المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبو فلوس يخسر فلوسه



كاظم فنجان الحمامي
30/07/2009, 02:33 AM
أبو فلوس يخسر فلوسه



نشر الموضوع في جريدة الزمان بعددها 3357 في 28/7/2009


كاظم فنجان الحمامي

أقتصر عملي هذه الأيام على قيادة السفن الساحلية المحملة بالبضائع العامة, وإرشادها عبر مسالك شط العرب, وممارسة الملاحة الداخلية في فردوس مائي جميل. يمتد من جزيرة (أم الرصاص) إلى ميناء (المعقل), ويحتضن النوارس المغردة, فتزينه بألوانها الثلجية النقية. وتزدهر بساتين النخيل فوق أكتاف الضفاف الخضر, فتنثر عليها عطرا جنوبيا يمتزج بأريج حبوب اللقاح وشذى أزهار الدفلى, وسنحت لي الظروف مشاهدة السفن والمراكب, وهي تقتحم سكون المياه العذبة, فتلقي مراسيها المتعبة في الجوار, وتتوقف في رحاب ميناء (أبو فلوس), الذي اتخذ لنفسه موقعا تجاريا فريدا. وكان, حتى وقت قريب, الملاذ الملاحي المفضل عند أرباب خطوط الشحن النهري, وتكاد تتفجر أرصفته بالنشاط والحيوية, وتزدحم ساحاته بالشاحنات. فارتفعت وتيرة وارداته المالية, وكثرت (فلوسه), وتحسنت أحواله, واستعاد عافيته بسرعة, وتزايدت أحجام الحمولات المفرغة على أرصفته. وسجل أرقاما قياسية بفضل نشاط مديره الشاب, ونظرته الثاقبة, ومتابعته الحثيثة, ورغبته بالارتقاء بمستوى الأداء نحو الأفضل, وتبسيط الإجراءات المينائية, ونجاحه في انجاز مجموعة من الأعمال الهندسية التطويرية. اشتملت على إصلاح سطوح الرصيف الأول, وإنشاء محطة كبيرة لتحلية المياه, وتنظيم الطرق والساحات الداخلية, بيد انه ما كل ما يتمنى هذا المدير الواعد يدركه, فقد جرت الرياح بعكس ما يشتهي. وتوجهت السفن على حين غرة إلى ميناء (المعقل), مفضلة الابتعاد عن ميناء (أبو فلوس), على الرغم من مشقة الطريق إلى (المعقل), وعلى الرغم من خسارة السفن لعامل الوقت, وتحملها نفقات الوقود اللازم لقطع المسافات المضافة, ومرورها بالمسالك الملاحية المتعرجة, وخضوعها للتعقيدات المترتبة على فتح (جسر التنومة) العائم. وصار ميناء المعقل ميناءا جاذبا للسفن, وتحول ميناء (ابو فلوس) إلى ميناء طارد لها. وخسر (ابو فلوس) فلوسه كلها بسبب المعاملة القاسية, التي تمارسها التشكيلات الطفيلية المنتشرة في موانئنا, والتي لا هم لها سوى فرض الرسوم الظالمة, وجني المزيد من الأرباح. غير عابئة بما ستئول إليه أحوال موانئنا. وتجدر الإشارة إلى إن هذه التشكيلات لا تنتمي إلى سلطة الموانئ العراقية ولا ترتبط بها. لكنها تمارس اللهو والعبث داخل الحرم المينائي مستظلة ببعض الأحكام واللوائح البالية, فتتصرف على هواها في الضغط على زبائن الميناء وابتزازهم, وإرهاق ميزانياتهم بالرسوم الثقيلة. ومن المرجح إن هذه العدوى الطفيلية ستنتقل إلى ميناء المعقل لكي تنشر فيروساتها التخريبية هناك, وتستأنف حملتها الغبية الرامية إلى طرد السفن من موانئنا. ومن المؤسف أن تستمر هذه الممارسات على هذا الإيقاع الجائر من دون أن تتدخل الجهات المشرفة على تلك الكيانات المتخلفة, وتوصيها بوجوب التناغم مع سياسة سلطة الميناء, وتطلعاتها المستقبلية. .
والغريب بالأمر إن الكثير من المؤسسات الرقابية والإعلامية لا تميز بين الواجبات المحدودة لإدارة الميناء, وبين الصلاحيات المفتوحة للتشكيلات غير المرتبطة بوزارة النقل. فالمراكز الجمركية (مثلا) تابعة لوزارة المالية, ولجان فحص النماذج تابعة لوزارة الصحة, ومكاتب السفر والهجرة تابعة لوزارة الداخلية, ولجان الحجر البيطري تابعة لوزارة الزراعة. ناهيك عن تشكيلات وزارة التجارة ومكاتبها الموزعة بين مينائي أم قصر وخور الزبير.
ومن نافلة القول نذكر. إنّ الموانئ الخليجية المجاورة ما كانت لتنجح في الارتقاء الى هذا المستوى العالمي المرموق, لو لم تكن قادرة على بسط سيطرتها الكاملة على التشكيلات العاملة في رحابها, وإلزامها باحترام سلطتها المتمثلة بمديرها الرسمي. وهذا هو السياق الصحيح, لذا يتعين على التشكيلات العاملة داخل الحرم المينائي الانصياع لمنطق العقل, والتقيد بتنفيذ توجيهات مدير الميناء, وتطبيق تعليماته, بصرف النظر عن تبعية تلك التشكيلات, وحجم ونوع النشاط الذي تمارسه. .
ان نظام إدارة الميناء يتطابق تماما مع نظام إدارة السفينة. فلكل سفينة ربان واحد فقط, هو قبطانها, وقائدها, والمتصرف بشؤونها, وهو الآمر الناهي, فالسفينة التي لها أكثر من ربان هي سفينة غارقة, بل إنها ليست بسفينة. وهكذا الحال بالنسبة للميناء, الذي ينبغي أن يكون خاضعا لسلطة وقيادة المدير المعين رسميا لهذا الغرض, لأنه سيد الميناء المطلق من دون منافس.
إذن لابد من تقديم المزيد من الدعم والإسناد لمدراء الموانئ, وتعزيز قدراتهم القيادية, ولابد من تحديد واجبات الجهات المتطفلة على عمل الموانئ, والتحري عن أسباب عزوف السفن, ومحاسبة التشكيلات العابثة, وتحميلها مسئولية ضياع فلوس (أبو فلوس). .