المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سنكيانغ (تركستان) أو فلسطين الثانية



دكتور عبد الجليل طاش
29/08/2009, 11:48 PM
سنكيانغ (تركستان) أو فلسطين الثانية
د. على العثوم

أجل ، أو الأندلس الثالثة ، بعد أرض الإسراء وإسبانيا . إنّها تركستان الشرقية ، أي أرض الترك ، معدن هذا العنصر من سلاجقة وعثمانيين وغيرهم ، ممن كان لهم فضل عظيم في التاريخ الإسلامي . وتقع على الحدود الشمالية الغربية من جمهورية الصين الشعبية ، جمهورية (ماوتسي تونغ) الشيوعية . وقد دخلها الإسلامُ منذ أكثر من سبعة قرون . وكانت نسبة المسلمين فيها وهم من قبائل (الأويغور) قبل ستين سنة تُقارب مئةً بالمئة ، حتّى إذا اعتنقت الصينُ بزعامة ماو الفكرة البلشفية سنة (1949م) ، ضمّها هذا الطاغيةُ بالقوة إلى حظيرة دولته ، واغتصبها كما اغتصب اليهود فلسطين ، وسمّاها بهذا الاسم الحادث سنكيانغ ، أي الأرض الجديدة .
إنّ قادة المسلمين بالأمسِ ودُعاتهم اليومَ ، عندما ينادون البشرية أن تفيء إلى الإسلام لتتخذه لها منهاجاً ، إنما يدعونها لخيرِ دينٍ ، وأعظمِ حضارةٍ ، وأقومِ طريقٍ ، مما يُنقذها من أضاليلها وشقاواتها إلى ما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة ، لأنّ ما يدعونها إليه إنما هو منهاج رب العالمين الذي لا يضلّ ولا ينسى . وقد ثبت ذلك بالتجربة والبرهان على مدى أربعةَ عشر قرناً . نعم ، إنه ليس قول طاغيةٍ مخبولٍ ، أو جبّارٍ شقي ، أو صاحب هوىً لعب الشيطان بعقله ، فصوّر له الحقَّ باطلاً والباطلَ حقاً ، كما في الأفكار المنتشرة في هذا الزمان من شيوعية ورأسمالية وماسونية وبهائية وقاديانية ، وما يتبعها من نزعاتٍ عصبيةٍ جاهلية.
إن العالم اليوم كلَّه إِلْبٌ على الإسلام لأنه حقٌّ ، والعالم بمناهجه المعوجة يزورّ عن الحق . ومن هنا جاء تآمره علينا قديماً وحديثاً . أما حديثاً فقد ادّعت دول الغرب بداية القرن الماضي محالفتنا وأنهم يريدون إنقاذنا من فقرنا وبؤسنا وضعفنا ، فانخدعنا بهم وحالفناهم ، وإذا بهم يريدون وبإصرارٍ مُخطّطٍ له أنْ يقضوا على وحدتنا ، ويستأصلوا ديننا . ثمَّ ظهر الإتحاد السوفياتي ، فزعم أنّه نصيرنا أمام قوى الغرب الغاشمة ، وإذا بهؤلاء البلاشفة يبغوننا أنْ ننسلخ من ديننا ونُحادَّ الله ورسوله ، ونكونَ لهم تبعاً كتبعية الكلب لصاحبه . ونادينا مرّةً أو نودي لنا بالرابطة الشرقية ، أي الدول التي تنتسب إلى الشرق في آسيا – وقد تتبعها دول أفريقيا – مقابل دول الغرب ، وبذلك نلتقي بالصين والهند ، وإذا بهاتين الدولتين تشنّان على الإسلام حربَ سحقٍ وإبادة . الهند في باكستان وكشمير وممر خيبر ، والصين في ما سُمّي بالثورة الثقافية زمان ماو ، وفي هذه الأيام زمان (هوجنتاو) ، بسياساتهم الظالمة ضدّ إخواننا الأويغور في تلك البلاد .
إنها الجاهلية الحديثة كأختها القديمة ، لا تحترم إنسانيةً ، ولا ديناً ولا حريةً ذاتية ، ولا تعرف حضارةً نظيفة أو خلقاً كريماً ، أو معاملةً عادلة ، إذ الغاية عند أصحابها تسوغ الوسيلة . وفي هذه القضية الساخنة اليوم ، قضية مسلمي سنكيانغ ، لم تكتفِ الصين البوذية أنْ تسرق بلادهم ، وتحرمهم من استقلالهم ، بل مارست عليهم شتّى صنوف القهر والتسلط . فغيرت اسم بلادهم تركستان إلى سنكيانغ ، أي المستعمرة الجديدة ، ومنعتهم من كتابة لغتهم بالحروف العربية بعد أنْ كانوا يكتبونها بها قروناً طويلةً ، ومنعتهم من أداء فريضة الحجّ ، واقتناء القرآن أو قراءته ، إلا بعد إجراءاتٍ عسيرةٍ ومعقدّة . وبعد أنْ كانوا الأكثرية في الإقليم الذي يُعدّ من أكبر أقاليم الصين مساحةً ، حجّمت عددهم بالاعتقال والتشريد ، أو القتل والمحو ، والعمل على الإتيان بدلاً منهم بقبائل (الهان) البوذية البلشفية ، أنصار ماو وتلامذته ، فأصبح عددهم لهذه الأساليب الشيطانية أقل من عشرة ملايين ، بعد أنْ كانوا أكثر من عشرين . كما زادت – وهم يُطالبون منذ عشرات السنين بحريتهم – باتهامهم بالإرهاب ، وحرمتهم من الوظائف القيّمة ، والثروات الحيوية في البلاد، وخصّت بها دونهم الهانَ المتساوقين معها في الكفر والإلحاد .
هذا هو حال الأويغور في بلادهم تحت ظلم الطغاة وحكم المستبدين ، وهم إخواننا في الإسلام ، فماذا عملنا لنصرتهم ؟! وأين نحن في هذا الشأن من قول رسول الله – عليه الصلاة والسلام -: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) ؟! أين جامعة الدول العربية ، وأين القمم العربية، أو الإسلامية ، وأين رابطة العالم الإسلامي ، والحركات الإسلامية ؟! إنّ مما يُؤسى له أن أياً من الدول العربية أو الإسلامية لم تُحرّك ساكناً ، بل إنّ بعضها أوصت بعدم إثارة الموضوع في المحافل الدولية أو المؤتمرات العالمية لارتباطها بالصين بعلاقاتٍ تجارية أو استثمارية . وهذا تقديم للأدنى على الأسمى . وهو انحطاطٌ في المواقف ولا شك . على أننا نذكر في هذا المجال باحترام وتقدير ، موقف تركيا ممثلاً برئيس وزرائها السيد أردوغان الذي وصف هذه الممارسات الظالمة ضد شعب الأويغور بالفظائع التي لا يُسكت عنها ، وأن ما يصيب المسلمين في سنكيانغ يصيب تركيا نفسها . وهو موقف ثانٍ كريم يحسب للرجل بعد موقفه الأول من أحداث غزّة .
ومن هنا جاء قول الغيورين إبّان هذه الأحداث : هل ينتصر العالم والمسلمون خاصة لسنكيانغ كما انتصروا لغزة ؟! وجاء قولي في العنوان بأن مصيبتنا في هذه البلاد قريبٌ من مصيبتنا بفلسطين ، أو بأندلس ثالثة . نسأل الله لإخواننا الأويغور ، الفرج القريب والنصر العاجل على أعدائهم ...
المصدر/ جريدة السبيل الأردنية
تاريخ النشر : 22/07/2009