المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رمضان على ألسنة الشعراء



السعيد ابراهيم الفقي
25/08/2009, 03:50 AM
رمضان على ألسنة الشعراء
كتبها:
محمد بن سالم بن علي جابر

رمضان على ألسنة الشعراء

الحمدُ لله الذي بنعمتِه تتمُّ الصالِحات، وتُرفع الدَّرجات، والصلاةُ والسلام على الرحْمة المهْداة، المؤَيَّد بالمعجِزات، المبعوث رحْمةً للعالَمين، سيدنا محمَّد، وعلى آلهِ وصحْبه أجْمعين.

إخوتي قرَّاء "الألُوكة" الكِرام، أُحَييكم بتحيَّة الإسْلام، تحيَّةِ أهل الجنَّة؛ {تحيتُهم يوم يلْقَوْنه سلام}، فسلامُ الله عليكم جميعًا ورحمته وبركاته، وأسْعَدَ اللهُ أوقاتكم بكلِّ خير.

حديثُنا في هذا اليوم الرمَضاني بعنوان: "رمضان على ألْسِنة الشُّعراء".

لَم يكُنْ شهرُ رمضان بكلِّ ما يتضمنه مِن معانٍ دينيَّة ورُوحيَّة بالمناسبة التي يُغْفلها الشعراءُ والأدباء على مرِّ العصور، ولقد حفلتْ كُتُب الأدب، ودواوين الشُّعراء، بذِكْر هذا الشهر الكريم، ما بين ترحيبٍ بمَقْدمِه، وتوديع له، وإظهار أهمية الصوم في حياة الناس، وعاداتهم في رمضان في مختلف البُلْدان، واعتباره شهرًا للهِداية، والنَّصْر، والجُود، والبِرِّ، والصِّلة.

ومَن يتَصَفَّح كُتُب الأدَب الإسلامي منذ عصر صدر الإسلام، فسيلْحظ مدى الحبِّ والتقدير، الذي أَوْلاه الأُدَباءُ والشُّعَراء لهذا الشهر؛ فها هو أميرُ الشُّعَراء أحمد شوقي يُصَوِّر لنا الصوم تصْويرًا أدبيًّا؛ فيقول في كتابه "أسواق الذهب": "الصَّوْم حِرْمان مشْروع، وتأديب بالجُوع، وخُشوع لله وخُضُوع، لكلِّ فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهرُه العذاب، وباطنه الرحمة، يستثير الشفَقة، ويحضُّ على الصدَقة، يكسر الكبْر، ويعلِّم الصبْر، ويسنُّ خِلال البِر، حتى إذا جاع مَن ألِف الشبَع، وحرم المترَف أسباب المتَع، عرف الحرمان كيف يقَع، وكيف أَلَمه إذا لذع".

الترحيب بالهلال:
لقد تفنَّن الشعَراء في وصْف الهلال والترحيب به، بل وَعَدُّوه أَمَارة خيرٍ، وبشارة يُمْنٍ وبَرَكة، فعندما يهلُّ هلال شهر رمضان الكريم، تُشْرق الدُّنيا بَهْجةً بقُدُومِه، فتصفو النُّفوس، وتنتشي بالرحمة الربانيَّة التي تعمُّ الكون، ويتحقَّق الرِّضا النفسي؛ لاستجابة القلوب لأمر بارئها - عزَّ وجلَّ.
يقول الشاعر ابن حمديس الصقلي:

قُلْتُ وَالنَّاسُ يَرْقُبُونَ هِلالاً يُشْبِهُ الصَّبَّ مِنْ نَحَافَةِ جِسْمِهْ
مَنْ يَكُنْ صَائِمًا فَذَا رَمَضَانٌ خَطَّ بِالنُّورِ لِلوَرَى أَوَّلَ اسْمِهْ


ويقول الشاعر الأندلسي ابن الصباغ الجذامي، احتفالاً بمقدم هلال رمضان:

هَذَا هِلالُ الصَّوْمِ مِنْ رَمَضَانِ بِالأُفْقِ بَانَ فَلا تَكُنْ بِالوَانِي
وَافَاكَ ضَيْفًا فَالتَزِمْ تَعْظِيمَهُ وَاجْعَلْ قِرَاهُ قِرَاءَةَ القُرْآنِ
صُمْهُ وَصُنْهُ وَاغْتَنِمْ أَيَّامَهُ وَاجْبُرْ ذِمَا الضُّعَفَاءِ بِالإِحْسَانِ



ويقول الشاعر محمد الأخضر الجزائري يُرحِّب بهلال رمضان:

امْلأِ الدُّنْيَا شُعَاعًا أَيُّهَا النُّورُ الحَبِيبْ
اسْكُبِ الأَنْوَارَ فِيهَا مِنْ بَعِيدٍ وَقَرِيبْ
ذَكِّرِ النَّاسَ عُهُودًا هِيَ مِنْ خَيْرِ العُهُودْ
يَوْمَ كَانَ الصَّوْمُ مَعْنًى لِلتَّسَامِي وَالصُّعُودْ
يَنْشُرُ الرَّحْمَةَ فِي الأَرْ ضِ عَلَى هَذَا الوُجُودْ



ويُصور لنا الشاعر "عبدالمنعم عبدالله" بَهْجة الدنيا لقدوم شهر رمضان؛ فيقول في قصيدته: "أنا صائم"، (والتي نُشرت بمجلة منار الإسلام، 1417هـ).

نُورٌ يُطِلُّ عَلَى الوُجُودِ وَيُشْرِقُ كَمْ بَاتَتِ الدُّنْيَا لَهُ تَتَشَوَّقُ
تَرْنُو لِمَطْلَعِهِ لِتَشْهَدَ بَدْرَهُ (رَمَضَانُ) إِنَّ هِلالَهُ يَتَأَلَّقُ
عِطْرُ الهُدَى مِنْهُ يَفُوحُ فَهَذِهِ أَنْسَامُهُ فِي كُلِّ وَادٍ تَعْبَقُ
كُلُّ الحَيَاةِ حَفِيَّةٌ بِقُدُومِهِ وَالخَيْرُ فِيهِ عَلَى الوَرَى يَتَدَفَّقُ



الترحيب بشهر رمضان:
يُرَحِّب الشاعر عبدالقدوس الأنصاري - رحمه الله - بشهر برمضان، ويصفه بأنه بُشرى للقلوب الظامِئة، فيقول:

تَبَدَّيْتَ لِلنَّفْسِ لُقْمَانَهَا لِذَاكَ تَبَنَّتْكَ وُجْدَانَهَا
وَتَنْثُرُ بَيْنَ يَدَيْكَ الزُّهْورَ تُحَيِّيكَ إِذْ كُنْتَ رَيْحَانَهَا
فَأَنْتَ رَبِيعُ الحَيَاةِ البَهِيجُ تُنَضِّرُ بِالصَّفْوِ أَوْطَانَهَا
وَأَنْتَ بَشِيرُ القُلُوبِ الَّذِي يُعَرِّفُهَا اللهُ رَحْمَانَهَا
فَأَهْلاً وَسَهْلاً بِشَهْرِ الصِّيَامِ يَسُلُّ مِنَ النَّفْسِ أَضْغَانَهَا



ويُرَحِّب الشاعر محمد إبراهيم جدع برمضان، ويصفُه بأنه خير الشهور، ففي لياليه مجالس الذكر، وترتيل للقُرآن:

رَمَضَانُ يَا خَيْرَ الشُّهُو رِ وَخَيْرَ بُشْرَى فِي الزَّمَانْ
وَمَطَالِعُ الإِسْعَادِ تَرْ فُلُ فِي لَيَالِيكَ الحِسَانْ
وَمَحَافِلُ الغُفْرَانِ وَالتْ تَقْوَى تَفِيضُ بِكُلِّ آنْ
وَمَجَالِسُ القُرْآنِ وَالذْ ذِكْرِ الجِلِيلِ أَجَلُّ شَانْ


ويستقبل الشاعر "محمد حسن فقي" شهر رمضان، فرحًا مسرورًا بلُقْياه، كيف لا، وريح فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؛ كما حدَّث بذلك النبيُّ؟!

رَمَضَانُ فِي قَلْبِي هَمَاهِمُ نَشْوَةٍ مِنْ قَبْلِ رُؤْيَةِ وَجْهِكَ الوَضَّاءِ
وَعَلَى فَمِي طَعْمٌ أُحِسُّ بِأَنَّهُ مِنْ طَعْمِ تِلْكَ الجَنَّةِ الخَضْرَاءِ
مَا ذُقْتُ قَطُّ وَلا شَعُرْتُ بِمِثْلِهِ أَفَلا أَكُونُ بِهِ مِنَ السُّعَداءِ؟!
وَتَطَلَّعَتْ نَحْوَ السَّمَاءِ نَوَاظِرٌ لِهِلالِ شَهْرِ نَضَارَةٍ وَرُوَاءِ
قَالُوا بِأَنَّكَ قَادِمٌ فَتَهَلَّلَتْ بِالبِشْرِ أَوْجُهُنَا وَبِالخُيَلاءِ
رَمَضَانُ مَا أَدْرِي وَنُورُكَ غَامِرٌ قَلْبِي فَصُبْحِي مشْرِقٌ وَمَسَاءِ



ويشيد الشاعر"جاك صبري شماس" بفَضائل هذا الشهر، فيقول في قصيدته: "أكرم الشهور"، مجلة الوعي الإسلامي العدد 409:

أَطْلَلْتَ وَجْهًا مُشْرِقًا رَيَّانَا وَغَمَرْتَ أَفْئِدَةَ الشُّعُوبِ حَنَانَا
وَسَمَوْتَ بِالأَنْدَاءِ تَرْفُلُ بِالشَّذَا وَتَسِيلُ فِي ثَغْرِ الوَرَى قطرَانَا
عَاوَدتَ بِرَّكَ وَالوَفَاءُ يَشُدُّنِي لأَصُوغَ مِنْ حُلَلِ القَرِيضِ جُمَانَا
يَا خَيْرَ شَهْرٍ قَدْ تَنَزَّلَ بِالتُّقَى يَهمِي خِصَالاً يُنْشِدُ الفُرْقَانَا
تَاجٌ يَزِينُ شُهُورَ عَامٍ بِالسَّنَا وَيَخُطُّ سِفْرًا شَامِخًا وَمُصَانَا


والشاعر "حسين عرب" يُصَوِّر لنا بهجة الدنيا بلُقياه، والتي لا تقف على الإنسان؛ بل تتعدَّاه إلى عالم الوُجُود كله:

بُشْرَى العَوَالِمِ أَنْتَ يَا رَمَضَانُ هَتَفَتْ بِكَ الأَرْجَاءُ وَالأَكْوَانُ
لَكَ فِي السَّمَاءِ كَوَاكِبٌ وَضَّاءَةٌ وَلَكَ النُّفُوسُ المُؤْمِنَاتُ مَكَانُ
سَعِدَتْ بِلُقْيَاكَ الحَيَاةُ وَأَشْرَقَتْ وَانْهَلَّ مِنْكَ جَمَالُهَا الفَتَّانُ


يقول ابن دراج القسطلي في وداع شعبان، وتنويهًا على مقدم رمضان:


فَلَئِنْ غَنِمْتَ هُنَاكَ أَمْثَالَ الدُّمَى فَهُنَا بُيُوتُ المِسْكِ فَاغْنَمْ وَانْتَهِبْ
تُحَفًا لِشَعْبَانٍ جَلا لَكَ وَجْهُهُ عِوَضًا مِنَ الوَرْدِ الَّذِي أَهْدَى رَجَبْ
فَاقْبَلْ هَدِيَّتَهُ فَقَدْ وَافَى بِهَا قَدْرًا إِلَى أَمَدِ الصِّيَامِ إِذَا وَجَبْ
وَاسْتَوْفِ بَهْجَتَهَا وَطِيبَ نَسِيمِهَا فَإِذَا دَنَا رَمَضَانُ فَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ


وفي قصيدته: "شهر الأمنيات"، والتي نشرت (في مجلة المنهل، العدد 537)، تتهَلَّل رُوح الشَّاعر "محمد درويش" فرحًا بقُدُوم رمضان، فيحسُّ بنوره ينير الكون، ويبدِّد الغشاوات، ليعمَّها النعيمُ والسمو الروحي:

أَشْرَقَ النُّورُ هِلالاً مِنْ حَنَايَا الدَّاجِيَاتِ
يَحْمِلُ البُشْرَى رَجَاءً لِلنُّفُوسِ القَانِطَاتِ
فَيُنِيرُ الرُّوحَ صَفْوًا كَالدَّرَارِي الزَّاهِرَاتِ
يَتَجَلَّى الحَقُّ فِيهِ لِلْقُلُوبِ الطَّاهِرَاتِ
وَالمَعَانِي فِيهِ تَسْمُو عَنْ وَضِيعِ الرَّغَبَاتِ
وَالأَمَانِي فِي شَذَاهَا كَالزُّهُورِ اليَانِعَاتِ


والشاعر "السيد الصديق حافظ" في قصيدته: "ربيع الروح"، والتي نشرتْ في (مجلة الفيصل، العدد 118)، تتَهَلَّل روحُه لقدوم رمضان بشرًا، ويدعو نفسه المتمَثِّلة في صديقه إلى أن يغتنمه بالطاعة والصلاح، ويذكِّرنا بنعيم الآخرة:

رَمَضَانُ أَقْبَلَ قُمْ بِنَا يَا صَاحِ هَذَا أَوَانُ تَبَتُّلٍ وَصَلاحِ
الكَوْنُ مِعْطَارٌ بِطِيبِ قُدُومِهِ رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَنَفْحُ أَقَاحِي



كما صوَّرَهُ الشاعر محمد حسن إسماعيل كضيفٍ عزيزٍ حلَّ وارْتَحَلَ، فيقول:

أَضَيْفٌ أَنْتَ حَلَّ عَلَى الأَنَامِ وَأَقْسَمَ أَنْ يُحَيَّا بِالصِّيَامِ
قَطَعْتَ الدَّهْرَ جَوَّابًا وَفِيًّا يَعُودُ مَزَارُهُ فِي كُلِّ عَامِ
تُخَيِّمُ لا يَحُدُّ حِمَاكَ رُكْنٌ فَكُلُّ الأَرْضِ مَهْدٌ لِلْخِيَامِ
وَرُحْتَ تَسُنُّ لِلأَجْوَاءِ شَرْعًا مِنَ الإِحْسَانِ عُلْوِيَّ النِّظَامِ
بِأَنَّ الجُوعَ حِرْمَانٌ وَزُهْدٌ أَعَزُّ مِنَ الشَّرَابِ أَوِ الطَّعَامِ



ويقول الشاعر "ياسين الفيل" في قصيدته: "رمضان أنت بما نُحب جدير"، في مجلة الفيصل، العدد255، ص34:

شَوْقِي عَلَيَّ مَدَى الشُّهُورِ يَجُورُ وَدَمِي لِبُعْدِكَ فِي العُرُوقِ يَمُورُ
وَمَشَاعِرِي تَهْفُو إِلَيْكَ وَإِنْ يَكُنْ أَمَلِي بِقُرْبِكَ مَا غَزَاه فُتُورُ
وَمَحَبَّتِي لَكَ تَسْتَحِثُّ خَوَاطِرِي أَنْ تَسْتَطِيلَ وَفِي مَدَاكَ تَدُورُ
قَبْلَ المَجِيءِ لَنَا أَرَاكَ عَوَالِمًا مِنْهَا عَلَى مَلأٍ يَفِيضُ حُبُورُ



ويُصور لنا الشاعر ياسين الفيل مدى هيام الكون بأجمعه بقدوم هذا الشهر الكريم، فيقول في مجلة الفيصل، العدد 183:

فَإِذَا أَتَيْتَ وَأَنْتَ أَكْرَمُ زَائِرٍ لِلأَرْضِ هَلَّلَتِ الرُّبَا وَالدُّورُ
وَاسْتَنْفَرَتْ سُحُبُ اليَقِينِ هَطُولَهَا وَانْسَابَ مَوْجٌ مِنْهُ يُورِقُ بُورُ
وَسَما بِنَا وَرَعُ النَّهَارِ سَمَا بِنَا فِي لَيْلِنَا التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ
يَا أَيُّهَا الشَّهْرُ الجَلِيلُ حَمَلْتَنَا حَمْلاً لِوَادٍ فِيهِ يُشْرِقُ نُورُ


وفي قصيدته: "رمضان يا عرس الهداية"، (والتي نشرت في مجلة الفيصل، العدد 183)، يقول الشاعر "رفعت المرصفي" مرحِّبًا بقدومه، حيث تهللتْ أساريره، وملأتْ قلبه البهْجة؛ إذ يتدفَّق نبعٌ فيَّاض منَ الرحمة، ويعم الخير:

رَمَضَانُ يَا عُرْسَ الهِدَايَةِ مَرْحَبًا يَا نَبْعَ خَيْرٍ فِي الوُجُودِ تَدَفَّقَا
مَا أَنْتَ إِلاَّ رَحْمَةٌ عُلْوِيَّةٌ خَصَّ الإِلَهُ بِهَا الوَرَى وَتَرَفَّقَا


والشاعر "ياسين الفيل" يَتَمَنَّى أن يكونَ العامُ كلُّه رمضان؛ لِمَا يَمْتَازُ بِهِ مِنَ الرحمات والرُّوحانية، (كما تذكر مجلة الفيصل):

عَامٌ وَنَحْنُ عَلَى الأَشْوَاقِ نَنْتَظِرُ لا السَّمْعُ أَدْرَكَ مَا نَرْجُو وَلا البَصَرُ
وَلا الأَمَانِيُّ فِي تَجْوَالِهَا نَعِمَتْ بِرِحْلَةٍ لَمْ يُشَوِّهْ حُسْنَهَا كَدَرُ
وَلا الصَّفَاءُ بِنَا عَادَتْ مَحَافِلُهُ تَجْتَاحُ مَا بِقُلُوبِ الحِقْدِ يَسْتَعِرُ
وَلا أَمِنَّا بِلَيْلٍ وَالمَدَى خَطَرٌ وَلا طَرِبْنَا وَبَوْحُ المُلْتَقَى ضَجَرُ


والشاعر "أحمد سالم باعطب" يُرَحِّب برمضان؛ لما يحدثه من تغيير في الحياة، ولما يجلبه من الخير، فيُقبل بالرحمة التي تتسع لتنال الكونَ كله، فتنتظر النفوس مقدمه، يقول الشاعر (في مجلة المنهل، العدد 562، ص54):

رَمَضَانُ بِالحَسَنَاتِ كَفُّكَ تَزْخَرُ وَالكَوْنُ فِي لأْلاءِ حُسْنِكَ مُبْحِرُ
يَا مَوْكِبًا أَعْلامُهُ قُدْسِيَّةٌ تَتَزَيَّنُ الدُّنْيَا لَهُ تَتَعَطَّرُ
أَقْبَلْتَ رُحْمًا فَالسَّمَاءُ مَشَاعِلٌ وَالأَرْضُ فَجْرٌ مِنْ جَبِينِكَ مُسْفِرُ
هَتَفَتْ لِمَقْدِمِكَ النُّفُوسُ وَأَسْرَعَتْ مِنْ حُوبِهَا بِدُمُوعِهَا تَسْتَنْفِرُ


ويستبشر الشاعر "أكرم جميل قنبس" - كما تذكر مجلة المنهل، العدد 546، ص 76 - بقُدُوم رمضان، ويراها فُرْصة للاستزادة منَ الخير:

لَكَ البُشْرَى فَأَنْتَ لَنَا الهَنَاءُ وَأَنْتُ الخِصْبُ يَخْصِبُ وَالنَّمَاءُ
أَيَا رَمَضَانُ يَا شَهْرَ العَطَايَا وَنَبْعًا كَمْ يَطِيبُ بِهِ ارْتِوَاءُ
قَدِمْتَ فَبُورِكَتْ خُطُوَاتُ ضَيْفٍ عَزِيزٍ جَاءَ يَحْدُوهُ البَهَاءُ
يُوَزِّعُ فِي حَنَايَانَا مُنَاهُ فَيُثْمِرُ مِنْ عَطَايَاهُ الرَّجَاءُ
وَيُشْرِقُ فِي الوُجُوهِ نَذِيرُ خَيْرٍ عَلَى الدُّنْيَا وَيَبْتَسِمُ الهَنَاءُ



وما أجملَ تصويرَ الشاعر "أحمد عبدالهادي" - كما تتحدَّث مجلة المنهل، العدد ،562 ص56 - حينما يستقبل رمضان مستبشرًا:

رَمَضَانُ وَافَى الخَلْقَ بالخَيْرَاتِ فَاسْتَبْشِرُوا بِاليُمْنِ وَالبَرَكَاتِ
وَاسْتَقْْبِلُوا شَهْرَ الهُدَى بِحَفَاوَةٍ وَخُذُوهُ بِالأَحْضَانِ وَالقُبُلاتِ
فَاللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ قَدْ خَصَّهُ بالنُّورِ وَالإِيمَانِ وَالآيَاتِ
سُبْحَانَهُ فَهْوَ الَّذِي قَدْ خَصَّهُ دُونَ الشُّهُورِ بِعَاطِرِ النَّفَحَاتِ


أما الشاعر "محمد حسن فقي"، فينتابه شعورٌ باليأس؛ لِما اقترفه من آثام في الأيام الماضية التي عاشها ملبِّيًا لنداء الغرائز والرغبات، ويتساءل: هل يمكن شفاؤُه مما أنهك قواه الجسميةَ والنفسية؟ ويتفاءَل الشاعرُ بقدوم شهر رمضان، حيث يحلُّ النعيم، وتغشاه الرحمات؛ ففي قصيدته: "رمضان" - والتي نشرت في مجلة المنهل، العدد 537، ص50 - يقول الشاعر:

رَمَضَانُ مَا أَدْرِي وَنُورُكَ غَامِرٌ قَلْبِي فَصُبْحِي مُشْرِقٌ وَمَسَائِي
أَأَنَالُ بَعْدَ مَثَالِبِي وَمَسَاوِئِي بِكَ مِنْهُمَا بَعْدَ القُنُوطِ شِفَائِي؟
وَبِأَنَّنِي سَأْنَالُ مِنْكَ حِمَايَتِي وَوِقَايَتِي مِنْ مُعْضِلِ الأَرْزَاءِ
مَا أَنْتَ إِلاَّ رَحْمَةٌ ومَحَبَّةٌ لِلنَّاسِ مِنْ ظُلْمٍ قَسَا وَعَدَاءِ


ومن حِكَم شهر رمضان - كما قال تعالى -: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وَإِذا تحقَّقَتِ التقوى ارتقى الإنسانُ وسَمَا، وصلَحتْ حياتُه، والشاعر أكرم قنبس يشير إلى دور شهر رمضان في تنقية النفوس من الأدران، وما ترسف فيه من أغلالِ الهوى والضلال، فتكتسي حُلَّةً من التقوى التي هي الضياء، تنير طريقها وتقودها إلى الصراط المستقيم، فيقول في مجلة المنهل، العدد 546:

وَتَغْتَسِلُ النُّفُوسُ بِرُوحِ شَهْرٍ هِيَ التَّقْوَى الَّتِي مِنْهَا الوِقَاءُ


وتذْكُر كتب التاريخ أنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جَمَع المصلِّين لأوَّل مرة في صلاة التراويح خلف إمام واحد، في السنة الثانية من خلافته الراشدة، فقال أحد الشعراء:

جَاءَ الصِّيَامُ فَجَاءَ الخَيْرُ أَجْمَعُهُ تَرْتِيلُ ذِكْرٍ وَتَحْمِيدٌ وَتَسْبِيحُ
فَالنَّفْسُ تَدْأَبُ فِي قَوْلٍ وَفِي عَمَلٍ صَوْمُ النَّهَارِ وَبِالليْلِ التَّرَاوِيحُ


ومن لطائف الشعر:
أنَّ الشاعر عمر بهاء الدين الأميري في ديوانه: "قلب ورب" نُصِحَ ألا يصوم لكبر سنه، فردَّ عليهم صادقًا، وقال:

قَالُوا سَيُتْعِبُكَ الصِّيا مُ وَأَنْتَ فِي السَّبْعِينَ مُضْنَى
فَأَجَبْتُ بَلْ سَيَشُدُّ مِنْ عَزْمِي ويَحْبُو القَلْبَ أَمْنَا
ذِكْرًا وَصَبْرًا وَامْتِثَا لاً لِلَّذِي أَغْنَى وَأَقْنَى
وَيَمُدُّنِي رُوحًا وَجِسْ مًا بِالقُوَى مَعْنًى وَمَبْنَى
"رَمَضَانُ" عَافِيَةٌ فَصُمْ هُ تُقًى لِتَحْيَا مُطْمَئِنَّا


- والمعروف للجميع أنَّ شهر رمضان يدور على فصول السَّنة كلّها مرَّة كلَّ 33 عامًا، فيأْتي في الصَّيف والشِّتاء والخريف والرَّبيع، وبالطَّبع يكون أشدَّ ما يكون في الصَّيف، حين ترتفِع درجة الحرارة، ويَزيد شعور الصَّائمين بالظَّمأ كما يصف ذلك ابنُ الرّومي مبالغًا أشدَّ المبالغة:

شَهْرُ الصِّيَامِ مُبَارَكٌ مَا لَمْ يَكُنْ فِي شَهْرِ آبْ
خِفْتُ العَذَابَ فَصُمْتُهُ فَوَقَعْتُ فِي نَفْسِ العَذَابْ


ويُكْمِل المعنى نفسَه شاعرٌ آخَر قائلاً:

اليَوْمُ فِيهِ كَأَنَّهُ مِنْ طُولِهِ يَوْمُ الحِسَابْ
وَاللَّيْلُ فِيهِ كَأَنَّهُ لَيْلُ التَّوَاصُلِ وَالعِتَابْ

وقد وصف أبو نواس طُول امرأة فقال:

نُبِّئْتُ أَنَّ فَتَاةً كُنْتُ أَخْطُبُهَا عُرْقُوبُهَا مِثْلُ شَهْرِ الصَّوْمِ فِي الطُّولِ


وَمدح شاعرٌ مُحسنًا ، وشبَّهه بليلة القدْر، فقال له:

نِلْتَ مِنْ ذَا الصِّيَامِ مَا تَرْتَجِيهِ وَوَقَاكَ الإِلَهُ مَا تَتَّقِيهِ
أَنْتَ فِي النَّاسِ مِثْلُ شَهْرِكَ فِي الأَشْ هُرِ بَلْ مِثْلُ لَيْلَةِ القَدْرِ فِيهِ

أمَّا وداع رمضان فنجِده في هذه القصيدة، التي يصِف فيها الشَّاعر كيف سيَكون مآل النَّاس، وهل ستُقْبَل أعمالُهم عند ربِّ العزَّة العظيم؟

أَيُّ شَهْرٍ قَدْ تَوَلَّى يَا عِبَادَ اللَّهِ عَنَّا
حُقَّ أَنْ نَبْكِي عَلَيْهِ بِدِمَاءٍ لَوْ عَقَلْنَا
كَيْفَ لا نَبْكِي لِشَهْرٍ مَرَّ بِالغَفْلَةِ عَنَّا
ثُمَّ لا نَعْلَمُ أَنَّا قَدْ قُبِلْنَا أَمْ حُرِمْنَا
لَيْتَ شِعْرِي مَنْ هُوَ المَحْ رُومُ وَالمَطْرُودُ مِنَّا


ولمحمد بن الرّومي قصيدة يقول فيها:

وَلَمَّا انْقَضَى شَهْرُ الصِّيَامِ بِفَضْلِهِ تَحَلَّى هِلالُ العِيدِ مِنْ جَانِبِ الغَرْبِ
كَحَاجِبِ شَيْخٍ شَابَ مِنْ طُولِ عُمْرِهِ يُشِيرُ لَنَا بِالرَّمْزِ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ


ويُهنِّئ الشَّاعر العبَّاسي البحتريُّ الخليفةَ المتوكِّل بن المعتصِم بنِ هارون الرَّشيد؛ لصيام شهْر رمضان ولِحلول عيد الفِطر:

بِالبِرِّ صُمْتَ وَأَنْتَ أَفْضَلُ صَائِمٍ وَبِسُنَّةِ اللَّهِ الرَّضِيَّةِ تُفْطِرُ
فَانْعَمْ بِعِيدِ الفِطْرِ عِيدًا إِنَّهُ يَوْمٌ أَغَرُّ مِنَ الزَّمَانِ مُشَهَّرُ


كما يصوِّر الشَّاعر محمود حسن إسماعيل مَشْهد الصَّائمين المترقِّبين صوْتَ المؤذِّن، منتظرين في خشوعٍ نداءَه، فيقول:

جَعَلْتَ النَّاسَ فِي وَقْتِ المَغِيبِ عَبِيدَ نِدَائِكَ العَاتِي الرَّهِيبِ
كَمَا ارْتَقَبُوا الأَذَانَ كَأَنَّ جُرْحًا يُعَذِّبُهُمْ تَلَفَّتُ لِلطَّبِيبِ
وَأَتْلَعْتَ الرِّقَابَ بِهِمْ فَلاحُوا كَرُكْبَانٍ عَلَى بَلَدٍ غَرِيبِ
عُتَاةُ الإِنْسِ أَنْتَ نَسَخْتَ مِنْهُمْ تَذَلُّلَ أَوْجُهٍ وَضَنَى جُنُوبِ


صوم الجوارح:
تصوم الجوارح في شهْر رمضان كلُّها عن كلِّ ما يُسْخِط الله، فتصوم العَين عن النَّظَر المحرَّم، ويصوم اللّسان عن الكذِب والغيبة والنَّميمة، وتصوم الأذُن عن الإصْغاء إلى ما نَهى الله عنه، وفي ذلك يقول أبو بكر عطية الأندلسي:

إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمْعِ مِنِّي تَصَامُمٌ وَفِي مُقْلَتِي غَضٌّ، وَفِي مَنْطِقِي صَمْتُ
فَحَظِّي إِذًا مِنْ صَوْمِيَ الجُوعُ وَالظَّمَا وَإِنْ قُلْتُ: إِنِّي صُمْتُ يَوْمًا فَمَا صُمْتُ

ويقول الصابي في الَّذي يصوم عن الطَّعام فقط، ويدعو إلى التخلِّي عن العيوب والآثام:

يَا ذَا الَّذِي صَامَ عَنِ الطُّعْمِ لَيْتَكَ قَدْ صُمْتَ عَنِ الظُّلْمِ
هَلْ يَنْفَعُ الصَّوْمُ امْرَأً ظَالِمًا أَحْشَاؤُهُ مَلأَى مِنَ الإِثْمِ


ويؤكد أحمد شوقي ذات المعنى فيقول:

يَا مُدِيمَ الصَّوْمِ فِي الشَّهْرِ الكَرِيمِ صُمْ عَنِ الغِيبَةِ يَوْمًا وَالنَّمِيمِ


ويقول أيضًا:

وَصَلِّ صَلاةَ مَنْ يَرْجُو وَيَخْشَى وَقَبْلَ الصَّوْمِ صُمْ عَنْ كُلِّ فَحْشَا


وهاهو عبدالله بن محمد القحطاني، المؤرّخ الأندلسي يقول ناصحًا ومرشدًا:

حَصِّنْ صِيَامَكَ بِالسُّكُوتِ عَنِ الخَنَا أَطْبِقْ عَلَى عَيْنَيْكَ بِالأَجْفَانِ
لا تَمْشِ ذَا وَجْهَيْنِ مِنْ بَيْنِ الوَرَى شَرُّ البَرِيَّةِ مَنْ لَهُ وَجْهَانِ


دعوة إلى الاعتدال:
ما أن يَحين موعِد الإفطار في رمضان، حتَّى ينقضَّ بعض الصَّائمين على طعامهم انقِضاض النَّمِر على فريستِه، فيحْشوا معِدَتَهم بألوانٍ عديدةٍ من الطَّعام، وقد يأْكلون في شهْر الصِّيام أضْعاف ما يأْكُلون في غيره، وفي ذلك يقول الشَّاعر معروف الرّصافي وهو يصِف بعضَ الصَّائمين الَّذين يتهافتون على الطَّعام غير مُبالين بالعواقب:

وَأَغْبَى العَالَمِينَ فَتًى أَكُولٌ لِفِطْنَتِهِ بِبِطْنَتِهِ انْهِزَامُ
إِذَا رَمَضَانُ جَاءَهُمُ أَعَدُّوا مَطَاعِمَ لَيْسَ يُدْرِكُهَا انْهِضَامُ
وَلَوْ أَنِّي اسْتَطَعْتُ صِيَامَ دَهْرِي لَصُمْتُ فَكَانَ دَيْدَنِيَ الصِّيَامُ
وَلَكِنْ لا أَصُومُ صِيَامَ قَوْمٍ تَكَاثَرَ فِي فُطُورِهِمُ الطَّعَامُ
فَإِنْ وَضَحَ النَّهَارُ طَوَوْا جِيَاعًا وَقَدْ هَمُّوا إِذَا اخْتَلَطَ الظَّلامُ
وَقَالُوا يَا نَهَارُ لَئِنْ تُجِعْنَا فَإِنَّ اللَّيْلَ مِنْكَ لَنَا انْتِقَامُ
وَنَامُوا مُتْخَمِينَ عَلَى امْتِلاءٍ وَقَدْ يَتَجَشَّؤُونَ وَهُمْ نِيَامُ
فَقُلْ لِلصَّائِمِينَ أَدَاءَ فَرْضٍ أَلا، مَا هَكَذَا فُرِضَ الصِّيَامُ


ويقول بدر شاكر السياب في ديوانِه بِمناسبة ليلة القدْر، ويستنصِر أمَّتَه ويَحثُّها على الخروج ممَّا بِها من الذُّل والهوان:

يَا لَيْلَةً تَفْضُلُ الأَعْوَامَ وَالحِقَبَا هَيَّجْتِ لِلقَلْبِ ذِكْرَى فَاغْتَدَى لَهَبَا
وَكَيْفَ لا يَغْتَدِي نَارًا تُطِيحُ بِهِ قَلْبٌ يَرَى هَرَمَ الإِسْلامِ مُنْقَلِبَا
يَا لَيْلَةَ القَدْرِ يَا ظِلاًّ نَلُوذُ بِهِ إِنْ مَسَّنَا جَاحِمُ الرَّمْضَاءِ مُلْتَهِبَا
ذِكْرَاكِ فِي كُلِّ عَامٍ صَيْحَةٌ عَبَرَتْ مِنْ عَالَمِ الغَيْبِ تَدْعُو الفِتْيَةَ العُرُبَا
يَا لَيْلَةَ القَدْرِ يَا نُورًا أَضَاءَ لَنَا قَاعَ السَّمَاءِ فَأَبْصَرْنَا مَدًى عَجَبَا
تَنَزَّلُ الرُّوحُ رَفَّافًا بِأَجْنِحَةٍ بِيضٍ عَلَى الكَوْنِ أَرْخَاهُنَّ أَوْ سَحَبَا
عَطْفُ الأُمُومَةِ فِي عَيْنَيْهِ مُتَّقِدٌ وَإِنْ يَكُنْ لِلتُّقَاةِ المُحْسِنِينَ أَبَا
وَلِلمَلائِكِ تَسْبِيحٌ وَزَغْرَدَةٌ تَكَادُ رَنَّاتُهَا أَنْ تُذْهِلَ الشُّهُبَا


خِتامًا:
نسأل الله أن يُعيننا على صيام رمضان وقيامه، وأن يتقبَّل منا صالِح أعمالنا، وأن يرزُقَنا الصِّدْق والصَّبر على طاعته، وأن يُحبِّب إليْنا الإيمان ويزيِّنه في قلوبِنا، ويُكرِّه إلينا الكُفر والفسوق والعصيان، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه، وصلَّى الله وسلَّم على صفيِّه من خلقه، وخليلِه من عباده، وعلى آلِه وصحْبه وسلَّم.