المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقاومة والإرهاب والمخطط الاستعماري (4/7) ـ المغالطة لا يجب أن تمر.. / نورالدين عزيزة



نورالدين عزيزة
30/08/2009, 11:01 PM
COLOR="Navy"]
المقاومة والإرهاب والمخطط الاستعماري (4)[/COLOR]



(7/4 ) ـ المغالطة لا يجب أن تمر..




انتهينا إلى أننا لسنا في الحقيقة مع المستغربين ولا الضاحكين على الموقف الغربي المعادي للعرب وحقوقهم في فلسطين أو في العراق أو سوريا أو لبنان... وقلنا إن الغرابة الحقيقية هي في أن نستغرب أو نضحك. على أنّ هذه الإجابة تحتاج إلى بعض التوضيح الذي بدونه نكون كأننا لم نقل شيئا.

ولا بدّ لنا في رأيي أن ننطلق من القناعة التالية، وهي :

أن يكون ذلك المنطق الذي تُعامل به أمريكا ومن حرّضها أو سار في فلكها من الغرب والشرق، أمتنا العربية، منطقا سليما أو غير سليم، أو كونه غريبا مضحكا أو لا غريبا ولا مضحكا، أو أن الغرابة هي في اعتباره كذلك، كل ذلك لا اعتبار له ولا حساب في تقدير هؤلاء القوم.

إنّ الأمر لا يتعلّق مع الأسف، من قريب أو من بعيد، بالمنطق والأخلاق وحقوق الإنسان والالتزام بالعهود والمواثيق، فهذه جميعها دون استثناء، عملات مزيّفة يضحك بها أهل الحل والعقد في الغرب، على الذقون عندما يكون هناك وقت متاح للضحك. أما إذا جدّ الجد، فإنها، بناء على غياب تكافؤ الموازين، تترك المكان للغة التاريخ الحقيقية والمخططات طويلة الأمد، والمصالح التي لا تقبل أيّ مساومة ولا يمكن محاورتها أو التصدّي لها إلاّ إذا وجدت من يواجهها بنفس المنطق ونفس اللغة ونفس اللهجة ومن يتحدّاها بنفس الأنانية والعنجهية والتعالي.

ومن حق القارئ أن يتساءل: ما هو هذا " الجد " الذي "جدّ " فانقلبت هكذا.. فجأة.. رأسا على عقب، جميعُ القيم الاجتماعية والإنسانية والعالمية الدولية، فإذا مقاومة الغاصب المحتل والمطالبة بالحق المشروع والدفاع عن النفس يصبح إرهابا، أما اغتصاب الأرض والعدوان على شعب محاصر أعزل فيصبح دفاعا عن النفس؟

أجل، ما هو هذا " الجد " الذي "جدّ " والحال أنّ الكيان الصهيوني مازال كما هوى بل أقوى، وفلسطين مازالت تقاوم وفصائلها المقاومة تكافح كما كافحت منذ عقود، والعراق هو هو عازم على تحقيق استقلال قراره وحريته كما فعل دائما، وأمريكا قوية كما كانت في الحرب العالمية الأولى والثانية لكي لا نقول أقوى؟ لا جديد في اعتقادنا. وإذا كان لا بدّ من جديد فهو في أنّ النوايا الغربية الاستعمارية والأمريكية بخاصة لم يعد أمامها مجال للمراوغة والتخفي، بعد نفاد مفعول تلك الحبوب المسكنة التي مازالت توزّعها علينا الأمم المتحدة بقراراتها الأممية الدورية، وبعدما كسبوا في حقنا من وراء اتفاقات كامب ديفد وأسلو وأشباههما حوالي ثلاثة عقود من الزمن.

الحقيقة التي لا يجب أن تغرب عن أذهاننا لحظة واحدة، هي أنّ هؤلاء القوم يعلمون علم اليقين أكثر من أيّ كان، أنّ كل ما يقوم به الفلسطينيون من مقاومة على اختلاف أشكالها ليس سوى مطالبة بحقهم المسلوب ودفاع عن النفس. كما أنهم كانوا يعلمون علم اليقين أنّ العراق لا يملك ما يسمّونه أسلحة دمار شامل ولا علاقة له بتنظيم القاعدة، ويعلمون أن دولا عديدة تمتلك فعلا قدرات نووية متفاوتة من كوريا الجنوبية إلى باكستان إلى الهند إلى الصين بقطع النظر عن ترسانات الأسلحة التي تمتلكها أمريكا وروسيا وبريطانيا والكيان الصهيوني وغيره والتي تنأى عن الوصف والحصر، ويعلمون أيضا أنّ العراق وأيّ دولة عربية، بل أيّ دولة في الأرض من حقها أن توفّر لشعبها ونظامها وثرواتها كل ما أمكن من أسباب القوّة والمناعة، مثلها مثل أمريكا وغير أمريكا.

إنهم يعلمون ذلك وأكثر من ذلك. إنهم يعلمون أن الأمم المتحدة تأسست على أنقاض حربين عالميتين وأن هدفها الأسمى "المعلن" هو في الحيلولة دون شبح الحرب وعواقبها الوخيمة. كما يعلمون أن ميثاق هذه المنظمة الأممية قائم أساسا على عدم تدخّل أيّ بلد عضو في الشؤون الداخلية لبلد عضو آخر، ناهيك عن تغيير نظامه أو إقصاء زعيمه أو التصرّف في ثرواته. إنهم يعلمون أنّ ميثاق الأمم المتحدة يحرّم تحريما قاطعا اعتداء دولة على أخرى بالعنف، وأن من أهداف الأمم المتحدة السامية "المعلنة" التي تأسست من أجلها أصلا، هي السعي الدائب إلى حل المشاكل الطارئة بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية، والتقريب بين الشعوب وتمتين أواصر الصداقة والمحبة بينها والتشجيع على التفاعل الحضاري المثمر والتعاون البنّاء من أجل إنسانية أفضل وأسعد.

أجل، يعلمون كلّ ذلك وأكثر مما لا يتسع المجال للاستطراد فيه. لذلك، تجدهم حريصين كل الحرص على تطبيقه تطبيقا حرفيا متى تعلّق الأمر بشعرة واحدة من ذرات حدودهم أو مصالحهم أو مواطنيهم أو حلفائهم. أو حتى إذا تعلق الأمر بأصدقائم " أمثالنا " إذا حافظنا على طبعنا المسالم وتغاضينا عن حقوقنا ولم نتنكّر لفروض " الصداقة " وأصولها بمفهومهم هم تحديدا...

يبقى سؤالنا مطروحا: ما هذا " الجد الذي جد " فانقلبت جميع القيم رأسا على عقب أو هي في الواقع، لم تنقلب كما رأينا، ولم يتغيّر أيّ شيء ، وإنما كل ما في الأمر، أنّ المستور انكشف والنوايا ظهرت على حقيقتها؟

الإجابات في الحقيقة تملأ السوق الإعلامية من المكتوب إلى المسموع إلى المكتوب والمسموع والمرئي معا، محليا وعبر الأقمار الاصطناعية والفضائيات، وشبكات الانترنيت. ولن ندّعي بأننا في خضم هذا السيل الجارف من تحاليل المختصين والندوات والمقالات، سنأتي بجديد. غير أن لنا رأيا نعتقد أن هناك الكثير ممن يشاركوننا فيه، وهو أنّ معظم ما يملأ سوقنا الإعلامية قائم على وصفة مدسوسة أو معلنة من مؤسسات الغرب السياسية أو وسائله الإعلامية وبالذات الصهيونية والأمريكية.

هذا الاعتقاد يجعلنا نتطارح عددا من الأسئلة من أجل أن نعرف أو على الأقل نحاول أن نعرف قضيتنا الحقيقية مع الغرب وما يريده الغرب منا، ومن ثمّ ما الذي يتوجّب علينا نحن العرب القيام به؟ ولعلنا إذا توصلنا إلى حقيقة ما أو حتى بعض الحقيقة، يمكننا الاستغناء عن الكثير من اللغط وحوار الصم والعمل من أجل عمل أفضل لخير أمتنا ومصيرنا:

ـ فهل حق أنّ أمريكا والكيان الصهيوني معنيان بمشاكل الشعب الفلسطيني المدنية والسياسية والاقتصادية، وأنّ ضمير كلّ منهما غير مرتاح لسوء التدبير السياسي والاقتصادي بسبب عدم كفاءة السلطة الفلسطينية وزعمائها كما يدعون؟

ـ هل يعقلُ أن أمريكا والدول الدائرة في فلكها وفي مقدّمتهم بريطانيا، معنيون بالديمقراطية في العراق وفي أيّ دولة عربية، وغيورون على حقوق الإنسان العربي ومستقبله السياسي وسعادته؟

ـ هل الإسلام هو المستهدف فعلا، بهذه الحملة الأمريكية على الشعب الفلسطيني ومنظماته الجهادية وسلطته الشرعية ورموزه القيادية خصوصا وعلى الأمة العربية عموما؟

ـ هل صحيح أن حملة العدوانية أمريكا التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ، على الشعب العراقي المحاصر منذ أكثر من عقد من الزمن، تستهدف أساسا السيطرة على مصادر النفط العراقية والاستيلاء على هذه الثروة لسد عجزها المالي بسبب ارتفاع أسعار النفط المتزايد؟

قائمة الأسئلة تطول فهي تتناسل وتتكاثر ولا أحد يستطيع إيقافها، غير أن خطاب الإعلام اليوم يعد لها إجابة واحدة، هي :

نعم، كل ذلك صحيح.

تلك هي الإجابة التي تروّج لها وسائل الإعلام الغربية، وللأسف، العربية أيضا على حدّ سواء. ولا شكّ أن بعض أطروحات هذه الإجابة على جانب من الحقيقة ولكنه ليس الحقيقة، بل ليس هو من صلب الحقيقة التي هي في أساس هذه الممارسات الاستعمارية الغربية ضد الأمة العربية. ولعل أكبر نسبة من الحقيقة هي الرأي القائل بأن هذه الأطروحات ما هي إلا طريقة ذكية غايتها تشتيت الآراء والمواقف وتهميش قضايانا العادلة والأساسية. وإلاّ ماذا يعني هذا المعين الذي لا ينضب من الأطروحات التي لم نذكر إلا بعضها منذ قليل والتي لا يكاد يمرّ يوم إلا ونسمع بطرح جديد أو أكثر؛ كان أولها الادعاء بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وآخرها تلفيق أدلة لاتهامه بأن له علاقة بتنظيم القاعدة؟

ماذا تعني كل هذه الأطروحات والمصدر واحد، إن لم تكن حربا إعلامية نفسية وعاصفة كلامية مبيّتة غايتها الأولى والأخيرة هي التضليل والتشويش على الأذهان وساحات الحوار العربي العربي والعربي الغربي والعالمي؟

ما الحق وما الباطل في هذه الأطروحات الرائجة؟

ماذا نعني بصلب الحقيقة؟ وأين الحقيقة؟

وماذا بعد الوصول إلى الحقيقة إن كان هذا الوصول ممكنا؟

يتبع...