المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تركستان الشرقية والصين- صراع حضارتين



دكتور عبد الجليل طاش
30/08/2009, 12:01 AM
تركستان الشرقية والصين- صراع حضارتين


هذا عنوان الكتاب الذى كتبه د.عز الدين الوردانى ، وطبع 2009م فى مركز الحضارة العربية فى بالقاهرة. ويصل صحفات الكتاب إلى 400 صفحة .

تركستان الشرقية أرض ( الأويغور) الأتراك منذ الأزل، ذلك الشعب العريق فى وسط آسيا، والذى قاد المنطقة حتى الشرق الأدنى وأوربا الشرقية خلال قرون قليلة.هذه الأرض التى كانت لها حضارتها قبل أن يعتنق أهلها الإسلام ، ثم تبنى شعبها الحضارة الإسلامية بعد اعتناقهم الإسلام، مازال هذا الشعب يمارس حياته وحضارته فى كل أرض وطئها.
يتناول هذا الكتاب التاريح السياسى لتركستان الشرقية، ويرصد الصراع الدائر منذ عقود طويلة بين تركستان والصين، والذى يمثل فى أحد جوانبه صراعا حضاريا بين تركستان بهويتها الإسلامية والتركية وبين الصين بهويتها الشيوعية الإلحادية.
ورغم سيطرة الصين على تركستان الشرقية لفترات طويلة، إلا أن الثقافة الصينية لم تحكم قبضتها عليها.
فعلى مدار فترة الاحتلال الصينى لتركستان الشرقية والذى بدأ منذ عام 1760م، مثَّل الوجود الصينى بها – والذى كان وجوداً عسكرياً فى مجمله حتى عام 1949 – وافداً غريباً عرقاً وثقافة، وقد دأبت أنظمة الحكم الصينية فى مختلف مراحل الاحتلال، على بذل
محاولات- بالذات فى مرحلة الحكم الشيوعى الحالى الذى قام بأكثر المحاولات حسماً- للتأثير على هوية التركستانيين بشتى الوسائل التى تهدف إلى تصيين تركستان الشرقية وجعل الثقافة الصينية هى السائدة، وهو الأمر الذى يؤدى إلى إضعاف هوية الآخر التركستانى بما يضمن فقدانه لتميزه ومن ثم عدم مقاومته لاستمرار الحكم والوجود الصينى بتركستان الشرقية.
وتحتاج عملية التغيير الثقافى إلى وقت طويل وأساليب متعددة قد تكون عنيفة، وهو أمر لا تفتقده السياسة الصينية تجاه تركستان الشرقية فى الواقع العملى.
كما أن تلك العملية تتم فى ظل علاقة سيطرة وتبعية وقمع تحد من قدرة الحضارة الإسلامية التركية فى تركستان الشرقية على استخدام أساليبها الخاصة للمحافظة على بقائها.
ومع ذلك فإن للحضارة الإسلامية بصفة عامة القدرة على الانتصار فى الصراع الحضارى فى السلم أو فى الحرب، حتى فى أوقات الانكسار والهزيمة فإنها تتقدم وتنجح فى اكتساب الآخر وأرضه وحضارته إلى صفها، ولنا فى الأويغور بتركستان الشرقية واحد من أهم الأمثلة على ذلك حين نجحوا فى جعل المغول فى الدولة الجغتائية يسلمون ويتوحدون مع الثقافة الإسلامية التركية، بل وغدا اسمهم المغول المتتركين.
يقدم الكتاب نبذة مختصرة عن تركستان الشرقية وأهم الدول التركية التى قامت بها، ثم سقوطها تحت سيطرة الصين فى عهد أسرة مانشو (1760م)(1174هـ)، وأهم الأحداث فى تلك الفترة وهى ثورة يعقوب بك التى استقلت بتركستان الشرقية (1863 – 1876م) (1280-1294هـ).
كما يعرض لتركستان الشرقية تحت الحكم الجمهورى الذى بدأ فى الصين عام (1911م)(1329هـ)، وأهم الثورات التى حدثت فى تلك الفترة، ثورة (1931م)
(1349-1350هـ)، وثورة (1944م) (1363هـ) التى أعلنت استقلال تركستان الشرقية ثم انتهى الأمر إلى صيغة حكم ذاتى استمرت قائمة حتى دخول الشيوعيين الصينيين إلى تركستان الشرقية عام (1949م) (1368-1369هـ).
ويبين الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لتركستان الشرقية بحكم موقعها المحورى فى وسط آسيا، وبالنسبة للصين من حيث المساحة وباعتبارها محور اتصال للصين بأوراسيا.
كما يعرض لسياسة الحكومة الشيوعية فى تركستان الشرقية من الناحية الإدارية.
وكذلك التقسيم الإدارى داخل الصين بصفة عامة، ثم التقسيم الإدارى لتركستان الشرقية، واختصاصات مجالس نواب الشعب المحلية، والمهام المنوطة بها حكومة تركستان الشرقية. وعلاقة سلطة الحكم الذاتى فى تركستان الشرقية بالمركز، والمساحة الحقيقية لحرية العمل واتخاذ القرار المسموح بها لسلطة الحكم الذاتى.
ويشير الكتاب إلى أثر الحكم الشيوعى الصينى على التركيبة السكانية لتركستان الشرقية ويتناول سياسة تهجير الصينين إلى تركستان الشرقية وهى السياسة الأساسية التى اتبعتها الصين للتأثير على الوضع الديموجرافى داخل تركستان الشرقية. وأشار إلى سكان تركستان الشرقية ونسبة مختلف الأعراق والقوميات بهل قبل الحكم الشيوعى.
ثم دوافع الصين الشيوعية للقيام بعمليات التهجير الواسعة النطاق لعرق الهان، والتى تستهدف فى حقيقتها تصيين تركستان الشرقية، واستمرار سيطرة الصين عليها.
وأشار إلى وسائل جذب واستيعاب المهاجرين الصينيين، ودور فرق الإنتاج والبناء فى تلك العملية؛ ومناطق توطن الهان داخل تركستان الشرقية؛ ونتائج عمليات التهجير للصينيين الهان وأثر ذلك على ديموجرافية تركستان الشرقية ومواردها والتدهور البيئى الناجم عن الضغوط على تلك الموارد واستنزافها. ثم هجرة التركستانيين خارج تركستان الشرقية عقب الغزو الشيوعى ونتيجة لسياساته المطبقة داخل تركستان.
ثم تناول الكتاب سياسة تحديد النسل وهى سياسة مطبقة فى الصين بعامة، وكيفية تطبيق تلك السياسة فى تركستان الشرقية، والأساليب التى تستخدمها الإدارة الصينية لهذا الغرض، وهى فى مجملها أساليب عنيفة مثيرة للاستياء فى أوساط التركستانيين .
ووضح التأثيرات الثقافية للحكم الشيوعى الصينى فى تركستان الشرقية على مجالات: الدين، التعليم، اللغة.
والأساليب التى اتخذها الصينيون والتى من شأنها التأثير على قدرة التركستانيين فى الحفاظ على هويتهم الحضارية المستقلة، باعتبار أن الدين يعد أهم عناصر تشكيل وتوجيه هوية الفرد والأمة، والتعليم كوسيلة للتواصل ونقل الخبرات واستمرارية النهج الحضارى عبر الأجيال، واللغة كوعاء للثقافة، ينقلها، ويحفظ تراث الأمة.
وتناول الحملات التى شنها الشيوعيون لإعداد سائر المجتمعات داخل الصين لكى تتقبل الفكر الشيوعى وتنخرط داخل المنظومة الشيوعية الصينية. ثم التناول النظرى للمسألة الدينية عموماً داخل الصين والممارسات العملية تجاه الدين الإسلامى فى تركستان الشرقية، ومحاولات إضعاف المؤسسات الدينية، والتأثير على القائمين عليها، والدعاية ضد الدين الإسلامى، ثم فترة الانفتاح وأثرها على الوضع الدينى.
وكذلك سياسة الصين التعليمية العامة، وتعليم الأقليات، والتعليم داخل تركستان الشرقية، ومحتوى ذلك التعليم وما تستهدفه المناهج التى تدرس فى المدارس التركستانية، وأيضاً تعليم الدين الإسلامى داخل تركستان والذى يسيطر عليه المركز كليا.
ثم كيفية إدارة العملية التعليمية ومدى تدخل السلطة المركزية فى تلك العملية.
كما فيه عرض للغات الموجودة داخل تركستان الشرقية، وتعامل الإدارة الصينية مع مسألة اللغة، والمشكلات التى يواجهها التركستانيون للحفاظ على لغتهم، والتغيرات التى طرأت عليها، ومدى حضور تلك اللغة فى التعليم والحياة العامة.
وأيضا موقف التركستانيين الشرقيين تجاه سياسة الحكم الشيوعى الصينى والمقاومة التى يبديها التركستانيون للحكم الشيوعى والتى كانت على المستوى الداخلى والخارجى، وبدأت قبل قدوم الشيوعيين لتركستان وبعده، فعلى المستوى الداخلى شن التركستانيون حرب عصابات قوية ضد القوات الشيوعية، كما حدث الكثير من الثورات والاحتجاجات ضد الوجود الصينى وسياساته فى تركستان الشرقية، وتشكلت العديد من الأحزاب والتنظيمات للعمل على مقاومة الشيوعيين.
و ينوه إلى دور التركستانيين فى المهجر فى حركة المقاومة من خلال تنظيماتهم المختلفة التى تعمل على الدفع بالقضية التركستانية داخل أوساط المجتمع الدولى، كما تعمل على تنسيق جهود المقاومة مع ممثلى شعوب المستعمرات الصينية الأخرى كالتبت ومنغوليا الداخلية، وتبذل جهودها للحفاظ على الثقافة والهوية التركستانية بين تركستانيى المهجر، والتنسيق فيما بين سائر المنظمات ومحاولة توحيدها لتقوية الصف التركستانى.
كما عرض الكتاب لموقف المجتمع الدولى تجاه تركستان الشرقية، وحركة المقاومة الساعية لاستقلال تركستان الشرقية عن الصين من خلال بعض المواقف والسياسات التى تتخذها بعض الدول والنخب السياسية بها والتى قد تعنى بما يجرى فى تركستان كتركيا، وإيران، وأيضاً روسيا ودول آسيا الوسطى الإسلامية التى استقلت عن الاتحاد السوفيتى المنهار عام (1991م)(1411/1412هـ)، وسعى الصين للسيطرة على علاقة تلك الدول بتركستان الشرقية لتأمين الأوضاع داخل تركستان وعلى حدودها من خلال مجموعة شنغهاى. وأيضاً يعرض لموقف باكستان، وأفغانستان، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقتها بالصين ومدى حضور القضية التركستانية فى تلك العلاقة. كما يعرض المبحث الموقف الأوروبى وموقف مصر والمملكة العربية السعودية، وموقف بعض المنظمات الدولية كالأمم المتحدة، ورابطة العالم الإسلامى، ومنظمات حقوق الإنسان والتى تعد أكثر المهتمين بالوضع فى تركستان الشرقية.
وفى النهاية تمثل تركستان الشرقية بؤرة للتوتر والصراع داخل الصين، تلك القوة الصاعدة ذات الإمكانات الاستراتيجية الكبيرة وإحدى القوى العظمى فى عالم متعدد الأقطاب، والمرشحة لتكون القوة الثانية أو الأولى فى عالم ثنائى القطبية؛ وربما جلبت تركستان الشرقية على الصين مشكلات خطيرة كالتدخل الدولى وإثارة النزعات الانفصالية داخل الصين وتعريضها للتفكك.
إن الشعب التركى فى تركستان الشرقية لايكف عن الثورة والمطالبة بالاستقلال للحصول على حقوقهم الكاملة واسترداد أراضيهم من الاحتلال الصينى، ولا يزال يحافظ على هويته الإسلامية حتى يتم النصر بإذن الله.
علما، بأن ثقافة وحضارة تركستان الشرقية لا تمت صلة إلى الثقافة والحضارة الصينية اطلاقا.