المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لعبة النهاية



monashazly
15/08/2009, 08:46 PM
هذه رسالة نشرت في بريد الأهرام اليوم 15 اغسطس 2009
تقتلني الحيرة كل يوم‏,‏ فالوقت يمضي بسرعة نحو ساعة الخطر‏,‏ ولا أدري ما هو القرار المناسب الذي ينتشلني من هذه الحيرة‏,‏ وأجدني عاجزة وحيدة منزوية بلا سند أو معين‏,‏ ودعني أروي لك قصتي منذ البداية‏,‏ فعندما كنت طفلة صغيرة لم أتجاوز الحادية عشرة من عمري حدث لي ما لم أكن أتوقعه‏,‏ حيث خرجت ذات يوم من أيام الإجازة الصيفية لكي ألهو مع الاطفال وأتسامر معهم وكنا سعداء بتفوقنا في الشهادة الابتدائية‏,‏ واستعدادنا للانتقال الي الصف الأول الإعدادي‏,‏ وذهبنا في ذلك اليوم الي المركز الصيفي الملحق بالمدرسة القريبة من الحي الذي نسكن فيه‏,‏ واندمجنا في الانشطة العديدة التي يوفرها للاطفال‏,‏ فالحقيقة انه المتنفس الوحيد لأطفال المنطقة‏,‏ ويجدون فيه دائما كل ما يروق لهم من ألعاب وأنشطة‏.‏

وبينما كنت ألعب مع صديقاتي لاحظت ابن بواب المدرسة يرمقني بنظرات غريبة‏,‏ وشيئا فشيئا اقترب مني واستدرجني الي المسرح بحجة انني سأري فيه بروفة الاحتفال الكبير الذي سيقام في نهاية مهرجان الأنشطة‏,‏ وقال لي ان الكثيرين من زملائنا موجودون هناك‏,‏ وانني سأكون سعيدة بهذه المفاجأة الكبيرة لأنني سأكون قد شاهدت الحفل قبل إقامته‏,‏ هكذا قال لي‏,‏ وبالطبع صدقته وذهبت معه وانا أمني نفسي بالاستمتاع بالحفل الكبير‏,‏ وعندما وصلنا الي المسرح اذا بي اجده خاليا من أي بشر‏,‏ وقبل ان اتراجع امسكني بقوة وخلع ملابسي فصرخت بأعلي صوتي ولم يسمعني احد‏,‏ وما هي الا دقائق حتي انهرت بين يديه فاغتصبني‏,‏ وظل ممسكا بي وطلب مني الا أخبر أحدا بما حدث‏,‏ وانني سأكون سعيدة ان كررنا هذه اللعبة مرة أخري‏,‏ وهددني بأن أهلي لو علموا بما فعله فسوف يقتلونني وانه سوف ينكر انه يعرفني‏.‏

لقد سمعت كلماته وانا منهارة‏,‏ وحاولت ان اتماسك حتي لايعلم احد بالحقيقة التي وقعت فيها‏,‏ والتي لم أكن أعرف أبعادها ولا ما قد يترتب عليها‏,‏ لكنها علي الأقل حاجة عيب‏,‏ وأكملت يومي بشكل طبيعي وظل ذهني مشغولا وسألت نفسي هل أحكي لأمي ما فعله ابن البواب‏..‏ هل أسكت؟ وبعد تردد وجدتني أروي لها الحكاية بالتفصيل‏..‏ فصرخت ولطمت خديها‏,‏ ثم انتفضت من مكانها وارتدت ملابس الخروج وانتظرت ابي بجوار الباب وعندما وصل انتحت به جانبا وروت له ما قصصته عليها‏,‏ فاحمر وجهه ولاحظت علامات الاضطراب عليه وأخذاني الي طبيب بالحي الذي نسكن فيه‏,‏ فكشف علي ثم أخبرهما بان غشاء بكارتي تهتك‏!‏ وانسابت الدموع كالشلالات من عين أمي وأبي‏,‏ وسادت البيت حالة من الصمت‏..‏ ولم نعرف طعم النوم حتي الصباح‏.‏

وأخذني أبي الي المدرسة قبل موعد الانشطة بقليل وتحدث مع المدير عما حدث لي‏,‏ فأخبره بأنه سوف يطرد البواب واسرته لأنهم ليسوا أمناء علي بنات المدرسة‏,‏ وخشي أبي من الفضيحة فتراجع عن موقفه‏,‏ وطلب من المدير ان يظل الأمر سرا بينهما حفاظا علي سمعتي‏,‏ وعدنا الي البيت وفرض والدي علي حصارا مشددا ومنعني من الخروج نهائيا من المنزل وأجبرني انا وشقيقاتي علي ارتداء الحجاب‏.‏

ومع مرور السنوات لم أنس لحظة لعبة النهاية التي لعبها معي ابن البواب‏,‏ ورحت أتأمل حالي واسأل نفسي كيف سأتزوج‏,‏ وهل معني ما حدث انني فقدت عذريتي‏,‏ وأصبح كل من يراني يتصور انني مريضة نفسيا‏,‏ ويسألونني دائما عن سبب شرودي وسرحاني لكني أصمت دائما‏!‏

وبالرغم من متاعبي وآلامي فاني نجحت في الثانوية بتفوق والتحقت بالجامعة‏..‏ وتعرفت علي زميل مهذب ابدي حبه لي ورغبته في الارتباط بي‏,‏ وخفت أن أصارحه بما حدث لي فيتركني ويفضحني بين زملائي‏,‏ وفي الوقت نفسه لم أرغب في ان أخدعه‏,‏ فأبعدته عن طريقي بإظهار انني لا أفكر في مسألة الزواج‏,‏ لكن قلبي تقطع حسرة علي ضياعه مني‏,‏ ومرت سنوات الجامعة وأنا بعيدة كل البعد عن الزملاء حتي انهم جميعا كانوا يتحاشون الحديث معي‏,‏ وذات يوم رشحت لي صديقة لوالدتي عريسا بنظام الصالونات وجاءنا العريس ووجدت قبولا تجاهه‏..‏ لكنه انصرف دون ان نتفق علي شيء‏,‏ وحدثني هاتفيا وطلب مني مقابلته لكي نتفاهم في أمور الزواج ومتطلباته‏,‏ ووجدت انها فرصة ملائمة لكي أخبره بالمصيبة التي تعرضت لها في طفولتي‏,‏ وبالفعل تقابلنا وتحدثنا في نواح كثيرة‏,‏ فوجدته متفهما كل شيء الا هذه الناحية التي تتعلق بعذريتي‏,‏ اذ انني ما ان اخبرته بالواقعة حتي تركني وبعث لي برسالة علي هاتفي المحمول بأنه لا يصدقني وانه لو تزوجني بعد ما علمه مني فسوف يتعب كثيرا ولن يعرف طعم الاستقرار النفسي في حياته‏.‏

وعدت الي بيتنا وانا مكسورة الجناح ودموعي تنساب علي خدي فارتميت في أحضان والدتي‏,‏ وقلت لها انني صارحت فتاي بالموضوع القديم فصاحت في وجهي وهي تقول لي ان المسألة ليست بهذا الحجم الذي أصفه‏,‏ وانني سوف أضيع كل فرص الزواج من يدي بهذه الطريقة‏,‏ وبالطبع قطعت والدة صديقتي العلاقة معنا بعد ان فضحني فتاي لديهم‏!‏

ومضت شهور وتقدم لي أحد أقرباء والدي وكان قد شاهدني في أحد الأفراح‏,‏ وقال لي إنه يشغل منصبا مهما في شركة للتكنولوجيا بمرتب كبير وان أغلب دراسته كانت خارج مصر‏,‏ ووافق والدي علي خطبتي له وطلب مني نسيان ماحدث لي‏,‏ بل وقالت لي والدتي انهم سيعرضونني علي طبيب سيجري لي عملية لإصلاح ما حدث‏,‏ لكني اري ذلك غشا وخداعا‏..‏ مع ان الجميع يقولون لي ان هذه العملية ليست حراما لانني لاذنب لي فيما حدث‏,‏ لكنني مازلت اري ان من حقي ان اعيش مستورة كباقي البنات دون غش أو خداع‏..‏ انني بعد كل التجارب التي مررت بها سوف أعيش بقية عمري مبنوذة وحيدة‏,‏ وسوف تنتهي حياتي عند هذا الحد‏..‏ وأنا حائرة‏,‏ فأي الصوتين أسمع؟

**‏ تثير رسالتك قضية خطيرة تتعلق بمهمة الأبوين في تربية وتنشئة أبنائهم منذ الصغر علي ثوابت معينة تتعلق بمعاملة الآخرين‏,‏ والتفرقة الواضحة بين السلوكيات السوية‏,‏ والسلوكيات الخاطئة‏,‏ ومنها معرفة حدود العلاقة التي تربط البنت بمن حولها من الشباب‏,‏ وأن يكون الشك دائما هو العامل الرئيسي في علاقتها بهم‏,‏ فمثلا عندما دعاك ابن البواب لمشاهدة بروفة الحفل كان ينبغي ألا تذهبي معه بدافع أنه غريب عنك ولا تعلمي ما يرمي إليه من دعوته غير البريئة‏..‏ صحيح أنك كنت صغيرة في السن‏,‏ ولم تكوني تدركين وقتها نياته الخبيثة‏..‏ ولكن كان يتعين عليك عدم الامتثال لطلبه بدافع الحياء‏..‏ وهذه هي المهمة التي أقصدها والتي تقع علي عاتق الأبوين‏.‏

لقد حدث ما حدث‏..‏ وأستخلص من بين ثنايا رسالتك أن الأمور لم تتطور إلي فقد عذريتك‏..‏ لكن انزعاجك من أنه أخذ منك ما ليس حقه هو الذي يجعل الوساوس والشكوك تساورك في أنك وصلت إلي نقطة النهاية‏,‏ وأحسب أن تقرير الطبيب يؤكد أنك مازلت كما أنت‏..‏ وأن المتاعب التي تعانيها هي متاعب نفسية‏,‏ حيث تستعيدين دائما صورة هذا الذئب وهو يحاول أن ينهش جسدك‏.‏

ولكل ذلك أري أنك سليمة جسديا‏,‏ وأن الانزعاج الذي تعيشينه هو الذي يؤثر علي تفكيرك ويجعلك أسيرة الواقعة التي تعرضت لها رغما عنك وأنت طفلة في الحادية عشرة من عمرها‏..‏ ومن هنا أنصحك بنسيان ما حدث تماما‏,‏ وعليك أن تقبلي من ترتاحين إليه زوجا وشريكا لك في الحياة‏..‏ واسمعي نصيحة والديك فأي شاب سوف تفضين إليه بما هو في نفسك سوف يتراجع عن الارتباط بك‏,‏ وما دامت المسألة بسيطة ـ كما تقول سطور رسالتك ـ فلا داعي لأن تقصيها علي من يتقدم إليك طالبا الزواج منك‏.‏

ويبقي أن أقول لكل الآباء والأمهات‏:‏ إياكم والتهاون في تربية الأبناء‏..‏ ومتابعتهم في سنوات الطفولة والصبا‏..‏ فالنتائج التي تترتب علي التربية السلبية تكون دائما وخيمة‏..‏ وأقلها ما تعرضت له كاتبة هذه الرسالة التي كادت اللعبة التي دعاها إليها ذلك الفتي الشرير أن تكون لعبة النهاية‏.‏

نشرت هذه الرسالة كنتبيه للاباء و الامهات إلى ضرورة تعليم أبنائهم كيفية إتقاء الخطر في أي مكان لا يكونان فيه معهم حتى لا تكون هناك نتيجة وخيمة للإهمال و التراخي في هذا الأمر وقانا الله -تعالى - وأياكم