المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من نوادر حلقات التاريخ ...... العلويون و الأمويون * حلفاء



عبد الرحمن الطويل
29/07/2009, 04:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم .

الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله و بعد .

للعلويين ـ و للأمويين كذلك ـ مكانتهم البارزة في واجهة التاريخ الإسلامي ، ملئوه أحداثاً حُشيت بها صفحات كتب المؤرخين على اختلاف العصور ، و لا غرو ، فالعلويون هم أسباط الرسول صلى الله عليه و سلم ، الذين حث الشارع على مودتهم و برّهم ، و الأمويون هم بناة الدولة الإسلامية الإمبراطورية الذين نشروا الإسلام في أصقاع الأرض من الصين إلى الأندلس ، و أغلب الدول الإسلامية اليوم تدين بإسلامها للأمويين ـ بعد فضل الله طبعاً .

و إذا كان الطابع الذي غلّف العلاقة بين العلويين و الأمويين في القرون الأولى هو طابع الخصومة ، كأحداث الخلاف بين علي و معاوية رضي الله عنهما ، و خروج الحسين رضي الله عنه على يزيد و ما تبعه ، فإن لنا أن نروي من طرائف التاريخ صفحة تحالف فيها العلويون و الأمويون .... و كان الخصم هذه المرة هو العباسيين .

وقعت أحداث هذه الصفحة في مصر في إمرة يزيد بن حاتم المهلبي والي أبي جعفر المنصور عليها .

و سأترك روايتها للمؤرخ الكبير أبي عمر الكندي المتوفى سنة 350هـ ، من كتابه (ولاة مصر) طبعة دار صادر بتحقيق حسين نصار صـ133 .

يقول أبو عمر :

((و في ولايته [أي يزيد بن حاتم] ظهرت دعوة بني حسن بن علي بمصر ، و تكلم بها الناس ، و بايع كثير منهم لعلي بن محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن ، و هو أول علوي قدم مصر ، و قام بأمر دعوته خالد بن سعيد بن ربيعة بن حُبيش الصدفي ، و كان جده ربيعة بن حبيش من خاصة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، و شيعته ، و حضر الدار [استشهاد عثمان ذي النورين رضي الله عنه] .

فاستشار خالد بن سعيد أصحابه الذين بايعوا له ، و فيهم <دحية بن المعصّب بن الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان [الأموي]> ، و <منصور الأشل بن الأصبغ عبد العزيز بن مروان[الأموي]> ، و< زيد بن الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان [الأموي]> .
فقال لهم : ما ترون ؟ فأشار عليه دحية أن يبيّت يزيد بن حاتم في العسكر ، فيضرم عليه ناراً ، و قال اهل الديوان : نرى أن تحوز بيت المال ، و أن يكون ظهورنا و خروجنا في المسجد الجامع ، فكره خالد بن سعيد أن يبيت يزيد بن حاتم و خشي عليه اليمانية ، و خرج منهم رجل من الصدف قد شهد أمرهم كله ، حتى أتى إلى عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج [قائد شرطة يزيد بن حاتم] ، و هو يومئذ على الفسطاط ، فخبّره أنهم الليلة يخرجون ، فمضى عبد الله بن عبد الرحمن إلى يزيد ، و هو بالعسكر ليخبره ، و كان ذلك لعشر خلون من شوال سنة خمس و أربعين و مئة .

و سار خالد في الذين معه ، و عليه قباء خز أصفر ، و عمامة خز صفراء ، و قد سوّم فرسه بعمامة ، و عمد إلى المسجد الجامع في نصف الليل ، فانتهبوا بيت المال ثم تضاربوا عليه بسيوفهم ، فلم يصل منهم إليه إلا اليسير .

و بعث يزيد بن حاتم مع بن حديج بنوبة بن غريب الخولاني ، و بأبي الأشهل سعيد بن الحكم الأزدي من أهل الموصل ، و دفيف بن راشد مولى يزيد بن حاتم ، و قال لهم يزيد : إن رأيتم المصابيح في الدور فهو أمر عام فانصرفوا إليّ ، و إلا فأتوا المسجد فاعلموا الخبر ، فلما انتهوا قالوا : نرجع ، قال نوبة : أما أنا فلا أبرح حتى يأتي أمره ، لأنه قال لكما ارجعا و لم يقل لي ، فقال له بن حديج ، فقف إذاً عند دور بني مسكين فإنه مفرق طرق ، قال : أما هذا فأفعل ، و ثاب إلى يزيد بن حاتم نفر من أهل مصر ، و أتاه المنتظر بن إسماعيل الرعيني من الصحراء ، فقال بن حاتم : ما فعل ابن عمير الحضرمي ؟ قالوا : لم يخرج معهم ، قال : و أبو حَزَن المعافري ؟ قالوا : بالباب ، قال : فالأمر يسير .

و أرسل بن حاتم إلى أصحابه فجعلوا يأتونه سكارى ، فقال : إن نضوحكم الليلة لكثير ، و كام ممن حضر ليلتئذ من وجوه قواده العلاء بن رزين الأزدي من سليمة ، و يحيى بن عبد الله بن العباس الكندي ، و أبو الهزهاز النخعي ، و أبو كندة بن عبيد الكلبي ، فساروا جميعاً ، ثم وجّه دفيفاًفي جمع منهم من قِبل سوق وردان ، و مضى بن حديج و كان بسوق الحمام ، و وقف أبو الأشهل في السرّاجين ، و أقبل نصر بن حبيب في الجموع من قبل دور بني مسكين ، فوقف بن حديج على الباب الذي من ناحية بيت المال ، فكلم خالد بن سعيد ، و هو فوق ظهر المسجد ، كلمة قبطية فقال انسل ، فخرج على وجهه ، و رمى مسوّد [موالٍ للعباسيين نسبة إلى راياتهم السوداء] بسهم في الظلمة نحو مخرج الكلام ، فأصاب خد خالد بنشابته ، و خرج من نحو سوق الحمام ، و خرج ابناه إبراهيم و هدبة من نحو المرحاض الذي في دار بني سهم ، و مضى خالد بن سعيد إلى إسماعيل بن حيوة بن عقبة بن كليب الحضرمي فسأله أن يخفيه ، فقال : لقد هممت أن أوبقك و أذهب بك إلى الأمير ، ثم أتى عياش بن عقبة بن كليب فقال : أخاف اليمين ، فأتى يحيى بن جابر أبا كنانة الحضرمي ، فآواه سبعين ليلة حتى سكن الطلب ، و هدأ أمره .

و قُتل تلك الليلة كلثم بن المنذر الكلبي ثم أحد بني عامر ، ممن كان مع خالد بن سعيد ، و لم يكن هذا مذهبه ، و إنما كان غضب على يزيد بن حاتم ، فخرج عليه مع خالد ، و أمر يزيد بن حاتم عبد الله بن حديج بإطلاق الأسارى ، فقال : حتى أؤدبهم ، فضربهم و خلاهم ، و كان القتلى تلك الليلة من أصحاب خالد ثلاثة عشر رجلاً ، و لم يكن فيهم من له ذكر غير كلثم بن المنذر الكلبي .

ثم قدمت الخطباء إلى مصر برأس إبراهيم بن عبد الله بن حسن ، في ذي الحجة سنة خمس و أربعين و مئة ، فنصبوه في المسجد الجامع ، و قامت الخطباء فذكروا أمره ، و هم شبّة بن عقال ، و كُرَب بن مصقلة بن رقبة الحيري ، و يحيى بن عبد الرحمن الأعلم ، و خالد بن أُسيد ، و زافر الفياش بن عمر ، و صبيح بن الصباح ، و الحضرمي معاوية .

و أما علي بن محمد بن عبد الله بن حسن فاختُلف في أمره ، فزعم بعض الناس أنه حُمل إلى أبي جعفر .

و أخبرني بن قديد عن يحيى بن عثمان بن صالح عن بن عفير : أن علي بن محمد اختفى عند عسّامة بن عمرو ، و قد وجّه عسامة إليه ، و أنزله قرية له من طوّة [بالصعيد] فمرض علي بها فمات و دفن بها . ))

انتهى النقل عن الكندي .

و أما عن أمر دحية بن المعصب الأموي كبير المروانيين بمصر ، فإنه ظل في ثوراته على العباسيين حتى أُسر و قُتل سنة 169هـ .