المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محاور في المقام العراقي ،المرحلة الثانية 2009 رقم 12 reshid alqundarchi



حسين اسماعيل الاعظمي
27/08/2009, 12:59 AM
المرحلة الثانية


المرحلة الثانية


المرحلة الثانية

المرحلة الثانية من
(محاور في المقام العراقي)



2009



محاور في المقام العراقي
دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي
يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعـيل الاعـظمي



الاردن / عمـَّان
كانون الثاني January 2009
اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المرحلة الثانية من (محاور في المقام العراقي) التي تم نشر تسعة عشر محورا في المرحلة الاولى من العام الماضي 2008 ، وها نحن نستهل عامنا الجديد 2009 بالمحور رقم (1) والمحور رقم (2) والمحور رقم (3) والمحور رقم (4) والمحور رقم (5) والمحور رقم (6) والمحور رقم (7) والمحور رقم (8) والمحور رقم (9) والمحور رقم (10) والمحور رقم (11) تكملة لمحاور المرحلة الاولى واستهلالاً للمرحلة الثانية .. وهذا المحور رقم (12) مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحاور في مرحلتها الاولى والثانية أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم
***
أو الذهاب الى موقع كوكل google والبحث عن (محاور في المقام العراقي) او (محاور في المقام المرحلة الثانية) حيث تجدون كل المحاور منشورة في المواقع والشبكات الالكترونية مع الشكر والتقدير لكل اخوتنا واصدقائنا في هذه المواقع والشبكات


المرحلة الثانية
من المحاور المقامية


المحور رقم

(12)


Hussain_alaadhamy@yahoo.com


00962795820112


المحور رقم
(12)
********
رشيــد القـــندرجي
( 1886- 1945 )
- اتباع رشيد القندرجي
- جذور الطريقة القندرجية
- بعض مزايا رشيد وطريقته
- التسجيلات الصوتية لرشيد القندرجي
- وصف موجز لبعض مقامات القندرجي

رشيد القندرجي
اختزن المطرب الكبير رشيد القندرجي في فطرته وعقله ، خلاصة ما سمعه وتعلمه من الطرق الغنائية القديمة التي كانت سائدة في عصره ، الممتدة اسسها من القرن التاسع عشر ، التي كانت ابرزها واهمها طريقة استاذه المطرب الحاذق احمد الزيدان ( 1832- 1912) وطريقته الفـذة ( الطريقة الزيدانية) .. حيث ادركها رشيد القندرجي وعاش اعماقها وحلل اشكالها ومضامينها واستنبط منها بعدئذ طريقته الغنائية الفذة التي وصل بها القندرجي الى ذروة كلاسيكية كل الطرق التي سبقته مجتمعة ، مما أحدث انعطافا كبيرا لدى المتلقي في التذوق الجمالي للاداءات المقامية .. اذ قلب فيها كل الموازين الأدائية في زمنه .. ليتوج بالاجماع اسطورة عصره بعد ان تبلورت اسس طريقته الرصينة التي اثرت في الكثير من المغنين المقاميين الذين جاؤا بعده وتبعوا طريقته .. و رغم كل ذلك فان (ما كتب عن رشيد سيظل قاصرا ازاء مدرسة متكاملة في اصول صناعة و صياغة الانغام , فرشيد كان صائغ نغم و مهندسا بارعا في الوصول الى الكمال ). 1*


صورة / مطرب المقام العراقي رشيد القندرجي

اتبــاع
رشيـد القــندرجي
لقد كان النتاج الفخم في تسجيلات المقام العراقي للمطرب الكبير رشيد القندرجي , مؤثرا جدا في اوساط المغنين المعاصرين و اللاحقين له .. انه المطرب الذي كان اسطورة في فنِّه المقامي , و قد بقي تأثير طريقته الغنائية في الاوساط المقامية زمنا طويلا .. و من اشهر اتباعها من المغنين المقاميين عبد القادر حسون , احمد موسى , الحاج هاشم الرجب , شهاب احمد الاعظمي ، رشيد الفضلي ، يونس يوسف ، عبد الخالق صالح رحيم ، سعيد دخان , حسقيل قصاب .. وغيرهم ، رغم التحولات والمتغيرات التي حصلت لشتى مجالات الحياة ، ورغم بداية شيوع شهرة محمد عبد الرزاق القبانجي وطريقته القادمة للمنافسة ، في النصف الاول من القرن العشرين ، وكذلك بالرغم من ان السلطة التأثيرية للطرق الغنائية القديمة .. والطريقة الرشيدية بالذات قد قلَّ اتباعها وافل نجمها في العقود الاخيرة من القرن العشرين .. إلا أن رشيد وطريقته لم يزل له تأثير لدى البعض من المغنين المقاميين الذين يروق لهم التغني بطريقته .. ونحن اذ نتحدث عن رشيد القندرجي وطريقة غنائه وفنِّه المقامي ، فقد اطلقنا على طريقــته في الغـناء ( الطريقة القندرجية) نسبة اليه اولاً ومصطلحاً نتداوله في هذا الكتاب الخاص بفن رشيد القندرجي واسلوب طريقته ، باعتبارها ، خلاصة الطرق القديمة التي جعلها القندرجي مهذبة في شكلها ومضمونها الى اللاحقين من بعده ..
ان من اسباب افول نجم الطريقة القندرجية في النصف الثاني من القرن العشرين كما يبدو ، هي التحولات والمتغيرات التي احدثتها تطورات العلوم الصناعية ، لتمسي هذه الحقبة الزمنية الكبيرة ، حقبة للتحولات بكل ما تعنيه هذه الكلمة ( حقبة التحول) وفيما بعد حقبة للتجارب الفنية (حقبة التجربة) وهو ما اطلقناه على هذه الحقب من الزمن ، ومن ثم ظهور الافكار الحديثة والجديدة والابداعات والتطورات التي كانت احد اسباب شيوع شهرة محمد القبانجي وشيوع طريقة غنائه التي اطلقنا عليها ايضا اسم ( الطريقة القبانجية) لامتلاكها المقومات الفنية هي الاخرى لتمسي تيارا جماليا وذوقيا في الغناء والموسيقى المقامية في النصف الاول من القرن العشرين .. فالفارق الزمني بين ظهور رشيد القندرجي و محمد القبانجي رغم انه عدد من السنوات لاتتجاوز الخمسة عشر سنة , إلا أنه امسى في- حقبة التحول- زمنا ليس قليلا في عصر اصبحت السرعة سمته الأكثر حضورا ، وكان كافيا ان يحدث تغيّرات وتحوّلات جمالية ذوقية في الغناء المقامي .. اذ لم تتح للقندرجي فرصا تسجيلية للمقامات العراقية بصوته ، كافية عندما كان في ذروة نضوجه في السنوات الاولى من القرن العشرين , اذ لم تصل بعد ، شركات التسجيل الصوتي الاجنبية الى بغداد في مداها الواسع .. وحيثما حل العقد الثالث والرابع من هذا القرن وقد وصلت الشركات الاجنبية لتسجيل تراث الشعوب الغناسيقي ، كان القندرجي قد بدأ نجمه بالافول وبدأ صوته يصاب ببعض الخراب ، بينما كان القبانجي في هذه الفترة بالذَّات قد واجه هذه الشركات وسجل لها الكثير من المقامات والاغاني العراقية وهو في ذروة نضوجه الفني في الغناء المقامي .. لذلك فقد كانت ظروف هذه الحقبة لكلا المطربين الكبيرين قد أثرت على نحو ما ، سلبا على الطريقة القندرجية بصورة عامة ، في حين ساعدت هذه الظروف ايجابا على نجاح ورسوخ اسس الطريقة القبانجية ونجاح مؤسسها محمد القبانجي الذي فاق التصورات .. وعليه ، فقد اخذت الطريقة الرشيدية فعلا بالاضمحلال .. خاصة وان تسجيلات القندرجي جاءت اكثرها بصوت مستعار استخدمه القندرجي نزولا عند ظروف قابليته التي اجبرته على التخلي عن طبيعته الغنائية وليس باختياره تم ذلك ، وعليه فقد اشيع بين الاوساط المقامـــية والجماهيرية وبصورة واسعة جدا ، ان القندرجي يغني بصوت وطبقة ( الزير) ويقصد بهذا المصطلح بالصوت المستعار ولم يسجل بصوته الطبيعي إلا في بعض المقامات مثل مقام البيات المغنى بشعر غير عربي , وفي مقامات اخرى نجد مقاطع منها او اغلبها بطبقة صوتية منخفضة او في القرار عموما .. وكذلك جاءت تسجيلات اتباعه مفعمة بسمات طريقته واكثرها ميزة ذلك الغموض العام السائد ، وتلك الادغامات في لفظ الكلمات ومخارج حروفها وعدم وضوحها عند الغناء والتي دحرتها الثقافة الجديدة لحقبة التحول حيث جاء القبانجي ليعلن عن هذه التحولات وبدء عصر ثقافي جديد للمقام العراقي وللحياة الغناسيقية في العراق برمته .. وبالتالي تطورت الكثير من السمات الرشيدية في حقبة التحول واصبحت اكثر ملائمة على يد تلميذها المتمرد محمد القبانجي الذي لم يأخذ من سابقيه بصورة تقليدية ، وانما استوعبهم واستنطق اساليبهم فأوجد الحداثة في غناء المقام العراقي في كل ما سمع وتعلم .. ولذلك اصبحت التسجيلات الصوتية لرشيد القندرجي واتباعه في حقبة التحول الى المتلقي دون إثارة كافية ، في حين ان تسجيلات القبانجي كانت غاية في الروعة والوضوح وبها وصل القبانجي الى قمة المجد المقامي في العراق.

صورة / الصورة عام 1932 يظهر من الجالسين في اليمين مطرب المقام العراقي يوسف حريش والمصري محمد القصبجي وعازف السنطور حوكي بتو ثم عازف الجوزة ناحوم يونا ومجموعة من الفنانين العراقيين والمصريين . التقطت في دار يوسف زعرور الكبير ..

جـــذور
الطـــريقة القندرجية
لقد كان رشيد القندرجي يسير من الوجهتين الفنية والاصولية في المجرى الواضح للاسلوب الكلاسيكي الذي اتسمت به الطرق القديمة للغناء المقامي التي سبقته نسبة لزمنها ، ولعل من اهم مميزات الطريقة الرشيدية ، هي تلك المسارات اللحنية المخضرمة والمعبرة عن جذور واعماق شكل ومضمون المقام العراقي التي تصور حياة العراقيين بكل تاريخهم وحياتهم ، و بعد شيوع هذه الاسس اللحنية و تعابيرها من خلال التسجيلات الصوتية لاول مرة في حقبة التحول , المستمدة اسسها من المغنين السابقين مثل عبد الرحمن ولي (1744-1830) و حسن البصير الشيخلى ( 1790-1871) و رحمة الله شلتاغ(1793-1871) و سعيد محمد الاعظمي (1817-1885) و حمد بن جاسم ابو حميد (1817 -1880) و خليل رباز (1824-1904) و احمد الزيدان (1832-1912) و ابراهيم العمر (1846-1914) .. الخ , تطورت هذه الاساليب الغنائية كلها واصبحت بقيادة الفنان الكبير المتمكن رشيد القندرجي بداية حقبة التحول واستلمها القبانجي في ذروة هذه الحقبة ويبدو لنا من خلال المعلومات التاريخية , ان الوسط المقامي بأكمله الذي عاصر ظهور رشيد القندرجي , قد اعترف له بسيادة عصره , و بأن خلاصة هذه الطرق قد وصلت تباعا و تبلورت في غناء رشيد القندرجي ووصلت الى ذروة كلاسيكيتها عنده .. درجة فنية غنائية تفوَّق فيها القندرجي على معاصريه , و يمكن القول ان القندرجي و من تبع طريقته من معاصريه ولاحقيه , يشتركون في تحديدات اسس هذه الطريقة ذات المضمون الفكري الكلاسيكي , وهي مادة موضوعاتهم ومصائر حياتهم التي نذروها لهذا الغناء التراثي (المقام العراقي) في حين انهم يختلفون بطبيعة الحال في درجات مستوياتهم الفنية والتقنية في الغناء ..

بعـض مزايــا
الطريقـــــة القندرجــية
ان الكثير من مقامات رشيد القندرجي التي خلَّفها لنا مسجلة بصوته , ليست مقامات غنية في نواحيها التجديدية , بمقدار ما هي توضيح اصول غنائية مقامية تقليدية وتثبيتها تاريخيا كشكل غناسيقي يمكن الاعتماد على اسسها اللحنية كمسارات غنائية وصلت تباعا من السابقين الى اللاحقين .. وبالتالي فقد كانت هذه المقامات على نحو ما , نماذج غنائية تقليدية جبل عليها المغنون , لكنه صاغها باسلوب ابداعي شيق , (فقد تفوق رشيد على بقية اقرانه بصياغة القطع ووضعها كلا في محلها) 2*, اما اشهر مقاماته التي غنَّاها وسجلها فهي مقام الابراهيمي (سلَّمه بيات) الذي استفاد منه القبانجي ونافسه فيه واشتهر به ايضا , كذلك كان مقام البيات الرئيسي من المقامات الرائعة التي سجلها القندرجي بصوته , اضافة الى مقامات اخرى مثل مقام السيكاه ومقامي العريبون اومقام الرست الذي يغني فيه القصيدة الشهيرة ان شكوت الهوى ..

ان شكوت الهوى فما انــــت منا
تحمل الصد والجـــفا يا معنى
قم من النوم واطرد الوهم عــــنا
يامليحا اذا مشــى يتثنــــــى
قم لقد قامت الطيور تغنـــــي
ايكون الحـــــــمام اطرب منا
تدعي مذهب الهوى ثم تـــــشكو
اين دعواك في الهوى يا معــــنى
ما عشقناك للصفات ولكــــــن
نحن قوم اذا نظرنا عشـــــقنا
كنت مثل الحمام تالف لــــــيلا
صرت مثل الغزال تنــــفر عنا
قد عهدناك صابرا لبـــــــلانا
فوهبناك كلما تتـــــــــمنى

و في هذا الصدد يقول خبير المقام العراقي تركي الجراخ ( ان القندرجي كان بارعا في غناء مقام الابراهيمي ومقامي العريبون – لقد كان فنانا بارعا في صياغة الانغام و ذا قدرة بارعة في الحفظ , كان يعرف كل المقامات , و لكنه كان يقرأ 3* المقامات الصعبة فكان يبتعد عن المقامات الفرعية لانها تقلل من قيمته ..)4* يقصد ان المقامات الفرعية يمكن غناءها من قبل المطربين الصغار الجدد وليس من قبل مطربين كبار امثاله .. [ يعتبر رشيد القندرجي من الطبقة المتفوقة من مغني بغداد و قد اخذ عنه جماعة , منهم مكي الحاج صالح و اسماعيل خطاب عبادة و حمودي و احمد السراج و سعيد محمود البياتي و عبد القادر حسون و عبد الخالق صالح رحيم و سعيد دخان و غيرهم , و قد قرأ رشيد جملة مقامات في الاسطوانات و هي السيكاه و التفليس (سلَّمه هزام) والكلكلي (سلَّمه مخالف) و الحليلاوي (سلَّمه يتنوع بين الهزام والرست الذي تستقر نهايات المقاطع الغنائية عليه) ا و الاوج (سلَّمه هزام) و البيات و الصبا و المحمودي (سلَّمه بيات) و الحسيني .. الخ من المقامات المهمة ] 5*
ان وصف رشيد القندرجي بمصطلح ( صاحب طريقة قديمة جديدة ) هو النعت الذي اراه مناسبا لوصف طريقتة الغنائية و هو ايضا يقترب من النعت الذي غلب على وصف المتخصصين و المهتمين بشؤون المقام العراقي و جماهيره في مضامين نقدهم او احاديثهم عن الطريقة القندرجية و تأثيراتها , و هي منطلق للتوسع في موضوعات هذه الطريقة , ان تأثيرات رشيد القندرجي ناتجة بواسطة حنكته في التركيز عند غنائه للمقامات وربط عناصر المقام في حركة ديناميكية متواصلة دون اسهاب يذكر , و قد نجح كثيرا في هذا
الشأن , وعبَّر عن ذلك اكثر النقاد بمفردة ( الصياغة ) أي صـــياغته لعلاقة المسارات اللحنية و حبكتها ...

صورة / جمع من الفنانين والاصدقاء يظهرفيها من الجالسين الحاج هاشم الرجب وجميل بشير
وحسين عبد الله ويوسف عمر وجابر الربيعي يوم 18 \ 1 \ 1958

و مما ذكر في كتاب اعلام المقام العراقي و رواده في القرن العشرين في شأن التحدث عن رشيد القندرجي من قبل بعض اصدقائه . فقد قال تركي الجراخ و هو خبير في المقامات العراقية و صديقا حميما لرشيد ( كان رشيد يأتي كل يوم لزيارتي , يجلس هنا في هذا المحل و كان يدندن ببعض الانغام ثم يصمت عندما يجد الناس يحملقون به ) 6* ص 26 ثم يقول عن تلمذة رشيد لاحمد الزيدان (ان حكاية رشيد القندرجي مع احمد الزيدان إبتدأت حين كان رشيد يعمل عاملا في احدى المقاهي التي اندثرت و هي مقهى القيصرية و كان ينصت للأستاذ احمد الزيدان الذي كان يحيي حفلات الجالغي البغدادي , و ذات يوم تغيَّب احمد الزيدان عن موعده فحار الموسيقيون بمعالجة الموقف فطلبوا من رشيد ان يحل محله و بالفعل قرأ رشيد و اثار انتباه الموسيقيين ولكن عندما علم احمد الزيدان مسك رشيد من رقبته و لكنه عندما علم بحسن صوته ودقة ادائه شجَّعه و قال له ستكون خليفتي في هذا الميدان الصعب فواصِل الطريق , و هكــــذا اصبح رشيد ملازما لاستاذه .. ) 7* ثم يسترسل تركي الجراخ ويقول ( أذكر أنه قبل وفاته بأيام كنت قد قابلته في سوق الصدرية وكان يضع فوق كتفه معطفا سميكا وعندما سألته أجاب أن ألماً حادَّاً قد لازم ظهره منذ ليلة الأمس .. وقال أيضا .. لو لا تحديد ساعة تقديمه بالمقام في الاذاعة لما ذهب وعندما ودَّعْتهُ لم ألتقه بعد ذلك فقد دخل في بيته ولم يخرج منه إلا ميتا .. لقد شيَّعته بغداد بحرقة فقد ترك فراغا واضحا لا من المقام حسب بل بحضوره الشخصي ) 8* اما الحاج هاشم الرجب احد تلامذة رشيد فيقول عن بعض خصائصه ( لقد تأثر رشيد باستاذه احمد الزيدان و اخذ عنه الكثير وبما ان صوت استاذه كان ضعيفا ولأن مقامات التحرير تحتاج الى قرار قوي , فكان احمد لا يتفنن بمقامات التحرير بل يركز جهوده على مقامات البدوة كالابراهيمي و المحمودي و الطاهر و قد برع في المقامات العالية ) 9* اما السيد عبد القادر البراك فيقول ( تعرفت على رشيد القندرجي في سرداب جريدة العراق عام 1942 حيث كان يتردد لزيارة بعض اصـــدقائه من محرري الجريدة و كان يلبِّي دعواتهم لقراءة المقامات التي يودون الاستماع اليها منه ..) 10* و الباحث صادق الازدي يقول (تعرفت على رشيد القندرجي في شهر مايس عام 1941 وهو الشهر الذي قامت في بدايتة الحرب بيننا و بين بريطانيا و قد اسهمتُ اثناء ايام تلك الحرب بتحرير جريدة يومية مسائية يصدرها المرحوم عبد الله حسن , و كانت الاعداد التي صدرت منها خلال مايس هي آخر ما صدر منها طوال مدة الحرب العالمية الثانية و كان احد اصحاب مطبعة الرشيد التي تطبع النهار على ماكنتها من قراء المقام العراقي و هو المرحوم محمد سعيد احد اصدقاء رشيد القندرجي و كان رشيد يزور المطبعة في معظم ايام الاسبوع و كان يرتدي الملابس العصرية و يضع السدارة 11* على رأسه و هو ممتلئ الجسم قوي البنية رغم كونه يتجاوز الخمسين من العمر , و عندما كان يجلس معي في غرفة ادارة المطبعة كان يسألني ما هي اخبار الحرب يا صادق ..؟ فكنت اروي له الانباء التي سمعتها عن طريق الاذاعات العربية و كنت سعيد الحظ لأنني سهرت و أياه في بيت صديق له و لي , فانطلق يغني ثم ذهب بعد ذلك الى بيته الذي يعيش فيه وحيدا و هناك لفظ أنفاسه الاخيرة يوم 8 اذار 1945..) 12* و بالنسبة الى المرحوم باهر فائق السفير الدبلوسي و الخبير المقامي فيقول ( صوته في – البس- \باص في الفرنسية \ جهيري جميل كما يتبين ذلك من اسطوانته التي يغني فيها الرست مثلا و ما استعماله – للزير- أي الصوت المفتعل به في الميانات إلا لأن بُعُدْ صوته محدود في الالحان المرتفعة و اكثر المولعين بالمقام يقدرونه في لونيه المنخفض و المرتفع كما انه يلتزم التزاما كليَّا باصول المقام و قد سمعته في مختلف مقاهي بغداد و المجالس الخاصة , يعطي التحرير و الاوصال و الميانات و التسلوم 13* حقَّها فلا ينتهي من إحداها إلا بعد أن يكون قد وفَّى حقَّها من التعبير النغمي فأشبعها من روحه وفاء للمشاعر التي لحِّنت من اجلها واستيعابها لمعنى الكلم .. تبرز شخصيه القندرجي في ابتعاده عن الابتذال و التكرار الممل و الميوعة باستيعاب الاصول و مراعاة المقام في بُعْديهِ النغمي و المحيطي فمكانة رشيد خير مثال لتلك الصفات )14*.. و اخيرا يتحدث جلال الحـــنفي فيقول ( كان رشيد سلس القيادة أليفا بسيطا لم اره متعنتا يوما ما إلا في موقف يتطلب منه الاعتراف بالاستاذ القبانجي او الالتقاء به تحت سقف واحد و اني بذلت جهدا كبيرا استمر زمنا غير قصير من اجل جمعهما في مكان واحد فلم افلح في ذلك و كان موقف القبانجي من هذه الناحـية لا يقل امتناعا عن موقف صاحبه , و في الثلاثينات كنت احمل معي آلة تصوير بدائية اجول بها على المغنين والمواسقة و قرَّاء المقام العراقي لألتقط لهم صورهم فكانت صورة رشيد القندرجي تتعرض عندي للفشل الذريع المتكرر و قد لاحقت رشيد القندرجي ملاحقة مستمرة و كنت آخذه الى - مسجد حسب الله - الذي آل منه الجزء المطل على الشارع بعد ان شقَّ شارع الخلفاء و في المسجد كان رشيد يعرض لنا نماذج من تسبيحات التمجيد 15* الذي هو ضرب من الغناء الصوفي الذي كاد ينقرض و يندثر و في مسجد حسب الله تم التقاط صورا كثيرة لغير واحد من رجال المقام ) 16* ثم يختتم المطرب محمد القبانجي هذه الاحاديث بحديث عن سر الخلاف الذي كان بينه و بين رشيد القندرجي .( حين سمعت المرحوم رشيد القندرجي لاول مرة يغني في مقهى علوان العيشة التي كانت ملتقى الفنانين في الثلاثينات لم اكن مشهورا انذاك , لكنني اخذت عليه تحفظه في الغناء , فالذي تسمعه اليوم منه تجده يكرره غدا دون تغيير او تبديل في الانغام شأنه في ذلك شأن المغنين الكلاسيكيين الذين كانوا يعتبرون المقام قالبا معينا لا يمكن تغييره , مع ذلك كان له مؤيدون و الكثيرون المعجبون و ما زالو يذكرونه حتى الآن , و من هنا نشأ الخلاف بيننا .. انا ادعو للتطوير شريطة عدم خروج المغني عن الجوهر و هو يلتزم الكلاسيكية , و اليوم بعد رحيل القندرجي اقول ان خلافنا لم يكن شخصيا بل كان فنيا و اذكر انني عندما غنيت مقام حجاز كاركرد و النهاوند و سمعني رشيد لم يكن يعرف النهاوند او على علم به و بدأ القندرجي يشيع بين الناس على ان القبانجي بدأ يغني حسب مزاجه مقامات ليس لها وجود و لم نسمعها من اساتذتنا) 17* ان ما تحدث به المتحدثون من الاصدقاء و الكتاب و الخبراء , يحتاج الى بعض التوضيحات لما اكتنف احاديثهم من الغموض بالنسبة للقارئ العربي بل و العراقي ايضا , لان تعابيرهم كانت محلية و خصوصية جدا بحيث لا يفهمها الا المتخصص , فهي ملأى بالمصطلحات المحلية و البيئية ..
هناك مصدران مهمان لمعرفة زمن و مكان ولادة القندرجي , الاول لجلال الحنفي في كتابه المغنون البغداديون المنشور مضمونه في الثلاثينات والمطـبوع في كتاب عام 1964 , والثاني للحاج هاشم محمد الرجب في كتابه المقام العراقي الصادرعام 1961 وكلا المصدرين مهمان فعلا , ويحتاج الامر الى البحث عن ايهما ادق في ذكر المـعلومة , فالاول يذكر ان رشيد قد ولد في بغداد محلة سبع ابكار سنة 1312 هـ في حين ان المصدر الثــاني يذكر انه ولد في بغداد محلة العوينة سنة 1304 هـ وبما ان المصادر الاخرى بكثرتها متفقة تقريبا على ان رشيد ولد عام 1886 م ، فاذا صح هذا القول ، فهذا يعني ان ولادة رشيد بالتقويم الهجري على ما جاء في كتاب الرجب 1304 هـ اما بالنسبة لمكان المحلة التي ولد فيها فيحتاج الامر الى تأكيد الاصح منهما ..
على كل حال .. ولد رشيد بن حبيب بن حسن القندرجي من ابوين فقيرين ، وبسبب الفقر لم يدخل الى المدرسة ليتعلم فبقي اميَّاً ، وانصرف منذ صغره الى الاعمال الحرة ، فتعلَّم صناعة الاحذية في احد المعامل البغدادية وسار لقبه من هذه المهنة .. نشأ وهو يحب الغناء حتى جالس كبار المغنين يسمع منهم ، فتُلمذَ على يد المطرب الكبير احمد الزيدان مؤسس الطريقة الزيدانية ، ولازمه حتى وفاته واخذ عنه الغناء حتى قال له يوما ( انت خليفتي من بعدي) فكان له ذلك .. لقد وهبت له الطبيعة نفْساً طروبا تميل الى السرور والمرح غير انه اصيب في بادىء نشأته بما عكَّر صفاء تلك النفس ، اذ كان يرى امامه امَّاً حزينة اثقلها الدهر بنكباته فتستسلم يوميا للبكاء امام الفاقة والعوز اللذين احاطا بهما .. وكان رشيد طيب القلب شديد الحب لها وبذلك حرم من سعادة الطفولة .. ومع ذلك فقد قضى الشطر الاول من حياته وهو ينتقي درر الانغام ، ونتيجة لظروفه لم يفكر بالزواج وبقي اعزبا طيلة حياته ..
كان رشيد القندرجي سريع الطرب لا يقل طربه اثناء حضوره على المسرح عن طرب السامع ، وهو اول مغن عراقي بعد استاذه احمد الزيدان تنبه الى واجبات الايماء وحركات الغناء بالاشارات ، وعلى هذا بقي يرفل في ثياب الانس والفرح ليلهِ كنهارهِ ونهارهِ كليلهِ يشنف آذان السامعين بلآليء غنائه الى ان دعته الحكومة ليكون خبيرا فنيا في دار الاذاعة اللاسلكية العراقية فقام بواجبه الفني خير قيام حتى وافاه الاجل في الثامن من اذار عام 1945م الموافق 8/ صفر 1362هـ (18• )


التسجيـــلات
الصوتية لرشيد القندرجي
كان من الممكن الاستفادة بصورة كبيرة من تسجيلات رشيد القندرجي الصوتية التي غنَّى فيها الكثير من المقامات العراقية من الناحية الجمالية التي اضفى عليها القندرجي ذوقا رفيعا في صياغتها ، إلا أن هذه التسجيلات كما مرَّ بنا , كانت قد سجلت في فترة كان رشيد على غير ما يرام .. ان موضوعاتها الجمالية والذوقية عموما غير معقدة حتى تتكشف وتتضح من خلال
الاسلوب والتركيب واداء الاصول التـــقليدية المتبعة توارثا ، ومن ثم انماء العمل الادائي كعمل فني موحد ..
فرشيد يمتلك القدرة على تهيئة صوته لغناء اصعب المقامات مثل قدرته على عرضها ، وهكذا نستمع الى مقاماته بشغف لأنها تجسيدا لحبكة ادائية ناجحة جمع فيها القندرجي كل مواد عمله وصياغتها بصورة فنية مثيرة ولنستمع اليه في مقام العجم عشيران بقصيدة أبي نؤاس ..

دع عنك لومي فإن اللوم اغـــــراء
وداوني بالتي كانت هي الـــــداء
صفراء لاتنزل الاحزان ساحتهـــــا
ان مسَّها حجر مـــسته ضــــراء
قامت بابريقها والليل معتـــــــكر
فلاح من وجهها في البيــــت لألاء
فارسلت من فم الابريق صـــافيـــة
كأنما اخذها في العــــــين اغفاء
رقت عن الماء حتى ما يلائمها
لطافة وجفا عن شكــــــلها الماء
فلو مزجت بها نورا لمـــازجـــها
حتى تولّد انوار واضــــــــواء
دارت على فتية دار الزمان بــــهم
فما نصيــــــــبهم إلا بما شاؤوا
لتلك ابكي ولا ابــــــكي لمنزلة
كانت تحل بها هــــــــند وأسماء
حاشا لدرة أن تبنى الخـــــيام لها
وأن تروح عليــــــــها الابل والشاء
فقل لمن يدعي في العــــلم فلسفة
حفظت شيئا وغــــــــابت عــــــــــــنك أشياء

ورغم ان حالة الغموض في بعض تسجيلاته موجودة لاسباب سبق ان تحدثنا عنها ، إلا أننا ندرك بأن هناك صورا محسوسة استطاع القندرجي ان يعبِّر عنها كمطرب معاصر لحقبته الزمنية .. ومثال على ذلك مقام الابراهيمي ومقام النوى ومقامي العريبــون ومقام السيكاه .. الخ هذه المقامات التي توصف بالقوة في هذه النواحي .. ان نجاح هذه المقامات المسجلة بصوت رشيد القندرجي تبدو اول كل شيء في صياغتها الاحترافية المتناهية الدقة في ضبط اصول هذه المقامات في عناصرها التقليدية ..
ان المقامات التي يغنيها رشيد القندرجي والاسلوب الذي يعبِّر به ، فيه الكثير من الاشارة الى المسؤولية التي تحملها رشيد القندرجي في توصيل هذا التراث الغناسيقي العريق الى اللاحقين ، فهذا التراث قبل كل شيء ، حصيلة محيط بيئي .. وتاريخ شعب باكمله .. كذلك فإن نتاج فنان فرد كرشيد القندرجي او غيره مهما كانت قيمة هذا النتاج الفني ، ليس الى درجة كبيرة ناتجا عن امكانية ذلك الفنان الفرد او ثقافته بمقدار ما هو ناتج عن امكانية وثقافة المجتمع ككل ، لأن الفرد نتاج المجتمع ، وهو جزء منه ويعبِّر عنه ، فالنتاجات الفنية عموما وخاصة التراثية منها ، باعتبارها تعبير حقيقي عن المجموع ، او أي جانب آخر في الحياة ، هي اشبه بتقرير يكشف عن امكانيات المجتمع من شتى هذه المجالات ومنها الموسيقى والغناء .. ان اهمية مثل هذا القول بالنسبة لنا ، هو ان رشيد القندرجي كان يرى الحياة بسيطة جدا كما يبدو .. لذلك فإنه طبعا ، يرى قلَّة الحاجة الى الابداعات الفنية التي يمكن الافادة منها كثقافة جديدة من خارج حدود الوطن ، وظل معتمدا في ابداعاته الادائية على الخزائن اللحنية الموجودة في كيان المقام العراقي عبر تاريخه الطويل ، والامر يبقى شبه طبيعي ، لكون تطور اجهزة الاتصال والنشر والحفظ لازالت في بداياتها زمنذاك ، فعموم البيئات شبه مغلقة على نفسها وداخل محيطها ، ترافقها ثقافة تماثلها .. لذا فإن اساليب وتعابير رشيد القندرجي كانت بمعنى حقيقي جدا ..
فاستمع عزيزي القارئ الى هذه القــصيدة التي غناها القندرجي بمقام الطاهر لأبي فراس الحمداني ..

أراك عصي الدمع شيمتـك iiالصبـر أمـا للهوى نهـي عليـك ولا أمـر
بلى، أنـا مشتـاق وعنـدي iiلوعـة ولكـن مثلـي لا يـذاع لـه iiسـر
إذا الليل أضواني بسطت يد iiالهـوى وأذللت دمعا مـن خلائقـه iiالكبـر
تكاد تضيء النـار بيـن iiجوانحـي إذا هي أذكتهـا الصبابـة iiوالفكـر
معللتي بالوصـل والمـوت iiدونـه إذا بت ظمآنـاً فـلا نـزل iiالقطـر
حفظـت وضيعـت المـودة iiبيننـا وأحسن من بعض الوفاء لك iiالغـدر
ومـا هـذه الأيـام إلا iiصحـائـف لأحرفها، من كـف كاتبهـا، iiبشـر
بنفسي من الغادين في الحـي iiغـادة هواي لهـا ذنـب، وبهجتهـا عـذر
تروغ إلى الواشين فـي، وإن iiلـي لأذنا بها عـن كـل واشيـة iiوقـر
بدوت وأهلـي حاضـرون، iiلأننـي أرى أن داراً لست من أهلهـا iiقفـر
وحاربت قومي فـي iiهواك،وإنهـم وإياي، لولا حبك، المـاء iiوالخمـر
فإن يك ما قال الوشـاة ولـم iiيكـن فقد يهدم الإيمـان مـا شيـد الكفـر
وفيت وفـي بعـض الوفـاء iiمذلـة لإنسانة في الحـي شيمتهـا iiالغـدر
وقور، وريعـان الصبـا iiيستفزهـا فتـأرن أحيانـا كمـا أرن المـهـر
تسائلني : من أنت ؟ وهـي iiعليمـة وهل بفتى مثلي علـى حالـه iiنكـر
فقلت لها: لو شئت لم تتعنتـي iiولـم تسألي عنـي، وعنـدك بـي iiخبـر
فقالت: لقد أزرى بك الدهـر iiبعدنـا فقلت: معاذ الله بل أنـت لا الدهـر
وما كان للأحـزان لـولاك iiمسلـك إلى القلب، لكن الهوى للبلى iiجسـر
وتهلك بين الهـزل والجـد iiمهجـة إذا ما عداها البيـن عذبهـا iiالهجـر
فأيقنـت أن لاعـز بعـدي iiلعاشـق وأن يدي ممـا علقـت بـه صفـر
وقلبت أمـري لا أرى لـي iiراحـة إذا البين أنساني ألـح بـي الهجـر
فعدت إلى حكـم الزمـان iiوحكمهـا لها الذنب لا تجزى به ولي iiالعـذر
فلا تنكريني يـا ابنـة العـم، iiإنـه ليعرف من أنكرته البـدو والحضـر
ولا تنكرينـي، إننـي غيـر iiمنكـر إذا زلت الأقدام، واستنـزل iiالذعـر
وإنـي لـجـرار لـكـل iiكتيـبـة معـودة أن لا يخـل بهـا iiالنصـر
وإنـي لـنـزال بـكـل iiمخـوفـة كثير إلـى نزالهـا النظـر iiالشـزر
فأظمأ حتى ترتوي البيـض iiوالقنـا وأسغب حتى يشبع الذئـب iiوالنسـر
ولا أصبح الحـي الخلـوف iiبغـارة ولا الجيش، ما لم تأته قبلـي iiالنـذر
ويـا رب دار لـم تخفنـي iiمنيعـة طلعت عليها بالـردى أنـا iiوالفجـر
وحي رددت الخيـل حتـى ملكتـه هزيما، وردتنـي البراقـع والخمـر
وساحبـة الأذيـال نحـوي iiلقيتهـا فلم يلقها جافـي اللقـاء ولا iiوعـر
وهبت لها ما حـازه الجيـش كلـه ورحت ولم يكشـف لأبياتهـا iiستـر
ولا راح يطغيني بأثوابه الغنـى ولا بـات يثنينـي عـن الكـرم iiالفقـر
وما حاجتي بالمـال أبغـي iiوفـوره إذا لم أصن عرضي فلا وفر الوفـر
أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى ولا فرسي مهـر ولا ربـه iiغمـر
ولكن إذا حم القضاء علـى iiامـرئ فليـس لـه بـر يقيـه ولا iiبـحـر
وقال أصيحابي: الفرار أو iiالـردى؟ فقلت :هما أمـران أحلاهمـا iiمـر
ولكننـي أمضـي لمـا لا iiيعيبنـي وحسبك من أمرين خيرهما iiالأسـر
يقولون لي بعت السلامـة iiبالـردى فقلت أما والله، مـا نالنـي iiخسـر
وهل يتجافى عنـي المـوت iiساعـة إذا ما تجافى عني الأسر iiوالضـر؟
هو الموت فاختر ما علا لك iiذكـره فلم يمت الإنسان مـا حيـي iiالذكـر
ولا خير في دفـع الـردى iiبمذلـة كما ردهـا يومـا بسوءتـه iiعمـرو
يمنـون أن خلـوا ثيابـي، iiوإنـمـا علي ثيـاب مـن دمائهمـو iiحمـر
وقائم سيـف فيهمـو انـدق iiنصلـه وأعقاب رمح فيه قد حطـم الصـدر
سيذكرنـي قومـي إذا جـد iiجدهـم وفي الليلـة الظلمـاء يفتقـد iiالبـدر
فإن عشت، فالطعن الـذي iiيعرفونـه وتلك القنا والبيض والضمر iiالشقـر
وإن مـت فالإنسـان لا بـد ميـت وإن طالت الأيـام وانفسـح iiالعمـر
ولو سد غيري مـا سـددت iiاكتفـوا به وما كان يغلو التبر لو نفق iiالصفر
ونحـن أنـاس لا تـوسـط iiبينـنـا لنا الصدر دون العالميـن أو iiالقبـر
تهون علينا فـي المعالـي iiنفوسنـا ومن يخطب الحسناء لم يغلها iiالمهر
أعز بني الدنيا وأعلـي ذوي iiالعـلا وأكرم من فوق التـراب ولا فخـر


تمتع رشيد القندرجي كما تمتع احمد الزيدان من قبل , بفترة نجاح محترمة منذ السنوات الاولى لهذا القرن ، باعتباره رمز عصرها ، مما ساعد ذلك على ارساء دعائم روح جديدة وديناميكية منوعة للطرق القديمة التي جسدها في غنائه بصورة جديدة .. وقد مهَّدَ ذلك السبيل ايضا لنجاحات طيبة لمغنين ذوي مواهب صوتية ساروا على طريقتة التي صاغها بدقة ورسوخ تفوق فيها فنيا على مغني عصره ، مما لا ريب فيه ان هذا المستوى الغنائي ، هو الذي اوصله كمغني للمقامات الى قمة العطاء والنجاح .

وصف موجز
لبعض مقامات القندرجي
ان مقام السيكاه المؤدى من قبل رشيد القندرجي ، وهو من المقامات الرئيسة ، يعد من افضل مقاماته المغناة بصوته ، وهو بحق من اكثرها شهرة ، لأن غناءه في هذا المقام نجح كما لم تنجح اغلبية مقاماته في الوصول الى هذا المستوى من الخبرة الغنائية ، ولنستمع الى هذا المقام بقصيدة ابي نؤاس ..

نَضتْ عنها القميص لصبِّ ماءٍ
فورَّدَ خدَّها فرطُ الحياءِ
وقابلت الهوا ء وقد تعرَّتْ
بمعتدلٍ ارقُّ من الهواء
ومدَّتْ راحة كالماء منها
الى ماءٍ معد ٍّ في اناء
ولما ان قضت وطرا وهمَّتْ
على عجلٍ لتأخذ بالرداء
رأت شخص الرقيب على التداني
فأسبلتْ الظلا م على الضياء
وغاب الصبح منها تحت ليلٍ
وظلَّ الماء يجري فوق ماء
فسبحان الاله وقد براها
كأحسن ما تكون من النساء

في هذا الوصف والتعبير الموجز لرشيد القندرجي في محاولة تجسيد احداث المضمون التعبيري للمقام ، تصبح فيه الانفعالات الحسية امرا واقعا واكثر وضوحا ، اذ فرض ذلك القندرجي من خلال اسلوبه المعبِّر في رسم الحدث ، لأن ما يجعل هذا المقام على هذا القدر من التأثير هو سيطرة رشيد القندرجي على طرح فكرة العمل ككل وبصورة مقنعة ...
وهناك اثار لاسلوب رشيد القندرجي المميز في الوصف الدقيق للظروف الجمالية ومحيط الحياة التي كانت سائدة زمنذاك في مقام النوى الذي غناه بهذه القصيدة لعبد الله ابن المعتز ..

ومقرطق يسعى الى الندماء
بعقيقــــة في درة بيضـــاء
والبدر في افق السماء كدرْهمٍ
ملقىً على ديباجةٍ زرقاء
كم ليلة قد سرَّني بمبيته
عندي بلا خوف من الرقباء
ومهفهف عقدَ الشرابُ لسانهُ
وحديثه بالرَّمز والايماء
حركته بيدي فقلت له انتبه
يا فرحة الخلطاء بالندماء
فأجابني والشكر يخفض صوته
بتلجلج كتلجلج الفأفاء
اني لافهم ما تقول وانما
غلبت عليَّ سلافة الصهباء
دعني افيق من الخمار الى غد
وافعل بعبدك ما تشا مولائي

في هذا المقام تحكُّمٌ من قبل رشيد القندرجي تتوضح فيه استاذيته وتفسيره الجمالي مما يحويه من تنويعات غنائية مثيرة لوجهة النظر المعبرة عن احاسيس رومانسية يمتاز بها هذا المقام بالذات .. وكذلك الامر بالنسبة الى مقام المنصوري الذي يغنيه بقصيدة الشاعر كاظم الازري ..

أي عذر لمن رآك ولامــــا
عميت عنك عينه ام تعامى
اوَ لم ينظر اللواحظ تهدي
سقما و الشفاه تشفي السقاما
او يرى ذلك القوام المفدى
خيزرانا يقل بدرا تماما
لاهنيئا و لا مريئا لقوم
شربوا من سوى لماك المداما
اتراهم توهموها عصيرا
من محياك حين شبت ضراما
ما لمن يترك السلافة في فيك
حلالا و يستحل الحراما
ان للناس حول خديل حوما
كالفراش الذي على النار حاما
أي و عينيك ما المدام مدام
يوم تجفو و لا الندامى ندامى
ايها الريم ما ذكرتك الا
واحتقرت الاقمار و الاراما
بابي انت من خليل ملول
لم يدم عهده اذا الظل داما
لك خد ومبسم علم الور د
ابتهاجا و الاقحوان ابتساما
ليس من يشرب المدامة احيانا
كمن يشرب المدام دواما
كلما رمت ان ابثك شكوا ي
تلجلجت هيبة و احتراما

وهناك مقام منصوري آخر يغنيه بقصيدة الشاعر ابي نؤاس ..

ألا فاسقِني خمراً، وقل لي: هيَ الخمرُ،
ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهرُ
فما العيْشُ إلاّ سكرَة ٌ بعد سكرة ،
فإن طال هذا عندَهُ قَصُرَ الدهرُ
و ماالغَبْنُ إلاّ أن ترَانيَ صاحِيا
و ما الغُنْمُ إلا أن يُتَعْتعني السكْرُ
فَبُحْ باسْمِ من تهوى ، ودعني من الكنى
فلا خيرَ في اللذّاتِ من دونها سِتْر
بكلّ أخي فتكٍ كأنّ جبينَه
هِلالٌ، وقد حَفّتْ به الأنجمُ الزُّهرُ
و خَمّارَة ٍ نَبّهْتُها بعد هجْعَة ٍ ،
و قد غابت الجوزاءُ ، وارتفعَ النّسرُ
فقالت: من الطُّرّاق ؟ قلنا : عصابة
خفافُ الأداوَى يُبْتَغَى لهُم خمرُ
ولا بدّ أن يزنوا، فقالت: أو الفِدا
بأبْلَجَ كالدّينَارِ في طرفهِ فَتْرُ
فقلنا لها: هاتِيهِ، ما إن لمِثْلِنا
فديناك بالأهْلينَ عن مثل ذا صَبرُ
فجاءَتْ بهِ كالبَدْرِ ليلَة َ تمّهِ ،
تخالُ به سحراً، وليس به سحْرُ
فقُمنا إليه واحداً بعدَ واحِدٍ،
فكان بهِ من صَومِ غُربتنا الفِطرُ
فبِتنا يرانا الله شَرَّ عِصابة ٍ،
نُجَرّرُ أذْيالَ الفُسوقِ ولا فَخْرُ

اضافة الى ان هناك أعمال مقامية أخرى للقندرجي يعكس فيها أيقاع الحياة التي عاشها , وخيالا جيدا للصور التقليدية الشعبية واليك عزيزي القارئ بعض القصائد التي غناها القندرجي في مقاماته ففي مقام الحجاز ديوان غنى هذه القصيدة الصوفية لشاعر الصوفيين عمر أبن الفــارض ..

خفف السير وأتئد ياحــــــادي
أنما أنت سائق بفـــؤادي
ما ترى العيش بين شـــوق وتوق
لربيع الربوع غرني صوادي
لم تفق لها المهــــــامة جسما
غير جلد على عظام بوادي
وتحققت أخفافها فهــــي تمشي
من جواها في مثل جمر الرماد
وبراها البين فحل بــــــراها
خلها ترتوي ثماد الوهاد
شفها الوجدان عدمت رواهــــا
فاسقاها الوحد من جفار المهاد
وأستبقاها وأستبقها فهي ممـــــا
تترامى به الى خير واد
وتلطف وأذكر لهم بعض مـــابي
من غرامي ما أن له من نفاد
يا أخلاي هل يعود الــــــتداني
منكم بالحمى يعود رقاد
ما أحد الفراق ياجـــــيرة الحي
وحلى التلافي يعد أنظراي
كيف يلتذ في الحياة معــــــنى
بين أخاه كورى زشاد
عمره وأصطياره فــــي أنتحاقت
وجواه ووجده في أزدياد
فغرامي القديم غــــــــرامي
وودادي كما عهدتهم وادي
والقلب يظمأ مراشف ثغـــــره
ظمأ السكارى لانيه المنقود
ليت الذي منع التدائي بينــــــنا
وقضى علي بوحشة التبعيد
بلوى فيسعفنني الخـــــــطى
ويفلك من أسر الفراق قيدوني

وفي مقام الأوج غنى هذه القصيدة ..

بها غير معذور فداو خمــــــارها
وصل بعشيات الغبوق أبتكارها
فقم أنت وأحس كاسها غير صاغر
ولاتشق الا خمرها وعقارها
فقام يكاد الكاس تحرق كفه
من الشمس أم من وجنتيه أستعارها
ظللنا بايد ينا نتعتع روحها
فتأخذ من أقدامنا الراح ثارها
موردة من كف ظبي كانما
تناولها من خده فادارها

ثم مقام دشت العرب بقصيدة هذا مطلعها..

(تركت حبيب القلب لاعن ملا لة لكن جنى ذ نب يؤول الى الترك)

وفي مقام الصبا يغني قصيدة عنتر بن شداد ..

الا ياحمامات اللوى عدن عــودة
اني الى أصواتكم حزين
فعدن ولما عدن كدن يمتنني
وكدت باسراري لهن ابين
دعون بترداد الهدير كأنما
سقين حميا أو بهن جنون
فلم تر عيني مثلهن حمائما
بكين ولم تدمع لهن عيون

وله مقام صبا أخر يغني فيه قصيدة تبدأ بهذا الصدر من مطلع القصيدة..

( هذا الصبوح وسارع بالاخلة ---- .................-)
..

وبهذه النتاجات الغنائية للمقامات العراقية لرشيد القندرجي وغيرها , والحقائق التي أمتازت بها تكون أقرب الى قمة الاعمال المقامية التي أنجزت في غناء المقامات العراقية على مدى العصور ..

***********************************


ملاحظة / كل الاغاني ونوطاتها التي وردت في هذا المحور موجودة في كتابي الموسوم (المقام العراقي باصوات النساء) الصادر في كانون الثاني January 2005 في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر .. وكتابي (الطريقة القبانجية في المقام العراقي واتباعها) الصادر في بيروت عن نفس المؤسسة مطلع عام 2009

الهوامش
1* سالم , كمال لطيف , اعلام المقام العراقي ورواده , مكتبة النهضة , بغداد ,1985, ص27
2* نفس المصدر السابق ..
3* يقرأ .. اعتاد مؤدو الشعائر الدينية الاسلامية على وجه التخصيص , اطلاق مصطلح – القراءة – على من يؤدي هذه الشعائر تيمنا في استخدام هذه المفردة في القرآن الكريم عند تأديته , فيقال قاريء او يقرأ او قراء القرآن الكريم – واذا قرأ القرآن فاستمعوا له – وبما ان غناء المقامات العراقية اصلها ديني حيث مورست في هذه الشعائر وحوفظ عليها بواسطة هذه التقاليد الادائية , وبقي الناس وعلى الاخص التقليديين متمسكين بهذه المفردة – القراءة - تيمنا بهيبتها ووقارها مقرنين ذلك بحبهم للمقام العراقي الذي ولد من جديد في القرن العشرين بصورة اكثر دنيوية وشاعت مفردة مغني او مطرب او مؤدي المقام العراقي , وانا اميل الى هذه المفردات في استخدامها للغناء الدنيوي , للحفاظ على هيبة اداء الشعائر الدينية ومفردتها الاثيرة – القراءة – خاصة قراءة القرآن الكريم ..
4* سالم , كمال لطيف , اعلام المقام العراقي ورواده , مكتبة النهضة , بغداد , 1985 ,
5* = = =
6* = = =ص29
7* = = = =
8* = = = =
9* = = = =
10* = = = ص30
11* السدارة .. عبارة عن قبعة شكلها طولي يرتديها افندية بغداد فوق رؤوسهم للزينة والكمال , وقد شاع ارتداؤها في القرن العشرين بعد ان كان اول من ارتداها ملك العراق فيصل الاول ولذلك سميت ايضا بالفيصلية – المؤلف -
12* سالم , كمال لطيف , اعلام المقام العراقي ورواده , مكتبة النهضة , بغداد , 1985 ,
13* التسلوم .. انظر في مقدمة الكتاب وتوضيح عن عناصر المقام العراقي الخمسة التحرير والقطع والاوصال والجلسة والميانة والتسليم ..
14* سالم , كمال لطيف , اعلام المقام العراقي ورواده , مكتبة النهضة , بغداد , 1985 ,
15* التمجيد .. لا يطلق على الاداءات الصوفية بمفردة التمجيد رغم قربها منها , لأنها احدى مفرداة الشعائر الدينية حيث يكون التمجيد باداءات لحنية في تمجيد الله سبحانه تعالى ونبيه الكريم بصورة مباشرة , في حين ان الصوفيين يقولون ما لايقصدون ويقصدون ما لا يقولون ,
16* سالم , كمال لطيف , اعلام المقام العراقي ورواده , مكتبة النهضة , بغداد , 1985 ,
17* = = = = =
18* المعلومات ماخوذة من كتاب – الطرب عند العرب – لمؤلفه عبد الكريم العلاف مع شيء من الزيادة والتصرف , مطبعة الصباح , بغداد , 1945 ص159و160و161