مسلك ميمون
23/08/2009, 10:23 AM
قراءة في عشر قصص قصيرة جداً للقاص نزار بهاء الدين الزين
http://www.freearabi.com/نزار%20ب.%20الزين%209-12-2007.jpg
القاص نزار بهاء الدين الزين
الأستاذ نزار بهاء الدين الزين . من الشخصيات الأدبية ، التي منّ الله علي أن أتعرف عليه و لو عن بعد . حقا لم يسبق لي أن التقيت به ـ و كم يسرني ذلك !!ـ و لكن أشعر كأنّ بيني و بينه وشائج متعددة ، و لقاءات كثيرة ، أسست لعلاقة من القرب و التّعارف الجميل .
عرفت القاص نرار الزين في '' واتا '' و بخاصة في متصفحات القصة القصيرة و القصة القصيرة جدا . فكانت قصصه تترجم أفكاره ، و تعرب عن خوالجه و إحساساته ، و رؤيته للحياة . كما كانت ردوده الوديعة لسان حاله الطيب الودود. و زدت معرفة به من خلال موقعه الإلكتروني .
أعترف أنني استفدت من خلقه الوديع ، و بعد نظره ، و هدوئه و اتزانه . و أدركـت أنّ الرجل ، ليس من الضروري أن تصافحه و تجالسه .... فإنّ اشراقاته الفكرية و الفنية و الأدبية كالطيب الرائق المنعش يسبقه إليك . و يفعل في وجدانك ، و إحساسك ، و سلوكك فعل السّحر ... فلا تملك إلا أن تقدر الرجل ،و تحترمه ، و تبجله ...و لعلّك تفعل أكثر إذا سمعته يحدثك عن حياته و انتاجه :
(( أنا ...
ـ نزار بهاء الدين الزين
ـ من مواليد دمشق في الخامس من تشرين الأول ( أكتوبر ) من عام 1931
ـ بدأت حياتي العملية كمدرس في دمشق خمس سنوات .
ـ عملت في الكويت كأخصائي إجتماعي و مثقف عام لمدة 33 سنة قبل أن أتقاعد عام 1990لإضافة إلى عملي اٌضافي في صحف الكويت .
ـ كتبت أول مجموعة قصصية بعنوان ( ضحية المجتمع ) عندما كنت في الثانوية العامة عام 1949
ـ كتبت مجموعتي الثانية ( سارة روزنسكي ) 1979
ـ إضافة إلى عشقي للأدب فإنني أهوى الفنون التشكيلية كذلك و قد أقمت معرضا لانتاجي الفني في شهر أكتوبر 1999في مدينة دمشق / مركز المزة الثقافي خلال لإحدى زياراتي للوطن ضمت 55 لوحة .
ـ أعيش في الولايات المتحدة منذ انتهاء خدمتي في الكويت أي منذ 1990و أدير حاليا مع ابني وسيم مجلة ( العربي الحر ) الالكترونية عبر الانترنيت )نزار بهاء الدين الزين
تتجاوز قصصي القصيرة غير المطبوعة المائة و خمسين قصة و أقصوصة.إضافة إلى :
ـ ثمانية أعمال روائية صغيرة ذات طابع وطني تحت مسمى كيمانسانيا(الكمياء الإنسانية)
ـ ثمانية أعمال روائية صغيرة تحت عنوان : كنز ممتاز بك .
ـ عمل روائي طويل واحد ، تحت عنوان : عيلة الأستاذ .
ـ عشر حكايات للأطفال .
ـ عدد من الدراسات الأدبية و الفكرية نشرت في الصحف الكويتية ( الرأي العام ـ القبس ـ الوطن ) و العربية في أمريكا ( أنباء العرب ـ العرب ) و بعض المواقع الالكترونية المهتمة بالأدب . )
قراءة هذه المرة مختلفة جـداً . لأنّها لن تعانق ما جدّ في فن الكتابة القصصية . و لن تسبح مع سـوانح الحداثة ... و لكن ستركن بعض الوقت في رياض الكلاسيكية الأدبية . التي ـ رغم كلّ التطور الذي عرفته المعارف و الفنون ـ لا زالت تعلن للجميع : أنا هنا .
و للأسلوب القصصي الكلاسيكي عشاق كثر ، و بخاصة في شرقنــا العـــربي ، الذي يعشق التراث و الأصالة . و يستعذب نكهة الماضي وما فيها من لمع الإبداع ، و طيب الذكريات ، و روح المعاني ، و عبق التاريخ ....
و هذه الكتابة ، و إن كانت تبدو للجيل الحاضرغريبة فنيا بعض الشّيء ،لأنه لم يألفها . و لم يتتلمذ على كتابة روادها . فإنّ أجيالا سابقة كجيلي مثلا ، يجد فيها لذة و متعة ربّمـا لا تيسّرها نصوص حديثة أو حداثية . و المسألة ليست في حدّ ذاتها إعجاباً بالذي كـــان و نفوراً مما هو كائن . كلا . فللأساليب الكلاسيكية نكهتها و طعمها . و للأساليب الحديثة في فن القصّ جدّتها و طلاوتها . و كلّ سام في إبداعه و نسقـه .
و لكن من شدّة ما نرى الحديث و المستحدث ... قد ننسى تراثـا قصصياً لا يقدر بثمن ، تلفه الكلاسيكية ، و تحتضنه بقوّة ، و كأنّها خائفة عليه من غوائل الزمان ، و دواعي الضّياع . و جحود الأبناء و الأحفاد ، و أحفاد الأحفـاد .
لهذا حين نقرأ للأساذ نزار بهاء الدين الزين ، و لو قصصاً قصيرة جداً أو ومضات في شكلها الحديث ... فنحن لا نخرج من معالم الكلاسيكية الرّائقة. أو كأنّ الكاتب نفسه و هو يبحث عن الجديد في الشّكل . يأبى إلا أن يمنح نصوصه روحا كلاسيكية قصصية . و كأنّه يعبّر بذلك عن أصالة originalité تأبى أن تفارق قلمه . و عن تراث ضارب جذوره في العمق ، يأبى أن يفارق حبـره .
و بين التجديد في الشّكل و كلاسيكية الأداء : لغة و أسلوبا ، تنبثق زهور القاص نزار الزين ، تفوح بأريج خاص جداً . لربما لا يوجد له مثيل إلا عند ثلة قليلة من قصــــاصي '' واتا '' أذكر منهم : ثروت الخرباوي ، الشربيني خطاب ، ابتسام إبراهيم تريســــــي ، حورية البدري ، فائزة شرف الدين ، صلاح م ع أبو شنب ، حسن عبد الحميد الدراوي ، مخلص أمين رزق ، صلاح الدين محمد أبو الرب ، مرعي حيادري ، أملي القضماني إيمان عبد العظيم ، يمة الخاني .....
و البقية لا يستهان بها كلّها من عشاّق الكلاسيكية الأدبية القصصية .. و لكن بدون تحجّر أو تقوقع ، أو تعسف و تشدّد ...بل بانفتاح على الجديد ، بحذر و تؤدة و شغف و عناية . و هذا ما نلاحظه في هذه المجموعة من القصص القصيرة جداً، و هذه الومضات، للقاص نزار بهاء الدين الزين .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
شذرات
ق ق ج
نزار ب. الزين*
تحت هذا العنوان جاء الكاتب بقصة قصيرة جدا و ثلاث ومضات
(1)الحق على المرآة
صحت السيدة /نوّارة/ من نومها و بعد أن غسلت يديها و وجهها ، لاحت منها التفاتة إلى المرآة ، فهالها مارأته ، فللمرة الأولى تنتبه إلى تجاعيد خفيفة حول عينيها ، أحضرت منديلا ورقيا ، ثم أخذت تنظف به المرآة بكل ما تملك من قوة ، و لكن لخيبة أملها لم تتغير الصورة ..
التفتت إلى زوجها الذي قدم لتوه إلى الحمام متوسلة : " أرجوك يا أحمد غيِّر لي هذه المرآة بأسرع ما يمكنك !"...
'' الحق على المرآة '' قصة قصيرة جداًvery short story تتسم بمتعة خاصة ككلّ القصص النّفسية ، أو التي يكون لها طابع نفسيّ . فهنا نحن أمام ظاهرة نفسية تعرف في علم النّفس بالاضطراب التّحولي disorder conversion الشيء الذي يؤدي إلى الهلع panique فالسيدة نوارة لأوّل مرّة تكتشف تجاعيـد حول عينيها . فبادرت إلى منديل ورقيّ ، و مسحت المرآة جيـداُ .و لكن التجاعيد ظلّت كمـا هي ، فالتفتت إلى زوجها قلقة ، و طالبته أن يغير المرآة بأسرع ما يمكن .
ترى ماذا أراد السّارد أن يمرر من خلال هذا النّص ؟ هل المرأة تشكّ فيمـا تعكسه المرآة ؟ أم تشكّ في المرآة نفسها ؟ هل ما رأته أقلقها ؟ هل هو بداية خوف من فعل الزّمن ؟ هل النّص يلفت الانتباه إلى علاقة المرأة بالمرآة ؟
هل النص يكشف بعضاً من نفسية المرأة ؟
َأعتقد أنّ كلّ هذا وارد و أكثر . و هذا وحده يكفل نجاح النّص . و يجعله قصّة تستحقّ القراءة . فالتّجاعيد رمـز لتقدم السن.ذلك التّقدم الذي له أثره الواضح و الذي قد لا تُخفيه دائماً المساحيق ، و أدوات التّجميل ، بل ولا عمليات التّجميل ..الشّيء الـذي يؤرق المرأة . التي تعتبر جمالها و نضارة و جهها ، رأس مال ينبغـي الحفاظ عليه مدى الحياة . و ليت ذلك ممكناً !! لهذا السّيدة نوارة ترفض ما تـرى من تجاعيد . و تشكّ في المرآة أن تكون جيدة الصّقل و النظافة.وهي في ذلك كمـن يخادع نفسه . أو يوهمها أنّ الواقع شيء مختلف . و يأبى الواقع إلا أن يكون واقعـاً .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(2) رجاء
أرجوك يا جارتي العزيزة ، أن تكفي عن نشر ملابسك الداخلية على الشرفة ، فإنّ بِكري أَنَس دخل مرحلة المراهقة ..
'' رجاء '' ومضة جميلة ، عفوية تلقائية.بسيطة سلسة... و لكنّها عميقة في دلالتها . نابضة بمعانيها، لا فتة بأبعدها. لا أكتم انّني حين قرأتها ابتسمت . ثمّ عدت إلى نفسي أعاتبها : ترى لماذ أبتسم من و مضة تحمل زخماً من الدلالات في بضع كلمات ؟ !
فوجدتني أقف عند العنوان '' رجاء '' و الرجاء : من التّرجي ، بمعنى ارتقاب شـيء لا وثوق بحصوله . إذاً ( أرجوك يا جارتي العزيزة ) توسل سيبقى معلقا ً بدون أمل . لأنّ الجارة ،لا بدّ أن تنشر غسيلها، بما في ذلك ملابسها الداخلية على الشّرفة . و ما دام الأمر يتعلق بالشرفة، معنى ذلك ليس هناك مكان آخر للنشرغيرها . و مـا دامت علّة الرّجاء تتعلق بالمراهق الابن البكر أنس ، فالمسألة أخذت مساراً آخر ، فيه خوف الأمّ على ابنها ، و مدى انشغاله بما يرى على حبل الغسيل ، و في ذلك انجذاب خفيّ إلى الجنس الآخر، و ربّما في هذا السن (المراهقة) المسألة ليست بالهينة.و خوف الأمّ و إن كان مبالغاً فيه.و لكن خوف الأمّ دائماً لا يقاس بالمنطق،و الموضوعية، و العقل .
إذاً نحن أمام محفّز ( الملابس الداخلية ) للجارة . و ضحية تابع لأهوائـه ( المراهق )
و خوف و قلق يسكن الأمّ . و كلّ ذلك إنّما هو بمثابة رمز لما أصبح عليـه وضـع مراهقينا . و هم في فورة من الحياة و الحيوية ، لا يجدون أمامهم إلا ما يزيدهم فوراناً و اندفاعاً ... كالذي نجده في المواقع الإباحية ، و تفشي الرذيلة ، و الزنا المقنـن و شبه المقنن و غير المقنن.و من هذه الزّاوية يصبح خوف الأمّ ( رمز لخوف الأولياء ) موضوعياً وجاداً ..فهل تكفّ الجارة عن نشر ملابسها الداخلية( رمزالإغراء والجنس)؟
أعتقد أنّ من تملك شرفة ، لا يمكنها إلا أن تنشر فيها ما تشاء . و أنّ المراهق سيبقى متعلقاً بالشّرفة،و ما ينشر فيها.و خوف الأمّ و رجاؤها سيتواصل ...ما لم نهتم بقضايا المراهق ، فنجد له البديل الذي يصرف فيه طاقاته و عنفوانه الزائد : كالرياضة و الفنّ و الإبداع عموماً ... و ما لم نضع حدا لدواعي الإغراء و الفاحشة ...
هكذا يتبيّن أنّ و مضة '' رجــاء '' جاءت ـ رغم قصرها ـ زاخرة بمعاني كبيرة : تخصّ خوف الأباء عن أبنائهم ، واضطراب حياة المراهق و انحرافها،و انتشارالإغراء و الفاحشة ....بدون رادع أو مانع ...
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(3) تراجع سريع
" إذا تزوجتَ من ديمة، سأحرمك من الميراث " قال له والده .
يُهرع رضوان إلى الهاتف ثم يخاطب محبوبته برنة حزينة : " إنسي رضوان و كل ما كان "
'' تراجع سريع '' و مضة أخرى على غاية من الإيجاز و الفائدة ، و المتعة الرائقة :
لفتة إلى الأباء الذين لازالوا يرون حياة أبنائهم ملكا لهم ، كما هي ثرواتهم و أملاكهم . ينسون أنّ للأبناء حياة خاصّة بهم ، و آراء قد تخالف آراءهم ، و أذواق قد لا تتفق و أذواقهم . ففي النّص : أب يتوعد ابنه إن تزوّج ديمة سيحرمه من الميراث . تهديد لم يملك بعده الابن إلا الاستسلام لرغبة والده ، فيتلفن لحبيبته قائلا : (إنسي رضوان و كلّ ما كان ")
و مضة تحيلنا على قوّة المال ، فرغم أهميتها في الحياة ، كم أصبحت تنجزمن بشاعة في حياتنا.لدرجة التّخلي عن أسمى عاطفة تجمع البشر( الحب) و في ذلك رمز للعصر المادّي الذي نعيشه.إذ أصبحت العواطف تقاس بالدّرهم و الدّنار . وأصبحت المبـادئ تنهار و تتلاشى هباء أمام بريق المال . حقيقـة لا مراء فيها . لدرجة أصبحـت في دنيـانا الفضيلة ،و المرؤة ، و الحب ... هامشا و استثناء . بينما المال كاد يغطــي كــلّ شيء .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(4) بــــــراءة
قال العجوز لطفلة الثانية عشر ربيعا ، ممازحا : " آه لو كنتُ أصغر سنا ببضع سنوات ، لما تركتك لغيري ! " ؛ فأجابته بكل براءة : " و الخالة أم عمر كيف سنتصرف معها ؟! "
'' بــــراءة '' و مضة أخرى تعبر عن الرغبة المستحيلة ، و الرجاء الذي يبقى سجين دائرة التّرجي . و سواء كان العجوز يمازح فتاة الثانية عشر ربيعاً . أو كان محقاً . فهي رغبة تكللها الاستحالة . و لكن ما دفع عجوزا لقول ما قال ؟ هل هي نـزوة و تصابي ؟ هل هي مراهقة متأخرة ؟ هل هو الإعجاب بجمال الفتاة ؟ قد يكون بعض هذا أو كلّ هذا .
لكن ما يستوقف في هذه الومضة أنّ السّارد قال : ( فأجابته بكلّ براءة ) فكلمة : براءة لا تعبّر عمّا جاء بعدها لأنّ الفتاة تقول : (" و الخالة أمّ عمر كيف سنتصرف معها ؟! ")
جواب بعيد عن البراءة !! فهو جواب فتاة تفهم جيداً ما يقصده العجوز .
فلو كان جواب الفتاة مثلا : و أين ستـأخذني ؟
أو : ماذا تقصد بغيــرك ؟
أو : كلا يا عمّ ، أحب البقاء مع والدي .
هذه إجابات بريئة . أمّا ( الخالة أم عمر كيف سنتصرف معها ؟ ! ) كلام عـار من البراءة . و كلام كبيـر !!
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(5)إعتـــــــــذار
ق ق ج
نزار ب الزين*
تحت هذا العنوان أورد القاص هذه القصص الثلاث التي يجمعها خيط رفيع ....
ـ أ ـ
أعلنت دائرة اليانصيب الأرقام الرابحة ، فوجئ سعيد بأنه يحمل رقم الجائزة الأولى و قدرها عشرة ملايين ليرة سورية ؛ هرع و معه شقيقه ، و هما يكادان يرقصان فرحا .
فوجئ سعيد بلوحة إعلان كبيرة معلقة فوق المدخل ، كُتب عليها : " نعتذر عن تقديم الجائزة الأولى ، فقد اكتشفنا عطلا بعجلة الحظ ! "
قصة قصيرة جداً ، نجملها في المثل المصري ( يا فرحة ما تمّت ) سعيـد فــاز في اليانصيب و كانت الجائزة الأولى من نصيبه . ذهب مع أخيه لتسلم جائزته التي قدرها عشرة ملايين ليرة سورية ، و الدنيا لا تسعهما فرحاً. و لكن عند المدخل فوجئا بإعلان يُخبر أنّ الجائزة الأولى ألغيـت لاكتشاف عطل بعجلة الحـظ .
تبدو القصّة بسيطة . إن لم أقل غير مقنعـة . لأنّ الإعلان عن الجائزة لا يترك مجالا للشكّ ولا للمناورة، و هي مسألة مال ، و ليست لعبة كباقي اللّعب. و يمكن للزبون أن يحاجّهم ، و يرفع شكوى ضدّهم . و من المحتمل جداً أن يربح قضيته ... ولكن لا أظن أنّ القصّة تهدف إلى كلّ هذا ، و لا حتّى مصداقيتها من الواقع و إنّمـا تحاول تمريـر خطاب ما ، فحواه،أنّ الرزق ـ بغض النظر عن الحلال أو الحرام ـ لا يمكن أن يحرز عليه المرء إلا إذا كان من نصيبه : أعلنت النتيجة ، و كان الأوّل ، و طار فرحاً ... و لكن الجائزة ليست من نصيبـه ، و الحـظ ابتسم ، و لكن لغيـره ...
فنيـــا : تبقى القفلـة ( فقـد اكتشفنـا عطلا بعجلة الحظ ! ") رغم أنّها كانت غير منتظرة ، و صادمة ... و لكن جاءت غير منطقيــة.
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
ـ ب ـ
أعلنت وزارة الداخلية في دولة عربية غنية ، أن من مر على إقامته المشروعة في الدولة أكثر من خمس سنوات ، يحق له التجنس ، و أن هناك خمسة مراكز للتسجيل ..
فاندفع المقيمون من مختلف الجنسيات العربية ، و تزاحموا أمام مراكز التسجيل ...
في اليوم التالي ، أعلنت وزارة الداخلية عبر وسائل الإعلام :
" نظراً للأعداد الكبيرة المتقدمة للتجنس ، فقد قررت الحكومة – آسفة - سحب القرار المذكور ، و إغلاق مراكز التسجيل " .
قصة أخرى تتضمن مفهوم الاعتذار . في دولة عربية غنية تعلن وزارة داخليتها أنّ جميع من أقام في البلد إقامة شرعية أكثر من خمس سنوات يحق لـه التجنس فهـبّ المواطنون العرب المقيمون بطلب الجنسية . فهال الحكومة هذا العدد الهائل . و لربّما تصورت أنّ مواطنيها الأصليين سيصبحون أقلية في وطنهم . فبادرت إلى إلغاء القرار و إغلاق مراكز التّسجيل . و مرّة أخرى ( فرحة ما تمّت ) و هذا الذي جـاء في النّص سواء كان خيالا أم حقيقة . فهو أمر جائز . لأنّ السياسات العربية كلّها تبني صرحها على الارتجال و الآنية و اللّحظة ... و على حافة جرف هار ...
فنيـــا : يطيب للقاص الانسياب اللّغوي البسيط . و لا يهتم بأساليب الحذف و الإضمار مثلا . ليضفي على النّص نوعاًُ من التّكثيف و الإيجاز و الضّغط . ففي كلّ ما قرأت له . أجد نفس النّهج : عرض بسيط و قفلة . هل هو اختيار و اقتناع ؟ أم ترى لم يصادف من النّقد و النّقاد من يقول له عكس هذا المسعى ؟
لست ضد البساطة في التّعبير إن كانت فنية . و لكن لا أفضل أن تكون نهجاً رئيساً في كلّ الكتابة . لأنّ للنّص سلطة،و سلطة قوية ، تفرض اللّغة المناسبة، و الأسلوب المتجانس . فالقصة النّفسية لها لغتها و أساليبها، و كذلك القصّة البوليسة و الاجتماعية و السياسية و حتى القصّة الغرائبية و قصص الرّعب ... بمعنى أنّ لباساً واحداً لا يمكن أن يكــــــون لباس الجميع !! ومن تمّ تبقى حتمية التنوع المرتبط بالنص واردة .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
ـ ج ـ
في مكرمة ملكية ، قررت الحكومة تقديم علاج مجاني لمرضى الإيدز و السرطان ..
في العام التالي : أبلغت وزارة الصحة المنتفعين بهذا القرار تحريريا : " أن علاجهم المجاني سوف يتوقف بعد أشهر ثلاثة . و أضاف معتذرا ، بأن الدولة قررت خصخصة الجهاز الطبي الحكومي و بيعه لشركات استثمارية أجنبية " .
و تأتي القصة االتالية في باب الاعتذار دائماً و في بند ( فرحة ما تمّت ) و تبعاً للقصتين السّابقتين من حيث الفكرة . جاء في النص : قرّرت الحكومة امتثالا لمكرمة ملكية علاج مرضى الايدز و السّرطـــان مجانـاً . و بعدعام ليس إلا . اعتـذرت الحكومة للمرضى و أخبرتهم أنّ العلاج سيتوقف بعد ثلاثة أشهـر . لأنّ الدّولة ستخصخص الجهـاز الطبــــي العمومي. بمعنى . جهزوا أنفسكم للموت بعد ثلاثة أشهر من الآن .
و هكذا تنصلت الحكومة من واجبها. وأنّ المَكرمة الملكية ليست وصلة مستمرة إلى الأبـد. و على جميع المرضى الاعتمــاد على أنفسهم في مقاومة مــرضين من أخطـــر الأمراض و أفتكها بالبشريـــة .
فنـيـــا : كانت القفلة جيدة ، و كادت أن تكون أجود لو جاءت بدون شرح أو توضيـح ... مثلا : ( الدولة قررت خصخصة الجهاز الطبيّ الحكوميّ . ) و الاستغناء عن الجملة التالية : ( و بيعه لشركات استثمارية أجنبية ) فالخصخصة كافية و هي تعني ما يليها . و لا يهم أن يكون المشتري محليا أو أجنبيا . فالذي يُفهم من الخصخصة أنّ الدّولة رفعت يدها . و تركت المجال للآخرين ، الذين لا يعرفون إلا المال و لا شيء غير المال .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(6)رجعيــــــني
أقصوصة
نزار ب. الزين*
قالت نوال ذات السابعة لأمها بكل جدية و تصميم :
- ماما ، ألم تقولي أنني جئت من بطنك ؟ أريد أن أعود إليه ..
ضحكت الأم ، ثم أجابتها :
- و لكن ما الذي يدفعك لهذا الطلب ؟
أجابت نوال و قد بدأت قطرات من الدمع تنبثق من مقلتيها :
- أبي يضربني إذا لم تكن درجاتي الشهرية كاملة ، وأنت تضربينني إذا لم أنفذ بدقة ما تأمرينني به ، و المعلمة تضربني لأتفه خطأ قد أرتكبه في القراءة أو الإملاء ، و البنت الكبيرة من الصف الخامس تضربني إذا لم أعطها مصروفي اليومي ....
ثم أجهشت بالبكاء قبل أن تكمل قائلة :
و بابا بالأمس ضربك ، يعني عندما أكبر و أتزوج سيضربني زوجي ؛ و أنا لم أعد أحتمل الضرب .
أرجوك يا أمي رجِّعيني ..
'' رجعيني '' قصة تختار كتيمة لها العنف ( الضّرب ) طفلة في السّابعة تضيق ذرعاً بما تعانيه من الضّرب:من طرف الأب، إذا تهاونت في المدرسة . و من الأم إذا ساء سلوكها و من المعلمة لأتفه خطأ . و من البنت الكبيرة في الصّف التي تبتزها مصروفها اليومي .. ثمّ إنّها لاحظت أباها يضرب أمّها . فحلّق بها خيالها بعيداً ، كيـف ستكون في يـوم ما زوجة ، و يضربها زوجها . فأحست أنّ العنف يلاحقها مدى الحياة . و أنّها كانت في يوم من الأيّام أمنة مطمئنة في رحم أمّها . فلو عادت لاستراحت من العنف المسلط عليهــــا .
طبعاً نحن نعرف أنّ رجوعها مستحيلا . و لكن في نفس الوقت نعلم الآن أنّ ضربهـــا و ممارسة سادية الكبار عليها ، شيء لا يقبله العقل و المنطق . فالنّص إذاً بمثابة جرس يدقّ بقوّة . ينبه لخطورة العنف ضدّ الأطفال . بل وضدّ الكبار أيضاً ( كضـرب الــزّوج زوجتـه) ، فتربية العنف ، لا ينجم عنها إلا النفور و البغضاء و عدم التّساكن ....
يبدو أن الخطاب قد مرّر بسلاسة ويسـر .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(7) البـــــــويجي
أقصوصة
نزار ب. الزين*
في يوم قائظ ، كان يجلس في ركن ظليل من أرضية مبنى كبير و أمامه صندوقه المُلبَّس و المزخرف بالنحاس البراق ، مشكلا قطعة فنية تلفت النظر ؛ تقدمت منه فرحب بي ، ثم باشر على الفور . و بينما كان منهمكاً في عمله المتقن ، تقدم منه طفل في العاشرة ، فناوله بضعة قروش و هو يقول له مبتهجا :
- ( بابا ) لقد بعت جميع الأكياس ، هل أذهب إلى البيت ؟
يجيبه :
- (إولا)*... لا زال اليوم في أوله ، خذ مجموعة أخرى و اسرح بها ، و إلا ...
بعد دقائق قليلة ، تقدم منه طفل في الثامنة أو التاسعة من عمره :
- ( بابا ) بعت خمسة أمشاط و مسبحتين ..
ناوله القروش التي جمعها ، ثم مضى يكمل مهمته .
أثناء مباشرته بتلميع ( فردة ) حذائي الأخرى ، قدم طفل ثالث في السابعة من عمره و بيده حلوى يأكل منها متلذذاً ، فتناول منه القروش التي جمعها بيد و صفعه باليد الأخرى فألقاه أرضا و قد علا صياحه.
--------------------------
البويجي : ماسح الأحذية
إولا : ويل لك
'' الوبيجي '' ماسح الأحذية ، قصة تعالج موضوع تشغيل الأطفال .التي يلجأ إليها بعض الأباء لزيادة دخل الأسرة . فماسح الأحذية الذي قصده السّارد ، له ثلاثة أولاد أكبـرهم في العاشرة،و أصغرهم في السّابعة . كلّهم يشتغلون في بيع الأكياس و الأمشاط و المسابيح و كلّما باعوا و عادوا إليه يصرفهم مرّة أخرى للبيع. و أصغرهم اشترى حلوى و جــــاء يتلذذ بها ببراءة ، فسلّم القروش إلى أبيه ، و تلقى صفعة قوية ألقته أرضاً . لأنّ ـ حسـب الأب ـ ما كان عليه أن يشتري الحلوى . بل عليه أن يستبقي كلّ القروش .
فنيــا : قصة تصويرية ، الغرض منها التنبيه لمسألة تشغيل الأطفال . و استغلال براءتهم في أعمال ليسوا مأهلـين لها ...
يحافظ الكاتب على طريقة الوصف ، و اللّغة السردية البسيطة العادية . بعيداً عن التقعّر اللفظيّ ، أو الغوص في المضامين ، أو الالتفاف بالرّمز و التّكثيف ، أو اعتماد أساليب الإيحاء و التّأويل ...
لقد نجح السّرد في إيصال جشع الأب ، و عدم الرّفق بأبنائه . كما نجح في إبراز مدى المعاناة التي يقاسيها أطفال في عمر الزهور ، كان الأولى أن يكونوا في المدرسة ، و أن يشبعوا لعباً و مرحاً مع أقرانهم ، و أن يتمتعـوا بطفولتهم التي لن تعود أبـداً.و قد بقي السّارد محايداً ، و إن كان مشاركاً ، و هو بذلك رمز للمجتمع في وضعه السلبي ، الذي يقف وقفة غير المهتم ، و غير المبالي . و كأنّ أمر تشغيل الأطفال لايهمه في شيء !! و كأن الأطفال ليسوا هم بناة المجتمع غداً ، و أطيافه المختلفة ... !!
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(8) لا تخاطبني بالعربية
ق ق ج
نزار ب الزين*
حدثني صاحبي فقال :
نتردد أنا وزوجتي من حين لآخر على نوادي المسنين ، للتعارف أو المطالعة ، ، و نتناول طعام الغداء هناك أحيانا ؛ و ذات يوم اشارت لنا إحدى معارفنا نحو رجل يجلس في وسط القاعة ثم قالت لنا : " إنه عربي مثلكما ، و إسمه فوزي ! "
، فتوجهت على الفور نحوه ..
ثم ..
قلت له مهللاً فرحاً : " مرحبا يا سيد فوزي !! " و لذهولي و دهشتي ، أجابني ممتعضا و بكل جفاء : " أرجوك ، لا تخاطبني بالعربية "
'' لاتخاطبني بالعربية '' قصة عن الاستلاب الفكري و الثقافي . إذ لم يحدث أن كان العربي مستلباً كما هو في زماننا . أحاطت به الفرنكفونية la francophonieو الأنجلوساكسونيةanglo- saxonne فأصبح عبد حضارات غريبـة عن تراثه و ثقافته و لسانه . فانغمس فيها إلى درجة التحلّل و الذّوبان و بخاصة مغتربينا . و كأنّ الأمر ليس الاستفادة و الإفادة و التبادل و الأخذ و العطاء . و إنما الخضوع و التبعية .... إذ لم تعد تربطه بالأصل إلا هذه البشرة السّمراء الداكنة التي لو أمكنه لاستبدلها ببشرة أخرى بيضاء ناصعة ، و شعر ناعم أشقـر ، و لا بأس من عدستين زرقوتين ...
فالقصّة ـ رغم بساطتها ـ تكشف الغطاء عن سوءتنا . و ما آل إليه بعضنا من التّردي في الاغتراب و الاستلاب :
حكى صاحب الراوي أنّه يرتاد ناد للمسنين هو وزوجته قصد التّعارف و المطالعــــة و الأكـل . فنُـبّه ذات يوم إلى وجود عربيّ في النّادي فحنّ الرجل لدمه و فصيلته ، فاقترب منه بعد أن عرف اسمه مهللا مستبشراً قائلا : مرحبا يا سيد فوزي !
و لكن الضيف العربيّ بادره ممتعضاً و بجفاء :( أرجوك لا تخاطبني بالعربية.)
هكذا ينسلخ بعضنا عن جلدته، كما تفعل الثّعابين و الحياّت، و إن كانت هذه الأخيرة تبقى على أصولها. بينما بعضنا يفقد أصله ، فترفضه و تنبذه باقـي الأصول الأخرى . فيبقى في مهب الرّيح بدون أصل يميـزه.
و لكن ماذا لو أمعن السّارد في السّخرية من هذا المستلب المسكين و جعله ينطق القفلة : بدل :(أرجوك لا تخاطبني بالعربية ) بـ (Please, do not Takatabni Arabic) ففي ذلك مزيد من تعرية شخصية المستلب . الذي ينطبق عليه ( مشية الغراب ) يقال أنّ الغراب حاول تقليد مشية الحمامة ، و حين حاول الرجوع إلى مشيته نسيها ، و حين حاول العودة إلى مشية الحمامة نسيها، و أصبح ينطّ نطّاً غريباً .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(9) بلا بيت و جائع
ق ق ج
نزار ب. الزين*
كثر الحديث ، عن المشردين – و يطلق عليهم في أمريكا " هوم لِس " أي من لا بيوت لهم – و كيف أنهم انتشروا مؤخرا عند تقاطعات الإشارات الضوئية بشكل لافت ، و فيهم نساء و رجال ، شبان و شيب .
" لعل ذلك راجع للأزمة الإقتصادية التي تمر بها البلاد" علق رئيس تحرير صحيفة " الزمن " اليومية ، ثم كلف الصحافي "دنييل " بكتابة تقرير متكامل عن هذه الظاهرة ..
و لكي يكون تقريره صادقا ، أراد "دانييل" بداية أن يختبر الناحية الربحية لهؤلاء ، فترك العنان للحيته لتنمو عدة أيام ،
ثم ...ارتدى ملابس رثة ،
ثم .... كتب بيده على قطعة من الورق المقوى " بلا بيت و جائع " كما يفعلون ،
ثم .....انتقى أحد التقاطعات ،
ثم ......وقف في إحدى زواياه ..
بعد حوالي ثلاث ساعات ، ترك موقعه و توجه إلى سيارته ليأخذ قسطا من الراحة ، فشعر بثقل جيوبه الملآى بمختلف الفئات النقدية المعدنية ، و لدهشته الشديدة تجاوز ما جمعه منها حين أحصاها ، المائة دولار !
في اليوم التالي ، و بدلا من أن يقدم لرئيس التحرير تقريره ، قدم له استقالته !.
'' بلا بيت و جائع '' قصة قصيرة جداً ، و إن كانت أطول من سابقاتها. حقاً ، لم تعمد إلى التكثيف اللّغوي كما هو سائد عند جلّ كتاب هذا النوع من السّرديات . و حقاً ،أنّها تعتمد أسلوباً لا يختلف كثيراً عن أسلوب القصة القصيرةshort story و لكن في جميع الأحوال لا يمكن إلا اعتبارها قصّة قصيرة جـداً.
الكاتب يتمتع بأصالة originalitéفكرية و فنية و أدبية خاصة. و في كلّ ما قرأت له ـ و كا أسلفت ـ يكاد لا يحيد على ما يؤمن به كنسق enonciation في الكتابة .
في هذه القصة : اهتمّ رئيس تحرير صحيفة ( الزمن ) بظاهرة المشردين '' هوم لس '' فأرسل الصحافي دانييل ليعدّ تقريراً صحفياً . فارتأى الصحافي أن يدخل التّجربة ليعرف كم يحصل المتشرد المتسول من مال في اليوم . فترك لحيته و أهمل ملابسه ثم كتـب على قطعة من الورق( بلا بيت و جائع ) فوقف عند أحد التقاطعات و بعد ثلاث ساعات من التّسول التّنكري أحصى أكثر من مائة دولار حصل عليها.اندهش.وعاد إلى رئيس الصحيفة باستقالة بـدل تقريـر صحافي .
فنيـــاً :
1 ـ القصة من النّوع الأحدي البعد . تشير إلى أنّ الظاهرة لم تنتشر لو لم يكن من ورائها ربح سهل . و ما تحول دنييل ( الصحافي ) إلى متسول إلا لكونه وجدها عملية مربحة ، قد تذرّ عليه ما لا تذرّه الصحافة، مهنة المتاعب .
2 ـ عمدت القصة إلى الشّرح و الجمل التّوضيحية : (و يطلق عليهم في أمريكا " هوم لِس " أي من لا بيوت لهم )
3 ـ توظيف الأسلوب الغربي في الكتابة ، الذي لا يجاري الأسلوب العربي( " لعل ذلك راجع للأزمة الإقتصادية التي تمر بها البلاد" علق رئيس تحرير صحيفة " الزمن" اليومية)
4 ـ استعمال الكاتب لحرف العطف ( ثم ) بشكل لافت. مع أنه من الممكن الاستغناء على الأخيرة منها . ( ثم ......وقف في إحدى زواياه ..) و عموماً لو أعيد النظر في الصياغة لهذب النّص و مال إلا الكثافة .
5 ـ أشدّ ما شدّني في هذا النص : القفلة . ما توقعتها أبداً و ما انتظرتها . و هذا جميل جداً : ( في اليوم التالي ، و بدلا من أن يقدم لرئيس التحرير تقريره ، قدم له استقالته !. )
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(10) التربيـــة
ق ق ج
نزار ب. الزين*
تحت هذا العنوان أورد الكاتب ثلاثة نصوص تدور في فلك واحد
-أ-
كانت إصابات الفتاة بالغة استدعت إدخالها غرفة العناية المركزة ، في أثناء ذلك استدعيت والدتها إلى غرفة المحقق
"من اعتدى على ابنتك بهذا الشكل الوحشي و كاد يفتك بها ؟ " سألها المحقق ، فأجابته و قد ترقرق الدمع في عينيها : "إنه والدها ، نعم والدها ؛ تنامى إليه – و قد كلف أحدهم ليتجسس عليها - أنها مشت إلى جانب أحد زملائها أثناء الإنصراف من ثانوية البلدة ، و أنها كانت تتبادل معه أطراف الحديث ؛ فجن جنونه ، و أصر على ذبحها و الشرب من دمها ، و لولا استغاثتي و تدخل الجيران لفعل ، إنه مهووس ، إنه وحش آدمي...!"
أغلق المحقق المحضر ، و هو يقرر قائلا : " إنه والدها ، و من حقه أن يربيها !"
كأني بالكاتب قد حنّ لعمله الأول التربية و التعليم . فعاد يستقي النظريات التي ينبغي أن تكون ، و الأخرى التي ينبغي أن تزول ، في مجتمعاتنا العربية المترهلة بما فسد مــــن التقاليد العتيقة . و الأفكار المتجاوزة . و العقليات المتأخــرة .... و بخاصة فيما يتعلــق بتربية الفتاة و تنشئتها :
كانت البداية في غرفة الانعاش و العناية المركزة . حيث نقلت تلميذة في الثانوي . و قد أصيبت إصابات بالغة . سأل المحقق الأمّ عمن فعل بابنتها هذه الفعلة الشنعاء الوحشية . فأخبرته بأنّه والد الفتاة . إذ علم أن ابنته تكلم زميلا لها في الثانوية. فجنّ جنونه فأصرّ على ذبحها و شرب دمها لولا تدخل أمّ الفتاة و الجيران.فما كان على المحقق إلا أن غلق المحضر قائلا : (" إنّه والدها ، و من حقّه أن يربيها !") هكذا تقرّ السلطة التي تحمي المجتمع . و كأنّي بالقفلة تحيلنا على سؤال كبيـــر : هل هكذا تكون التربية ؟
النّص لا يجيب ، و لا يعطي بديلا . و هذا شيء جميل في النّص الإبداعي.ولكن هناك إحساس بالبحث عن البديل.بديل:تربية الضرب و العصا و الترهيب و الوعيد و الغيرة العمياء التي تعمي البصيرة و البصر.وقد تؤدي إلى الإجرام و سفك دماء المحارم . فإذا كان النّص يهدف فقط ؛ إلى استنهاض العزائم بغية تغيير وضع الفتاة ، والنظرة إليها ، و إلى تربيتها بعناية و اهتمام ....فهذا منتهى ما يراد ؛ و غاية الهدف و المسعى .
فنيـــا :
ـ تبقى اللّغة البسيطة . و الأسلوب الوصفي ، و الجمل التفسيرية بمعنى أنّ النّص ـ لولا رغبة الكاتب في الإسهاب ـ لاختزل إلى أقلّ من حجمه ، و يأتي على شكل ومضة نافذة مؤثرة .
ـ كما أنّ أسلوب الحوار في القصة الغربية متبع هنا أيضاً : ("من اعتدى على ابنتك بهذا الشكل الوحشي و كاد يفتك بها ؟ " سألها المحقق)
ــ القفلة ، كانت معبرة و ملائمة ، و صادمة ....
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
-ب-
" هيا ، أحضري ما طلبه منك أخوك في الحال ، أما و إلا .....! " قالت لها أمها آمرة و بلهجة متوعدة ؛ فسألتها جارتها الزائرة هامسة مستغربة : " و لكنه أخوها التوأم ؟! " فأجابتها و قد رسمت على شفتيها ابتسامة الواثق مما يقول : " و لكنها أنثى و هو ذكر ! و أنا إنما أربيها منذ الآن لتكون زوجة ناجحة ! "
ومضة أخرى في مجال التربية تتعلق بتفضيل الولد على البنت، و إن كان أخوها التّوأم. و الغاية عند الأم أن تربي ابنتها على تقدير و خدمة الجنس الآخر الذي سيكون منـه زوجها مستقبلا ( أنا إنما أربيها منذ الآن لتكون زوجة ناجحة ! ")
و لكن السؤال الذي تثيره القفلة.هل مفهوم التربية الحقّة الحديثة،يفرض هذا المنطق ؟ أم ترى للتربية منطق آخر أنفع و أجدى ؟ هل تربية الخضوع و الخدمة على عهـد الحريم أنفع ؟ أم تربية التعاون و العشرة الطيبة التي أساسها الاحترام المتبادل ؟ النص يثير أسئلة ، الغاية منها تغيير هذا المفهوم . بمفهوم أكثر و عيا و مسؤولية ...
فنيـــا :
ـ فضلا عن النهج المتبع في النص السابق : اللّغة الوصفية البسيطة ، و الأسلوب الغربي في الحوار (" هيا ، أحضري ما طلبه منك أخوك في الحال ، أما و إلا .....! " قالت لها أمها آمرة و بلهجة متوعد ) فقد جاء النص مقتضباً محققاً قدراً من الاختزال و الابتعاد عن الاسهاب و الاستطراد . و كم كان بودي لو أنّ الومضة بالغـت في الاختزال و حذفت منها عبارة (أنا إنّما أربيها منذ الآن لتكون زوجة ناجحة! ) فإنّ القارئ النبيه سيصل إليها من ذات نفسه.و تكون القفلة:( و لكنها أنثى وهو ذكر! )
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
-ج-
" الفارق يا أختاه يزيد على الثلاثين سنة ، ابنتك لا زالت طفلة في الثالثة عشر ، و هو تجاوز الأربعين ، و حتى التفكير بزواجها في هذا العمر حرام ، فما بالك إذا كان مع فارق عمري كبير ؟ " قالت سلمى لشقيقتها ، التي أجابتها في الحال : " الزواج ستر الفتاة – يا أختي - و وقاية لها من تيارات هذا الزمان ، أما فارق السن الكبير ، فهو لصالحها أيضا ، إذ يجعل زوجها مهابا أمامها ، و قادرا على تشكيلها كيفما يشاء !" .
الومضة الثالثة في التربية : حوار بين أختين حول زواج بنت إحداهما في الثالثة عشر لرجل في الأربعين.الأخت ( الخالة) تعارض هذا الزواج لفارق السن .( حتى التفكير بزواجها في هذا العمر حرام ) أمّا الأخت ( الأم ) فتبارك هذا الزواج : (" الزواج ستر الفتاة – يا أختي - و وقاية لها من تيارات هـذا الزمان ، أما فارق السن الكبير ، فهو لصالحها أيضا ، إذ يجعل زوجها مهابا أمامها ، و قادرا على تشكيلها كيفما يشاء !" )
عموماً ، مثل هذه المسألة لم تعد تطرح في المدن بحدّة ، و إن كانت موجودة بنسب متفاوتة في مدن الخليج العربي .و لكنها لا زالت تعشعش بكثرة في البادية و الأرياف و الأماكن النائية . وكيفما كان الحال فإنّ وجود الظاهرة بشكل أو بآخر ، يتطلب إعادة التربية ، و تغيير الأفكار السائدة . ففارق السن ، و العقلية ، و المستوى الثقافـي و الاجتماعي ... كلّ ذلك بمثابة قنابل موقوتة ؛ قد تنفجر في كـلّ لحظة مخلفة ضحايا : من أطفال و أرامل و خراب بيوت ... كان من المفروض أن تكون بيوتاً قد أسست على التقوى ، و الحب ، و حسن العشرة ، و الدوام ، و الاستمرارية ...
إذاُ ؛ ثلاث و مضات لاستنهاض الهمم ، من أجل تغيير النظرة الاجتماعية ، في سبيل تربية فاعلة واعية . الهدف منها إعداد الفتاة لعشرة التآلف ، و التّعاون ، و التّساكن . لا عشرة الخضوع ، والاذلال ، والسّـــخرة ...
بعد هذا ، يمكن أن نخرج بملاحظات نجملها في التالي :
1 ـ ما اطلعنا عليه كان في أسلوب كلاسيكي من حيث السرد .
2 ـ في هذه المجموعة تبدو الفكرة هي الأساس.
3 ـ يلاحظ سكونية و استقرار نمطية البناء القصصي .
4 ـ يلاحظ أن القفلة قد تخرج عن دائرة المنطق .
5 ـ يلاحظ أن القفلة قد تشرح و هذا يمنعها من إمكانات التّشظي التّأويلي .
6 ـ اللغة النمطية لا يجوز أن تكون لغة جميع النصوص .
7 ـ الوصف ينبغي أن يخدم الحدث ، والحدث ينبغي أن يكون في ارتباط بالقفلة .
فرغم هذه الملاحظات الفنية . تبقى نصوص نزار بهاء الدين الزين من النّصوص القصصية الإجتماعية التي تخرج عن دائرة الكلاسيكية شكلا . و تبقى وفية لروحها . تستمد قوتها من قضايا المجتمع ، و هموم الناس . في عصر تماوجت فيه الأفكار و تصادمت ... و تلاقحت فيه الآراء و تنافرت ... فالنّصوص تحاول الوقوف عند بعض االقضايا، و أهمها التربية و الإصلاح الاجتماعي، لقد جند لهما الكاتب معظــــم حياته ولا زال ينافح كتابة و إبداعاً . و رسماً و تشكيلا .
د مسلك ميمون
http://www.freearabi.com/نزار%20ب.%20الزين%209-12-2007.jpg
القاص نزار بهاء الدين الزين
الأستاذ نزار بهاء الدين الزين . من الشخصيات الأدبية ، التي منّ الله علي أن أتعرف عليه و لو عن بعد . حقا لم يسبق لي أن التقيت به ـ و كم يسرني ذلك !!ـ و لكن أشعر كأنّ بيني و بينه وشائج متعددة ، و لقاءات كثيرة ، أسست لعلاقة من القرب و التّعارف الجميل .
عرفت القاص نرار الزين في '' واتا '' و بخاصة في متصفحات القصة القصيرة و القصة القصيرة جدا . فكانت قصصه تترجم أفكاره ، و تعرب عن خوالجه و إحساساته ، و رؤيته للحياة . كما كانت ردوده الوديعة لسان حاله الطيب الودود. و زدت معرفة به من خلال موقعه الإلكتروني .
أعترف أنني استفدت من خلقه الوديع ، و بعد نظره ، و هدوئه و اتزانه . و أدركـت أنّ الرجل ، ليس من الضروري أن تصافحه و تجالسه .... فإنّ اشراقاته الفكرية و الفنية و الأدبية كالطيب الرائق المنعش يسبقه إليك . و يفعل في وجدانك ، و إحساسك ، و سلوكك فعل السّحر ... فلا تملك إلا أن تقدر الرجل ،و تحترمه ، و تبجله ...و لعلّك تفعل أكثر إذا سمعته يحدثك عن حياته و انتاجه :
(( أنا ...
ـ نزار بهاء الدين الزين
ـ من مواليد دمشق في الخامس من تشرين الأول ( أكتوبر ) من عام 1931
ـ بدأت حياتي العملية كمدرس في دمشق خمس سنوات .
ـ عملت في الكويت كأخصائي إجتماعي و مثقف عام لمدة 33 سنة قبل أن أتقاعد عام 1990لإضافة إلى عملي اٌضافي في صحف الكويت .
ـ كتبت أول مجموعة قصصية بعنوان ( ضحية المجتمع ) عندما كنت في الثانوية العامة عام 1949
ـ كتبت مجموعتي الثانية ( سارة روزنسكي ) 1979
ـ إضافة إلى عشقي للأدب فإنني أهوى الفنون التشكيلية كذلك و قد أقمت معرضا لانتاجي الفني في شهر أكتوبر 1999في مدينة دمشق / مركز المزة الثقافي خلال لإحدى زياراتي للوطن ضمت 55 لوحة .
ـ أعيش في الولايات المتحدة منذ انتهاء خدمتي في الكويت أي منذ 1990و أدير حاليا مع ابني وسيم مجلة ( العربي الحر ) الالكترونية عبر الانترنيت )نزار بهاء الدين الزين
تتجاوز قصصي القصيرة غير المطبوعة المائة و خمسين قصة و أقصوصة.إضافة إلى :
ـ ثمانية أعمال روائية صغيرة ذات طابع وطني تحت مسمى كيمانسانيا(الكمياء الإنسانية)
ـ ثمانية أعمال روائية صغيرة تحت عنوان : كنز ممتاز بك .
ـ عمل روائي طويل واحد ، تحت عنوان : عيلة الأستاذ .
ـ عشر حكايات للأطفال .
ـ عدد من الدراسات الأدبية و الفكرية نشرت في الصحف الكويتية ( الرأي العام ـ القبس ـ الوطن ) و العربية في أمريكا ( أنباء العرب ـ العرب ) و بعض المواقع الالكترونية المهتمة بالأدب . )
قراءة هذه المرة مختلفة جـداً . لأنّها لن تعانق ما جدّ في فن الكتابة القصصية . و لن تسبح مع سـوانح الحداثة ... و لكن ستركن بعض الوقت في رياض الكلاسيكية الأدبية . التي ـ رغم كلّ التطور الذي عرفته المعارف و الفنون ـ لا زالت تعلن للجميع : أنا هنا .
و للأسلوب القصصي الكلاسيكي عشاق كثر ، و بخاصة في شرقنــا العـــربي ، الذي يعشق التراث و الأصالة . و يستعذب نكهة الماضي وما فيها من لمع الإبداع ، و طيب الذكريات ، و روح المعاني ، و عبق التاريخ ....
و هذه الكتابة ، و إن كانت تبدو للجيل الحاضرغريبة فنيا بعض الشّيء ،لأنه لم يألفها . و لم يتتلمذ على كتابة روادها . فإنّ أجيالا سابقة كجيلي مثلا ، يجد فيها لذة و متعة ربّمـا لا تيسّرها نصوص حديثة أو حداثية . و المسألة ليست في حدّ ذاتها إعجاباً بالذي كـــان و نفوراً مما هو كائن . كلا . فللأساليب الكلاسيكية نكهتها و طعمها . و للأساليب الحديثة في فن القصّ جدّتها و طلاوتها . و كلّ سام في إبداعه و نسقـه .
و لكن من شدّة ما نرى الحديث و المستحدث ... قد ننسى تراثـا قصصياً لا يقدر بثمن ، تلفه الكلاسيكية ، و تحتضنه بقوّة ، و كأنّها خائفة عليه من غوائل الزمان ، و دواعي الضّياع . و جحود الأبناء و الأحفاد ، و أحفاد الأحفـاد .
لهذا حين نقرأ للأساذ نزار بهاء الدين الزين ، و لو قصصاً قصيرة جداً أو ومضات في شكلها الحديث ... فنحن لا نخرج من معالم الكلاسيكية الرّائقة. أو كأنّ الكاتب نفسه و هو يبحث عن الجديد في الشّكل . يأبى إلا أن يمنح نصوصه روحا كلاسيكية قصصية . و كأنّه يعبّر بذلك عن أصالة originalité تأبى أن تفارق قلمه . و عن تراث ضارب جذوره في العمق ، يأبى أن يفارق حبـره .
و بين التجديد في الشّكل و كلاسيكية الأداء : لغة و أسلوبا ، تنبثق زهور القاص نزار الزين ، تفوح بأريج خاص جداً . لربما لا يوجد له مثيل إلا عند ثلة قليلة من قصــــاصي '' واتا '' أذكر منهم : ثروت الخرباوي ، الشربيني خطاب ، ابتسام إبراهيم تريســــــي ، حورية البدري ، فائزة شرف الدين ، صلاح م ع أبو شنب ، حسن عبد الحميد الدراوي ، مخلص أمين رزق ، صلاح الدين محمد أبو الرب ، مرعي حيادري ، أملي القضماني إيمان عبد العظيم ، يمة الخاني .....
و البقية لا يستهان بها كلّها من عشاّق الكلاسيكية الأدبية القصصية .. و لكن بدون تحجّر أو تقوقع ، أو تعسف و تشدّد ...بل بانفتاح على الجديد ، بحذر و تؤدة و شغف و عناية . و هذا ما نلاحظه في هذه المجموعة من القصص القصيرة جداً، و هذه الومضات، للقاص نزار بهاء الدين الزين .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
شذرات
ق ق ج
نزار ب. الزين*
تحت هذا العنوان جاء الكاتب بقصة قصيرة جدا و ثلاث ومضات
(1)الحق على المرآة
صحت السيدة /نوّارة/ من نومها و بعد أن غسلت يديها و وجهها ، لاحت منها التفاتة إلى المرآة ، فهالها مارأته ، فللمرة الأولى تنتبه إلى تجاعيد خفيفة حول عينيها ، أحضرت منديلا ورقيا ، ثم أخذت تنظف به المرآة بكل ما تملك من قوة ، و لكن لخيبة أملها لم تتغير الصورة ..
التفتت إلى زوجها الذي قدم لتوه إلى الحمام متوسلة : " أرجوك يا أحمد غيِّر لي هذه المرآة بأسرع ما يمكنك !"...
'' الحق على المرآة '' قصة قصيرة جداًvery short story تتسم بمتعة خاصة ككلّ القصص النّفسية ، أو التي يكون لها طابع نفسيّ . فهنا نحن أمام ظاهرة نفسية تعرف في علم النّفس بالاضطراب التّحولي disorder conversion الشيء الذي يؤدي إلى الهلع panique فالسيدة نوارة لأوّل مرّة تكتشف تجاعيـد حول عينيها . فبادرت إلى منديل ورقيّ ، و مسحت المرآة جيـداُ .و لكن التجاعيد ظلّت كمـا هي ، فالتفتت إلى زوجها قلقة ، و طالبته أن يغير المرآة بأسرع ما يمكن .
ترى ماذا أراد السّارد أن يمرر من خلال هذا النّص ؟ هل المرأة تشكّ فيمـا تعكسه المرآة ؟ أم تشكّ في المرآة نفسها ؟ هل ما رأته أقلقها ؟ هل هو بداية خوف من فعل الزّمن ؟ هل النّص يلفت الانتباه إلى علاقة المرأة بالمرآة ؟
هل النص يكشف بعضاً من نفسية المرأة ؟
َأعتقد أنّ كلّ هذا وارد و أكثر . و هذا وحده يكفل نجاح النّص . و يجعله قصّة تستحقّ القراءة . فالتّجاعيد رمـز لتقدم السن.ذلك التّقدم الذي له أثره الواضح و الذي قد لا تُخفيه دائماً المساحيق ، و أدوات التّجميل ، بل ولا عمليات التّجميل ..الشّيء الـذي يؤرق المرأة . التي تعتبر جمالها و نضارة و جهها ، رأس مال ينبغـي الحفاظ عليه مدى الحياة . و ليت ذلك ممكناً !! لهذا السّيدة نوارة ترفض ما تـرى من تجاعيد . و تشكّ في المرآة أن تكون جيدة الصّقل و النظافة.وهي في ذلك كمـن يخادع نفسه . أو يوهمها أنّ الواقع شيء مختلف . و يأبى الواقع إلا أن يكون واقعـاً .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(2) رجاء
أرجوك يا جارتي العزيزة ، أن تكفي عن نشر ملابسك الداخلية على الشرفة ، فإنّ بِكري أَنَس دخل مرحلة المراهقة ..
'' رجاء '' ومضة جميلة ، عفوية تلقائية.بسيطة سلسة... و لكنّها عميقة في دلالتها . نابضة بمعانيها، لا فتة بأبعدها. لا أكتم انّني حين قرأتها ابتسمت . ثمّ عدت إلى نفسي أعاتبها : ترى لماذ أبتسم من و مضة تحمل زخماً من الدلالات في بضع كلمات ؟ !
فوجدتني أقف عند العنوان '' رجاء '' و الرجاء : من التّرجي ، بمعنى ارتقاب شـيء لا وثوق بحصوله . إذاً ( أرجوك يا جارتي العزيزة ) توسل سيبقى معلقا ً بدون أمل . لأنّ الجارة ،لا بدّ أن تنشر غسيلها، بما في ذلك ملابسها الداخلية على الشّرفة . و ما دام الأمر يتعلق بالشرفة، معنى ذلك ليس هناك مكان آخر للنشرغيرها . و مـا دامت علّة الرّجاء تتعلق بالمراهق الابن البكر أنس ، فالمسألة أخذت مساراً آخر ، فيه خوف الأمّ على ابنها ، و مدى انشغاله بما يرى على حبل الغسيل ، و في ذلك انجذاب خفيّ إلى الجنس الآخر، و ربّما في هذا السن (المراهقة) المسألة ليست بالهينة.و خوف الأمّ و إن كان مبالغاً فيه.و لكن خوف الأمّ دائماً لا يقاس بالمنطق،و الموضوعية، و العقل .
إذاً نحن أمام محفّز ( الملابس الداخلية ) للجارة . و ضحية تابع لأهوائـه ( المراهق )
و خوف و قلق يسكن الأمّ . و كلّ ذلك إنّما هو بمثابة رمز لما أصبح عليـه وضـع مراهقينا . و هم في فورة من الحياة و الحيوية ، لا يجدون أمامهم إلا ما يزيدهم فوراناً و اندفاعاً ... كالذي نجده في المواقع الإباحية ، و تفشي الرذيلة ، و الزنا المقنـن و شبه المقنن و غير المقنن.و من هذه الزّاوية يصبح خوف الأمّ ( رمز لخوف الأولياء ) موضوعياً وجاداً ..فهل تكفّ الجارة عن نشر ملابسها الداخلية( رمزالإغراء والجنس)؟
أعتقد أنّ من تملك شرفة ، لا يمكنها إلا أن تنشر فيها ما تشاء . و أنّ المراهق سيبقى متعلقاً بالشّرفة،و ما ينشر فيها.و خوف الأمّ و رجاؤها سيتواصل ...ما لم نهتم بقضايا المراهق ، فنجد له البديل الذي يصرف فيه طاقاته و عنفوانه الزائد : كالرياضة و الفنّ و الإبداع عموماً ... و ما لم نضع حدا لدواعي الإغراء و الفاحشة ...
هكذا يتبيّن أنّ و مضة '' رجــاء '' جاءت ـ رغم قصرها ـ زاخرة بمعاني كبيرة : تخصّ خوف الأباء عن أبنائهم ، واضطراب حياة المراهق و انحرافها،و انتشارالإغراء و الفاحشة ....بدون رادع أو مانع ...
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(3) تراجع سريع
" إذا تزوجتَ من ديمة، سأحرمك من الميراث " قال له والده .
يُهرع رضوان إلى الهاتف ثم يخاطب محبوبته برنة حزينة : " إنسي رضوان و كل ما كان "
'' تراجع سريع '' و مضة أخرى على غاية من الإيجاز و الفائدة ، و المتعة الرائقة :
لفتة إلى الأباء الذين لازالوا يرون حياة أبنائهم ملكا لهم ، كما هي ثرواتهم و أملاكهم . ينسون أنّ للأبناء حياة خاصّة بهم ، و آراء قد تخالف آراءهم ، و أذواق قد لا تتفق و أذواقهم . ففي النّص : أب يتوعد ابنه إن تزوّج ديمة سيحرمه من الميراث . تهديد لم يملك بعده الابن إلا الاستسلام لرغبة والده ، فيتلفن لحبيبته قائلا : (إنسي رضوان و كلّ ما كان ")
و مضة تحيلنا على قوّة المال ، فرغم أهميتها في الحياة ، كم أصبحت تنجزمن بشاعة في حياتنا.لدرجة التّخلي عن أسمى عاطفة تجمع البشر( الحب) و في ذلك رمز للعصر المادّي الذي نعيشه.إذ أصبحت العواطف تقاس بالدّرهم و الدّنار . وأصبحت المبـادئ تنهار و تتلاشى هباء أمام بريق المال . حقيقـة لا مراء فيها . لدرجة أصبحـت في دنيـانا الفضيلة ،و المرؤة ، و الحب ... هامشا و استثناء . بينما المال كاد يغطــي كــلّ شيء .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(4) بــــــراءة
قال العجوز لطفلة الثانية عشر ربيعا ، ممازحا : " آه لو كنتُ أصغر سنا ببضع سنوات ، لما تركتك لغيري ! " ؛ فأجابته بكل براءة : " و الخالة أم عمر كيف سنتصرف معها ؟! "
'' بــــراءة '' و مضة أخرى تعبر عن الرغبة المستحيلة ، و الرجاء الذي يبقى سجين دائرة التّرجي . و سواء كان العجوز يمازح فتاة الثانية عشر ربيعاً . أو كان محقاً . فهي رغبة تكللها الاستحالة . و لكن ما دفع عجوزا لقول ما قال ؟ هل هي نـزوة و تصابي ؟ هل هي مراهقة متأخرة ؟ هل هو الإعجاب بجمال الفتاة ؟ قد يكون بعض هذا أو كلّ هذا .
لكن ما يستوقف في هذه الومضة أنّ السّارد قال : ( فأجابته بكلّ براءة ) فكلمة : براءة لا تعبّر عمّا جاء بعدها لأنّ الفتاة تقول : (" و الخالة أمّ عمر كيف سنتصرف معها ؟! ")
جواب بعيد عن البراءة !! فهو جواب فتاة تفهم جيداً ما يقصده العجوز .
فلو كان جواب الفتاة مثلا : و أين ستـأخذني ؟
أو : ماذا تقصد بغيــرك ؟
أو : كلا يا عمّ ، أحب البقاء مع والدي .
هذه إجابات بريئة . أمّا ( الخالة أم عمر كيف سنتصرف معها ؟ ! ) كلام عـار من البراءة . و كلام كبيـر !!
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(5)إعتـــــــــذار
ق ق ج
نزار ب الزين*
تحت هذا العنوان أورد القاص هذه القصص الثلاث التي يجمعها خيط رفيع ....
ـ أ ـ
أعلنت دائرة اليانصيب الأرقام الرابحة ، فوجئ سعيد بأنه يحمل رقم الجائزة الأولى و قدرها عشرة ملايين ليرة سورية ؛ هرع و معه شقيقه ، و هما يكادان يرقصان فرحا .
فوجئ سعيد بلوحة إعلان كبيرة معلقة فوق المدخل ، كُتب عليها : " نعتذر عن تقديم الجائزة الأولى ، فقد اكتشفنا عطلا بعجلة الحظ ! "
قصة قصيرة جداً ، نجملها في المثل المصري ( يا فرحة ما تمّت ) سعيـد فــاز في اليانصيب و كانت الجائزة الأولى من نصيبه . ذهب مع أخيه لتسلم جائزته التي قدرها عشرة ملايين ليرة سورية ، و الدنيا لا تسعهما فرحاً. و لكن عند المدخل فوجئا بإعلان يُخبر أنّ الجائزة الأولى ألغيـت لاكتشاف عطل بعجلة الحـظ .
تبدو القصّة بسيطة . إن لم أقل غير مقنعـة . لأنّ الإعلان عن الجائزة لا يترك مجالا للشكّ ولا للمناورة، و هي مسألة مال ، و ليست لعبة كباقي اللّعب. و يمكن للزبون أن يحاجّهم ، و يرفع شكوى ضدّهم . و من المحتمل جداً أن يربح قضيته ... ولكن لا أظن أنّ القصّة تهدف إلى كلّ هذا ، و لا حتّى مصداقيتها من الواقع و إنّمـا تحاول تمريـر خطاب ما ، فحواه،أنّ الرزق ـ بغض النظر عن الحلال أو الحرام ـ لا يمكن أن يحرز عليه المرء إلا إذا كان من نصيبه : أعلنت النتيجة ، و كان الأوّل ، و طار فرحاً ... و لكن الجائزة ليست من نصيبـه ، و الحـظ ابتسم ، و لكن لغيـره ...
فنيـــا : تبقى القفلـة ( فقـد اكتشفنـا عطلا بعجلة الحظ ! ") رغم أنّها كانت غير منتظرة ، و صادمة ... و لكن جاءت غير منطقيــة.
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
ـ ب ـ
أعلنت وزارة الداخلية في دولة عربية غنية ، أن من مر على إقامته المشروعة في الدولة أكثر من خمس سنوات ، يحق له التجنس ، و أن هناك خمسة مراكز للتسجيل ..
فاندفع المقيمون من مختلف الجنسيات العربية ، و تزاحموا أمام مراكز التسجيل ...
في اليوم التالي ، أعلنت وزارة الداخلية عبر وسائل الإعلام :
" نظراً للأعداد الكبيرة المتقدمة للتجنس ، فقد قررت الحكومة – آسفة - سحب القرار المذكور ، و إغلاق مراكز التسجيل " .
قصة أخرى تتضمن مفهوم الاعتذار . في دولة عربية غنية تعلن وزارة داخليتها أنّ جميع من أقام في البلد إقامة شرعية أكثر من خمس سنوات يحق لـه التجنس فهـبّ المواطنون العرب المقيمون بطلب الجنسية . فهال الحكومة هذا العدد الهائل . و لربّما تصورت أنّ مواطنيها الأصليين سيصبحون أقلية في وطنهم . فبادرت إلى إلغاء القرار و إغلاق مراكز التّسجيل . و مرّة أخرى ( فرحة ما تمّت ) و هذا الذي جـاء في النّص سواء كان خيالا أم حقيقة . فهو أمر جائز . لأنّ السياسات العربية كلّها تبني صرحها على الارتجال و الآنية و اللّحظة ... و على حافة جرف هار ...
فنيـــا : يطيب للقاص الانسياب اللّغوي البسيط . و لا يهتم بأساليب الحذف و الإضمار مثلا . ليضفي على النّص نوعاًُ من التّكثيف و الإيجاز و الضّغط . ففي كلّ ما قرأت له . أجد نفس النّهج : عرض بسيط و قفلة . هل هو اختيار و اقتناع ؟ أم ترى لم يصادف من النّقد و النّقاد من يقول له عكس هذا المسعى ؟
لست ضد البساطة في التّعبير إن كانت فنية . و لكن لا أفضل أن تكون نهجاً رئيساً في كلّ الكتابة . لأنّ للنّص سلطة،و سلطة قوية ، تفرض اللّغة المناسبة، و الأسلوب المتجانس . فالقصة النّفسية لها لغتها و أساليبها، و كذلك القصّة البوليسة و الاجتماعية و السياسية و حتى القصّة الغرائبية و قصص الرّعب ... بمعنى أنّ لباساً واحداً لا يمكن أن يكــــــون لباس الجميع !! ومن تمّ تبقى حتمية التنوع المرتبط بالنص واردة .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
ـ ج ـ
في مكرمة ملكية ، قررت الحكومة تقديم علاج مجاني لمرضى الإيدز و السرطان ..
في العام التالي : أبلغت وزارة الصحة المنتفعين بهذا القرار تحريريا : " أن علاجهم المجاني سوف يتوقف بعد أشهر ثلاثة . و أضاف معتذرا ، بأن الدولة قررت خصخصة الجهاز الطبي الحكومي و بيعه لشركات استثمارية أجنبية " .
و تأتي القصة االتالية في باب الاعتذار دائماً و في بند ( فرحة ما تمّت ) و تبعاً للقصتين السّابقتين من حيث الفكرة . جاء في النص : قرّرت الحكومة امتثالا لمكرمة ملكية علاج مرضى الايدز و السّرطـــان مجانـاً . و بعدعام ليس إلا . اعتـذرت الحكومة للمرضى و أخبرتهم أنّ العلاج سيتوقف بعد ثلاثة أشهـر . لأنّ الدّولة ستخصخص الجهـاز الطبــــي العمومي. بمعنى . جهزوا أنفسكم للموت بعد ثلاثة أشهر من الآن .
و هكذا تنصلت الحكومة من واجبها. وأنّ المَكرمة الملكية ليست وصلة مستمرة إلى الأبـد. و على جميع المرضى الاعتمــاد على أنفسهم في مقاومة مــرضين من أخطـــر الأمراض و أفتكها بالبشريـــة .
فنـيـــا : كانت القفلة جيدة ، و كادت أن تكون أجود لو جاءت بدون شرح أو توضيـح ... مثلا : ( الدولة قررت خصخصة الجهاز الطبيّ الحكوميّ . ) و الاستغناء عن الجملة التالية : ( و بيعه لشركات استثمارية أجنبية ) فالخصخصة كافية و هي تعني ما يليها . و لا يهم أن يكون المشتري محليا أو أجنبيا . فالذي يُفهم من الخصخصة أنّ الدّولة رفعت يدها . و تركت المجال للآخرين ، الذين لا يعرفون إلا المال و لا شيء غير المال .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(6)رجعيــــــني
أقصوصة
نزار ب. الزين*
قالت نوال ذات السابعة لأمها بكل جدية و تصميم :
- ماما ، ألم تقولي أنني جئت من بطنك ؟ أريد أن أعود إليه ..
ضحكت الأم ، ثم أجابتها :
- و لكن ما الذي يدفعك لهذا الطلب ؟
أجابت نوال و قد بدأت قطرات من الدمع تنبثق من مقلتيها :
- أبي يضربني إذا لم تكن درجاتي الشهرية كاملة ، وأنت تضربينني إذا لم أنفذ بدقة ما تأمرينني به ، و المعلمة تضربني لأتفه خطأ قد أرتكبه في القراءة أو الإملاء ، و البنت الكبيرة من الصف الخامس تضربني إذا لم أعطها مصروفي اليومي ....
ثم أجهشت بالبكاء قبل أن تكمل قائلة :
و بابا بالأمس ضربك ، يعني عندما أكبر و أتزوج سيضربني زوجي ؛ و أنا لم أعد أحتمل الضرب .
أرجوك يا أمي رجِّعيني ..
'' رجعيني '' قصة تختار كتيمة لها العنف ( الضّرب ) طفلة في السّابعة تضيق ذرعاً بما تعانيه من الضّرب:من طرف الأب، إذا تهاونت في المدرسة . و من الأم إذا ساء سلوكها و من المعلمة لأتفه خطأ . و من البنت الكبيرة في الصّف التي تبتزها مصروفها اليومي .. ثمّ إنّها لاحظت أباها يضرب أمّها . فحلّق بها خيالها بعيداً ، كيـف ستكون في يـوم ما زوجة ، و يضربها زوجها . فأحست أنّ العنف يلاحقها مدى الحياة . و أنّها كانت في يوم من الأيّام أمنة مطمئنة في رحم أمّها . فلو عادت لاستراحت من العنف المسلط عليهــــا .
طبعاً نحن نعرف أنّ رجوعها مستحيلا . و لكن في نفس الوقت نعلم الآن أنّ ضربهـــا و ممارسة سادية الكبار عليها ، شيء لا يقبله العقل و المنطق . فالنّص إذاً بمثابة جرس يدقّ بقوّة . ينبه لخطورة العنف ضدّ الأطفال . بل وضدّ الكبار أيضاً ( كضـرب الــزّوج زوجتـه) ، فتربية العنف ، لا ينجم عنها إلا النفور و البغضاء و عدم التّساكن ....
يبدو أن الخطاب قد مرّر بسلاسة ويسـر .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(7) البـــــــويجي
أقصوصة
نزار ب. الزين*
في يوم قائظ ، كان يجلس في ركن ظليل من أرضية مبنى كبير و أمامه صندوقه المُلبَّس و المزخرف بالنحاس البراق ، مشكلا قطعة فنية تلفت النظر ؛ تقدمت منه فرحب بي ، ثم باشر على الفور . و بينما كان منهمكاً في عمله المتقن ، تقدم منه طفل في العاشرة ، فناوله بضعة قروش و هو يقول له مبتهجا :
- ( بابا ) لقد بعت جميع الأكياس ، هل أذهب إلى البيت ؟
يجيبه :
- (إولا)*... لا زال اليوم في أوله ، خذ مجموعة أخرى و اسرح بها ، و إلا ...
بعد دقائق قليلة ، تقدم منه طفل في الثامنة أو التاسعة من عمره :
- ( بابا ) بعت خمسة أمشاط و مسبحتين ..
ناوله القروش التي جمعها ، ثم مضى يكمل مهمته .
أثناء مباشرته بتلميع ( فردة ) حذائي الأخرى ، قدم طفل ثالث في السابعة من عمره و بيده حلوى يأكل منها متلذذاً ، فتناول منه القروش التي جمعها بيد و صفعه باليد الأخرى فألقاه أرضا و قد علا صياحه.
--------------------------
البويجي : ماسح الأحذية
إولا : ويل لك
'' الوبيجي '' ماسح الأحذية ، قصة تعالج موضوع تشغيل الأطفال .التي يلجأ إليها بعض الأباء لزيادة دخل الأسرة . فماسح الأحذية الذي قصده السّارد ، له ثلاثة أولاد أكبـرهم في العاشرة،و أصغرهم في السّابعة . كلّهم يشتغلون في بيع الأكياس و الأمشاط و المسابيح و كلّما باعوا و عادوا إليه يصرفهم مرّة أخرى للبيع. و أصغرهم اشترى حلوى و جــــاء يتلذذ بها ببراءة ، فسلّم القروش إلى أبيه ، و تلقى صفعة قوية ألقته أرضاً . لأنّ ـ حسـب الأب ـ ما كان عليه أن يشتري الحلوى . بل عليه أن يستبقي كلّ القروش .
فنيــا : قصة تصويرية ، الغرض منها التنبيه لمسألة تشغيل الأطفال . و استغلال براءتهم في أعمال ليسوا مأهلـين لها ...
يحافظ الكاتب على طريقة الوصف ، و اللّغة السردية البسيطة العادية . بعيداً عن التقعّر اللفظيّ ، أو الغوص في المضامين ، أو الالتفاف بالرّمز و التّكثيف ، أو اعتماد أساليب الإيحاء و التّأويل ...
لقد نجح السّرد في إيصال جشع الأب ، و عدم الرّفق بأبنائه . كما نجح في إبراز مدى المعاناة التي يقاسيها أطفال في عمر الزهور ، كان الأولى أن يكونوا في المدرسة ، و أن يشبعوا لعباً و مرحاً مع أقرانهم ، و أن يتمتعـوا بطفولتهم التي لن تعود أبـداً.و قد بقي السّارد محايداً ، و إن كان مشاركاً ، و هو بذلك رمز للمجتمع في وضعه السلبي ، الذي يقف وقفة غير المهتم ، و غير المبالي . و كأنّ أمر تشغيل الأطفال لايهمه في شيء !! و كأن الأطفال ليسوا هم بناة المجتمع غداً ، و أطيافه المختلفة ... !!
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(8) لا تخاطبني بالعربية
ق ق ج
نزار ب الزين*
حدثني صاحبي فقال :
نتردد أنا وزوجتي من حين لآخر على نوادي المسنين ، للتعارف أو المطالعة ، ، و نتناول طعام الغداء هناك أحيانا ؛ و ذات يوم اشارت لنا إحدى معارفنا نحو رجل يجلس في وسط القاعة ثم قالت لنا : " إنه عربي مثلكما ، و إسمه فوزي ! "
، فتوجهت على الفور نحوه ..
ثم ..
قلت له مهللاً فرحاً : " مرحبا يا سيد فوزي !! " و لذهولي و دهشتي ، أجابني ممتعضا و بكل جفاء : " أرجوك ، لا تخاطبني بالعربية "
'' لاتخاطبني بالعربية '' قصة عن الاستلاب الفكري و الثقافي . إذ لم يحدث أن كان العربي مستلباً كما هو في زماننا . أحاطت به الفرنكفونية la francophonieو الأنجلوساكسونيةanglo- saxonne فأصبح عبد حضارات غريبـة عن تراثه و ثقافته و لسانه . فانغمس فيها إلى درجة التحلّل و الذّوبان و بخاصة مغتربينا . و كأنّ الأمر ليس الاستفادة و الإفادة و التبادل و الأخذ و العطاء . و إنما الخضوع و التبعية .... إذ لم تعد تربطه بالأصل إلا هذه البشرة السّمراء الداكنة التي لو أمكنه لاستبدلها ببشرة أخرى بيضاء ناصعة ، و شعر ناعم أشقـر ، و لا بأس من عدستين زرقوتين ...
فالقصّة ـ رغم بساطتها ـ تكشف الغطاء عن سوءتنا . و ما آل إليه بعضنا من التّردي في الاغتراب و الاستلاب :
حكى صاحب الراوي أنّه يرتاد ناد للمسنين هو وزوجته قصد التّعارف و المطالعــــة و الأكـل . فنُـبّه ذات يوم إلى وجود عربيّ في النّادي فحنّ الرجل لدمه و فصيلته ، فاقترب منه بعد أن عرف اسمه مهللا مستبشراً قائلا : مرحبا يا سيد فوزي !
و لكن الضيف العربيّ بادره ممتعضاً و بجفاء :( أرجوك لا تخاطبني بالعربية.)
هكذا ينسلخ بعضنا عن جلدته، كما تفعل الثّعابين و الحياّت، و إن كانت هذه الأخيرة تبقى على أصولها. بينما بعضنا يفقد أصله ، فترفضه و تنبذه باقـي الأصول الأخرى . فيبقى في مهب الرّيح بدون أصل يميـزه.
و لكن ماذا لو أمعن السّارد في السّخرية من هذا المستلب المسكين و جعله ينطق القفلة : بدل :(أرجوك لا تخاطبني بالعربية ) بـ (Please, do not Takatabni Arabic) ففي ذلك مزيد من تعرية شخصية المستلب . الذي ينطبق عليه ( مشية الغراب ) يقال أنّ الغراب حاول تقليد مشية الحمامة ، و حين حاول الرجوع إلى مشيته نسيها ، و حين حاول العودة إلى مشية الحمامة نسيها، و أصبح ينطّ نطّاً غريباً .
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(9) بلا بيت و جائع
ق ق ج
نزار ب. الزين*
كثر الحديث ، عن المشردين – و يطلق عليهم في أمريكا " هوم لِس " أي من لا بيوت لهم – و كيف أنهم انتشروا مؤخرا عند تقاطعات الإشارات الضوئية بشكل لافت ، و فيهم نساء و رجال ، شبان و شيب .
" لعل ذلك راجع للأزمة الإقتصادية التي تمر بها البلاد" علق رئيس تحرير صحيفة " الزمن " اليومية ، ثم كلف الصحافي "دنييل " بكتابة تقرير متكامل عن هذه الظاهرة ..
و لكي يكون تقريره صادقا ، أراد "دانييل" بداية أن يختبر الناحية الربحية لهؤلاء ، فترك العنان للحيته لتنمو عدة أيام ،
ثم ...ارتدى ملابس رثة ،
ثم .... كتب بيده على قطعة من الورق المقوى " بلا بيت و جائع " كما يفعلون ،
ثم .....انتقى أحد التقاطعات ،
ثم ......وقف في إحدى زواياه ..
بعد حوالي ثلاث ساعات ، ترك موقعه و توجه إلى سيارته ليأخذ قسطا من الراحة ، فشعر بثقل جيوبه الملآى بمختلف الفئات النقدية المعدنية ، و لدهشته الشديدة تجاوز ما جمعه منها حين أحصاها ، المائة دولار !
في اليوم التالي ، و بدلا من أن يقدم لرئيس التحرير تقريره ، قدم له استقالته !.
'' بلا بيت و جائع '' قصة قصيرة جداً ، و إن كانت أطول من سابقاتها. حقاً ، لم تعمد إلى التكثيف اللّغوي كما هو سائد عند جلّ كتاب هذا النوع من السّرديات . و حقاً ،أنّها تعتمد أسلوباً لا يختلف كثيراً عن أسلوب القصة القصيرةshort story و لكن في جميع الأحوال لا يمكن إلا اعتبارها قصّة قصيرة جـداً.
الكاتب يتمتع بأصالة originalitéفكرية و فنية و أدبية خاصة. و في كلّ ما قرأت له ـ و كا أسلفت ـ يكاد لا يحيد على ما يؤمن به كنسق enonciation في الكتابة .
في هذه القصة : اهتمّ رئيس تحرير صحيفة ( الزمن ) بظاهرة المشردين '' هوم لس '' فأرسل الصحافي دانييل ليعدّ تقريراً صحفياً . فارتأى الصحافي أن يدخل التّجربة ليعرف كم يحصل المتشرد المتسول من مال في اليوم . فترك لحيته و أهمل ملابسه ثم كتـب على قطعة من الورق( بلا بيت و جائع ) فوقف عند أحد التقاطعات و بعد ثلاث ساعات من التّسول التّنكري أحصى أكثر من مائة دولار حصل عليها.اندهش.وعاد إلى رئيس الصحيفة باستقالة بـدل تقريـر صحافي .
فنيـــاً :
1 ـ القصة من النّوع الأحدي البعد . تشير إلى أنّ الظاهرة لم تنتشر لو لم يكن من ورائها ربح سهل . و ما تحول دنييل ( الصحافي ) إلى متسول إلا لكونه وجدها عملية مربحة ، قد تذرّ عليه ما لا تذرّه الصحافة، مهنة المتاعب .
2 ـ عمدت القصة إلى الشّرح و الجمل التّوضيحية : (و يطلق عليهم في أمريكا " هوم لِس " أي من لا بيوت لهم )
3 ـ توظيف الأسلوب الغربي في الكتابة ، الذي لا يجاري الأسلوب العربي( " لعل ذلك راجع للأزمة الإقتصادية التي تمر بها البلاد" علق رئيس تحرير صحيفة " الزمن" اليومية)
4 ـ استعمال الكاتب لحرف العطف ( ثم ) بشكل لافت. مع أنه من الممكن الاستغناء على الأخيرة منها . ( ثم ......وقف في إحدى زواياه ..) و عموماً لو أعيد النظر في الصياغة لهذب النّص و مال إلا الكثافة .
5 ـ أشدّ ما شدّني في هذا النص : القفلة . ما توقعتها أبداً و ما انتظرتها . و هذا جميل جداً : ( في اليوم التالي ، و بدلا من أن يقدم لرئيس التحرير تقريره ، قدم له استقالته !. )
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
(10) التربيـــة
ق ق ج
نزار ب. الزين*
تحت هذا العنوان أورد الكاتب ثلاثة نصوص تدور في فلك واحد
-أ-
كانت إصابات الفتاة بالغة استدعت إدخالها غرفة العناية المركزة ، في أثناء ذلك استدعيت والدتها إلى غرفة المحقق
"من اعتدى على ابنتك بهذا الشكل الوحشي و كاد يفتك بها ؟ " سألها المحقق ، فأجابته و قد ترقرق الدمع في عينيها : "إنه والدها ، نعم والدها ؛ تنامى إليه – و قد كلف أحدهم ليتجسس عليها - أنها مشت إلى جانب أحد زملائها أثناء الإنصراف من ثانوية البلدة ، و أنها كانت تتبادل معه أطراف الحديث ؛ فجن جنونه ، و أصر على ذبحها و الشرب من دمها ، و لولا استغاثتي و تدخل الجيران لفعل ، إنه مهووس ، إنه وحش آدمي...!"
أغلق المحقق المحضر ، و هو يقرر قائلا : " إنه والدها ، و من حقه أن يربيها !"
كأني بالكاتب قد حنّ لعمله الأول التربية و التعليم . فعاد يستقي النظريات التي ينبغي أن تكون ، و الأخرى التي ينبغي أن تزول ، في مجتمعاتنا العربية المترهلة بما فسد مــــن التقاليد العتيقة . و الأفكار المتجاوزة . و العقليات المتأخــرة .... و بخاصة فيما يتعلــق بتربية الفتاة و تنشئتها :
كانت البداية في غرفة الانعاش و العناية المركزة . حيث نقلت تلميذة في الثانوي . و قد أصيبت إصابات بالغة . سأل المحقق الأمّ عمن فعل بابنتها هذه الفعلة الشنعاء الوحشية . فأخبرته بأنّه والد الفتاة . إذ علم أن ابنته تكلم زميلا لها في الثانوية. فجنّ جنونه فأصرّ على ذبحها و شرب دمها لولا تدخل أمّ الفتاة و الجيران.فما كان على المحقق إلا أن غلق المحضر قائلا : (" إنّه والدها ، و من حقّه أن يربيها !") هكذا تقرّ السلطة التي تحمي المجتمع . و كأنّي بالقفلة تحيلنا على سؤال كبيـــر : هل هكذا تكون التربية ؟
النّص لا يجيب ، و لا يعطي بديلا . و هذا شيء جميل في النّص الإبداعي.ولكن هناك إحساس بالبحث عن البديل.بديل:تربية الضرب و العصا و الترهيب و الوعيد و الغيرة العمياء التي تعمي البصيرة و البصر.وقد تؤدي إلى الإجرام و سفك دماء المحارم . فإذا كان النّص يهدف فقط ؛ إلى استنهاض العزائم بغية تغيير وضع الفتاة ، والنظرة إليها ، و إلى تربيتها بعناية و اهتمام ....فهذا منتهى ما يراد ؛ و غاية الهدف و المسعى .
فنيـــا :
ـ تبقى اللّغة البسيطة . و الأسلوب الوصفي ، و الجمل التفسيرية بمعنى أنّ النّص ـ لولا رغبة الكاتب في الإسهاب ـ لاختزل إلى أقلّ من حجمه ، و يأتي على شكل ومضة نافذة مؤثرة .
ـ كما أنّ أسلوب الحوار في القصة الغربية متبع هنا أيضاً : ("من اعتدى على ابنتك بهذا الشكل الوحشي و كاد يفتك بها ؟ " سألها المحقق)
ــ القفلة ، كانت معبرة و ملائمة ، و صادمة ....
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
-ب-
" هيا ، أحضري ما طلبه منك أخوك في الحال ، أما و إلا .....! " قالت لها أمها آمرة و بلهجة متوعدة ؛ فسألتها جارتها الزائرة هامسة مستغربة : " و لكنه أخوها التوأم ؟! " فأجابتها و قد رسمت على شفتيها ابتسامة الواثق مما يقول : " و لكنها أنثى و هو ذكر ! و أنا إنما أربيها منذ الآن لتكون زوجة ناجحة ! "
ومضة أخرى في مجال التربية تتعلق بتفضيل الولد على البنت، و إن كان أخوها التّوأم. و الغاية عند الأم أن تربي ابنتها على تقدير و خدمة الجنس الآخر الذي سيكون منـه زوجها مستقبلا ( أنا إنما أربيها منذ الآن لتكون زوجة ناجحة ! ")
و لكن السؤال الذي تثيره القفلة.هل مفهوم التربية الحقّة الحديثة،يفرض هذا المنطق ؟ أم ترى للتربية منطق آخر أنفع و أجدى ؟ هل تربية الخضوع و الخدمة على عهـد الحريم أنفع ؟ أم تربية التعاون و العشرة الطيبة التي أساسها الاحترام المتبادل ؟ النص يثير أسئلة ، الغاية منها تغيير هذا المفهوم . بمفهوم أكثر و عيا و مسؤولية ...
فنيـــا :
ـ فضلا عن النهج المتبع في النص السابق : اللّغة الوصفية البسيطة ، و الأسلوب الغربي في الحوار (" هيا ، أحضري ما طلبه منك أخوك في الحال ، أما و إلا .....! " قالت لها أمها آمرة و بلهجة متوعد ) فقد جاء النص مقتضباً محققاً قدراً من الاختزال و الابتعاد عن الاسهاب و الاستطراد . و كم كان بودي لو أنّ الومضة بالغـت في الاختزال و حذفت منها عبارة (أنا إنّما أربيها منذ الآن لتكون زوجة ناجحة! ) فإنّ القارئ النبيه سيصل إليها من ذات نفسه.و تكون القفلة:( و لكنها أنثى وهو ذكر! )
http://www.wata.cc/forums/imgcache/10555.imgcache.gif
-ج-
" الفارق يا أختاه يزيد على الثلاثين سنة ، ابنتك لا زالت طفلة في الثالثة عشر ، و هو تجاوز الأربعين ، و حتى التفكير بزواجها في هذا العمر حرام ، فما بالك إذا كان مع فارق عمري كبير ؟ " قالت سلمى لشقيقتها ، التي أجابتها في الحال : " الزواج ستر الفتاة – يا أختي - و وقاية لها من تيارات هذا الزمان ، أما فارق السن الكبير ، فهو لصالحها أيضا ، إذ يجعل زوجها مهابا أمامها ، و قادرا على تشكيلها كيفما يشاء !" .
الومضة الثالثة في التربية : حوار بين أختين حول زواج بنت إحداهما في الثالثة عشر لرجل في الأربعين.الأخت ( الخالة) تعارض هذا الزواج لفارق السن .( حتى التفكير بزواجها في هذا العمر حرام ) أمّا الأخت ( الأم ) فتبارك هذا الزواج : (" الزواج ستر الفتاة – يا أختي - و وقاية لها من تيارات هـذا الزمان ، أما فارق السن الكبير ، فهو لصالحها أيضا ، إذ يجعل زوجها مهابا أمامها ، و قادرا على تشكيلها كيفما يشاء !" )
عموماً ، مثل هذه المسألة لم تعد تطرح في المدن بحدّة ، و إن كانت موجودة بنسب متفاوتة في مدن الخليج العربي .و لكنها لا زالت تعشعش بكثرة في البادية و الأرياف و الأماكن النائية . وكيفما كان الحال فإنّ وجود الظاهرة بشكل أو بآخر ، يتطلب إعادة التربية ، و تغيير الأفكار السائدة . ففارق السن ، و العقلية ، و المستوى الثقافـي و الاجتماعي ... كلّ ذلك بمثابة قنابل موقوتة ؛ قد تنفجر في كـلّ لحظة مخلفة ضحايا : من أطفال و أرامل و خراب بيوت ... كان من المفروض أن تكون بيوتاً قد أسست على التقوى ، و الحب ، و حسن العشرة ، و الدوام ، و الاستمرارية ...
إذاُ ؛ ثلاث و مضات لاستنهاض الهمم ، من أجل تغيير النظرة الاجتماعية ، في سبيل تربية فاعلة واعية . الهدف منها إعداد الفتاة لعشرة التآلف ، و التّعاون ، و التّساكن . لا عشرة الخضوع ، والاذلال ، والسّـــخرة ...
بعد هذا ، يمكن أن نخرج بملاحظات نجملها في التالي :
1 ـ ما اطلعنا عليه كان في أسلوب كلاسيكي من حيث السرد .
2 ـ في هذه المجموعة تبدو الفكرة هي الأساس.
3 ـ يلاحظ سكونية و استقرار نمطية البناء القصصي .
4 ـ يلاحظ أن القفلة قد تخرج عن دائرة المنطق .
5 ـ يلاحظ أن القفلة قد تشرح و هذا يمنعها من إمكانات التّشظي التّأويلي .
6 ـ اللغة النمطية لا يجوز أن تكون لغة جميع النصوص .
7 ـ الوصف ينبغي أن يخدم الحدث ، والحدث ينبغي أن يكون في ارتباط بالقفلة .
فرغم هذه الملاحظات الفنية . تبقى نصوص نزار بهاء الدين الزين من النّصوص القصصية الإجتماعية التي تخرج عن دائرة الكلاسيكية شكلا . و تبقى وفية لروحها . تستمد قوتها من قضايا المجتمع ، و هموم الناس . في عصر تماوجت فيه الأفكار و تصادمت ... و تلاقحت فيه الآراء و تنافرت ... فالنّصوص تحاول الوقوف عند بعض االقضايا، و أهمها التربية و الإصلاح الاجتماعي، لقد جند لهما الكاتب معظــــم حياته ولا زال ينافح كتابة و إبداعاً . و رسماً و تشكيلا .
د مسلك ميمون