المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقاومة والإرهاب والمخطط الاستعماري (3/7) ـ نعم لنضحك، لو إلى حين.. / نورالدين عزيزة



نورالدين عزيزة
30/08/2009, 10:14 PM
المقاومة والإرهاب والمخطط الاستعماري (3)

3/7 ـ نعم لنضحك، ولو إلى حين..



سؤالنا الثاني كان التالي:

ـ هل أنّ المنطق الذي يواجهنا به الغرب اليوم منطق غريب حقا، يدعو إلى الضحك أم أن اعتباره غريبا مضحكا يعود إلى قصر في النظر؟

لا أعتقد أنّ هناك الكثير ممن يميلون إلى الإجابة بالنفي: (لا، ليس هذا المنطق غريبا ولا مضحكا). فإجابة كهذه تستوجب من صاحبها أن يتحلي بشيء من الشجاعة والصبر.

فهذا المنطق أقلّ ما يوصف به هو أنه منطق غريب بلا ريب. وليس من السهل التصديق بأنّ أصحاب أعلى درجة من الرقيّ اليوم لا يستطيعون تمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود. ليس من المعقول أن نقبل دون تعجب، بأن سلالة أفلاطون وسقراط وديدرو وفولتير وكانت وماركس واينشتاين وإيدسون... ليسوا في الحقيقة سوى حوّاة. وأنّ اللغة والقوانين والأعراف والحقوق والواجبات والمعاهدات والتعهدات والاتفاقات والتوصيات جميعها لا تعني شيئا، أي شيء، في أخلاقياتهم، إذا لم تنطق بلغة مصالحهم، ولم تخدم أغراضهم، ولم تستجب لمخططاتهم. فكيف لا يثير إذن، ذلك المنطق الاستغراب والدهشة؟ بل كيف لا يدعو إلى الضحك والسخرية؟

وأنا هنا أضع الغرب كله في سلة واحدة عمدا لأن موقفهم منا واحد، هو إرادة السيطرة الكاملة على الوطن العربي والإسلامي، مهما حاولوا أن يوهمونا أن لديهم مواقف مختلفة. فإذا لم يضمنوا ذلك ضمانا لا غبار عليه، رفعت جميع الأقنعة وتحول الوضع إلى موقف عداء مطلق، لا يقبل حوارا ولا مساومة. فمن لا يعرف أن كل دولة منهم، بدون استثناء، وعلى اختلاف حكوماتها، شجّعت أو شاركت، إن قليلا أو كثيرا، في زرع هذا المرض العضال في الجسد العربي ومازالت تشجّعه أو تحرسه وترعاه سرا وجهرا، قدر ما تستطيع وأكثر؟ أما ما يتراءى لنا من اختلاف في المواقف وتعاطف مع الشعب العراقي أو الفلسطيني أو اللبناني أو السوداني، فهو لا يعدو في اعتقادنا أن يكون ذرّا للرماد في العيون، ومراوغة، وترصّدا لمصلحة هنا أو هناك.

لهذا أعتقد أن الكثير سيجيب على ذلك السؤال بـ (نعم، لا يمكن أن يكون مثل هذا المنطق إلاّ غريبا. فهؤلاء القوم هم الذين تعلمنا منهم في هذا العصر المنطق والعلوم وما زلنا نتعلم، لا يسعنا إلاّ الدهشة حين نرى كيف يلقون عرض الحائط دون حياء، ولا أي رادع أخلاقي، بما يدّعون أنهم علّمونا إياه ومازالوا يعلموننا من نظم وقوانين وقيم ومثل عليا).

كيف لا نندهش ولا نضحك عندما نرى القرارت الأممية ضدّ الصهاينة تتالى القرار بعد القرار، وتتراكم القرار فوق القرار وتحفظ القرار إثر القرار ولا يتخذ أصحاب القرار في الأمم المتحدة أيّ قرار بل لا يحرّكون ساكنا لتنفيذ أي قرار ضد الدويلة العبرية. بينما نجدهم سريعين كل السرعة، حريصين كل الحرص على تنفيذ كل قرار أو شبه قرار ضد أي دولة عربية وإن كان غير ملزم، بل ضدّ أيّ عربي، بأدقّ التفاصيل من ضروب الامتثال بدرجات الطيف المختلفة لكل بند من بنود القرار. والويل كل الويل لمن يخرق ذلك القرار خرقا ماديا، فهي الطامة الكبرى التي تتوقف لها حركات المرور في جميع العواصم الغربية. والويل له أيضا، وهذه آخر صيحة من ترهات الأمم المتحدة ومجلس أمنهم، قلت الويل له أيضا لو يخرقها ولو خرقا "معنويا".

أين قرار التقسيم الذي يؤمّن للفلسطينيين أكثر من نصف بلادهم؟


أين ذلك القرار الذي يلزم الكيان الصهيوني بالانسحاب إلى حدود 67 في فلسطين وسوريا ولبنان ؟

أين قرار حق عودة اللاجئين إلى وطنهم فلسطين وكيف يسمح لتلك الأيدي الآثمة بترحيل المزيد من أبناء الشعب الفلسطيني أو هدم منازلهم وجرف مزارعهم وحرق حقولهم؟

أين آخر القرارات، تلك التي تطالب الكيان الصهيوني بالانسحاب " فورا " و " دون شروط " من منطقة الحكم الذاتي الفلسطيني؟

أين جميع القرارات الأممية التي أنصفت الشعب الفلسطيني ولو بعض الإنصاف دون أن ترفع الولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا " فيتو " كلّ منهما الشهير ضدّها؟

لماذا لم تعقد اللجان من أجل إرغام الكيان اليهودي على تنفيذها؟

لماذا لم يلوّح الملوّحون ويهدّد المهدّدون بالويل والثبور ضد من رمى بجميع تلك القرارت عرض الحائط؟

لماذا لم تجيّش الجيوش ولم يدفع بالبوارج البحرية وحاملات الطائرات لإرغام الغاصبين المعتدين على تطبيق قرار واحد، واحد لا غير، من تلك القرارات التي وقّعت عليها الأسرة الدولية مجتمعة، وسخر منها الصهاينة كلّ السخرية ومازالوا يسخرون؟

وإذا كانت مظلمة الشعب الفلسطيني قد كشفت بجلاء ما أصبح يصطلح عليه بسياسة المكيالين، فإن الأمر قد ازداد وضوحا (وإن كنّا لا نحتاج إلى أي مزيد من الوضوح خشية أن تعشى الأبصار من شدّة الوضوح ) بافتعال الولايات المتحدة الأمريكية قضية العراق، واتهامه بامتلاك أسلحة دمار شامل، وتضييق الخناق عليه بكلّ ألوان التضييق والتهديد والإرهاب؛ من تصريحات يومية، بل صباحية مسائية، يتداول عليها من المتكلم الرسمي إلى المبعوث السامي والسفير إلى الوزير بعد الوزير والمستشار بعد المستشار حتى أعلى سلطة في البلاد، إلى تعبئة الجيوش الجرارة وإرسال البوارج وحاملات الطائرات وتأليب كل من هبّ ودب من الدول المحيطة بالعراق والبعيدة عنه آلاف الكلمترات، وكأنّ العراق يمثل قوة عظمى فوق طبيعية أو قادمة من الفضاء لغزو الكرة الأرضية، قوّة جبّارة لا قبل للولايات الأمريكية المتحدة وبريطانيا العظمى عليها بمفردهما، في حين أنّ الأمر لا يتعلق إلا بدولة من العالم الثالث.

ألا يدعو كل ذلك إلى الضحك!!!

من لا يعلم أنّ دولا كثيرة ولكن غير عربية، تملك فعلا وبشكل علني أسلحة دمار شامل بداية من هذه الدول "الكبرى" وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا، إلى دول صغرى ممثلة في دويلة الكيان الصهيوني، إلى دول من العالم الثالث أو الرابع ختاما بكوريا الشمالية التي كشفت علنا عن برامجها النووية ولم تتردد لحظة في طرد مراقبي الأمم المتحدة وشق عصا الطاعة في يد المارد الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية، وهو في عزّ عنجهيته وهيجانه ضدّ العراق البلد العربي الذي فتح لمفتشي الأمم المتحدة حدوده ومستودعاته ومصانعه ومؤسساته، بل معاهده وجامعاته وقصوره ومنازل علمائه وأساتذته وكراسات تلاميذه، رغم أنه متهم مجرّد اتهام؟

نعم، كيف لا نندهش ولا نضحك عندما نرى الدول في العالم من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب تطبّق ما أصبح من بديهيات التاريخ، فتعمل وتبني في أوقات السلم، بقدر ما تهيّئ نفسها وتستعدّ لبأساء الحرب حماية لشعوبها من ويلات الغزو والاستعمار والقهر. بينما يحرّم على الدول العربية التي عانت الويلات قرونا طويلة من الاستعمار التركي وبعده الاستعمار الغربي بكل أشكاله، حتى مجرّد التفكير في تطبيق أبسط قوانين البقاء وأظهر توصيات الأديان السماوية وسنن الحياة، لامتلاك ما يقيها شرّ الذئاب وشره الطامعين وما أكثرهم!

كيف لا نستغرب ولا نضحك عندما نرى دولا كبيرة " متحضّرة " تأسف شديد الأسف على مصرع أي جندي أو مستوطن يهودي في فلسطين المحتلّة، بينما تعتبر حصار الشعب الفلسطيني وتقتيل أبنائه اليومي نساء ورجالا، شيوخا وأطفالا ورضعا، وهدم بيوتهم ومتاجرهم ومؤسساتهم وجرف حقولهم وإغلاق مدارسهم وجامعاتهم، تعتبر كل ذلك دفاعا عن أمن الكيان الصهيوني الغاصب!

أجل، لا يمكن لوم من يستغرب ذلك المنطق العجيب ولا وصف من يضحك منه بقصر النظر. فالقوم لم يتركوا للناس فرصة للتأمل في عجائب التاريخ وغرائب الأمم واستخلاص العبرة من بدع "التحضر"
و"المتحضّرين". إلاّ أنني أرى ـ مع ذلك ـ غير هذا الرأي، كما أنني أكاد أجزم أنّ هناك من يرى معي أن ذلك المنطق الذي نحن بصدد الحديث عنه، منطق سليم لا غبار عليه. وأن الغرابة كل الغرابة هي في الاعتقاد بأنه غريب. وما الذي يمنع في عالم يحكمه مشرّعو الاستعمار وإبادة الشعوب وتجار النخاسة، أن يكون الإرهاب دفاعا عن النفس، والدفاع عن النفس إرهابا؟

إجابة قد تبدو غريبة.

ولكن للغرابة، مع ذلك، بقية.


يُـتـبَـع