المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقاومة والإرهاب والمخطط الاستعماري (6/7) ـ الحقيقة الأولى: كامبل بنرمان / نورالدين عزيزة



نورالدين عزيزة
01/09/2009, 10:54 PM
المقاومة والإرهاب والمخطط الاستعماري (6)


6/7 ـ الحقيقة الأولى
تقرير كامبل بنرمان
أو اليهود الصهاينة درع بشري




كنا انتهينا إلى الحديث عن صيد العصافير. وأفضت بنا تساؤلاتنا إلى تساؤلات أخرى وأطروحات مغايرة، وبقدر ما بدت بعض تلك الأطروحات مقنعة، تبيّن أنّها في الغالب أداة تضاف في كل مرة للمزيد من التضليل.
إنّ المرء ليشعر في كثير من الأحيان أنه في متاهات لا مخرج منها، وأنّه مرغم على التنقل من متاهة إلى أخرى غصبا عنه، وأوّلها وآخرها ذلك الهدف الذي وصفناه بالمعلن، وهو الادعاء بأنّ العراق يمتلك أسلحة دمار شامل أو أنه يطوّرها. وأن أمريكا باعتبارها أم العالم الحنون اليوم، ذات العواطف النبيلة والقلب الرقيق، تجد أنّ من واجبها تخليص العالم من هذا "الصبيّ المارق" الذي يسمّى العراق، أو بالتحديد قادة العراق وعلى رأسهم الرئيس الشهيد صدام حسين.

إذا اقتنعنا أن النفط لا يشكل الهدف الأساسي كما ارتأينا، فهل يكون طرح أمريكا وبريطانيا المعلن آنذاك، ألا وهو الادعاء بأن العراق له نية امتلاك أسلحة غير تقليدية، مبررا مقبولا لتدميره؟

بل دعونا من كلّ هذا اللغط، وهيّا ننظر إلى المسألة ببساطة أكثر وموضوعية، إن بقي لهؤلاء الناس أيّ قدر من الاحترام للموضوعية؛ ودعونا نذهب إلى أبعد من أكذوبتهم، ولنفترض أن العراق لم تكن له نية امتلاك أسلحة غير تقليدية وحسب بل كان يملك فعلا تلك الأسلحة. هل كان مع ذلك قادرا على النيل من أمريكا أو بريطانيا أو أي بلد أوروبي؟

إذا كانت أمريكا وما أدراك ما أمريكا وما لها من حلفاء صغار وكبار وما تملكه من أسلحة تقليدية وكيمياوية ونووية تفوق أسلحة أوروبا بأكملها، وغير أوروبا، قلنا إذا كانت دولة عملاقة كهذه وإلى جانبها بريطانيا أشرس دولة استعمارية على وجه الأرض، تبدو عاجزة على شنّ حرب، وحدها، ضدّ العراق دون مساعدة الدول المجاورة للعراق، فبأيّ منطق يمكن للعراق أن يهدّد أمن أمريكا، ناهيك السلام الدولي؟ وحتى لو أنّ العراق كان يملك الأسلحة التي يدّعونها، فكيف يمكنه أن يواجه بمفرده أمريكا وحلفاءها وحلفاء حلفائها. أليس هذا هو الضحك بعينه على ذقون الناس؟

إنّ التعمية والتضليل هي التي قادتنا إلى حدّ الآن في بحثنا عن الحقيقة، حقيقة ما ينسج من مؤامرات ضدّ هذه الأمة العربية منذ زمن طويل. ويبدو لي أنه يحسن بنا أن ننأى بعقولنا عن هذه الترّهات وأضواء الإعلام الباهرة المجعولة أساسا لطمس الأبصار. وأن نعود بالموضوع إلى الجذور، فلا أصدق ولا أدعى إلى الثقة مثل الجذور.

لن نحتاج للتورّط في بحث أكاديمي عسير، لأننا سنعود إلى كتاب خطير بنفعه حسب تقديرنا، وسيع بكمّه عظيم بنوعه على حدّ تعبير الأستاذ عجاج نويهض أحد المعلقين الكثيرين عليه وهو «الملخص لكتاب العرب واليهود في التاريخ»[1]، علما أن الكتاب الأصلي (العرب واليهود في التاريخ) كتاب ضخم، بل هو موسوعة تاريخية صدرت في جزأين اثنين، اعتمد فيها المؤلف وثائق تاريخية وبحوثا علمية موضوعية قلما تتوفر في الدراسات التاريخية، بلغت ما يزيد على 420 مصدرا، منها 260 مصدرا أجنبيا في الجزء الأول وأكثر من 50 مصدرا أجنبيا وعربيا في الجزء الثاني.

لقد قرأنا في دروس التاريخ عن اتفاقات سايكس ـ بيكو ووعد بلفور المشهور ومؤتمر بازل، وبروتوكولات صهيون، كما قرأنا الكثير عن مؤامرات اليهود والغرب ضد العرب، طوال القرنين الماضيين.

ولكن من سمع منا بما أطلق عليه في وقته " تقرير كامبل بنرمان" ؟؟..

يعود أول تاريخ موثق للحركة الصهيونية إلى أواخر القرن التاسع عشر عندما انعقد مؤتمر سري لليهود الصهاينة بمدينة بازل السويسرية[2]. وبما أنّ بريطانيا كانت أكبر دولة استعمارية آنذاك ولا تزال، فقد وجدت في هذه الحركة الصهيونية كما جاء في "الملخص" المذكور، ما يناسب تماما، تحقيق أهدافها التوسّعية الاستعمارية.

في سنة 1905م تولّى كامبل_ بنرمن (Henry Campbell– Bannerman ) رئاسة الوزراء في بريطانيا، فشكّل لجنة من علماء تاريخ ورجال قانون وسياسة ، سمّيت لجنة الاستعمار البريطاني مهمتها الأولى والأخيرة هي :


« دراسة أفضل الطرق التي يجب الأخذ بها في المناطق الخاصة من آسيا وإفريقيا لترسيخ قدم الاستعمار فيها»

وبعد سنة من البحث والتفكير والمداولات، قدّمت هذه اللجنة تقريرا سريا إلى وزارة الخارجية البريطانية هو التقرير الذي سمّي "تقرير كامبل- بنرمن"، فأحالته هذه على وزارة الاستعمار البريطانية لتنفيذ ما جاء فيه من أفكار ووصايا. ومن بين هذه الوصايا والاقتراحات، إليكم هذه الوصية الذهبية، وهي:


ضرورة العمل على فصل الجزء الإفريقي في هذه المنطقة عن الجزء الآسيوي، وتقترح اللجنة لذلك إقامة حاجز بشري، قوي، وغريب يحتل الجسر البرّي الذي يربط آسيا بإفريقيا بحيث يشكّل في هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس قوّة صديقة للاستعمار، وعدوّة لسكاّن المنطقة » [3]

المقصود بهذه "القوة" الصديقة واضح جليّ، فمن سيقوم بهذا الدور الإجرامي لتنفيذ هذه الخطة الشيطانية غير اليهود الصهاينة الذين لا يعادون العرب وحدهم وإنما جميع سكان الأرض. ثمّ إنّنا لسنا في حاجة إلى كثير من التخمينات لأنّ ثقة هؤلاء الغربيين بأنفسهم أمام الشعوب التي ضربت على أبصارها وبصائرها غشاوة، تتيح لهم المجال حتى لأكثر التصريحات وقاحة، فها هو أحد الذين ذاقوا الأمرين من النازية وقصفها الذي كاد يزيل الجزيرة البريطانية من على وجه الأرض، هاهو تشرشل يكشف اللثام عن المقصود بالذات منالحاجز البشري القوي الغريب الصديق للاستعمار، العدو لسكان المنطقة، بتصريحه التالي:


« إذا أتيح لنا في حياتنا، وهو ما سيقع حتما، أن نشهد مولد دولة يهودية، لا في فلسطين وحدها، بل على ضفتي الأردن معا، تقوم تحت حماية التاج البريطاني، وتضمّ نحوا من ثلاثة أو أربعة ملايين من اليهود، فإننا سنشهد وقوع حادث يتفق تمام الاتفاق مع المصالح الحيوية للامبراطورية »[4]

هل أفصح من هذا الكلام وهل أبلغ !؟

لنضع سطرا تحت عبارتين من كلام واحد من أعظم أقطاب السياسة الاستعمارية البريطانية العالمية في القرن العشرين: مولد دولة يهودية ... حادث يتفق تمام الاتفاق مع المصالح الحيوية للإمبراطورية.ألا يعني ذلك أنّ الكيان الصهيونيليس إلاّ (حاجزا بشريا) وبعبارة أوضح، ليس إلاّ (درعا بشريا) بل قاعدة عسكرية متقدمة للغرب دون استثناء، جعلت لحماية مصلحته الأمنية قبل مصالحه الاقتصادية، من يقظة عربية "جدّية " محتملة، اليوم أو بعد عقود أو مئات السنين؟

هل يمكن أن يخطئ المرء معرفة العصفور الذي تتحفّز بريطانيا وأمريكا للقبض عليه حيّا أو ميّتا، من وراء محاصرة العراق ثم اجتياحه وتدميره تحت غطاء الأكاذيب والأحاجي وخيانة شرذمة من الحاقدين الخونة وأصحاب الأحلام الصغيرة الأغبياء؟

إن تدمير العراق بجيشه ومؤسساته وما عرف به من غيرة على العرب والعروبة، يكشف ظهر فلسطين وشعبها المناضل ويحرمها من كل سند غيور عليها سياسيا وعسكريا، قريب منها جغرافيا، ويحرما من كل سند خلفي، بعد أن اطمأنّ العدو على سحق الجبهة الجنوبية وشبه الخلفية وهي الأردن وحتى نصف الجبهة الداخلية بعد اتفاقات كامب ديفد وأوسلو وأخيرا محاولة تحييد جميع الفصائل التي لم تلق سلاحها وفي مقدمتها (حماس).


--------------------------------------------------------------------------------


[1] الملخص لكتاب العرب واليهود في التاريخ _ جعفر الخليلي _ دار الرشيد للنشر _ سلسلة دراسات 171 _ الطبعة الثانية _ الجمهورية العراقية 1979م
[2] بعثت في هذا المؤتمر الجمعية الصهيونية الدولية ووضعت فيه أسس ما تناقلته الصحف العالمية باسم "بروتوكولات صهيون"
[3] المرجع السابق ص 109
[4] نفس المرجع ص 110

يُتْبَع ...