المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القضية الفلسطينية .. شجون وأشجان ج1 : د / لطفي زغلول



لطفي زغلول
06/08/2009, 06:24 AM
القضية .. شجون وأشجان
الجزء الأول
د / لطفي زغلول – نابلس

السياسة في الوطن الفلسطيني المحتل ذات شجون وأشجان . أما أنها ذات شجون ، فإن شجونها كثيرة كثيرة . أما شجانها فهي لا تعد ولا تحصى . شجونها تدور في أفلاك الدولة الفلسطينية من منظور فلسطيني . عدم اعتراف إسرائيل بحق العودة . الأسرى الفلسطينيون في سجون الإحتلال الإسرائيلي . تكريس الإستيطان بشكل عام قائم على مصادرة الأراضي الفلسطينية . جدار الفصل العنصري الذي قارب على الإنتهاء .
ما يسمى البؤر الإستيطانية العشوائية . الحواجز الأمنية الإسرائيلة التي تحاصر التجمعات السكنية الفلسطينية . الإجتياحات العسكرية الليلية والنهارية المستدامة . تعنت الحكومة الإسرائيلة برفضها تجميد الإستيطان . تهويد القدس والمخاطر التي تتهدد المسجد الأقصى المبارك . الضغوطات الأميركية غير الجادة على إسرائيل . وأخيرا وليس آخرا رفض الحكومة الإسرائيلة الإعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة كاملة عاصمتها القدس .
ولنبدأ بها واحدا واحدا .الدولة الفلسطينية من منظور فلسطيني تشكل الحد الأدنى لمطالب الشعب الفلسطيني . إنها دولة حدودها الرابع من حزيران / يونيو 1967 . إنها دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على أراضيها ومعابرها ، وأجوائها ، ومياهها ، وكل ثرواتها المعدنية الأخرى الظاهرة منها أو الباطنة ، طاهرة مطهرة من كل أشكال الإستيطان ، عاصمتها القدس الشريف . وهذا حق للشعب الفلسطيني ، يشكل الحد الأدنى من مستحقات القضية ، لا منة من أحد .
حق العودة حق مقدس للشعب الفلسطيني الذي ما زال يرزح في مخيمات الشتات . لقد هُجّر الفلسطينيون من أراضيهم ، وأبعدوا قسرا عن ممتلكاتهم ومدنهم وقراهم ، منذ العام 1948 ، أي عام النكبة التي يحاول الإسرائيليون أن يطمسوا ذكرها . لقد كفلت الأمم المتحدة ممثلة الشرعية الدولية عبر قرارها الصادر عنها رقم 194 هذا الحق للفلسطينيين الذين يصرون على تطبيقه مهما تقادم الزمن عليه ، في حين أن الحكومات الإسرائيلة أيا كان لون طيفها السياسي تتجاهله وتصر على رفضه وعدم الإعتراف به .
ويتساءل الفلسطينيون في الوطن والشتات : عن أي سلام يجري الحديث عنه ، وهنالك ما ينوف عن أحد عشر ألف أسير في سجون ومعتقلات الإحتلال الإسرائيلي ؟ . وما هو المبرر القانوني والأخلاقي لاستبقائهم خلف قضبان هذه السجون والمعتقلات ؟ . أما الإدعاء بأنهم ارتكبوا جرائم ضد الحق العام ، وأن أيدي بعضهم ملطخة بالدم فهو لاغ وباطل لا أساس له من المصداقية . إنهم أسرى حرية الشعب الفلسطيني ، وهم أحد أهم همومه وأشجانه ، ولا يتصورون أي سلام بدون تحريرهم .
فيما يخص الإستيطان الإسرائيلي ، فقد دأبت الحكومات الإسرائيلية أيا كان لون طيفها السياسي ، منذ أن وطئت أقدام الإحتلال الإسرائيلي ما تبقى من الوطن الفلسطيني على إقامة المستوطنات في خيرة الأراضي الفلسطينية التي صادرتها علانية من أصحابها الشرعيين .
وإن أهم هذه المستوطنات ما أقيم على التلال الفلسطينية . ولإسرائيل أهداف وغايات استراتيجية ، أهمها الإشراف على القرى والبلدات الفلسطينية ومحاصرتها . واليوم وبعد ثلاثة وأربعين عاما على الإحتلال الإسرائيلي ، هناك ما ينوف عن الثلاثمائة مستوطنة ، باستثناء ما تسميه إسرائيل مستوطنات عشوائية تجاوز تعدادها المائة بؤرة استيطانية .
فيما يخص ما تسميه إسرائيل بؤرا إستيطانية عشوائية ، فلإسرائيل غايات وأهداف تتمثل في إيهام العالم أنها غير شرعية ، وأنها تعمل على تفكيكها . وحقيقة الأمر أن الفلسطينيين يعتبرون كافة أشكال الإستيطان غير شرعية ولا قانونية ، ولا يفرقون بين عشوائية وغير عشوائية ، ويطالبون بتفكيكها ، كونها قد أقيمت على أراض فلسطينية مصادرة ومغتصبة .
وفي هذه الأيام تتردد نداءات دولية بضرورة تجميد الإستيطان . وبرغم كل النداءات الدولية الجادة وغير الجادة ، فإن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الحالية متعنتة برفضها هذه النداءات ، ومصرة على الإستمرار والمضي في مشروعاتها الإستيطانية . وحقيقة الأمر إن الموضوع لا ينتهي بتجميد الإستيطان ، وإنما بتطهير الوطن الفلسطيني من أدرانه كلية . وتتردد هذه الأيام أفكار مؤداها تجميد الإستيطان مقابل التطبيع العربي مع إسرائيل . وكأن القضية الفلسطينية تنتهي عند هذا الحد من الهراء السياسي . فعن أي تطبيع يجري الحديث للإلتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني ؟ .
وأما جدار الفصل العنصري الذي شارف على الإنتهاء ، فهو أولا وآخرا إستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية ، ومحاصرة عشرات البلدات والقرى الفلسطينية داخله ، وعدم السماح لسكانها بالدخول إليها أو مغادرتها إلا بتصاريح . ونحن هنا لا نري إلا أن نذكر بعدم شرعية هذا الجدار الذي صدر بحقه قرار بعدم شرعيته من محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في لاهاي .
إن الحديث عن الحواجز الأمنية العسكرية له أشجانه . فقد شكلت بكافة أشكالها التي أقامها الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في حزيران / يونيو من العام 1967 ، أحد أخطر أسلحة هذا الإحتلال ، وأشدها شراسة وفتكا ، أشهرها في وجوه الفلسطينيين على مدار الساعة واليوم والشهر والعام ، مستهدفا النيل من روحهم المعنوية ، غير عابىء بكل إفرازاتها الكارثية عليهم ، جاعلا منها رمزا لوجوده العسكري الإحتلالي ، وفارضا إياها بقوة السلاح كعقوبة جماعية مستدامة .
أما أهم أشكال هذه الحواجز فهي :
1- الحواجز المتحركة " الطيارة " ، وليس لها مكان ثابت ، أو زمن محدد .
2- الحواجز الثابتة ، وتكون في العادة على مداخل المدن والبلدات والقرى الفلسطينية .
3- السواتر الترابية ، وتكون في العادة على مداخل القرى الفلسطينية .
4- البوابات الحديدية ، والبلوكات الإسمنتية ، وتكون في العادة داخل المدن ، وبين أحيائها ، او تلك المقامة على جدار الفصل .
5- الحدود والمعابر ونقاط التفتيش الأخرى ، سواء تلك الدولية ، أو الفاصلة مع مناطق الخط الأخضر .
6- الجدار الفاصل ، وهو أخطرها على الإطلاق كون طوله سيبلغ عند إنهاء بنائه ما يزيد عن سبعمائة كم ، وقد أنجز منه حتى الآن عدة مئات من الكيلومترات .
لقد كانت هذه الحواجز وما زالت سببا رئيسا من أسباب إيقاع كافة أشكال الأذى والمكروه والشر والضرر على الفلسطينيين ، وعلى كافة الصعد الجيوسياسية والإقتصادية والتجارية والإجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية والنفسية . وكانت أيضا سببا رئيسا في تدهور أوضاعهم الإنسانية ، ذلك أنها جعلت من كل التجمعات السكانية الفلسطينية كانتونات معزولة عن بعضها ، أو بصحيح العبارة معتقلات " جيتوهات " محاصرة مغلقة ومطوقة .






همسة .....
القضية .. شجون وأشجان
الجزء الثاني
د / لطفي زغلول – نابلس


لا تمحي من ذاكرة الفلسطينيين صورة الإجتياحات العسكرية الإسرائيلية سواء تلك التي تكون في النهار ، وغالبا ما تكون في الليل . وفي حقيقة الأمر ليس هناك وقت معين لها ، إن الوطن الفسطيني بمدنه وبلداته وقراه ومخيماته مستباح من قبل جيش الإحتلال . وكما هو المعتاد تسفر هذه الإجتياحات والإقتحامات والمداهمات عن مزيد من الشهداء والإعتقالات وهدم المنازل بعد تفجيرها .
ولا ينسى الفلسطينيون كيف كانوا يحشرون بالعشرات في منزل واحد ، ولا كيف كانوا يؤمرون للنزول إلى الشوارع هم وأطفالهم في البرد والمطر ، ولا كيف كان أبناؤهم يساقون تحت أنظارهم وهم معصوبو العيون ، مقيدو الأيدي ، ولا كيف كان هؤلاء المساكين يضربون بقسوة وبلا رحمة .
لقد ظلت القدس بالنسبة للفلسطينيين قضية ذات أبعاد متعددة . فإلى جانب كونها عاصمة سياسية لدولتهم الفلسطينية العتيدة التي يصرون أن تتبوأ مكانها على خارطة العالم السياسية ، فهي قبل هذا وذاك عاصمتهم وعاصمة أشقائهم الروحية في العروبة والإسلام . وحسبها أنها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، ومسرى الرسول الأعظم محمد صلّى الله عليه وسلم ومنها عرج إلى السماء .
لقد تمادت السياسات الاسرائيلية كثيرا فيما يخص اغتصاب القدس ، وغذت الخطى في وتيرة تهويدها ، كون هذا الفعل الإسرائيلي لا يلقى أدنى رد فعل عليه من قبل الأنظمة العربية والإسلامية ، لقد أصبحت قضية القدس لا تحتل أدنى مساحة من أجنداتها السياسية أو غير السياسية ، الأمر الذي أضاء ضوءا أخضر مستداما للحكومات الإسرائيلية أيا كان لون طيفها السياسي على مدى ثلاثة وأربعين عاما كي تعمل براحتها على تنفيذ كل مخططات تهويد القدس ، وانتزاعها شبرا شبرا من أيدي اصحابها الشرعيين ، والقيام بتهويدها جغرافيا وديموغرافيا ، ولتصبح إسرائيل قيّمة على مقدساتها التي يفترض أنها وقف لكل المسلمين .
ان قضية القدس والمقدسات الإسلامية تتجاوز كل تراكمات التقصيرات العربية والإسلامية بحقها ، ولا تغيبها من الذاكرة أو تعتم عليها فهي تشكل مساحة شاسعة من التاريخ والتراث والعقيدة . والفلسطينيون وهم جزء لا يتجزأ من الأمتين العربية والإسلامية قد نذروا أنفسهم حراسا وأمناء عليها وعلى مقدساتها . ونضالاتهم على شرفها واجب وشرف لهم وبمثابة رسالة دائمة إلى العرب والمسلمين ، وتذكير وهم على ثقة بأن الذكرى تنفع المؤمنين . وتظل القدس بركانا قد يبدو أنه خامد في أحاسيس أصحابها الشرعيين أينما كانوا ، لكن احتمالات ثورته قائمة على الدوام وليس لها وقت معين .
وأما الحديث عن الأقصى المبارك فها هم الفلسطينيون هذه الأيام يصرخون ويتصدون مرة اخرى . وها هي الحفريات جارية على قدم وساق غير آبهة باحتجاجات الفلسطينيين الذين يستقرئون نذر المخاطر جراءها . إنها استخفاف واستهانة بمشاعر المسلمين في كافة أرجاء العالم ، والأقصى جزء لا يتجزأ من عقيدتهم وتاريخهم المجيد . لقد قصرت الأنظمة العربية والإسسلامية تقصيرا فاضحا بحق الأقصى ، وكأنه لا يعنيها .
إنها النوايا المبيتة للمسجد الأقصى تحديدا ، سواء من تحت أساساته ، حيث الأنفاق المتعددة الإتجاهات والأهداف ، أو سواء من حيث ما يحيط به ، والمقصود باب المغاربة ، وهذه الأعمال الخطيرة التي تقوم بها الجرافات .
ولا تقف هذه الاجراءات العدوانية بحق الأقصى عند هذه الحدود ، فإن ما يسمى " أمناء الهيكل " ما زالوا يقفون للأقصى المبارك بالمرصاد ، يتربصون به ، ويتحينون الفرص للإنقضاض عليه ، بغية هدمه وإقامة " الهيكل " المزعوم عليه ، وهم الذين قد جهزوا ما أطلقوا عليه حجر الأساس ، والذين طالما طافوا به في مدينة القدس تحديا وتهديدا وتوعدا وترهيبا .
منذ أن كان حريق الأقصى المبارك ، لم تتوقف الإعتداءات عليه . فها هي الأنفاق تحفر في أساساته . وها هم المتطرفون اليهود يطالبون باقتسام الأقصى بين المسلمين وبين اليهود . وها هم يوجهون سهام أطماعهم إلى المصلى المرواني . وها هم يقتحمون باحات الأقصى تحت حماية جنود الإحتلال للصلاة فيها .
إنه مسلسل من التحديات لا ينتهي ، يستهدف الأقصى المبارك . إلا أن الأخطر من هذا كله تغاضي الأنظمة العربية والإسلامية عما يجري للأقصى ، الأمر الذي أعطى ضوءا أخضرلمزيد من التحديات التي تنصب عليه وعلى بقية المقدسات الإسلامية الأخرى .
وما زلنا في شجون القضية الفلسطينية . ففي خطابه الأخير في جامعة بار إيلان في مدينة بير السبع ، تحدث بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلة اليمينية المتطرفة عن قضايا كثيرة تهم المصالح الإسرائيلة . وفي حديثه هذا تجاهل كثيرا من القضايا التي تهم الشعب الفلسطيني ، ويعلق عليها آمالا عريضة في استعادة حقوقه .
تجاهل فيما تجاهل حق العودة لأولئك الذين يقبعون في مخيمات الشتات ، والذين أجبروا قسرا وإكراها على ترك أراضيهم ومدنهم وقراهم عام 1948 ، عام النكبة . تجاهل قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف ، ومن باب ذر الرماد في العيون اشترط لقيامها ، إذا كان لا بد أن تقوم ، أن تكون منزوعة السلاح ، وأن تكون أجواؤها ومعابرها الحدودية البرية والمائية ضمن السيطرة الإسرائيلية . وكذلك الحال بالنسبة لمصادرها المائية والمعدنية الأخرى .
وطمأن الإسرائيليين أن القدس سوف تبقى موحدة ، وعاصمة أبدية لإسرائيل . وأن المستوطنات سوف تبقى فيما أسماها يهودا والسامرة . وفي طرحه هذا تجاهل الشعب الفلسطيني وما له من استحقاقات لا تسقط وإن تقادم الزمن عليها . هذا الشعب الذي بدونه وبدون استعادة حقوقه لن يكون هناك أي سلام .
وأخيرا لا آخرا يتبقى اثنان من شجون القضية الفلسطينية . الأول يخص العلاقات الأميركية الإسرائيلة . إذ يخطىء من يظن أن عهد الرئيس الحالي باراك أوباما يختلف عن عهد سابقه جورج دبليو بوش . إلا أن لكل واحد منهما أسلوبه في التعبير عن علاقته بإسرائيل . ويقينا إن ما يسمى بالضغوطات على إسرائيل فيما يخص الإستيطان وحل الدولتين واستحقاقات خارطة الطريق هي في حقيقتها غير جادة ، ولعب في الوقت الضائع ، ونرجو أن نكون مخطئين .
أما ثاني هذه الشجون فهو يخص الأنظمة العربية التي كانت القضية الفلسطينية تتبوأ سلم الأولوية في أجنداتها السياسية . إلا أنها ومع الأيام لم تعد كذلك ، وقلبت هذه الأنظمة لها ظهر المجن ، وتحولت إلى قضية شؤون إجتماعية وإنسانية .
لقد صمت الصوت العربي عن تهويد القدس ، والمكائد التي تحاك ضد المسجد الأقصى المبارك ، والإستيطان الذي افترس الوطن الفلسطيني ، وترك الفلسطينيون يواجهون آلات البطش العسكرية ليلا نهارا ، وعلى مدى ثلاثة وأربعين عاما ، ومن قبلها أعوام النكبة التسعة عشر .
هذه هي شجون القضية الفلسطينية ، أو لنقل هي جزء منها . أما أشجانها ومآسيها وآلامها وأحزانها فكثيرة لا تعد ولا تحصى . إن الوطن الفلسطيني محتل محاصر مستباح ، ولا تلوح في آفاقه أية بادرة لأية حلول سياسية تعيد له حقوقه المشروعة . إنه ما زال في مرافىء التيه والسراب . لعل غدا آخر يلوح في أفقه ، ولعل شمسا أخرى تشرق على أيامه .