المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محاور في المقام العراقي ، المرحلة الثانية 2009 المحور رقم 10



حسين اسماعيل الاعظمي
20/08/2009, 01:37 PM
المرحلة الثانية


المرحلة الثانية


المرحلة الثانية

المرحلة الثانية من
(محاور في المقام العراقي)



2009



محاور في المقام العراقي
دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي
يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعـيل الاعـظمي


الاردن / عمـَّان
كانون الثاني January 2009
اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المرحلة الثانية من (محاور في المقام العراقي) التي تم نشر تسعة عشر محورا في المرحلة الاولى من العام الماضي 2008 ، وها نحن نستهل عامنا الجديد 2009 بالمحور رقم (1) والمحور رقم (2) والمحور رقم (3) والمحور رقم (4) والمحور رقم (5) والمحور رقم (6) والمحور رقم (7) والمحور رقم (8) والمحور رقم (9) تكملة لمحاور المرحلة الاولى واستهلالاً للمرحلة الثانية .. وهذا المحور رقم (10) مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحاور في مرحلتها الاولى والثانية أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم
***
أو الذهاب الى موقع كوكل google والبحث عن (محاور في المقام العراقي) او (محاور في المقام المرحلة الثانية) حيث تجدون كل المحاور منشورة في المواقع والشبكات الالكترونية مع الشكر والتقدير لكل اخوتنا واصدقائنا في هذه المواقع والشبكات



المرحلة الثانية
من المحاور المقامية


المحور رقم
(10)


Hussain_alaadhamy@yahoo.com

00962795820112

المحور رقم
(10)
********
بعض المغنين المقاميين من اتباع
الطريقة القبانجية


محمد العـاشق
(1905 – 1984)م

- نظرة ُالجماهير الى نتاجاتِه
- تسجيلاتُه الغنائية
- مقاماتُه


نظرة ُالجماهير إِلى نتاجاتِه
لم يكن المطرب المخضرم محمد العاشق في نظر الأكثرية الجماهيرية مغنياً مقامياً بالمعنى المتداول ، في بداياته على الاقل ، إذ لم يكن قد أدّى الكثيرَ من المقامات ، وفي بدايته مارس الاداءات الدينية من خلال أجوائها كالمدائح والمناقب النبوية الشريفة والتهاليل والاذكار (1*) حيث أدرك الملاّ عثمان الموصلي (2*) وإعتـُبـِر من تلامذته المتأخرين ، وفي العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين شارك مع زملائه المغنين تسجيل بعض المقامات العراقية لصالح الشركات الاجنبية التي كانت تتجول في كثير من الدول لتسجل تراث الشعوب الغناسيقي ، وقد سجل بعض المقامات مثل مقام البهيرزاوي ومقام الجهاركاه والشعر مع الابوذية .. . الخ وبقيت نظرة الجماهير الى كونه مغنياً بستجياً (3*) أكثر منه مقامياً حتى نهاية مسيرته الفنية ، لا لأنه لم يلبِّي حاجة الاتجاهات الذوقية والفكرية الدافعة الى مطالبة المغنين بصورة عامة الى غناء الكثير من المقامات أو جميعها كي يحسب من المغنين المقاميين ..! بل لأنه كان بالاساس فناناً يملك بعضاً من صفة الاحتراف ، ومع أن مستوياته الفنية الادائية كانت جيدة ، تساعده على ذلك خامته الصوتية الجيدة وهي من فصيلة "التنور"(4*) وكذلك إهتمامه بعدد قليل من المقامات العراقية دون غيرها ، إلا أنه نجح في تأدية الكثير من الأداءات المقامية والأشغال الدينية ، ويرى بعضُ النقاد أنَّ هذه الاجواء الدينية والدنيوية عند ممارسته لها ، أمر لا يخلو من قيمة مقامية ..

تسجيلاتُه الغنائية
لقد قيل الكثير عن موضوع تسجيله لبعض الاسطوانات المقامية أو بعض الاغاني لصالح الشركات الاجنبية للتسجيلات الصوتية الغناسيقية في العشرينات أو الثلاثينات من القرن العشرين ، ولكننا لم نعثر عليها أو لم نسمعها ولم يسمعها الكثيرون ممن يهتمون بهذا الشأن ، ولكننا إستمعنا إليه بصورة مباشرة مرَّات عديدة وهو في عمر تجاوز السبعين عاماً ضمن الحفلات الأُسبوعية المستمرة يوم الجمعة من كل أُسبوع في المتحف البغدادي مطلع السبعينات كما مرَّ بنا ، وبقي كذلك حتى وفاته في عمر ناهز الثمانين عاماً .. والملاحظة المهمة في هذه التسجيلات البسيطة في تقنيات تسجيلها ، أنَّ المطربَ محمد العاشق يمتلكُ خامةً صوتية أكثر من جيدة ..! ورغم أنَّه لا داعي للحديث عن فنيَّات الاداء وتفصيلاته بالنسبة لهذه التسجيلات ، لكبر سنه وشيخوخته وأُفول قابلياته الادائية ، إضافة الى بساطة التسجيل كما قلنا قبل قليل ، إلا أن ذلك من ناحية اخرى يعتبر ظاهرة نادرة في تاريخ قابليات مُغنّي المقام العراقي ، لمطرب بقي يغني حتى وفاته وهو في عمر كبير ناهز الثمانين عاماً ..
وجدير بالذكر ، ان الرئيس العراقي الأسبق المرحوم أحمد حسن البكر(1968 – 1979م) ، أمر أن تسجل للمطرب محمد العاشق اكثر من سهرة تلفزيونية في تلفزيون بغداد لمجموعة من المقامات والاغاني العراقية التراثية ، وكان ذلك أواخر السبعينات من القرن العشرين ، تكريماً لتاريخه وشيخوخته ولأغراض الارشفة والتوثيق ، نظراً لضياع الكثير من التراث الشخصي لهذا المطرب الرائد .. ومع ذلك لم أستطع الحصول على نسخة من هذه السهرات التلفزيونية حتى اليوم ، لكنني أتذكر أنني شاهدتها من شاشة التلفزيون في وقتها ..


صورة / المطرب المخضرم محمد العاشق

مقـامـاتـُه
على كل حال ، إليك عزيزي القارئ بعضُ المقامات المسجلة بصوت المطرب محمد العاشق مع كلامها المُغنّى ، وهي تسجيلاتُه من حفلات المتحف البغدادي .. ففي مقام الجهاركاه غنّى هذه الأبْيات ..

جسد ناحل وقلب جريــــــــح
ودموع على الخدود تسيــــــــح
وحبيب مرّ التجني ولكـــــــن
كلما يفعل المليح مليــــــــــــح
يا خلي الفؤاد قد ملء الوجــــد
فؤادي وبرح التبريــــــــــــــح
جد بوصل أحيا به أو بهجـــــر
فيه حتفي لعلني أستريـــــــــــح

ومن سلم مقام الحجاز غنى هذه الابوذيات والعتابة في أُسلوب شكل (Form) المصلاوية ..

يرد روحي عليها الترف ينجــــــــــــاد
وحق من بلوته ايوب ينجـــــــــــــاد
------------------------------ مفقود
انا سيد وشوكت اتحن عليـــــــــــــه

**************

حلو لابس طويل حبي ولانـــــــــــــي
الندامة ما تسليني ولانـــــــــــــــي
ابعكد ضيج نفر مالي ولانــــــــــــــي
غدرني ونبت السهمين بيــــــــــــــه

**************

حبيبي من وره الشباك شفتـــــــــــه
غمزلي بحاجبه وعضلي بشفتــــــــــه
تره عيني العمت لاجان شفتـــــــــــه
نغل وشبدل قلبه عليـــــــــــــــه

**************

تحاجيني براس الكشك من فـــــــــــوق
يصح باغة يدك العجل فـــــــــــــوق
يباشة رون بلي جاي من فـــــــــــوق
تحاجيني ترك ما افهم جــــــــــــواب
***************

وفي مقام جهاركاه آخر ومقام الاورفة كلٍّ على حده كرَّر هذه الأبيات ..

الشوق شوقي والغرام غرامــــــي
والحب حبي والهيام هيامـــــــــــي
والوجد وجدي فوق كل صبابتـــــي
ومقام حبي فوق كل مقامــــــــــي
دعوى المحبة لي عليه شواهـــــد
دمعي وسهدي بالدجى وسقامــــــي
الناس في سلوى وسعود حبهــــم
ومحبتي للمصطفى وغرامــــــــــي

وفي مقام اورفة آخر ، غنّى هذه الابيات ..

عيون من السحر المبين تبيــــن
تسالمها العشاق وهي تقـــــــــــول
مراض صحاح ناعســـــــات
ناعمات لها عند تحريك الشمـــــــول
اذا هي ألبست حلياً من الهــــوى
ولكن لها كن مغرما فتقـــــــــول

وفي مقام الصبا غنى هذه الأبيات ..

خليلي دمع العين قد جرَّح الخــــدا
وبيـَّض شعري بعد ما كان مســـــودا
بليت بقاسي القلب عذَّب مهجتـــي
رضيت به مولى ولم يرض بي عبــــدا
لاتدعني أموت فيك إشتياقـــــا
فاتخذني لعبد عبدك عـــــــــــــــبدا

وفي مقام الحكيمي غنى نفس الزهيري الذي يغنيه فناننا الكبير محمد القبانجي في نفس المقام (الحكيمي) ايضا ..

مرافجي حين ما جضن وساجاتـــــي
وقواي عزمي ضون منهن وساجاتــــي
يمته يعود الهنا واحدي بساجاتــــــي

واشاهد ام الطلب واطرب واناملــــــه
والروح تفتر من بعد الاناملــــــــه
لو اختبر يا سعد ما جنت اناملـــــــه

سهران ليلي وراسي بيــن ساجاتـــي

********************







عبد الرحمن العزاوي
(1928 – 1983)

- ولادتُه ونشأتُه
- بدايتُه الفنية
- رؤيتُه المقامية الفنية
- ثقافة عبد الرحمن العزاوي
- تسجيلاتُه في الاستوديو والمسرح
- بعضُ الملاحظات الفنية
- أُسلوب غنائِه
- بعضُ آرائه


ولادتُه ونشأتُه
رغم الشهرة التي إكتسبها وحققها كل من المطربيـْن المقامييـْن عبد الرحمن خضر وحمزة السعداوي ، من خلال أدائهما للمقامات العراقية ، والتي فاقت شهرة معاصرهما المطرب الكبير عبد الرحمن العزاوي ..! إلا أن كليهما لم يصلا الى المستوى الفني والتقني في الأداء المقامي الذي وصل اليه المطرب عبد الرحمن العزاوي ..!
ولد مطربُنا الكبير عبد الرحمن العزاوي ، في محلة الخالدية من بغداد عام 1928 .. وهو أحد الاربعة الابداعيين الكبار من مغني المقام العراقي في القرن العشرين بعد إستاذهم المبدع الأكبر ومثيرهم الاول محمد القبانجي ، وهم (حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي) وقد خصصتُ كتاباً خاصاً بهذا الصدد أسميته (الاربعة الكبار في المقام العراقي) طبع في وزارة الثقافة بالعاصمة الجزائرية عام 2007 ، ومنذ صغره إستفاد كثيرأً من تعلـُّمه في (الكتاتيب) 5* – الملا – مما ساعده ذلك على تقويم لغته النحوية ولفظه للكلمات والحروف العربية بصورة جيدة وإدراكه لأهمية الشعر المُغنّى وتوضيح الكلام ، وتعلَّم من والده الذي كان يملك محلاً للخياطة يجتمع فيه الكثير من مُؤدّي ومُحبّي المقام العراقي ليصبحَ ملتقىً للوسط المقامي مثل رشيد القندرجي ونجم الشيخلي وعباس كمبير وغيرهم ..

بـدايتُـه الفـنيّة
أكمل عبد الرحمن العزاوي المدرسة الابتدائية والمتوسطة ، ثم أخذ يتردد على الأمكنة التي تمارس فيها الشعائر الدينية من تلاوةٍ للقرآن الكريم أو المدائح والمناقب النبوية الشريفة والتهاليل والاذكار .. للتلذذ بسماعها وتعلـُّمها ثم مارسها عملياً بصورة إحترافية ، وأتذكر أنني شاركت معه أكثر من مرَّة في هذه المناقب النبوية ، ومنها كانت بمعية الملاّ بدر الاعظمي في منقبة نبوية أُقيمت في بيت الصديق العزيز عبد الخالق العزاوي أو أحد أقرباء السيد عبد الخالق في الأعظمية قرب رأس الحواش خلف سينما الأعظمية عام 1975 .. وقد قمت بتسجيل هذه المنقبة النبوية الشريفة حينها ولا زلت محتفظاً بالتسجيل ، ورغم ذلك فقد بدأت مسيرته الفنية على صعيد الفن ، بالتمثيل ونظم الشعر ..! وليس بالغناء ..! إذ عمل مع بعض الجمعيات من خلال فرقها الفنية مثل جمعية النهضة الفنية وجمعية مجاهد وجمعية انصار التمثيل والسينما ، ويقال انه شارك في حفلة مع المطرب الكبير ناظم الغزالي عام 1959 ، ولكنه لم يبدأ رسمياً في تسجيل المقامات العراقية في دار الاذاعة العراقية إلا في عام 1963 عن طريق الخبير المقامي الحاج هاشم الرجب ، فكان مقام الراشدي أول المقامات التي سجلها في الاذاعة بكلام الزهيري الذي كتب كلماته هو على أرجح الظن ..

بهواها شفت العجب من يوم خلتنــــــــي
بفنونها والحسن ياربي خلتنــــــــــي
بين الحيا والامل والموت خلتنــــــــــي
حاير صرت يا ترى بين الجفا وامـــــــان
متعاهد اويا الولف باقسامنا وامــــــان
بعد الحلف والقسم يمته الوصل وامــــان
بلكي يعود الهنا يا قلبي خلتنــــــــــي




صورة / مطرب المقام العراقي الكبير عبد الرحمن العزاوي

ومنذ هذا التاريخ بدأت مسيرة المطرب الكبير عبد الرحمن العزاوي بصورة منتظمة ، حيث سجل العديد من المقامات العراقية سواء في الاذاعة أو التلفزيون حتى وفاته يوم 1 / 3 / 1983 ..

رؤيتُه المقامية الفنية
إنَّ المطربَ عبد الرحمن العزاوي خيرُ حالة تقدم للفحص والإختبار في تاريخ المقام العراقي ، وإن أداءه المقامي في تسجيلاته الاذاعية والتلفزيونية يعبـِّر تماماً عن شخصيته وحياته .. فتعابيره توحي بتجاربه ، إذ كان يرى أن فن أداء المقام العراقي إنما يتطلب منه ترتيب المواد الاولية والعناصر المكونة للشكل المقامي بأُصوله ومساراته اللحنية التقليدية .. وهكذا إكتسبت تسجيلاتُه المقامية صوراً نموذجية في الأداء ودقة ترتيب وتوزيع الأُصول والمواد المقامية بصورة متناسبة داخل غنائه للمقام ، أي أنه كان يصمم في ذهنه وأحاسيسه الشكل الذي يراه نموذجياً تاريخياً لغناء المقام أو المقامات العراقية بصورة عامة ، إذ توحي لنا بأن ما نسمعه نماذج جيدة ومبسطة لعموم المقام العراقي .. وقد ثبت لديه خطأ الاداء من قبل بعض المغنين ، مرَّة بعد اخرى ، بما يمارسونه من إنتهاكات للشكل المقامي والتلاعب بأُصوله التاريخية ، ودعا الى الاخلاص في إنكار الذات بالمحافظة والالتزام بالشكل المقامي الرصين .. وقد إنساق مطربنا الكبير عبد الرحمن العزاوي الى معادلة بسيطة ، هي (الحب + الرغبة + الإخلاص) أساساً وقبل كل شيء للمقام العراقي ، والحاجة الملحة والمتزايدة الى التعابير الجميلة في مضامين الاداء المقامي والتجارب التي تبعث في النفس قدراً أكبر من الارتياح ..! وهناك إعتبار آخر ، لاشك أن مطربنا العزاوي وجد الادلة عليه من خلال نجاحه في اداء المقام العراقي ، فـــدعا الى معادلته إعتماداً على تجربته ..

ثقافة ُعبد الرحمن العزاوي
إكتسب عبد الرحمن العزاوي ثقافة عامة متوسطة ..! فأعطى جُلَّ إهتمامه للمقام العراقي ونظم الشعر وطرح الملاحظات الفنية والنقدية الجارحة في أغلب الاحيان هنا وهناك ، ولكن بعض هذه الملاحظات النقدية كانت على درجة جيدة من الملاحظة ..!! وكان من حيث الواقع في وضع يساعده على الإفادة من هذا الاهتمام وهذا الاخلاص .. لكنه كان ذا شخصية غريبة ..!! فقد كان تفكيره غير طبيعي .! ويعتقد أن الجن تكلمه ، ومن ناحية اخرى فقد كان لسانه سليطاً على معاصريه من المؤدين ، وكذلك لم يتميـَّز بالتواضع إلا في مرَّة واحدة إذ قال (لا وجود لأي مطرب في العالم غير أنا وأم كـلثوم ..!!) وإشارته هنا لأم كلثوم تعتبر تواضعاً ، فقد كان يرى نفسه وحيداً في الغناء لا يُضاهيه فيه أحد ..!! ومن جانب آخر فقد كان من الوجهة النفسية لا يحب أن يصبح غنيـَّاً ..! ليس تزهـُّداً ، وإنما يتلذَّذ كما يبدو عندما يكون لا يملك شيئاً ..!! فهو لا يعمل ولا يرغب في ذلك .. واذا أوجد له بعض الاصدقاء المحبين عملاً ، فإن نَفَسَهُ قصير فيه ، إذ سرعان ما يتركه ليعود الى الإفلاس .!! وفي إعتقادي أنه لو كانت شخصيته طبيعية ومتـَّزنة ، لأصبح ظاهرة كبيرة جداً في تاريخ اداء المقام العراقي أو رُبَّما ظاهرة عصره على الأقل .. إن له إمكانيات ومواهب طيبة ، لكنه أضاع منها الكثير ، فقد كانت لديه إضافة الى إمكانياته الادائية ، البصيرة الجيدة والرؤية الثاقبة في معرفة أُصول المقام العراقي ، ووفرة في الحماسة التي تميـَّز بهما في خدمة غناء المقام العراقي .. ومع كل مقومات هذه الشخصية ، فقد كسب عبد الرحمن العزاوي جمهوراً ينصت لصوته ويقتني تسجيلاته المقامية وإزدادوا إعجاباً كلما أدّى في حفلة من الحفلات ..!!

تسجيلاتُه في الاستوديو والمسرح
وبعض الغرابة في الأمر .! هي حينما نستمع الى التسجيلات المقامية التي سجَّلها عبد الرحمن العزاوي في ستوديوهات دار الاذاعة العراقية ، نراها سريعة الاداء ومبالغ في إختصارها على غير ما نعهده في أداء عبد الرحمن العزاوي في أمكنة أخرى غير الاستوديو ، وكأنها سجلت كنماذج مقامية تقليدية توثيقية ، ورغم أننا لا نعرف شيئاً عن ظروف تسجيلها ، لكنها ملاحظة موجودة ، لكننا أيضاً نستطيع أن نتحدث عن بعض مقاماته ، فهذا مقام العجم عُشَيْران الذي يغني فيه العزاوي قصيدة لتقي الدين السروجي حيث نلاحظ التتابع الذي يبدو سريعاً ومكثفاً في بنائِه للجُمل الأدائية لهذا المقام الرئيسي ..

انعمْ بوصلِكَ لي فهذا وقــــــــتُهُ
يكفي من الهِـِجران ما قد ذقــــــتُهُ
أنفقتُ عمري في هواكَ وليتنــــــي
أُعطى وصولاً بالذي انفقــــــــــتُُهُ
يامن شُغِلْتُ بحبهِ عن غيــــــــرهِ
وسلوتُ كل الناسِ حين عشِقـــــــتُهُ
كم جال في ميدانِ حبِكَ فـــــــارسٌ
بالصدقِ الى رضاكَ سبقــــــــــــتُهُ
قال الوشاةُ قد ادعى بك نســــــبةً
فسررْتُ لما قالَ قد صدقــــــــــتُهُ
بالله إن سألوك عــــــني قل لهم
عبدي وملـــــــــــك يدي وما أعتقته
أو قيل مشتاق إليك فــــــقل لهم
أدري بـــــــــــــذا وأنا الذي شوقته
يا حسن طيف من خيــــالك زارني
من عظم وجـــــــدي فيه ما حققته
فمضى وفي قـــــلبي عليه حسرة
لو كان يمكـــــــــــنني الرقاد لحقته


صورة / في جامع القبانجي بمنطقة الحارثية من بغداد ، وذلك في اربعينية المرحوم محمد القبانجي التي اقيمت في جامعـِهِ ، مايس 1989 ويظهر فيها من اليمين الشاعر الكبير عبد المحسن عقراوي وحسين الأعظمي وهو يتبادل الحديث مع المرحوم الفنان عازف السنطور حمودي الوردي ..

بعضُ الملاحظات الفنية
نرى أن أداء عبد الرحمن العزاوي لهذا المقام الرئيسي كشأن المقامات الأُخرى ، أداءاً سريعاً وكأنه نموذج لأداء الشكل المقامي يصلح أن يكون تعليمياً ، إضافة الى أن هناك نقصاً في الأداء الأُصولي من حيث الشكل التقليدي لهذا المقام ، فجلسة المقام الواقعة قبل – الميانة – (6*)الاولى لم يؤدِّها بشكلها الكامل ، فقد كانت ناقصة الأُصول التقليدية ، وتكرر ذلك مرَّة اخرى في التسليم حيث يعاد مسار لحن الجلسة ثانية في نهاية المقام ليعتبر موقعها هنا (تسليم) المقام ، وقد كان هذا التسليم فرصة لتلافي النقص الذي حصل له في المرَّة الاولى في موقع الجلسة ولكنه لم يفعل ذلك .. والحق أن هذا النقص غير معهود في أداء عبد الرحمن العزاوي للمقامات بصورة عامة ونادر ايضاً في تسجيلاته فهو مطرب تقني في صدد أداء الشكل وتطبيق الأُصول المقامية التقليدية ولا يُعاب عليه ..
وعندما نستمع الى تسجيل – الشعر مع الابوذية – نراها سريعة وفي نفس المنحى ..

لا جزى اللهُ دمعَ عينيَ خيــــــراً
وجزى اللهُ كلَ خيرٍ لســــــــاني
باحَ دمعي فليسَ يكتمُ ســــــراً
ورايتُ اللسانَََ ذا كتمـــــــــان
كنتُ مثلَ الكتابِ اخفاه طــــــيرٌ
فاستدلوا عليه بالعنــــــــــوان

كتم السر لساني يروم ســـــــــراي
اودمعي للذي منهم ســــــــــراي
كتاب او جنت مطوي افضح ســـــراي
الدمع لمن غدة عنوان الــــــــــيه

وهناك مقامات أُخرى على هذه الشاكلة ، مثل مقام الجهاركاه ومقام الصبا ومقام الشرقي رست الذي ترافقه فيه فرقة الجالغي البغدادي (7*) حينما يقول في مطلع الزهيري ..

يامن جمالك حوى حسن الورود وجــــــله
والبدر امسى لوجهك بالشعاع او جــــــله


في حين أنَّ نفسَ هذا المقام (الشرقي رست) الذي أداه برفقة فرقة – التخت البغدادي ، المُكوَّن من فرقتي الجالغي البغدادي وبقية الآلات العربية – قد تفنن في أدائه له ، وأعطاه روحاً تطريبية جميلة ، ومثل هذه التسجيلات الجميلة المسجلة في الاستوديو قليلة لديه ، لأن غالبية تسجيلاته في الاستوديو تبدو مقتضبة ، وهذا هو مقام الشرقي رست المُغنّى بهذا الزهيري مع التخت البغدادي ..

يامن عليك الدمع فوق الوجن ليـــــــــله
سهران بجفاك ما ضكت الكرى ليـــــــله
ارجوك فد يوم زور امتيمك ليـــــــــــله

واتشوف نارك توج بين الحشا والــــراي
واعليك دمعي يكت شبه المزن والــــراي
لتلومني لو ذهب مني العقل والــــــراي

مجنون قبلي ابتلى وجن بهوى ليــــــله

وكذلك الأمر في مقام الحكيمي عندما يؤديه مع فرقة التخت البغدادي ايضاً ، إذ نرى أن البناء الادائي والمزاجي جيد ، حيث يوحي لنا عبد الرحمن العزاوي بأن العطاء الصوتي لموسيقى التخت البغدادي يروق له .. ويمنحه مزاجاً أفضل ..! وهذا هو كلام الزهيري في مقام الحكيمي لكاتبه محمود الخطاب ..
يامن محياه حياه البدر وانظـــــــــــام
مكنون ثغره سبه الليلو بحسن وانظــــــــام
واسى سبيل الرضى بتصدني وانظـــــــــام

واني عليك بحياتي الغالية ماظــــــــن
حبك بكبدي ماض السهم ماظـــــــــن
ترضى بضيم او ظلم اقضي العمر ماظــن

حاشاك ترضى بودادك انظلم وانظــــام

إنَّ هذه التناقضات المزاجية موجودة في تسجيلات المقامات لدى بعض المُغنّين المقاميين المعاصرين ، فالنظر إليها من زاوية تقييم نهائية شيئ في غير محله ..! وأعتقد أنه يمكننا الحديث عن مقامات عبد الرحمن العزاوي بإيجابية صريحة ونحن مطمئنون ، عندما يتعلق الأمر بشأن حفلاته على المسارح وأمام الجمهور ، حيث يكون العزاوي في ذروة مزاجه الادائي ..! إذ يتفاعل مع الجمهور ويتفاعل معه الجمهور بقوة ..! ولا أنسى تلك اللحظات الخالدات التي كنا نجلس فيها على خشبة مسرح المتحف البغدادي اوائل السبعينات مع آخرين من المُغنّين المقاميين ينتظرُ كلّ منـّا دورَه في الغناء في الجمعة من كل أسبوع ، وإستمع إليه عندما يأتي دورُه ، ومرَّة غنى مقام الحجاز ديوان بأُسلوبه التعبيري الذي يعجز الكلام عن وصفه وجماله وكأنَّني أستمعُ اليه في كل لحظة حتى يوم الناس هذا ، هكذا كان عبد الرحمن العزاوي على المسرح وهو يواجه الجمهور ، غالباً ما ينقلنا الى جوِّ عالمٍ خياليٍ مُهيب ، بتعابير تعجز الكلمات عن وصفها ..!! فقدرة عبد الرحمن العزاوي في التَّفّنُّنْ بأداء المقام العراقي وتعابيره الجميلة تتجلَّى عندما يؤدي ذلك على المسرح وأمام الجمهور في أغلب الأحيان ..

أُسلوبُ غنائِه
على كل حال ، اذا تأملنا الآن فيما تركه لنا عبد الرحمن العزاوي من تسجيلات غنائية مقامية ، ندرك انه من أتباع الطريقة القبانجية ، رغم أنه لا يرضى إطلاق هذه الصفة عليه ، ويقول تبجحاً بأنه تعلَّم من والده ، في حين أن والده لم يكن معروفاً في هذا المجال ، فضلا عن أن أُسلوبَ غنائِه مُستقى بصورة كبيرة وواضحة من الطريقة القبانجية ، هذا بالرغم من أنه تميَّز بأسلوب خاص إهتم من خلاله بالشكل المقامي التقليدي وبمضمون تعبيري جميل أقرب الى التعابير الروحانية والدينية ، ولكنه لا يخرج عن طوق الطريقة القبانجية ، ورغم أن العزاوي يرفض القول انه من أتباع الطريقة القبانجية كما قلنا ، إلا أنه لا ضيرَ في ذلك ، فشأنه شأن معظم المغنين الذين يدَّعون بأنَّ طرُقَهُم هي من إبتكاراتهم الخاصة ..! في حين أن حقيقة الأمر غير ما يقولون ..!!

بعضُ آرائه
في حوار صحفي أُجري مع المطرب عبد الرحمن العزاوي ، حاوره فيه الناقد الموسيقي الكبير عبد الوهاب الشيخلي نُشر بجريدة العراق في العدد 1019 صفحة 8 في عام 1979 .. حيث سأله الناقد الشيخلي ..
هل إستطعت أن تحقق طموحاتك من خلال نشاطاتك في المتحف البغدادي ..؟
أجاب عبد الرحمن العزاوي .. بالنفي ..! والسبب في ذلك ضعف الإعلام وقلة الحفلات الشهرية والتي لا تتجاوز الأربع حفلات ، تبدأ من الساعة الرابعة عصراً ولغاية الساعة السادسة من مساء كل جمعة .. يحضرها عدد محدود من الناس ..
وعن المساهمين من مطربي المقام العراقي في هذه الحفلات الأُسبوعية ..؟
أجاب .. محمد العاشق وعبد الرحيم الاعظمي وابو عبد البغدادي وعلي ارزوقي ..
سؤال آخر .. من تسمع من المغنين العراقيين والعرب ..؟
أجاب العزاوي .. إنني أستمع الى كثير من المغنين العرب ، وبنفس الوقت أنا من أشد المعجبين بصوت المطربة أنوار عبد الوهاب حالياً ، لأنها تحمل في طيات حنجرتها ملامح المطربات العراقيات اللّواتي عـُرفن بعذوبة الصوت وقوة الأداء ..

إن مطربنا الكبير عبد الرحمن العزاوي وكما قلنا كان مُغنياً مقامياً تقنياً ، وقد كان يميل الى التقليدية في أداء الشكل المقامي وينفر من التجديد فيه .. وأتذكـَّر مرَّة من المرَّات كنا سوية في إجتماع فني في دار الاذاعة والتلفزيون لمغني المقام العراقي أداره مدير المنوعات الفنان المعروف طالب القرغولي ، وفي سياق كلام المطرب عبد الرحمن العزاوي وهو يتحدث في الاجتماع ، جاءت بعض الكلمات إشارة عنّي حيث قال (إنَّ حسين الأعظمي مطرباً مجدداً .!) فكانت هذه الاشارة السريعة نقدية ولا يقصد فيها المديح ، أو أشبه بذلك ، فهو لا يرضى بالتجديد ، في حين كانت بالنسبة لي أن هذا الكلام يعتبر إعترافاً بخصوصية منهجي الغنائي ومن مطرب لا يرضى على أحد غير نفسه ، وبالتالي ولـَّـدَت عندي شعور بالإرتياح ..
على الإجمال ، فإن عبد الرحمن العزاوي بامتلاكه موهبة أصيلة في التعبير المبتكر ، أنتج نسبة لا بأس بها من تسجيلات مقامية أُعتبرت له بحق .. تاريخاً جيداً في هذا المجال ، وبالإجمال تظل تسجيلاته في الحفلات أفضل أعماله ، حيث لم تكن معظم تسجيلاته الاذاعية أو التلفزيونية في الاستوديو بمستوى تسجيلاته في الحفلات المسرحية وأمام الجمهور .. إن المرء يكتشف فيه مؤدياً مرموقاً ذا شخصية مثيرة ميتافيزيقية ولو أنَّها مهزوزة..!! وفي النهاية فإنها حقيقة عبد الرحمن العزاوي ، ومع ذلك فإن المرء في الوقت نفسه ، يأسف لهذه الموهبة المهدورة ..! لأن عبد الرحمن العزاوي بمقدرته الفطرية والعفوية وموهبته وبالمادة التي حفظها من تراثه الغنائي ، يمتلك مزيجاً كان من الممكن أن يبني عليه مسـتقبلاً أدائياً فذَّاً في غناء المقام العراقي ولأصبحَ ظاهرة َعصره ..

******************************




عبد الجبار العبّاسي
(1937- ----- )

- حقبة إنْتصاف القرن العشرين
- ولادتُه ونشأتُه
- تأثيرات القبانجي على الحقبة
- نظرة في فنه المقامي
- آراؤه وقيمة نتاجاته
- مقاماته في الإذاعة والتلفزيون


حقبة إنْتصاف القرن العشرين
إنَّ المقامات التي تم تأديتها في حقبة منتصف القرن العشرين ، وعلى ضوء ما تحدثنا بشئ من الاسهاب عن هذه الحقبة في أمكنة عديدة ، تدين للمعرفة والعلم وتستحق تنويهاً خاصاً عن النهضة الموسيقية الحديثة في العراق .. فإن ثمرات معهد الفنون الجميلة كانت قد نضجت وقويَ عودُها في هذه الحقبة ، فقد كان خريجو الطلبة من الدورات الاولى للمعهد قد فرضوا الوعي الجديد في علوم وجماليات الغناسيقى على المجتمع العراقي الذي كان شديد الاستعداد لتقبله ..! وعليه فقد بدا وكأنه تفسير طبيعي وجاهز لتخفيف هموم الحياة الإجتماعية في بلدنا العراق كما رآها وجسَّدها هؤلاء الفنانون في هذه الحقبة من إنتصاف القرن العشرين التي سبق أن أسميناها بـ (حقبة التجربة) فكان حب الاستطلاع الى المداخل السرية لتفسير أسرار التحولات الجمالية للحياة الذوقية التي بدأت تسير في تزايد مستمر ، وكان هذا جزءاً من طموحات الشباب التي بدأت تفتح لها بعضُ الأبواب التي كانت موصدة ، واذا شئنا قدراً أكبر من التحديد ، نقول ان إيحاءات هذه الحقبة الجمالية وتجاربها الجديدة ، ذات أثر بيِّن في نظر المغنين الى فنِّهم الادائي ، فالتجارب بارعة ، والمحاولات جريئة ومختلفة ، ولكنها رغم ذلك لم تكن الطموح كله ، ولكنها ايضاً من جانب آخر تدعو للتفاؤل ..! لأن تيار الوعي في الفن الغناسيقي آخذ في التطور ممتزج مع التطور الثقافي للفن والمجتمع عموماً ، وأمسى هذا الامتزاج الثقافي الوسيلة السائدة في نمو قيـمة الاداء الغنائي عموماً والاداء المقامي على وجه التخصيص ..
ولادتُه ونشأتُه
ولد المطرب المقامي المخضرم عبد الجبار العباسي في محلة حمام المالح بمنطقة الفضل من مناطق بغداد القديمة عام 1937 وبدأ تعليمُه في (الكتاتيب) كعادة أهل بغداد ، ثم دخل المدرسة ولكنه لم يستمر ولم يحصل على الشهادة الابتدائية ..! لقد جذبته الاجواء الدينية في مقتبل عمره ، وإستمع الى ممارسي هذه الشعائر كالمناقب والمدائح النبوية الشريفة والاذكار والتهاليل حيث إستهوته تعابير الاداء في هذه الاجواء ، ثم رافق بعض الحفـَّاظ من الذين يمارسون هذه الشعائر وإنظمَّ إليهم في ممارستها ، ومن هنا بدأ عبد الجبار العباسي يتعلم المقامات رويداً رويداً من خلال توسع علاقاته واتصاله بمؤدي المقامات العراقية القدماء منهم والمحدثين ، مثل عبد القادر حسون وعبد الهادي البياتي ويوسف عمر وعبد الرحمن خضر ..الخ حتى تسنَّى له أن يتعلم أداء بعض المقامات الفرعية التي إستطاع بواسطتها دخول الاذاعة العراقية عام 1957 ليغني أول مقام له هو مـقام الاوج بهذه الأبيات الشعرية ..

جسمي كجفنك من هواكَ عليـــــــلُ
وقصيرُ ليلي من نواك طويـــــــــل
يا قاتلي بنواظرٍ مكحولــــــــــــةٍ
في غِنجها ما عبَّ فيها الميــــــــــل
ورد بخدِّكَ عاقني عن قطفــــــــــهِ
سيفٌ بجفنكَ صارمٌ مسلــــــــــولُ
وكحيلُ طرفِكَ قد نضى ليَ صارمــــــاً
ماض على العشاق وهو كليـــــــل
ليلاي أنتِ وأنت قبسُ الهــــــــوى
بك يا جميلُ وذا هواكَ جميـــــــــل



صورة / مطرب المقام العراقي عبد الجبار العباسي

تأثيراتُ القبّانجي على الحقبة
إنَّ المحاولاتِ الجيّدة ضمن تيار الوعي الذي بدأ منذ بداية القرن العشرين في حقيقة الامر ، تعود على الاغلب الى النجاح العظيم الذي أحرزه المطرب المعجزة محمد القبانجي في بلدنا العراق ، فقد كان القبانجي المثير الاول للابداعات الحديثة والمعاصرة ، حتى ظهر مُغنّون إبداعيون من تابعي طريقته وطرق أُخرى على الأخص الاربعة الكبار بعد استاذهم القبانجي حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي الذين كانت إبداعاتهم في الاداء المقامي مثالاً إبداعياً يحتذى به ..!

من الاجيال المتأخرة التي ظهرت بعد إنتصاف القرن العشرين من مُغنّي المقام العراقي يقف أمامنا المطرب عبد الجبار العباسي حاملاً هو الآخر لواء الطريقة القبانجية بصورة صريحة مهللاً بها ورافعاً رايتها بصوت غنائي يختلف كثيراً من حيث قيمة مؤهلاته عن صوت استاذه القبانجي ..! إن نتاجات عبد الجبار العباسي في أداء المقام العراقي على كل حال ، تتميَّز بالخصوصية أكثر مما هي تصوير أو تقليد ببَّغاوي للطريقة القبانجية ، وقد نستطيع أن نقول أنه إستقى أُسلوبه وطريقة أدائه من أُستاذ الاجيال محمد القبانجي ، ويمكننا أن نضيف على ذلك ، إذ تقمَّص شخصية القبانجي في الكثير من حركاته في حضوره على المسرح .. على كل حال ، إنّنا لانرى ما يراه هو ..! إنَّه يقول عن أُسلوبه وعن أدائه أشياء كثيرة ، ولكن ليس بالضرورة أن تكون ملاحظاتُه عن غنائه موجودةً فعلاًً ..! ولكننا نستفيد من ذلك إذ ينبـِّهنا للبحث عما يقول ليتسنى لنا سماع أو تحليل نتاجاته بنظرة نقدية تقويمية صادقة ..!

نظرة ٌفي فنـِّه المقامي
إنَّ إمتلاك عبد الجبار العباسي للممارسة الطويلة في أداء المقامات العراقية التي بدأها منذ خمسينات القرن العشرين والحريص عليها ، لكنه يفتقر في بعض الاحيان الى فنيَّة معالجة مادة الاداء المقامي التي توارثها هو والجميع أباً عن جد .. إن حضوره في الساحة المقامية ، يحجب الحديث عنه أحياناً ..! فهو موجود في معظم المناسبات في حفلات المقام العراقي ، وتراه دائماً أمامك نشطاً مثابراً لا يحتاج الى من يتحدث عنه ..! والآن إذ لم يعد بمقدورنا بعد اليوم النظر الى نتاجات عبد الجبار العباسي المقامية الكثيرة كمطرب ناشئ أو قليل التجربة والخبرة .. وإن يكن دعيـَّـاً ..!! يصرح دائماً ويبشِّر بعطاء كبير وكثير ..! فقد أنتج أعمالاً مقامية كثيرة ، إستمعنا إليها وسمعتها الجماهير ، وتوجَّب على النقاد والجماهير أخذ نتاجاته المقامية مأخذ الجد والتمحيص كتجربة أدائية من تجارب الأداء المقامي على مدى الاجيال ..

آراؤه وقيمة ُنتاجاته
مرَّة سُئل عبد الجبار العباسي في لقاء صحفي أجراه معه الكاتب ستار جاسم إبراهيم ، منشور في جريدة الثورة يوم 27/6/1994 عن مـــاهيّة المقام ..؟
أجاب العباسي إجابة جيدة ، بحيث لم يصل كثير من الباحثين المقاميين بالتركيز والتكثيف في هذا التعريف ..! وجدت من المفيد أن أذكرَه هنا ..
(المقام العراقي مجموعة ألحان منسجمة بإطار فني واحد ، والمقام ليس مجرَّدَ غناءٍ فقط وإنَّما روحيةٌ عراقية ٌصرفة ٌوحسٌّ إنسانيّ يُعَدّ تراثاً إختصَّ به العراق ..!)
إنَّ عملية َتحديد القيمة الجمالية والادائية للمقامات التي أداها عبد الجبار العباسي ، مقارنة بالمقامات التي أُديت من قبل بعض معاصريه مثل حمزة السعداوي وعبد الرحمن العزاوي ... الخ نرى ان العباسي بصورة عامة قد إمتاز بناحية إستبدال الكلام المغنى سابقاً بكلام جديد ، شأنه في ذلك شأن استاذه المطرب القدير عبد الهادي البياتي .. وكذلك فإن مقامات عبد الجبار العباسي أكثر هدوءاً ، مع ان ميِّزات اخرى سبق ان ذكرت بحق حمزة السعداوي وعبد الرحمن العزاوي أو غيرهما من المعاصرين الذين مرَّ الحديث عنهم ..
إن مقام الهمايون المؤدى من قبل عبد الجبار العباسي ، وهو من المقامات التي سجلها في دار الاذاعة بداية دخوله إليها ، يعتبر من المقامات المميـَّزة ضمن المقامات التي أداها في مسيرة حياته الفنية ككل ، بإختياره اولاً قصيدة جديدة هي غير القصيدة العتيدة التي إعتاد المُغنّون المعاصرون له تأديتها في هذا المقام تبعاً لأستاذهم القبانجي الذي سجَّلها على إسطوانة في عشرينيّات القرن العشرين بمقام الهمايون ايضاً التي يقول فيها من شعر عبد الغفار الأخرس ..

طهِّرْ فؤادكَ بالراحات تطهيــــــــرا
ودمْ على نهبِكَ اللذات مســــــــرورا
بادرْ الى أخذِ صفوِ العيشِ مبتهجــــــاً
فما أودُّ لوقتِ الانسِ تأخيـــــــــرا
فالواشي يعذلني والوجد يعذرنــــــــي
والصبُّ مازال معذولاً ومعـــــــذورا
يا أيها الرشأ المغري بناظــــــــرهِ
قد عادَ هاروت من جفنيك مسحــــورا
لقد نُصرْتَ على كسر القلوب بــــــه
مالي أرى طرفكَ المنصور مكســـــورا
كأن صورته للعين اذ جـــــــــليت
من فِضَّةٍ قدِّرت بالحسن تقديـــــــرا

هذا هو مقام الهمايون الشهير لمطرب العصور المقامية محمد القبانجي ..! الذي أسَّرَ فيه الكثير من المغنين المقاميين اللاحقين في هذا المقام وغيره ، بحيث إستسلم هؤلاء الكثرة بلذة تقليد هذا الجمال الادائي وعذوبته وتعبيراته الفذة ، كلاماً ومساراً لحنياً ، ولكننا نلاحظ ان العباسي لم يفعل ذلك في هذا المقام فقد غنى أبيات شعرية جديدة هي غير الأبيات التي غناها أستاذه القبانجي ..

انا في الحب قد نظمت قصيــــــدي
ووهبت الغرام أحلى نشيــــــدي
ومنحتُ الجمال قلبي ، فقد تيـــــَّم
قلبي حبُّ الحسانِ الغيـــــــد
فخذِ العودَ يا نديمي وهـــــــاتِ
النايَ واعزف لقلبيَ المعمـــــود
فهنا في مسائنا طابت النــــجوى
ولذ َّ السماعُ للتغـــــــــــريد
طابَ ليلٌ يضُمُكمْ يا أحبـــــايَ
وطبتم لكلِ ليلٍ جديـــــــــد

والناحية الاخرى التي تحسب للعباسي في ادائه لمقام الهمايون ، هي نفاذه الهادئ الى موضوعات ضمنية تنطوي على تعبير جديد لمسارات لحن هذا المقام ، هذا بالاضافة الى أنَّنا نستطيع مقارنة هذا المقام بمقامات أُخرى أُديت من قبل الآخرين من المُغنيّن في نواحيه الأدائية والفنية .. ونتاجات العباسي على العموم تقترب من جودة الأداء بصورة عامة ..! من حيث التركيز والكمال الفني غير أنها لا تبلغهما تماماً ..!! وهذا الإجمال فيما نسمعه من نتاجاته المقامية ، ندرك بصورة سريعة الى أنَّه إبتعد عن أداء المقامات الرئيسة أو المقامات ذات الوزن الثقيل ، وإعتمد خلال سيرتِه الادائية للمقام العراقي على الكثير من المقامات الفرعية والصغيرة تهرباً من مستلزمات تلك المقامات التي تحتاج الى مساحات صوتية واسعة يفتقر اليها صوت العباسي ..! وقد إعترف بذلك عندما تمت إستضافتُه في (ملتقى حسين الأعظمي الثقافي) يوم 29/12/1994 للحديث عن تجربته الغنائية في المقام العراقي .. (*8)

مقاماتُه في الإذاعة والتلفزيون
إنَّ مقاماتِ عبد الجبار العباسي التي سجلها بصوته في الاذاعة أو التلفزيون من ناحية اخرى ، هي غالباً غير كاملة الاصول الادائية في قطعها وأوصالها ..! أي ناقصة الشكل المقامي ، وفي هذا الصدد يتشابه العباسي مع استاذه المباشر المطرب عبد الرحمن خضر بعدم إهتمامهما بالشكل المقامي نسبياً ..! لذلك نرى ان مقامات عبد الجبار العباسي تفهم على انها أجزاء من مقام كامل ..!! وبالتالي تكون مقاماتُه غير تامة الاصول الشكلية في الاعم الاغلب ، وفي هذا الصدد يعلـِّل العباسي أسباب ذلك الى أنَّ وقت التلفزيون قصير وعليه يختصر المقام إضطراراً ..!!!(9 *)
وفي البعض الآخر من مقاماته التي يحاول أن يكمل أداء اصولها التاريخية والتقليدية ، كمقامه الأكثر شيوعاً (مقام الهمايون) الذي مرَّ الحديث عنه ، حيث يرقى به على أن يكون مقاماً متكاملاً ، وبالإجمال فإن مقاماته على العموم ، بعضها قد إجتهد لإتمام اصولها التقليدية ، والبعض الآخر من هذه المقامات ناقصة لبعض من هذه الاصول الشكلية والتقليدية ..
هذه هي المقامات التي تستند إليها شهرة عبد الجبار العباسي الى حدٍّ كبير ..! وقد كان إنتشارها عملاً فذَّاً في التخطيط لإنتشارها بأوسع مدى من معاصريه ..! وقد حظي العباسي خلال حياته الفنية بمدد جيد من قبل الخبير المقامي الحاج هاشم محمد الرجب ، ومن تعاون وثيق معه من قبل العباسي ، فالرجب هو الذي إصطحب العباسي الى بلدان بعيدة الجغرافيا ليغني المقامات هناك ، وهو الذي رفعه الى منزلة لم يرفعه إليها غير الرجب من الخبراء أو غيرهم ، ولكن ما عمله عبد الجبار العباسي في فنِّه المقامي لم يكن جمعاً للاصول التقليدية والتأكيد عليها ابداً , وإنما تنويعات في فن الاداء المقامي ، فأكثر المقامات التي سجلها بمثابة دلالة عليه ، وأفضل هذه الدلالات في مقاماته هو مقام الهمايون الذي كان فيه بأحسن حالاته الفنية والتعبيرية ، إنَّ مجرَّدَ تكرار ما عمله العباسي في مقام الهمايون أو مقام الحديدي أو المقامات الاخرى التي توصف بأنها جيدة بالنسبة اليه ، بقصيدة جديدة مثلاً ومسارات لحنية ذات تعبير خاص به ، على انه يكفي لجعل مقاماته الاخرى من حيث نموِّها الفني بمستوى مقام الهمايون أو مقام الحديدي المسجلة بصوته .. ولا يكفي له ان ينعت بالنجاح ما لم يكرر منحى التعابير الجديدة التي نجح فيها بمقام الهمايون أو مقام الحديدي ، واذا ما نجح في ذلك ، فهذا يعني النجاح والابداع المستمر ليعطي لأعماله الادائية معنىً يكسبها استمراراً ، وهذا ما حاول العباسي فيه أن يسبغ على ادائه المقامي هذه الميـَّزات بصورة عامة ، ولكن الواقع ان نتاجاته المقامية ليست بمستوى واحد ، فهناك تذبذب في المستوى الفني والادائي على وجه العموم ، أما مهارته في الحضور المسرحي والتفاعل مع الجمهور وجعلُ أدائِه للمقامات شيئٌ ذو علاقة ضمنية بينه وبين الجمهور المستمع ، فإنها كانت قد أكسبته نجاحاً طيباً ولكنه ليس كبيراً ..! وفي هذا الصدد يقول العباسي (أنَّه يفكّر ويغنّي بما يريده الجمهور) (10*) أي أنه يخضع لإرادة الجمهور دون أن يحاولَ إرشاده الى جماليات ثقافية جديدة ..!!
وفي مقام الأوْج الذي مرَّ ذكره ، أظهر العباسي في أدائه لهذا المقام إمكانية جيدة ً، خاصة عند تكرارغنائه أكثر من مرَّة بعد أن دشَّن به دخوله الإذاعة عام 1957 حيث تبلور أداؤه لهذا المقام بمرور الزمن وحصل فيه على نجاح جيد من حيث إتقانه لشكل هذا المقام تقليدياً ومن ثم تماسك بنائِه الادائي والتعبير عن الروح المقامية فيه ، وكذلك جاءت مقامات أخرى نجح في أدائها مثل مقام الشرقي رست الذي يُغنيه بهذا الزهيري ..

لو عنه شوق السحر والحب مرمرنـــــــــــــه
واهل الحسن غربوا والولف مامرنــــــــــــــه
راحوا ولا جربوا حلوتنه من مرنـــــــــــــــه

لو فتت من حيهم يا صاحبي مرهــــــــــــــــم
واصبح ذكرهم دوى لجرح القلب مرهــــــــــــم
فاض بكؤوس الهجر يا وسفتي مرهـــــــــــــم

اوكل ظنتي قلوبهم يوم اعشقت مرنــــــــــــــه


وهناك مقامات أُخرى ضمن المسيرة الفنّية للمطرب عبد الجبار العباسي كانت تعكس تدهوراً في القوى البنائية لادائه لها وتردداً رتيباً فيما يتعلق بالمعنى الجمالي لغناء المقامات العراقية ..
إنَّ المقامات المُؤداة من قبل عبد الجبار العباسي بصورة عامة ، كانت على جانب يدل عن مقدرة كافية لترك أثر لدى الجمهور في هذه المقامات ، وتدلّ أيضاً في أحسن حالاتها على إقتدار ٍكاف ٍوتركيز ٍجيد ٍعلى وحدة الأثر ، وقد جعلته قوة الترتيب وتهيئة الشكل المقامي لبعض المقامات مُؤثراً كما هو الحال في المقامات التي نال فيها نجاحاً جيداً ..
وإليك عزيزي القارئ الكريم بعضُ قصائد وزهيريات المقامات التي أدّاها عبد الجبار العباسي ، ففي مقام النهاوند غنّى هذه الأبيات من نظم عدنان القيسي ..

اقولُ لها وقد أزف الرحيـــــــــلُ
أما للود عندكمُ دليـــــــــــــل
تقولُ كفى فؤادُك مستهــــــــــام
أتهوى من لقلبِكَ لا يميـــــــــــل
ألا متّ في الغرام فكم قتيـــــــــل
ذوى كالغصن أنهكه الذبـــــــول
أما ترضى لحالك إذ تــــــــراءت
بوجهك لوعة وبدا النحـــــــــول
وفاضت من عيونك إذ تـــــــبدت
على الخدين من ولهٍ سيــــــــول

وهذا مقام الخنبات بهذه الأبيات ..

ما لقلبي تهزُّهُ الاشــــــــواقُ
خبرينا أهكذا العشـــــــــاق
كلُ يومٍ لنا فؤادٌ مـــــــــذابٌ
ودموعٌ على الطلالِ تــــــــراق
فارحمي يا أُميمُ لوعةَ حــــــبٍ
شفهُ الوجدُ بعدكمْ والفــــــــراق

وهذا الزهيري في مقام المدمي ..

دمع البيابي تلاطم كالبحر والرجــــــا
وكتاب صبري تفضح والدهر ورِّجـــــا
واللي اوده على حال العدو ورِّجــــــا

من سلمتله العقل بالعقل عني بعـــــد
كثرن همومك ياقلبي شرد اداوي بعـــد
يللي تكلي اصطبر شصطبر كلي بعــــد

احباب قلبي اكطعوا حبل الوصل والرجـــا

وفي مقام الدشت كانت هذه الابيات ..

أراك تحيد عن نظري حيـاءاً وتخشى من فرارك لي مســاءاً
فما أنا بالذي يهوى رياءاً حبيبي زد جفاءا أو وفـــــاءاً
فها أنا منك بالحالين راضـــي
بحمرة ورد خدك بالبيـاض وشريك للمدامة في الريـــاض
أيا ملك القلوب بلا إعتراض أماناً من مراشفك المــــراض
ومن أسيافها تلك المواضـــي

وفي شكل الشعر مع الابوذية غنى هذه الابيات وهذه الابوذية ..

أفي كل يوم جيئة وذهـــــــاب
لاحبتي حيث الهوى جــــــــذاب
ما عدت إلا والفؤاد مولـــــــع
والناس حيرى والغرام عـــــذاب

دخيلك يلخذت عقلي واناجـــــــــاي
واداوي جروح قلبي واناجـــــــــاي
كل يوم انا رايحلك واناجــــــــــاي
جذبني هواك وما تم امل ليـــــــــه

وأخيراً هذا مقام الحكيمي بهذا الزهيري ..

سهام الليالي بغدر ياصاح ورمتنـــــي
وجروحهن اثرن بالروح ورمتنـــــي
ما شاهدت مخلص ساعدني وارمتنـــي

عند الشدايد فلا تلقى صديــــــق دام
اهل الغدر للوفا دمَّوا ياصاحـــــب دم
اضحك كذب وابتسم والقلب يبكــــي دم

جتني المصايب بغير احساب ورمتنـــي

*********************
الهوامش

(1*)– الاذكار – مفردها ذِكِر يجتمع فيه الصوفيون ويقرعون دفوفا خاصة وترافق هذه الدفوف آلة ايقاعية تسمى الخليلية ويرددون قصائد نظمت باللغة الدارجة في مدح الرسول الاعظم  وقد تشعب هؤلاء الى عدة طرق منها الطريقة الرفاعية نسبة الى السيد احمد الرفاعي والطريقة القادرية نسبة الى الشيخ عبد القادر الكيلاني والطريقة السهروردية نسبة الى الشيخ عمر السهروردي والطريقة البدوية نسبة للسيد احمد البدوي والطريقة النقشبندية ومؤسسها الشيخ محمود النقشبندي وقد اخذها من الطريقتنين السهروردية والسرهندية واصبحت طريقة واحدة سميت باسمه .
ب- التهاليل – مفردها تهليلة وهي ان يقف الصوفيون على شكل دائرة ( حلقة ) ويذكرون اسماء الله الحسنى باصوات منسجمة واوزان خاصة وينبعث من بينهم مؤدي مقام ينشد قصائد لشعراء صوفيين ويتوسط الحلقة رجل مرتدي لباساً خاصاً وهو لباس المولوية يستدير بمكانه بسرعة وهو واقف ويعمل بيديه حركات متنوعة حيث يفرش في الدوران رداءه العريض وسط هذه الحلقة اما الواقفون فهم يوحدون بلفظه دايم الله حي وبلفظه لا اله الا الله حسب اصول متبعة اما رئيس هذه التهليلة فيسمى شيخ الحلقة او المرشد .
جـ- المناقب- مفردها منقبة وتتلى فيها المدائح النبوية وتتكون من اربعة فصول ويرتلها رجل يسمى ( الملا ) يجلس قرب البطانة المكونة من ثمانية او عشرة اشخاص وهم يرددون الاشغال الملحنة حسب المقام الذي ينشده الملا او مؤدي المقام ( خليل ، شعوبي ابراهيم ، المقامات ، وزارة الارشاد ، مط اسعد ، بغداد 1963 ، ص 35-36 ) .
(2*)- الملا عثمان الموصلي – ابن الحاج عبد الله بن الحاج فتحي بن عليوي الموصلي . من عائلة الطحان الموصلية ، ولد 1271 هـ 1854 م في الموصل – توفي والده وعمره 7 سنوات ، فقد بصره وهو صغير السن لا صابته بمرض الجدري , حفظ القران الكريم وهو صغيرا وتعلم الموسيقى وحفظ كثيرا من الشعر أيضا . جاء بغداد بعد وفاة السيد محمود فتولى تربيته احمد عزت العمري وهو ابن السيد محمود .. فحفظ صحيح البخاري على يد الشيخ داود وبهاء الهندي ، تعلم القراءات على يد السيد الحاج حسن ، ثم أخذ الطريقة القادرية عن السيد محمد النوري، ذهب الى استانبول وهناك أعجب به السلطان عبد الحميد الذي امر بتعيينه مديرا لجامع أيا صوفيا الذي كان يصلي فيه السلطان عبد الحميد ، تجول بين بيروت وسوريا وتركيا وتعرف على مقرئيها وفنانيها ثم سافر الى مصر فالتف حوله المغنين والموسيقيين ثم عاد الى بغداد وعمل في جامع الخفافين .. كان الملا عثمان من اذكى الناس ، سريع الحفظ .. رحيم كريم الطبع والاخلاق شاعرا فصيحا وعاميا وباللغة التركية والفارسية وملحنا ، سريع البديهة ، خطيبا بليغا عازفا ماهرا على الات القانون والعود والناي والضرب على الايقاع عالما بها .. اخذ عنه ابو خليل القباني من اكابر الفنانين في عصره واخذ عنه ايضا عبد الحمولي الموشحات وبعض الانغام التركية ، نشر سلمى الحجاز كارو النهاوند في مصر والبلاد العربية حيث كانا مجهولين .. خمس كثيرا من القصائد للشاعر عبد الباقي العمري , لحن الكثير من الاشغال الدينية التي تؤدى في المناقب النبوية الشريفة وربما كلها وهي من نظمه وتلحينه وقد اعطى معظمها الى تلميذه سيد درويش عندما تلمذ على يدي الملا عثمان في حلب عندما جاءت فرقة عطا الله المصرية الى حلب وفي القاهرة عندما ذهب الملا عثملن الى مصر اواخر القرن التاسع عشر .. الف كتبا كثيرة في شتى العلوم منها .
ابيض خواتم الحكم ( في التصوف )
كتاب نباتي - الطراز المذهب في الادب - الابكار الحسان - التوجع الاكبر بحادثة الازهر - رسالة من تخميس الامام اليوصيري -جمع نفح ديوان عبد الباقي العمري ( الترياق الفاروقي ) .
وقد تلمذ على يديه الكثير من قراء القران العراقيين منهم
الحافظ مهدي - عبد الفتاح معروف - محمود عبد الوهاب
محمود الهاشمي ( الرجب ، الحاج هاشم محمد ,،المقام العراقي ، ط ثانية ، بغداد ، 1983 ص 114-118، كذلك انظر كتابي أيضا ( المقام العراقي الى اين ؟ ) ص53 – المؤلف - .وكذلك كتاب ( المقامات ) لشعوبي إبراهيم الصادر عام 1964 في بغداد .
(3*) - البسته :- كلمة فارسية معناها ( الرابط ) وهي من الأغاني الخفيفة المرحة ملحقة بالمقام العراقي الذي يغنيه المغني فهي ملحقـة بالمقام المغنى ( رشيد ، د. صبحي انـور ، الالات الموسيقية المصاحبه للمقام ، ط أولى ، بغداد ، 1989 ، ص94 ) – وكذلك قال الفنان د.عادل امين خاكي عند مناقشته لاحد طلبة الماجستير في كلية الفنون الجميلة قسم الموسيقى في 20/3/2002 عن مفردة البسته على انها تعني لحن . – المؤلف –
(4*) - التينور : التنور – الصوت الذي يلي الباص ضمن انواع الاصوات وتمتاز معظم الاصوات الرجالية به وخاصة مؤدي المقامات العراقية حيث يتسع لكل ابعادها.
(5*) - الكتاتيب : مرَّ ذكرها وشرحها ..
(6*) - انظر شرح عناصر الشكل المقامي ، التحرير والقطع والاوصال والجلسة والميانة والتسليم ، في مقدمة الكتاب ..
(7*) - الجالغي البغدادي .. تعارف الناس على تسمية الفرقة الموسيقية الصغيرة التي ترافق غناء المقام العراقي بـ (جالغي بغداد او الجالغي البغدادي) وكلمة جالغي تركية الاصل ترجع الى التعبير المركب من (جالغي طقميسي)الذي يعني جماعة الملاهي ، وتتألف هذه الفرقة الموسيقية من الآلات التالية .. السنطور ، الجوزة ، الطبلة ، الرق ، واحيانا تضاف اليها آلة النقارة الايقاعية .. (رشيد , الدكتور صبحي انور، الآلات الموسيقية المصاحبة للمقام العراقي ، اللجنة الوطنية العراقية للموسيقى ، بغداد ، 1989 ، ص9)
- آلة الجوزة .. الجوزة تسمية حديثة سائدة في العراق فقط ، وترجع هذه التسمية الى المادة التي يصنع منها الصندوق الصوتي للالة وهو (جوز الهند) . اما في الاقطار العربية فان هذه الآلة تعرف باسم(الرباب)ذات الوتر الواحد ، في حين ان الجوزة في العراق ذات اربعة اوتاروامكانياتها تقارب امكانيات آلة الكمان ..(نفس المصدر السابق ص30)
- آلة السنطور .. هذه الآلة يرجع اسمها الى اللغة الآرامية العائدة الى عائلة اللغاة السامية التي تنتمي اليها اللغة العربية ، والسنطور آلة وترية بشكل شبه منحرف يعزف عليها بواسطة المضارب .. (نفس المصدر السابق ص12)
(8*) أسَّس هذا الملتقى عام 1993 في بيت الأعظمي – المؤلف – لنشر الثقافة عامة والفنون خاصة والموسيقى والغناء بالأخص ، وإستمر يستضيف الشخصيات الشهيرة في كافة العلوم والفنون طيلة عشر سنوات كاملة حيث توقف بعد احتلال العراق عام 2003 ، وقد استضاف هذا الملتقى الكثير من شخصيات المشاهير العراقية والعربية والأجنبية وسُجِّلت محاضراتُهم بواسطة جهاز التسجيل الصوتي وبعضها سجلت بالفديو أيضا ، وقد كان وقت اقامته في العاشرة من صباح يوم الخميس من كل اسبوع ..
(9*) من حديث للعباسي عن تجربته المقامية في ملتقى الأعظمي صباح الخميس 29/12/1994 ..
(10* ) نفس المصدر السابق


ملاحظة / كل الاغاني ونوطاتها التي وردت في هذا المحور موجودة في كتابي الموسوم (المقام العراقي باصوات النساء) الصادر في كانون الثاني January 2005 في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر .. وكتابي (الطريقة القبانجية في المقام العراقي واتباعها) الصادر في بيروت عن نفس المؤسسة مطلع عام 2009