أحمد نمر الخطيب
31/08/2009, 10:01 PM
(1)
ويفيضُ
عن نهر السماء دم الحياةِ
وخلّةُ المرآة
في سرّ الإطار تفيضُ
عن وتر الربابة
وأفيضُ
مغتنماً نبيذ الممكن الرعوي
كنْ ولداً لتنمو في الكتابة.
(2)
مطر على الصّلصال
جُنّدَ من سماءٍ تنتشي بدم الخيول،
فكنْ على ساق القصيدة نبتةً خضراءَ
أضبطها على لحن الجنازةِ،
بعد أنْ ينمو على النهاوند
تفاحٌ ويسقط في المتاهةِ والكآبة
لأعودَ أنفلُ ما تبقّى من سؤال الغيبِ
هل يكفي لأنهضَ في الإذاعةِ،
وابتكار الشعرِ من لدن الخيالِ،
وشهوة النهدِ،
التماس الحبّ في لغة الإشارةِ،
أنْ يشي بالورد في كأس الحليبِ
وريشِ طائرنا الموشّى بالإجابةْ؟
(3)
مطر على الصّلصال
جُنّدَ من سماءٍ تنتشي بدم الخيول،
فكنْ نبيذ سمائها
مطرٌ يفيضُ على بياضيَ كلّهِ
من أوّل العَدَمِ الذي لم يأتِ بامرأتي
بيات بكائها
مطرٌ تمايل خلف خارطةِ الصدى
ليلاً،
ولم يأنس وجوديَ عندَهُ
مطرٌ تقدّستِ الصلاةُ،
صلاةُ مضطرب الخطى
في رحلته
... لكأنه نفْسي،
فخذ نفْسي
وماءَ اللذة الأولى
وكنْ غيماً على تابوت هذا البرزخ المفتوحِ
عُدْ للأرجوان على حواف الموتِ،
كنْ مثلي على سعةٍ،
ولا تقربْ رضابهْ.
(4)
الكائناتُ غبار هذا الشّهْدِ من نحل النهوضِ
إلى سبيل الأرض في بوح الرياح،
وجثة الأرواحِ
تعرقُ من يد السفر الطويلِ،
وتنتهي طيراً على نخل القصيدة والطّلا
الكائناتُ حديث سيدةٍ
إلى ظلّ البنفسج في البيوت،
وسعفة تأتي من النسيانِ
للإنسان
في لغة الخلافةِ ،
إذ ينال الطيرُ ريش الغبطة الحبلى
... بلى
مَرَّ الكلامُ عليه متكئاً
جناحيّ العُلا
فأضلّه ماءُ الغوايةِ،
سيدُ الشهوات،
تأنيثُ الغمام من الرخامْ
ما كان يمكن أنْ أحوفَ الماءَ
من كأس الغمامِ
وأنَ أهذّبَ عشبنا حِكراً على ولد
تيتّم في البياضْ
ما كان لي جذبُ الصدى
من باحة الوادي العتيقِ
ومن رعاةٍ ساقَهمْ وترٌ ينوسُ
ليصلح الصحراءَ عن عطشٍ،
ولم يبلغ سرابهْ
ولد تيتَّم في مكوث الذاتِ،
بين غوايتين وخطوتينِ
وسيق في عدم الحياةِ ، ولم
يئن لبكائهِ حالٌ من الفوضى،ولم
يعقدْ على وجه السماءِ شهابه.ْ
(5)
من صَعدة الإنجابِ
يومَ بُليتُ بالنفَس العزيزِ
نسختُ ظل مرارتي
لأعيد تشكيل الحياةِ
كما يجبْ
وكما يريد بنفسجُ الماضي الشهيدْ
وجلبتُ طائره،
ليمنحني هدوءاً خالصاً
لغةً من الأحلام تصعدُ ناينا خبباً
وتنهضُ من ثريا القلب في ليلٍ شريدْ
وتعيد للأطفال بوح حِدائهمْ
وحوارهم
لغدٍ سيرفع ذات ملحمةٍ نقابهْ.
(6)
العادياتُ
يَشِحْنَ عن رمل الخطاةِ وجوهَهُنَّ،
وخطوتي وترٌ أتمّ سبيلهُ
لمَّا بليتُ بماء نفْسي،
وانسحبتُ إلى وجوديَ كلهِ
من ريح سيدةٍ تصفّد نفْسها بدم الكتابةْ.
ودمُ الكتابة غبطةٌ عدميةٌ،
وتنام في تفاحة الشهواتْ
ودمُ الكتابة سيدُ الشهواتِ،
زلزالُ المدى،
وأنينه البدويُّ،
ممحاةُ الخطاة أذا أتمّوا ذنبهمْ،
وسعوا إلى لغة المرايا
والعادياتُ نزيلُ أنفاسي
على فوضى المكان
_ كنْ ما نويتْ
-لأكنْ سماء الأرجوانِ،
وموئل الموتى إذا عادوا،
وطائرَ جدتي في يومها النّحْس الأخير
لأريك فوضاها،
وبعضَ رياشها تنثال من لغة المرايا
لأريك أنهارَ الغناء،
سماتِه الغجرية الحبلى
بماء الرقصْ
لأريك تفاح الجنونِ
إذا تعدّى سيد الشهواتْ
شمساً يطاردها الكسوفُ تنام في رئة الغيوم
لأريك إيقاع الطفولة حين أنتهرُ الغبار
لأريك آخرَ منزل في الماء،
تنهدمُ الخطايا في مداخِلهِ
لأريك قبرةً بلون الحلم،
قبرة تؤمُ سنابلَ الموتى
وتنهضُ حين يجتلب المدى جلبابهْ.
_ كنْ ما نويتْ
_لأكنْ إذن صفة المنادى
واجتلابَ الماء من فَرْثٍ ودمْ
عَدَماٍ يؤنثُ غابة الإحساسِ،
تعفيه المناحلُ من رهان الغبطةِ الأولى.
... بلى
وجنوحِها عند الصلاة عليَّ
في يوم ينامُ ضحى
_ لأكنْ إذن أطيافَ مرآة الزمانِ،
وشمسَ باب السنديان
سمة الترابِ تأزّ زلزالَ القيامةِ
بين سيدتين تحتسيان شَهْدَ الأربعين
وقد تعرّق من خطاة ذوّبوا أنخابهْ.
(7)
ونسيتُ ذاكرتي
على سنارة العثراتِ
يمَّمتُ الرماح نواهلاً،
لأقيم خَلْو دم
سماءً من نبيذ الخوفِ
_هل كان ينفرطُ الندى
بأنينه البدويّ كالرمانِ
أو صلصال ذاكرة ألمّتْ بالصديدِ
وقد نتفتُ رياشَها،
خلو انتسابيَ للحياة ؟
_قفْ ها هنا
وتراً تغرَّبَ عن نتاج المفردات
_أنا حاضرُ النهاواند،
لا أشكو من النّقر الخفيفِ،
أصابعي نهدُ الخفاءِ،
وسيمة الراجوفِ
_أنا بحةُ الأسماء،
أسماء اللَّمى
وجنونُ مائدة الندى
أدعو الضحى
فرداً تنام ظلالهُ
_هل أنت من باب السؤالِ ؟
_أجاب حين أشاح عن وجهٍ نقابهْ
_أنا من تعاورَ ليلهُ
وأتى على سعةٍ بهاءَ الذاتِ
...لم يلمسْ كتابهْ.
(8)
_هل كان يُؤْثرني عليَّ دمُ الخيولِ
يسوحُ في شكل القصيدةِ، يمَّحي ليلاً
لأهبط خلف مرثاة الكلامِ
تحيطُ بيتَ الظلّ بالشمس البعيدةْ
_هل كان يؤثرني،
ويستهوي الفراشة في السقوطِ
على سراج اللامكانِ،
يموج بالوعد المقدّسِ تحت سيف الأرجوان
_هل كان يُؤْثرني عليَّ السنديانْ
لأعود للفوضى،
أهدّبُها
وأقطفُها سراباً لا يغيبُ
إذا صَعَدتُ هناك من درج الخفاء،
إلى غبار اللامكان،
لأشتهي خبباً ثيابَهْ.
_هل كان يُؤْثرني عليَّ دمُ الخيولِ
بيات أشواق،
وقد علّلتُ أخطائي
وحين ذويتُ من زغب الصدى
نلتُ الوجودَ بغير ما سعةٍ تعودُ
إلى ظلال الخوف في اللغة الجديدةْ
وأعودُ مجتلباً أماكن تنتشي في الليلِ
هل نايُ الرعاة أسالَ من وجعي
حوارَ الأمس،
هل مشّى ثيابَ العنكبوت
على الربابةْ ؟
(9)
لا ماءَ في البئر العتيقةِ
لا مصبَّ على جهات الظلِّ
لا شُِبّاكَ في برج الحياةِ،
ولا غمامَ
يمهّدُ الأمواجَ إذ تمشي العشيرةُ في الجنازة،
لا ضبابَ يمرُّ في الإنسان،
يكشف ما تخفّى في الصدى
وأنا وأنتَ هناك قد كنّا
نهدّبُ حربنا بدم الخيولِ،
ولا حقول تكنُّ في جسد الخريفِ،
ويستوي خوفاً عليَّ من النزولِ
إذا تعرّج صاحبي في قوس ملهاة الندى
فجراً،
وأملحني ترابهْ.
(10)
فرّطتُ في نفْسي تفيضُ بمائها
لأعيد ذاكرة الرجوع إلى نبيذ الكستناء
وأنحني خوفاً عليَّ من اللظى
لأنام في ليل الخطيئةِ،
حاملاً نعش الغبار على بياضيَ كلهِ
وأنا أفتشُ عن كمون الشمس في رئة الغيومِ
وأتّقي ولداً تيتّم في السؤال عن الجوابِ
وكان منّي حين كنتُ أنا أباه
على سرير الموتِ،
لم أركنْ على عكازه الأخويّ
حين بنيتُ منسأتي من الأحلام
ولدُ تيتّم في البياضْ
ولدٌ يفتشُ عن سواد الموت
في ماء العظام
ليعيد ما يتّمتُ في عزِّ الشباب
وينجلي كأصابع الفوضى
على نهر الرخام
ويجبُّ من ورد المدى أسبابهْ.
يتّمتهُ
وتركتهُ
وتركتُ في المقهى
سماءً من نبيذ الخوفِ
لم أصعدْ جبالَ الريحِ
لم أجلبْ مع الصّلصال في نفْسي خيالا
يتَّمتهُ خوفاً عليه من الحياةِ،
ولم أسُقْ قلبي على سيفي ابتهالا
هل كان يكفي أن أنام بلا خطيئة
يا أبي
من أجلهِ
وأعدّل الفوضى
ولدٌ شبيهُ أبيهِ
لم يصعدْ جبالَ الريحِ
لم يجلبْ مع الصّلصال في المرعى
خيالا
ولدٌ نَمَا متقلِّباً جسدي
ولم يدخل شجونَ الماء في الحانوتِ
كان أمامَهُ ظلانِ من سفر النشيدْ
نشّبتْهُ بدم الوراثةِ،
ريش ملهاة الصدى
خوفاً من الموت الشديدْ
لأعيدَ تأجيلَ الكتابة في القصيدةْ
وأكون أوّلَ من يرى
قوسَ الحياة يؤنّثُ المرمى
ويجلبُ ما يشاء من الضحى
وأكون أوّلَ من أعاد إلى الرحى
يوماً شبابهْ.
(11)
كم لوحةً سيعيشها الرسامُ
إنْ نسَّ الغرابُ على الإطار
كم لوحةً سيرى إذا مالتْ بريشتهِ
الحياةُ
وكم إذا جئنا نطارد شهوة الألوانِ
كم تخلو بنا
في نشوة الأحلام غابةْ.
سيعيشُ مبتلاً بماء الفَقْدِ
تحت نثيث مرآة اللممْ
سيظلُّ يلثغ يا بنيَّ كما العدمْ
جئنا فرادى من سماء لم تكنْ حبلى
ولم يطمث مرارتها أبٌ
يوماً
ولم
تسقط على كأسٍ ذبابةْ.
(12)
وترٌ تغرّبَ في الجحيم
فجلبتهُ من غبطةٍ محكومةٍ برذاذ أسبابي
إلى نصِّ الخراب
ولم أكن وحدي
وكان معي مريدي
كان يعطيني النبيذَ
لأكشفَ النارنج في خلواتهِ
وأضيءَ شرقَ الموت
حين ينام كوكبهُ على فرس
لأجلبه من الصحراءِ
يؤنسُ حاله خوفاً عليَّ من الغبار
وترُ تغرّبَ في دم الملكوتَِ
أبصرَ حاجة البدويِّ للسفر الطويلِ
فلم ينم كأصابع الفوضى
وترٌ تغرّب يا بنيَّ
وأنتَ في يُتم القصيدةِ
أنّة حيرى بأسئلة الرقابهْ.
(13)
لغبارها الأبويِّ
ينحاز الثرى بصلاتهِ
وهو انعتاق الأرض من أبنائها
تلك القوامة كلُّها
في لحظة الإنجاب
ممحاةُ الغبار من النسيبِ
وحالةُ الإحباط في الدنيا،
وسيما طاقة الموتى على هدم البيوت
لأكنْ إذن صفة المنادى
في اختراع السطر
يُشْكلُ غيمة الرؤيا
لأكنْ إذن في الماء
حارسهُ الأمين
ومجتبى أيامهِ الأولى،
وعاتقَ نصفه
من نطفة رعويةٍ ترعى
غبار الموج في ندهاتهِِ
بَدَدَ انكماش الجرح،
يُعتقُ في جحيم الذاهبين
إلى الصدى زريابهْ.
(14)
وأكاد أختتمُ القصيدة
غيرَ منتظرٍ مخاضَ الأرجوانِ
لأنتبهْ
ليدي تطالُ الكوكبَ الدريَّ
من عَدمٍ يكون إذا نويتُ، وما
رميتُ دماً ينازعني غيابهْ
لأهزّ طيفَ وجودهِ
بينا أحاول أن أرمّمَ ما تكاثف
من غبار النطفة الأولى
أحقِّقُها لغايات البنفسج والسّوى
وأظلُّ أنهدُ بالصلاة على بياضيَ كلهِ
من أجلهِ،
من أجل تأنيث السحابةْ.
(15)
ولدٌ تيتَّم في البياضْ
وأنا رهينُ الخلوتينِ،
ولم ألدْ ولدا
ولم أركض إلى لغةٍ تحدّثُ نفْسها
في الموتِ، لم
أرم الثرى أبداً بماء الوردِ، لم
أسطع بباب الخوفِ، لم
يسطع أبي في الخوفِ، لم
يسطع بنيَّ، ولم
يدم حالُ الكتابة
غير أنَّ الفيجنَ البريَّ ممتنعٌ
عن الرقص الغريبِ،
ومغلقٌ بابهْ.
(16)
دمُهُ على سنارة العثرات
دمُهُ على سرٍّ توغّلَ في بهاء الذاتِ
كان يرتِّبُ الفوضى كما يحلو لهُ
لا يرعوي إنْ شُرِّدَ الراعي،
وفضَّ بكارة المقهى، ونام
دمهُ على مرمى الحسام
ويشيخُ قبل أوانهِ من رعدةٍ
تروي سنابلَهُ
وتغمضُ عينُهُ
خلوَ المديد من الخطابةْ.
دمُهُ
رسائلُ من تراب سيّلتهُ يدُ الكتابة
هو نهدتي لمّا أرقّمُ غيمَ أيامي
وأشربُ قهوتي فجراً،
وأنتظر اجتلابهْ
من سماءٍ تنتشي بدم الخيولِ،
ولا تنامُ كما أنامُ
إذا تأخَّر يومَ عودتهِ،
وفاجأني يقطّرُمن لهيب الكأسِ
أحلاساً غيابهْ
فإذن
سأعقدُ مع ذواتيَ هدنةً
أمحي الخطاة بها
وسأعقدُ الرايات فوق منابري
حمراءَ لا بيضاءَ
تسندُ سنبلات الشمس في يومٍ
يريحُ رياحَهُ،
ويزيحُ عن قلب الثرى أنيابهْ.
لكأنه خلوَ المديد من الخطابةْ
يهراقُ من دمهِ الزمانُ
ليكشف المعنى ضبابياً وراء حديقة المبنى،
يؤسّس جذعَ مرآة المكانِ،ولا غيوم
تكثِّفُ الذات الشهيةْ
دمُهُ على وتر الهويةِ
يرسمُ الوجه القريبَ من الإجابةْ.
(17)
نحن الشبيهان اليتيمان
ولدٌ تعقّبَ سرَّ والده ونام
وأبٌ تعجّل موتَهُ
فاض اغتلاماً في ضحى الأيام
وأتى على زهر البنفسجِ
طائفاً بدم القيامة كلها
وعزاؤه مرثيةُ الناس الأخيرةُ
في الولوج إلى الحقيقةْ
- هل كنتُ أنزع عنهما باباً لأدخله وحيداً
حاملاً جسد المرارة والبكاء ؟
- هل كنتُ أنسبُ حجتي لقصيدتي
وأنا الذي يتّمتُ
ما يتّمتُ من ورد النساء
وفضتُ عن عسلٍ،
لأكشف للندى يوماً حجابهْ.
(18)
ولدٌ يماهي ظلّ والدهِ
تربّى في الخيام نسيَّ قوم
أحدثوا ما أحدثوا من شمعدان الخوف
ولدٌ ولم يلبسْ مرارتهُ
ولم ينذرْ عشيرتهُ
بآخر قطرةٍ بالسيف
فاضَ عن النسيب،
ولم يعمّد سرَّ والدهِ
بما يمليه قبطانُ الردى
ولدٌ ويعرجُ في سمائي
غير أني لم أنم يوماً
ولم أنشقَّ عن وتر ينوسُ
ليصلح الصحراء،
أو يغوي ترابهْ.
ولدٌ تعدّاني ليصلح نفْسهُ
وينام
لا أرضاً تنام هناكْ
ولدٌ تعدّاني
ليصلح ما تحطّمَ من زجاج الريح
يقفو حالَ غايتهِ
مساسَ دمٍ
تورّد من يتامى الأرجوانِ
وقام يتلو في عزاء الميتين
كتابهْ.
ولدٌ
تعدّى فِعْلَ والدهِ
ونام على جنابهْ.
(19)
لا دارة لظلالهِ
إذ ترفعُ الشُّباكَ عن بيت الكلامِ
وتمّحي عن نبتةٍ خضراءَ
جذوتُها الندى
لا ماء في ملكوتهِ،
لا غاية لسقوطهِ في البئرِ
لا سيارة ستمرُّ تبحث عن عطاردَ
في خوابي الصمت،
تُدْلي دلوَها
لينام في التأويل
_كنْ ما نويتْ
زغبُ الحصى لم يفترش أيامَها
عقرتهُ مائدةُ الخصوبةْ
_كنْ ما نويتْ
السيدَ الغجريَّ في برِّ الخيام
العاديات وما نسبتَ إلى الغمام
_كنْ ما نويتْ
لأكنْ صداك ومنتهاك
ونسبة الماضي إلى غدهِ
لأكنْ نماك ومبتداك
ونسبة السفر البعيد
لأكنْ حياتك في النشيد
لأكنْ ملاذكَ
حين يجترحُ الردى
أسبابهْ.
(20)
الكائنات هناك في نفْسي تنامُ
بلا رعايا،
والمرايا صَعْدةُ السبب الأخير من الوجودِ
وخامة الأيام تتبعُ ساقيَ الموتى
وتلمح سرَّها يمشي بعيدا
وحدي جسرتُ دخول أنقاضي على عجل،
وأنبتُّ السدى حجلاً طريدا
وقطعتُ أسبابي
دخولاً باتجاه الأرجوان،
تحكّماً بنبيذهِ
وحدي وكنتُ أنا أباه
وكان في رئتي سماءٌ من بهاء الذاتِ
تتبعُ خامة الأيام
لا وصلتْ رسائلُهُُ
ولا نام البريدُ عن الغموضِ
ولا تعددت الوجوهُ هناك
في كأس المرايا
الغائبات نبيذُ ما أنِسَ الوجودُ من العَدَمْ
ونقيضُ تفاحٍ تنزَّلَ من سماء الأرجوانِ
وعاث في ريش المريض بنفْسهِ
من كأسهِ خَتَمَ الحياة بقضِّها وقضيضها
وأعاد من طين البلا أنسابهْ.
(21)
وسكتُّ عن طين السّوى
وحدي،
لأكشف بردة المرعى،
وأرعى قبرات العشب،
أرعى
سيداً فضَّ النحول،
لينتمي لقبيلة النحل السعيدةْ
وسكتُّ عن نبر القصيدةْ
لأجيد معنايَ القريبَ من الغموض
أنا لستُ أكثرَ من مرايا كُسِّرتْ
لتعيد تشكيل الحياة كما يَجِبْ
أنا لستُ أكثرَ من وليٍّ نام في خلواتهِ
ورعى بهاء الذات في دنيا السببْ
أنا لستُ أبْ
لكنني طاردتُ نحلَ الشعر،
أنجبتُ القبائل كلها
وتفيضُ من باب الصلاة عليَّ،
لو سيقتْ يعاسيبُ الثرى،
أو قطّعتْ أنسابهْ.
وسكتُّ عن طين السماءِ،
لأنتمي يوماً إلى أشراطها،
وأحدّث المرعى
بأني كنتُ أكثر من أبٍ
وفّى رسالتهُ،
ولم يفطم عبابهْ.
(22)
خلَّفتُ أسبابي ورائي
شاهداً رعوية النصّ المؤنَّثِ
في سحابةْ
رَهْنَ أمواجٍ أمهّدها،
لتسقط في الظلال
وأنا مديدُ الماء
في نهد السحابةْ
وأنا المهنَّدُ
في سحابةْ
وأنا رهينُ الخلوتينِ
دوام أحوالي،
وأحوالِ الكتابةْ.
ويفيضُ
عن نهر السماء دم الحياةِ
وخلّةُ المرآة
في سرّ الإطار تفيضُ
عن وتر الربابة
وأفيضُ
مغتنماً نبيذ الممكن الرعوي
كنْ ولداً لتنمو في الكتابة.
(2)
مطر على الصّلصال
جُنّدَ من سماءٍ تنتشي بدم الخيول،
فكنْ على ساق القصيدة نبتةً خضراءَ
أضبطها على لحن الجنازةِ،
بعد أنْ ينمو على النهاوند
تفاحٌ ويسقط في المتاهةِ والكآبة
لأعودَ أنفلُ ما تبقّى من سؤال الغيبِ
هل يكفي لأنهضَ في الإذاعةِ،
وابتكار الشعرِ من لدن الخيالِ،
وشهوة النهدِ،
التماس الحبّ في لغة الإشارةِ،
أنْ يشي بالورد في كأس الحليبِ
وريشِ طائرنا الموشّى بالإجابةْ؟
(3)
مطر على الصّلصال
جُنّدَ من سماءٍ تنتشي بدم الخيول،
فكنْ نبيذ سمائها
مطرٌ يفيضُ على بياضيَ كلّهِ
من أوّل العَدَمِ الذي لم يأتِ بامرأتي
بيات بكائها
مطرٌ تمايل خلف خارطةِ الصدى
ليلاً،
ولم يأنس وجوديَ عندَهُ
مطرٌ تقدّستِ الصلاةُ،
صلاةُ مضطرب الخطى
في رحلته
... لكأنه نفْسي،
فخذ نفْسي
وماءَ اللذة الأولى
وكنْ غيماً على تابوت هذا البرزخ المفتوحِ
عُدْ للأرجوان على حواف الموتِ،
كنْ مثلي على سعةٍ،
ولا تقربْ رضابهْ.
(4)
الكائناتُ غبار هذا الشّهْدِ من نحل النهوضِ
إلى سبيل الأرض في بوح الرياح،
وجثة الأرواحِ
تعرقُ من يد السفر الطويلِ،
وتنتهي طيراً على نخل القصيدة والطّلا
الكائناتُ حديث سيدةٍ
إلى ظلّ البنفسج في البيوت،
وسعفة تأتي من النسيانِ
للإنسان
في لغة الخلافةِ ،
إذ ينال الطيرُ ريش الغبطة الحبلى
... بلى
مَرَّ الكلامُ عليه متكئاً
جناحيّ العُلا
فأضلّه ماءُ الغوايةِ،
سيدُ الشهوات،
تأنيثُ الغمام من الرخامْ
ما كان يمكن أنْ أحوفَ الماءَ
من كأس الغمامِ
وأنَ أهذّبَ عشبنا حِكراً على ولد
تيتّم في البياضْ
ما كان لي جذبُ الصدى
من باحة الوادي العتيقِ
ومن رعاةٍ ساقَهمْ وترٌ ينوسُ
ليصلح الصحراءَ عن عطشٍ،
ولم يبلغ سرابهْ
ولد تيتَّم في مكوث الذاتِ،
بين غوايتين وخطوتينِ
وسيق في عدم الحياةِ ، ولم
يئن لبكائهِ حالٌ من الفوضى،ولم
يعقدْ على وجه السماءِ شهابه.ْ
(5)
من صَعدة الإنجابِ
يومَ بُليتُ بالنفَس العزيزِ
نسختُ ظل مرارتي
لأعيد تشكيل الحياةِ
كما يجبْ
وكما يريد بنفسجُ الماضي الشهيدْ
وجلبتُ طائره،
ليمنحني هدوءاً خالصاً
لغةً من الأحلام تصعدُ ناينا خبباً
وتنهضُ من ثريا القلب في ليلٍ شريدْ
وتعيد للأطفال بوح حِدائهمْ
وحوارهم
لغدٍ سيرفع ذات ملحمةٍ نقابهْ.
(6)
العادياتُ
يَشِحْنَ عن رمل الخطاةِ وجوهَهُنَّ،
وخطوتي وترٌ أتمّ سبيلهُ
لمَّا بليتُ بماء نفْسي،
وانسحبتُ إلى وجوديَ كلهِ
من ريح سيدةٍ تصفّد نفْسها بدم الكتابةْ.
ودمُ الكتابة غبطةٌ عدميةٌ،
وتنام في تفاحة الشهواتْ
ودمُ الكتابة سيدُ الشهواتِ،
زلزالُ المدى،
وأنينه البدويُّ،
ممحاةُ الخطاة أذا أتمّوا ذنبهمْ،
وسعوا إلى لغة المرايا
والعادياتُ نزيلُ أنفاسي
على فوضى المكان
_ كنْ ما نويتْ
-لأكنْ سماء الأرجوانِ،
وموئل الموتى إذا عادوا،
وطائرَ جدتي في يومها النّحْس الأخير
لأريك فوضاها،
وبعضَ رياشها تنثال من لغة المرايا
لأريك أنهارَ الغناء،
سماتِه الغجرية الحبلى
بماء الرقصْ
لأريك تفاح الجنونِ
إذا تعدّى سيد الشهواتْ
شمساً يطاردها الكسوفُ تنام في رئة الغيوم
لأريك إيقاع الطفولة حين أنتهرُ الغبار
لأريك آخرَ منزل في الماء،
تنهدمُ الخطايا في مداخِلهِ
لأريك قبرةً بلون الحلم،
قبرة تؤمُ سنابلَ الموتى
وتنهضُ حين يجتلب المدى جلبابهْ.
_ كنْ ما نويتْ
_لأكنْ إذن صفة المنادى
واجتلابَ الماء من فَرْثٍ ودمْ
عَدَماٍ يؤنثُ غابة الإحساسِ،
تعفيه المناحلُ من رهان الغبطةِ الأولى.
... بلى
وجنوحِها عند الصلاة عليَّ
في يوم ينامُ ضحى
_ لأكنْ إذن أطيافَ مرآة الزمانِ،
وشمسَ باب السنديان
سمة الترابِ تأزّ زلزالَ القيامةِ
بين سيدتين تحتسيان شَهْدَ الأربعين
وقد تعرّق من خطاة ذوّبوا أنخابهْ.
(7)
ونسيتُ ذاكرتي
على سنارة العثراتِ
يمَّمتُ الرماح نواهلاً،
لأقيم خَلْو دم
سماءً من نبيذ الخوفِ
_هل كان ينفرطُ الندى
بأنينه البدويّ كالرمانِ
أو صلصال ذاكرة ألمّتْ بالصديدِ
وقد نتفتُ رياشَها،
خلو انتسابيَ للحياة ؟
_قفْ ها هنا
وتراً تغرَّبَ عن نتاج المفردات
_أنا حاضرُ النهاواند،
لا أشكو من النّقر الخفيفِ،
أصابعي نهدُ الخفاءِ،
وسيمة الراجوفِ
_أنا بحةُ الأسماء،
أسماء اللَّمى
وجنونُ مائدة الندى
أدعو الضحى
فرداً تنام ظلالهُ
_هل أنت من باب السؤالِ ؟
_أجاب حين أشاح عن وجهٍ نقابهْ
_أنا من تعاورَ ليلهُ
وأتى على سعةٍ بهاءَ الذاتِ
...لم يلمسْ كتابهْ.
(8)
_هل كان يُؤْثرني عليَّ دمُ الخيولِ
يسوحُ في شكل القصيدةِ، يمَّحي ليلاً
لأهبط خلف مرثاة الكلامِ
تحيطُ بيتَ الظلّ بالشمس البعيدةْ
_هل كان يؤثرني،
ويستهوي الفراشة في السقوطِ
على سراج اللامكانِ،
يموج بالوعد المقدّسِ تحت سيف الأرجوان
_هل كان يُؤْثرني عليَّ السنديانْ
لأعود للفوضى،
أهدّبُها
وأقطفُها سراباً لا يغيبُ
إذا صَعَدتُ هناك من درج الخفاء،
إلى غبار اللامكان،
لأشتهي خبباً ثيابَهْ.
_هل كان يُؤْثرني عليَّ دمُ الخيولِ
بيات أشواق،
وقد علّلتُ أخطائي
وحين ذويتُ من زغب الصدى
نلتُ الوجودَ بغير ما سعةٍ تعودُ
إلى ظلال الخوف في اللغة الجديدةْ
وأعودُ مجتلباً أماكن تنتشي في الليلِ
هل نايُ الرعاة أسالَ من وجعي
حوارَ الأمس،
هل مشّى ثيابَ العنكبوت
على الربابةْ ؟
(9)
لا ماءَ في البئر العتيقةِ
لا مصبَّ على جهات الظلِّ
لا شُِبّاكَ في برج الحياةِ،
ولا غمامَ
يمهّدُ الأمواجَ إذ تمشي العشيرةُ في الجنازة،
لا ضبابَ يمرُّ في الإنسان،
يكشف ما تخفّى في الصدى
وأنا وأنتَ هناك قد كنّا
نهدّبُ حربنا بدم الخيولِ،
ولا حقول تكنُّ في جسد الخريفِ،
ويستوي خوفاً عليَّ من النزولِ
إذا تعرّج صاحبي في قوس ملهاة الندى
فجراً،
وأملحني ترابهْ.
(10)
فرّطتُ في نفْسي تفيضُ بمائها
لأعيد ذاكرة الرجوع إلى نبيذ الكستناء
وأنحني خوفاً عليَّ من اللظى
لأنام في ليل الخطيئةِ،
حاملاً نعش الغبار على بياضيَ كلهِ
وأنا أفتشُ عن كمون الشمس في رئة الغيومِ
وأتّقي ولداً تيتّم في السؤال عن الجوابِ
وكان منّي حين كنتُ أنا أباه
على سرير الموتِ،
لم أركنْ على عكازه الأخويّ
حين بنيتُ منسأتي من الأحلام
ولدُ تيتّم في البياضْ
ولدٌ يفتشُ عن سواد الموت
في ماء العظام
ليعيد ما يتّمتُ في عزِّ الشباب
وينجلي كأصابع الفوضى
على نهر الرخام
ويجبُّ من ورد المدى أسبابهْ.
يتّمتهُ
وتركتهُ
وتركتُ في المقهى
سماءً من نبيذ الخوفِ
لم أصعدْ جبالَ الريحِ
لم أجلبْ مع الصّلصال في نفْسي خيالا
يتَّمتهُ خوفاً عليه من الحياةِ،
ولم أسُقْ قلبي على سيفي ابتهالا
هل كان يكفي أن أنام بلا خطيئة
يا أبي
من أجلهِ
وأعدّل الفوضى
ولدٌ شبيهُ أبيهِ
لم يصعدْ جبالَ الريحِ
لم يجلبْ مع الصّلصال في المرعى
خيالا
ولدٌ نَمَا متقلِّباً جسدي
ولم يدخل شجونَ الماء في الحانوتِ
كان أمامَهُ ظلانِ من سفر النشيدْ
نشّبتْهُ بدم الوراثةِ،
ريش ملهاة الصدى
خوفاً من الموت الشديدْ
لأعيدَ تأجيلَ الكتابة في القصيدةْ
وأكون أوّلَ من يرى
قوسَ الحياة يؤنّثُ المرمى
ويجلبُ ما يشاء من الضحى
وأكون أوّلَ من أعاد إلى الرحى
يوماً شبابهْ.
(11)
كم لوحةً سيعيشها الرسامُ
إنْ نسَّ الغرابُ على الإطار
كم لوحةً سيرى إذا مالتْ بريشتهِ
الحياةُ
وكم إذا جئنا نطارد شهوة الألوانِ
كم تخلو بنا
في نشوة الأحلام غابةْ.
سيعيشُ مبتلاً بماء الفَقْدِ
تحت نثيث مرآة اللممْ
سيظلُّ يلثغ يا بنيَّ كما العدمْ
جئنا فرادى من سماء لم تكنْ حبلى
ولم يطمث مرارتها أبٌ
يوماً
ولم
تسقط على كأسٍ ذبابةْ.
(12)
وترٌ تغرّبَ في الجحيم
فجلبتهُ من غبطةٍ محكومةٍ برذاذ أسبابي
إلى نصِّ الخراب
ولم أكن وحدي
وكان معي مريدي
كان يعطيني النبيذَ
لأكشفَ النارنج في خلواتهِ
وأضيءَ شرقَ الموت
حين ينام كوكبهُ على فرس
لأجلبه من الصحراءِ
يؤنسُ حاله خوفاً عليَّ من الغبار
وترُ تغرّبَ في دم الملكوتَِ
أبصرَ حاجة البدويِّ للسفر الطويلِ
فلم ينم كأصابع الفوضى
وترٌ تغرّب يا بنيَّ
وأنتَ في يُتم القصيدةِ
أنّة حيرى بأسئلة الرقابهْ.
(13)
لغبارها الأبويِّ
ينحاز الثرى بصلاتهِ
وهو انعتاق الأرض من أبنائها
تلك القوامة كلُّها
في لحظة الإنجاب
ممحاةُ الغبار من النسيبِ
وحالةُ الإحباط في الدنيا،
وسيما طاقة الموتى على هدم البيوت
لأكنْ إذن صفة المنادى
في اختراع السطر
يُشْكلُ غيمة الرؤيا
لأكنْ إذن في الماء
حارسهُ الأمين
ومجتبى أيامهِ الأولى،
وعاتقَ نصفه
من نطفة رعويةٍ ترعى
غبار الموج في ندهاتهِِ
بَدَدَ انكماش الجرح،
يُعتقُ في جحيم الذاهبين
إلى الصدى زريابهْ.
(14)
وأكاد أختتمُ القصيدة
غيرَ منتظرٍ مخاضَ الأرجوانِ
لأنتبهْ
ليدي تطالُ الكوكبَ الدريَّ
من عَدمٍ يكون إذا نويتُ، وما
رميتُ دماً ينازعني غيابهْ
لأهزّ طيفَ وجودهِ
بينا أحاول أن أرمّمَ ما تكاثف
من غبار النطفة الأولى
أحقِّقُها لغايات البنفسج والسّوى
وأظلُّ أنهدُ بالصلاة على بياضيَ كلهِ
من أجلهِ،
من أجل تأنيث السحابةْ.
(15)
ولدٌ تيتَّم في البياضْ
وأنا رهينُ الخلوتينِ،
ولم ألدْ ولدا
ولم أركض إلى لغةٍ تحدّثُ نفْسها
في الموتِ، لم
أرم الثرى أبداً بماء الوردِ، لم
أسطع بباب الخوفِ، لم
يسطع أبي في الخوفِ، لم
يسطع بنيَّ، ولم
يدم حالُ الكتابة
غير أنَّ الفيجنَ البريَّ ممتنعٌ
عن الرقص الغريبِ،
ومغلقٌ بابهْ.
(16)
دمُهُ على سنارة العثرات
دمُهُ على سرٍّ توغّلَ في بهاء الذاتِ
كان يرتِّبُ الفوضى كما يحلو لهُ
لا يرعوي إنْ شُرِّدَ الراعي،
وفضَّ بكارة المقهى، ونام
دمهُ على مرمى الحسام
ويشيخُ قبل أوانهِ من رعدةٍ
تروي سنابلَهُ
وتغمضُ عينُهُ
خلوَ المديد من الخطابةْ.
دمُهُ
رسائلُ من تراب سيّلتهُ يدُ الكتابة
هو نهدتي لمّا أرقّمُ غيمَ أيامي
وأشربُ قهوتي فجراً،
وأنتظر اجتلابهْ
من سماءٍ تنتشي بدم الخيولِ،
ولا تنامُ كما أنامُ
إذا تأخَّر يومَ عودتهِ،
وفاجأني يقطّرُمن لهيب الكأسِ
أحلاساً غيابهْ
فإذن
سأعقدُ مع ذواتيَ هدنةً
أمحي الخطاة بها
وسأعقدُ الرايات فوق منابري
حمراءَ لا بيضاءَ
تسندُ سنبلات الشمس في يومٍ
يريحُ رياحَهُ،
ويزيحُ عن قلب الثرى أنيابهْ.
لكأنه خلوَ المديد من الخطابةْ
يهراقُ من دمهِ الزمانُ
ليكشف المعنى ضبابياً وراء حديقة المبنى،
يؤسّس جذعَ مرآة المكانِ،ولا غيوم
تكثِّفُ الذات الشهيةْ
دمُهُ على وتر الهويةِ
يرسمُ الوجه القريبَ من الإجابةْ.
(17)
نحن الشبيهان اليتيمان
ولدٌ تعقّبَ سرَّ والده ونام
وأبٌ تعجّل موتَهُ
فاض اغتلاماً في ضحى الأيام
وأتى على زهر البنفسجِ
طائفاً بدم القيامة كلها
وعزاؤه مرثيةُ الناس الأخيرةُ
في الولوج إلى الحقيقةْ
- هل كنتُ أنزع عنهما باباً لأدخله وحيداً
حاملاً جسد المرارة والبكاء ؟
- هل كنتُ أنسبُ حجتي لقصيدتي
وأنا الذي يتّمتُ
ما يتّمتُ من ورد النساء
وفضتُ عن عسلٍ،
لأكشف للندى يوماً حجابهْ.
(18)
ولدٌ يماهي ظلّ والدهِ
تربّى في الخيام نسيَّ قوم
أحدثوا ما أحدثوا من شمعدان الخوف
ولدٌ ولم يلبسْ مرارتهُ
ولم ينذرْ عشيرتهُ
بآخر قطرةٍ بالسيف
فاضَ عن النسيب،
ولم يعمّد سرَّ والدهِ
بما يمليه قبطانُ الردى
ولدٌ ويعرجُ في سمائي
غير أني لم أنم يوماً
ولم أنشقَّ عن وتر ينوسُ
ليصلح الصحراء،
أو يغوي ترابهْ.
ولدٌ تعدّاني ليصلح نفْسهُ
وينام
لا أرضاً تنام هناكْ
ولدٌ تعدّاني
ليصلح ما تحطّمَ من زجاج الريح
يقفو حالَ غايتهِ
مساسَ دمٍ
تورّد من يتامى الأرجوانِ
وقام يتلو في عزاء الميتين
كتابهْ.
ولدٌ
تعدّى فِعْلَ والدهِ
ونام على جنابهْ.
(19)
لا دارة لظلالهِ
إذ ترفعُ الشُّباكَ عن بيت الكلامِ
وتمّحي عن نبتةٍ خضراءَ
جذوتُها الندى
لا ماء في ملكوتهِ،
لا غاية لسقوطهِ في البئرِ
لا سيارة ستمرُّ تبحث عن عطاردَ
في خوابي الصمت،
تُدْلي دلوَها
لينام في التأويل
_كنْ ما نويتْ
زغبُ الحصى لم يفترش أيامَها
عقرتهُ مائدةُ الخصوبةْ
_كنْ ما نويتْ
السيدَ الغجريَّ في برِّ الخيام
العاديات وما نسبتَ إلى الغمام
_كنْ ما نويتْ
لأكنْ صداك ومنتهاك
ونسبة الماضي إلى غدهِ
لأكنْ نماك ومبتداك
ونسبة السفر البعيد
لأكنْ حياتك في النشيد
لأكنْ ملاذكَ
حين يجترحُ الردى
أسبابهْ.
(20)
الكائنات هناك في نفْسي تنامُ
بلا رعايا،
والمرايا صَعْدةُ السبب الأخير من الوجودِ
وخامة الأيام تتبعُ ساقيَ الموتى
وتلمح سرَّها يمشي بعيدا
وحدي جسرتُ دخول أنقاضي على عجل،
وأنبتُّ السدى حجلاً طريدا
وقطعتُ أسبابي
دخولاً باتجاه الأرجوان،
تحكّماً بنبيذهِ
وحدي وكنتُ أنا أباه
وكان في رئتي سماءٌ من بهاء الذاتِ
تتبعُ خامة الأيام
لا وصلتْ رسائلُهُُ
ولا نام البريدُ عن الغموضِ
ولا تعددت الوجوهُ هناك
في كأس المرايا
الغائبات نبيذُ ما أنِسَ الوجودُ من العَدَمْ
ونقيضُ تفاحٍ تنزَّلَ من سماء الأرجوانِ
وعاث في ريش المريض بنفْسهِ
من كأسهِ خَتَمَ الحياة بقضِّها وقضيضها
وأعاد من طين البلا أنسابهْ.
(21)
وسكتُّ عن طين السّوى
وحدي،
لأكشف بردة المرعى،
وأرعى قبرات العشب،
أرعى
سيداً فضَّ النحول،
لينتمي لقبيلة النحل السعيدةْ
وسكتُّ عن نبر القصيدةْ
لأجيد معنايَ القريبَ من الغموض
أنا لستُ أكثرَ من مرايا كُسِّرتْ
لتعيد تشكيل الحياة كما يَجِبْ
أنا لستُ أكثرَ من وليٍّ نام في خلواتهِ
ورعى بهاء الذات في دنيا السببْ
أنا لستُ أبْ
لكنني طاردتُ نحلَ الشعر،
أنجبتُ القبائل كلها
وتفيضُ من باب الصلاة عليَّ،
لو سيقتْ يعاسيبُ الثرى،
أو قطّعتْ أنسابهْ.
وسكتُّ عن طين السماءِ،
لأنتمي يوماً إلى أشراطها،
وأحدّث المرعى
بأني كنتُ أكثر من أبٍ
وفّى رسالتهُ،
ولم يفطم عبابهْ.
(22)
خلَّفتُ أسبابي ورائي
شاهداً رعوية النصّ المؤنَّثِ
في سحابةْ
رَهْنَ أمواجٍ أمهّدها،
لتسقط في الظلال
وأنا مديدُ الماء
في نهد السحابةْ
وأنا المهنَّدُ
في سحابةْ
وأنا رهينُ الخلوتينِ
دوام أحوالي،
وأحوالِ الكتابةْ.