المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مع الاستاذ نجيب الخفاف وسيرة رجل تربوي موصلي



ابراهيم خليل العلاف
30/07/2009, 07:53 PM
مع الأستاذ نجيب الخفاف وسيرة رجل تربوي موصلي

أ.د. إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل

قد نكون مقصرين في حق أستاذنا نجيب الخفاف .. أو قد أكون أنا مقصرا في حقه ، إذ كتبت عن الكثيرين من رسل التربية والتعليم والفكر والثقافة في مدينتنا الموصل الحدباء ..وفي كل مرة نتحاور أنا وأخي الأستاذ احمد سامي ألجلبي رحمه الله ، ويرد ذكر نجيب الخفاف وما قدمه لعالم التربية والتعليم في الموصل وفي العراق وضرورة إعطاء الرجل حقه من الذكر الحسن .. المهم أنني حاولت تلافي التقصير ، مع أن الأستاذ الخفاف لم يدرسني شخصيا لكنه زارني عندما كنت مدرسا ومديرا لمتوسطة فتح ( ثانوية الشورة حاليا ) . وقيمني أحسن تقييم كما سوف افصله لاحقاً .. تلافيت النقص، عندما طلبت من تلميذتي النجيبة في الدراسات العليا بقسم التاريخ _ كلية التربية ( بيداء سالم صالح عزيز البكر) أن تتحدث عن نجيب الخفاف وتذكر بدوره في تطوير حركة التربية والتعليم في الموصل عند أعدادها لرسالتها الموسومة: ( التعليم في الموصل:1958 ـ1968 دراسة تاريخية ) وقد نوقشت الرسالة ، وحازت درجة عالية ، وفي هذه الرسالة أفردت بيداء جانبا من رسالتها لمن كان لهم دور في هذه المرحلة ووقفت عند نجيب الخفاف رحمه الله وقالت انه ولد في الموصل سنة 1920 ، وقد تلقى علومه الأولية في الكتاب فتعلم القران الكريم والقراءة وشيئا من الحساب ، وبعدها دخل مدرسة الوطن الابتدائية خلال العام الدراسي 1935 _ 1936 وتخرج فيها ليلتحق بالمتوسطة الشرقية وسافر إلى بغداد سنة 1941 ودخل دار المعلمين العالية ( كلية التربية ) بعد إنهاءه الدراسة الثانوية واختار قسم الاجتماع وحصل على الليسانس ( البكالوريوس فيما بعد ) سنة 1944 .
عمل في مدارس متوسطة وثانوية كثيرة منها انه عين سنة 1945 بعد تخرجه مدرسا في ثانوية النجف ثم نقل إلى المتوسطة الغربية في الموصل سنة 1946 وكان مديرها آنذاك الأستاذ إبراهيم حسيب وكان من الطبيعي على عادة تلك الأيام أن ينتقل الأستاذ بين مدرسة وأخرى لغرض تعميم الفائدة منه وتدريبه ومعرفته لكل مستويات التلاميذ والطلبة فمن المدارس التي عمل فيها الخفاف ، متوسطة المثنى ومتوسطة الحدباء والإعدادية المركزية وقد عرف عن الخفاف عندما كان مدرساً ، تمكنه من المادة ، واقصد الجغرافية والتاريخ ، واهتمامه بالوسائل التعليمية وتعويده الطلاب على التفكير والمناقشة ومحاورة الأستاذ . كما كان دقيقا حريصا على الوقت مع رغبة عارمة في أن تكون للطلاب شخصية مستقلة واعية بكل ما يدور حولها من أحداث .
عرف الأستاذ الخفاف بتوجهه العروبي- الإسلامي ، لذلك فقد تم بعد فشل حركة الشواف المسلحة في الموصل في آذار 1959 ، تجميده وظيفيا ومنعه من التدريس بأمر من اللجنة المسؤولة عن إدارة التربية والتعليم في لواء الموصل وبعد شهرين الغي التجميد فأعيد إلى العمل وممارسة مهنة التعليم مرة أخرى ..
وفي مطلع الستينات من القرن الماضي ، ونظرا لما تميز به من قدرات كبيرة في مجال التعليم والتربية ولسمعته الطيبة ، فقد أصدرت وزارة التربية قراراً بتعيينه مديرا للتربية في كركوك وقد بقي هناك طيلة العام الدراسي 1964 _ 1965 ، ثم عاد إلى الموصل بعد أن جرت عملية تبادل بينه وبين الأستاذ عبد المحسن توحله مديرمعارف( تربية )نينوى والذي انتقل إلى كركوك ليعمل مديرا للتربية هناك ، ويعين الخفاف مديرا لتربية الموصل . وقد ظل في منصبه حتى تشرين الأول سنة 1968 .
أصبح الخفاف بعد خروجه من منصب مدير تربية الموصل مشرفا (مفتشا) تربويا اختصاصيا لمادة الاجتماعيات ( التاريخ والجغرافية ) وظل هكذا طيلة عامين إذ طلب إحالته على التقاعد ، ومن الوقائع التي لا أنساها في حياتي انه زارني عندما كنت اعمل مدرسا ومديرا لمتوسطة فتح في الشورة بعد بضعة أشهر من تعييني ، فلقد عينت في 9 آذار 1969 وزارني في 21 تشرين الاول 1970 وكتب عني تقريرا ، ومما قاله في هذا التقرير ، ( انك مدرس ناجح جدا رغم حداثة عهدك في المهنة ، وأؤمل أن تكون في المستقبل أكثر نجاحا في عملك . أرجو أن تستمر على خطتك المختارة هذه في عملك ، مع ضرورة تهيئة الخرائط اللازمة عن طريق النشاط اللاصفي .. أرجو لك كامل الموفقية )) توقيع المفتش ألاختصاصي نجيب الخفاف وقد أرسل إلى التقرير باعتباري مديرا بموجب كتاب ( مديرية التربية والتعليم لمحافظة الموصل .. ذاتية الثانوي ) المرقم 20102 في 10 كانون الثاني 1970 ، وكان الأستاذ عبد القادر عز الدين مديرا للتربية في الموصل آنذاك ..
لقد فرحت بالتقرير كثيرا ولا زلت محتفظا به ، ولفت انتباهي انه يطلب مني إعداد الخرائط عن طريق النشاط اللاصفي ، لأنه اكتشف بأنني أعددت الخرائط التي وجدها منتشرة على جدران الصف في تلك المدرسة القروية الفتية والتي لم يمض على تأسيسها سوى بضعة أشهر ، بنفسي وليس من خلال الطلاب في ساعات النشاط اللاصفي ، ويقينا أن كلماته الطيبة تلك كانت حافزة لي على السير في طريق التربية والتعليم وخدمة الأجيال ، ومما زاد في قيمة كلماته معرفتي من بعض تلاميذه وزملائه انه لم يكن من الذين يكثرون من إطراء الآخرين بل وكان معروفا بصراحته وجديته عندما كان مدرسا وبعد أن صار مديرا للتربية ومفتشا تربويا .. وقد ظلت صورة الخفاف في ذهني حتى يومنا هذا بقامته المديدة وصوته الجهوري وهندامه الأنيق وثقافته الواسعة وحبه لمهنته واعتزازه بشخصيته وحرصه على أن يكون طلبته في الموقع المتميز الذي يبغيه لهم ، توفي رحمه الله في اليوم الخامس من رمضان1415هـ الموافق ليوم15 شباط1994م.
رحم الله الخفاف ، فقد كان مربيا فاضلا وإنسانا نبيلا خدم وطنه في ميدان يعد من اشرف الميادين في الدنيا .. ذلك هو ميدان التربية و التعليم..