الدكتور شاكر مطلق
08/08/2009, 02:03 PM
يَانغْ _ يِنْغْ
د. شاكر مطلق
مفهوم هام هو مفهوم ( اليانغ والينغ ) الذي نصادفه كثيراً في أدبيّات الشرق الأقصى إلى جانب مفاهيم بسيطة - معقدة مثل ( كارما ) ومفهوم ( النّيرفانا – الزن – الطاوية إلخ ... وبخاصة في الهند والصين واليابان وغيرهم الكثير .
ولا يحسبنّ أحد أن هذا المفهوم وغيره هي مجرد مفاهيم دينية فقط ، سواء كانت
( بوذية ) _ الصين _ أو ( شينتوئية ) _اليابان _ أو مفاهيم نظرية موجودة في الكتب و أديرة الرهبان والصوفية فحسب وإنما هي مفاهيم قابلتُها في بلادهم هناك : الهند _ الصين _ اليابان وحتى تايلاند وغيرها تعيش فيهم وتتحكّم بالكثير من ممارسات حياتهم اليومية .
باختصار تام هي طاقة الأضداد : الذكر / الأنثى ، الساخن / البارد ، القمر / الشمس ...إلخ والتي تفضي _ حسب ما فهمت وحسب ما أرى _ إلى حالة ( التوازن ) أي تصالح الأضداد.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تمثل ذروة تقنية ، فإنها بالتأكيد لا تمثل ، على الصعيد الإنساني ، إلاَّ قزماً صغيراً ، بخلاف الصين واليابان مثلاً وهما من الدول الصناعية الهامة دون ريب .
عندما كنت طالباً في ألمانيا الاتحادية ( الغربية سابقاً ) أردت شراء جهاز ( راديو ) صغير _ وكان الجهاز الألماني مرتفع الثمن جداً بالنسبة لجهاز آخر جميل أردت شراءه بسبب سعره المناسب ، مما دفع بالبائع إلى تنبيهي _ بابتسامة غامضة _ إلى أن الجهاز من صنع اليابان .
كان ذلك قبل أكثر من أربعة عقود وكان نجم القزم الصناعي – حسب نظرتهم - اليابان آخذاً بالصعود حتى وصل إلى ما نعرفه اليوم من عملقة صناعية هامة ، وحضارية أيضاً .
القيصر ( ميجي ) _ وهو شاعر قصيدة ( تانكا ) شهير وكذلك زوجته _ هو من أدخل يابان القرون الوسطى المتقدمة أدبياً وبخاصة شعرياً ( قصيدة الهايكو ) إلى المعاصرة والتقدم وهو بطل الحرب الروسية / اليابانية من عام 1905 : ( اعبري بسلام سرب الإوزات
البريّات فأنت في حماية اليابان ) ، غير أن هذا التطور التقني الهائل لم يقض _ كما يشاء سيد العولمة الآن ( العم سام ) _ على التراث والقيم الموروثة عندهم التي يتمسكون بها دوماً سواءً في حياتهم الشخصية أو في العمل حيث يجب على المسؤولين والمدراء ، للوصول إلى حالة
( التوازن ) إياها ، معاملة مرؤوسيهم بشكل إنساني يعود على الإنتاج والمجتمع بالفائدة ، لهذا كانوا يتدربون في دورات خاصة على ذلك ويلعبون ما يشبه ( الغمّيضة ) عندنا ويرقصون معاً كالأطفال ، يتقشفون جداً ، ويدخلون معاً في طقوس هادئة في مياه نهر بارد جداً _ شبه عراة _ دون أن يُسمح لهم إلاّ بالأنين قليلاً ليشحنوا بطاريات الروح والجسد ويعودوا إلى أعمالهم أكثر نشاطاً وإنسانية بعد أن يكونوا قد توصلوا إلى حالة من ( النّيرفانا ) أو ( الكارما ) واستوعبوا طاقة وأهمية ( الينغ واليانغ ) _ كما أرى . إنه المجتمع الحي الذي يعمل بجد وهدوء من أجل بناء حياة متطورة ولكنها منسجمة مع تراثهم وقيمهم الروحية .
في أحد أحياء ( طوكيو ) الشهيرة رأيت أحدهم يشد على حبل فيُقرَعُ ناقوسٌ معلّق عليه. سألت عن الأمر ، فأجابوا أنه بذلك يسعى إلى أن يوقظَ الآلهة لسماع رغباته أو شكواه .
صحيح أن آلهتهم تنام ولكن بعين نصف مغمّضة ، تعلّمهم أن يكونوا بشراً جادين ومتواضعين وصادقين مع أنفسهم ومع الغير أيضاً ،بخلاف تعاليم اليهود في التعامل مع الغرباء.
القيصر الياباني" التّينو " كان يمثل إله الشمس عندهم حتى نهاية الحرب الكونية الثانية حيث منعت أميريكا المنتصرة استعمال هذا اللقب ومنعت النشيد الوطني الياباني الذي يقول : ( فليدم حكمك عشرة آلاف عام ... ) والذي أنشده الأطفال ، بالرغم من المنع ، عندما ارتحل القيصر الأب هيرو هيتو. أما القيصر الحالي _ آكي هيتو _ فقد خطب فينا قبل زمن طويل كان فيه ولياً للعرش في مؤتمر عالمي عيني في المدينة الجميلة والعاصمة السابقة لليابان (كيوتو) بكلمات هادئة معبرة قصيرة تنمّ عن التواضع والمعرفة . وقبل ذلك بزمن طويل كنت قد شاهدت والده القيصر المرتحل( هيرو هيتو ) وهو يدخل ومساعدوه بتواضع وهدوءٍ وأدبٍ مفرط ٍ ، بجسمه الضئيل النحيل ونظارته المستديرة معهد ، أمراض المناطق الحارة في مدينة هامبورغ _ شمالي ألمانيا_ وكنت يومها أتمرن طوعياً هناك _ يدخل ليقدم اكتشافه لنوع جديد من الحلزون أُدرج في اللوائح العلمية باسمه .
إنه البحث الدؤوب على دروب المعرفة ، ببساطة وتواضع وجدٍّ وبعمل مشترك بعيد عن( الأنا ) المفرطة ، هوالذي أدى بهم إلى التطور الهائل في مختلف مجالات الحياة ، ناهيك عن الإخلاص والأمانة في العمل _ بشكل عام طبعاً _ مع التمسك بالقيم وبالموروث برغم التقدم في التقنيات الهائلة الضاغطة على الجسد والروح .
هلاَّ تعلمنا _ إذن _ أن نطلب العلم والإخلاص والتواضع ولوفي اليابان ؟! ...
==========================================
حمص _ سورية
د. شاكر مطلق
مفهوم هام هو مفهوم ( اليانغ والينغ ) الذي نصادفه كثيراً في أدبيّات الشرق الأقصى إلى جانب مفاهيم بسيطة - معقدة مثل ( كارما ) ومفهوم ( النّيرفانا – الزن – الطاوية إلخ ... وبخاصة في الهند والصين واليابان وغيرهم الكثير .
ولا يحسبنّ أحد أن هذا المفهوم وغيره هي مجرد مفاهيم دينية فقط ، سواء كانت
( بوذية ) _ الصين _ أو ( شينتوئية ) _اليابان _ أو مفاهيم نظرية موجودة في الكتب و أديرة الرهبان والصوفية فحسب وإنما هي مفاهيم قابلتُها في بلادهم هناك : الهند _ الصين _ اليابان وحتى تايلاند وغيرها تعيش فيهم وتتحكّم بالكثير من ممارسات حياتهم اليومية .
باختصار تام هي طاقة الأضداد : الذكر / الأنثى ، الساخن / البارد ، القمر / الشمس ...إلخ والتي تفضي _ حسب ما فهمت وحسب ما أرى _ إلى حالة ( التوازن ) أي تصالح الأضداد.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تمثل ذروة تقنية ، فإنها بالتأكيد لا تمثل ، على الصعيد الإنساني ، إلاَّ قزماً صغيراً ، بخلاف الصين واليابان مثلاً وهما من الدول الصناعية الهامة دون ريب .
عندما كنت طالباً في ألمانيا الاتحادية ( الغربية سابقاً ) أردت شراء جهاز ( راديو ) صغير _ وكان الجهاز الألماني مرتفع الثمن جداً بالنسبة لجهاز آخر جميل أردت شراءه بسبب سعره المناسب ، مما دفع بالبائع إلى تنبيهي _ بابتسامة غامضة _ إلى أن الجهاز من صنع اليابان .
كان ذلك قبل أكثر من أربعة عقود وكان نجم القزم الصناعي – حسب نظرتهم - اليابان آخذاً بالصعود حتى وصل إلى ما نعرفه اليوم من عملقة صناعية هامة ، وحضارية أيضاً .
القيصر ( ميجي ) _ وهو شاعر قصيدة ( تانكا ) شهير وكذلك زوجته _ هو من أدخل يابان القرون الوسطى المتقدمة أدبياً وبخاصة شعرياً ( قصيدة الهايكو ) إلى المعاصرة والتقدم وهو بطل الحرب الروسية / اليابانية من عام 1905 : ( اعبري بسلام سرب الإوزات
البريّات فأنت في حماية اليابان ) ، غير أن هذا التطور التقني الهائل لم يقض _ كما يشاء سيد العولمة الآن ( العم سام ) _ على التراث والقيم الموروثة عندهم التي يتمسكون بها دوماً سواءً في حياتهم الشخصية أو في العمل حيث يجب على المسؤولين والمدراء ، للوصول إلى حالة
( التوازن ) إياها ، معاملة مرؤوسيهم بشكل إنساني يعود على الإنتاج والمجتمع بالفائدة ، لهذا كانوا يتدربون في دورات خاصة على ذلك ويلعبون ما يشبه ( الغمّيضة ) عندنا ويرقصون معاً كالأطفال ، يتقشفون جداً ، ويدخلون معاً في طقوس هادئة في مياه نهر بارد جداً _ شبه عراة _ دون أن يُسمح لهم إلاّ بالأنين قليلاً ليشحنوا بطاريات الروح والجسد ويعودوا إلى أعمالهم أكثر نشاطاً وإنسانية بعد أن يكونوا قد توصلوا إلى حالة من ( النّيرفانا ) أو ( الكارما ) واستوعبوا طاقة وأهمية ( الينغ واليانغ ) _ كما أرى . إنه المجتمع الحي الذي يعمل بجد وهدوء من أجل بناء حياة متطورة ولكنها منسجمة مع تراثهم وقيمهم الروحية .
في أحد أحياء ( طوكيو ) الشهيرة رأيت أحدهم يشد على حبل فيُقرَعُ ناقوسٌ معلّق عليه. سألت عن الأمر ، فأجابوا أنه بذلك يسعى إلى أن يوقظَ الآلهة لسماع رغباته أو شكواه .
صحيح أن آلهتهم تنام ولكن بعين نصف مغمّضة ، تعلّمهم أن يكونوا بشراً جادين ومتواضعين وصادقين مع أنفسهم ومع الغير أيضاً ،بخلاف تعاليم اليهود في التعامل مع الغرباء.
القيصر الياباني" التّينو " كان يمثل إله الشمس عندهم حتى نهاية الحرب الكونية الثانية حيث منعت أميريكا المنتصرة استعمال هذا اللقب ومنعت النشيد الوطني الياباني الذي يقول : ( فليدم حكمك عشرة آلاف عام ... ) والذي أنشده الأطفال ، بالرغم من المنع ، عندما ارتحل القيصر الأب هيرو هيتو. أما القيصر الحالي _ آكي هيتو _ فقد خطب فينا قبل زمن طويل كان فيه ولياً للعرش في مؤتمر عالمي عيني في المدينة الجميلة والعاصمة السابقة لليابان (كيوتو) بكلمات هادئة معبرة قصيرة تنمّ عن التواضع والمعرفة . وقبل ذلك بزمن طويل كنت قد شاهدت والده القيصر المرتحل( هيرو هيتو ) وهو يدخل ومساعدوه بتواضع وهدوءٍ وأدبٍ مفرط ٍ ، بجسمه الضئيل النحيل ونظارته المستديرة معهد ، أمراض المناطق الحارة في مدينة هامبورغ _ شمالي ألمانيا_ وكنت يومها أتمرن طوعياً هناك _ يدخل ليقدم اكتشافه لنوع جديد من الحلزون أُدرج في اللوائح العلمية باسمه .
إنه البحث الدؤوب على دروب المعرفة ، ببساطة وتواضع وجدٍّ وبعمل مشترك بعيد عن( الأنا ) المفرطة ، هوالذي أدى بهم إلى التطور الهائل في مختلف مجالات الحياة ، ناهيك عن الإخلاص والأمانة في العمل _ بشكل عام طبعاً _ مع التمسك بالقيم وبالموروث برغم التقدم في التقنيات الهائلة الضاغطة على الجسد والروح .
هلاَّ تعلمنا _ إذن _ أن نطلب العلم والإخلاص والتواضع ولوفي اليابان ؟! ...
==========================================
حمص _ سورية