المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فضاء الجسد بين الجلاء والإخفاء



ربيع مفتاح
07/10/2006, 03:43 AM
فضاء الجسد ربيع مفتاح
بين الجلاء والإخفاء

تحاول الكاتبة ثريا نافع فى روايتها " فضاء الجسد " أن تكشف ماهو مسكوت عنه فى الحياة العربية والثقافة العربية ولكن من خلال تقنية روائية تتسم بالبساطة والجرأة
وهذا ما يجعلها فى متناول القارىء العادى ، عالجت الكاتبة موضوعا جديدا وشائكا
وهو الجنس الثالث ، الذى يقع بين الذكر والأنثى أو مايسمى الخنثى
لقد تحول الموضوع فى يد الكاتبة إلى نوع من المكاشفة والكشف عن المتناقضات التى تحكم وتتحكم فى حياتنا وهذا ما جاء على لسان الراوية " الكاتبة " فى مستهل الرواية " ولأٍن من أصعب الأمور وأقساها علي النفس : مواجهتها بما تخفيه ، والأدهي والأمر تعريتها بلا مواربة أمام الآخرين - وخاصة اذا كنت ستروي ذاتك - فإن مواجهة الذات وبعثرة مخزونها علي الملأ قد يكون من أشد الأشياء إيلاما للنفس ، مع إدراكنا بتلك المناطق السوداء ، التي لا نحب لأحد أن يرتادها غيرنا ."
وإذا كانت الرواية تتمحور حول " نداء " الشخصية الحنثى فإن ذلك لم يمنع الكاتبة ثريا نافع من تشريح الجسد العربى والكشف عن أمراضه النفسية والجسدية ، الثقافية والسياسية ولابد من الإشارة إلى بداية نداء لأن البدايات تؤثر على النهايات كما تقول الكاتبة على لسان والد نداء - مبروك علينا ياساشا ، أخيرًا جاء من سيحمل اسمي ، ويحافظ علي أخته من بعدي ، ومرة أخري تعالت زغاريد صديقات أمي الدافئة الحنون ، وازدان وجه الوالد بابتسامة مضيئة ، رغم جهامة وجهه وعبوسه الدائم ، وهو يحملك عاريا بين يديه لا يسترك شيء ويهمهم وهو يتأملك : أتيت للدنيا في يوم حزين يا نداء .
ولا شعوريا اتجه بعينيه متفاخرًا ليتأمل عضوك الذكري ، ولكنه سأل الداية فجأة :
- هل الولد طبيعي يا أم أحمد ؟
- ردت : نعم بالطبع !
-
- هل أنت متأكدة ؟ إن عضوه يكاد أن يكون مختفيا ؟
- طبيعي إن شاء الله .. بعض الأولاد يولدون وأعضاؤهم صغيرة ، لكن يصبحون فيما بعد طبيعيين .. لا تخش شيئًا .. ولا تحاول أكل البشارة علي ..

لقد عالجت الكاتبة قضية الخنثى ليس بمفهوم الإختلاف عن الاخرين ، رصدت الكاتبة معاناة نداء وهو الشخصية المحورية من خلال علاقاته بالاخرين الذين لم يغفروا له هذا الإختلاف الجسدى الذى يجعله مرة رجلا تلبية لرغبة الأب ومرة إمرأة ومن ثم يتعرض نداء فى المؤسسة التعليمية من محاولة الإبيزاز الجسى من قبل ناظر المدرسة ولاتنسى الكاتبة أن تكشف عن التناقضات التى ترزح تحتها المؤسسات ، إن المجتمع العربى يتعامل بقسوة ، رحلة العناء التى بكابدها نداء بسبب اختلاف لا ذنب له فيه لكن الكاتبة لاتقف عند هذه الأزمة بل تتسع معالجة الأزمة المجتمعية إلى حد نقد الواقع العربى
تتعدد ضمائر السرد فى الرواية مرة ضمير السارد الغائب العليم ببواطن الأمور ومرة يكون السرد بضمير المتكلم على لسان نداء
مما ييضفى عليه نوعا من الحميمية ، فى هذا المقطع يتكلم نداء " عندما بلغت السادسة من عمري كنت أعاني من رقة مفرطة في الطبع والروح .. رقة لا تتناغم مع طفل يشق الغبار .. ويشاكس طواحين الهواء ، وها هو يخاطب الأشباح وأشباه الرجال .. واختلال يعبث بروحي لا أفهمه ، وآلام جسدية تلم بي بين الحين والآخر ، ولكني بشكل عام صرت أفضل من ذي قبل ، أصبحت أخرج من البيت لأمشي علي غير هدي .. أستكشف ماحولي ماضيا عبر الأزقة الضيقة .. أمسح بيدي علي الجدران القديمة لمدينتي حتي أجد أطراف أصابعي وقد تشققت ، فألعق دماء مدينتي " بيت لحم " المدينة النبيلة الكريمة الشامخة " بيت الإله لاحاما" كما تذكر ألواح تل العمارنة .. مدينتي الخصبة التي تقبع تحت قدمي مدينة القدس مسقط رأس المسيح عليه السلام ، تنتشر فيها حقول القمح والشعير والزيتون والكروم . " كانت سحر أختي تصر علي تلقيني هذا الجزء التاريخي " منزلنا القديم الذي يقع وسط الحارات المتراصة والشوارع الضيقة يبهرني ، يلهب روحي ، ويناديني للمشي قربه وحوله .. غير مبالٍ بالأطفال من حولي يتضاحكون ويتصايحون ويتعاركون وأنا أنظر إليهم مذهولاً ..
لم أتشاجر مع أحدهم البتة من قبل ، لم أحاول حتي أن أستفز من قبل أي واحد منهم ، خاصة أولئك الذين اعتادوا أن ينعتونني بـ " نداء البنوتة "
حين نحاول دفن عيوبنا تحت التراب ونظن بذلك أننا قضينا عليها
ونكتشف بعد ذلك أنها مازالت موجودة وقائمة ولاتعدو المحاولة عن مجرد الإخفاء ويصبح الجلاء هو الكفيل الذى يخلصنا من التناقضات التى تنخر فى واقعنا ، وليس الجسد سوى المدخل لرؤية عيوبنا التى يتشابك فيها السياسى مع الثقافى مع الإجتماعى ومن ثم لجأت الكاتبة إلى الرواية. وقد يعود ذلك إلى أن الرواية فضاء واسع يعطى الحرية بعيدا عن قيود الزمان والمكان كما أنها ملحمة ذاتية يستطيع فيها الكاتب تصوير العالم على طريقته الخاصة , من خلال الرواية يستطيع الكاتب أن يعرى ذاته كما أنها تستوعب التفاصيل ويتم تذويت اللغة أى تصبح اللغة مرادفة لذات الكاتبة , الإحصائية تقول إن 80% مما يترجم إلى اللغات العالميةمن الادب العربى روايات و80% من هذه الروايات روايات نسائية
ومن ثم كان للرواية نصيب الأسد من كتابات المرأة
ومن خلال مناجاة نداء مع ذاته تكشف الكاتبة عن قيمة الأنثى دون أدنى شعور بالدونية كما جاء على لسان نداء
" وهي التي تضيئني بإحساس من قال بأني أريد دحر الأنثي داخلي ، بريء ، وتشعرني بآلام الآخرين وأحزانهم ؟! هذا ما كنت أود الصراخ به ، لكنني ضبطت نفسي ، وقمعتها أكثر من مرة ، فكلما انفجرت مساحة من الصمت بين حديثهما ، هممت بالصرخة ، لكني سرعان ما أخرسها وأكتمها في عروقي حيث إنني الوحيد الذي أعلم أني اتصرف بسلوك أنثوي معين لا أكون مدفوعًا له ، والغريب أنني لا أشعر في قرارة نفسي أنه تصرف خاطئ ، لأنه كان يحدث في نطاق ضيق ، وبشكل غير متعمد ، وبشعور فطري كالميل إلى ملابس البنات مثلاً والوقوف أمام المرآة لتأمل تفاصيل وجهي الناعم ، وأمنياتي بأن أكون بنتًا جميلة ،
لقد نجحت الكاتبة فى نسج تراجيديا انسانية يتخللها هذه القدرة الرائعة فى رسم شخصية نداء من خلال لغة تتسم بفنية رائعة تقترب أحيانا من الشعر ومن ثم جاءت رواية فضاء الجسد للكاتبة ثريا نافع جديدة فى قيمتها المعرفية والجمالية ، وأحسب أن رواية فضاء الجسد من الروايات المهمة خلال العشر سنوات الأخيرة

عامر العظم
07/10/2006, 06:11 PM
الأستاذ ربيع مفتاح،
المترجم والناقد والقاص...
حدثتني الكاتبة الشقية ثريا نافع مؤخرا عن صدور روايتها الجديدة، التي عرفت أسمها الآن!، وطلبت منها أن تكتب تعريفا عن هذه الرواية ونشرها ضمن باب "تعريف بكتاب"بغية تعريف أعضاء الجمعية بها ووعدتني بإرسال نسخة لي.
نبارك لها صدور هذه الرواية..

ربيع مفتاح
08/10/2006, 01:23 AM
الكاتب والمترجم الكبير / الأستاذ عامر العظم
أسعد الله أوقاتك بكل خير
أشكرك على اهتمامك بما كتبته عن رواية المبدعة ثريا نافع ، وأنا سعيد جدا بالإنضمام لهذا الملتقى الرائع كما أتمنى إن كان فى الإمكان كتابة اسم عضويتى باللغة العربية مع ماهو مكتوب باللغة الإنجليزيه وسوف أرسل صورتى عسى أن تجد مكانها
أتمنى دوام التواصل وسعيد جدا معكم
ربيع مفتاح

wataadmin
08/10/2006, 02:04 AM
الأخ العزيز ذ. ربيع مفتاح،
تم تغيير كتابة الاسم من الحروف اللاتينية إلى العربية، نزولا عند رغبتك، ليصير على نحو ماترى الآن في جميع مشاركاتك. علما بأنكلمة المرور بقيت هي نفسها.
تحايا

محمد نجيب العمامي
05/11/2006, 09:24 PM
الدكتور ربيع مفتاح
أشكرك على هذا التقديم. وأنوّه بدقّتك العلميّة التي نأت بك عن الوقوع في الخطإ. فالرواية تطرق موضوعا جديدا ولكنها ليست الوحيدة التي تعرض لموضوع الخنثى. فقد سبق للروائيّة والقاصّة التونسيّة مسعودة أبو بكر أن أصدرت رواية "طرشقانة" وهو اسم خنثى.
كان بودّي لو وثّقت للرواية من جهات النشر ومكانه وتاريخه.
شكرا ودمت بخير

محمد نجيب العمامي
07/11/2006, 09:57 PM
شكرا على هذا التوضيح المهمّ.

اشرف الخريبي
09/11/2006, 09:35 PM
الصديق الغالى والرائع استاذ ربيع مفتاح
فضاء الجسد بين الجلاء والإخفاء

رائع دراستك وقيمة وبديع ان التقى بك هنا فمرحبا بتواصلنا ثانية

محبتى
اشرف الخريبي