المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عذراً تركستان الشرقية!



دكتور عبد الجليل طاش
29/08/2009, 11:57 PM
عذراً تركستان الشرقية!
مطيع الله تائب
انشغل العالم منذ أسبوع بأحداث «التيبت»، وملأت صور الزعيم الروحي للشعب التيبتي البوذي «دالاي لاما» كل وسائل الإعلام، وعرف العالم عن معاناة هذا الشعب الذي تعرض للإبادة الثقافية والدينية على يد الصين الشيوعية، وتعاطف الناس معه. وما زالت الدعوات مستمرة بزعامة الولايات المتحدة للتعاطف مع القضية التيبتية وممارسة الضغط على بكين لإعطاء المزيد من الحرية لهذا الشعب «المظلوم».
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل زارت نانسي بيلوسي، زعيمة مجلس النواب بالكونغرس الأميركي، مقر حكومة التيبت في المنفى بمدينة «درمساله» الهندية، والتقت بدالاي لاما، لتضيف أهمية خاصة للأزمة التيبتية، وتضع الصين في وضع دفاعي فيما يتعلق بقضية «التيبت». وهكذا، فتحت واشنطن وأوروبا ثغرة أخرى للضغط على بكين للتفاهم مع الغرب في قضايا عالمية، ربما تكون أهمها سياسيا الملف النووي الإيراني ودارفور، واقتصاديا التوازن التجاري بين بكين والغرب.
لكن هناك حقيقة أخرى ربما لم ينتبه إليها العالم في خضم الأضواء المسلطة على أزمة التيبت، وهي أن كل ما حدث للشعب التيبتي البوذي منذ عام 1952، حينما وقع تحت الاحتلال الصيني الشيوعي وحتى اليوم، يحدث بالوتيرة نفسها، وربما أشد وأنكى، للشعب الأويغوري المسلم في «تركستان الشرقية»، أو ما يعرف رسميا بـ «سينكيانغ» منذ أن وقع تحت الاحتلال الصيني الشيوعي عام 1949 حتى اليوم.
لقد تحول الأويغور من أكثرية %90 قبل ستين عاما، إلى أكبر أقلية في الإقليم، أي نسبة تتجاوز بالكاد %45 من 20 مليون نسمة هم سكان «سينكيانغ» اليوم، بعد أن تمت عملية استيطان كبيرة لعرقية «هون» الصينية في الإقليم، حيث أصبح الـ «الهون» اليوم قرابة %40 من السكان بعد أن كانوا %6 فقط قبل 60 عاما.
لم تكن عملية الاستيطان هي المشكلة فقط، بل شهد الإقليم محاولات منظمة لطمس الهوية الأويغورية المسلمة أثناء الثورة الثقافية التي أطلقها الزعيم الشيوعي الصيني ماوتسي تونغ، ثم في الفترات التي تلتها، ومكافحة مظاهر التدين الإسلامي حتى في عصر الحريات التي شهدتها الصين مؤخرا، وذلك تحت لافتة مكافحة الإرهاب الإسلامي ومكافحة الحركات الانفصالية الأويغورية.
هذه السطور القليلة لن تفي أبداً بالحديث عن معاناة شعب مسلم ذاق الأمرين، من الاحتلال الصيني والتعتيم الإعلامي والنسيان الإسلامي والعالمي، اللهم بعض الجهود الإسلامية الخجولة للالتماس من التنين الصيني تحسين أوضاع المسلمين في «سينكيانغ»، أو بعض الدعم الإعلامي والسياسي الذي تتلقاه الجماعات السياسية الأويغور في الغرب أو الولايات المتحدة من وقت لآخر.
إنه من المؤلم أن ينتظر الشعب الأويغوري «منقذا» أميركيا ليأتي من بعد آلاف الأميال، ويساعده لنيل حريته، أو على الأقل للحصول على بعض حقوقه المهضومة، فيما تلتزم الدول التي تشترك مع الأويغور في «الأخوة الطورانية» و «الأخوة الإسلامية» الصمت، بل قد تتعاون مع بكين في تحجيم أنشطة المجموعات الأويغورية في الخارج.
ربما لن يصل الأمر إلى «بلقنة الصين»، وكل ما يريده الغرب من بكين عبر استخدام ورقة «التيبت» هو التعاون الصيني مع الغرب في بعض الملفات الساخنة، السياسية والاقتصادية والأمنية. ومن غير المتوقع أن يعمد الغرب، في هذه المواجهة غير العلنية مع الصينن إلى تسخين ملف «الأويغور» المسلمين، خصوصا أن الأويغور يفتقدون زعيما متفقا عليه مثل دالاي لاما، وكذلك تتجاذبهم تيارات قومية علمانية وآخرى إسلامية جهادية، وآخرى زعامات دينية تقليدية.
وتبقى قضية «تركستان الشرقية» رقما آخر على قائمة «قضايانا المنسية»، وقد لا نتنبه إليها إلا بعد أن تتبناها الولايات المتحدة أو الغرب مثلما حصل لكوسوفو! فهل نتعلم؟!

المصدر/ صحيفة العرب القطرية

2008-03-23