنت أرجو أن أرى محمداً، صلى الله عليه وسلم، فلما تفرقت الجن وأطلقت الطوالق المقيدة من وقت سليمان، عليه السلام، إختبأت نفسي في هذه الجزيرة لعبادة الله تعالى وتوحيده وانتظار نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، وآليت على نفسي أن لا أبراح ههنا حتى أسمع بخروجه، ولقد تقاصرت أعمار الآدميين، وإنما صرت فيها منذ أربعمائة سنةٍ، وعبد منافٍ إذ ذاك غلامٌ يفعةٌ ما ظننت أنه ولد له ولد، وذلك أنا نجد علم الأحداث، ولا يعلم الآجال إلا الله تعالى، والخير بيده، وأما أنتما أيها الرجلان، فبينكما وبين الآدميين من الغامر مسيرة أكثر من سنة، ولكن خذا هذا العود، فاكتفلا به كالدابة إذا نام الناس، فإنه يؤديكما إلى بلدكما، واقرئا محمداً مني السلام، فإني طامع بجوار قبره. قال: ففعلنا ما أمرنا به، فأصبحنا في مصلى آمد.

وقد روي أن عبيد بن الأبرص خرج في ركبٍ فبينما هم يسيرون إذا بشجاع قد احترق جنباه من الرمضاء، فقال له بعض أصحابه: دونك الشجاع يا عبيد فاقتله! قال عبيد: هو إلى غير القتل أحوج، فأخذ إدواةً من ماءٍ، فصبها عليه، فانساب الشجاع ودخل في جحره، وسار القوم، فقضوا حوائجهم، ثم أقبلوا حتى صاروا إلى ذلك الموضع الذي فيه الشجاع، قال: فتأخر عبيد لقضاء حوائجه، فانلفت بكره، وقيل بل حسر عليه، فسار القوم، وبقي عبيد متحيراً، فإذا بهاتفٍ من عدوة الوادي، وهو يقول: الرجز

يا صاحبَ البكرِ المُضِلِّ مَرْكَبَهْ دونَكَ هذا البكرَ مِنَّا فاركبَـه

ما دونَه من ذي الرّشادِ تَصحَبُه وبكْرُكَ الآخرُ أَيضاً تجنُـبُـه

حتى إذا اللّيلُ تَجَلّى غَيهَـبُـه فَحُطَّ عَنْهُ رَحلَـهُ وسَـيّبَـه

إذا بَدَا الصّبحُ ولاحَ كَوكَـبُـه وقد حمدتَ عنهُ ذاكَ مَصحبَه

قال: فالتفت عبيد، فإذا هو ببكره، وبكرٍ إلى جنبه، فركبه، حتى إذا صار إلى دار قومه أرسل البكر، وأنشأ يقول: البسيط

يا صاحبَ البكرِ قَدْ أُنقِذْتَ مـن بَـلَـدٍ يَحارُ في حافَتَيها المُدلِـجُ الـهـادِيْ

هَلاَّ أَبَنْتَ لَنا بـالـحَـقّ نَـعـرفُـهُ، مَن ذا الذي جادَ بالمَعروفِ في الوادي

إرجِعْ حميداً، فقَد أبلَغتَ مَـأْمَـنَـنـا بُوْرِكتَ من ذي سَنـامٍ رائحٍ غـادي

فأجابه هاتف يقول: البسيط

أنا الشّجاعُ الذي أَلفَيتَـهُ رَمِـضـاً في رَملَةٍ ذاتِ دكـداكٍ وأعـقـاد

فَجُدْتَ بالماءِ لمَّا ضَنَّ حَـامِـلُـهُ، جُوداً عليَّ ولم تَبْخَل بـإنـجـادي

هذا جَزاؤكَ منِّـي لا أَمُـنُّ بـهِ، فارْجِعْ حميداً رعاكَ اللَّهُ من غادي

الخَيرُ أبقَى، وإنْ طالَ الزَّمانُ بـه، والشرُّ أَخبَثُ ما أَوْعَيتَ مـن زادِ

وذكر جماعةٌ من أهل العلم: أن الحرث بن ذي شداد الحميري كان ملكاً في الجاهلية الجهلاء، وهو أول من دخل أرض الأعاجم ودوخها، ثم إنه وضع يده، بقتل رؤساء قومه، ثم إنه خاف رجلاً منهم، فطلبه، فأعجزه، وهرب الرجل ترفعه أرضٌ وتخفضه أخرى، إذ جنه الليل، فاستضاف إلى كهفٍ في جبلٍ، فأخذته عينه، فإذا هو بآتٍ قد أتاه فقعد عند رأسه، وأنشأ يقول: المنسرح

ألـدّهـرُ يأتـيكَ بـــالـــعَـــجـــائبِ إ نَّ الـدّهـرَ فـيهِ لَـدَيْكَ مُـعــتَـــبَـــرُ

بَينـا تَـرَى الـشَّـمـلَ فـيهِ مُـجـتَـمـعـــاً فَرَّقَـه مـن صُـــروفِـــه الـــقَـــدَرُ

لا تَـنـفَـعُ الـمَـرءَ فـيهِ حــيلَـــتُـــهُ، ممّـا سـيَلـقـى يومــاًن ولا الـــحَـــذَرُ

إنّـي زَعــيمٌ بـــقـــصّةٍ عـــجَـــبٍ عنـدي لـمـن يَسـتَـزيدُهـا الـخـــبَـــرُ

تأتـي بـتَـصـديِقـهـا الـلّـــيالـــي، وال أيّامُ، إنَّ الـقــضـــاء يُنْـــتَـــظـــرُ

يكـونُ فـــي الإِنـــسِ مَـــرّةً رجـــلٌ ليسَ لـه فـي مُـلـوكِـهِــمْ خَـــطَـــرُ

مَولِـدُه فـي قُــرى ظـــواهـــرِ هـــم دانَ بـتـلـكَ الـتـي إسـمُـهـا خَــمَـــرُ

يَقـهَـرُ أَصْـحـابَـه عـلـــى حَـــدَثِ ال سِّنِّ، ويُجْـفـى فـيهـمْ ويُحـــتَـــقَـــرُ

حتّـى إذا أَمـكَـنَـتــهُ صـــولَـــتُـــهُ ولـيسَ يَدري بـشـــأْنِـــهِ بـــشَـــرُ

أَصـبـحَ فـي هَـتـومٍ عـلـــى وَجَـــلٍ، وَأَهـلُـهُ غـافِـلـونَ مــا شَـــعَـــرُوا

رأَوا غُـلامـاً بـالأمـسِ عـــنـــدَهـــمُ أَزْرَى لَـدَيهـم جَـهْـلاً بـهِ الـصِّــغَـــرُ

لم يَفـــقــــدِوهُ، لا دَرَّ دَرَّهُـــــــمُ، لو عَـلِـمُـوا الـعـلـمَ فـيهِ لا فـتَـخَــرُوا

حتّـــى إذا أدْرَكَـــتْـــهُ رَوْعَـــتُـــهُ بينَ ثـــلاثٍ، وقَـــلـــبُـــهُ حَـــذِرُ

جاءتْ إلـيه الـكُـبـرى بـــأَشـــقِـــيَةٍ شَتَّـى، وفـي بَـعـضِــهـــا دَمٌ كَـــدِرُ

قال لـــهـــا: ذاكَ إذَنْ أَشْـــرَبُــــهُ? قالـــتْ لـــهُ: ذَرْهُ! قــــــال: لا أَذَرُ

فَنـاوَلَـتـهُ، فَـــمـــا تـــوَرَّعَ عَـــنْ أَقْـصـاهُ حـتّـى أَهَـارَهُ الــسّـــكُـــرُ

قالـتْ لَـهُ: هـذه مَـــراكِـــبُـــنـــا، فاركـبْ، وشـرُّ الـمـراكـبِ الـحُـمُـــرُ

فنَـهـنَـهـتـهُ الـوُسـطَـى، فـثـارَ لـهــا كأَنَّـهُ الـلَّـيثُ هــاجَـــهُ الـــذّعُـــر

فقـالَ: حَـقـاً صَـدَقْـتِ، ثــمَّ ســـمـــا فوقَ ضَـمـيرٍ قَـدْ زانَـهُ الــضُّـــمُـــر

فَصَـــدَّ لـــمـــا عَـــلاهُ مِـــنْ أَذَنٍ ومِـنْ جِـراحٍ مِـنــهـــا بِـــهِ أَثَـــرُ

ثمّ أَتَـتـهُ الـصُـغـرَى تُــمَـــرِّضُـــهُ، فوقَ الـحَـشـايا، ودَمْـــعُـــهـــا دِرَرُ

فحـالَ مـنـهـا لـمَـضـجَـعٍ ضَـجِـــراً، ولا تَـسـاوى الـوِطـــاءُ والـــوُعُـــرُ

كأَنَّ إذ ذاكَ بعدَ صَرعَته، مِنْ شِدَّةِ الجُهدِ تحتَهُ الإِبَرُ

فقُلنَ لمّا رأينَ صَرعَتَهُ: أَسـعِـدْ فـأنـتَ الـذي لـك الـظّــفَـــرُ

في كـلِّ مـا وجـهةٍ تَـوَجَّـــهُـــهـــا، وأنـتَ يَشـقَـى بِـحَـربِـكَ الـبَـــشَـــرُ

وأنـتَ لـلـسَّـيفِ والـلّـســـانِ ولـــلأب دانِ تَـبـدو كـأنَّـــهـــا الـــشّـــرَرُ

وأنـتَ أنـتَ الــمُـــهْـــرِيقُ كـــلّ دَمٍ إذا تَـرامَـى بـشَـخـصِـكَ الـسَّـــفَـــرُ

فارْشِـدْ ولا تَـسْـكُـنَـنّ فــي خَـــمَـــرٍ ورِدْ ظَـفـاراً، فـإنّـهـا الــظّـــفَـــرُ

فلَـسـتَ تَــلـــتَـــذُّ عـــيشَةً أبـــداً، ولـــلأَعـــادي عَـــينٌ، ولا أَثَـــــرُ

نحـنُ مِـنَ الــجِـــنّ، يا أَبـــا كَـــرَبٍ يا تُـبّـعَ الـخَـيرِ هـاجَـنـا الـــذّعُـــرُ

فيمـا بـلَـونـاهُ فـيكَ مـــن تَـــلَـــفٍ، عن عَـمْـدِ عـينٍ وأنـتَ مُـصـطــبـــرُ

ثمّ أتَـى أَهـلَـهُ، فَـــأَخْـــبَـــرَهُـــمْ بِكُـلِّ مـا قَـدْ رَأَى فـمـا اعـتَـــبَـــرُوا

فسـارَ عَـنـهـمْ، مـن بَـعْـدِ تــاسِـــعَةٍ، نحـوَ ظَـفـارٍ، وشـأْنُـهُ الـــفِـــكَـــرُ

فَحَـلَّ فـيهـا، والــدّهـــرُ يَرفَـــعُـــهُ في عِـظَـمِ الـشّـأْنِ وهـوَ يشـتَـــهـــرُ



حتّى أتَتهُ مِنَ المَـدينَةِ تَـش كو الظّلم شَمطاءُ قَومُها غُدُرُ

أَدلَتْ إلَيهِ منهمْ ظُلامَتَـهـا، ترجو بهِ ثَأْرَها، وتَنتَـصـرُ

فأَعْمَلَ الرأيَ في الذي طَلبتْ تلكَ، وكلُّ بـذاكَ يأْتَـمِـرُ

فعَبّأ الجَيشَ، ثـم سـارَ بـهِ مثلَ الدَّبا في البلادِ يَنتـشِـرُ

قد ملأ الخافقينِ عَسْـكَـرُهُ، كأنهُ الليلُ حينَ يَعْـتَـكِـرُ

تأتَـمُّ أَعـداءَهُ كَـتـائِبُــهُ، فليسَ يُبقي منهـمْ، ولا يَذرُ

حتّى قضىَ منهُمُ لُبـانَـتَـهُ، وفازَ بالنَّصْرِ ثَمَّ مَنْ نُصِرُوا

إنَّا وَجَدْنا هذا يكـونُ مَـعـاً في عِلمِنا، والمَليكُ مُقتَـدِرُ

والحمدُ للَّهِ والـبَـقـاءُ لَـهُ، كلٌّ إلى ذي الجَلالِ مُفتَقِـرُ

خبر آخر:

وفي مصداق ما ذكرناه من أشعار الجن، وقولهم الشعر على ألسن العرب، قول الأعشى: الطويل

وما كنتُ شاحردا، ولكنْ حَسِبتُني إذا مِسحَلٌ يُسْدي ليَ القولَ أعلَق

شَريكانِ فيما بَينَنا مِـن هَـوادَةٍ، صَفِيَّانِ إنسيٌّ وجِـنٌّ مـوَفَّـقُ

يَقُولُ فلا أَعيَا بقَـول يَقُـولُـهُ، كَفاني لا عَيٌّ، ولا هُوَ أخْـرَقُ

خبر آخر:

ذكر أن رجلاً أتى الفرزدق فقال: إني قلت شعراً فانظره، قال: أنشد، فقال: البسيط

وَمِنْهُم عمرٌو المَحْمُودُ نائِلُهُ كأنَّما رَأْسُهُ طِينُ الخَواتيمِ

قال: فضحك الفرزدق ثم قال: يا ابن أخي! إن للشعر شيطانين يدعى أحدهما الهوبر والآخر الهوجل، فمن انفرد به الهوبر جاد شعره وصح كلامه، ومن انفرد به الهوجل فسد شعره، وإنهما قد اجتمعا لك في هذا البيت فكان معك الهوبر في أوله فأجدت، وخالطك الهوجل في آخره فأفسدت، وإن الشعر كان جملاً بازلاً عظيماً فنحر فجاء امرؤ القيس فأخذ رأسه، وعمرو بن كلثوم سنامه، وزهير كاهله، والأعشى والنابغة فخذيه، وطرفة ولبيد كركرته. ولم يبق إلا الذراع والبطن فتوزعناهما بيننا، فقال الجزار: يا هؤلاء! لم يبق إلا الفرث والدم، فأمروا لي به، فقلنا: هو لك، فأخذه ثم طبخه، ثم أكله ثم خريه، فشعرك هذا من خرء ذلك الجزار! فقال الفتى: فلا أقول بعده شعراً أبداً.

فصل آخر:

قيل لأبي عبيدة: هل قال الشعر أحدٌ قبل امرىء القيس? قال: نعم! قدم علينا رجالٌ من بادية بني جعفر بن كلاب فكنا نأتيهم، فنكتب عنهم، فقالوا: ممن ابن خدام? قلنا: ما سمعنا به! قالوا: بلى! قد سمعنا به ورجونا أن يكون عندكم منه علمٌ لأنكم أهل أمصارٍ، ولقد بكى في الدمن قبل امرىء القيس، وقد ذكره امرؤ القيس في شعره حيث يقول: الكامل

عوجا خَليليّ الغداةَ لعَـلّـنـا نَبكي الدّيارَ كما بكى ابنُ خِدامِ

باب صفة الذين قدموا زهيراً

قال الذين قدموا زهيراً على امرىء القيس: هو أشعر العرب، وإنما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في امرىء القيس إنه يقدم بلواء الشعراء إلى النار لقدمه في الشعر. وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا يقوله لقوله، عز وجل: وما علمناه الشعر وما ينبغي له. ولكن كان يعجبه. ولو كانت التقدمة بالتقدم في الشعر لقدم عليه ابن خدام الذي ذكره في شعره؛ وليس هنالك. وقول الفرزدق إن الشعر كان جملاً فنحر، فجاء امرؤ القيس فأخذ رأسه، فهذا مثلٌ ضربه، والسنام والكاهل أكثر نفعاً من الرأس، إذا كان منحوراً، ولو أنه ضرب المثل، وكان حياً، فأخذ رأسه لكان الرأس أفضل إذ لا بقاء للبدن إلا مع الرأس، وإنما أخذه ميتاً.

فصل آخر:

ذكره أبو عبيدة، وأخبرنا أبو عبد الرحمن الغساني عن شريك بن الأسود قال: كنا ليلةً في سمر بلال بن أبي بردة الأشعري، وهو يومئذ على البصرة، فقال: أخبروني بالسابق والمصلي من الشعراء من هما? قلنا: أخبرنا أنت أيها الأمير، وكان أعلم العرب بالشعر؛ فقال: السابق الذي سبق بالمدح فقال:

وما يكُ من خَيرٍ أَتَوْهُ فإنّما تَوارَثَهُ آباءُ آبائِهِمْ قَـبْـلُ

وأما المصلي، فهو الذي يقول: الطويل

ولَستُ بمُسـتَـبـقٍ لا تَـلُـمّـهُ على شعثٍ، أيّ الرّجالِ المُهَذَّبُ?

فصل آخر:

ذكر أبو عبيدة عن الشعبي يرفعه إلى عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في سفرٍ فبينا نحن نسير قال: ألا تزاملون? أنت يا فلانٌ زميل فلان، وأنت يا فلانٌ زميل فلان، وأنت يا ابن عباس زميلي؛ وكان لي محباً مقرباً، وكان كثيرٌ من الناس ينفسون علي لمكاني منه، قال: فسايرته ساعةً ثم ثنى رجله على رحله، ورفع عقيرته ينشد:

وما حَمَلَتْ مِنْ ناقةٍ فوقَ رَحْلِها أَبَرَّ وأَوْفَى ذِمَّةً من مُحَـمّـدِ

ثم وضع السوط على رحله، ثم قال: أستغفر الله العظيم، ثم عاد فأنشد حتى فرغ ثم قال: يا ابن عباس! ألا تنشدني لشاعر الشعراء! فقلت: يا أمير المؤمنين! ومن شاعر الشعراء? قال: زهير! قلت: لم صيرته شاعر الشعراء? قال: لأنه لا يعاظل بين الكلامين، ولا يتتبع وحشي الكلام، ولا يمدح أحداً بغير ما فيه. قال أبو عبيدة: صدق أمير المؤمنين، ولشعره ديباجةٌ إن شئت قلت شهدٌ إن مسسته ذاب، وإن شئت قلت صخرٌ لو رديت به الجبال لأزالها.

وحدثني محمد بن عثمان عن أبي مسمع عن ابن دأب قال: كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، جالساً في أصحابه يتذاكرون الشعر والشعراء، فيقول بعضهم: فلانٌ اشعر، ويقول آخر، بل فلانٌ أشعر؛ فقيل: إبن عباس بالباب! فقال عمر، رضي الله عنه: قد أتى من يحدث من أشعر الناس؛ فلما سلم وجلس قال له عمر: يا ابن عباس! من أشعر الناس? قال: زهير يا أمير المؤمنين! قال عمر: ولم ذلك? قال ابن عباس: لقوله يمدح هرماً وقومه بني مرة: البسيط

لو كان يَقْعُدُ فوقَ الشّمسِ من كَرمٍ قومٌ بأَوَّلِهم أو مَجْدِهِـم قَـعَـدُوا

قَومٌ أَبوهُمْ سِنَانٌ حينَ تَنسُـبُـهـم، كابُوا وطابَ مِنَ الأولادِ مَن وَلَدُوا

جِنٌّ إذا فَزِعُوا، إنسٌ إذا أَمِـنُـوا، مُرَزّؤونَ بَهالـيلٌ إذا جـهـدُوا

مُحَسَّدونَ على ما كانَ مِنْ نِعَـمٍ، لا يَنزِعُ اللَّهُ عَنهُم ما بِهِ حُسِـدُوا

قال عمر: صدقت يا ابن عباس.

فصل من أخبار زهير

ذكر أبو عبيدة عن قتيبة بن شبيب بن العوام بن زهير عن آبائه الذين أدركوا بجيراً وكعباً إبني زهير قال: كان أبي من مترهبة العرب، وكان يقول: ولا أن تفندون لسجدت للذي يحيي هذه بعد موتها! قال: ثم إن زهيراً رأى قبل موته بسنةٍ في نومه كأنه رفع إلى السماء حتى كاد يمس السماء بيده، ثم انقطعت به الحبال، فدعا بنيه فقال: يا بني! رأيت كذا وكذا، وإنه سيكون بعدي أمرٌ يعلو من اتبعه ويفلح، فخذوا بحظكم منه، ثم لم يعش إلا يسيراً حتى هلك، فلم يحل الحول حتى بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

وذكر عن الأصمعي قال: كفاك من الشعراء أربعة: زهير إذا طرب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا غضب، وعنترة إذا كلب.

باب خبر الذين قدموا النابغة الذبياني

قالوا: هو أوضحهم معنىً، وأبعدهم غايةً، وأكثرهم فائدةً.

وأخبرنا ابن عثمان عن مطرف الكناني عن ابن دأب في حديث رفعه إلى عبد الملك بن مسلم: أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج: إنه لم يبق من لذة الدنيا شيءٌ إلا وقد أصبت منه، ولم يبق إلا مناقلة الحديث، وقبلك عامر الشعبي، فابعث به إلي يحدثني. فبعث الحجاج بالشعبي وأطراه في كتابه، فخرج الشعبي حتى صار بباب عبد الملك فقال للحاجب: إستأذن لي! فقال الحاجب: ومن أنت رحمك الله? قال: أنا عامر الشعبي، فنهض الحاجب وأجلسه على كرسيه، فلم يلبث الحاجب أن أدخله، قال الشعبي: فدخلت فإذا عبد الملك على كرسي، وإذا بين يديه رجلٌ أبيض الرأس واللحية على كرسي آخر، فسلمت، فرد السلام ثم أومأ بقضيبه فقعدت على يساره، ثم أقبل على رجل عنده، فقال: ويحك من أشعر الناس? قال: أنا يا امير المؤمنين! قال الشعبي: فأظلم ما بيني وبين عبد الملك من البيت، ولم أصبر أن قلت: من هذا يا أمير المؤمنين الذي يزعم أنه أشعر الناس? فعجب عبد الملك من عجلتي قبل أن يسألني، وقال: هذا الأخطل، قلت: بل أشعر منك يا أخطل الذي يقول: السريع

هذا غُلامٌ حَسَنٌ وَجْـهُـهُ مُستَقبلُ الخَيرِ سريعُ التّمامْ



للحَرَثِ الأكبرِ والـحَـرَثِ ال أعْرَجِ والأصغَرِ خَيرِ الأنـامْ

ثمّ لهـنـدٍ ولـهـنـدٍ، وقـد أَسْرَعَ في الخَيراتِ مِنهم إمامْ

ستّةُ آبـاءٍ هُـمُ مـا هُــمُ، أَكْرَمُ مَنْ يشرَبُ صَوبَ الغَمامْ

قال: فرددتها حتى حفظها عبد الملك، فقال الأخطل: من هذا يا أمير المؤمنين? قال: هذا الشعبي! قال الأخطل: والإنجيل هذا ما استعذت بالله من شره! صدق والله: ألنابغة أشعر مني! فالتفت إلي عبد الملك فقال: ما تقول في النابغة يا شعبي? قال: قدمه عمر بن الخطاب في غير موضع على جميع الشعراء.

فصل آخر:

قال: خرج عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وببابه وفد غطفان، فقال: أي شعرائكم الذي يقول: الطويل

حلفتُ، فلم أتركُ لنَفـسِـكَ ريبةً وليسَ وَراءَ اللَّهِ للمَرءِ مَذهـبُ

لَئِن كُنَتَ قد بُلّغتَ عنّي سعـايةً لمُبلِغُكَ الواشي أغشُّ وأكـذَبُ

ولَستَ بمُستَبقٍ أخاً لا تَـلُـمّـهُ على شَعَثٍ، أيّ الرّجالِ المُهَذَّبُ

قالوا: النابغة يا أمير المؤمنين، قال: فمن القائل: الطويل

خَطاطيفُ حُجْنٌ في حِبالٍ مَتينَةٍ، تَمُـدُّ بـهـا أيدٍ إلَـيكَ نَـوازِعُ

فإنّكَ كاللّيلِ الذي هوَ مُدْرِكـي، وإن خَلْتَ أنّ المُنتأى عنكَ واسعُ

قالوا: النابغة يا أمير المؤمنين، قال: فمن القائل: الوافر

إلى ابنِ مُحَرِّقٍ أعمَلتُ نَفسي وراحلَتي، وقد هدأتْ عُـيونُ

فألفَيتُ الأمانَةَ لـم يَخُـنْـهـا كذلكَ كـانَ نُـوحٌ لا يَخُـونُ

أتَيتُكَ عارِياً خَلَـقِـاً ثِـيابـي على خَوفٍ تُظَنّ بيَ الظّنونُ?

قالوا: النابغة يا أمير المؤمنين! قال: فمن القائل: البسيط

إلاَّ سُلَيْمَانَ، إذْ قال المَليكُ لـه: قُم في البَرِيَّةِ فاحْدُدْها عن الفَنَدِ

قالوا: النابغة يا أمير المؤمنين! قال: هو أشعر شعرائكم.

قال الشعبي: ثم أقبل عبد الملك على الأخطل، فقال: أتحب أن يكون لك شعر أحدٍ من العرب عوضاً عن شعرك? قال: لا والله يا أمير المؤمنين، إلا أن رجلاً قال شعراً فيه أبياتٌ، وكان ما علمت والله مغدف القناع، قليل السماع، قصير الذراع، وددت أني قلتها، وهو القطامي: البسيط

لَيسَ الجَديدُ بهِ تبقى بَشاشَـتُـهُ إلاّ قليلاً، ولا ذو خُـلّةٍ يَصِـلُ

والعَيشُ لا عَيشَ إلاّ ما تَقَرُّ بـهِ عَيْنٌ، ولا حالَةٌ إلاّ سَتنـتـقِـلُ

والناس مَنْ يلقَ خيراً قائلونَ لهُ ما يشتهي وَلأُمِّ المُخْطيء الهَبَلُ

قَدْ يُدرِكُ المُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِـهِ وقَدْ يكونُ معَ المُستعجِلِ الزُلَلُ

فصل آخر:

وذكر محمد بن عثمان عن أبي علقمة عن مفالج بن سليمان عن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن زيد عن عمر بن الخطاب عن حسان بن ثابت، رضي الله تعالى عنه، أنه حدثه، أنه وفد على النعمان بن المنذر قال: فلما دخلت بلاده لقيني رجلٌ فسألني عن وجهي وما أقدمني، فأخبرته، فأنزلني، فإذا هو صائغٌ، فقال: مما أنت? فقلت: من أهل الحجاز، قال: كن خزرجياً! قلت: أنا خزرجي، قال: كن نجارياً! قلت: أنا نجاري! قال: كن حساناً! قلت: أنا حسان، قال: كنت أحب لقاءك، وأنا واصفٌ لك أمر هذا الرجل وما ينبغي لك أن تعمل به في أمره. إنك إذا لقيت حاجبه وانتسبت وأعلمته مقدمك أقام شهراً لا يرد عليك شيئاً، ثم يلقاك، فيقول: من أنت? وما أقدمك? ثم يمكث شهراً لا يرد عليك شيئاً، ثم يستأذن لك، فإذا دخلت على النعمان، فستجد عنده أناساً، فيستنشدونك؛ فلا تنشدهم حتى يأمرك، فإذا أمرك، فأنشده، فيستزيدك من عنده، فلا تزده حتى يستزيدك، هو، فإذا فعلت، هذا، فانتظر ثوابه وما عنده، فإن هذا ينبغي لك أن تعرفه من أمره.

قال حسان: فقدمت إلى الحاجب، فإذا الأمر على ما وصف لي، ثم دخلت على النعمان، ففعلت ما أمرني به الصائغ، فأنشدته شعري ثم خرجت من عنده، فأقمت أختلف إليه، فأجازني وأكرمني، وجعلت أخبر صاحبي بما صنع، فيقول: إنه لا يزال هكذا حتى يأتيه أبو أمامة، يعني النابغة، فإذا قدم، فلا حظ فيه لأحدٍ من الشعراء. قال: فأقمت كذلك إلى أن دخلت عليه ليلةً، فدعا بالعشاء، فأتي بطبيخٍ، فأكل منه بعض جلسائه، فامتلأ، فضحك بطالٌ كان يكون بباب النعمان، فغضب وقال: أبجليسي تضحك? أحرقوا صليفيه بالشمعة! فأحرق صليفاه. قال حسان: فوالله إني لجالسٌ عنده، إذا بصوتٍ خلف قبته، وكان يوماً ترد فيه النعم السود، ولم يكن للعرب نعم سود إلا للنعمان، فأقبل النابغة فاستأذن، فقدم، وهو يقول: السريع

أنامَ أَمْ يَسمعُ رَبُّ القُـبَّـه، يا أَوْهَبَ النّاسِ لِعيسٍ صُلْبَه

ضَرَّابةٍ بالمِشفَـرِ الأذبَّـه، ذاتِ تَجافٍ في يَدَيها حَدْبَه

قال: أبو أمامة، أدخلوه! فأنشده قصيدته التي يقول فيها: الطويل

وَلَسْتَ بِمُسْتَبقٍ أَخاً لا تَـلُـمّـهُ على شعَثٍ، أيُّ الرّجال المهذَّبُ

فأمر له بمائة ناقةٍ فيها رعاؤها ومطافيلها وكلابها من السود. قال حسان: فخرجت من عنده لا أدري أكنت له أحسد على شعره، أم على ما نال من جزيل عطائه، فرجعت إلى صاحبي، فقال: انصرف، فلا شيء لك عنده سوى ما أخذت.

وعنه في حديث رفعه إلى الوليد بن روح الجمحي قال: مكث النابغة دهراً لا يقول الشعر، ثم أمر بثيابه، فغسلت، وعصب حاجبيه على جبهته، فلما نظر إلى الناس أنشأ يقول: مجزوء الكامل

أَلَـمـرءُ يأْمُـلُ أنْ يَعـي شَ، وطولُ عَيْشٍ قَدْ يَضرّهْ

تَفنى بَـشـاشَـتُـهُ، ويَبْ قَى بعدَ حُلوِ العَيشِ مُـرّهْ

وتَـصَـرَّمُ الأيّامُ، حـتـى لا يَرى شـيئاً يَســـرّهْ

كم شامتٍ بـي إنْ هَـلَـكْ تُ، وقـائِلٍ لـلَّــهِ دَرَّهْ

فصل آخر عنه:

قال: لما قال النابغة: الكامل

أَمِنْ آلِ مَيَّةَ رائحٌ أَو مُغتَـدي عَجْلانَ، ذا زادٍ، وغيرَ مَزَوَّدِ

وقوله في البيت الثاني:

زَعَمَ البَوارحُ أنّ رحلَتَنا غَداً، وبذاكَ خَرّرَنا الغرابُ الأسودُ

هابوه أن يقولوا له لحنت، أو أكفأت، فعمدوا إلى قينته، فقالوا: غنيه! فلما غنته بالخفض والرفع فطن وقال:

وبذاكَ تَنعابُ الغُرابِ الأسوَدِ

وكان بدء غضب النعمان عليه أن النعمان قال: يا زياد! صف لي المتجردة، ولا تغادر منها شيئاً، وكانت زوجة النعمان، وكانت أحسن نساء زمانها، وكان النعمان قصيراً، دميماً، أبرش، وكان ممن يجالسه ويسير معه رجلٌ آخر يقال له: المنخل، كان جميلاً، وكان النابغة عفيفاً، فقال له النعمان: صف لي المتجردة، فوصفها في الشعر الذي يقول فيه:

لو أَنَّها عَرَضَتْ لأَشْمَطَ راهبٍ، يدعو الإلَهَ، صَرورَةٍ، مُتَعَـبِّـدِ

لَصَبَا لَبَهجتِها وطِيْبِ حَديثـهـا، ولَخَالَهُ رُشْداً، وإنْ لـم يَرشُـدِ

تَسعُ البـلادُ إذا أتَـيتُـك زائراً، فإذا هجَرتُك ضاقَ عنّي مَقعدي

ثم وصف جميع محاسنها، فلما بلغ إلى المعنى قال:

وإذا لَمَسْتَ لَمَسْتَ أَجْثَمَ جاثِـمـاً مُتَحَيِّزاً بمـكـانِـهِ مِـلءَ الـيَدِ

وإذا طَعَنتَ طَعَنتَ في مُسْتَهـدِفٍ ناتيْ المَجَسَّةِ بالعَبيرِ مُـقَـرمَـدِ

وإذا نزعتَ نزعْتَ عن مُستَحصِفٍ نَزْعَ الحَزَوَّرِ بالرّشاءِ المُحْصَـدِ

وتكادُ تَنزعُ جِـلـدَهُ عَـن مَـلّةٍ فيها لوافحُ كالحَريقِ الـمـوقَـدِ

قال: فلما سمع ذلك المنخل، وكان يغار عليها، قال: أيد الله الملك، ما يقول هذا إلا من جرب ورأى؛ فوقع ذلك في نفس النعمان وكان له أبوابٌ يقال له عصام، وكان صديقاً للنابغة، فأخبره الخبر، فهرب إلى ملوك غسان، وهم آل جفنة الذين يقول فيهم حسان بن ثابت: الكامل

للَّهِ دَرّ عصابَةٍ نادَمـتُـهُـم يوماً بِجِلّقَ في الزّمانِ الأوّلِ



أبناءُ جَفْنَةَ حولَ قـبـرِ أَبـيهِـمُ عمرو بْنُ ماريةَ الكريمِ المُفضلِ

بيضُ الوُجوهِ كريمةٌ أحسابُـهـمْ شُمُّ الأنوفِ مِنَ الطّـرازِ الأوّلِ

يُغْشَونَ حتى ما تهرُّ كـلابُـهُـمْ لا يَسألونَ عن السّوادِ المُقـبـلِ

فأقام النابغة عندهم حتى صح للنعمان براءته، فأرسل إليه، ورضي عنه، ولعصام يقول النابغة: الرجز

نفسُ عِصامٍ سَوَّدَتْ عِصامَا وَعَلمَتْهُ الكَرَّ، والإقدامَـا

وجَعَلَتْهُ مَلِكاً هُـمـامَـا

وله فيه أيضاً: الوافر

أَلمْ أُقْسِمْ عَلَيكَ لتُخبِـرَنّـي: أَمَحْمولٌ على النّعشِ الهُمامُ

فإنّي لا أَلُومُ علـى دُخـولٍ، ولكنْ ما وراءَكَ يا عِصامُ?

فإن يَهلِكْ أبو قابوسَ يَهلِـكْ رَبيعُ النّاسِ، والشَّهْرُ الحَرامُ

ونأخُذْ بعدَهُ بِـذُنـابِ عَـيشٍ أَجَبِّ الظّهرِ، لَيسَ لهُ سَنامُ

تَمَخّضَتِ المَنُونُ لـه بـيَومٍ أتَى، وَلِكُلِّ حامِـلَةٍ تَـمـامُ

ولَيسَ بخابىءٍ لغَدٍ طَعـامـاً حِذارَ غَدٍ، لكلِّ غَدٍ طَعـامُ

وكان النابغة قد أسن جداً فترك قول الشعر، فمات وهو لا يقوله.

باب خبر أعشى بكر بن وائل

قال الذين قدموا الأعشى: هو أمدحهم للملوك، وأوصفهم للخمر، وأغزرهم شعراً، وأحسنهم قريضاً.

وذكر الجهمي عن أبي عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء قال: عليكم بشعر الأعشى، فإنه أشبه شيء بالبازي الذي يصطاد به، ما بين الكركي والعندليب، وهو عصفور صغير، ولعمري إنه أشعر القوم، ولكنه وضعته الحاجة بالسؤال.

وذكر ابن دأب: أن الأعشى خرج يريد النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال شعراً حتى إذا كان ببعض الطريق نفرت به راحلته، فقتلته، ولا أنشد شعره الذي يقول فيه: الطويل

فآلَيتُ لا أرثي لها مِـنْ كَـلاَلَةٍ ولا مِنْ حَفاً حتَّى تلاقي مُحَمّدَا

متى ما تُناخي عند بابِ ابنِ هاشِمٍ تفوزي، وتلقَيْ من فواضِله يدَا

قال النبي، صلى الله عليه وسلم: كاد ينجو، ولما.

وأخبرنا المفضل عن علي بن طاهر الذهلي عن أبي عبيدة عن المجالد عن الشعبي قال: قال عبد الملك بن مروان لمؤدب أولاده: أدبهم برواية شعر الأعشى، فإن لكلامه عذوبةً، قاتله الله ما كان أعذب بحره، وأصلب صخره! فمن زعم أن أحداً من الشعراء أشعر من الأعشى، فليس يعرف الشعر.

وقيل لعلي بن طاهر: من أشعر الناس? قال: الذي يقول: المتقارب

وَتَـبْـردُ بَـرْدَ رِداءِ الـعَـــرو سِ في الصّيفِ رَقْرَقَتْ فيه العبيرَا

وَتَسْـخـنُ لَـيلةَ لا يَسـتَـطـيعُ نباحاً بها الـكـلـبُ إلاّ هـريرَا

وقال: يا ابن أخي من قدم على الأعشى أحداً فإنما يفعل ذلك بالميل، فهو أشعر شعراء الناس. ولما أنشد النبي، صلى الله عليه وسلم، قول الأعشى الذي نفر فيه عامر بن الطفيل وفضله على علقمة بن علاثة ويمدح عامراً: السريع

عَلقَمُ ما أَنْتَ إلـى عـامِـرِ النّاقِمِ الأوْتـارِ والـواتِـرِ

سُدْتَ بني الأحوصَ لم تَعْدُهم وعَامرٌ سادَ بنـي عـامِـرِ

وكان علقمة قد أسلم، وحسن إسلامه، وكان من المؤلفة قلوبهم، فنهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن إنشاد هذا الشعر حين أسلم علقمة، وحديث منافرتهما يطول.

باب خبر لبيد بن ربيعة

قال الذين قدموا لبيد بن ربيعة: هو أفضلهم في الجاهلية والإسلام، وأقلهم لغواً في شعره. وقد قيل عن عائشة، رضي الله عنها، إنها قالت: رحم الله لبيداً ما أشعره في قوله: الكامل

ذهبَ الذينَ يُعاشُ في أكنافِهِـمْ، وبقيتُ في خَلَفٍ كجلدِ الأجرَبِ

لا يَنفَعون، ولا يُرَجّى خيرُهم، ويُعابُ قائلُهُمْ، وإنْ لم يَشْغَـبِ

ثم قالت: كيف لو رأى لبيد خلفنا هذا! ويقول الشعبي: كيف لو رأت أم المؤمنين خلفنا هذا!

فصل آخر:

قال: وكان لبيد جواداً شريفاً في الجاهلية والإسلام، وكان قد آلى في الجاهلية أن يطعم ما هبت الصبا، ثم أدام ذلك في إسلامه. ونزل لبيد الكوفة، وأميرها الوليد بن عقبة، فبينا هو يخطب الناس، إذ هبت الصبا بين ناحية المشرق إلى الشمال فقال الوليد في خطبته على المنبر: قد علمتم حال أخيكم أبي عقيل، وما جعل على نفسه أن يطعم ما هبت الصبا، وقد هبت ريحها، فأعينوه! ثم انصرف الوليد، فبعث إليه بمائةٍ من الجزر واعتذر إليه فقال: الوافر

أرَى الجَزّارَ يَشْحَذُ شَفرَتـيهِ إذا هَبّتْ رِياحُ أبي عَقـيلِ

أشمُّ الأنفِ أَصْيَدُ عامـريٌّ، طويلُ الباعِ كالسّيفِ الصّقيلِ

وفَى ابنُ الجَعفَريِّ بما نَواهُ، على العِلاَّتِ والمالِ القَلـيلِ

يُذَكّي الكُومَ ما هَبَّتْ عـلـيهِ رِياحُ صَباً تجاوَبُ بالأصيلِ

فلما وصلت الهدية إلى لبيد قال له الرسول: هذه هدية ابن وهب، فشكره لبيد وقال: إني تركت الشعر منذ قرأت القرآن، وإني ما أعيا بجواب شاعر، ودعا ابنةً له خماسيةً فقال: أجيبيه عني، فقالت: الوافر

إذا هَبَّتْ رِياحُ أبي عقـيلٍ، دَعَونا عندَ هَبّتِها الـوَلـيدَا

أشَمَّ الأنفِ، أصْيَدَ عَبشَمِـيّاً أعانَ على مُروءَتِهِ لَبـيدَا

بأَمثالِ الهِضابِ، كأنَّ رَكباً عَليها من بَني حامٍ قُعُـودَا

أبا وَهبٍ! جَزَاكَ اللَّهُ خَيراً نَحَرناها، وأطعَمنا الوُفُودَا

فَعُدْ! إنّ الكريمَ لهُ مَعَـادٌ، وظنّي يابنَ أروى أن تَعُودا

فقال لبيد: أجبت وأحسنت لولا أنك سألت في شعرك. قالت إنه أمير، وليس بسوقة ولا بأس بسؤاله، ولو كان غيره ما سألناه! قال: أجل! إنه لعلى ما ذكرت.

قيل: وكان لبيد أحد المعمرين؛ يقال: إنه لم يمت حتى حرم عليه نكاح خمسمائة امرأةٍ من نساء بني عامر، وهو القائل لما بلغ تسعين حجة: الطويل

كأنّي وَقَدْ جاوَزتُ تِسْعـينَ حـجّةً خَلَعتُ بها عنِّي عِذارَ لـجـامـي

رَمتني بناتُ الدَّهرِ من حيثُ لا أرَى فكَيفَ بمن يُرْمى، وليس برامـي

ولو أنّني أُرمَى بِسَهْـمٍ رأيتُـهـا، ولكنَّني أُرمَـى بـغَـيرِ سِـهـامِ

وقال حين بلغ عشرين ومائة: الكامل

وغَنِيتُ دَهراً قَبلَ مَجْرى داحسٍ، لو كانَ للنّفسِ اللَّجُوجِ خُـلُـودُ

وقال حين بلغ أربعين ومائة:

ولقد سئِمتُ منَ الحَياةِ وطولِها، وسؤالِ هذا النّاسِ: كيفَ لبيدُ?

غَلَبَ الزّمانَ، وكانَ غَيرَ مُغَلَّب، دَهـرٌ طَـويلٌ دائمٌ مَـمـدُودُ

يومٌ إذا يأتـي عـلـيَّ، ولَـيلَةٌ وكلاهُما بَعدَ انقضـاهُ يَعُـودُ

ثم أسلم، وحسن إسلامه، وجمع القرآن وترك قول الشعر.

فصل آخر من أخباره

ولما حضرته الوفاة قال لابنه: إن أباك قد توفي، فإذا قبض أبوك، فأغمضه واستقبل به القبلة، وسجه بثوبه، ولا تصح عليه صائحةٌ، ولا تبك عليه باكيةٌ، وانظر إلى جفنتي التي كنت أصنعها، فأجد صنعتها، ثم احملها إلى مسجدك لمن كان يغشاني عليها، فإذا سلم الإمام فقدمها إليهم، فإذا فرغوا فقل: احضروا جنازة أخيكم لبيد؛ ثم أنشأ يقول: مجزوء الكامل

فإذا دَفَنتَ أبـاكَ فـاجْ عَلْ فَوقَهُ خَشَباً وطِينَا

وصَفائحاً صُمّـاً، رَوَا سيها يُسَدّدنَ الغُضونـا

لَيَقينَ حُرّ الوَجهِ مِـنْ عَفَرِ الترابِ، ولن يَقينا

باب صفة عمرو بن كلثوم

قال الذين قدموا عمرو بن كلثوم: هو من قدماء الشعراء، وأعزهم نفساً، وأكثرهم امتناعاً، وأجودهم واحدة.

قال عيسى بن عمر: لله در عمرو بن كلثوم أي حلس شعر، ووعاء علم، لو أنه رغب فيما رغب فيه أصحابه من الشعراء، وإن واحدته لأجود سبعهم.

وذكر أبو عمرو بن العلاء: أن عمرو بن كلثوم لم يقل غير واحدته، ولولا أنه افتخر في واحدته وذكر مآثر قومه ما قالها؛ وقيل: إن عمرو بن كلثوم كان ينشد عمرو بن هند، وهو الثاني من ملوك الحيرة، فبينما هو ينشد في صفة جمل، إذ حالت الصفة إلى صفة ناقة، فقال طرفة: استنوق الجمل! والبيت الذي أنشده عمرو بن كلثوم: الطويل

وإنّي لأمضي الهَمَّ عِنْدَ احتضارِهِ بناجٍ علَيهِ الصّيعرِيّةُ مِـيسَـمُ

الصيعرية: سمة من سمات الإبل الإناث خاصة لا الذكور، فلذلك قال طرفة: استنوق الجمل! فقال عمرو: وما يدريك يا صبي? فتشاتما، فقال عمرو ابن هند: سبه يا طرفة، فقال قصيدته التي أولها: الرمل

أشَجَاكَ الرَّبعُ أم قِدَمُه أم سَوادٌ دارِسٌ حُممُه

حتى بلغ إلى قوله:

فإذا أَنتم وجَمـعُـكُـمُ حَطبٌ للنّارِ تضطَرِمُه

فقال عمرو بن كلثوم يتوعد عمرو بن هند: الوافر

ألا لا يَجهَلَنْ أحَدٌ عَلَـينـا، فَنَجهَلَ فَوقَ جَهلِ الجاهلينَا

بأيّ مَشيئَةٍ عمرو بن هندٍ، تُطيعُ بنا الوُشاةَ وتَزدَرينَا?

وروي أن هذا الخبر كان بين طرفة والمتلمس، وأنه لا يجترىء على عمرو ابن كلثوم بمثل هذا لشدته في قومه.

وقال مطرف: بلغني عن عيس بن عمر، وأظن أني قد سمعته منه، أنه كان يقول: لو وضعت أشعار العرب في كفة وقصيدة عمرو بن كلثوم في كفة لمالت بأكثرها.

باب صفة طرفة بن العبد

قال الذين قدموا طرفة: هو أشعرهم إذ بلغ بحداثة سنه ما بلغ القوم في طول أعمارهم، وإنما بلغ عمره نيفاً وعشرين سنة، وقيل: لا بل عشرين سنة، فخب وركض معهم، وكان من حديثه أنه هجا عبد عمرو بن بشر بن مرثد بن سعد بن مالك بن ضبيعة فقال: الطويل

فيا عَجَبَا من عَبدِ عمرٍو وَبَغْـيِه، لقد رامَ ظُلمي عبدُ عمرو فأنعَما

ولا خَيرَ فيهِ غَيرَ أنّ له غِنـىً، وأنّ له كَشحاً، إذا قامَ، أهضَمَـا

وكان قد هجا عمرو بن هند الملك، وكان له يوم نعيم ويوم بؤس، فقال: الوافر

قَسَمتَ الدّهرَ من زَمَنٍ رَخيّ، كذاكَ الدّهْرُ يَقصدُ، أو يَجُورُ

لَنا يومٌ، ولـلـكَـرَوانِ يَومٌ، تَطيرُ البائساتُ، وما يَطـيرُ

قال: فبينما عمرو بن هند قاعد، وعنده عبد عمرو، إذ نظر إلى خصر قميصه متخرقاً وكان من أجمل العرب، وكان صفياً له يداعبه، وقد سمع ما قال فيه طرفة، فضحك؛ وأنشده شعر طرفة، فقال: أيها الملك، قد هجاك بأشد من هذا. قال: وما هو? فأنشده قوله: فوقع في قلبه، وقال: يقول في مثل هذا? وكره العجلة عليه لمكان قومه، فكتب إلى عامله؛ وكان المتلمس، وهو عمرو ابن عبد المسيح، رجلاً مسناً مجرباً، وكان المتلمس أيضاً قد هجا عمراً، فأقبل المتلمس وطرفة على عمرو يتعرضان لمعروفه؛ فكتب لهما إلى عامل البحرين وهجر، وقال: إنطلقا إليه، فاقتضيا جوائزكما، فلما خرجا من عنده قال المتلمس: يا طرفة! إنك غلامٌ حديث السن، ولست تعرف ما أعرف، وكلانا قد هجاه، ولست آمن أن يكتب بما نكره، فتعال ننظر في كتبه! فقال طرفة: لم يكن ليقدم علي بمثل هذا، وعدل المتلمس إلى غلام عبادي من أهل الحيرة، فقال: إقرأ ما في هذه الصحيفة، فإذا فيها السوء فألقاها في النهر، وتبع طرفة يريد أن يرده، فلم يدركه.

وقدم طرفة على عامل البحرين، وهو ربيعة بن الحرث، وهو الذي كتب إليه في شأن طرفة والمتلمس، فقال المتلمس يذكر ما كان من أمره: الطويل

فألقَيتُها من حَيثُ كانَت فإنّنـي كذلكَ أقفُوا كلّ قِطٍ مُضَلَّـلِ

رَضِيتُ لها بالماءِ لمّا رأيتُهـا يَجولُ بها التيّارُ في كلِّ جَدوَلِ

ومضى طرفة حتى إذا كان ببعض الطريق سنحت له ظباءٌ فيها تيسٌ وعقابٌ، فزجرها طرفة فقال: الطويل

لَعَمري لقَد مَرّتْ عَواطِسُ جَمّةٌ وَمَرّ، قُبَيلَ الصّبحِ، ظبيٌ مُصَمِّعُ

وعجزاءُ دفّتْ بالجَ،احِ كأنّـهـا، معَ الصّبحِ، شيخٌ في بِجادٍ مُقَنَّعُ

فلَن تَمنَعي رِزقاً لعَبـدٍِ يَنـالُـهُ، وهل يَعدُوَنْ بؤساكِ ما يُتَوَقّـعُ?

وقال المتلمس: الكامل

مَنْ مُبلِغُ الشّعراءِ عن أخَوَيْهِـمُ خَبراً، فَتَصْدُقَهُم بذاكَ الأنفُـسُ

أودى الذي عَلِقَ الصّحيفَةَ منهما، ونَجَا حِذارَ حِبائِهِ المُتَـلَـمّـس

ومنها قوله:

ألقِ الصّحيفَةَ، لا أَبَا لَـكَ، إنّـهُ يُخشَى علَيكَ مِنَ الحِباءِ النِقْرِسُ

فلما قدم طرفة على عامل البحرين دفع إليه كتاب عمرو بن هند، فقرأه فقال: هل تعلم ما أمرت به? قال: نعم! أمرت أن تجيزني وتحسن إلي. فقال: يا طرفة! بيني وبينك خؤولةٌ أنا لها راعٍ حافظٌ. فاهرب في ليلتك هذه، فإني قد أمرت بقتلك، فاخرج قبل أن تصبح ويعلم بك الناس. فقال طرفة: إشتدت عليك جائزتي، فأردت أن أهرب وأجعل لعمرو بن هند علي سبيلاً! كلا والله لا أفعل ذلك أبداً! فلما أصبح أمر بحبسه، وجاءت بنو بكر، فقالوا: ما أقدم طرفة? فقرأ عليهم كتاب الملك ثم حبس طرفة ولم يقتله، وكتب إلى عمرو بن هند: فقرأ عليهم كتاب الملك ثم حبس طرفة ولم يقتله، وكتب إلى عمرو بن هند: أن ابعث إلى عملك من تريد، فإني غير قاتله؛ فبعث عمرو بن هند رجلاً من تغلب، فاستعمله على البحرين، فقتل طرفة، وقتل ربيعة بن الحرث، وقدمهما وقرأ عليهما عهده، فلبث أياماً، واجتمعت بكر بن وائل فهمت بالتغلبي. وقتل طرفة رجلٌ من الحواثر يقال له أبو رشية، وقبره اليوم معروفٌ بهجر، بأرضٍ لبني قيس بن ثعلبة، وودته الحواثر إلى أبيه لما كان من قتل صاحبهم إياه، بعثوا بالإبل حسبةً. ويروى أن طرفة قال قبل صلبه: الطويل

فمَن مُبلِغٌ أحياءَ بكـرِ بـنِ وائلِ بأَنّ ابنَ عبدٍ راكبٌ غيرُ راجـلِ

على ناقةٍ لم يركبِ الفَحلُ ظَهَرَها مُشَذَّبةٍ أَطرافُها بالـمَـنـاجِـلِ

وقال أيضاً: الطويل

لعَمرُك! ما تدري الطّوارقُ بالحَصَى، ولا زاجراتُ الطّيرِ ما اللَّهُ فـاعِـلُ

وقال المتلمس يحرض أقوام طرفة: الكامل

أَبُنيَ فُلانَةَ لم تكن عاداتُكُـم أخْذَ الدّنيّةِ قبلَ خِطّةِ مَعضَدِ

وقالت أخت طرفة، وهي الخرنق، تهجو عبد عمرو، حين أنشد الملك شعر أخيها طرفة بن العبد: الوافر

ألا ثَكِلَتكَ أُمُّكَ عبدَ عـمـرٍو، أبا النّخبَاتِ واخيَتَ المُلُـوكَـا

هُمُ رَكَلُوكَ للوَرِكَـينِ رَكْـلاً، ولو سألُوكَ أعطَيتَ البُرُوكـا

فيَومُكَ عندَ زانـيَةٍ هَـلُـوكٍ، كظِلِّ الرّجعِ مِزْهَرُها ضَحوكا

ورثته أخته بقولها: الطويل

نَعِمنا بهِ خَمساً وعشـرينَ حِـجَّةً فلمّا تَوَفَّاها استَوى سيِّداً فَخـمَـا

فُجِعْنا بهِ لمّا استَتَـمَّ تَـمـامَـهُ، على خَيرِ حالٍ، لا وَليداً ولا قَحما

ومضى المتلمس هارباً إلى الشام، فكتب فيه عمرو بن هند إلى عماله بنواحي الريف، يأمرهم أن يأخذوا المتلمس إن قدروا عليه يمتار طعاماً، أو يدخل الريف، فقال المتلمس يحرض قومه: البسيط

يا آلَ بكـرٍ! أَلا لـلَّـهِ دَرُّكُـمُ، طالَ الثّواءُ وثوبُ العجزِ ملبوسُ

وقال أيضاً: الكامل

إنَّ العراقَ وأَهلَهُ كانُوا الهَوَى، فإذا نآنا ودُّهُمْ، فَلْـيَبْـعُـدُوا

وقال أيضاً: الخفيف

أَيُّها السّائلي، فإنّي غَـريبٌ، نازحٌ عن مَحَلّتي، وصَميمي

وقال أيضاً: الطويل

أَلا أَبْلِغا أَفْنَاءَ سَـعـدِ بـنِ مـالـكٍ رسالةَ مَن قد صارَ في الغَورِ جانبُهْ

وقال أيضاً: الكامل

أَطَردْتَني حَذْرَ الهجاءِ ولا واللاّتِ والأنْصَابِ لا تَئِل

وقال أيضاً يهجو عمرو بن هند: البسيط

قُولا لعمرو بنِ هِنْدٍ، غَيرَ مُـتّـئِبٍ: يا أَخْنَسَ الأنفِ والأضراسُ كالعَدَسِ

مَلْكُ النّهارِ، وأنتَ، اللّيلَ، مُومِـسَةٌ ماءُ الرَّجالِ على فَخذيكَ كالغَـرَسِ

لو كُنْتَ كَلبَ قُنَيْصٍ كُنْـتَ ذا جُـدَدٍ تكونُ إربَتُهُ في آخـرِ الـمَـرَسِ

يَعوي حَريصاً بقَولِ القانصاتِ لـهُ: قُبِّحْتَ ذا وَجهِ أنفٍ ثمّ مُنْـتَـكِـسِ

وقال يهجوه: الطويل

كأَنَّ ثَناياهُ إذا افتَرَّ ضـاحـكـاً، رؤوسُ جُرادٍ في أُرَيْنٍ تُخَشخِشُ

باب ذكر طقبات من سمينا منهم

قال أبو عبيدة: أشعر الناس أهل الوبر خاصة، وهم امرؤ القيس، وزهير والنابغة، فإن قال قائل: إن امرأ القيس ليس من أهل نجد، فلعمري! إن هذه الديار التي ذكرها في شعره ديار بني أسد بن خزيمة.

وفي الطبقة الثانية الأعشى، ولبيد، وطرفة.

وقيل: إن الفرزدق قال: امرؤ القيس أشعر الناس؛ وقال جرير: النابغة أشعر الناس؛ وقال الأخطل: الأعشى أشعر الناس؛ وقال ابن أحمر: زهير أشعر الناس؛ وقال ذو الرمة: لبيد أشعر الناس؛ وقال ابن مقبل: طرفة أشعر الناس؛ وقال الكميت: عمرو بن كلثوم أشعر الناس؛ والقول عندنا ما قال أبو عبيدة: امرؤ القيس ثم زهير والنابغة والأعشى ولبيد وعمرو وطرفة.

وقال المفضل: هؤلاء أصحاب السبع الطوال التي تسميها العرب السموط، فمن قال: إن السبع لغيرهم، فقد خالف ما أجمع عليه أهل العلم والمعرفة، وقد أدركنا أكثر أهل العلم يقولون: إن بعدهن سبعاً ما هن بدونهن، ولقد تلا أصحابهن أصحاب الأوائل، فما قصروا، وهن المجمهرات، لعبيد بن الأبرص، وعنترة بن عمرو، وعدي بن زيد، وبشر بن أبي خازم، وأمية بن أبي الصلت، وخداش بن زهير، والنمر بن تولب.

وأما منتقيات العرب: فهن للمسيب بن علس، والمرقش، والمتلمس، وعروة بن الورد، والمهلهل بن ربيعة، ودريد بن الصمة، والمتنخل بن عويمر.

وأما المذهبات: فللأوس والخزرج خاصة، وهن لحسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، ومالك بن العجلان، وقيس بن الخطيم، وأحيحة بن الجلاح، وأبي قيس بن الأسلت، وعمرو بن امرىء القيس.

وعيون المراثي سبع: لأبي ذؤيب الهذلي، وعلقمة بن ذي جدن الحميري، ومحمد بن كعب الغنوي، والأعشى الباهلي، وأبي زبيد الطائي، ومالك بن الريب النهشلي، ومتمم بن نويرة اليربوعي.

وأما مشوبات العرب، وهن اللاتي شابهن الكفر والإسلام، فلنابغة بني جعدة، وكعب بن زهير، والقطامي، والحطيئة، والشماخ، وعمرو بن أحمر، وابن مقبل.

وأما الملحمات السبع فهن: للفرزدق، وجرير، والأخطل، وعبيد الراعي، وذي الرمة والكميت بن زيد، والطرماح بن حكيم.

قال المفضل: فهذه التسع والأربعون قصيدةً عيون أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، وأنفس شعر كل رجل منهم.

وذكر أبو عبيدة في الطبقة الثالثة من الشعراء: المرقش، وكعب بن زهير، والحطيئة، وخداش بن زهير، ودريد بن الصمة، وعنترة، وعروة بن الورد، والنمر بن تولب، والشماخ بن ضرار، وعمرو بن أحمر.

قال المفضل: هؤلاء فحول شعراء أهل نجد الذين ذموا ومدحوا، وذهبوا في الشعر كل مذهبٍ، فأما أهل الحجاز، فإنهم الغالب عليهم الغزل.

وذكر أبو عبيدة: أن الناس أجمعوا على أن أشعر أهل الإسلام: الفرزدق، وجرير، والأخطل، وذلك لأنهم أعطوا حظاً في الشعر لم يعطه أحدٌ في الإسلام، مدحوا قوماً فرفعوههم، وذموا قوماً فوضعوهم، وهجاهم قومٌ فردوا عليهم، فأفحموهم، وهجاهم آخرون، فرغبوا بأنفسهم عن جوابهم وعن الرد عليهم، فأسقطوهم، وهؤلاء شعراء أهل الإسلام، وهم أشعر الناس بعد حسان بن ثابت لأنه لا يشاكل شاعر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أحدٌ.

وذكر عن أبي عبيدة قال: قيل لجرير: كيف شعر الفرزدق? قال: كذب من قال إنه أشعر من الفرزدق! قيل: فكيف شعرك? قال: أنا مدينة الشعر! قيل: كيف قول الراعي? قال: شاعر ما خليته وإبله وديمومته! يريد راعي الإبل؛ قيل: كيف شعر الأخطل? قال: أرمانا للأعراض! قيل: كيف شعر ذي الرمة? قال: نقط عروسٍ وبعر ظباء! وأما جرير فأعزنا بيتاً، وأما الفرزدق فأفخرنا بيتاً.

وقال أبو عبيدة: فتح الشعر بامرىء القيس، وختم بذي الرمة، رواه أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء. وعنه: عن مسلم عن أبي بكر المديني قال: جاء رجل من بني نهشل إلى الفرزدق، وهو بالبصرة، فقال: يا أبا فراس! هل أحد اليوم يرمي معك? قال: والله ما أعلم نابحاً إلا وقد انحجر، ولا ناهساً إلا وقد أسكت، إلا أبياتاً جاءت من غلام بالمروة. قال: وما هي? قال قوله: الطويل

فإنْ لم تكنْ في الشّرقِ والغربِ حاجتي تَشاءمتُ أو حَوّلتُ وَجهـي يَمـانـيَا

فُردِي جِمالَ الحيّ، ثـمّ تَـحَـمَّـلـي فما لكِ فيهم مـن مُـقـامٍ، ولا لِـيَا

فإنّي لَمغرورٌ أُعَلَّلُ بالـمُـنـى، لياليَ أدعو أنّ مـالَـكَ مـالِـيَا

بأيّ سِنانٍ تَطعنُ القَومَ، بـعـدمـا نزَعْتَ سِناناً من قَناتِكَ مـاضِـيَا

بأيّ نِجادٍ تَحمِلُ السّيفَ، بعـدمـا قَطَعْتَ القُوى من مَحملٍ كان باقيَا

لِساني وسَيفي صارِمانِ كلاهمـا ولَلْسَّيفُ أشوى وَقعةً من لسانِـيَا

فقيل: من هو? قال: أخو بني يربوع.

وقال أبو عبيدة: قيل للأخطل: أنت أشعر أم الفرزدق? قال: أنا، غير أن الفرزدق قال أبياتاً ما استطعت أن أكافئه عليها: الكامل

يا ابنَ المَراغة! والهِجانُ إذا التَقَتْ أَعنَاقُها وتَمَاحَ:َ الـخـصـمـانِ

كانَ الهَزيلُ يَقُودُ كُـلَّ طِـمِـرَّةٍ دَهْمَاءَ مُقْرَبَةٍ وكُـلَّ حِـصـانِ

يا ابنَ المَراغَةِ! إنَّ تَغـلِـبَ وائلٍ رَفَعُوا عِناني فوقَ كلِّ عِـنـانِ

ما ضَرّ تَغْلِبَ وائلٍ أَهَجَوْتَـهَـا، أم بُلْتَ حَيثُ تَناطَحَ البَـحـرانِ

إنّ الأراقِمَ لَن يَنـالَ قَـدْيِمَـهَـا كَلْبٌ عَوَى مُتَهَـتِّـمُ الأسـنـانِ

وقيل للفرزدق: أنت أشعر أم الأخطل? قال: أنا! غير أن الأخطل قال أبياتاً ما استطعت أن أكافئه عليها، وهي قوله: الكامل

وَلَقدْ شَدَدْتَ على المَراغةِ سرجَها حَتّى نَزَعْتَ، وأنتَ غيرُ مَجـيدِ

وَعَصَرْتَ نُطفَتَها لِتُدرِكَ دارِمـاً، هَيهاتَ من أملٍ علَـيكَ بَـعـيدِ

وإذا تَعاظَمَـتِ الأُمُـورُ لـدارِمٍ طَأْطَأْتَ رَأْسَكَ عنْ قَبائلَ صِـيْدِ

وإذا عَدَدْتَ بيوتَ قومِكَ لم تجـدْ بَيتاً كَبَـيْتِ عُـطـارِدٍ ولَـبـيدِ

بَيتٌ تَزِلُّ العُصُمُ عن قُـذُفـاتِـهِ في شاهِقٍ ذي مَنْعَةٍ، مَحـمُـودِ

وذكر محمد بن عثمان عن علي بن طاهر الهذلي قال: كنت عند عمرو بن عبيد أكتب الحديث، وكان فيمن حضر المجلس عيسى بن عمر الثقفي، وقد ذكر الشعر والشعراء أيهم أشعر? فقلت أنا: أشعر الناس الأعشى، قال عيسى: وكيف ذلك? فجعلت أنشد محاسن شعره الذي يفضل به، وهو منصتٌ، فلما فرغت قال: يا ناعس! أشعر الناس الأخطل حيث يقول: الطويل

وَنَجّى ابنَ بَدْرٍ ركضَةٌ من رِماحنا، وَلَيِّنَةُ الأَعْطافِ مُلْهَبَةُ الحُـضْـرِ

كأنّ بقايا عُذْرِهـا وخُـزامِـهـا، أَداوَى تَسِحُّ المَاءَ من خَرزٍ وَفْـرِ

الوفر: الجديدة: قال: البسيط

وَفْرَاءُ غَرفيَّةٌ أَثْأَى خَوارِزَها مُشَلشَلٌ ضَيَّعَتْهُ بينَها الكُتبُ

الكتب: الخرز. والمشلشل: كثير القطران.

يُشيرُ إلَيها والرّمـاحُ تَـنُـوشُـهُ: فِدىً لكِ أُمّي إنْ دَأبْتِ إلى العصرِ

ثم قال: لله دره كيف ينتحل شعره.

طعام عبد الملك والأعرابي

وذكر عوانة بن الحكم: أن عبد الملك بن مروان صنع طعاماً، فأكثر، وأطاب ودعا الناس، فأكلوا، فقال بعضهم: ما أطيب هذا الطعام وما أكثره، وما أظن أحداً أكل أطيب منه. فقال أعرابي من ناحية القوم: أما أكثر، فلا! وأما أطيب فقد أكلت أطيب منه. فطفقوا يضحكون، فأشار إليه عبد الملك، فدنا منه، فقال: ما أنت لما تقول بحقيقٍ. قال: بلى، يا أمير المؤمنين؛ بينا أنا بهجر في ترابٍ أحمر في أقصاها حجراً إذ توفي أبي وترك كلا وعيالاً ونساء ونخلاً، وفي النخل نخلةٌ لم ير الناظرون مثلها، كأخفاف الرباع ولم ير تمرٌ قط أغلظ لحماً ولا أصغر نوىً، ولا أحلى حلاوةً منها. وكانت أتانٌ وحشيةٌ قد ألفت تلك النخلة، فتثبت برجليها، وترفع يديها وتعطو بفيها، وكادت تنفذ ما فيها، فانطلقت بقوسي وكنانتي وأسهمي وزندي، وأنا أظنني أرجع من ساعتي، فمكثت يوماً وليلة، حتى إذا كان السحر، أقبلت فرميتها فأصبتها، ثم عمدت إلى سرتها، فأبرزتها، ثم عمدت إلى حطبٍ جزلٍ فجمعته، وإلى رضفٍ فوضعته، وإلى زندي فأوريته، ثم ألقيت سرتها في ذلك الحطب ثم أدركني النوم فنمت، فلم يوقظني إلا حر الشمس، فانطلقت فكشفتها وألقيت عليها من رطب تلك النخلة من مجزعه ومنقطه فسمعت لها أطيطاً كتداعي قطاً وغطيطا، ثم أقبلت أتناول الشحمة واللحمة والتمرة، فقال عبد الملك: لقد أكلت طيباً، فمن أنت? قال: أنا رجل جانبتني صأصأة اليمن، وعنعنة تميم وأسد، وكشكشة ربيعة، وتأنيث كنانة.

العنعنة: إبدال العين من الهمزة في مثل قول ذي الرمة: البسيط

أَعِنْ تَوَسّمت من خَرقاءَ منزلَةً، ماءُ الصّبابةِ مِنْ عَينَيك مَسْجُومُ

والكشكشة: إبدال الشين المعجمة من الكاف نحو: عليش وبش في موضع عليك وبك.

قال عبد الملك: فمن أنت? قال: أنا رجلٌ من أخوالك بني عذرة، قال عبد الملك: أولئك من أفصح العرب، فهل لك من معرفةٍ بالشعر? قال: سل عما بدا لك يا أمير المؤمنين، قال: أي بيتٍ قالت العرب أمدح? قال: قول الشاعر: الوافر

أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطايا، وَأَنْدَى العالَمِيْنَ بطونَ راحِ?

قال: وكان جرير في القوم، فتحرك ورفع رأسه. قال عبد الملك: فأي بيتٍ قالت العرب أفخر? قال قوله: الوافر

إذا غضِبْتْ عليْكَ بَنو تَميمٍ وَجَدْتَ النّاسَ كلَّهُمُ غِضَابَا

فتحرك جرير وتطاول. ثم قال عبد الملك: فأي بيتٍ قالت العرب أهجى? قال قوله: الوافر

فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُميرٍ فلا كَعباً بَلَغْتَ وَلاَ كِلاَبَـا

فتحرك جرير. قال عبد الملك: فأي بيتٍ قالت العرب أحسن تشبيهاً? قال قوله: الطويل

سَرَى لَهُمُ لَيلٌ كأَنَّ نجُومَهُ قَناديلُ فيهنّ الذُّبالُ المُفتَّلُ

قال: فقال جرير: أصلح الله شأن أمير المؤمنين، جائزتي لأخي عذرة؛ قال عبد الملك: ومثلها معها. قال: وكانت جائزة جرير عند الخلفاء أربعة آلافٍ وما يتبعها من كسوةٍ. فخرج الأعرابي وفي يده اليمنى ثمانية آلافٍ وفي يده اليسرى رزمة ثياب.

فصل آخر:

ذكر أن الفرزدق لما ضرب بين يدي سليمان بن عبد الملك بن مروان الضربة في الأسير فرعشت يده وكان راوية جرير بالباب، فقال: أنت هو? فقال: نعم! وقد رأيتك إذ ضربت؛ قال: أتدري ما يقول صاحبك إذا بلغه ما كان? كأني به قد قال: الطويل

بسيفِ أبي رَغْوانَ سيفِ مُجـاشِـعٍ ضَرَبْتَ ولم تَضرِبْ بسيفِ ابن ظالمِ

أبو رغوان: جد الفرزدق، وهو مجاشع أيضاً. وابن ظالم: رجل من نزار كان شجاعاً.

ضَرَبْتَ بِهِ عنْدَ الإمامِ فَأُرْعَشَتْ يداكَ وقَالوا مُحْدَثٌ غيرُ صارمِ

قال: فمضى راوية جرير إلى اليمامة فسألهم عن جرير، فأخبره خبر الفرزدق وأنشده البيتين. فقال له جرير: أفتدري ما يجيبني به? قال: لا. قال: كأني به قد قال:

وَهَلْ ضَرْبَةُ الرّوميّ جاعِلَةٌ لكُمْ أباً غَيْرَ كَلْبٍ أو أباً مثـل دارمِ

ولا نَقْتلُ الأسرَى ولكنْ نفكُّهُـمْ إذا أَثْقَلَ الأعناقَ حَمْلُ المَغَارِمِ

كذاكَ سيوفُ الهندِ تَنبو ظُباتُهـا وتَقطَعُ أحياناً مَناطَ التّـمـائِمِ

قال: فرد الفرزدق على جرير جوابه، كما قال أيضاً. قال: وبلغ ذلك سليمان بن عبد الملك فقال: ما أحسب شيطانهما إلا واحداً.

هذا ما صحت به الرواية عن الشعراء وأخبارهم.

أخبار امرىء القيس

وعن ابن دأب في حديث الفرزدق وغيره قال: كان من حديث امرىء القيس أنه لما ترعرع علق النساء وأكثر في الذكر لهن، والميل إليهن، فكره ذلك أبوه حجر، فقال: كيف أصنع به? فقالوا: اجعله في رعاء إبلك حتى يكون في أتعب عملٍ. فأرسله في الإبل، فخرج بها يرعاها يومه، ثم آواها مع الليل وجعل ينيخها ويقول: يا حبذا طويلة الأقراب، غزيرة الحلاب، كريمة الصحاب. يا حبذا شداد الأوراك عراض الأحناك طوال الأسماك. ثم بات ليلته يدور إلى متحدثه، حيث كان يتحدث. فقال أبوه: ما شغلته بشيء. قيل له: فارسله في الخيل. فأرسله في خيله فمكث فيها يومه حتى آواها مع الليل. فدنا أبوه حجر يسمع فإذا هو يقول: يا حبذا إناثها نساء، وذكورها ظباء، عدةً وسناء. نعم الصحاب راجلاً وراكباً، تدرك طالباً، وتفوت هارباً. قال أبوه: والله ما صنعت شيئاً. فبات ليلته يدور حواليها. قيل له: اجعله في الضأن. فمكث يومه فيها حتى إذا أمسى أراحها فجاءت أمامه وجاء خلفها، فلما بلغت المراح ودنا أبوه يسمع، فإذا هو يقول: أخزاها الله، وقد أخزاها، من باعها خير ممن اشتراها، لا ترفع إذا ارتفعت ولا تروى إذا شربت، أخزاها الله لا تهتدي طريقاً، ولا تعرف صديقاً، أخزاها الله لا تطيع راعياً، ولا تسمع داعياً. ثم سقط ليلته لا يتحرك، فلما أصبح قال أبوه: أخرج بها. فمضى حتى بعد عن الحي وأشرف على الوادي فحثا في وجهها التراب، فارتدت، وجعل يقول: حجرٌ في حجر حجر، لا مدر هبهاب، لحم وإهاب، للطير والذئاب. فلما رأى أبوه ذلك منه وكان يرغب به عن النساء والشعر وأبى أن يدع ذلك، فأخرجه عنه، فخرج مراغماً لأبيه، فكان يسير في العرب يطلب الصيد والغزل، حتى قتل أبوه حجر، قتله عوف بن ربيعة بن عامر بن سوار بن مالك بن ثعلبة ابن دودان بن أسد بن خزيمة، فرجع امرؤ القيس إلى قومه، وله حديث يطول.

فصل آخر:

قال الفرزدق: إن امرأ القيس صحب عمه شرحبيل قتيل الكلاب، وكان شرحبيل مسترضعاً في بني دارم، فلحق بعمه فلذلك حفظ الفرزدق أخباره، والله أعلم.

فصل آخر:

قال الفرزدق: أصابنا بالبصرة مطرٌ جودٌ ليلاً، فلما أصبحت ركبت بغلةً لي حتى انتهيت إلى المربد، وإذا آثار دوابٍ قد خرجن، فظننت أنهم قد خرجوا يتنزهون، وخليق أن يكون معهم طعامٌ وشرابٌ، فاتبعت آثارهم حتى أتيت إلى بغالٍ عليها رحالٌ جنب الغدير فأسرعت السير فإذا في الغدير نسوةٌ مستنقعات، فقلت: لم أر كاليوم قط ولا يوم دارة جلجل. قال: ثم انصرفت فنادينني: يا صاحب البغلة إرجع نسألك. فأقبلت إليهن، فقعدن في الماء إلى حلوقهن وقلن: بالله إلا ما حدثتنا بيوم دارة جلجل. فقلت:

حدثني جدي وهو شيخٌ وأنا غلامٌ يومئذٍ حافظٌ لما أسمع أن امرأ القيس كان مولعاً بابنة عمٍ له، يقال لها فاطمة، وأنه طلبها زماناً فلم يصل إليها، حتى كان يوم الغدير، وذلك أن الحي احتملوا وقدموا الرجال وخلفوا النساء والخدم والعسفاء والثقل. فلما رأى لك امرؤ القيس تخلف عن قومه في غيابة من الأرض حتى مرت به النساء. وإذا فتياتٌ وفيهن إبنة عمه، فلما وردن الغدير قلن: لو نزلنا فاغتسلنا وذهب عنا بعض ما نجد من الكلال. فقالت إحداهن: نعم! فنزلن فنحين ثيابهن، ثم تجردن فدخلن الغدير. قال: فأتاهن امرؤ القيس مخاتلاً فأخذ ثيابهن، ثم جمعها وقعد عليها وقال: والله لا أعطي واحدةً منكن ثوبها حتى تخرج كما هي فتكون هي التي تأخذه؛ فأبين لك عليه، حتى ارتفع النهار وتذامرن بينهن وخشين أن يقصرن دون المنزل الذي يردن، فخرجت إحداهن فوضع لها ثيابها ناحية، فمشت إليها حتى لبستها، ثم تتابعن على ذلك، حتى بقيت إبنة عمه، فناشدته الله أن يطرح إليها ثيابها، فقال: لا والله أو تخرجي، فخرجت فنظر إليها مقبلةً ومدبرةً، فوضع لها ثيابها ناحية، فلبستها، ثم أقبلن عليه فقلن: فضحتنا وحبستنا وأجعتنا. قال: فإن نحرت لكن ناقتي أتأكلن منها? قلن: نعم! فاخترط سيفه فعقرها ونحرها وكشطها وجمع الخدم حطباً وأججوا ناراً عظيمة، فجعل يقطع من سنامها وكبدها وأطايبها ويرمي به في الجمر، وهن يأكلن ويأكل معهن ويشب من فضلة خمر كانت معهن ويغنيهن وينبذ إلى الخدم من ذلك الكباب حتى شبعوا. فلما رأى ذلك، وأراد الرحيل، قالت إحداهن: أنا أحمل طنفسته، وقالت الأخرى: أنا أحمل رحله. فتقسمن متاع راحلته. وبقيت إبنة عمه لم تحمل شيئاً، فحملته على غارب بعيرها، وكان يجنح إليها فيدخل رأسه في حجرها ويقبلها، فإذا امتنعت عليه أمال هودجها، فتقول: يا امرأ القيس عقرت بعيري فانزل. قال: فما زال كذلك حتى جنه الليل ثم راح إلى أهله فقال: وهذه القصيدة أول ما افتككنا من أشعارهم التسع والأربعين.

المعلقات

معلقة امرىء القيس.

معلقة زهير بن أبي سلمى معلقة نابغة بني ذبيان.

معلقة أعشى بكر بن وائل معلقة لبيد بن ربيعة معلقة عمرو بن كلثوم معلقة طرفة بن العبد معلقة عنترة

معلقة امرىء القيس الطويل

قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكرَى حبيبٍ ومنـزِلِ بِسِقطِ اللِّوى، بينَ الدَّخُولِ، فحَوْمَلِ

فتُوضِحَ فالمِقْراةِ لم يَعفُ رَسْمُهـا لَما نَسجَتْها مِن جَنُوبٍ وشَـمـألِ

رخاءً تَسُحُّ الرّيحُ في جَنَبـاتِـهـا كَساها الصَّبا سَحْقَ المُلاءِ المُذَيّلِ

تَرَى بَعَرَ الآرامِ في عَرصَاتِـهـا وَقيعانِها، كأنَّـهُ حَـبُّ فُـلْـفُـلِ

كأنّي غَداةَ البَينِ، يَومَ تَحَـمَّـلُـوا لدَى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَـلِ

وُقُوفاً بها صَحْبي عَليَّ مَطِـيَّهُـمْ يَقولونَ: لا تَهلِكْ أَسىً، وتجَـمَّـلِ

فَدَعْ عَنكَ شَيئاً قَد مَضَى لسَبـيلِـهِ ولكِنْ على ما غالكَ اليَوْمَ أقـبِـلِ

وقَفْتُ بها حتّـى إذا مـا تَـرَدَّدَتْ عمايَةُ مَحزونٍ بشـوقٍ مُـوَكَّـلٍ

وإنّ شِفـائي عَـبْـرَةٌ مُـهَـرَاقَةٌ فهل عَنْدَ رَسْمٍ دارِسٍ من مُعَـوَّلِ

كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبـلَـهـا، وَجارَتِها أُمِّ الرَّبـابِ بِـمَـأْسَـلِ

إذا قامَتَا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُـمـا، نَسيمَ الصَّبا جاءَتْ بِرَيَّا القَرَنْفُـلِ

فَفَاضَتْ دُموعُ العَينِ منِّي صَبـابةً على النَّحْرِ حتَّى بَلَّ دَمعيَ مِحمَلي

أَلا رُبَّ يَومٍ لي مِنَ البِيضِ صالحٍ، ولا سِيّما يومٍ بِـدَارِةِ جُـلْـجُـلِ

وَيومَ عَقَرْتُ للعَذَارَى مَطِـيَّتـي، فَيا عَجَباً مِنْ رَحْلِها المتَـحَـمَّـلِ

ويا عَجَباً مِنْ حَلّها بَعدَ رَحْلِـهـا! ويَا عَجَباً للجـازِرِ الـمُـتَـبَـذّلِ

فظَلّ العَذَارَى يَرتَمِيْنَ بلَحْـمِـهَـا وشَحْمٍ كهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَـتَّـلِ



تُدارُ علينَا بالسّـدِيفِ صِـحـافُـهـا ويُؤتَى إلينا بالعَـبـيطِ الـمُـثَـمَّـلِ

ويَومَ دَخَلتُ الخِـدْرَ، خِـدْرَ عُـنَـيزَةٍ فقالتْ: لَكَ الوَيلاتُ إنَّكَ مُـرْجِـلـي

تَقولُ، وَقَدْ مالَ الغَبِيْطُ بـنـا مَـعـاً: عَقَرْتَ بَعيرِي، يا امَرأ القيسِ، فانْزِلِ

فقُلتُ لها: سِيري وأَرْخي زِمـامَـهُ، ولا تُبعِديني مِنْ جَنَأكِ الـمُـعَـلَّـلِ

دَعي البَكرَ لا تَرثي لهُ من رِدافِـنـا، وهاتي أذِيقينَا جَـنَـاةَ الـقَـرَنْـفُـلِ

بِثَغرٍ كَمِـثـلِ الأُقـحُـوانِ مُـنَـوِّرٍ نَقيِّ الثّنـايا أشـنَـبٍ غَـير أثْـعَـلِ

فمِثلِكِ حُبْلى قدْ طَرَقتُ ومُـرْضِـعٍ، فألهَيْتُها عـنْ ذي تـمـائِمَ مُـغْـيَلِ

إذا ما بكَى من خَلفِها انصَرَفَـتْ لَـهُ بِشِقِّ وَتَحتي شِـقُّـهـا لـم يُحَـوَّلِ

ويَوْماً على ظَهْرِ الكَثـيبِ تَـعَـذَّرَتْ عَليّ، وآلَتْ حَـلْـفَةً لـم تُـحَـلَّـلِ

أفاطِمَ، مَهْلاً، بَعْضَ هذا الـتَّـدَلُّـلِ، وإن كُنْتِ قد أَزْمَعتِ صَرْميَ فاجْملي

أَغَرَّكِ منّـي أنّ حُـبَّـكِ قـاتـلـي، وأنَّكِ مَهما تأْمُري القَـلـبَ يَفـعَـلِ

وأنّكِ قَسّمتِ الـفُـؤادَ، فـنِـصـفُـهُ قَتيلٌ، ونِصفٌ بالـحَـديدِ مُـكَـبَّـلِ

فإنْ تَكُ قَدْ سَاءَتْكَ مـنّـي خَـلـيقَةٌ، فَسُلِّي ثِيابي منْ ثـيابِـكِ تَـنْـسُـلِ

وما ذَرَفَتْ عَيناكِ إلاّ لـتَـضْـرِبـي بِسَهْمَيكِ في أَعْشَارِ قَلـبٍ مُـقَـتَّـلِ

وبَـيضَةِ خِـدْرٍ لا يُرامُ خِـبـاؤُهـا، تَمَتَّعْتُ مِن لَهوٍ بها، غَيرَ مُـعـجَـلِ

تَجاوَزْتُ أَحْرَاساً إلَيهـا ومَـعـشَـراً عليَّ حِرَاصاً لو يُسِرُّونَ مَقـتَـلـي

إذا ما الثُّرَيّا في السَّماءِ تَـعَـرَّضَـتْ تَعَرُّضَ أَثناءِ الوِشاحِ الـمُـفـصَّـلِ

فَجِئْتُ، وقد نَضَّتْ لـنَـوْمٍ ثِـيابَـهَـا لَدَ السِّترِ إلاّ لِبْسَةَ الـمُـتَـفَـضِّـلِ

فَقالَتْ: يَمينََ الـلَّـهِ مـا لَـكَ حِـيْلَةٌ وما إنْ أَرَى عَنكَ الغَوَايةَ تَنْـجَـلـي

خَرَجْتُ بها أَمشـي تَـجُـرُّ وَرَاءَنـا على أثَـرَينـا ذَيْلَ مِـرْطٍ مُـرَحَّـلِ

فلَمَّا أَجَزْنا ساحَةَ الحَـيِّ وانـتَـحَـتْ بنا بَطْنُ خَبْتٍ ذي حِقافٍ عقَـنـقَـلِ

هَصَرْتُ بفَودَيْ رأْسِها فَـتَـمـايَلَـتْ عليَّ هَضِيْمَ الكَشْحِ رَيَّا المُخَـلـخَـلِ

مُهَفهَفَةٌ بَـيضـاءُ، غَـيرُ مُـفَـاضَةٍ تَرائِبُها مَصْقُولَةٌ كالـسَّـجَـنْـجَـلِ

كَبِكْرِ المُقاناةِ البَـياضِ بِـصُـفْـرَةٍ، غَذاها نَميرُ المَاءِ غَيرُ الـمُـحَـلَّـلِ

تَصُدّ وتُبدي عَـنْ أَسِـيْلٍ وَتَـتّـقـي بناظِرَةٍ منْ وَحشِ وَجرَةَ مُـطْـفِـلِ

وَجِيْدٍ كَجِيْدِ الرِّيمِ لـيسَ بِـفـاحِـشٍ، إذا هيَ نَصَّتْـهُ، ولا بـمُـعَـطَّـلِ

وفَرْعٍ يَزينُ المَـتـنَ أَسْـوَدَ فـاحِـمٍ أَثيثٍ كَقِنْوِ النّخْلَةِ الـمُـتَـعَـثْـكِـلِ

غَدائِرُهُ مُسْتَشْـزِراتٌ إلـى الـعُـلاَ تُضِلُّ المدارَى في مُثَنّىً ومُـرْسَـلِ

وكَشْحٍ لَطيفٍ كالجَـديْلِ مُـخَـصَّـرٍ، وَسَاقٍ كأُنْبوبِ السَّـقـيِّ الـمُـذَلَّـلِ

وتُضحي، فُتِيْتُ المِسكِ فوقَ فِراشِهـا نَؤُومُ الضُّحَى لم تَنتَطِقْ عن تَفَـضُّـلِ

وتَعطُو برَخْصٍ غيرِ شَـنَـئْنٍ كـأنَّـهُ أَساريعُ ظَبيٍ أو مَسَـاويكُ إسْـحِـلِ

تُضيءُ الظّلامَ بالعِـشـاءِ كـأَنَّـهـا مَنارَةُ مُمْسَـى رَاهـبٍ مُـتَـبَـتِّـلِ

إلى مِثلِها يَرنُو الـحَـلـيمُ صَـبـابَةً إذا ما اسبَكَرَّتْ بينَ دِرْعٍ ومِـجْـوَلِ

تَسَـلَّـتْ عَـمـاياتُ الـرِّجـالِ عـنِ الـصِّـــبَـــا ولَـيسَ فـؤاديْ عـنْ هَـواهـا بـمُـــنـــسَـــلِ

ألا رُبَّ خَـــصْـــمٍ فـــيكِ أَلْـــوَى رَدَدْتُـــهُ نَصـيحٍ عـلـى تَـعـذالِــهِ غَـــيرِ مُـــؤتَـــلِ

ولَـيلٍ كَـمَـوجِ الـبَـحْـرِ أَرْخَـــى سُـــدولَـــهُ عَلـيّ بـأَنْـواعِ الـهُـمُـومِ لـــيَبـــتَـــلـــي

فَقُـلْـتُ لَـهُ لـمّـا تَـمَـــطَّـــى بِـــجَـــوْزِهِ وَأَرْدَفَ أَعْـجـازاً ونَـــاءَ بـــكَـــلْـــكَـــلِ

أَلا أَيُّهـا الـلّــيلُ الـــطّـــويلُ ألا انْـــجَـــلِ بِصُـبْـحٍ، ومـا الإصْـبَـاحُ مِـنْـكَ بِـأَمْـــثَـــلِ

فَيا لَـكَ مِــنْ لَـــيْلٍ كَـــأَنَّ نُـــجُـــومَـــهُ بِكُـلِّ مُـغَـارِ الـفَـتْـــلِ شُـــدّتْ بِـــيَذْبُـــلِ

كأنّ الـثُّـرَيّا عُـلّـقَـتْ فـي مَـصـــابِـــهـــا بأمـراسِ كَـتّــانٍ إلـــى صُـــمّ جَـــنْـــدَلِ

وقِـرْبَةِ أَقْـوامٍ جَـعَـلْـتُ عِـــصـــامَـــهـــا علـى كـاهِـلٍ مِـنِّـــي ذَلُـــولٍ مـــرَحَّـــلِ

وَوَادٍ كَـجَـوْفِ الـعَـيْرِ قَـفْـرٍ قَـطــعْـــتُـــهُ بِهِ الـذّئبُ يَعـوي كـالـخَـلـيعِ الـــمُـــعَـــيَّلِ

فَقُـلْـتُ لَـهُ لـمّـا عَـــوَى: إنَّ شَـــأْنَـــنـــا قَلـيلُ الـغـنـى إنْ كـنـتَ لَـمّـــا تَـــمَـــوَّلِ

كِلانـــا إذا مـــا نـــالَ شَـــيْئاً أَفَـــاتَـــهُ، وَمَـنْ يَحْـتَـرِثْ حَـرْثـي وَحَــرْثَـــك يَهْـــزِلِ

وقـد أغـتَـدي والـطّـيرُ فـي وُكُـنـــاتِـــهـــا بمُـنــجَـــردِ قَـــيْدِ الأوابِـــدِ هَـــيْكَـــلِ

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاًكَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ

كُمَيتٍ يَزِلُّ اللِّبْدُ عن حاذِ مَتْنِهِ كَمَـا زَلَّـتِ الـصّـفْـوَاءُ بِـالـمُـــتَـــنَـــزِّلِ

علـى الـعَـقْـبِ جَـيَّاشٍ كـأَنَّ اهْـــتِـــزامَـــهُ إذا جـاشَ فـيهِ حَـمْـيُهُ غَــلْـــيُ مِـــرْجَـــلِ

مِسَـحٍّ إذا مـا الـسَّـابِـحَـاتُ عـلـى الـــوَنَـــى أَثَـرْنَ غُـبَـاراً بـالـكَـــدِيدِ الـــمُـــرَكَّـــلِ

يُزِلُّ الـغُـلامَ الـخِـفَّ عَــنْ صَـــهَـــواتِـــهِ، ويُلْـوي بـأَثـوابِ الـعَـنـيفِ الـمُـــثَـــقَّـــلِ

دَريرٍ كَـــخُـــذْرُوفِ الـــوَلـــيدِ أَمَـــــرَّهُ تَتـابُـعُ كَـفَّـــيْهِ بِـــخَـــيْطٍ مُـــوَصَّـــلِ

لَهُ أَيْطَـلا ظَـبْـــيٍ وَســـاقَـــا نَـــعَـــامَةٍ، وإرْخَـاءُ سِـرْحـانٍ وتَـقْــرِيبُ تَـــتْـــفُـــلِ

ضَلـيعٍ إذا اسـتـدبَـرْتَـــهُ سَـــدَّ فَـــرجَـــهُ بِضَـافٍ فُـــوَيقَ الأرضِ لَـــيسَ بِـــأَعْـــزَلِ

كأنّ سَـراتَـهُ لـــدَى الـــبَـــيتِ قَـــائمـــاً مَداكُ عَـــرُوسٍ أَوْ صَـــلايَةُ حَـــنْـــظَـــلِ

كأنّ دِمـــاءَ الـــهـــادِيَاتِ بِـــنَـــحْـــرِهِ عُصـارَةُ حِـنَّـــاءٍ بِـــشَـــيْبٍ مُـــرَجَّـــلِ

فَعَـنَّ لَـنَـا سِـــرْبٌ كَـــأَنَّ نِـــعَـــاجَـــهُ عَذَارَى دَوَارٍ فـــي مُــــــلاءٍ مُـــــــذَيَّلِ

فَأَدْبَـرْنَ كَـالـجِـزْعِ الـمُـفَـصَّـــلِ بَـــيْنَـــهُ بِجِـيْدٍ مُـعَـمٍ فـي الـعَــشِـــيرَةِ مُـــخَـــوَلِ

فأَلْـحَـقَــنَـــا بـــالـــهَـــادياتِ وَدُونَـــهُ جواحِـرُهـــا فـــي صَـــرَّةٍ لَـــمْ تَـــزَيَّلِ

فَعَــادَى عِـــداءً بَـــيْنَ ثَـــوْرٍ ونَـــعْـــجَةٍ دِرَاكـاً ولَـمْ يَنْـضَـحْ بِـمَــاءٍ فَـــيُغْـــسَـــلِ

فظَـلَّ طُـهَـاةُ الـلَّـحْـمِ مـا بَـيْنَ مُـنْـــضِـــجٍ صَفِـيفَ شِـــواءٍ أَوْ قَـــديرٍ مُـــعَـــجَّـــلِ

وَرُحْـنـا يَكـاد الـطَّــرْفُ يَقْـــصُـــرُ دُونَـــهُ متـى مـا تَـرَقَّ الـعَـيْنُ فِــيهِ تَـــسَـــفَّـــلِ

فَبَـاتَ عَـلَـيْهِ سَـــرْجُـــهُ وَلِـــجَـــامُـــهُ وَبَـاتَ بِـعَـيْنـيَ قَـائِمــاً غَـــيْرَ مُـــرْسَـــلِ

أَصَـاحِ تَــرَى بَـــرْقـــاً أُرِيكَ وَمِـــيْضَـــهُ كَلَـمْـعِ الـيَدَيْنِ فـي حَـبـــيٍ مُـــكَـــلَّـــلِ

يُضِـيءُ سَـنَـاهُ، أَوْ مَـــصَـــابـــيحُ رَاهـــبٍ أَهَـانَ الـسَّـلـيِطَ بِـالـذُّبَـالِ الـمُـــفَـــتَّـــلِ

قَعَـدْتُ وأَصْـحَـابِـــي لَـــهُ بَـــيْنَ ضَـــارِجٍ وبَـيْنَ الـعُـذَيْبِ، بُـعْـدَ مـا مُـتَـــأَمَّـــلـــي



علـى قَـطَـنٍ بِـالـشَّـيْمِ أَيْمَـنُ صَـــوْبِـــهِ وأَيْسَـرُهُ عـلـى الـسِّـتَـــارِ فَـــيَذْبُـــلِ

فَأَضْـحَــى يَسُـــحُّ حَـــوْلَ كُـــتَـــيْفَةٍ يَكُـبُّ عـلـى الأَذْقَـانِ دَوْحَ الـكَـنَـهْــبُـــلِ

وَمَـرَّ عـلـى الـقَـنَـانِ مِـنْ نَــفَـــيَانِـــهِ فَأَنْـزَلَ مِـنْـهُ الـعُـصْـمَ مِـن كـلّ مَـــوئِلِ

وَتَيْمَاءَ لَمْ يَتْرُكْ بِهَا جِذْعَ نَخْلَةٍوَلاَ أُطُماً إلاّ مَشِيْداً بِجَنْدَلِ

كأَنَّ ثَبِيراً في عَرَانِينِ وَبْلِهِ كَبِـيرُ أُنَـاسٍ فـي بِــجـــادٍ مُـــزَمَّـــلِ

كَأَنَّ ذُرَى رَأْسِ الـمُــجَـــيمِـــرِ غُـــدْوَةً مِنَ الـسَّـيلِ والـغُـثّـاءِ فَـلْـكَةُ مِــغْـــزَلِ

وَأَلْـقَـى بِـصَـحْـراءِ الـغَـبِـيْطِ بَـعَـاعَـــهُ نُزُولَ الـيَمَـانـيْ ذي الـعِـيَابِ الـمُـحَـمَّــلِ

كَأنَّ مَـكَــاكِـــيَّ الـــجِـــواءِ غُـــدَيَّةً صُبِـحْـنَ سُـلافـاً مِـن رَحـيقٍ مُـفَـلْـفَـــلِ

كَأَنَّ الـسِّـبـاعَ فـيهِ غَـرْقَــى عَـــشِـــيَّةً بِأَرْجَـائِهِ الـقُـصْـوَى أَنَـابِـيْشُ عُـنْـصُـــلِ

معلقة زهير الطويل

أَمِـنْ أُمِّ أَوْفَـــى دِمْـــنَةٌ لـــم تَـــكـــلّـــمِ بِحَـوْمَـانَةِ الـدّرَاجِ فـالـــمُـــتَـــثَـــلَّـــمِ

دِيَارٌ لـهـا بـالـرَّقْـمَـــتَـــينِ كَـــأَنَّـــهـــا مَرَاجِـيْعُ وَشْـمٍ فـي نَـواشِــرِ مِـــعْـــصَـــمِ

بِهَـا الـعِـــينُ والآرامُ يَمْـــشِـــينَ خِـــلـــفَةً وَأَطْـلاؤُهـا يَنْـهَـضْـنَ مِـنْ كُـلِّ مَــجْـــثَـــمِ

وَقَفْتُ بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشرينَ حِجَّةًفَلأْيَاً عَرَفْتُ الدّارَ بَعْدَ تَوَهُّـمِ

أَثافيَّ سُفْعاً في مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ وَنْـؤياً كَـجِـذْمِ الـحَـوضِ لـــم يَتَـــثَـــلَّـــمِ

فَلَمّا عَرَفْتُ الدّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَا:أَلاَ انْعِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الرَّبْعُ واسْلَمِ

تَبَصَّرْ خَليلي هَلْ تَرَى مِنْ ظَعَائِنٍتَحَمَّلْنَ بالعَلياءِ مِنْ فَوْقِ جُرْثُمِ

جَعَلْنَ القَنَانَ عَنْ يَمينٍ وحَزْنَهُ وَكَـمْ بـالـقَـنـانِ مِـنْ مُــحِـــلٍ وَمُـــحْـــرِمِ

عَلَـوْنَ بِـــأَنْـــمـــاطٍ عِـــتـــاقٍ وَكِـــلَّةٍ وِرَادٍ حَـواشِــيهَـــا مُـــشـــاكِـــهَةِ الـــدّمِ

ظَهَـرْنَ مِـنَ الـسُّـوبـانِ ثـــمّ جَـــزَعْـــنَـــهُ عَلـى كـلِّ قَـينـــيٍ قَـــشـــيبٍ ومُـــفْـــأَمِ

وَوَرّكْـنَ فـي الـسّـوبـانِ يَعـلُـونَ مَـــتْـــنَـــهُ عَلَـيهِـنَّ دَلُّ الـنَّـاعِـمِ الــمُـــتَـــنَـــعّـــمِ

بَكَـرْنَ بُـكُـوراً واسـتَـحَــرْنَ بِـــسُـــحْـــرَةٍ فَهُـنَّ وَوادي الـرسِّ كـــالـــيَدِ لـــلـــفَـــمِ

وَفـيهِـنَّ مَـلْـهـىً لِـلَّـطـيفِ وَمَـــنـــظَـــرٌ أَنـيْقٌ لِـعَـينْ الـنَّـاظِـرِ الـــمُـــتَـــوَسِّـــمِ

كَأَنَّ فُـتَـاتَ الـعِـهْـنِ فــي كـــلِّ مَـــنْـــزِلٍ نَزَلْـنَ بِـهِ حَـبُّ الـفَــنَـــا لـــم يُحَـــطَّـــمِ

فَلَـمّـا وَرَدْنَ الـمــاءَ زُرْقـــاً جِـــمـــامُـــهُ وَضَـعْـنَ عِـصـيَّ الـحـاضِـرِ الـمُـتَـــخَـــيِّمِ

تُذَكّـرُنـي الأحـلامَ لَـيْلَــى وَمَـــنْ تُـــطِـــفْ عَلَـــيْهِ خَـــيَالاَتُ الأحِـــبَّةِ يَحْـــلُـــــــمِ

سَعَـى سَـاعِـيَا غَـيْظِ بْـنِ مُــرّةَ بَـــعْـــدَمَـــا تَبَـزَّلَ مـا بَـيْنَ الـــعَـــشِـــيرةِ بِـــالـــدَّمِ

فَأَقْـسَـمْـتُ بِـالـبـيْتِ الـذي طَــافَ حَـــوْلَـــهُ رِجَـالٌ بَـنَــوْهُ مِـــنْ قُـــرَيْشٍ وجُـــرْهُـــمِ

يَمـينـاً لَـنِـعْـمَ الــسَّـــيدَانِ وُجِـــدْتُـــمَـــا عَلَـى كُـلِّ حَـالٍ مِـنْ سَــحـــيْلٍ وَمُـــبْـــرَمِ

تَدَارَكْـتُـمـا عَـبْـسـاً وذُبْـــيَانَ بَـــعْـــدَمـــا تَفَـانَـوْا وَدَقّـوا بَـيْنَـهـم عِـطـرَ مَــنْـــشَـــمِ

وَقَـد قُـلـتُـمـا إنْ نُـدرِكِ الـسّـلــمَ واسِـــعـــاً بِمَـالٍ وَمَـعْـرُوْفٍ مِـنَ الأمـــرِ نَـــسْـــلَـــمِ

فَأَصْـبَـحْـتُـمَـا مِـنْـهـا عـلـى خَـيرِ مَـوْطِـــنٍ بَعـيدَيْنِ فـيهـا مِــنْ عُـــقُـــوقٍ وَمَـــأثَـــمِ

عَظِيْمَينْ في عُليا مَعَدٍ هُدِيْتُمَا،وَمَنْ يَسْتَبحْ كَنزاً مِنَ المَجْدِ يَعْظُمِ

وَأَصْبَحَ يُحْدَى فيهِمُ مِنْ تِلادِكُمْ مَغَـانِـمُ شَـتَّـــى مِـــنْ إفـــالٍ مُـــزَنَّـــمِ



تُعَـفّـى الـكُـلُـومُ بـالـمـئينَ وَأَصْـــبَـــحَـــتْ يُنَـجِّـمُـهـا مَـنْ لَـيْسَ فـيِهَـا بـــمُـــجْـــرِمِ

يُنَـجِّـمُـــهـــا قَـــومٌ لِـــقَـــوْمٍ غَـــرَامَةً وَلَـمْ يُهَـرْيِقـوا بَـيْنَـهُـمْ مِــلءَ مِـــحْـــجَـــمِ

أَلاَ أَبْلِغِ الأَحْلافَ عَنِّي رِسَالةًوَذُبْيَانَ: هَلْ أَقْسَمْتُمُ كُلَّ مُقْـسَـمِ

فَلاَ تَكْتُمُنَّ اللَّهَ ما في صُدُورِكُمْلِيَخْفَى وَمَهْمَا يُكْتَمِ اللَّهُ يَعْلَمِ

يُؤخَّرْ فَيُوضَعْ في كِتابٍ فَيُدَّخَرْ لِيَوْمِ الـحِـسـابِ أو يُعَـــجَّـــلْ فَـــيُنْـــقَـــمِ

وَمَـا الـحَـرْبُ إلاّ مـا عَـلِـمْــتُـــمْ وَذُقْـــتُـــمُ وَمَـا هُـوَ عَـنْـهَـا بـالـحَـديثِ الــمُـــرَجَّـــمِ

متـى تَـبْـعَـثُـوهـا تَـبْـعَـثُـــوهَـــا ذَمِـــيْمَةً، وَتَـضْـرَ إذا ضَـرّيْتُـمُـوهــا فَـــتَـــضْـــرَمِ

فَتَعْركُكُمْ عَرْكَ الرِّحَى بِثِفَالِهاوَتَلْقَحْ كِشَافاً ثُمَّ تُنْتَـجْ فَـتُـتْـئِمِ

فَتُنْتِجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كَلُّهُمْكَأَحْمَرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ

فَتُغْلِلْ لَكُمْ ما لا تُغِلُّ لأهْلِهَا قُرىً بِـالـعِــراقِ مِـــنْ قَـــفِـــيْزٍ وَدِرْهَـــمِ

لَحَـيٍ حِـلاَلٍ يَعْـصِـمُ الـــنّـــاسَ أَمْـــرُهُـــمْ، إذا طَـرَقَـتْ إحـدى الـلّـيالـي بِـمُـــعْـــظَـــمٍ

كِرامٍ فَلا ذُو الضِّغْنِ يُدْرِكُ تَبْلَهُ،وَلاَ الجارِمُ الجَاني عَلَيْهِمْ بِمُسْلَمِ

رعَوا ما رَعَوا مِنْ ظِمئهِم ثُمَّ أَصْدَروا إلـى كَـلأٍ مُـسْــتَـــوبَـــلٍ مُـــتَـــوَخِّـــمِ

لَعَـمْـري لَـنِـعْـمَ الـحـيُّ جَـرَّ عَـــلَـــيْهِـــمُ بمـا لا يُؤاتِـيهِـمْ حُـصَـيْنُ بْـنُ ضَـــمْـــضَـــمِ

وكـانَ طَـوَى كَـشـحـاً عـلـى مُـسْــتَـــكِـــنَّةٍ فَلاَ أَبْــدَاهَـــا وَلَـــمْ يَتَـــجَـــمْـــجَـــمِ

وَقَـالَ: سَـأَقـضِـي حَـاجَـتـي ثُـــمَّ أَتَـــقَّـــي عَدُوِّي بِــأَلْـــفٍ مِـــنْ وَرائيَ مُـــلْـــجَـــمِ

فَشَدَّ وَلَمْ يَنْظُرْ بُيُوتاً كَثِيرَةًلَدَى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّ قَـشْـعَـمِ

لَدَى أَسَدٍ شاكي السِّلاحِ مُقَذَّفٍ لَهُ لِـبَــدٌ أَظْـــفَـــارُهُ لَـــمْ تُـــقَـــلَّـــمِ

جَرِيءٍ مَـتَـى يُظْـلَـمْ يُعَـاقِـبْ بِـظُـــلْـــمِـــهِ سَريعـاً وإلاّ يُبْـدَ بـالـــظُّـــلْـــمِ يَظْـــلِـــمِ

لَعَمْرُكَ مَا جَرَّتْ عَلَيْهِمْ رِمَاحُهُمْدَمَ ابنِ نَهَيْكٍ أَوْ قَتِيلِ المُثَـلَّـمِ

ولا شَارَكَتْ في الحَربِ في دَمِ نَوْفلٍ ولا وَهَـبٍ فـيهــا ولا ابـــنِ الـــمُـــخَـــزَّمِ

فَكُـلاً أَراهُـمْ أَصْـبَـحُــوا يَعْـــقِـــلـــوُنَـــهُ صَحَـيحَـاتِ مـالٍ طَـالِـعــاتٍ بِـــمَـــحْـــرِمِ

تُسَـــاقُ إلـــى قـــومٍ لِـــقَـــوْمٍ غَـــرَامَةً عُلالَةَ أَلْـفٍ بَــعْـــدَ أَلْـــفٍ مُـــصَـــتَّـــمِ

ومَـنْ يَعـصِ أَطْـرَافَ الـــزِّجـــاجِ، فـــإنَّـــهُ يُطـيعُ الـعَـوَالـي رُكِّـبَــتْ كُـــلَّ لَـــهْـــذَمِ

وَمَنْ يُوفِ لا يُذْمَمُ وَمَنْ يُفْضِ قَلْبُهإلى مُطْمَئِنِّ البِرِّ لا يَتَجَمْجَمِ

وَمَنْ هابَ أَسبابَ المَنايا يَنَلْنَهُ، وَلَـو رَامَ أَسْـبَـابَ الـسَّــمـــاءِ بِـــسُـــلَّـــمِ

وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ، فَيَبْخَلْ بِفَضلِهِعلى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَـمِ

وَمَنْ لا يَزَلْ يَسْتَرْحِلُ النّاسَ نَفْسَهُ،وَلاَ يُعْفِها يوماً من الذُّلّ يَنْدَمِ

وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسَبْ عَدُوّاً صَدِيْقَهُوَمَنْ لا يُكَرِّمْ نَفْسَه لا يُكَرَّمِ

وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاَحِهِيُهَدَّمْ وَمَنْ لاَ يَظلِمِ النّاسَ يُظْلَمِ

وَمَنْ لَم يُصانِعْ في أُمُورٍ كَثيرَةٍ يُضَـرَّسْ بِـأَنْـيَابٍ وَيُوْطَــأْ بِـــمَـــنْـــسِـــمِ

وَمَنْ يَجْعَلِ المَعروفَ في غَيرِ أَهْلِهِيَكُنْ حَمْدُهُ ذَمَّاً عَليْهِ وَيَنْدَمِ

وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امرِىءٍ مِنْ خَليْقَةٍوإنْ خَالَها تَخْفَى على النَّاسِ تُعلَمِ

وكَائِنْ تَرَى مِنْ صامِتٍ لكَ مُعْجِبٍ زِيَادَتُـهُ أَوْ نَـقْـصُـهُ فــي الـــتَّـــكَـــلُّـــمِ



لِسـانُ الـفَـتـى نِـصْـــفٌ وَنِـــصـــفٌ فُـــؤادُهُ فَلَـمْ يَبْــقَ إلاّ صُـــورَةُ الـــلّـــحـــمِ والـــدّمِ

وَإنَّ سَـفـاهَ الــشَّـــيْخِ لا حِـــلْـــمَ بَـــعْـــدَهُ، وإنَّ الـفَـتـى بَـعْـدَ الــسَّـــفـــاهَةِ يَحْـــلُـــمِ

سَئِمْـتُ تَـكَـالِــيْفَ الـــحَـــيَاةِ ومَـــنْ يَعِـــشْ ثَمَـــانِـــينَ حَـــوْلاً لا أَبَـــا لـــكَ يَسْــــأَمِ

وأَعْـلَـمُ مَـا فـي الـيَوْمِ وَالأَمْـــسِ قَـــبْـــلَـــهُ وَلَـكِـنَّـنـي عَـنْ عِـلـمِ مـا فـــي غَـــدٍ عَـــمِ

رَأَيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشواءَ مَنْ تُصِبْتُمِتْهُ وَمَنْ تُخْطِىءْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ

سأَلْنَا فَأَعْطَيْتُمْ وَعُدْنَا فَعُدْتُمُوَمَنْ يُكْثِرِ التِّسْآلَ يَوماً سَيُحْرَمِ

معلقة النابغة الذبياني البسيط

عُوجُـوا فـحَــيّوا لِـــنُـــعْـــمٍ دِمْـــنَةَ الـــدَّارِ، مَاذَا تُـــحَـــيَّونَ مِـــنْ نُـــؤْيٍ وأَحْـــجَـــارِ?

أَقْوَى وَأَفْقَرَ مِنْ نُعْمٍ، وَغَيَّرَهُهُوْجُ الرِّياحِ بِهَابيْ الـتُّـربِ مَـوَّارِ

وَقَفْتُ فيها، سَراةَ اليَومِ، أَسْأَلُها عَنْ آلِ نُـعْـمٍ، أَمُـونـــاً، عَـــبْـــرَ أَسْـــفَـــارِ

فَاسْتَعْجَمَتْ دَارُ نُعْمٍ ما تُكَلِّمُنا،والدَّارُ لَوْ كَلَّمَـتْـنَـا ذاتُ أَخْـبَـارِ

فَمَا وَجَدْتُ بها شَيئاً أَلُوذُ بِهِ، إلاّ الـــثُّـــمَـــامَ وإلاّ مَـــوْقِـــدَ الـــنَّـــارِ

وَقَدْ أَرَانِي وَنُعْماً لاَهِيَيْنِ بها،وَالدَّهْرُ والعَيْشُ لَمْ يَهْمُـمْ بِـإِمْـرارِ

أَيَّامَ تُخْبِرُني نُعْمٌ وأُخْبِرُها ما أَكْـتُـمُ الـنَّـاسَ مِـــنْ حـــاجـــي وأَسْـــرارِي

لَوْلاَ حَـبَـائِلُ مِـنْ نُـعْـم عَــلِـــقْـــتُ بـــهـــا لأقْـصَـرَ الـقَـلْـبُ عَـنْـــهَـــا أَيَّ إقْـــصـــارِ

فإنْ أَفـاقَ لَـقَـــدْ طَـــالَـــتْ عَـــمَـــايَتُـــهُ، وَالـمَـرءُ يُخْـلِـــقُ طَـــوراً بَـــعْـــدَ أطْـــوَارِ

نُبِّئْتُ نُعْماً على الهِجْرَانِ عَاتِبَةً،سَقْياً وَرَعْيَاً لِذَاك العَاتِبِ الـزَّارِي

رَأَيْتُ نُعْماً وَأَصْحابي على عَجَلٍ، والـعَـيْسُ لِـلْـبَــيْنِ قَـــدْ شُـــدَّتْ بِـــأَكْـــوَارِ

فَرِيعَ قَـلْـبِـي، وكَـانَـتْ نَــظْـــرَةٌ عَـــرَضَـــتْ حَيْنـــاً، وتَـــوْفـــيقَ أَقْــــدارٍ لأقْـــــــدَارِ

بَيْضَاءُ كَالشَّمْسِ وَافَتْ يَوْمَ أَسْعَدِهَالَمْ تُؤْذِ أَهْلاً وَلَمْ تُفْحِشْ على جارِ

تَلُوثُ بَعْدَ افْتِضَالِ البُرْدِ مِئْزَرَهَالَوْثاً على مَثَلِ دِعْصِ الرَّملَةِ الهَارِي

والطِّيبُ يَزْدَادُ طِيْباً أَنْ يَكُونَ بِهَافي جِيْدِ وَاضِحَةِ الخَدَّينِ مِعْطَارِ

تَسْقِي الضَّجيعَ، إذا اسْتَسْقى، بذي أَشرٍ،عَذْبِ المَذاقةِ، بَعْدَ النَّومِ، مِخْمَارِ

كَأَنَّ مَشْمُولَةً صِرْفاً بِرِيْقَتِهَامِنْ بَعْدِ رَقْدَتِهَا، أَوْ شَهْدَ مُشْتَارِ

أَقُولُ والنَّجْمُ قَدْ مَالَتْ أَوَاخِرُهُ إلـى الـمَـغِـيبِ: تَـثَــبّـــتْ نَـــظـــرَةً حَـــارِ

أَلْمَحةٌ مِنْ سَنَا بَرْقٍ رَأَى بَصَري،أَمْ وَجْهُ نُعْمٍ بَدَا لي، أَمْ سَنَأ نَـارِ

بَلْ وَجْهُ نُعْمٍ بَدَا، واللّيلُ مُعْتَكِرٌ،فَلاَحَ مِنْ بَيْنِ أَثْوَابٍ وَأَسْتَارِ

إنَّ الحُمُولَ التي رَاحَتْ مُهَجِّرَةً، يَتْـبَـعَـنَ كـلَّ سَـــفِـــيهِ الـــرَّأيِ مِـــغْـــيارِ

نَواعِـمٌ مِـثْـلُ بَــيْضَـــاتٍ بِـــمَـــحْـــنِـــيَةٍ، يَحْـفِـزْنَ مِـنْـهُ ظَـلـيمـاً فــي نَـــقـــاً هَـــارِ

إذا تَـغَـنَّـى الـحَـمَـامُ الـــوُرْقُ هَـــيَّجَـــنـــي، وإنْ تَـغَـرَّبْـــتُ عَـــنْـــهَـــا أُمِّ عَـــمَّـــارِ

وَمَـهْـمَــهٍ نـــازِحٍ تَـــعْـــويْ الـــذِّئَابُ بِـــهِ، نائي الـمِـــياهِ عَـــنِ الـــوُرَّادِ، مِـــقْـــفـــارِ

جَاوَزْتُــهُ بِـــعَـــلَـــنْـــدَاةٍ مُـــنَـــاقِـــلَةٍ، وَعْـرَ الـطَّـريقِ عـلـى الإِحْـزانِ، مِــضْـــمَـــارِ

تَجْـتَـــابُ أَرْضـــاً إلـــى أَرْضٍ بِـــذِي زَجَـــلٍ ماضٍ عـلـى الـهَـوْلِ، هـــادٍ غـــيرِ مِـــحْـــيَارِ

إذا الـرِّكـابُ وَنَـتْ عَـنْــهَـــا رَكَـــائِبُـــهـــا، تَشَـذَّرَتْ بِـبَـعِــيدِ الـــفَـــتْـــر خَـــطَّـــارِ

كَأَنَّـمـا الـرَّحْـلُ مِــنْـــهَـــا فَـــوْقَ ذِي جُـــدَدٍ، ذَبِّ الـــرِّيادِ إلـــى الأشْـــبـــاحِ نَـــظَّـــارِ



مُطَـــرَّدٌ أُفـــرِدَتْ عَـــنْـــهُ حَـــلاَئِلُــــــهُ، مِنْ وَحْــشِ وَجْـــرَةَ أَوْ مِـــنْ وَحْـــشِ ذي قـــارِ

مُجَـــرَّسٌ، وَحَـــدٌ، جـــأْبٌ، أَطـــاعَ لَـــــــهُ نَبـاتُ غَـيْثٍ مِـنَ الـوَسْـــمـــيِّ مِـــبْـــكَـــارِ

سَراتُـهُ مـــا خَـــلاَ لَـــبَـــانَـــهُ لَـــهَـــقٌ، وفـي الـقَـوَائِمِ مِـثْـلُ الـــوَشْـــمِ بِـــالـــقَـــارِ

باتـتْ لَـهُ لَـيلَةٌ شَـهْـــبَـــاءُ تَـــسْـــفَـــعُـــهُ بِحَـــاصِـــبٍ ذَاتِ إشْـــعـــانٍ وإمْـــطَـــــارِ

وبـــاتَ ضَـــيفـــاً لأْرطـــاةٍ، وأَلْـــجَـــــأَهُ، مَعَ الـــظَّـــلاَمِ، إلَـــيهـــا وابِـــلٌ سَــــــارِ

حتـى إذا مـا انْـجَـلَـتْ ظَـلْـمـــاءُ لَـــيْلَـــتِـــهِ، وأَسْـفَـرَ الـصّــبـــحُ عَـــنْـــهُ أَيَّ إسْـــفَـــارِ

أَهْـوَى لَـهُ قَـانِـصٌ يَسْـعَـــى بِـــأَكْـــلُـــبِـــهِ، عَارِي الأشَـاجِـعِ، مِـــنْ قُـــنَّـــاصِ أَنْـــمـــارِ

مُحَـالِـفُ الـصَّـيْدِ، هَـبَّــابـــشٌ، لَـــهُ لَـــحَـــمٌ، ما إنْ عَـــلَـــيْهِ ثِـــيابٌ غَـــيْرُ أَطْـــمَـــــارِ

يَسْـعَـى بِـغُـضْـفٍ بَـرَاهـــا فَـــهْـــيَ طَـــاوِيَةٌ، طُولُ ارْتِـحَـالٍ بِـــهَـــا مِـــنْـــهُ وَتَـــسْـــيَارِ

حتى إذا الثَّورُ، بَعْدَ النَّفرِ، أَمْكَنَهُ،أَشْلَى، وَأَرْسَلَ غُضْفاً كُلُّها ضَـارِ

فَكَرَّ مَحْمِيَّةً مِنْ أَنْ يَفِرَّ كَمَا كَرَّ الـمـحـامـي حِـفـاظـاً، خَــشْـــيَةَ الـــعـــارِ

فَشَـكّ بـالــرَّوْقِ مِـــنـــهُ صَـــدْرَ أَوَّلِـــهـــا، شَكَّ الـمُـشَـاعِـبِ أَعْـــشـــاراً بـــأَعْـــشـــارِ

ثُمَّ أَنْثَنَآ بَعْدُ للِثَّاني، فَأَقْصَدَهُبذَاتِ ثَغْرٍ، بَعِـيدِ الـقَـعْـرِ، نَـعَّـارِ

وَأَثْبَتَ الثَّالِثَ الباقي بِنَافِذَةٍ، مِنْ بَـاسِـلٍ، عـالـمٍ بـــالـــطَّـــعْـــنِ، كَـــرّارِ

وظَـلَّ فـي سَـبْـعَةٍ مـنـهــا لَـــحِـــقْـــنَ بِـــهِ يَكُــرُّ بـــالـــرَّوقِ فـــيهـــا كَـــرَّ إسْـــوارِ

حتّـى إذا مـا قَـضَـى مِـنْـهــا لُـــبـــانَـــتَـــهُ، وَعَـــادَ فـــيهـــا بـــإقْـــبـــالٍ وإدْبـــــارِ

إنْـقَـضَّ كـالـكَـوْكَـبِ الـدُّرِّيِّ مُـنــصَـــلِـــتـــاً يَهْـوي، ويَخـلِـطُ تَـقْـــريبـــاً بـــإحـــضـــارِ

فَذَاكَ شِـبْـهُ قَــلُـــوصـــيَ، إذ أَضَـــرَّ بـــهـــا طُولُ الـسُّـرَى والـسُّـرَى مِـنْ بَــعْـــدِ أســـفـــارِ

لَقَـدْ نَـهَـــيْتُ بَـــنـــي ذُبْـــيَانَ عَـــنْ أُقُـــرٍ، وَعَـنْ تَـرُبُّـعِــهِـــمْ فـــي كـــلِّ أَصْـــفَـــارِ

فَقُـلْـتُ: يَا قَـوْمُ إنَّ الـلَّـــيْثَ مُـــنْـــقَـــبِـــضٌ علـى بَــراثِـــنِـــهِ لِـــوَثْـــبَةِ الـــضَّـــارِي

لاَ أَعْـرِفَـنْ رَبْـرَبـاً حُـــوراً مَـــدَامِـــعُـــهَـــا، كَأَنَّـــهُـــنَّ نِـــعـــــــاجٌ حَـــــــوْلَ دَوَّارِ

يَنْظُرْنَ شَزْراً إلى مَنْ جَاءَ عَنْ عُرُضٍ،بِأَوْجُهٍ مُنْكِراتِ الرِّقِّ أَحْرَارِ

خَلْفَ العَضارِيْطِ لا يُوقَيْنَ فَاحِشَةً مُسْـتَـمـسِـــكَـــاتٍ بِـــأَقْـــتَـــابٍ وَأَكْـــوَارِ

يُذْرِينَ دَمْعَاً على الأَشْفَارِ مُنْحَدِراً،يَأْمُلْنَ رِحْلَةَ حِصْنٍ وابـنِ سَـيَّارِ

إمَّا عُصِيتُ، فإنِّي غَيْرُ مُنْفَلِتٍ مِنِّـي الـلِّـصـابُ، فَـجَـنْـبَـــا حَـــرَّةِ الـــنَّـــارِ

إذْ أَضَـعُ الـبَـيْتَ فـــي سَـــودَاءَ مُـــظْـــلِـــمَةٍ، تُقَـيّدُ الـعَـيرَ، لا يَسْــري بـــهـــا الـــسَّـــارِي

تُدافِـعُ الـنَّـاسَ عَـنَّـا، حـــينَ نَـــرْكَـــبُـــهـــا، مِنَ الـمَــظَـــالِـــمِ تُـــدْعـــى أُمَّ صَـــبَّـــارِ

ساقَ الــرُّفَـــيْدَاتِ مِـــنْ جَـــوْشٍ وَمِـــنْ خَـــرَدٍ وَمَـاشَ مِــنْ رَهْـــطِ رِبْـــعـــيٍّ وَحَـــجَّـــارِ

قَرْمَـيْ قُـضَـاعَةَ حَـــلاَّ حَـــوْلَ حـــجْـــرَتِـــهِ مَدَّا عَـــلَـــيْهِ بِـــسُـــلاَّفٍ وأَنْـــفَـــــــارِ

حتّـى اسـتَـقَـلّ بِـجَـــمْـــعٍ لا كِـــفَـــاءَ لَـــهُ يَنْـفِـيْ الـوُحُـوشَ عَـنِ الــصَّـــحْـــراءِ جـــرَّارِ

لا يَخْـفِــضُ الـــرِّزَّ عَـــنْ أَرْضٍ أَلـــمَّ بِـــهَـــا ولا يَضِـلُّ عـلـى مِـصْــبَـــاحِـــهِ الـــسَّـــارِي

وَعَـيَّرَتْـنـي بَـــنُـــو ذُبْـــيَانَ خَـــشْـــيَتَـــهُ، وَهَـلْ عَـلـيَّ بـــأَنْ أَخْـــشـــاكَ مِـــنْ عَـــارِ?

معلقة الأعشى الخفيف

مَا بُكَاءُ الكَبِيرِ بِالأَطْـلاَلِ،

دِمْنَةٌ قَفْرَةٌ تَعَـاوَرَهَـا الـصَّـيْ فُ بِريْحَيْنِ مِنْ صَباص وَشَمـالِ

لاَتَ هُنّا ذِكْرَى جُبَـيرَةَ، أَوْ مَـنْ جاءَ مِنْهَـا بِـطَـائِفِ الأَهْـوَالِ

حَلَّ أَهْلي بَطْنَ الغُمَيْسِ، فَـبـادَو لى، وَحَلَّتْ عُلوِيّةً بالـسِّـخـالِ

تَرْتَعي السَّفْحَ، فالكَثِـيْبَ، فَـذَاقَـأ رٍ، فروض الغَضا، فَذَاتَ الرِّئَالِ

رُبَّ خَرْقٍ مِنْ دونِها يُخْرِسُ السَّفْ رَ، ومِيلٍ يُفضـي إلـى أَمْـيالِ

وَسِقَاءٍ يُوْكَى على تَـأَقِ الـمَـلْ ءِ، وَسَيْرٍ، ومُسْـتَـقَـى أَوْشَـالِ

وَادِّلاَجٍ بَعْدَ الهُدوءِ، وَتَـهْـجـي رٍ، وَقُفٍّ، وَسَبْـسَـبٍ، وَرِمَـالِ

وَقَليبٍ أَجْـنٍ كَـأَنَّ، مِـنْ الـرِّي شِ بِأَرْجَائِهِ، سُقُوطَ الـنِّـصـالِ

فَلَئِنْ شَطَّ بِيَ المَزَارُ لَـقَـدْ أُض حي قَليلَ الهُمُومِ، نَـاعِـمَ بَـالِ

إذْ هِيَ الهَمُّ والـحَـدِيثُ، وإذْ تَـعْ صي إلـيَّ الأمِـيرَ ذا الأقْـوَالِ

ظَبْيَةٌ مِنْ ظِـبـاءِ وَجْـرَةَ أَدْمَـا ءُ تَسُفُّ الكَبَاثَ تَحْـتَ الـهَـدَالِ

حُرَّةٌ طَـفْـلَةُ الأَنَـامِـلِ، تَـرْت بُّ سُخامـاً تَـكُـفُّـهُ بِـخِـلاَلِ

وكَأَنَّ السُّمُوطَ عـاكِـفَةُ الـسِّـلْ كِ بِعِطْفَـيْ وِشَـاحِ أُمِّ غَـزَالِ

وَكَأَنَّ الخَمْرَ العَتِـيقَ مِـنَ الإسْ فَنْطِ مَـمْـزُوجَةٌ بِـمَـاءٍ زُلاَلِ

بَاكَرَتْهَا الأَغْرَابُ في سِنَةِ الـنّـو مِ فَتَجْرِي خِلالَ شَوْكِ الـسَّـيالِ

فَاذْهَبِي مَا إلَيْكِ أَدْرَكَنِي الـحِـلْ مُ عَدَاني عَنْ هَيجِكم أَشْـغـالـي

وَعَسِيرٍ أَدْمَـاءَ حَـادِرَةِ الـعَـيْ نِ خَنُـوفٍ عَـيْرَانَةٍ شِـمْـلاَلِ

مِنْ سَرَاةِ الِهجَانِ صَلَّبَها العُـضُّ وَرَعْيُ الحِمَى، وَطُولُ الـحِـيالِ

لمْ تَعَطَّفْ على حُـوَارٍ، وَلَـمْ يَقْ طَعْ عُبَيْدٌ عُرُوقَها مِـنْ خُـمـالِ

قد تَعَلَّلْتُها، على نَـكَـظِ الـمَـيْ طِ، وَقَـدْ خَـبَّ لاَمِـعَـاتُ الآلِ

فَوْقَ دَيْمُومَةٍ تُـخَـيَّلُ لِـلْـسَّـفْ رِ قِـفَـاراً إلاَّ مِـنَ الآجــالِ

وإذا ما الظِّلاَلُ خَيفَتْ وكان الشُّرْ بُ خِمْساً يَرجَوْنَهُ عـن ضـلالِ

واستُحِثَّ المُغَـيِّرُونَ مـن الـرَّكْ بِ، وكانَ النِّطافُ ما في الغَزالي

مَرِحَتْ حُرَّةًن كَقَنْطَـرَةِ الـرّوم يِّ، تَفْريْ الهَجِـيرَ بِـالإِرْقَـالِ

تَقَطَعُ الأَمْعَزَ المُكَوْكِـبَ وَخْـداً، بِنـواجٍ سَــرِيعَةِ الإيْغـــالِ

عَنْتَريسٌ، تَعْدو، إذا حُرِّكَ الـسَّـوْ طْ، كَعَدْوِ المُصَلْصِلِ الـجَـوَّالِ

لاَحَهُ الصَّيْفُ، والطِّرادُ، وإشْـفـا قٌ عَلَى صَعْدَةٍ كَقَوْسِ الـضَّـالِ

مُلْمِعٌ، والِهُ الـفُـؤَادِ إلـى جَـحْ شٍ فَلاهُ عَنْهَا، فَبِئْسَ الـفَـالـي

ذو أَذَاةٍ على الخَلِيطِ، خَبِيثُ النّـف سِ، يَرمي عَدُوَّهُ بـالـنُّـسـالِ

غادَرَ الوَ؛شَ في الغُبَـارِ، وعـادا ها حَثـيثـاً، لِـصُـوّةِ الأَدْحَـالِ

ذَاكَ شَبّهْتُ نَاقَتي عن يَمينِ الـرَّع نِ بَعْـدَ الـكَـلاَلِ والإِعْـمَـالِ

وَتَرَاهَا تَشْكُـو إلـيّ، وقـد صَـا رَتْ طَلِيحاً تُحْذَى صُدورَ النِّعـالِ

نَقَبَ الخُفُّ لِلسُّرَى، فَـتَـرَى الأنْ ساعَ مِنْ حِلِّ سَاعَةٍ وارْتِـحَـالِ

أَثَّرَتْ في جَآجيءٍ كإرانِ الـمَـيْ تِ عُولينَ فَـوْقَ عُـوجٍ رِسَـالِ



لاَ تَشَكَّيْ إليّ مِنْ أَلـمِ الـنِّـس عِ وَلاَ مِن حَفىً، ولا من كلالِ

لا تَشكَّيْ إليّ، وانْتَجِعِـي الأسْ وَدَ أَهْلَ النَّدَى، شديدُ المِـحـالِ

فَرْعُ نَبْعٍ يَهْتَزُّ في غُصُنِ المَـجْ دِ، غَزيرُ النَّدى شديدُ المِحـالِ

د.محمد فتحي الحريري
08/09/2009, 08:49 PM
اخي وابن عمي الهاشمي النبيل با خالد
اجدت الانتقاء ولئن قالوا ان اختيار المرء قطعة من فكره ، فقد عرفت فكرك بالاصالة والنقاء فيما تكتب وتنتقي !
بارك الله بكم
اقتنيت هذا الكتاب منذ سنتين رغم اني قرأته في مكتبة الوالد الشيخ راشد رحمه الله تعالى قبل اكثر من ربع قرن ..
لك الحب والود والتقدير