المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة المأموم من المصحف أثناء الصّلاة



صلاح الدين سعد الله
27/08/2009, 03:19 PM
قراءة المأموم من المصحف أثناء صلاة القيام

نلاحظ أنّ عددا غير يسير من المصلّين يعمد إلى فتح المصحف ومتابعة الإمام أثناء صلاة القيام. ولا أزعم الحكم على هذه الظاهرة من وجهة دينيّة، فهذا منوط بأهل النّظر. ولكنّني سأحلّل هذا السّلوك القرائيّ من وجهة عرفانيّة (Cognitif) محاولا تفسير هذا السّلوك مقارنا بين قراءة الإمام وقراءة المأموم، مبيّنا حدود التكامل أو التعارض بينهما.

1. وصف السّلوك: يفتح المأموم المصحف عند فراغ الإمام من الفاتحة ويتابع قراءته إمّا متابعة بصريّة وإمّا يرافقه في القراءة بنطق الأحرف والكلمات همسا. ويدأب على هذا الصنيع في كلّ ركعة.

2. تبرير السلوك: سألت بعض المصلّين تبريرا لهذا الصنيع فأجاب أنّ متابعة قراءة الإمام من المصحف تساعده على التّركيز والفهم والخشوع. فهل هذا صحيح؟

3. تحليل السّلوك: نحن إزاء نوعين من القراءة قراءة جهريّة يؤدّيها الإمام من حافظته فيستوي باثّا ويستوي المأمومون متقبّلين للنصّ المقروء مقترنا بفعل القارئ فيه تجويدا وترتيلا... فالقارئ الفعليّ ههنا إنّما هو المتقبّل الذي يستقبل النصّ المقروء بسمعه فيحاول فهمه والتفاعل معه. وعندما يعتمد قناة ثانية للقراءة (البصر أو اللمس على طريقة "براي") فهل يعني ذلك أنّ الفهم والتفاعل سيتضاعفان؟

تبدو الإجابة عن هذا السؤال للوهلة الأولى هيّنة بديهيّة. بيد أنّ البحوث العلميّة المنجزة في تعليميّة القراءة تكشف خلاف ذلك. فالقراءة البصريّة أسرع بكثير من القراءة الجهريّة فالأولى تقوم على لمح الكلمات وأحيانا التراكيب والقارئ المتمرّس يكفيه لمح واحد ليلتقط عددا من الكلمات. وتزيد سرعة القراءة باتّساع مجال النّظر. و قد بيّنت دراسات أنجزت في أواخر السّبعينات من القرن العشرين أنّ القارئ الكهل يلمح النّصّ أربع مرّات في الثّانية ليدرك ثماني خصائص مكتوبة. و يمكن لهذا العدد أن يبلغ العشرين مع القارئ الخبير. أمّا القراءة الجهريّة فتقوم على لفظ الحروف لفظا كاملا مّما يجعل القراءة تجري على نحو خطّيّ. وهكذا تكون القراءة البصريّة أسرع من القراءة الجهريّة بكثير (أسرع منها بثلاث مرّات على الأقلّ عند القارئ العاديّ وبعشر مرّات عند القارئ الماهر) هذا بالنّسبة إلى القراءة الجهريّة العاديّة، فكيف الظنّ بقراءة الترتيل التي تقتضي التّحقيق أي «إعطاء كلٍّ حقَّه من إشباع المدّ وتحقيق الهمز وإتمام الحركات واعتماد الإظهار والتّشديدات وتوفية الغِنات وتفكيك الحروف وهو بيانها وإخراج بعضها من بعض بالسّكت والتّرسّل واليسر والتّؤدة»
فلا شكّ أنّ تفاوت النسقين سيتضاعف. فكيف سيتعامل المأموم مع هذه الوضعيّة؟
إمّا أن ينساقَ وراء نسق قراءته الأسرع فيسبق الإمام ويكون بذلك قد خالف ركنا من أركان الصّلاة وهو متابعة الإمام وعدم استباقه ويكون أيضا قد حدّ من أثر قراءة الإمام الجهريّة إذ يصعب على الذهن استقبال إشارات بصريّة وسمعيّة في نفس الوقت أو بالتناوب وفكّ شفرتها وترجمتها إلى فهم وتفاعل والأرجح أن يتخيّر الدّماغ الإشارة الأسرع والأوضح ويلغي الأخرى إن تمكّن من ذلك فإحدى القراءتين ستتحوّل بالضرورة عامل تشويش على الإدراك.
وإمّا أن يرافق الإمام بنطق الحروف والكلمات، فإن هو جهَر يكون قد آذى المصلّين من حوله. وإن هو همَس يكون قد صرف انتباهه عن الفهم والتدبّر إلى التوليف بين نسق قراءته ونسق قراءة الإمام وإلى محاكاة الترتيل الذي يسمعه.

وفي الأخير نقول إنّ الإدراك الحاصل مهما كانت درجته ومهما كانت براعة المأموم في التنسيق بين البصر والسمع وفي محاكاة نسق الإمام هو أدنى من الإدراك الذي يتحقّق عند الاكتفاء بسماع الإمام والإنصات له، فالواجب أن يكتفي المأموم بالسماع وأن يعمل على الإنصات سبيلا إلى الفهم والتدبّر والخشوع. ولعلّنا بذلك نزيد فهما للآية الكريمة: "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (204) الأعراف) فالإنصات ليس رديفا للاستماع وإنّما هو درجة أرقى لا تتحقّق إلاّ بالاستماع أوّلا وباستجماع مختلف الجوارح والقدرات الذهنيّة لفهم القرآن وتدبّره.


1. النشر في القراءات العشر ج1 ص293 نقلا عن مقال إلكتروني بعنوان التّنغيم في التّراث العربيّ. د.عليان بن محمّد الحازميّ

(لمزيد التوسّع في موضوع القراءة: انظر القراءة الجهريّة: مقاربة ديدكتيكيّة موضوع كتبه صلاح الدين سعد الله)

نبيل الجلبي
28/08/2009, 01:59 AM
جزاكم الله كل خير وبارك بكم
وأعتقد ان متابعة المأموم البصرية للمصحف بدون جهر ولاهمس لابأس بها في صلوات التراويح وإقامة الليل والتهجد ومع ذلك نرجو من المختصين إفادتنا في هذا الموضوع

صلاح الدين سعد الله
28/08/2009, 02:21 AM
جزاكم الله كل خير وبارك بكم
وأعتقد ان متابعة المأموم البصرية للمصحف بدون جهر ولاهمس لابأس بها في صلوات التراويح وإقامة الليل والتهجد ومع ذلك نرجو من المختصين إفادتنا في هذا الموضوع

شكرا أخي نبيل لاهتمامك بالموضوع ولتعليقك اللطيف. لقد طرقتُ الموضوع من زاوية نظر مخصوصة ولم أدّع الحكم على مشروعيّة متابعة المأموم ما يرتّل من الآي الكريم بصريّا، فذلك شرف لا أزعمه. وإنّما أردت بيان التفاوت بين نسقيْ القراءة الجهريّة والقراءة البصريّة، وأنّ الجمع بينهما قد يؤول إلى إرباك فعل القراءة، وهذا شائع في الممارسات التعليميّة للقراءة وقد بيّنت ذلك في مقالي "القراءة الجهريّة: مقاربة ديدكتيكيّة" ولعلّه ينطبق على قراءة المأموم بصريّا تساوقا مع قراءة الإمام.
أجدّد شكري لك وأثمّن دعوتك أهلَ الاختصاص إلى الحكم على هذه الممارسة من زوايا نظر أخرى.

بلقاسم مكريني
28/08/2009, 08:37 PM
أخي الفاضل صلاح الدين
جزاكم الله خير الجزاء على المعلومات القيمة.. لاسيما تلك المعطيات العلمية المقارنة بين نوعي القراءة: النظر والجهر بالصوت..وهي معطيات منطقية ومعقولة..وقد جربتها مرارا باعتبار تخصصي (لسانيات/صوتيات) فتبين صدق ما ذهبتم إليه..وحين أقرأ بعيني أوفر علي جهدا كبيرا ووقتا إذ لا تعمل إلا العينان والدماغ أما في الأخرى فيضاف إلى ذلك كله تمفصلات صوتية مسموعة ويتطلب رفع درجتها مجهودا عضليا تقوم به أعضاء الجهاز الصوتي (des articulations)...ولعل ذلك سر التفاوت بين القراءتين..كما أن نسبة الجهد تختلف حسب درجة رفع الصوت.
وأما من الناحية الدينية فالأمر متروك لأهل الاختصاص ..وقد قال الرسول الكريم(ص) :(أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار). وإن كنت أرى المسألة غير مقبولة من الناحية السلوكية/الأخلاقية خصوصا إذا تعذر على المأموم متابعة قراءة الإمام...فأين التدبر والخشوع؟؟؟؟ ثم لماذا لا يكون فتح المصحف في البيت أو المسجد خارج أوقات الصلاة؟
نسأل الله الهداية..

محمد خلف الرشدان
28/08/2009, 09:10 PM
شكراً أخي صلاح الدين سعد الله المحترم على هذا الشرح الوافي والتوضيح الذي لا لبس عليه ،جزاك الله خيراً

عبد الرحيم لبوزيدي
28/08/2009, 09:26 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاخ الكريم سعد الله نشكرك جزيل الشكر على تفضلك علينا بهذه المعلومات القيمة التي تنم اهتمامكم بقراءة القرآن الكريم،وهنا اثير مسالة اخرى ننتظر راي فقهائنا الاجلاء فيها وهي:مدى مشروعية قراءة الفرد في الصلاة من مصحف بين يديه ،وذلك لعدم حفظه للقرآن الكريم ،هل يجوز هذا السلوك ام لا؟

صلاح الدين سعد الله
29/08/2009, 12:46 AM
أخي الفاضل صلاح الدين
جزاكم الله خير الجزاء على المعلومات القيمة.. لاسيما تلك المعطيات العلمية المقارنة بين نوعي القراءة: النظر والجهر بالصوت..وهي معطيات منطقية ومعقولة..وقد جربتها مرارا باعتبار تخصصي (لسانيات/صوتيات) فتبين صدق ما ذهبتم إليه..وحين أقرأ بعيني أوفر علي جهدا كبيرا ووقتا إذ لا تعمل إلا العينان والدماغ أما في الأخرى فيضاف إلى ذلك كله تمفصلات صوتية مسموعة ويتطلب رفع درجتها مجهودا عضليا تقوم به أعضاء الجهاز الصوتي (des articulations)...ولعل ذلك سر التفاوت بين القراءتين..كما أن نسبة الجهد تختلف حسب درجة رفع الصوت.
وأما من الناحية الدينية فالأمر متروك لأهل الاختصاص ..وقد قال الرسول الكريم(ص) :(أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار). وإن كنت أرى المسألة غير مقبولة من الناحية السلوكية/الأخلاقية خصوصا إذا تعذر على المأموم متابعة قراءة الإمام...فأين التدبر والخشوع؟؟؟؟ ثم لماذا لا يكون فتح المصحف في البيت أو المسجد خارج أوقات الصلاة؟
نسأل الله الهداية..

شكرا أخي بلقاسم على اهتمامك بالموضوع وعلى إضافتك القيّمة التي تنبئ بزاد معرفيّ غزير ونفاذ بصيرة.

صلاح الدين سعد الله
29/08/2009, 12:50 AM
شكراً أخي صلاح الدين سعد الله المحترم على هذا الشرح الوافي والتوضيح الذي لا لبس عليه ،جزاك الله خيراً

أخي محمّد الشكر موصول لك أيضا على إطلالتك الكريمة وتعليقك اللطيف، جزاك الله كلّ خير.

صلاح الدين سعد الله
29/08/2009, 12:54 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاخ الكريم سعد الله نشكرك جزيل الشكر على تفضلك علينا بهذه المعلومات القيمة التي تنم اهتمامكم بقراءة القرآن الكريم،وهنا اثير مسالة اخرى ننتظر راي فقهائنا الاجلاء فيها وهي:مدى مشروعية قراءة الفرد في الصلاة من مصحف بين يديه ،وذلك لعدم حفظه للقرآن الكريم ،هل يجوز هذا السلوك ام لا؟

شكرا أخي عبد الرّحيم على اهتمامك بالموضوع، تساؤلك مشروع فعسى أن نجد الإجابة لدى أهل النّظر.

د.محمد فتحي الحريري
05/09/2009, 12:06 AM
اخي صلاح الدين سعد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مقالتكم مقاربة عرفانية ذات رسالة قلبية وجدانية ادعو الله تعالى ان تصل الى القلوب الشفافة !!
قال تعالى :
((فاذا قرأناه فاتبع قرآنه )) صدق الله العظيم
ان التراسل القائم بين الحواس لدى العابد - المتلبس في عبادته لجبار السموات والارض - يعرج به في مراقي التواصل الكامل مع ربه ، لذلك كان الحبيب المصطفى يقول : ارحنا بها يا بلال ، و :
ان في الصلاة لشغلا ، و :
هذه الصلاة لايصلح فيها شيء من كلام الناس ، و :
يكتب للمصلي بقدر ما عقل من صلاته و ......... او كما قال صلى الله عليه وسلم .
دمت اخي الحبيب ورمضان كريم .

صلاح الدين سعد الله
05/09/2009, 12:53 AM
اخي صلاح الدين سعد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مقالتكم مقاربة عرفانية ذات رسالة قلبية وجدانية ادعو الله تعالى ان تصل الى القلوب الشفافة !!
قال تعالى :
((فاذا قرأناه فاتبع قرآنه )) صدق الله العظيم
ان التراسل القائم بين الحواس لدى العابد - المتلبس في عبادته لجبار السموات والارض - يعرج به في مراقي التواصل الكامل مع ربه ، لذلك كان الحبيب المصطفى يقول : ارحنا بها يا بلال ، و :
ان في الصلاة لشغلا ، و :
هذه الصلاة لايصلح فيها شيء من كلام الناس ، و :
يكتب للمصلي بقدر ما عقل من صلاته و ......... او كما قال صلى الله عليه وسلم .
دمت اخي الحبيب ورمضان كريم .

أستاذي الجليل الدكتور محمّد فتحي الحريري دمت ذحرا لمنتدانا ودام لنا فكرك النيّر ورأيك السديد.
هُدينا جميعا إلى الطيّب من القول.
وكلّ عام وأنت بخير.

الحاج بونيف
05/09/2009, 01:16 AM
أخي الفاضل صلاح الدين سعد الله
السلام عليكم ورحمة الله
هذه الظاهرة منتشرة، والغرض منها متابعة الإمام وتتبع ما يقول وفهم تلاوته؛ فالكثير من الأئمة يلتهمون الكلمات ولا ينطقونها، فتصل خافتة غير مفهومة أو مبهمة .. فالناظر في المصحف، المتتبع بعينيه لكلمات المصحف يستطيع فهم ما لم ينطقه الإمام جيدا..
ولعل مثل هذه القراءة تشبه إلى حد كبير القراءة التي يطبقها معلمونا في الأقسام؛ حيث يقرأ الأستاذ أو أحد التلاميذ، والبقية تتابع من دون همس أو حتى تحريك الشفاه.. فأين الخلل؟
أنا أرى أن المأموم - وبخاصة في الصفوف الخلفية ومع رداءة بعض مكبرات الصوت - يمكنه أن يتابع أحسن، شريطة ألا يجهر أو يهمس، وإنما يتابع بعينيه فقط.
شكرا على الموضوع.

صلاح الدين سعد الله
05/09/2009, 02:45 AM
أخي الفاضل صلاح الدين سعد الله
السلام عليكم ورحمة الله
هذه الظاهرة منتشرة، والغرض منها متابعة الإمام وتتبع ما يقول وفهم تلاوته؛ فالكثير من الأئمة يلتهمون الكلمات ولا ينطقونها، فتصل خافتة غير مفهومة أو مبهمة .. فالناظر في المصحف، المتتبع بعينيه لكلمات المصحف يستطيع فهم ما لم ينطقه الإمام جيدا..
ولعل مثل هذه القراءة تشبه إلى حد كبير القراءة التي يطبقها معلمونا في الأقسام؛ حيث يقرأ الأستاذ أو أحد التلاميذ، والبقية تتابع من دون همس أو حتى تحريك الشفاه.. فأين الخلل؟
أنا أرى أن المأموم - وبخاصة في الصفوف الخلفية ومع رداءة بعض مكبرات الصوت - يمكنه أن يتابع أحسن، شريطة ألا يجهر أو يهمس، وإنما يتابع بعينيه فقط.
شكرا على الموضوع.

شكرا للأخ الفاضل الحاج بونيف على الاهتمام والإضافة. أمّا سؤالك عن وجه الخلل فجوابه أنّ نسقيْ القراءة الجهريّة والبصريّة متفاوتان تفواتا بيّنا ممّا يجعل التّنسيق بينهما أمرا صعبا، وقد بيّنت ذلك في مقالي استنادا إلى معطيات علميّة. ولئن كان الأمر لا يثير إشكالا كبيرا بالنسبة إلى المأموم باعتباره قارئا كهلا في الغالب، له قدرات تيسّر له التوفيق بين ما يسمع وما يطالعه ببصره، فإنّ الأمر يبدو خطيرا في الممارسات التعليميّة. وقد بيّنت ذلك في مقالي "القراءة الجهريّة: مقاربة ديدكتيكيّة" مستأنسا بما توصّل إليه الباحثون في مجال الدّيدكتيك ولا سيما الباحثة الفرنسيّة "إيفلين شارمو"
مع خالص شكري وفائق تقديري.