المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معاً نحو دروب النور أيها الصبر الجميل / بقلم : أسماء محمد مصطفى



أسماء محمد مصطفى
17/08/2009, 12:46 AM
معاً نحو دروب النور أيها الصبر الجميل
بقلم : أسماء محمد مصطفى
أيها الصبر الجميل النبيل ... سنمرّ بك ونحن نعلم بأنّ الأوراق مهما أتسعت ، فإننا لانستطيع تحمل ألم الحياة لولاك .. أيها الرفيق المحسوس اللامرئي..
الصابرون مؤمنون يقاومون ضربات الزمن الموجعة بالحكمة ، ونحن لانستطيع التكهن أيّنا أكثر صبراً من الآخر. الله وحده أعلم بما في الصدور وبمدى صعوبة ظروف هذا الإنسان او ذاك . والمدهش إنّ هناك أشخاصاً يبتلون ويصبرون ولايعلنون بلواهم ولايبثون شكواهم للناس ويظهرون للآخرين بابتسامات دافئة يبرق فيها الأمل.
إنه الصبر الجميل .
وحين نصفُّ الصبر بالجميل نعني به الصبر الذي لاشكوى فيه، غير إن الشكوى الى الله تعالى لاتلغي صفة الجمال .
والصبر في اللغة حبس النفس عن الجزع .وهو الحلم أي التأني وطول البال.
ويذكر الرازي في (مختار الصحاح) أن التصبر تكلف الصبر.
وتقول (اصطبر) واصبر ولاتقل اطبر. والصبر بكسر الباء الدواء المر. و(صبره) حبسه. وقال الله تعالى:(واصبر نفسك) . وفي حديث للنبي محمد عليه الصلاة والسلام ، في رجل أمسك رجلا ً وقتله آخر ، قال: اقتلوا القاتل واصبروا الصابر. أي احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت.
واحتوى القرآن الكريم كلمة الصبر ومعانيها في أكثر من سورة.
قال تعالى : (الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون) ، وقال تعالى :(فاصبر صبراً جميلا ، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً) و( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) ، و(واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها كبيرة إلاّ على الخاشعين) ، و(والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
وقال تعالى : (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً ). صدق الله العظيم.
وتناولت السنة النبوية الشريفة مفهوم الصبر. فقد قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم : (واعلم أنّ النصر مع الصبر) و(والصبر ضياء) ..و (في الصبر على ماتكره خيرٌ كثير).
ويرد في كتاب (الصبر في التاريخ والتراث العربي) أن للصبر أنواعاً :
الصبر على ما أمر الله به من الطاعات والعبادات والمعاصي ، والصبر على المصائب والكوارث المفجعة والمؤلمة ، والصبر على الابتلاء ، والصبر عند لقاء الاعداء.
ولنا في صبر الأنبياء أمثلة نقتدي بها. فالنبي يعقوب عليه السلام لما ابتلي بفراق ولده يوسف (عليه السلام) وذهاب بصره قال: (فصبر جميل) . وكذلك يوسف صبر حينما ألقاه أخوته في ظلمة الجُب وبيع وفارق أباه وأُدخل السجن بضع سنين .
وأما نبي الله ايوب (عليه السلام) فابتلاه الله تعالى بهلاك أهله وماله وتتابع المرض المزمن.. وثبت وصبر. وكذلك نذكر صبر نبي الله يونس في بطن الحوت .
ومثلنا الرائع في الصبر نبينا محمد (عليه الصلاة والسلام) ابتداءً من الدعوة الإسلامية ومعارك صدر الإسلام . وكان صبره بابا للفرج.
نطوي كتاب الصبر في التاريخ والتراث العربي لكن تظل سطوره ماثلة على الورق لما تحمله من قيمة اجتماعية عربية إسلامية..
ويفسر المختصون في علم الاجتماع أن الصبر يتعلق بقدرة الإنسان الذاتية ، أي إمكانيته على تحمل الظروف الصعبة التي يمرُّ بها ، دون أن تكون هذه القدرة محددة بمدة زمنية. وتتوقف كيفية التحمل على شخصية الإنسان وخبرته الحياتية ونضوجه الفكري ونمط تكوينه فقد يكون مزاجيا ً لايتحمل شيئا ً، او على العكس يكون قويا ً لاتهزه أي ظروف . ويطلق عليه بأنه إنسان صبور، متأن ٍ وغير متسرع . والإنسان يصبر عن قناعة، ويجزع عن قناعة أيضا ً ... وثمة رابط بين التفاؤل والصبر ، إذ إن التفاؤل والتخطيط للمستقبل يجعلان الإنسان يصبر وهو يسير نحو غده.
وفي محراب الصبر يتناغم الى أسماعنا صوت بدر شاكر السياب مقبلاً من أعماق الماضي لينشد
: ياموج شعري في غد او بعده..
سيضئ شطك درب نور فاصبر..
وإّذ يبث السياب الأمل بالوصول الى درب النور ذاك، فإننا نقرأ في الوجوه الصابرة على أرض الحياة حقيقة أن ّ الوصول الى طريق السعادة والأماني المحققة يتطلب الصبر . وليس هناك طموح حقيقي بلا معاناة او جهد. والصبر مفتاح الفرج.. ولولاه ماعشنا وما وصلنا الى أهدافنا.
وثمة من يتحمل الألم مدة طويلة حتى يقول :(صبرت حتى جزع الصبر مني).. وهناك من يضجر فيردد الأغنية القديمة القائلة :
(دكتور وصفولي الصبر..
والصبر مليته)..
وللصبر حجر ، يبيعه العشابون ، وكان شائعاً إنّ هذا الحجر يجعل الشخص الجزع صابراً .. وحجر الصبر لذيذ ومرّ في آن واحد.. و لكن مَن صبر ظفر.
إنّ الصبر إرادة إنسان ، وهو نعمة من الله ، لولاها لما تمكن الإنسان من تحمل فراق الأحبة الذين يرحلون الى السماء ، وتبقى عيناه تدمعان حتى يجف الدمع ، ولايتحمل الفؤاد هول الفاجعة لولا الصبر الذي يعيننا على تحمل غياب عزيز نأمل أنه عائد..
ألم يقل شاعر عربي في فراق الحبيب :
ياراحلا ً وجميل الصبر يتبعه
هل من سبيل الى لقياك يتفقُ
ما أنصفتك جفوني وهي دامية
ولا وفى لك قلبي وهو يحترقُ
وثمة همس للصبر ، يبثه العاشقون ، كما هذه العاشقة التي تحلق خلجاتها مع الريح المسافرة :
يوماً ماستعود وقد ولدت من صبري وردة تنثر عطرها في أرجاء المكان الصامت الذي شهد صبري ..النوافذ العارية، الأبواب المغبرة.. الصوت الذي بلا صدى.. وأناملي التي لم تجزع من لمس قلم يكتب اليك بعد أن يمتلئ برحيق صبري..
وقد أنشد الشاعر زهير بن أبي سلمى:
ثلاث يعز الصبر عند حلولها
ويذهل عنها عقل كل لبيب
خروج اضطرار من بلاد يحبها
وفرقة أخوان وفقد حبيب
ترن شاعرية زهير ، وأنا استذكر وجوه الأسرى العراقيين الذين صبروا على فراق الوطن والأهل والأصدقاء سنوات طوال . وحينما عادوا بللوا التراب بالدمع وقبلوه ، عانقوا ضياء الفجر وهو يتسلل بين شعيرات رؤوسهم البيض. لقد صبروا في معسكرات الأسر.. والباقون منا صبروا في معتقلات الحصار الاقتصادي والغربة .
ولنا في أجدادنا مثال في الصبر، فقد صبر المسلمون الأوائل على حصار المشركين لهم في شِعب أبي طالب ثلاث سنوات قطع فيها المشركون عنهم الزاد . لكن المؤمنين انتصروا على الحصار بإيمانهم وصبرهم .
وما أشبه العصر الراهن بالبارحة ، إذ تعرض العراقيون لحصار اقتصادي استمر سنوات طوال ، كما تعرضوا للحروب والتجارب المريرة ، فما هو السر العجيب الذي يقف وراء صبر الإنسان العراقي ؟
يكمن السر في إرادة الإنسان العراقي وإيمانه بالحق والعدل والغد.
وإن ّ صبره في الحروب والتجارب المريرة التي مرّ بها تجسيدٌ للقيم الاجتماعية المستمدة من قيم الإسلام والمجتمع . وتستند دوافع الصبر على طبيعة تضامن الشعب مع قضاياه ، ففي كل التحديات كانت قيمة الصبر العراقي تقاوم.
ولنا أيضا ً في صبر أمهاتنا مثالاً حسناً . إنهن يتحملن مرارة الدنيا من أجلنا ومن أجل أن تظل بوابات حياتنا مشرعة للفرح والأمل.. ومهما قدمنا لهن عرفانا ً بالجميل لانوفيهن حقهن.
إنّ الصبر مادة سخية لأرباب القلم . ومثلما جذب الشعراء العرب قديماً وحديثاً لاستضافته في أجواء أشعارهم السحرية، فتحت له أقلام الروائيين والقصاصين نوافذ نتاجاتهم ليقف بين سطورهم.. فلنقف نحن أيضا عند الصبر في نتاج من تلك النتاجات..
في قصتها الرائعة (رابسوديات للعصر السعيد) تقول الكاتبة الروائية لطفية الدليمي على لسان بطلة القصة أميمة اسم إحدى بنات أيوب النبي : (( إنه اسم خير.. لم يدرك جدي عندما نطق تلك العبارة انه كان يوقظ قدر حياتي وينبئ أن أرثي أنا حفيدته أميمة – عذاب نبي ومحنته وصبره. تذكرت النبوءة عندما جابهت أولى فواجع عمري ، قلت : لقد تسللت النبوءة مثل بذرة مغلقة على عالم من عذاب الى داخل جلدي واستقرت في عظامي ثم تكاثرت تكاثر الوباء... أنا وارثة أيوب الموسومة بوسمه. جاهدت من أجل مواجهة الحياة والموت وارتضيت مجد العذاب الأبدي وآثرت الصمت طويلا ً ..
لقد أمضت أميمة عمراً تغتذي فيه بالصمت والصبر ، كما تغتذي بخبزها القليل... وحينا تقول: هي ذي كلمة الزمن الأبدية : أن يبتلى الإنسان بما لاتطيقه الجبال، آلامه أثقل من رمل البحر.. )) .
أذكر أن رجلاً مسنا ً قال لي يوماً: أتعرفين ياأبنتي ماهو أجمل من الصبر .. قلت له: أن نحصل على ثمرة الصبر.. حينها قال: ولهذا هو جميل..
فيا مَن ولدتم من أعماق الصبر.. تحسسوا، دائما ً ، ضياء ذلك الفجر الذي ستهبط من أفقه ثمار صبركم النبيل.

أسماء محمد مصطفى
20/08/2009, 01:02 AM
ومما وددتُ إضافته ، ما كتبته الدكتورة فضيلة عرفات محمد الأستاذة الأكاديمية العراقية :
إن الصبر فضيلة من فضائل الأخلاق إذ تدخل في جوانب حياة الإنسان العقلية والنفسية والحركية كما يؤكد الغزالي أن من أهم أركان حسن الخلق هو الصبر الذي يمثل القدرة على الاحتمال وكظم الغيظ وكف الأذى والحلم والأناة والرفق وعدم الطيش والعجلة .
كما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الصبر في مواضع كثيرة وعدّه ركيزة وخاصية
من خصائص النفس المطمئنة ، فالصبر فضيلة تجعل الإنسان هادئا رزينا وتبعد عنه الطيش ، كما إنه فضيلة تدل على ضبط النفس وتؤدي دائما إلى النجاح ، من محاسن أخلاق المسلم التي يتحلى بها : الصبر واحتمال الأذى فالصبر هو حبس النفس على ما تكره او احتمال المكروه بنوع من الرضا والتسليم وقد ذكر القرآن الكريم في أكثر من سبعين موضعاً من الآيات الكريمات التي تؤكد سمة الصبر ، منها قوله سبحانه وتعالى :  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا (سورة آل عمران ، الآية : 200) وقوله تعالى مادحاً المؤمنين :  وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (سورة العصر ، الآية : 3) ، وقد أجزى تعالى الصابرين أجرهم بقوله :  إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (سورة الزمر ، الآية : 10) ، كما أتى بصيغة الأمر للصبر حيث قال تعالى :  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (سورة البقرة ، الآية : 153) ، كما مدحه الله سبحانه وتعالى الصبر بقوله :  وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ (سورة الشورى ، الآية : 43).


ولي عودة

د.محمد فتحي الحريري
11/10/2009, 09:40 AM
الاديبة اسماء
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
الصبر الذي هو مفتاح الفرج في الدنيا هو ايضا مفتاح السموّ والرفعة وشهادة ولوج الى الفردوس الاعلى
مولاتي بارك الله بما كتبت وفي ميزانكم ان شاء الله

وائل جمال
29/10/2009, 01:24 AM
السلام عليكم رحمه الله وبركاته


استمتعت هنا بفيض قلمك
وارتويت حتى وصلت الى مرحله الاشباع
يرتدى الصبر ثوب الجمال عندما يرزق صاحبه بفهم
معنى وقيمه الصبر ويرجو الاجر والثواب من الله
حينها نرى الصبر جميلا لانه ارتدى ثوب الرضا
والطمع فى كرم الله









اتمنى السعاده للجميع