مسلك ميمون
23/08/2009, 10:20 AM
قراءة في عشر قصص قصيرة جداً للقاص محمود عادل با دنجكي
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9942.imgcache
القاص محمود عادل بادنجكي
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
تقديــــــــــــــــم :
محمود عادل بادنجكي كان من الأوائل الذين لفتوا انتباهي في منتدى القصة القصيرة جداً ؛ لا بتميزه فحسب و لكن لكثرة إنتاجه . قرأت له معظم ما نشر. لا أكتم أنّ نصوصه الأولى كانت تبحث عن نفسها في دوامة القص . و ما دعاني لقراءتها رغم ذلك ،أنني كنت أجد القاص يجعل نصوصه تعكس حدث اليوم و السّاعة . فهو لا يخرج عن دائر ة المعيش بكل اضطرابه و هدوئه ، و تقاربه و ابتعاده ، و سعادته و حزنه ....ثمّ إنه كان و لازال شغوفا بالبحث عن الجديد فنصوصه القصيرة جداً ؛ تعكس فنياً الواقع اليومي ؛ و أحياناً تركز على قتامة النّفس البشرية ؛ فتقطف نماذج تعيش الصّراع ،أو تعاني الإحباط ، أو الحيرة و الغربة ...
والقاص في ذلك ؛ كان من النّوع المجتهد . الذي لا تغريه تعليقات المجاملة ؛ و لا كلمات المحاباة ... كان يبحث عن مرآة صافية ، تعكس وجه نصوصه ، ليتلافى أخطاءه . و يتجاوز أولى العتبات. فما مرّ عامان حتى بدأت أقرأ للقاص أشياء مختلفة . يعتمد فيها على التّراث ، و الشّائع من الأقوال و الأفكار ...
ومرحلة عامين ليست في عمر الإبداع شيئاً ذا بال ! و لكن إذا حدثت فيها طفرة و قفزة نوعية . فهذا يدل أنّ المبدع حريص على التّقدم بفنه ؛ و الذهاب به بعيداً . أقول هذا لأنّ هناك من القصّاصين ؛ و الشّعراء و من المبدعين عموماً ؛ من تكلّس إبداعهم ، و لازم نمطاً أحدياً ؛ لا يحيد عنه .
و قد وجدت للقاص محمود عادل بادنجكي وجهة نظر خاصة في القصة القصيرة جداً إذ يقول :
(القصّة القصيرة جدّّاً، تتناسب جدّاً مع عصرنا.. عصر (الساندويتش)، و (الفيديو كليب) ...
وفي زمن تدفـّق المعلومات، والانشغال بشتى مناحي الحياة، تصبح الثقافة، والجانب الأدبيّ منها، عبئاً، يتطلّب الوقت لكتابته، وقراءته..
وحتـّى في الثقافة البصريّة السهلة عبر مسلسلات التلفاز، نجد أنّ الكثير من الناس أبدوا إعجابهم ومتابعتهم لمسلسل مثل (بقعة ضوء) الذي يعطي الفكرة بسرعة عبر ومضة، دون شدّ أو مطّ.
كما يذكر الكثير من النقـّاد فإنّ ق.ق.ج هي الفنّ السهل الممتنع، يحرق فيها الكاتب فكرة، قد تصلح لقصّة قصيرة. وتتطلّب من الكاتب، نظراً ثاقباً يراقب فيها الأحداث حوله، ليلتقط صوراً فنيّة يصوغها بلغة أدبيّة راقية.
لقد رأيت فيها متنفـّساً، في غمرة انشغالي. فمن الممكن أن أكتبها على هاتفي المحمول، خلال تنقلاتي، أو في فترات الاستراحة!
وقد يجد الكثير من القرّاء الذين لا يملكون الوقت الكافي لقراءة قصّة قصيرة أو رواية، يجدون في ق.ق.ج الفرصة لاكتشاف الدهشة، والاستمتاع بقراءات أدبيّة، تروّح عنهم، دون أن تكلّفهم مشقّة متابعة طويلة لقصّة بأحداث متشعّبة تتطلّب حضوراً ذهنيّاً كبيراً، ووقتاً أطول في تتبعها حتى النهاية.)
فمن هو القاص محمود عادل بادنجكي ؟
إنه من مواليد 1961 في حلب الشهباء ، من سوريا العروبة .
التحصيل العلمي: بكالوريوس اقتصاد، جامعة حلب.
النشاط الثقافي:
ـ مشرف على منتديات القصة والقصة القصيرة في عدة منتديات.
ـ نشرت له العديد من المقالات في مختلف الصحف المحلية والوطنية.
ـ شارك في العديد من الأمسيات والندوات.
ـ شارك في العديد من ملتقيات القصة القصيرة جداً.
النشاط الجمعوي:
ـ مؤسّس يوم الأب منذ سنة 1996.
ـ عضو مجلس إدارة جمعيّة تنظيم الأسرة السوريّة، فرع حلب.
ـ مؤسّس ورئيس جمعية "من أجل حلب".
ـ عضو مؤسّس في الجمعيّة الوطنيّة للتنمية البيئيّة.
ـ عضو في العديد من الجمعيّات العلميّة والثقافيّة.
ـ نظـّم العديد من المهرجانات في حلب.
ـ ساهم في تطوير مهرجان القطن في حلب.
الاختراعات:
ـ حائز على 3 براءات اختراع، وله أكثر من 28 إيداع لبراءات اختراع.
ـ عمل أكبر سيارة من "الكاتو" (الحلوى) بالحجم والوزن الطبيعي.
http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?t=21599
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(1)صــديـق مـلــيء بالحيـــاة
صديقي مليء بالحياة.. يُشعل الدنيا صخباً.. بصوته الجهوري المرتفع.. وبذاءته المحبّبة ..
حتى لمن ليست البذاءة من عادات لغوه.
محبّ ٌ للخير, و لأصدقائه, شديد المرح, سريع الغضب.. كثير التدخين, يتبنــّى فلسفة خاصّة في الحياة, والسياسة.
لم يعد مليئاً بالحياة بعد الآن.
لقد عُدتُ من جنازته.. قبل قليل!!!
***
''صديقي مليء بالحياة '' ومضة معبرة و لا تعد قصة قصيرة حداً، لأنّها لا تحتوي على حدث متطور، متنام ، بل يمكن تلخيصها في المقدمة و الخاتمة :
(صديقي مليء بالحياة ...لم يعد مليئاً بالحياة بعد الآن ، لقد عدت من جنازته .)
أما الباقي فهو مجرد أوصاف،قد تطول أو تقصر . ولكن لن تغير شيئاً من معنى الومضة في هذا النّص . و إن كان يستحسن في الومضة أن تكون كلماتها في حدود رسالتها. بمعنى لا تتسع للوصف و السّردRécit
و المعنى : إنّ الإنسان ( الصّديق ) يعيش الحياة بأجواء الفرح و الفعــــــل و الانفعال و الصّخب ،و الخير و المرح، و الغضب و التّفلسف ...و لكنّه في لحظة قد ينتهي ؛ و يسدل الستار عنه و لم يعد مليئاً بالحياة . و ذاك قدرنا جميعاً . و لكن الومضة هنا، جاءت لتذكّر مَن أنساه التّكالب على ملذات الحياة ؛ ورونقها الزّائف . أنّه منته و ميّت ، و لا استمرار و لا خلود للإنسان .
أمّا مما جاء في لغة النّص : فقد استوقفتني عبارة ( و بذاءته المحبّبة ) الذي أعرفه أنّ البذاءة هي الفحش و السّفه و الكلام القبيح ... فكيف يكون كلّ هذا محبباً ؟! بل كيف يكون هذا محبّباً ( حتّى لمن ليست البذاءة من عادات لغوه) ؟ ثمّ كيف يكون بذيئاً و يكون محبا للخير ؟ ! و من الخير ؛ الكلمة الطيبة ....؟ أسئلة يثيرها النص . و لا يساعد على اقتناص أجوبتها .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(2) غـــيــــرُك
طال انتظاره عند مدير المكتب..
غادر حانقا... وترك له مظروفا..عندما فتحه المسؤول.. قرأ فيه:
"لو دامت لغيرك.. ما وصلت إليك."
التوقيع.. غيرك!!!
...
***
'' غيرك '' ومضة أخرى ، تحمل رسالة ، تشعر بعدم دوام الحال على ما هو عليه . و أنّ الأمور في مسار إلى الزّوال و لا شيء من أبّهة ؛و سلطة؛ و جاه ... يدوم . و الفكرة إلى حدّ ما ؛ تكرار للفكرة السّابقة ، في ومضة ( صديقي مليء بالحياة ) فالأول عاش الحياة بمزاجه الخاص و فارقها . و في الثانية المدير يوظف غلواءه؛و سلطته؛ و هيبته في التعامل مع مستخدميه ..,و مآله أن يفارق المكان؛ و يغادر الزّمان ، و يترك المنصب ... و كأنّه لم يكن مديراً يصول و يجول في عنفوان . و ينتهي الأمر إلى غيره.
و لكن هذا ما نستنتجه عنوة ، لأنّ النّص لم يتحدث عن طبع المدير . و كون الموظف انتظر طويلا و لم يستقبل . فهذا لا يعني بالضّرورة أنّ المدير سيء الطّبع.....يستوجب أن يكتبَ له الموظف : ''لو دامت لغيرك.. ما وصلت إليك." ما أدرانا أنّ المدير في اجتماع هام ؟ أو لديه شغل لا يتطلب التّأخير ؟ أو أنّ ظروفه الخاصة لا تسمح له باستقبال أي أحد ؟ أوغير ذلك ...
النّص لا يفصح عن شيء . حقاً ؛ إنّ الومضة لا تحتمل شرحاً أو تفسيراً . و لكن هذا لا يمنع من ألفاظ موحية ، تغني عن جمل ، و تعابير طويلة .
فالومضة هنا ، تلخصها القولة المأثورة ( لو دامت لغيرك.. ما وصلت إليك ) و في مثل هذا التّعامل التّناصي L’intertextualité، أفضّلُ أنّ المبدع يستمد روح القولة ، لا أن يأتي بها كاملة . فلو جاءت الومضة معبرة عن القولة بكثافة سردية. لكانت الإحالة أجدى و أنفع . و ألطف و أمتع .لأنّ لـذة النّص ومتعته الأدبية ... يجدها المتلقي ، فيما يصل إليه من ذات نفسه . و ما يستنتجه بفكره . لا ما يقال له مباشرة ، أو يسرد له بتقريرية و مباشرة .....
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(3) قنبلة موقوتة..
وجهه مستدير كالسّاعة..
شارباه يشيران إلى التاسعة والربع..
قلبه.. قنبلة موقوتة..
وهو.. لا يعرف ساعة الصّفر!!.
***
'' قنبلة موقوتة '': كثيراً ما تأتي '' الومضة '' بما لا تأتي به القصّة القصيرة جداً أو القصة القصيرة ؛أوالقصة عموماً.و بخاصة إذا كانت عفوية،و هادفة كما هي هنا .
حيث لعبت الرّمزية Symbolique دورا أساسيا في هندسة المعنى و جلائه فنيا .
لاحظ معي :
1ـ (وجهه مستدير كالسّاعة..) الوجه : أوّل ما يلفت الانتباه . و هنا هو في استدارة الساعة . ترى لماذا هذا التّشبيه ؟ و لماذا بالضّبط السّاعة دون غيرها من الأشياء المستديرة ؟
2ـ (شارباه يشيران إلى التّاسعة والربع..) الشّاربان معروفان . و لكن كيف يشيران إلى التّاسعة و الربع ؟
إنّك إذا أخذت الوجه المستدير استدارة السّاعة ، و تأمّلت الشّاربين يتوسطانه في امتداد افقي ، و فتل معلوم لرأسيهما . تشعر أنّ الرّأس حقاً أصبح ساعة بعقربيها . و أنّها تسجل زمناً محدداً . ( التّاسعة و الربع )
3ـ ( قلبه .. قنبلة موقوتة ) إذا تركنا الرأس عماد الوقت و التّوقيت . سنجد القلب استحال قنبلة موقوتة . كيف ذلك ؟ أليس القلب موضع التناقض : موضع الحب و العطف و الحنان ، و محضن الضّغائن والأحقاد ، و الكره و البغضاء ؟
بلى ، إذاً ، فهو يظهر مخبوءاته و يعلن عنها و لكن :
4ـ ( لا يعرف ساعة الصفر )
ومضة جميلة ؛ هادفة ؛و معبرة .... فبقليل من الكلام ، و التشكيل ، استطاع السّارد أن يربط بين حركة الزّمن؛ و قدرة الفعـل . ذلك الفعل ـ حقاً ـ الذي سيبقـى وثيق الصّلة بالزّمن . والزّمن هنا : ( ساعة الصّفر ) التي نجهلها . و التي ـ لاشك ـ لها أسبابها و دوافعها .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(4)عُصارة من ومضات
قال له الطبيب: مرضك خطير!!!
أسرع راكضاً.. إلى منزله..
أخرج دماغه.. من جمجمته.. وبعجالة.. اعتصره سخيّاً على ورق..
ثمّ استلقى على سريره.. ينتظر بسلام!
سوى أنّه اكتشف مزيداً من عُصارة..
فقام مسرعاً.. ليعيد الكرّة ثانيةً..
واستمرّ يعيدها مرّات ومرّات.. حتّى استنفذ آخر ومضة من قلبه.
فقُبِض.. ودماغه بين يديه!
قد فاض بالكثير.. لم يُعتصرْ!!!
***
'' عصارة من ومضات '' : حين قرأت هذه القصة القصيرة جداً تذكرت قولة سيبويه ( أموت و في نفسي شيئ من حتى ) و لربّما يكون القاص قد استلهمها من هذه القولة . النّص سريالي خيالي ، و لكنّه له دلالة قصوى ، و هدف بعيد :
حين علم البطل بدنوأجله ، فكر أن يعصركلّ ما في دماغه حتّى لا يقبر معــــــه (أخرج دماغه.. من جمجمته.. وبعجالة.. اعتصره سخيّاً على ورق..) اعتقد أنّ ما كان يشغله قد انتهى ، و استسلم إلى قدره في انتظار الموت .
و لكن فجأة؛ أحسّ أنّ دماغه لا زالت به عصارة الفكر (فقام مسرعاً.. ليعيد الكرّة ثانيةً..) و توالت العملية مرات عديدة فحانت ساعة الأجل المحتوم . (فقُبِض.. ودماغه بين يديه! قد فاض بالكثير.. لم يُعتصرْ!!! )
إنّ النصّ رغم بساطته ، و إن كان بصورة غرائبية exotique إلا أنّه يحمل دلالة البعد الضائع مع الموت . فكم من موتانا من يحملون معهم إلى قبورهم حقائق و أفكاراً و علوماً ... لو أنّها سجّلت ودوّنت ... لكانت فضلا كبيراً ، و خيرا جزيلا تنعم به أجيال و أجيال .
النصّ ـ من حيث كتابته ـ يغري بالمناقشة :
1ـ (قال له الطبيب مرضك خطير!!! )
أفضل أن تحذف هذه العبارة.ذلك أنّ الطبيب لن يقولها لمريضه وإن كان جائزا أن يقولها لأهل المريض . فهو ـ رغم أنّه ـ يعالج مرضا خطيرا.و لكن يشعر مريضه دائماً بالأمل في الشّفاء . فلو كان مدخل القصّة كالتّالي : شعر بدنو أجله ....أخرج دماغه... ) لربّما كان أحسن .
2ـ (سوى أنّه اكتشف مزيداً من عُصارة..) كلمة ( سوى ) في هذه العبارة تبدو قلقة ، الأحسن أن تعوض ( سوى أنّه ) ب ( و لكنّه )
3ـ (حتّى استنفذ آخر ومضة من قلبه ) كلمة ( استنفذ ) ربّما يراد بها ( استنفد ) بالدال و ليس بالذال المعجمة . لأنّ ( نفذ ) من الإنفاذ : بمعنى الخرق .. و ( نفد ) فرغ وانقطع و فني .
4ـ ملاحظة أخيرة ؛ ألاحظ توظيف نقط الحذف اعتباطاً في هذا النّص ، علماً أنّ توظيفها له دلالة وظيفية Fonctionnel. تفيد أنّ على القارئ أن يتمّ الباقي من عنده لأنّه واضح و بين ولا داعي لكتابته مثلا : (أخرج دماغه.. من جمجمته.. وبعجالة.. اعتصره سخيّاً على ورق.. ثمّ استلقى على سريره.. ينتظر بسلام! )
هل هنا ما يسوجب نقط الحذف ؟
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(5) مسابقة القلوب الكبيرة ....
في مسابقة "القلوب الكبيرة" وُزّعت الجوائز على الشكل التالي:
- الجائزة الثالثة: فاز بها.. كاتب كظم غيظه من أحد النقّاد.
- الجائزة الثانية: خـُصّصت.. لكاتب امتلك شجاعة الاعتذار, من ناقده على رؤوس
الأشهاد.. بعد سجالات.
- أما الجائزة الأولى: فذهبت لناقد كبير, تحمّل نقداً!!!
حين كشفوا على قلبه وجدوه يتّسع لآلاف النقّاد.
***
'' مسابقة القلوب الكبيرة '' : قصة قصيرة جداً و جدتها ممتعة لما تطرحه من قضايا متنوعة، في كلّ واحدة و جهات نظرمختلفة . و إن حسم القاص فيها بأن جعل لكلّ تيمة جائزة . هل جاءت الجائزة كتعبير عن قيمة مستحقة ؟ أم عن قيمة إضافية ؟ أم قيمة صورية ؟ في جميع الأحوال النّص مضمّخ بمسحة جدلية بين المبدع و النّاقد . لا أشك أنّ القاص مرّ بها . و قد حزّت في نفسه فترجمها نصاً قصصياً . لأنّ وجهة نظره واضحة و إن جاء بها في وجوه ثلاثة : اثنان منها تخصّه كمبدع ، و الثالث منها يخصّ النّاقد .
فالقلوب الكبيرة حسب النّص هي القلوب الرحبة التي تتّسع للنّقد و القيل و القال؛ و الأخذ و الرد ؛ و لا تعرف البغضاء؛ ولا الحقد؛ و لا الضغينة .... و من تمَّ حدّدت جوائزها . كمظهر قيمة خاصة . و البداية من آخر جائزة :
ـ الجائزة الثالثة: فاز بها.. كاتب كظم غيظه من أحد النقّاد.
لوكان منّي لحرمته الجائزة . فما دام هناك غيظ ، فهناك ظلم واعتداء . وعليه أن يدافع عن إبداعه ووجهة نظره لا أن يستكين لكظم الغيظ ، و إن كانت هذه الخصلة محمودة ، و لكن في زمانها و مكانها و موقفها الخاص . و ليس في جميع الأحوال . حتى لا ينطبق عليه القول السائر : السكوت علامة الرضا .
ـ الجائزة الثانية: خـُصّصت.. لكاتب امتلك شجاعة الاعتذار, من ناقده على رؤوس الأشهاد.. بعد سجالات.
جائزته مستحقّة لأنّ الاعتراف بالخطأ فضيلة .
أمّا الجائزة الأولى: فذهبت لناقد كبير, تحمّل نقداً!!!
جائزة مستحقة لأنّ معاناة الناقد قد لايعرفها كثير من النّاس ، و قد عبّر عنها النّص (حين كشفوا على قلبه وجدوه يتّسع لآلاف النقّاد )
و لكن هل يمكن اعتبار هذا النص قصة قصيرة جدا . أم هو مجرد إخبار ؟؟؟
أعتقد أنّ النّصّ يفتقر إلى الحبكة القصصية .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(6) المعركــة
عاد إلى البيت مكفهرّاً.. لا يريد لأحد أن يكلّمه..
استهلك علبتي سجائر قبل النوم..
أدركت زوجته ما أغمّه..
اتصلت مع شقيقها الذي كان يرافقه.. تستعلم!!
- من هو..؟ إنها المرة الرابعة هذا الأسبوع.. هل رأيت حاله؟
لا.. لم يأكل شيئاً.. يا حسرتي!!
في اليوم التالي..عاد مبتهجاً.. يحمل علب الحلوى وأكياس الفواكه..
أخذ يقبّل أولاده.. يمرح. .يغنّي.. يراقصهم.
لم يسأله أحد عن سبب ابتهاجه..
إنّها عادته حين يربح المعركة.. مع غريمه.. في لعبة النرد!!!
***
'' المعركة '' : قصة قصيرة جداً تحاول بأسلوب فنّي أن تقيم مقاربة نفسية للاعب النّرد . فحين يخسر المعركة يعود مغتماً ؛مكفهرا؛ً فاقدا شهية الأكل؛ يستهلك علبتي سجائر قبل النّوم .
و إذا حدث أن فاز يعود مبتهجاً ؛حاملا علب الحلوى؛ وأكياس الفاكهة ؛ و يلاعب اطفاله كما لو لم يلاعبهم من قبل .
و النّص يشير في خفاء و دون ذكر أو تصريح لحالة و معاناة أفراد الأسرة من زوجة و أبناء الذين يعيشون معه تقلبات وضعه بين الخسارة و الرّبح .
في هذا النص بعض التعابير التي ينبغي إعادة النظر فيها :
1ـ (لا يريد لأحد أن يكلّمه..) اللام في ( لأحد ) زائدة فنقول : ( لا يريد أن يكلمه
أحد ) أو ( لا يريد أحدا أن يكلمه )
2ـ (اتصلت مع شقيقها الذي كان يرافقه ) نقول : ( اتصلت بشقيقها ... )
3ـ (إنّها عادته حين يربح المعركة.. مع غريمه.. في لعبة النرد!!!) تبدو(مـــــــــع غريمه ) عبارة زائدة ، لأنّ السياق يوضح ذلك .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(7)إدمان القصّة القصيرة جدّاً
استغرق وقتاً طويلاً على الشبكة, مشاركاً في منتدى القصة القصيرة جداً, بين قراءة و مساهمة جديدة وتعليق.
لم يكن يأبه لملاحظات زوجته المتكررة, وأسئلتها عن حلوى العيد, وألبسة الأولاد.
ولم يعر انتباهاً لتوسلاتها, ليترك الكومبيوتر ولو لحظات,كي يقررا نوعية مأكولات مائدة العيد التي دعي إليها أفراد الأسرة الكبيرة , ولكن دون جدوى.
ثارت ثائرتها وأسرعت إلى غرفتها تلملم أغراضها, لتقضي العيد في منزل أهلها.
ركض الأولاد حولها يتشبثون بها لتشاركهم أفراح العيد .
أما هو فشرع مبتهجاً بكتابة قصة قصيرة يصف فيها ما جرى معه.
***
'' إدمان القصة القصيرة جداً '' : نص يوضح ما وصل إليه جلّ مَن يتعاطى الحاسوب يومياً و بشكل مرضي ، خال من النّظام و الانتظام . حتّى يهمل الأسرة و متطلباتها فيصبح في درجة تعلق حميمي أشبه بالإدمان ََAddiction
الزوجة حاولت إقناع زوجها الولوع بمنتدى القصّة القصيرة جداً أن ينصرف إلى متطلبات العيد و بخاصة أنّه دعا أهله ... ولكن بدون جدوى؛ فعزمت أن تنصرف إلى أهلها غاضبة ؛ من زوج أصبح همّه و اهتمامه إدمانه على الحاسوب في كلّ وقت ... فخرجت يحفّها أبناؤها؛ متوسلين و راغبين في أن تبقى لتشاركهم فرحة العيد.أمّا الزّوج كما لو لم يكن حاضراً،لا يهتم بما يجري حوله . إلا اهتمامه بكتابة قصّة قصيرة جداً، تستجلي حقيقة ما وقع .
هذا من حيث الدلالة الواقعية ، و لكن من حيث النّسق الفني . فنسجل سرداً أفقياً للحدث . بدون جهد فنّي . لهذا جاء النّص أقرب إلى السردية التقريرية منه إلى القصّة . هذا فضلا عن بعض الهفوات الكتابية :
1ـ ( ... مائدة العيد التي دعي إليها أفراد الأسرة الكبيرة ) دعا ، يدعو ، دعوة ..
2ـ (ركض الأولاد حولها يتشبثون بها ) أبين من ذلك (ركض الأولاد خلفها يتشبثون بها ) لأنّ صورة الأمّ و هي غاضبة تكون هي الأولى و خلفها الأبناء .
3ـ (أمّا هو فشرع مبتهجاً بكتابة قصة قصيرة ) نقول : ( أمّا هو فشرع مبتهجا في كتابة قصة قصيرة . )
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(8) حـيـــــــاة
عندما قُذقتُ إلى الماء.. تخبّطت للعوم في سكونه، حتى اشتدّ العود منّي. ثمّ تطاول البحر فغدا محيطاً، راح يلاطمني بساحقات أمواجه، يتآمر مع الأنواء على كسري.
ولمّا تمكنت من الصمود، بمفتول عضلاتي، واستدمان ضرباته، متمكناً من التحايل على فنونه لإهلاكي..
حان وقتُ الغرق
***
'' حياة '' قصة قصيرة جداً . تجسّد أطوارحياة الإنسان . يخرج إلى الحياة . فيتخبط في أوزارها وظلماتها ، و أضوائها و تجلياتها كمن يقذف في الماء حتّى إذا جاء عليه حين من الدّهرفاشتد عوده . و جد لجّة الماء صارت أكبر و أعمق كانّ البحر غدا محيطا . فأصبحت السباحة أخطروأصعب و كذلك الحياة كلّما تقادم فيها الإنسان صادف من المشاكل ما لم يعرفه في السّابق . و كلّما استطاع التحمّل و الصّمود و المقاومة ، و اعتاد ذلك ، وجد الأجل المحتوم يترصّده ، كالذي يغالب الأمواج ؛ يتعب و تنهك قواه . والأمواج لا تتعب ولا تهدأ .. فيحين وقت الغـرق .
كما أنّ النصّ يحيلنا على صورة مرحلية لحياة الإنسان كلّما تغلّب على مرحلة وجد التّالية أقوى و أشد . و كلّما اعتقد الانتصار، ووثق به ، داهمه الموت فجأة .
همسة في التّعبير : (عندما قُذقتُ إلى الماء.. تخبّطت للعوم في سكونه ) أحسن من هذا و أفصح : ( عندما قذفت في الماء السّاكن ، تخبطت في العوم ... )
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(9) الحبّـة .. والقُبّـة
وحيداً في الصحراء.. يملك حبّة وقلماً..
أعمل قلمه في الحبّة.. طولاً..عرضاً.. وارتفاعاً..
فجعل من الحبّة.. قُبّة.. وولجها!!
***
'' الحبة و القبة '': ومضة غرائبية exotique. مستوحاة من القولة المأثورة ( جعل من الحبّة قبّة ) استجلاء لنفسية بعض النّاس الذين يستعظمون الأشياء و هي صغيرة. أو يعظمونها وهي حقيرة.
و كل ذلك نتيجة نفسية مريضة في غالب الأحيان. لأنّ النّفس السّوية ترى الأشياء كما هي؛ في حجمها الحقيقي و الطبيعي ؛ و لا ترى غير ذلك .
ففي النص : انفرد في صحراء غربته و ليس معه إلا حبّة و قلماً . قد لا يفيدانه شيئاً يذكر، في وحدته ، و اغترابه ، و صحرائه ، و ابتعاده . (أعمل قلمه في الحبّة.. طولاً..عرضاً.. وارتفاعاً..) و ما عسى القلم يعمل غير الكتابة . و لكن هذه الكتابة اللا واقعية جعلت من حبّة تزدريها العين كأنها لا تراها تتحول إلى قبّة . كالقباب التي كانت تضرب في الصحاري ... فما كان من المغترب صاحب الحبّة و القلم ،إلا أن آوى و ولج القبّة ؟ !
هل هذا من المعقول في شيء ؟ طبعا لا .
و لكنها صورة لامعقولة للنّفس المريضة .التي تجد المعقول في اللامعقول . فتصور الحقائق في غير وجهها الحقيقي . و هذا ما نلمسه في الحياة و في أبعادها المختلفة و بخاصة في القضايا الاجتماعية و السياسة .الشيء الذي شكل تناقضات عصرنا الحاضر Paradox of our times
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(10) حـكــاية ظـــلّ
سبقني ظلـّي خطوة.. عبثاً حاولت تجاوزه!! توقّفت فتوقّف، حككت رأسي بحثاً عن حلّ فحاكاني!!
التقطت فكرة نورانيّة لا يرتسم ظلـّها.. ظَلَّ ظِلـّي يتابعني، بعينَي نَسرٍ في قحفه.. لا تعرفان غمضاً.
أخرجتُ ما في جيبي من نقود.. رميتها قُدّامه.. وفي لحظة انحنائه ليلتقطها.. ركضتُ مُسرعاً نحو النور.. فخلـّفتُ ظلـّي ورائي، قدمه تحت قدمي، إلا أنّ رأسه استقرّ هناك.. حيث رميتُ السّقط، لتتباعد المسافة بيننا.. كلـّما اقتربتُ من السطوع
***
'' حكاية ظل '' قد تكون هذه القصة القصيرة جدا في هذه المجموعة ؛ من القصص التي بذل فيها جهد فنّي واضح ، و اجتهاد في التّفكير و الإعداد .
1ـ توظيف الخيال الغرائبي و اللامنطقي أي اللامعقول لتمرير الخطاب : (ظل ظلي يتابعني ... أخرجتُ ما في جيبي من نقود.. رميتها قُدّامه.. وفي لحظة انحنائه ليلتقطها..ركضتُ مُسرعاً نحو النور.. فخلـّفتُ ظلـّي ورائي، قدمه تحت قدمي، إلا أنّ رأسه استقرّ هناك.. )
2ـ جمالية هذه القصة ليس في دلالتها السّطحية : إنسان وظله . و لكن فيما يمكن أن تتيحه من قراءة و تأويل للظل . هذا الظل الذي ليس ككلّ الظلال . ظل يتابع صاحبه و يحاكيه و لكن له ضعف قسري للمال و اقتنائه . فما أن نُثرَ أمامه حتى انحنى لالتقاطه و جمعه .
3ـ ثمّ إنّ النص توسل بالرمز كعامل فني:
( الظل ، رأسه ، قدمه ، النقود ، النور'' السطوع '' )
4ـ كما نجد الرؤية الحركية الشكلانية Formaliste المعبرة : ( سبقني ، حاولت تجاوزه ، توقفت فتوقف ، حككت رأسي ، حكاني التقطت ، يرتسم ، أنحنائه ليلتقطها ، ركضت مسرعا رميت ، اقتربت ..)
5ـ المحافظة على الأشكال التعبيرية البسيطة Les formes simples مع العمق الدلالي ، و البعد الرمزي ، و فيض الاستيهامات Les fantasmes كلّ ذلك جعل النصّ نصاً متميزاً: مفتوحا ، قابلا للتأويل ، و لتعدد القراءات...
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
الخلاصــــــــــة :
1 ـ الومضة أصغر وحدة سردية ممكنة . فينبغي عدم الخلط بينها وبين القصة القصيرة جداً .
2 ـ يستحسن اقتباس روح المثل أو الأسطورة ... بدل الإشارة إليها مباشرة .
3 ـ توظيف الرمزعن طريق التركيب و التشكيل اللغوي يغني و يعمق دلالة النص .
4 ـ الكتابة الغرائبية و السريالية تضفي على النص متعة اللامعقول و نكهة الخيال .
5 ـ توظيف نقط الحذف عند الضرورة و ما تستوجبه طريقة الكتابة الفنية .
6 ـ الإخبار لا يرقى إلى مستوى السرد القصصي في غياب حدث متطور .
7 ـ التحري في استعمال حروف الجرفإنّ لها معان مختلفة .
8 ـ تهذيب النص من الجمل التفسيرية و التعابير الزائدة .
9 ـ التقريرية و المباشرة مما ينبغي تجنبه في الكتابة الفنية.
10 ـ اعتماد الوصف؛ والحركة ؛و الشفرة الدلالية؛ مما يثري النص و يساعد على نجاحه .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
قد يكون من الغرابة الجزم أنّ كلّ ما قرأناه للأستاذ محمود عادل بادنجكي يبشر بالخير ؛ و لكن الغرابة قد تزول ، إذا عرفنا أنّ القاص يختط طريقه باحثا؛ متذوقا؛ مكتشفا؛ لا يستقر على نمط ، و لا يرتاح و يستكين لاتجاه ما .... هنا لا أتحدث عن العشر قصص الآنفة . بل أقصد كلّ ما نشر له لحدّ الآن . و لئن يكون المبدع بهذه الثورة في البحث و التقصي الدائم ... فهذه علامة بارزة عن قوة الإٌبداع ، و طاقة الابتكار، التي يفتقدها الكثير من الكتاب ـ و للأسف ـ الذين نحثوا لأنفسهم طريقا ؛ لا يحيدون عنه قيد أنملة .
لقد جرب القاص محمود عادل الومضة ؛ و لقطتها الخاطفة ، و لغتها المقتضبة ، و دلالتها الواخزة ... كما جرب القصة القصيرة جداً ؛ و استفاد من التراث و النكتة؛ و المثال و الأسطورة .. و وظف لغة السينما في حركات متوالية ، ولقطات عابرة، و تداخل مشهدي ، و تراكيب متجانسة ، توحي باستيهامات و رؤى ، تثري النّص ، وتكسبه أبعاداً من الدلالة والتأويل ... الشيء الذي يجعل النقد يتفاءل خيرا ؛ بإبداعات محمود عادل با دجنكي ، في إطارالومضة و القصة القصيرة جداً. وأعتقد أنّ القاص لم يأت على أو بكلّ ما في جعبته ، بل أرى أنّ الآتي أجمل و أروع ، ما دام القاص بهذه الجرأة والمواظبة والاعتداد .... وروح البحث و التقصّي والاجتهاد ....
د مسلك ميمون
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9942.imgcache
القاص محمود عادل بادنجكي
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
تقديــــــــــــــــم :
محمود عادل بادنجكي كان من الأوائل الذين لفتوا انتباهي في منتدى القصة القصيرة جداً ؛ لا بتميزه فحسب و لكن لكثرة إنتاجه . قرأت له معظم ما نشر. لا أكتم أنّ نصوصه الأولى كانت تبحث عن نفسها في دوامة القص . و ما دعاني لقراءتها رغم ذلك ،أنني كنت أجد القاص يجعل نصوصه تعكس حدث اليوم و السّاعة . فهو لا يخرج عن دائر ة المعيش بكل اضطرابه و هدوئه ، و تقاربه و ابتعاده ، و سعادته و حزنه ....ثمّ إنه كان و لازال شغوفا بالبحث عن الجديد فنصوصه القصيرة جداً ؛ تعكس فنياً الواقع اليومي ؛ و أحياناً تركز على قتامة النّفس البشرية ؛ فتقطف نماذج تعيش الصّراع ،أو تعاني الإحباط ، أو الحيرة و الغربة ...
والقاص في ذلك ؛ كان من النّوع المجتهد . الذي لا تغريه تعليقات المجاملة ؛ و لا كلمات المحاباة ... كان يبحث عن مرآة صافية ، تعكس وجه نصوصه ، ليتلافى أخطاءه . و يتجاوز أولى العتبات. فما مرّ عامان حتى بدأت أقرأ للقاص أشياء مختلفة . يعتمد فيها على التّراث ، و الشّائع من الأقوال و الأفكار ...
ومرحلة عامين ليست في عمر الإبداع شيئاً ذا بال ! و لكن إذا حدثت فيها طفرة و قفزة نوعية . فهذا يدل أنّ المبدع حريص على التّقدم بفنه ؛ و الذهاب به بعيداً . أقول هذا لأنّ هناك من القصّاصين ؛ و الشّعراء و من المبدعين عموماً ؛ من تكلّس إبداعهم ، و لازم نمطاً أحدياً ؛ لا يحيد عنه .
و قد وجدت للقاص محمود عادل بادنجكي وجهة نظر خاصة في القصة القصيرة جداً إذ يقول :
(القصّة القصيرة جدّّاً، تتناسب جدّاً مع عصرنا.. عصر (الساندويتش)، و (الفيديو كليب) ...
وفي زمن تدفـّق المعلومات، والانشغال بشتى مناحي الحياة، تصبح الثقافة، والجانب الأدبيّ منها، عبئاً، يتطلّب الوقت لكتابته، وقراءته..
وحتـّى في الثقافة البصريّة السهلة عبر مسلسلات التلفاز، نجد أنّ الكثير من الناس أبدوا إعجابهم ومتابعتهم لمسلسل مثل (بقعة ضوء) الذي يعطي الفكرة بسرعة عبر ومضة، دون شدّ أو مطّ.
كما يذكر الكثير من النقـّاد فإنّ ق.ق.ج هي الفنّ السهل الممتنع، يحرق فيها الكاتب فكرة، قد تصلح لقصّة قصيرة. وتتطلّب من الكاتب، نظراً ثاقباً يراقب فيها الأحداث حوله، ليلتقط صوراً فنيّة يصوغها بلغة أدبيّة راقية.
لقد رأيت فيها متنفـّساً، في غمرة انشغالي. فمن الممكن أن أكتبها على هاتفي المحمول، خلال تنقلاتي، أو في فترات الاستراحة!
وقد يجد الكثير من القرّاء الذين لا يملكون الوقت الكافي لقراءة قصّة قصيرة أو رواية، يجدون في ق.ق.ج الفرصة لاكتشاف الدهشة، والاستمتاع بقراءات أدبيّة، تروّح عنهم، دون أن تكلّفهم مشقّة متابعة طويلة لقصّة بأحداث متشعّبة تتطلّب حضوراً ذهنيّاً كبيراً، ووقتاً أطول في تتبعها حتى النهاية.)
فمن هو القاص محمود عادل بادنجكي ؟
إنه من مواليد 1961 في حلب الشهباء ، من سوريا العروبة .
التحصيل العلمي: بكالوريوس اقتصاد، جامعة حلب.
النشاط الثقافي:
ـ مشرف على منتديات القصة والقصة القصيرة في عدة منتديات.
ـ نشرت له العديد من المقالات في مختلف الصحف المحلية والوطنية.
ـ شارك في العديد من الأمسيات والندوات.
ـ شارك في العديد من ملتقيات القصة القصيرة جداً.
النشاط الجمعوي:
ـ مؤسّس يوم الأب منذ سنة 1996.
ـ عضو مجلس إدارة جمعيّة تنظيم الأسرة السوريّة، فرع حلب.
ـ مؤسّس ورئيس جمعية "من أجل حلب".
ـ عضو مؤسّس في الجمعيّة الوطنيّة للتنمية البيئيّة.
ـ عضو في العديد من الجمعيّات العلميّة والثقافيّة.
ـ نظـّم العديد من المهرجانات في حلب.
ـ ساهم في تطوير مهرجان القطن في حلب.
الاختراعات:
ـ حائز على 3 براءات اختراع، وله أكثر من 28 إيداع لبراءات اختراع.
ـ عمل أكبر سيارة من "الكاتو" (الحلوى) بالحجم والوزن الطبيعي.
http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?t=21599
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(1)صــديـق مـلــيء بالحيـــاة
صديقي مليء بالحياة.. يُشعل الدنيا صخباً.. بصوته الجهوري المرتفع.. وبذاءته المحبّبة ..
حتى لمن ليست البذاءة من عادات لغوه.
محبّ ٌ للخير, و لأصدقائه, شديد المرح, سريع الغضب.. كثير التدخين, يتبنــّى فلسفة خاصّة في الحياة, والسياسة.
لم يعد مليئاً بالحياة بعد الآن.
لقد عُدتُ من جنازته.. قبل قليل!!!
***
''صديقي مليء بالحياة '' ومضة معبرة و لا تعد قصة قصيرة حداً، لأنّها لا تحتوي على حدث متطور، متنام ، بل يمكن تلخيصها في المقدمة و الخاتمة :
(صديقي مليء بالحياة ...لم يعد مليئاً بالحياة بعد الآن ، لقد عدت من جنازته .)
أما الباقي فهو مجرد أوصاف،قد تطول أو تقصر . ولكن لن تغير شيئاً من معنى الومضة في هذا النّص . و إن كان يستحسن في الومضة أن تكون كلماتها في حدود رسالتها. بمعنى لا تتسع للوصف و السّردRécit
و المعنى : إنّ الإنسان ( الصّديق ) يعيش الحياة بأجواء الفرح و الفعــــــل و الانفعال و الصّخب ،و الخير و المرح، و الغضب و التّفلسف ...و لكنّه في لحظة قد ينتهي ؛ و يسدل الستار عنه و لم يعد مليئاً بالحياة . و ذاك قدرنا جميعاً . و لكن الومضة هنا، جاءت لتذكّر مَن أنساه التّكالب على ملذات الحياة ؛ ورونقها الزّائف . أنّه منته و ميّت ، و لا استمرار و لا خلود للإنسان .
أمّا مما جاء في لغة النّص : فقد استوقفتني عبارة ( و بذاءته المحبّبة ) الذي أعرفه أنّ البذاءة هي الفحش و السّفه و الكلام القبيح ... فكيف يكون كلّ هذا محبباً ؟! بل كيف يكون هذا محبّباً ( حتّى لمن ليست البذاءة من عادات لغوه) ؟ ثمّ كيف يكون بذيئاً و يكون محبا للخير ؟ ! و من الخير ؛ الكلمة الطيبة ....؟ أسئلة يثيرها النص . و لا يساعد على اقتناص أجوبتها .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(2) غـــيــــرُك
طال انتظاره عند مدير المكتب..
غادر حانقا... وترك له مظروفا..عندما فتحه المسؤول.. قرأ فيه:
"لو دامت لغيرك.. ما وصلت إليك."
التوقيع.. غيرك!!!
...
***
'' غيرك '' ومضة أخرى ، تحمل رسالة ، تشعر بعدم دوام الحال على ما هو عليه . و أنّ الأمور في مسار إلى الزّوال و لا شيء من أبّهة ؛و سلطة؛ و جاه ... يدوم . و الفكرة إلى حدّ ما ؛ تكرار للفكرة السّابقة ، في ومضة ( صديقي مليء بالحياة ) فالأول عاش الحياة بمزاجه الخاص و فارقها . و في الثانية المدير يوظف غلواءه؛و سلطته؛ و هيبته في التعامل مع مستخدميه ..,و مآله أن يفارق المكان؛ و يغادر الزّمان ، و يترك المنصب ... و كأنّه لم يكن مديراً يصول و يجول في عنفوان . و ينتهي الأمر إلى غيره.
و لكن هذا ما نستنتجه عنوة ، لأنّ النّص لم يتحدث عن طبع المدير . و كون الموظف انتظر طويلا و لم يستقبل . فهذا لا يعني بالضّرورة أنّ المدير سيء الطّبع.....يستوجب أن يكتبَ له الموظف : ''لو دامت لغيرك.. ما وصلت إليك." ما أدرانا أنّ المدير في اجتماع هام ؟ أو لديه شغل لا يتطلب التّأخير ؟ أو أنّ ظروفه الخاصة لا تسمح له باستقبال أي أحد ؟ أوغير ذلك ...
النّص لا يفصح عن شيء . حقاً ؛ إنّ الومضة لا تحتمل شرحاً أو تفسيراً . و لكن هذا لا يمنع من ألفاظ موحية ، تغني عن جمل ، و تعابير طويلة .
فالومضة هنا ، تلخصها القولة المأثورة ( لو دامت لغيرك.. ما وصلت إليك ) و في مثل هذا التّعامل التّناصي L’intertextualité، أفضّلُ أنّ المبدع يستمد روح القولة ، لا أن يأتي بها كاملة . فلو جاءت الومضة معبرة عن القولة بكثافة سردية. لكانت الإحالة أجدى و أنفع . و ألطف و أمتع .لأنّ لـذة النّص ومتعته الأدبية ... يجدها المتلقي ، فيما يصل إليه من ذات نفسه . و ما يستنتجه بفكره . لا ما يقال له مباشرة ، أو يسرد له بتقريرية و مباشرة .....
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(3) قنبلة موقوتة..
وجهه مستدير كالسّاعة..
شارباه يشيران إلى التاسعة والربع..
قلبه.. قنبلة موقوتة..
وهو.. لا يعرف ساعة الصّفر!!.
***
'' قنبلة موقوتة '': كثيراً ما تأتي '' الومضة '' بما لا تأتي به القصّة القصيرة جداً أو القصة القصيرة ؛أوالقصة عموماً.و بخاصة إذا كانت عفوية،و هادفة كما هي هنا .
حيث لعبت الرّمزية Symbolique دورا أساسيا في هندسة المعنى و جلائه فنيا .
لاحظ معي :
1ـ (وجهه مستدير كالسّاعة..) الوجه : أوّل ما يلفت الانتباه . و هنا هو في استدارة الساعة . ترى لماذا هذا التّشبيه ؟ و لماذا بالضّبط السّاعة دون غيرها من الأشياء المستديرة ؟
2ـ (شارباه يشيران إلى التّاسعة والربع..) الشّاربان معروفان . و لكن كيف يشيران إلى التّاسعة و الربع ؟
إنّك إذا أخذت الوجه المستدير استدارة السّاعة ، و تأمّلت الشّاربين يتوسطانه في امتداد افقي ، و فتل معلوم لرأسيهما . تشعر أنّ الرّأس حقاً أصبح ساعة بعقربيها . و أنّها تسجل زمناً محدداً . ( التّاسعة و الربع )
3ـ ( قلبه .. قنبلة موقوتة ) إذا تركنا الرأس عماد الوقت و التّوقيت . سنجد القلب استحال قنبلة موقوتة . كيف ذلك ؟ أليس القلب موضع التناقض : موضع الحب و العطف و الحنان ، و محضن الضّغائن والأحقاد ، و الكره و البغضاء ؟
بلى ، إذاً ، فهو يظهر مخبوءاته و يعلن عنها و لكن :
4ـ ( لا يعرف ساعة الصفر )
ومضة جميلة ؛ هادفة ؛و معبرة .... فبقليل من الكلام ، و التشكيل ، استطاع السّارد أن يربط بين حركة الزّمن؛ و قدرة الفعـل . ذلك الفعل ـ حقاً ـ الذي سيبقـى وثيق الصّلة بالزّمن . والزّمن هنا : ( ساعة الصّفر ) التي نجهلها . و التي ـ لاشك ـ لها أسبابها و دوافعها .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(4)عُصارة من ومضات
قال له الطبيب: مرضك خطير!!!
أسرع راكضاً.. إلى منزله..
أخرج دماغه.. من جمجمته.. وبعجالة.. اعتصره سخيّاً على ورق..
ثمّ استلقى على سريره.. ينتظر بسلام!
سوى أنّه اكتشف مزيداً من عُصارة..
فقام مسرعاً.. ليعيد الكرّة ثانيةً..
واستمرّ يعيدها مرّات ومرّات.. حتّى استنفذ آخر ومضة من قلبه.
فقُبِض.. ودماغه بين يديه!
قد فاض بالكثير.. لم يُعتصرْ!!!
***
'' عصارة من ومضات '' : حين قرأت هذه القصة القصيرة جداً تذكرت قولة سيبويه ( أموت و في نفسي شيئ من حتى ) و لربّما يكون القاص قد استلهمها من هذه القولة . النّص سريالي خيالي ، و لكنّه له دلالة قصوى ، و هدف بعيد :
حين علم البطل بدنوأجله ، فكر أن يعصركلّ ما في دماغه حتّى لا يقبر معــــــه (أخرج دماغه.. من جمجمته.. وبعجالة.. اعتصره سخيّاً على ورق..) اعتقد أنّ ما كان يشغله قد انتهى ، و استسلم إلى قدره في انتظار الموت .
و لكن فجأة؛ أحسّ أنّ دماغه لا زالت به عصارة الفكر (فقام مسرعاً.. ليعيد الكرّة ثانيةً..) و توالت العملية مرات عديدة فحانت ساعة الأجل المحتوم . (فقُبِض.. ودماغه بين يديه! قد فاض بالكثير.. لم يُعتصرْ!!! )
إنّ النصّ رغم بساطته ، و إن كان بصورة غرائبية exotique إلا أنّه يحمل دلالة البعد الضائع مع الموت . فكم من موتانا من يحملون معهم إلى قبورهم حقائق و أفكاراً و علوماً ... لو أنّها سجّلت ودوّنت ... لكانت فضلا كبيراً ، و خيرا جزيلا تنعم به أجيال و أجيال .
النصّ ـ من حيث كتابته ـ يغري بالمناقشة :
1ـ (قال له الطبيب مرضك خطير!!! )
أفضل أن تحذف هذه العبارة.ذلك أنّ الطبيب لن يقولها لمريضه وإن كان جائزا أن يقولها لأهل المريض . فهو ـ رغم أنّه ـ يعالج مرضا خطيرا.و لكن يشعر مريضه دائماً بالأمل في الشّفاء . فلو كان مدخل القصّة كالتّالي : شعر بدنو أجله ....أخرج دماغه... ) لربّما كان أحسن .
2ـ (سوى أنّه اكتشف مزيداً من عُصارة..) كلمة ( سوى ) في هذه العبارة تبدو قلقة ، الأحسن أن تعوض ( سوى أنّه ) ب ( و لكنّه )
3ـ (حتّى استنفذ آخر ومضة من قلبه ) كلمة ( استنفذ ) ربّما يراد بها ( استنفد ) بالدال و ليس بالذال المعجمة . لأنّ ( نفذ ) من الإنفاذ : بمعنى الخرق .. و ( نفد ) فرغ وانقطع و فني .
4ـ ملاحظة أخيرة ؛ ألاحظ توظيف نقط الحذف اعتباطاً في هذا النّص ، علماً أنّ توظيفها له دلالة وظيفية Fonctionnel. تفيد أنّ على القارئ أن يتمّ الباقي من عنده لأنّه واضح و بين ولا داعي لكتابته مثلا : (أخرج دماغه.. من جمجمته.. وبعجالة.. اعتصره سخيّاً على ورق.. ثمّ استلقى على سريره.. ينتظر بسلام! )
هل هنا ما يسوجب نقط الحذف ؟
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(5) مسابقة القلوب الكبيرة ....
في مسابقة "القلوب الكبيرة" وُزّعت الجوائز على الشكل التالي:
- الجائزة الثالثة: فاز بها.. كاتب كظم غيظه من أحد النقّاد.
- الجائزة الثانية: خـُصّصت.. لكاتب امتلك شجاعة الاعتذار, من ناقده على رؤوس
الأشهاد.. بعد سجالات.
- أما الجائزة الأولى: فذهبت لناقد كبير, تحمّل نقداً!!!
حين كشفوا على قلبه وجدوه يتّسع لآلاف النقّاد.
***
'' مسابقة القلوب الكبيرة '' : قصة قصيرة جداً و جدتها ممتعة لما تطرحه من قضايا متنوعة، في كلّ واحدة و جهات نظرمختلفة . و إن حسم القاص فيها بأن جعل لكلّ تيمة جائزة . هل جاءت الجائزة كتعبير عن قيمة مستحقة ؟ أم عن قيمة إضافية ؟ أم قيمة صورية ؟ في جميع الأحوال النّص مضمّخ بمسحة جدلية بين المبدع و النّاقد . لا أشك أنّ القاص مرّ بها . و قد حزّت في نفسه فترجمها نصاً قصصياً . لأنّ وجهة نظره واضحة و إن جاء بها في وجوه ثلاثة : اثنان منها تخصّه كمبدع ، و الثالث منها يخصّ النّاقد .
فالقلوب الكبيرة حسب النّص هي القلوب الرحبة التي تتّسع للنّقد و القيل و القال؛ و الأخذ و الرد ؛ و لا تعرف البغضاء؛ ولا الحقد؛ و لا الضغينة .... و من تمَّ حدّدت جوائزها . كمظهر قيمة خاصة . و البداية من آخر جائزة :
ـ الجائزة الثالثة: فاز بها.. كاتب كظم غيظه من أحد النقّاد.
لوكان منّي لحرمته الجائزة . فما دام هناك غيظ ، فهناك ظلم واعتداء . وعليه أن يدافع عن إبداعه ووجهة نظره لا أن يستكين لكظم الغيظ ، و إن كانت هذه الخصلة محمودة ، و لكن في زمانها و مكانها و موقفها الخاص . و ليس في جميع الأحوال . حتى لا ينطبق عليه القول السائر : السكوت علامة الرضا .
ـ الجائزة الثانية: خـُصّصت.. لكاتب امتلك شجاعة الاعتذار, من ناقده على رؤوس الأشهاد.. بعد سجالات.
جائزته مستحقّة لأنّ الاعتراف بالخطأ فضيلة .
أمّا الجائزة الأولى: فذهبت لناقد كبير, تحمّل نقداً!!!
جائزة مستحقة لأنّ معاناة الناقد قد لايعرفها كثير من النّاس ، و قد عبّر عنها النّص (حين كشفوا على قلبه وجدوه يتّسع لآلاف النقّاد )
و لكن هل يمكن اعتبار هذا النص قصة قصيرة جدا . أم هو مجرد إخبار ؟؟؟
أعتقد أنّ النّصّ يفتقر إلى الحبكة القصصية .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(6) المعركــة
عاد إلى البيت مكفهرّاً.. لا يريد لأحد أن يكلّمه..
استهلك علبتي سجائر قبل النوم..
أدركت زوجته ما أغمّه..
اتصلت مع شقيقها الذي كان يرافقه.. تستعلم!!
- من هو..؟ إنها المرة الرابعة هذا الأسبوع.. هل رأيت حاله؟
لا.. لم يأكل شيئاً.. يا حسرتي!!
في اليوم التالي..عاد مبتهجاً.. يحمل علب الحلوى وأكياس الفواكه..
أخذ يقبّل أولاده.. يمرح. .يغنّي.. يراقصهم.
لم يسأله أحد عن سبب ابتهاجه..
إنّها عادته حين يربح المعركة.. مع غريمه.. في لعبة النرد!!!
***
'' المعركة '' : قصة قصيرة جداً تحاول بأسلوب فنّي أن تقيم مقاربة نفسية للاعب النّرد . فحين يخسر المعركة يعود مغتماً ؛مكفهرا؛ً فاقدا شهية الأكل؛ يستهلك علبتي سجائر قبل النّوم .
و إذا حدث أن فاز يعود مبتهجاً ؛حاملا علب الحلوى؛ وأكياس الفاكهة ؛ و يلاعب اطفاله كما لو لم يلاعبهم من قبل .
و النّص يشير في خفاء و دون ذكر أو تصريح لحالة و معاناة أفراد الأسرة من زوجة و أبناء الذين يعيشون معه تقلبات وضعه بين الخسارة و الرّبح .
في هذا النص بعض التعابير التي ينبغي إعادة النظر فيها :
1ـ (لا يريد لأحد أن يكلّمه..) اللام في ( لأحد ) زائدة فنقول : ( لا يريد أن يكلمه
أحد ) أو ( لا يريد أحدا أن يكلمه )
2ـ (اتصلت مع شقيقها الذي كان يرافقه ) نقول : ( اتصلت بشقيقها ... )
3ـ (إنّها عادته حين يربح المعركة.. مع غريمه.. في لعبة النرد!!!) تبدو(مـــــــــع غريمه ) عبارة زائدة ، لأنّ السياق يوضح ذلك .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(7)إدمان القصّة القصيرة جدّاً
استغرق وقتاً طويلاً على الشبكة, مشاركاً في منتدى القصة القصيرة جداً, بين قراءة و مساهمة جديدة وتعليق.
لم يكن يأبه لملاحظات زوجته المتكررة, وأسئلتها عن حلوى العيد, وألبسة الأولاد.
ولم يعر انتباهاً لتوسلاتها, ليترك الكومبيوتر ولو لحظات,كي يقررا نوعية مأكولات مائدة العيد التي دعي إليها أفراد الأسرة الكبيرة , ولكن دون جدوى.
ثارت ثائرتها وأسرعت إلى غرفتها تلملم أغراضها, لتقضي العيد في منزل أهلها.
ركض الأولاد حولها يتشبثون بها لتشاركهم أفراح العيد .
أما هو فشرع مبتهجاً بكتابة قصة قصيرة يصف فيها ما جرى معه.
***
'' إدمان القصة القصيرة جداً '' : نص يوضح ما وصل إليه جلّ مَن يتعاطى الحاسوب يومياً و بشكل مرضي ، خال من النّظام و الانتظام . حتّى يهمل الأسرة و متطلباتها فيصبح في درجة تعلق حميمي أشبه بالإدمان ََAddiction
الزوجة حاولت إقناع زوجها الولوع بمنتدى القصّة القصيرة جداً أن ينصرف إلى متطلبات العيد و بخاصة أنّه دعا أهله ... ولكن بدون جدوى؛ فعزمت أن تنصرف إلى أهلها غاضبة ؛ من زوج أصبح همّه و اهتمامه إدمانه على الحاسوب في كلّ وقت ... فخرجت يحفّها أبناؤها؛ متوسلين و راغبين في أن تبقى لتشاركهم فرحة العيد.أمّا الزّوج كما لو لم يكن حاضراً،لا يهتم بما يجري حوله . إلا اهتمامه بكتابة قصّة قصيرة جداً، تستجلي حقيقة ما وقع .
هذا من حيث الدلالة الواقعية ، و لكن من حيث النّسق الفني . فنسجل سرداً أفقياً للحدث . بدون جهد فنّي . لهذا جاء النّص أقرب إلى السردية التقريرية منه إلى القصّة . هذا فضلا عن بعض الهفوات الكتابية :
1ـ ( ... مائدة العيد التي دعي إليها أفراد الأسرة الكبيرة ) دعا ، يدعو ، دعوة ..
2ـ (ركض الأولاد حولها يتشبثون بها ) أبين من ذلك (ركض الأولاد خلفها يتشبثون بها ) لأنّ صورة الأمّ و هي غاضبة تكون هي الأولى و خلفها الأبناء .
3ـ (أمّا هو فشرع مبتهجاً بكتابة قصة قصيرة ) نقول : ( أمّا هو فشرع مبتهجا في كتابة قصة قصيرة . )
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(8) حـيـــــــاة
عندما قُذقتُ إلى الماء.. تخبّطت للعوم في سكونه، حتى اشتدّ العود منّي. ثمّ تطاول البحر فغدا محيطاً، راح يلاطمني بساحقات أمواجه، يتآمر مع الأنواء على كسري.
ولمّا تمكنت من الصمود، بمفتول عضلاتي، واستدمان ضرباته، متمكناً من التحايل على فنونه لإهلاكي..
حان وقتُ الغرق
***
'' حياة '' قصة قصيرة جداً . تجسّد أطوارحياة الإنسان . يخرج إلى الحياة . فيتخبط في أوزارها وظلماتها ، و أضوائها و تجلياتها كمن يقذف في الماء حتّى إذا جاء عليه حين من الدّهرفاشتد عوده . و جد لجّة الماء صارت أكبر و أعمق كانّ البحر غدا محيطا . فأصبحت السباحة أخطروأصعب و كذلك الحياة كلّما تقادم فيها الإنسان صادف من المشاكل ما لم يعرفه في السّابق . و كلّما استطاع التحمّل و الصّمود و المقاومة ، و اعتاد ذلك ، وجد الأجل المحتوم يترصّده ، كالذي يغالب الأمواج ؛ يتعب و تنهك قواه . والأمواج لا تتعب ولا تهدأ .. فيحين وقت الغـرق .
كما أنّ النصّ يحيلنا على صورة مرحلية لحياة الإنسان كلّما تغلّب على مرحلة وجد التّالية أقوى و أشد . و كلّما اعتقد الانتصار، ووثق به ، داهمه الموت فجأة .
همسة في التّعبير : (عندما قُذقتُ إلى الماء.. تخبّطت للعوم في سكونه ) أحسن من هذا و أفصح : ( عندما قذفت في الماء السّاكن ، تخبطت في العوم ... )
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(9) الحبّـة .. والقُبّـة
وحيداً في الصحراء.. يملك حبّة وقلماً..
أعمل قلمه في الحبّة.. طولاً..عرضاً.. وارتفاعاً..
فجعل من الحبّة.. قُبّة.. وولجها!!
***
'' الحبة و القبة '': ومضة غرائبية exotique. مستوحاة من القولة المأثورة ( جعل من الحبّة قبّة ) استجلاء لنفسية بعض النّاس الذين يستعظمون الأشياء و هي صغيرة. أو يعظمونها وهي حقيرة.
و كل ذلك نتيجة نفسية مريضة في غالب الأحيان. لأنّ النّفس السّوية ترى الأشياء كما هي؛ في حجمها الحقيقي و الطبيعي ؛ و لا ترى غير ذلك .
ففي النص : انفرد في صحراء غربته و ليس معه إلا حبّة و قلماً . قد لا يفيدانه شيئاً يذكر، في وحدته ، و اغترابه ، و صحرائه ، و ابتعاده . (أعمل قلمه في الحبّة.. طولاً..عرضاً.. وارتفاعاً..) و ما عسى القلم يعمل غير الكتابة . و لكن هذه الكتابة اللا واقعية جعلت من حبّة تزدريها العين كأنها لا تراها تتحول إلى قبّة . كالقباب التي كانت تضرب في الصحاري ... فما كان من المغترب صاحب الحبّة و القلم ،إلا أن آوى و ولج القبّة ؟ !
هل هذا من المعقول في شيء ؟ طبعا لا .
و لكنها صورة لامعقولة للنّفس المريضة .التي تجد المعقول في اللامعقول . فتصور الحقائق في غير وجهها الحقيقي . و هذا ما نلمسه في الحياة و في أبعادها المختلفة و بخاصة في القضايا الاجتماعية و السياسة .الشيء الذي شكل تناقضات عصرنا الحاضر Paradox of our times
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
(10) حـكــاية ظـــلّ
سبقني ظلـّي خطوة.. عبثاً حاولت تجاوزه!! توقّفت فتوقّف، حككت رأسي بحثاً عن حلّ فحاكاني!!
التقطت فكرة نورانيّة لا يرتسم ظلـّها.. ظَلَّ ظِلـّي يتابعني، بعينَي نَسرٍ في قحفه.. لا تعرفان غمضاً.
أخرجتُ ما في جيبي من نقود.. رميتها قُدّامه.. وفي لحظة انحنائه ليلتقطها.. ركضتُ مُسرعاً نحو النور.. فخلـّفتُ ظلـّي ورائي، قدمه تحت قدمي، إلا أنّ رأسه استقرّ هناك.. حيث رميتُ السّقط، لتتباعد المسافة بيننا.. كلـّما اقتربتُ من السطوع
***
'' حكاية ظل '' قد تكون هذه القصة القصيرة جدا في هذه المجموعة ؛ من القصص التي بذل فيها جهد فنّي واضح ، و اجتهاد في التّفكير و الإعداد .
1ـ توظيف الخيال الغرائبي و اللامنطقي أي اللامعقول لتمرير الخطاب : (ظل ظلي يتابعني ... أخرجتُ ما في جيبي من نقود.. رميتها قُدّامه.. وفي لحظة انحنائه ليلتقطها..ركضتُ مُسرعاً نحو النور.. فخلـّفتُ ظلـّي ورائي، قدمه تحت قدمي، إلا أنّ رأسه استقرّ هناك.. )
2ـ جمالية هذه القصة ليس في دلالتها السّطحية : إنسان وظله . و لكن فيما يمكن أن تتيحه من قراءة و تأويل للظل . هذا الظل الذي ليس ككلّ الظلال . ظل يتابع صاحبه و يحاكيه و لكن له ضعف قسري للمال و اقتنائه . فما أن نُثرَ أمامه حتى انحنى لالتقاطه و جمعه .
3ـ ثمّ إنّ النص توسل بالرمز كعامل فني:
( الظل ، رأسه ، قدمه ، النقود ، النور'' السطوع '' )
4ـ كما نجد الرؤية الحركية الشكلانية Formaliste المعبرة : ( سبقني ، حاولت تجاوزه ، توقفت فتوقف ، حككت رأسي ، حكاني التقطت ، يرتسم ، أنحنائه ليلتقطها ، ركضت مسرعا رميت ، اقتربت ..)
5ـ المحافظة على الأشكال التعبيرية البسيطة Les formes simples مع العمق الدلالي ، و البعد الرمزي ، و فيض الاستيهامات Les fantasmes كلّ ذلك جعل النصّ نصاً متميزاً: مفتوحا ، قابلا للتأويل ، و لتعدد القراءات...
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
الخلاصــــــــــة :
1 ـ الومضة أصغر وحدة سردية ممكنة . فينبغي عدم الخلط بينها وبين القصة القصيرة جداً .
2 ـ يستحسن اقتباس روح المثل أو الأسطورة ... بدل الإشارة إليها مباشرة .
3 ـ توظيف الرمزعن طريق التركيب و التشكيل اللغوي يغني و يعمق دلالة النص .
4 ـ الكتابة الغرائبية و السريالية تضفي على النص متعة اللامعقول و نكهة الخيال .
5 ـ توظيف نقط الحذف عند الضرورة و ما تستوجبه طريقة الكتابة الفنية .
6 ـ الإخبار لا يرقى إلى مستوى السرد القصصي في غياب حدث متطور .
7 ـ التحري في استعمال حروف الجرفإنّ لها معان مختلفة .
8 ـ تهذيب النص من الجمل التفسيرية و التعابير الزائدة .
9 ـ التقريرية و المباشرة مما ينبغي تجنبه في الكتابة الفنية.
10 ـ اعتماد الوصف؛ والحركة ؛و الشفرة الدلالية؛ مما يثري النص و يساعد على نجاحه .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/9943.imgcache.gif
قد يكون من الغرابة الجزم أنّ كلّ ما قرأناه للأستاذ محمود عادل بادنجكي يبشر بالخير ؛ و لكن الغرابة قد تزول ، إذا عرفنا أنّ القاص يختط طريقه باحثا؛ متذوقا؛ مكتشفا؛ لا يستقر على نمط ، و لا يرتاح و يستكين لاتجاه ما .... هنا لا أتحدث عن العشر قصص الآنفة . بل أقصد كلّ ما نشر له لحدّ الآن . و لئن يكون المبدع بهذه الثورة في البحث و التقصي الدائم ... فهذه علامة بارزة عن قوة الإٌبداع ، و طاقة الابتكار، التي يفتقدها الكثير من الكتاب ـ و للأسف ـ الذين نحثوا لأنفسهم طريقا ؛ لا يحيدون عنه قيد أنملة .
لقد جرب القاص محمود عادل الومضة ؛ و لقطتها الخاطفة ، و لغتها المقتضبة ، و دلالتها الواخزة ... كما جرب القصة القصيرة جداً ؛ و استفاد من التراث و النكتة؛ و المثال و الأسطورة .. و وظف لغة السينما في حركات متوالية ، ولقطات عابرة، و تداخل مشهدي ، و تراكيب متجانسة ، توحي باستيهامات و رؤى ، تثري النّص ، وتكسبه أبعاداً من الدلالة والتأويل ... الشيء الذي يجعل النقد يتفاءل خيرا ؛ بإبداعات محمود عادل با دجنكي ، في إطارالومضة و القصة القصيرة جداً. وأعتقد أنّ القاص لم يأت على أو بكلّ ما في جعبته ، بل أرى أنّ الآتي أجمل و أروع ، ما دام القاص بهذه الجرأة والمواظبة والاعتداد .... وروح البحث و التقصّي والاجتهاد ....
د مسلك ميمون