المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة أدبية لست من قصص فارس الكلمة الأديب و الناقد الأستاذ زكي العيلة، نزار ب. الزين



نزار ب. الزين
19/01/2007, 03:54 AM
زكي العيلة
فارس الكلمة و أديب المقاومة
قراءة
نزار ب. الزين*
*****



أولا : سيرة ذاتية :
الإسم : زكي العيلة
الـميـــلاد: غـزة ـ فلسطين 1950/9/1 .
البلدة الأصـلية ) : يبنا ) قضاء الرملة ـ فلسطين .
المستوى العلمي : ماجستير أدب ونقد ـ جامعة عين شمس ـ 2001 .
ـ عضو مؤسس لاتحاد كُتاب فلسطين منذ عام 1976 ، وعضو الهيئة الادارية لأكثر من دورة انتخابية ـ مسؤول النشاطات في اتحاد كُتاب فلسطين منذ 1995 ـ 1999 .
ـ مسؤول الطباعة والنشر في اتحاد كُتاب فلسطين ومدير تحرير مجلة الكلمة ـ رام الله ، منذعام 1999 ـ عضو مجلس أمناء جمعية الملتقى الفكري ـ القدس منذ عام 1984 .
ـ عضو المجلس الأعلى للفولكلوريين ـ رام الله منذ 1994 .
ـ تُرجمت العديد من قصص الكاتب إلى الفرنسية والإنجليزية والروسية و الاسبانية .
ـ دُرست قصص له ضمن مساقات بعض الجامعات الفلسطينية منها :
* قصة ( حيطان من دم ) متطلب لغة عربية ـ جامعة بير زيت ـ
* قصة ( كلهم أبنائـي ) متطلب لغة عربية ـ جامعة بير زيت ـ
* قصة ( اللوز لايتأخر عن ميعاده ) متطلب لغة عربية ـ جامعة الأزهر ـ غزة .
* قصة ( حكاية الريح الحمراء) مترجمة للإنجليزية - قسم الدراسات العليا - جامعة الأزهر – غزة .
و يمكن إدراج معظم أعماله تحت عنوان ( أدب المقاومة ) و قد قال في حوار أجراه معه الصحافي محمد ضمرة ممثلا لجريدة ( الرأي ) الأردنية :
* " الإبداع الحقيقي لا يتجزأ ولا تتبدل هويته سواء كان تحت القصف أو خارجه، وهنا أستطيع التوكيد على أن كثيرا من الإبداعات الفكرية والثقافية التي تجاوزت مرحلتها الآنية التي كتبت فيها دون أن تقع أسيرة الزعيق ،هي تلك التي كتبت في مجابهة طاعون القهر الاحتلالي "
ثانيا : الدراسة :
و تتناول الدراسة ست من قصص المقاومة للكاتب هي :

1 – مكاتيب للوهج
2 – طيارة عزت
3 – كلهم أبنائي
4 – الحقيقة
5 – عيون ليوسف
6 - الحجارة

-1-
مكاتيب للوهج
خمسة مواقف يربطها محور واحد يمكن اختزاله بعبارة واحدة ألا و هي " شعب صلب يتحدى الظلم بكل أنواعه "
أطفال تصقلهم النار ( امتدت أصابعه ، ازدادت صلابة ) .. ، نساء يسخرن من التهديد ( كيف تغدو سحنته حين يرسل في طلبي للمرة المائة ؟ ) و راعٍ يدعو للصبر على المكاره عن طريق نايه الصداح ( أيتها المرأة لا تحزني .) فالبلوى تعم الجميع .
و لكن الفرج لا بد آت ، يتوقعه الأطفال ( بل ستمطر ! ) ( سكت الطفل .. تأمل ما حوله وراح يحلم بعصافير لا يقدر عليها الأغراب ) و يتوقعه الكبار كذلك (وعادت شبابته تغني للشمس والأعراس الناهضة .. ) جميعهم يحلمون بانتهاء المحنة رغم جميع ضروب القهر
أسلوب مبتكَر لكاتب مبدع ، و على العموم يمكن اعتبار هذا النص من عيون الأدب الحديث و طفرة في فن القصة القصيرة .

-2-
طيارة عزت

في قصة ( طيارة عزت ) يتقمص الكاتب شخصية طفل يهوى صناعة الطيارات الورقية ، فيصف بدقة تصويرية بارعة كيف تمكن من صناعتها * " عندما كان يلمح أحداً يصنع طيارة كان ينزرع قربه .. لا تفوته المراقبة ، تتلاحق أنفاسه .. تقشير عيدان البوص .. تجزئتها .. ضمها إلى مركز معين ، شد الخيطان حول كل طرف .. لصق الشفاف .. عمل الشراشيب " و عندما أنجزها أخذ يتحسسها بشعور المنتصر : * " يحتضـن مساحات الطيارة براحتيه .. يتحسس أجزاءها ..يتأمل عيدان البوص .. خيوط الميزان .. ورق الشفاف الملون .. ذيل الطيارة .. ألوان متداخلة ، ألوان متشابكة اختارها بعد طول إلحاح "
و من خلال وصف طيارة عزت و ما رافقها من مواقف كتأمل الآخرين و التركيز معهم حتى تمكن من التقاط الصنعة ، ثم التوسل و الالحاح حتى تمكن من الحصول على خاماتها الأولية ، ثم نصائح عمه ، ثم توجساته من ابن عمه الذي قد يخرب له كل ما بناه ؛ من خلال ذلك كله يدخل الكاتب بعض الرموز الوطنية :
– تمجيد علم البلاد:
* " قال له عمه وهو يجهز الطيارة :
ـ الطيارة التي بها ألوان العلم لا يقدر عليها الريح ، لا يغلبها شيء ، تظل تصعد وتصعد حتى تصل إلى النجوم . "
– لا داعي للتنافس الإتلافي بين المواطنين فالأرض تتسع للجميع :
* " لا داعي للاشتباك مع ابن عمي إذن .. الفضاء واسع .. السماء فسيحة .. لترتفع الطيارتان معاً ، تتجاوران .. تتسابقان .. تتنططان ."
- عندما يشاهد جيبّات العدو يتمنى أن يكون واحدا من المقاومين :
* " يتمنى لو تتحول طيارته إلى مقلاع .. حجر كبير .. صخرة مدببة تخترق سقف الجيب ، تسد عليه المنافذ . "
- و لكنه فجأة يتذكر أن طيارته ملونة بألوان العلم الفلسطيني ، ترى هل سينتزعونها منه ؟ :
* " قلق يدهمه ، ترى هل سينتهبون إلى ألوان الطيارة ؟ هل يفعلونها ؟ ينتزعونها منه ، يحملونها معهم عدا اللطم والغرامة كما قالت له أمه . "
- إلا أنه يصمم : أبدا لن أسمح لهم بذلك :
* " ينتشر الجد في ملامحه .. لن يعطيهم فرصة الاستيلاء على طيارته .. لن يسمح لهم بذلك ، يدفع الخيط إلى آخر مداه ، آخر نقطة فيه ، ترتفع الطيارة ، تبتعد ، تصبح بحجم الكف . "
- و لكن الحقد الصهيوني الذي لا يميز بين صغير أو كبير، ينطلق على شكل رصاصات غادرة ليصيب الطيارة و صاحبها من ظهره ، فقد غيظ العدا من عَلَمٍ فلسطيني بدا مرفرفا عاليا عند الغيوم .
و تنتهي القصة بنهايتها الحزينة هذه كمثل آلاف القصص اليومية التي تشهدها الساحة الفلسطينية !
* " يتطوح .. ألم حاد في ظهره .. يتحسس مكان الخبطة .. دم يكسو راحته .. دم يصبغ الخيطان .. وجع .. سخونة تحرقه ، تنغرز أصابعه على الخيط .. تتوه نظراته .. ورق شفاف يتقطع .. أعواد بوص تتقصف .. نجمة تتطاير .. تتناثر .. تتفتت .. تتهاوى .. ينقلب على جنبه .. شهقات متلاحقة .. شعاع يندفع من عينيه الغائمتين ليحتضن نجمة براقة بعيدة . "
تمتاز القصة بالتصوير البارع ، مارسه الكاتب منذ ألفها حتى يائها ، و تحليل أكثر براعة لنفسية الطفل الشهيد عزت مطر ، في عبثه الطفولي ثم بنضوجه المفاجئ .
-3-
كلهم أبنائي

( كلهم أبنائي ) قصة أخرى من قصص المأساة التي يعايشها الفلسطينيون منذ ثلاثينيات القرن الماضي ، فيتناول الكاتب أحد فصولها، الذي ابتدأ مع انتفاضة أطفال الحجارة ؛ فأمجد واحد منهم ، يستعلم عنه الأعداء ، يقتحمون بيته ، ينتزعونه بكل ما يملكمون من حقد و وحشية من حضن أسرته ، و يلحقون الأذى بوالده حين حاول التصدي لهم ، في تصوير متلاحق تثير كل عبارة فيه الاشمئزاز و الغضب :
* " يزقونك ، يجرجرون "أمجد " يلقمونه الأرض ، صراخ ، خنجر مثلوم يحز شرايينك ، تركض خلفهم ، يدفعونك ، تنقلب على ظهرك ، رغو فوار يتكدس في الحلق. "
* " قبل انتصاف الليل كانت درباكاتهم تمزق قلب السكون ، بساطير ، زمجرات لا سلكي ، رطن ، ارتطامات أحذية ثقيلة ، طرقات ، يكاد الباب ينسحق تحت ضرباتهم ، تهب مفزوعاً إلى الحوش ، الكشافات تدمي عينيك ..
هراوات تلكز خاصرتيك ، كتفيك ، يرشقونك بكلمات تقطر سياطاً "
* " رجفة تدهمك ، تعلم تماماً ما يحدث في مركز الجيش ، قصة (هاني الشامي) لا تغادرك ، انتزعوه من بيته عصر يوم ، قالوا في روايتهم المسلوقة، روايتهم المعدة للتسويق أنه قاوم اعتقال ابنه الصغير ، ظلوا يضربونه وهو مقيد اليدين والرجلين على كل بوصة فيه بالهراوات وأسياخ الحديد أمام ابنه، يدعسون على صدره ووجهه حتى انطفأت في رئتيه الأنفاس ، غادر الضوء عينيه ، تشربت حيطان المركز نوافير دمه وفتافيت لحمه."
و أثناء بحثه عن ولده يصل إلى إحدى العيادات حيث يشاهد جمعا غاضبا يتحدث عن ثلاثة صبيان ألقاهم جيش الأعداء قرب بيارة بعد أن كسّر عظامهم و لولا لطف القدر لكانوا في عداد الأموات و كان أمجد واحدا منهم :
تندفع إلى غرفة المعالجة ، أجساد نحيلة غضة ممددة فوق النقالات ، أجساد ترشح دماً وطيناً وماء ، همهمات ، حشرجات ، أنين ، تيار بارد يثلجك دفعة واحدة ، صدرك يعلو ويهبط ، تغادرك صرخة متصدعة ، صرخة نازفة :
ـ أمجد .. "
و بينما كان في سيارة الإسعاف إلى جانب ولده و الآخرين ، أخذ يتذكر كيف كان أمجد يستمع إلى نصائحه دون أن ينفذها و كيف تجرأ مرة فأجابه :* " ـ إنهم لا يتركون أحداً في حاله ، يتحرشون بكل الناس ، لا أحد يسلم من شرهم
ثم يضيف :
* " باطن الكف يمكنها أن تتحول إلى سيف يثلم حد السكين ، يكسره ، يهرسه إذا اكتست عزماً وصلابة ، الحجر حِصن للحمك ، المقلاع قلاع لدمك ، لدم الناس جميعاً "
و يختتم الكاتب قصته المفعمة بالمشاعر الجياشة و الحس الوطني العالي ، يختتمها بعبارته الرائعة : ( كلهم أبنائي ) على لسان الراوي (أبو أمجد ) حين استيقظت وطنيته بعدما شاهد بشاعة الجريمة التي تعرض لها ابنه -الذكر الوحيد بعد عدة بنات – مع الصبيين الآخرين ، و ذلك في صورتين ابداعيتين:
الأولى :" تتمنى لو تتشظى مقلاعاً ، حجراً في أيدي الشباب ، غضباً ينهمر على مركز الجيش "
و الثانية : " وأنت تركب سيارة الإسعاف يهاجمك سؤال الطبيب :
ـ من منهم ابنك ؟ "
تصمت لثوان ، صور مشبوبة تسابق اندفاعة السيارة ، بدا صوتك معجوناً بالدم والطين وأنت تقول له :
ـ كلهم أبنائي ."
" كلهم أبنائي قطعة فنية و رائعة أخرى من روائع الأستاذ زكي العيلة ؛ يقول فيها الأديب الأستاذ سليمان نزال : إنها " إجادة في الوصف, بلاغة في اللغة..كأننا أمام مشهد مقطوع من لحمنا.."

-4-
الحقيقة

في قصة ( الحقيقة ) يتركنا الكاتب لاستنتاج الحقيقة من خلال رموزه .
ترى هل الحقيقة هي الشمس ذاتها أم أن الحقيقة كالشمس ؟ واضحة ، قوية ، تخترق مسام البشر و الشجر و العصافير ؟ و ما هي – ترى - تلك الحقيقة الساطعة كالشمس ؟ هل أراد الكاتب أن يقول أن البلاء عام و أن المحنة تطال الجميع و أن على الجميع الصبر في انتظار الفرج ! ؛ هل تلك هي الحقيقة التي أرادها الكاتب ؟ : " قالت :
ـ لا أرى غير الأشجار والعصافير و ....
... وقبل أن تكمل زعقت في الفضاء طائرة حربية سوداء ، تبعتها على الفور طلقات مشحونة بالخضرة والشمس .
أرخى أدنيه وسألها :
ـ هل سمعتِ ؟
اقتربت وأجابت :
ـ نعم ..
قال :
ـ هل أبصرتِ ؟
توردت قسماتها وقالت :
ـ نعم ..
قال :
ـ أيتها المرأة لا تحزني وعادت شبابته تغني للشمس والخضرة . "
و في معرض لوم الراعي للسيدة أثناء بحثها عن طفلها ، يستعرض الكاتب حالة المعاناة المتواصلة التي يعيشها اللشعب الفلسطيني في جملة معبرة واحدة :
" قالت في نبرة يُعشب فيها الحزن :
ـ تاه مني يوم أن هجمت الطائرات على الناس . "
و يختتم الكاتب قصته بعودة الراعي إلى شبابته يغني بها أنشودة الأمل .
(الحقيقة) صاغها الأستاذ زكي مستخدما تقنية مبتكرة بمفردات سهلة يستقبلها المتلقي بهدوء و دموع .

-5-
عيون ليوسف

تعكس ( عيون ليوسف ) صورة أخرى من صور المقاومة ، فهذا الطفل يوسف شب عن الطوق فجأة ، تحت تأثير موجة جديدة من العدوان الصهيوني :
* " حديثه مع أصحابه مختلف هذه المرة - لينصب حول موضوعات جديدة احتلت الوجدان في الشهور الأخيرة :
…. طائرة الأباتشي ، إم 16 ، القناص ، رصاص 250 ، رصاص 500 ، المقلاع ، الحجر ، الشهداء ، الجرحى ، سيارات الإسعاف "
ثم ينقلنا الكاتب إلى صورة أخرى ، إلى معركة غير متكافئة ،تدور بين أطفال رفضوا ذل الاحتلال فتسلحوا بالحجارة و لا غير الحجارة ، و بين عدو سخر آلة حربه كلها ، من طائرات و دبابات ، و تحصينات اسمنتية و قناصين ، سخرها جمبعا لترويع هؤلاء الأطفال و قهرهم و خنق روحهم النضالية الوثابة !
* " ثمة مجموعة من الصبية ، أكف طرية ، فراشات لم تغادر الأقمطة تنتشر فوق جسد الرمل ، نداءات ، مسبحة الحجر تأبى اللجم ، أبواق سيارات إسعاف ، رصاص يتطاير "
* " يتمترسون خلف حواجز إسمنتية بعيدة ، مسافة لا تصلها حجارة الصبية ، أزيز طائـرة ، رشقات رشـاش ، قناص يحتمي بساتر باطون ، يوزع رصاصاته، ينثرها . "
و يوسف الذي كان حتى الأمس القريب طفلا عابثا ، أصبح في مقدمة المقاومين و بينما كان يستطلع نتاج قذيفة و صلية رشاش أطلقتها الطائرة ، أصابته شظية ثم رصاصة قناص :
* " يتوقف الرصاص لثوان ، يرفع (يوسف) رأسه ، يتشمم خبراً ، رصاصة تستقر في رقبته ، شظية تقتلع عينه ، أمواس حادة تمزقه ، صراخ ، أصابعه تتشبث بالهواء ، أنين ، جفاف في الحلق ، ينقلب على جنبه ، يتراخى ، تغادره الصور" .
ثم تبدأ رحلة أخرى من العذاب و المعاناة ، رحلة الاستشفاء في ظروف الاحتلال و الحواجز :
* " كل أحلامه الآن محصورة في تغيير تلك العين الزجاجية التي زاد عمرها عن العاميـن ، حتى الدواء الذي حمله أبوه من المستشفى الخاص بتنظيف باطن العين نفد ، لم تُجدِ محاولات الأب نفعاً في سبيل توفيره .
و يعود يوسف إلى مدرسته نصف ضرير ، و نصف تلميذ :
* " عندما عاد إلى المدرسة بعد ستة شهور لم يكن (يوسف) ذلك الطفل الذي كان يكفيه الانتباه إلى شرح المعلم كي يحجز مرتبة متقدمة بين أوائل الصف ، تراجع ترتيبه ، لم تعد كرة القدم التي كانت ترقد إلى جانب وسادته تراود خياله ، ابتعدت عن عينه ألعاب الأتاري ، تبخرت أعشاش العصافير ، ذابت ، أصبح كل همه الآن الابتعاد عن باقي أقرانه ، تحولت الصور أمامه إلى خيالات ، فراشات غادرتها الألوان ."
صور متلاحقة لمأساة طفل حولته وحشية العدو إلى طفل معوق ، أفلح الكاتب بنقلها إلى قارئه بيسر و حِرَفية و بلاغة و استثارة لعواطفه و دموعه .

-6-
الحجارة

في هذه القصة المختزلة يعرض الكاتب صورة أخرى من صور المقاومة ،
أطفال آلوا على أنفسهم أن يتصدوا لطاغوث نهم شره ، تمتد شراهته حتى إلى شطائرهم و تحرمهم من كتبهم و دفاترهم :
*" عندما تسرق شنطتك بدفاترها وأقلامها وكتبها وشقفة الخبز .. ماذا تعمل ؟؟ "
ثم يستبدل هاني كتبه بالحجارة :
* " كان "هاني" مشغولاً بجمع والتقاط الحجارة فلم يرد أو يتحرك "
يحاول توفيق أن يثنيه غير مدرك لغايته في البداية ، و لكن إصرار هاني و عبارته الأخيرة :
*" ـ وعندما لا ترضيك كل حقائب الدنيا بعدها ؟! "
عندئذ يتنبه توفيق إلى حقيقة حجارة صاحبه :
*" فكر توفيق ، حيَّره السؤال .
.. وأدرك وقتها لماذا جمع هاني الحجارة "
في حوار هادئ بين طفلين أحدهما صقلته التجربة عند إبعاد والده و ما رافقه من مهانة ، و بين الآخر الذي لا زال في مرحلة السؤال و التساؤل ؛ يغوص الكاتب من خلال حواريته هذه في أعماق نفس صبي صغير واجه و أهله أشرس عدوان عرفه التاريخ ! يدفعنا الكاتب بلا مباشرته إلى استنتاج ما حدث للطفل هاني ؛ فقد اقتحم الأعداء منزله و خربوا أثاثه و سرقوا كل شيء حتى كتبه و دفاتره ، ثم نفوا والده إلى ما وراء النهر.
عندئذ فارت دماء القهر و طفت روح الانتقام في رأسه ، فبدأ يستعد لمواجهة العدو بما ملكت يداه ( الحجارة ) ، غير هياب لبطشهم و جبروتهم ، ثم لتنتهي معركته غير المتكافئة باستشهاده .
و يختتم الكاتب المبدع الأستاذ زكي العيلة قصته بتنويه مُرمز يشير إلى إصرار الشعب الفلسطيني على مقاومة العدوان :
*" يؤكد أهل المخيم لكل زائر ووافد أن شتلة زيتون صغيرة بأغصان مدببة تود لو تندفع وتخرق صدور الأعداء قد نبتت في نفس المكان الذي امتزجت فيه حجارة هاني بدمائه ."
تحفة أخرى من تحف الكاتب الأستاذ زكي ، تضاف إلى رصيده في أدب المقاومة .
*****و صفوة القول نحن أمام كاتب متقدم من كتاب أدب المقاومة ، كتب – كما قال – في كل الأجناس الأدبية ، و لكن القصة ( قصة المقاومة و الفداء ) ظلت دائما تستهتوي عقله و فؤاده ، فاستحق عن جدارة لقب : ( فارس الكلمة و أديب المقاومة ) .

----------------

* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ( ArabWata )
الموقع : www.FreeArabi.com
البريد : nizarzain@adelphia.net

زاهية بنت البحر
21/01/2007, 04:45 PM
( فارس الكلمة و أديب المقاومة )
إنه لفارس حقًا فقد انتزع من عينيَّ الدموع غزيرة ,وأنا أقرأ ماتفضلت به من دراسة مكثفة لهذه القصص الست للمبدع الأديب الدكتور زكي العيلة ..سبحان الله كيف تتحول الكلمة رصاصة ,والحرف دبابة, والمعنى صاروخًا.. هكذا يكبر الأدب بكاتبه عندما يرعاه بحبه وقلبه وعلمه وحرِّيته وإخلاصه ..سعدت وأنا أجتاز السطور وكأنني فوق بساط أخضر متضرج بدما الأطفال.. الأبطال ..عصافير الجنة ..أبطال الحجارة ..جزاك الخير أخي المكرم أستاذنا الكبير نزار الزين ..لك شكري وتقديري
أختك
بنت البحر

زكي العيلة
22/01/2007, 05:14 AM
الأديب الكبير أستاذي: نزار الزين.
أجمل تحية
أعتز بقراءتك المميزة الموازية التي تغوص في أدق خبايا النص وخفاياه لتستقطر لنا هذه الرؤية المعمقة.
دمت أخاً وأباً وصديقاً نفخر بأنه معنا وبيننا.

احترامي وتقديري.

* * *
الأديبة المتعددة العطاءات سيدة البحر الأستاذة : مريم.
أجمل تحية
أستأذن أستاذنا الكبير نزار الزين في الترحيب بك، ومصافحة كلماتك الني تنم دائماً عن تميّز وإبداع وأصالة نحن بحاجة إلى مثلها.
أعتز بحضورك الثري
دمت رائعة
زكي

نزار ب. الزين
22/01/2007, 06:28 AM
بالفعل فإن أختنا المعطاءة مريم يمق ، تبذل عصارة فكرها لتلقي الأضواء على نتاجات زملائها ، و في الوقت ذاته لا تألو جهدا عن إثراء القصة العربية بإبداعاتها الكثيرة ، إنها حقا نجمة ساطعة في سماء الأدب
دمتما رائعين
نزار